أخر الاخبار

المطلقة الفصل الاول الكاتبة حكاوي مسائية

 

المطلقة للكاتبة حكاوي مسائية

ما أتعسني بسعادة يرتجف قلبي من خوف فقدانها،وما أحزن قلبي بضحكة أخشى البكاء بعدها ،يا زهرة الرمان ،ما أجملك وما أقصر عمرك.

انا حورية ،ولكنني خرجت من الجنة ،واكتفيت بعيش مآسي الدنيا .

اسمي حورية ،اسم اختاره أبي لحبه الشديد لي ،جميلة انا ،بعيون كحيلة ذات لون عسلي آسر، ورموش كثيفة ،شعري طويل ناعم وأسود ،تجاوز طوله خصري ،تعودت أن ارفعه ذيل حصان ،بشرتي بيضاء ،وطويلة القامة ممشوقة القد .

لي أخ واحد ،يشبهني ويزيد عني طولا بجسم رياضي ،كبرنا معا في عز أهلنا ووالدينا .

نبدأ من الجد ،رجل وقور طيب وحكيم ،يسكن فيلا كبيرة مع جدتي جميلة الوجه والروح ،انجبت له ولدين ،أبي عمر موظف ببنك ،وعمي صالح فلاح ومسؤول عن مزرعتين ،ضيعة كبيرة تعددت فيهاانواع الأشجار المثمرة ،مع زريبة ابقار وأخرى اصغر للأغنام ،ومساحة حقل يزرع قمحا ،وبجانب قصي منها بيت كبير اشبه بقصر تحيطه حديقة غناء، تعتني بها زوجة عمي بحب ،تغدق على أزهارها حبا فاض لابتعاد ولدها الوحيد عنها ،وتفضيله السكن بالمدينة رغم انه انفصل عن الدراسة ولا عمل له .مروان ابن عمي ،تعود ان يصرف مال ابيه ،ويعيش كما يريد ،لا اختلاط لنا به ،بأمر من أمي ،موظفة صارمة ،هدفها الوحيد ان تكون لنا شهادات عليا .

بالضيعة الصغيرة ،بيت أصغر ،نستقر به كلما زرنا البلد ،وبها نفس الغرس والمزروعات طبعا حسب مساحتها ،

انا البكر واخي،هشام يصغرني بسنتين ،اما مروان فيكبرني بحوالي عشر سنوات ،لم يكمل دراسته ولم يتزوج ،نسمع عنه مغامرات مع الجنس اللطيف ،بشقته الكبيرة بأرقى الأحياء ،ولكننا لم نر يوما منه إلا الأدب والاحترام في زياراته النادرة .

نمَوت وانا مدللة ابي وجدي وزوجة عمي ،دلالا سلط علي عيونا حاسدة، من زوجة خالي وابنتها هاجر التي كانت بمثل عمري .

جدتي لأمي ،امرأة طيبة تسكن شقة أسفل شقة خالي ببيتها،ولهذا كثيرا ما التقي بهاجر عندها وأتعرض لتنمرها الذي لا يؤثر بي لأنني كبرت اثق بنفسي كثيرا ،ولكن كان يحزنني كرهها لي وكنت اتمناها عوضا عن أخت لم أرزقها.

دلالي على أبي وجدي ،جعلني لا أهتم بالدراسة رغم مجهودات أمي ،وتفوق هشام ليلحق بي في الثانوي ،ثم لينجح وأرسب .

لم أهتم لرسوبي ،ولكن أمي حزنت ،وغشى حزنها على فرحتها بهشام .

-المهم ان هشام نجح ،أما هي فمصيرها الزواج ،وانت ماشاء الله جعلت منها ربة بيت ممتازة .

-وانا أريدها امرأة مستقلة يا عمر ،النجاح في الدراسة والعمل يجعل من المرأة سيدة قوية مستعدة لنوائب الزمن ،ولا تضعف من أول صدمة .

-ادعي لها ان يرزقها الله بابن حلال ،تعيش معه الحب والسعادة ،ويغنيها عن العمل .

نظرت اليه وشردت :

ها أنت ابن حلال وابن ناس ،ولكنك لم توفر لي السعادة كما وعدتني ،إدمانك الخمر جعلني أعيش وحدي رغم وجودك ،تحملت وحدي مسؤولية تربية الأولاد ،ما كنت تعلم عنهم إلا ما ترى وانت غير ثمل .

