أخر الاخبار

ترويض ادم للكاتبة بتول طه الفصل ٣٠ و ٣١


ترويض ادم للكاتبة بتول طه


 الفصل 30

الجزء الثلاثون


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


حاولت أن تجذبه للسرير بصعوبة بالغة ولكنها نجحت في النهاية وقد تمكن منها الرعب للشعور بحرارة جسده المرتفعة للغاية هكذا، توجهت على عجل لتبحث عن أي دواء قد يخفض من حرارته، بحثت في الصندوق الموصد بالحمامات حتى وجدت خافضاً للحرارة فتوجهت لتحضر مياه ومن حسن حظها وجدت زجاجتان بالمبرد ولا يوجد شيئاً غيرهما!!


تعجبت لوجود الأتربة بكل مكان بالمنزل وكأن لم يمكث هنا أحد غيره، صبت الماء بالكوب وأخذت بعض الثلج وصبت عليه الماء البارد وتوجهت للعودة لنفس الغرفة التي يمكث بها لتنصعق للفور عند رؤيتها لجسده يرتجف بإنتفاضات متوالية والعرق يتصبب من عليه، فدثرته سريعاً بالغطاء وأعطته الدواء ولكنه محموم للغاية وتتأكد بأنه لا يشعر بأي من هذا.


شرعت في صنع الكمادات الباردة له ولا تعلم كيف تتصرف، يجب أن يأتي طبيب ليعاينه على الفور ولكن ليس هناك أحد غيرهما، أخذت تغيرها على جبينه بين الحين والآخر وتمسح أعلى صدره وذراعاه، بدأ في الهدوء قليلاً ولم يرتجف بشدة الآن


"شـ ير ين" همس بتقطع اسمها لتنظر له بغصة ألم وحزن اكتسحت حلقها لرؤيته هكذا، فكرت بسرعة فقد تسوء حالته وهي لا تستطيع التصرف فهي لا تعرف البلدة التي هي بها كما أنها لن تستطيع أن تحمله إلي السيارة للذهاب للمشفى، كما أنه ليس هناك أية طعام بالمنزل، لاحظت وجود زجاجات مشروبات كحولية فقط!


أتصلت بفاطمة كي تعطي لها رقم أحد أفراد الحراسة المتواجدين بالمنزل فلربما يكونوا من نفس شركة الحراسة التي آتت لهنا من قبل، او لربما يعلم أحداً منهم كيف تسير الأمور، تحدثت مع أحدهم وأعطته العنوان ليرسل لها على الأقل شخصان وليحضرا الطبيب كي يخبرها ما هي حالته وليكتب له أي علاج كما طلبت منه إحضار بعض الطعام.


مرت ساعتان وشيرين يتآكلها القلق من حالته، تابعت الحراس وبالفعل أوشكا على الوصول وفتحت لهم البوابة الأمامية بعد صعوبة فظلت تضغط بعض الأزرار وتنظر للشاشة بقرب الباب لترى بوابة ثانية تفتح أو باب يوصد فظلت تُجرب وتعيد كل زر كما كان حتى أستطاعت فتح البوابة


"الدكتور وصل حضرتك"


"شكراً، لو سمحت دخل اللي في ايدك على ترابيزة المطبخ وهاجيلك أول ما الدكتور يخلص" أخبرت أحدى الحراس ثم التفتت إلي الطبيب "اتفضل" أخبرته ليتبعها حتى وصلا للغرفة التي بها آدم ثم أخذت تراقبه بينما هو شرع في تفقد آدم، مرت حوالي خمسة عشر دقيقة وما إن لاحظت أنه بدء في تدوين بعض الأشياء فبدأت بالحديث


"ماله يا دكتور أرجوك طمني؟ هو كويس؟" سألت بقلق


"حمى شديدة وكمان هبوط حاد في الدورة الدموية، كويس أنك بلغتينني في الوقت المناسب، كان على وشك يحصله مضاعفات بس ضروري اوي حد يجيبله المحاليل دي، ممكن أنا أجيبها وألقها واركبهاله هنا، وكمان أول ما يفوق لازم ياكل كويس وياخد الأدوية دي"


"أكيد طبعاً، شكراً اوي، بس ممكن أعرف ايه اللي وصله لكده؟"


"سوء تغذية لمدة كبيرة، وكمان أظن أن كل ده بسبب حالة نفسية شديدة فبطل يهتم بصحته وكمان مع الحمى وصل للحالة دي" أخبرها الطبيب لتتأكد أنها هي السبب لمرضه الشديد ورؤيته في تلك الحالة دفع الكره لقلبها تجاه نفسها وندمت أشد الندم على كل ما فعلته.


خرج الطبيب ليحضر ما أخبرها به، ثم توجهت هي لصنع الطعام بعدما آتى الحراس بما أخبرتهما به بل وقد تصرفا فيمن ينظف المنزل بالرغم من أن الوقت بدأ بالتأخر ولكنها لم تكترث.


بعد الإنتهاء توجهت لتتفقد حاله وتلمست جبينه برفق لتشعر بأن الحرارة قد انخفضت كثيراً وقارب على أن يصبح طبيعياً، نظرت ليديه ولذلك المغذي المعلق بجانبه لتلعن كبرياءها وعنادها طوال تلك الفترة الماضية، لم تستطع أن تفعل شيء وانتظرت حتى أن يستيقظ وأمسكت يده الأخرى ثم جلست بجانبه كي تلاحظ أي حركة قد يفعلها.


