أخر الاخبار

اليتيمة الكاتبة شرين مصطفى الفصل الثالث

اليتيمة الكاتبة شرين مصطفى الفصل الثالث



فارس شاب ذو ملامح مصرية تعرف أنه مصري من مجرد رؤية بشرته الخمرية وشعره الأسود القصير، ولحيته السمراء التي تزين وجهه، طويل القامة ذو جسم رياضي، شخص هادىء الطباع ومتدين، يشهد الجميع بدماثة خلقه، لا يخشى في الله لومة لائم، ودود لأقصى درجة، أحب ولاء منذ وقعت عليها عيناه، راقب تصرفاتها وردود أفعالها قبل أن يطلب يدها للزواج، لم يتغير رأيه فيها بعد أن صارحته بحياتها السابقة، وبكونها تربت في دار للأيتام، تمسك بها أمام الجميع، لم يهتم بتأخر حملها، حيث يؤمن أن الأولاد رزق من الله يؤتيه من يشاء.

فارس هو الأخ الأصغر لثلاث بنات، هن علياء الأخت الكبرى، نجحت بالكاد في دبلوم التجارة وتزوجت بعد حصولها عليه مباشرة، ولم تعمل حيث فضلت أن تكون ربة منزل، وهدير الوسطى نجحت بالكاد هي الأخرى في دبلوم التجارة بعد أن رسبت ثلاث سنوات متوالية، وكما حدث مع علياء حدث مع هدير، تزوجت وفضلت أن تكون ربة منزل، أما هويدا فأنهت كلية التجارة بتقدير عام جيد جدًا وعينت معيدة في الكلية، ومازالت تدرس لتنال درجة الماجستير، ثم الدكتوراه.

علياء وهدير هما نسخة من والدتهما شكلًا وموضوعًا؛ فهما طويلتان نحيفتان خمريتا اللون، متسلطتان، لا تهتمان بشيء سوى الشكل والمظهر الخارجي ولا شيء آخر، متزوجتان من أقارب والدتهما ولدى كل واحدة منهما ولدان، أما هويدا الأخت الأكبر من فارس مباشرةً فهي أشبه بوالدها /، بيضاء شقراء متوسطة الطول، محجبة ترتدي الزي الإسلامي الشرعي وتحفظ كتاب الله وأحاديث نبيه الكريم، لا تأخذ الناس بالظاهر أو المظاهر كما فارس تمامًا، متزوجة من أقارب والدتها أيضًا، ولكنها أحبت ولاء على العكس من والدتها وأختيها، لها من الأولاد عبير وسعاد.

عندما حملت ولاء كانت فرحة فارس لا توصف، وزاد من فَرَحِهِ ولادتها وسلامتها، أسمى الوليد أحمد على اسم والده /، وأحبه كثيرًا وعندما توفى الوليد، استجمع فارس قواه ليواسي ولاء ويعوضها عن وفاة وليدهما، قرأ في عينها الحزن، لم تعد في حال طبيعية، وصراخها المستمر جراء كابوس لم تحكِ عنه كلمة واحدة.

كان يلاحظ شرودها، وكلامها مع أشخاص غير موجودين، كان يشعر أنها ليست على ما يرام، ولكنه لا يعلم ماذا يفعل؟! عرضها على الكثير من الأطباء، كان يلاحظ اكتئابها الذي لا ينتهي، كان يراها تذبل بين يديه ولا يعرف ماذا يفعل لكي يهون عليها، لم يتركها منذ وفاة وليدهما غير أوقات العمل. إلا أنها في ذلك اليوم قررت الذهاب بغير عودة، قررت ترك العمل وترك حياتها بكاملها وراءها، لا تدري ماذا ستفعل؟ ولا أين ستذهب؟ كل ما أرادته هو التخلص من حياتها ولقاء ابنها الحبيب، لقد قررت الاستجابة لنداء ولدها، كان يظهر لها وتكلمه ويطلب منها أن ترافقه، تراه يبكي خوفًا من وحدته فيتمزق قلبها عليه، وأخيرًا أخذت قرارها بالذهاب له كيلا يبكي من وحدته وبعدها عنه.

لم تشعر ولاء بنفسها وهي تجمع بعض أغراضها وتضعها في حقيبة سفر، أخذت بعض الأشياء وتركت أخرى، لا تعرف ماذا أخذت، ولا ماذا تركت ولماذا تفعل ذلك، كل ما كانت تعلمه أنها يجب أن تبتعد عن حياة فارس لأنه يستحق من هي أفضل منها، وهي لا توفر له غير الحزن والاكتئاب والتعاسة، وأنها يجب أن تستجيب لنداء طفلها لها وأن تذهب إليه لتؤنس وحدته وتعطي له الأمان الذي افتقدت شعورها به منذ توفى أحمد، خرجت وهي تنوي ألا تعود، وهي تنوي أن تموت ولكن لا تعرف كيف تفعل ذلك؟ لم تعرف ماذا ستفعل؟ ولا أين ستذهب؟ ولكنها قررت أن تخرج بلا عودة، قررت أن تموت.

يتبع

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-