لولا طيبة أمك ورعاية أبيك لانفصلت عنك ،ولكن حبهما لي عوضني عن بعدك رغم القرب ،وحب ولديك صبرني ،وجعلني احتمل نوبات جنونك ،ليكبرا بجانبك منعمين بحبك لهما وحنانك عليهما .

مرت شهور العطلة ،حزنت يوم الدراسة الأول ،هشام لم يعد رفيقي وقد تعودت رفقته واستغني بها عن غيره ،لا صديقة لي ،لأنني كنت مكتفية بصداقة هشام ،الذي اضطر ان يرافقني طيلة الأسبوع الأول ،ريثما يبدأ الدراسة .

كنت في طريق العودة ،أسير وحدي ،أضرب الأحجار الصغيرة برجلي ،مد احدهم يده يمسك دراعي الأيسر ،كما علمني هشام ،استدرت بسرعة وقبضتي اليمنى على عينه بقوة .

-يا بنت الحرام .

نظرت إليه ،شاب من الثانوية ،أكيد انه يصغرني، ولكنه قوي البنية ،ولو وقفت حتى يستوعب ما حل به ،سأتألم تحت يده كثيرا ،ولذلك أسلمت ساقي للريح ،وانا أشتم 

-انت ابن الحرام ،ولو لمستني مرة أخرى قتلتك.

مساء جاء هشام الى غرفتي 

-أصبحت تعتدين على زملائك يا حورية.

-لم أعتد على أحد ،انا لا أكلمهم ،ولا أجتمع بهم .

-وأمين ،الذي تركت عينه بلون غضبه الآن منك .

-أي لون ،ومن أمين هذا ؟

-الأزرق والأسود ،وأمين هو الذي لكمته في طريق عودتك .

-هاااه ،ولكنه من تهجم علي ،وانا دافعت عن نفسي كما علمتني .

-تهجم عليك ؟كيف ؟

حكيت له ،فقبل جبيني 

-أحسنت حورية ،الكاذب ،قال انك لكمته وهو غافل ،دون ان يعرف السبب .

-مجنونة انا؟سيكذب حتى يغطي عن الهزيمه امام بنت.

بعد ذلك تجنبني ،وكل زملائه الذين يحبون تهافت الفتيات حولهم.

اذهب الى الثانوية ،كأنني ينقصني نصفي ،أفضل الوحدة رغم محاولات فتيات عديدة لمصاحبتي ،فسمعة عائلتي الغنية تجعل صداقتي مرغوبة.

جاءت زوجة عمي لزيارتنا، كم أحبها!سيدة جليلة طيبة ،تحبنا وتعامل أمي معاملة الأخت الكبرى ،سعدنا بزيارتها ،ولكنني بعد ذهابها رأيت الحزن والقلق يعلو محيى والدتي .

بعد أيام ،كررت الزيارة ،ولكن هذه المرة رفقة جدي وجدتي وعمي ،سعادتي انا وهشام لا توصف ،ولكن القلق من نصيب والدي ووالدتي ،بعد العشاء ،طلب جدي ان اكلمه وحدنا .

-حورية ،تعلمين كم أحبك .

-وانا أحبك جدي ،ااه لو لم تكن جدي كنت خطفتك من الحاجة .

-هههه يا عفريته، وانا سأزوجك عريسا يشبهني .

-إن كان في جمالك فأنا موافقة .

-انت تعرفينه .

-لا يا جدي ،قلت ضاحكة ،لا أعرف شابا بمثل وسامتك.

اختفت ابتسامته، وكسا الجِد وجهه وقال

-مروان ابن عمك.

كأنه أفرغ علي دلو ماء مثلج.

-مروان ،لا يا جدي ،تعرف انه زير نساء ،لم يكمل دراسته ،وسكير .

-وانت ابنة عمه،ستره ،وتصبرين عليه حتى ينصلح حاله .

هربت دمعة من قلبي على خدي 

-لا يا جدي ،تعرف ان مدمن الخمر لا حياة معه ،رغم ان ماما تصبر وتخفي عنا ،ولكننا نعلم معاناتها مع أبي ،وهاهو أصبحنا في مثل طوله وما انصلح حاله.

