أخر الاخبار

اليتيمة الكاتبة شرين مصطفى الفصل اااول


اليتيمة الكاتبة شرين مصطفى

زوجي الحبيب

أكتب إليك هذا الخطاب لأودعك وأودع هذه الحياة، صدقًا لم أعد أحتمل أن أعيش على ذلك المنوال، لقد فقدت السيطرة على نفسي، لم أعد قادرة على تحمل تقلبات هذه الحياة وتقلباتي معها؛ لذا قررت أن أبحث عن الحياة التي أحبها في الدار الآخرة.

لم أعد أحتمل العبء الذي أضعه على عاتقك بسبب مرضي، أريد لك حياة هانئة مليئة بالهدوء والحب، وهو ما فشلت أنا في تحقيقه. لقد سئمت ذلك الكابوس الجاثم على صدري، كما أنني لم أعد أحتمل تلك الهلاوس التي تنتابني من حين إلى آخر، لم أعد قادرة على التمييز بين الواقع والخيال، لم أعد أعرف هل أنام حقًا أم يُهيأ لي ذلك؟

أريد الموت فعلًا لأستريح من تلك الحياة البائسة التي أعيشها والتي حولت حياتك لجحيم، من فضلك ابحث عن أخرى تحبك وتوفر لك الحياة التي لم أستطع أن أوفرها لك، لا تحاول البحث عني، وسامحني عما سببته لك من الألم.

حبيبتك ولاء

وضعت ولاء الخطاب الذي كتبته لزوجها فارس على الفراش ليراه عندما يعود من عمله، لأول مرة تقرر أن تبتعد عنه بعد زواج دام أكثر من خمس سنوات، رغم حبها له قررت أن تتركه، لم تعد تحتمل ما تسببه له من ألم بسبب سوء حالتها النفسية وتلك الهلاوس التي تصيبها، وذلك الكابوس الجاثم على صدرها والذي لم يتركها يومًا.

لقد اتخذت قرارها أخيرًا بالرحيل، رحيلًا لا تعلم حتى الآن إلى أين سينتهي؟ ومتى سينتهي؟ فالحياة وأنت ميت من داخلك ليست حياة؛ إنما هي الموت بعينه، لقد تساوت لديها الأشياء، فلا شيء مُفرح ولا آخر مُحزن، لا طعم لشيء، فالحياة نفسها لم تعد تعني لها شيء، فكان قرار الرحيل.

كانت ولاء متعايشة مع ذلك الكابوس، وكان وليدها وزوجها ينسيانها وجوده مؤقتًا، ولكن منذ مات وليدها منذ عام لم تعد ولاء كما كانت، حزنت على وليدها الذي توفى بعد ولادته بشهرين، لم تستطع تقبل موته هكذا بدون سابق إنذار، ومنذ وفاته وهي تعالج نفسيًا لدى أحد أشهر الأطباء النفسيين في مصر؛ وبسبب علاجها الذي قارب على العام أصبحت تشعر أنها عبء على زوجها، وعبء على الحياة ذاتها، أقبلت على الانتحار كثيرًا ولكنها كانت تتراجع في اللحظة الأخيرة، سيطرت فكرة الموت عليها، أحيانًا يكون الموت راحة من آلام هذه الحياة، ولكن الموت والحياة ليست بأيدي البشر، لذا فكرت أن تترك زوجها وحياتها ورائها وتذهب بلا عودة، لا تعلم أين ستذهب ولا ماذا ستفعل، ولكنها ستذهب وكفى، لن تترك فرصة لفارس كي يجدها، فهو يستحق حياة هادئة هانئة مع زوجة تحبه وتوفر له الجو المناسب للعمل والحياة.

منذ وفاة أحمد -ولدها- زادت مرات زيارة ذلك الكابوس لها عما اعتادت عليه، كثيرًا ما كانت تستيقظ على صوت صرخاتها، لا يزال ذات الكابوس يُصر على أن يطاردها، لم يتركها يومًا طوال سنوات عمرها الثلاثون، ذات الكابوس الذي تراه كلما أغمضت عينها؛ حتى أصبحت تخاف النوم.

إنها ولاء محمد سمير عبد الواحد، ولاء فتاة ذات ملامح مصرية، خمرية اللون، محجبة وملتزمة بالزي الشرعي، سوداء الشعر، ينسدل شعرها الناعم ليُغطي كامل ظهرها، عيونها سوداء واسعة وأهدابها كثيفة وطويلة تحب النظر إليها، خاصة مع تناسبها مع رسمة أنفها الصغيرة ووجهها المستدير، طويلة ونحيفة، ملابسها بسيطة دائمًا، تعكس ألوانها حالة الحزن الدائم وعدم الشعور بالأمان، أنهت ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة بتقدير عام جيد جدًا وكانت من العشر الأوائل على دفعتها؛ لذا التحقت بالعمل في أحد المصالح الحكومية، حيث تلتزم الحكومة بتعيين العشر الأوائل من كل كلية وجامعة.

كانت ولاء يتيمة الوالدين وتربت في دار للأيتام، لم تكن تعرف ولاء أن حظها العسر هو ما وضعها في تلك الظروف، كما لم تكن تعرف في ذلك الوقت أن وفاة والديها وتربيتها في دار للأيتام ستكون وصمة عار -من وجهة نظر المجتمع- تُعير بها طوال حياتها.

حيث بدأت معاناة ولاء عندما وصلت لسن المدرسة، لم تكن معاناة لها وحدها فقط، ولكن معاناة لكل من جعلته ظروفه يلتحق بدار للأيتام، -الملجأ- كما اعتادت سماع هذه الكلمة ابتعد عنها الطلبة، بجانب النظرات الجارحة من ذويهم، وتعمد بعض المدرسين معايرتها بأنها لقيطة، ولكنها ليست كذلك، لقد شاء الله أن يموت والديها في الحادث وتبقى هي وحدها تصارع هذه الحياة، بلا أم تحن عليها ولا أب يُشعرها بالأمان.

عاشت هذه المعاناة حتى تخرجت من الجامعة وكانت متفوقة مما أهلها للعمل موظفة في الشئون القانونية بأحد المصالح الحكومية، ولأول مرة استطاعت ولاء أن تخفي حقيقة أنها تربت في دار للأيتام؛ حيث أن مصوغات التعيين المطلوبة منها شهادة ميلادها موجودة ومذكور بها اسم والديها وكذا شهادات إتمامها مراحل التعليم وهي لحسن حظها أنها لم تحتج أن تذكر أنها تربت في دار للأيتام، فلأول مرة لا يذكر أن ولي أمرها دار الأيتام، لأول مرة منذ أنهت تعليمها لا يكون هناك مجال لأوراق الملجأ في أوراقها.

لم تكوِّن ولاء أية صداقات في الكلية أو العمل؛ فهي تعرف مسبقًا مصير هذه الصداقة، معايرة لها بشيء ليس لها فيه يد، وهناك -في العمل- تعرفت على فارس، الذي أُعجب بها وطلب يدها للزواج.

يتبع

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-