-مروان يا ابنتي لم يتحمل مسؤولية ليصبح رجلا ،سأكون الى جانبك ومعا نرده إلى صوابه.

-وقد كنت وجدتي دائما معنا ومع ماما ،أرجوك يا جدي ،لا ترغمني على الزواج من مروان.

-كنت اتمنى ان تقفي الى جانبي ،ولكن مادمت ترفضين فلن ارغمك .

رأيت في عينيه خيبة امل ،ونكس رأسه فانسحبت الى غرفتي حيث جاءت زوجة عمي تودعني .

نام ابي ،ودخل هشام غرفته ،كنت أقرأ رواية تاهت مني معانيها لأن عقلي ما يزال يردد ما جرى اليوم ،طرقت أمي الباب ودخلت 

-أسعدني موقفك ،جنبتني كثيرا من الحرج.

-مروان ابن عمي ،ولكن سمعته تجعلني أخاف الارتباط به .

-وأية سمعة ،صارحتني أمه انه يعيش مع فتاة ،كلم والديه للزواج بها ،ولكنهما رفضاها.

-وهل مازال يعيش معا؟

-نعم ،وقال لأمه انه يحبها ولن يتزوج غيرها .

-ولماذا يخطبوني له إذن؟

-أمل بقلب جدك منذ ولادتك ان تكوني لمروان ،و يحاول ان يجبره ليفارق خليلته ويتزوجك،كنت خائفة ان يؤثر عليك ،او ان توافقي حبا في جدك .

-جدي لم يرغمني ،وانا قلت له وجهة نظري .

مرت أيام ،زارنا عمي وزوجته ولم نفتح سيرة الزواج مرة أخرى ،ولكن مروان قاطع والديه ،ومنعا عنه المال ،ولأنه لا شهادة له فقد عجز عن تدبر نفسه ،وجدي يساومه إما يعود للعمل مع أبيه بالضيعتين ،وإما لا مال له.

مازلت اذهب وأعود وحدي ،طريق الثانوية أصبحت مقفرة بالنسبة لي ،فهشام التهى عني بدراسته.

خرجت أقصد البيت ،كعادتي لا أرفع نظري ،بل التهي بقذف الحجر ،ورجلي تحفظ الطريق الى البيت .

صوت لا أميزه ينادي.

-حورية ،يا حورية .

لم اهتم وواصلت السير وركل الحصى ،لا بد انه تلميذ يريد ان يتعرف الي ،ويعرض علي صحبته ،ولكن المنادي اقترب ،حتى احسسته ورائي، تأهبت للدفاع عن نفسي ،وكسر يده إن لمسني .

-حورية،انا مروان ابن عمك .

التفتت اليه متعجبة 

-مروان ؟ماذا جاء بك الى هنا ؟

-أريد ان أكلمك .

-هيا الى البيت ،سيفرح بك هشام .

-قلت اريد ان أكلمك انت .

نظرت اليه ،قرص الشمس وراءه ،اضطرني ان أضيق عيني ،وانا أرفع رأسي لأرى وجهه ،شعره الكسثنائي يلمع بخصلات نحاسية تحت أشعة الشمس،جسمه رياضي متناسق ،وسيم بشكل ملفت ،لفحته الشمس وأعطته سمرة محببة .

-وستكلمني بالبيت،فأنت مرحب بك كل وقت يا ابن عمي.

-الكلام يجب أن يكون بيننا يا حورية ،ما رأيك لو نشرب قهوة معا.

-في المقهى ؟ابدا ،من تحسبني يا ابن عمي ؟

-انا ابن عمك ،لا ضير لو جلسنا معا .

-ابن عمي ،وليس كل الناس يعرفونك ،وانظر الآن الى نظرات التلاميذ والتلميذات،لك ان تخمن ما يفكرون به الآن.

اضطر أن يسمع كلامي ويرافقني الى البيت سيرا لأنني رفضت ركوب سيارته،رحبت به ماما متعجبة من وصولنا معا ،وفي المطبخ حكيت لها .

جلس مع أمي وهشام ،ودخلت أغير ملابسي ،بلباس بيتي مريح ،سروال رياضي قصير الى الركبة ،وقميص قطني بدون أكمام باللون الوردي.

لم ارتح لنظرة هشام ،ولكنني تجاهلتها، وجلست أقول 

-ماما ،مروان يريد أن يكلمني .

تنحنح مروان 

-كنت أحب ان أكلم حورية وحدنا ،ولكنها أصرت ان آتي معها الى البيت.

-انت ابن عمها في مقام أخيها، يمكنك ان تكلمها هنا كما تشاء .

-خالتي ،لا بد انك ظننت أنني أرفض حورية لأنني لم اكن يوم جاء جدي ووالدي لخطبتها .

-لم تكن خطبة ،كان اقتراح من جدك رفضته حورية .

التفت الي 

-هل يمكنني أن أعرف لماذا رفضتني يا حورية ؟

-ابدا ،انت ابن عمي واعتبرك أخي الكبير ،لا يمكنني ان أتخيلك زوجا .

-ولكنني لست أخاك ،ومن رأي جدي ،وأريد أن نتزوج.

-ما السبب يا مروان ،إذا كنت تعيش مع امرأة تحبها ،فلماذا تريد ابنتي؟

صمت مصدوما ،لم يكن يحسبنا نعلم بأمر خليلته .

-نعم يا مروان ،نحن نعلم عن حبك لتلك الفتاة ،وانك قاطعت والديك لأجلها ،فما السبب الذي يجعلك تذعن لأمر جدك ؟

-_______.

-انا أقول لك ،بسبب خصامك مع أبيك طردك من الضيعة ،وانقطعت عن العمل بها ،وهي موردك الوحيد ،فكيف ستعيش ،إذن تقبل بحورية.

-_________.

-مروان ،انت بمعزة ولدي ،ولكن حورية ابنتي ،ولن أضحي بها لأجل علاقتك بأسرتك. 

قام مودعا،رافقه هشام الى الخارج ،وسار معه حتى مكان سيارته.

-إن كنت تحب فتاتك تزوجها وعيشا معا ،سيأتي يوم يرضى عنك عمي ،فأنت ولده الوحيد .

-فتاتي ،ليست مناسبة لي حسب أمي وأبي .

-وحسب رأيك انت ،هل تناسبك؟

نظر اليه متعجبا ،هذا الصبي الذي يصغره باثنين عشر سنة ينصحه في أمر علاقته بخليلته ووالديه !!!!

مرت ثلاثة أيام ،اليوم الأحد ،شغل البيت مضاعف وأساعد الخادمة ،فاليوم يوم التنظيف الأسبوعي ،أمي تعد الغذاء ،وهشام يساعد في حمل ثقيل الاثاث،انتهينا والساعة تشير الى الثالثة ،اكلنا ودخلت استحم وأغير ثيابي ،أخيرا استلقيت على فراشي وغلبني النعاس من التعب .

طرق على باب الغرفة تجاهلته، ليصيح هشام بأذني 

-حورية ،حووورية،الماء يغرق بهو البيت.

قمت فزعة 

-ماذا ؟لقد انتهينا للتو ،اأاه تعبت .

ضحك وقال

-قومي ،ابن عمي هنا .

رميته بالمخدة .

-ابتعد عني ،اتركني استريح .

-قومي ،فهو يريدك ،ولكن إياك ان تخرجي من غرفتك بلباس قصير .

-وانا لا أريد ان أقابله ،لا بالقصير ولا بالطويل، بعد الأشغال الشاقة اليوم أفضل أن أنام،أخرج وأغلق الباب.

نمت من التعب ،وفي المساء حكت لي ماما عن حرج مروان لما رفضت رؤيته ،واعتذر له هشام موضحا أنني نائمة لا أعلم عن زيارته شيء ،شرح لماما سبب زيارته قائلا انه يريد ان يكلمني ويتعرف علي أكثر، و حاول أن يقنعها ان علاقته بتلك الفتاة قد انتهت ،وانها مجرد علاقة عابرة مثل غيرها .

لم تكن ماما ابنة البارحة ،ولم تقتنع بكلامه ،وارتاحت أكثر لعدم اهتمامي به وانني فضلت النوم على رؤيته.

ولكنه لم ييأس ،مرة أخرى ،انتظرني يوم الاثنين على باب الثانوية ،ومرة أخرى رافقني الى البيت ،ولكنه استغل وقت المشي ليحدثني 

-حورية ،انا مثلك ،كنت اراك اختي الصغيرة ،ولكن كلام ماما وجدي عنك فتح عيني ،وجعلني اراك بعين ابن عمك لا أخيك، والحقيقة انني أعجبت بك .

-وصاحبتك؟

-أحلام؟

-اسمها جميل .

-اهه!نعم!ليس أجمل من اسمك .ولا هي أجمل منك.

-الامر يبقى نسبيا .

-ما هو النسبي وماذا تعنين .

تكلم بنبرة قلقة متوترة 

-الجمال ،يبقى نسبيا ،فما تراه انت جميلا قد اراه انا عاديا او قبيحا، وما اراه انا فاتنا قد لا يعجبك انت ،الجمال في كل شيء نسبي ،لأن الأذواق تختلف وكذلك القلوب.

صمت طويلا ثم قال

-المهم ،فكري فيما قلت لك ،دعي أمر الأخوة ،وفكري أنني ابن عمك وأريدك زوجة لي .

-قد لا تناسبك شروطي .

-وهل لك شروط لتقبلي بي زوجا ؟

-أرأيت ؟ألم أقل لك أن كل شيء نسبي ،بالنسبة لي فجوازي بك يستلزم الالتزام بشروط أراها ضرورية ،أما بالنسبة لك ،فيكي أنك انت لأوافق وأطير من الفرحة لأنك طلبتني.

دخلت البيت بينما عاد الى سيارته ،حكيت لأمي مادار بيننا ،وكان أبي جالسا ،كعادته مساء ،يرتشف من كأسه ،ويشاهد مباراة في كرة القدم 

-أرأيت ابن أخيك ،أصبح الآن يضايق حورية ويقف لها امام الثانوية ،ليسوئ سمعتها ،كلم صالح و عمي ،ليكلماه ويأمراه ان يبتعد عنها.

-بل سيفرحان انه أهتم بها ونسي خليلته 

-ها أنت قلتها ،خليلته ،التي تعيش معه ،وما أظنه سيتخلى عنها ،بل يريد ان يجعل حورية ورقته الرابحة مع جده ،بينما يعيش حياته مع من أحب.

-سأكلم صالح ،وأبي ،ارتاحي الآن.

-لن أرتاح حتى يبتعد ابن أخيك عن ابنتي ،لا أريدها أن تعاني مثلي .

-تقارنيني بمروان؟ هل تعانين في حياتك معي ؟

-نعم ،أعاني من زوج بعيد عني وهو معي ،من ثمالتك كل ليلة ،لا أستطيع أن أكلمك أو افتح معك حوارا.

وها أنت ترفض رغم عيوبك ان أقارنك بمروان، فكيف أرضاه لحورية؟ 

فجأة تحول الحديث عن مروان وحورية الى خصام بين بابا وماما.

كالعادة ،انسحبت وهشام الى غرفتينا، وشغلنا موسيقى عالية تحجب عن أسماعنا كلاما لا فائدة من سماعه.

اتصل مروان بأمه ،يخبرها أن أحلام هجرته لأنه أصبح مفلسا، وأنه عرف معدنها الآن وندم ان أحبها يوما .

سعادة أمه به جعلتها تصدقه وتزف الخبر أنه يقين لأبيه وجده،ومع عمه سلك طريقا آخر .

التزم الجد في العمل بالضيعتين ،لم يثمل علنا وادعى انه اجتنب الخمر،وأصبح يزورنا مرة في الأسبوع بطلب ود امي ،وأصبح اخا كبيرا لهشام .

كلامه معي بحساب ،وكلما قدم لماما باقة ورد او علبة شوكولا نظر الي وهو يقول 

-أرجو أن تقبليها مني ،وددت لو أستطيع أن أقدم لك الأغلى .

عذره في كل تودده أنه أساء الى سمعة العائلة ،وأنه كان طائشا لم يقدر الكنز الذي بين يديه.

بعد أسابيع ،جاء جدي خاطبا مرة أخرى .

من عاداتنا ألا يتقدم العريس إلا بعد بادرة قبول لأهله أولا ،ليونة جانب أمي له ،جعل زوجة عمي تطلب ان تسمح لي بالجلوس معه ،لعلنا مع الوقت نحب بعضنا ،شرط والدتي ان يكون هشام ثالثنا .

جاء بكامل أناقته، وسيما بالوراثة، دعانا لنرافقه الى شرب قهوة خارج البيت .

كانت المقهى وسط حديقة ،انتشرت الطاولات والكراسي على العشب الأخضر وسط شجيرات الورد .

اختار لنا طاولة منعزله قليلا،يبدو انه زبون معتاد دعوة البنات واختيار الطاولة المناسبة .

أول مرة أجلس بمقهى ،حين سألني النادي عن طلبي ارتبكت ،فطلب لي هشام عصير برتقال .

-لم يسبق لها ان جلست بمقهى ،ولا انا ،انها أول مرة نشرب شيئا خارج البيت.

-وانا فخور وسعيد أنني أول من تخرج معه حورية ،وتجلس معه في مكان غير البيت.

كنت أتابع كلامهما ،مجاملات مروان متعمدة وليست عفوية ،لاحظ انني أطيل النظر إليه ،فظهرت عليه مسحة غرور ،صحيح انه وسيم وجذاب ،ولكنني كنت أفكر كيف أنه ليس حقيقيا،كل شيء فيه متعمد مفتعل ،كلامه ،نظراته ،جلسته وحركاته .

-تنظرين الينا صامتة يا حورية ،هل خروجك أول مرة عقد لسانك؟

-أبدا ،فلا علاقة للمكان بالكلام ،ولكنني لا أجد موضوعا مشتركا بيننا لنتحدث فيه.

-وما رأيك لو نتحدث عن ارتبطنا؟ 

-اي ارتباط تقصد ؟كنت ابن عمنا طول عمرنا ،ولكنك كنت بعيدا ،لا اهتمامات مشتركة لنا ،فارق السن حكم طبعا ،فما كنت لتلعب مع طفلين وانت ماشاء الله صبي يافع.

-ليس لفارق السن علاقة بابتعادي عنكما. 

تكلم هشام 

-وما السبب إذن ،اذا كانت علاقة والدينا جيدة ،وماما تحبك وترحب بك .

-أمور خاصة ،لا علاقة للأسرة بها .

-وهل تخلصت من تلك الامور الخاصة التي لا علاقة للاسرة بها ؟

نظر الي نظرة تكاد تقذف اللهب. 

-سخريتك لا محل لها حورية ،ولا داع لنبش قبور لا يهمك من دفن بها .

-كما تشاء يا ابن عمي ،ولكن لا تنس انك من أغلقت باب الحوار بيننا .

-كما قالت حورية ،يبدو ان فارق السن وبعدك عنا سنين عمرنا قد خلق هوة بيننا ليس سهلا ردمها في أيام. 

لا أنكر خيبتي من اول لقاء لنا ،واقتناعي بأن كل منا في وادي،يصعب ان نلتقي عند مفترق طرق.

ولكنه حدد هدفه ،ولا يهمه ان يجرب كل الطرق للوصول اليه.

لم تنقطع زياراته وحيدا أو برفقة أحد من والديه ،بسبب او دونه،وفي كل زيارة يظهر اهتمامه بي ،ورغبته في الحديث الي.

خرجنا ثلاثتنا للمرة الثانية لنفس المقهى بنفس الطاولة ،حديث حول بديهيات، بلا بلا ،لا معنى ولا هدف منها.

استأذن هشام ليدخل المرحاض ،نظر الي 

-حورية ،عندي كلام كثير لو استطيع ان أبوح لك به.

-وماذا يمنعك؟

مد يده ليمسك يدي فسحبتها بسرعة ونظرت إليه بقسوة

-لا أظن كلامنا يستدعي مسك اليد ،ويمكنك ان تبوح بما تريد أمام هشام ،ما دمنا في حكم أخويك ،وما دمت وهشام لا أسرار بيننا ،فلماذا لا تكون ثالثنا ،نشترك أسرارنا ونبوح لبعضنا بمشاكلنا الصغيرة .

-إن كانت مشاكلكم وأسراركم صغيرة ،فمشاكلي وأسراري كبيرة .

-شاركها معنا ،من يدري قد تجد عندنا الحل ،ألم تسمع أنه يوجد بالنهر مالا يوجد بالبحر .

جاء هشام ،فنظرت الى مروان أحثه على الكلام،ولما آثر الصمت نظرت أى هشام نظرة فهمها فقال

-ما الذي فاتني ؟لماذا انتما صامتين هكذا ؟

-لا شيء ،ولكن مروان مازال يعتبرنا أطفالا مشاكلنا وأسرارنا صغيرة ونحن غير أهل ليشاركنا أسراره ومشاكله الكبيرة .

-تسخرين مجددا يا حورية .

-ابدا ،ولكنني لخصت لهشام كلامنا في غيابه.

-ما دمت انزعجت من كلامي ،فاسمعاني إذن ،مادام سركما مع بعضكما،فلا بأس أن اصارحك امام أخيك .

-تتكلم كأن في الأمر خطورة ،ماذا هناك يا مروان؟

-ما هناك يا هشام هو أنني أحب حورية واريدها زوجة لي.

ضحك هشام 

-لو صارحتها منذ اليوم الأول لوفرت على نفسك خروجتين ،وبطاقات الورد وعلب الشوكولا لأمي .

شاركت هشام الضحك لاتوقف فجأة سائلة

-ومتى اكتشفت حبك لي؟

-اااه،لست أدري ،منذ كلمتني أمي عنك،قلت لها انك مازلت طفلة ،ولكنها ذكرتني أنني لم أرك منذ سنوات ،وانك في الثامنة عشرة .ولما رأيتك أعجبت بك وشيئا فشيئا أحببتك.

-أخبرك يا ابن عمي أنني فعلا ما زلت طفلة،طفلة تعرف أنك لا تحبها حب رجل لامرأة ،طفلة تعرف قصتك مع أحلام وانك لن تنساها بهذه السهولة .عن إذنك .

غادرت مسرعة ليتبعني هشام مناديا ،ركبنا تاكسي،وانهمرت دموعي 

-ماذا بك حورية ؟

-عزت علي نفسي يا هشام ،أعرف أنه مرغم على الزواج بي ،ولكنني كرهت ان يكذب ويدعي الحب،يظنني مراهقة غبية ستفرح بحب الشاب الناضج الوسيم.

كنت سأحترمه لو اعترف بالسبب الحقيقي لتقربه منا ،ولكنه مغفل أناني .

-مغفل أناني وهو الخاسر ،فكفكفي دموعك الغالية .

هشام تجاوز السادسة عشرة بقليل ،ذكاءه جعله يطوي سنوات الدراسة الابتدائية ويقضيها في أربع سنوات عوض ستة ،وتفوق بالإعدام والثانوي ليحصل على الباكالوريا وهو ابن السادسة عشرة ،ينظر اليه مروان انه طفل غِر،وهشام لا يكلف نفسه تصحيح نظرة أحد إليه ،واكتفي بمظهر الطفل وهو ذو فراسة لا تخطئ في الناس ،ولم يفتح لمروان ولا لتقربه منا.

دخلنا البيت لتستقبلنا ماما وزوجة عمي ،ارتبكت ام مروان بينما قلقت ماما لأمر البكاء على عيني.

-ما الذي حدث ؟

تطوع هشام ليجيب.

-ليتكم لا تجبرون أحدا على الزواج حسب رغباتكم، ستوفرون طاقات تهدر في الخداع وتجنبون نفوسا ان تكسر وتحزن.

دخل غرفته غاضبا، ودخلت غرفتي باكية .

احب أن أجلس بالحديقة الخلفية ،حيث زرعت شجيرات ورود اختلفت ألوانها ،كنت أفترش العشب وأحدق في نطف بيضاء في السماء،أجزاء صغيرة من سحابة تفرقت وتصارع حتى لا تبعدها الريح عن بعضها أكثر .شمس دافئة تبشر بقدوم فصل الربيع،تتبخر تحت دفئها قطرات الندى من على أوراق وبتلات الأزهار .

ظل حجب عني الشمس ،رغم أنني أغمض عيني،ولكنني افتقدت دفء لمسة أشعة الضحى 

-ابتعد يا هشام ،انت تحجب عني الشمس.

-ومتى احتاجت شمس لشمس.

صوته جعلني أقوم مذعورة أصلح هندامي 

-كيف دخلت الى هنا؟

-من الباب ،وبإذن خالتي.

-هذا لا يعطيك الحق أن تفاجئني وانا وحدي.

ضحك 

-من يسمعك يعنني دخلت عليك مخدعك.

-ولقد فعلت ،انا هنا بمخدعي ،مكاني الخاص حيث أختلي بنفسي.

-اعتبريني نفسك او جزء منها ،أدخليني عالمك .

-عالمي صغير وتافه أمام عالمك الكبير يا ابن عمي ،عالمي لن يحتمل وجودك فيه سيختل توازني.

-تخافين مني الى هذا الحد؟

-بل أتجنب ما لا أفهم وما أجهل .

-غامض انا لتخشي قربي؟

-غريب انت يا ابن عمي ،تحاول اقتحام حياتي عنوة .غريب قرر فجأة انني ابنة عمه وأصلح زوجة له .

-وماذا في ذلك ؟ كم غريبا تزوج فتاة لم يعرفها إلا بعد ان خطبها .

-ليس مرغما، ولا مبتزا  ،انت تحت ضغط جدك واعتزاز والديك تتخلى عن أحلام وتدعي حبي ،وانا رغم صغر سني أعلم أنك تمثل عليهم جميعا ،وقد تخدعهم ولكنك لن تستطيع خداعي.

نظر الي مستهزئا 

-انت أذكى منهم إذن ؟

-لست كذلك ،ولكنني المعنية بالأمر ،رغم أنك تراني طفلة ،فأنا ككل أنثى استطيع أن أحس إن كان حبك حقيقة أم ادعاء.

-ما دمنا في جولة صراحة ،اعترف لك أن حبي لم يصل درجة العشق والاشتياق ،ولكنني فعلا هجرت أحلام .

-أليست هي من هجرتك بسبب قلة مالك؟

-من هجر من ،هذا لا يهم ،المهم انني معجب بك ،والإعجاب بداية الحب ،واطلبك للزواج ،العشرة ستقوم علاقتنا وبها يكبر حبنا .

-لو كان بالعشرة يولد الحب ،لمات بالبلاد وما احترق العشاق بنار الشوق 

-هل انت عاشقة؟هل ارتبطت بعلاقة حب مع شاب ما؟

ابتسمت 

-ولماذا تسأل؟الست انسانة ولي قلب ينبض ؟ألم تعشق وتُعشق؟ألست انثى كأحلام ،أم يحق لها ما يحرم علي؟

-لم أقل هذا ،ولكنك تتكلمين عن العشق كأنك عاشقة .

-نعم أعشق ،أعشق حياتي وأخاف ان أشتاق لها كما هي الآن ،أعشق أهلي وحياتي بدونهم مستحيلة ،أعشق نفسي ولا أرضى لها ذلا ولا هوانا. أما العشق كما تفهمه انت فمازلت أبحث عمن يكون أهلا له ويستحقه. 

نظر إلي مليا ثم قال 

-امنحيني هذا الشرف ،واعطني فرصة ان أكون معشوقك. 

-وان لم استطع أن أحلام قلبك ،هل ترضى لي عذاب النوى؟

-دعيني أحاول أن اسعدك.

-أخشى أن تفشل أمام قلبك ،ويقودك هواك الى حيث راحة فؤادك واحلامك، وأكون قد تعلقت بك ،فأشقى لأنني الطرف الضعيف في المعادلة ،لأنني الأنثى التي لا يحق لها أن تجرب وتجرب ،لا يحق لها ان تعود الى حب قديم ،بينما تسعد انت مع حبك واختيار قلبك.

رأيت ماما تقف بعافية المطبخ وعينها علينا  ،كأنها لا تنتبه لكلام زوجة عمي السعيدة بجانبها.

كلمت هشام وحكيت له مادار بيننا 

-لست أعلم بما انصحك ،لست مرتاحا لمروان  وأظنه يلاعبنا جميعا باتفاق مع حبيبته، والغرض هو رضا جدي ثم عمي .

-وانا مهما ادعى ومثل أمامي أشعر بنفور منه ،واحسه يضع قناعا سميكا ،ارتعب من لحظة سقوطه. 

رأيي،أو رأي هشام لا يهم ،ما دام الكبار قرروا،وما دام تمثيل مروان أقنعها ان قلبه مال الي ونسي أحلام .هيهات هيهات متى نسي رجل أحلام مراهقته. 

ولكن الحكم صدر ،حورية ستكون لمروان ،تنسيه تيهه وتصلح حاله.وتجاهلوا ونسوا أن الحورية جائزة الصالح بالجنة وليست هي من تدخله الجنة.

الفصل التالي

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-