لم يغمض لها جفناً واحداً بينما استمعت لأنفاسه المنتظمة وصدره الذي علا وهبط بإنتظام يلائم أنفاسه ولم تدري متى بدأت في الهمس


"قولتلك إني بحبك، ومكنش سهل عليا إني أقرب من أي حد، ليه مستنتنيش بس كمان شوية؟ ليه عملت في نفسك كده يا آدم؟؟ نفسي تثق فيا ولو لمرة واحدة، من غير ما تتحكم وتاخد قرارات وتفرض سيطرتك على كل حاجة..


خليك واثق اني بحبك اوي يا آدم، خليك واثق إني كنت مرعوبة من أي راجل يقرب مني وأبادله مشاعر حب تاني بعد اللي حصللي، أنت حتى موثقتش فيا في الشغل، ازاي هتثق فيا في علاقة؟ وإذا كنت بتحبني اوي كده ليه مخلتنيش اشوف حبك ده من الأول خالص أنت بس لو تبطل عصبية وتحكم كانت كل حاجة اتغيرت" جالت في رأسها بعض الذكريات ورغماً عنها انسالت دموعها منهمرة على وجنتاها


"بس تعرف!! أنا عايزاك بالرغم من سيطرتك وعنادك وتحكمك والوحش المفترس اللي جواك ده، عايزاك زي ما أنت، أنا مش هبعد عنك تاني أبداً حتى لو موتني بإيديك، استحالة ابعد، أنا مش هاقدر أصلاً ابعد، كفاية العذاب اللي شوفته وأنا بعيد عنك، اصحى يا آدم، أصحى أرجوك وكل حاجة هتكون كويسة، أنت وحشتني اوي يا آدم" همست بوهن وأعين باكية


"افندم اديني صحيت.. عايزة ايه؟" فجأة سمعت صوته لتندهش وتتسع عسليتاها


"آدم.. أنت.. أنت كويس؟ حاسس إنك أحسن؟ حاسس بإيه دلوقتي؟" انهمرت الأسئلة من شفاها رغماً عنها


"ايه اللي جابك هنا؟" سألها بجفاء


"أنا رجعت، رجعت على طول، عمري ما هامشي تاني" صاحت بإصرار لتجد شفتاه تنزوي بسخرية ثم ارتسمت ملامح الصرامة على وجهه مرة أخرى


"آه ما أنا سمعت الكلام ده قبل كده"


"المرادي مش زي أي مرة، أنا عـ.."


"ايه القرف ده كمان" قاطعها متمتماً دون أي أكتراث لما تقوله ليخلع الإبرة التي توصل المغذي من يديه


"لا يا آدم، الدكتور قال إنك لـ..."


"فارق معاكي اوي مرضي!! يا حنينة!" ضحك مجدداً بسخرية


"طبعاً فارق!! بطل سخافة بقا، أنا هاكلم الدكتور عشـ.."


"اسمعيني كويس" قاطعها حازماً "أنتي مالكيش دعوة بيا! امشي اطلعي برا ومترجعيش تاني، يالا أنا مش عايز أشوف وشك أبداً"


استمعت لما قاله وقد بعث كلامه اللاذع دموعاً لعسليتاها لتستقر بهما حبيسة ولكنها أدركت أنه غاضباً منها ومن تصرفاتها، ابتلعت ريقها ثم لم تعير كلامه اهتمام وتوجهت حتى تحضر له بعض الطعام وكل ما برأسها هو إيجاد طريقة كي يغفر لها وألا يعاملها بتلك القسوة، صممت على أن تستعيد هذا الآدم الذي كان معها منذ شهران ولن تتوقف إلا عند عودته لها!


"مش أنا اللي تستسلم يا آدم يا رأفت!!" تمتمت بينما أكملت تحضير الطعام له واخذت كل الوقت حتى تحاول السيطرة على نفسها وعلى رد فعلها عندما تواجهه ثانية.


"رجعت ليه؟ وجت من نفسها ولا مراد هو اللي كلمها؟ يا ترى ايه الدافع ورا مجيتها دلوقتي؟ ليه دلوقتي بعد ما اتعودت أشوفك بس في احلامي وخيالي.. الله يحرقك يا شيرين!! تعرفي قد ايه نفسي أحضنك وأفضل جنبك لغاية آخر نفس اخده، ياما نفسي ابوس شفايفك دول واحاوط وسك بإيديا لغاية ما تعيطي تحت مني، نفسي أتنفس شعرك اللي وحشني اوي ده،نفسي احكيلك على كل اللي حصلي وانتي مش موجودة عشان تعرفي بُعدك بيعمل فيا ايه"


ظل يُفكر بينما أنسابت المياة على جسده وظل يخلل شعره بغضب كم يحاول ألا يفقد سيطرته ثم بعد فترة أغلق المياة وأوشك على الإلتفاف بمنشفته ولكن بمجرد لمح نفسه بالمرآة تعجب لما يراه


"ده أنا بقيت رجل الكهف!! أنتي السبب! ملعونة!" تمتم بينما شرع في حلق ذقنه التي أصبحت كثيفة للغاية وعندما انتهى كان لا يزال هناك القليل من الشعر بذقنه فنمقه وفكر ألا يحلقها تماماً.


شرد بالمرآة وفكر أنه إذا تعامل معها برفق فقد تغادر مرة ثانية، وإذا عاملها بقسوة فسيعطي لها سبباً قوياً حتى تغادر!! ففي الحالتين هو لا يثق برد فعلها.


توجه مرة أخرى للمياة ليزيل آثار الشعر الكثيف وشعر بصداع كاد أن يهشم رأسه ولم يستطع التفكير بأي شيء الآن فقرر الصمت، وما إن تذكر دموعها وإخباره لها بأن تغادر أسرع ملتفاً بمنشفته ثم توجه للخارج على عجل ليراها تجلس وبجانبها صينية الطعام لينظر لها مقطباً حاجباه بينما نظرت له بتعجب وسألت نفسها "هو ماله شكله خايف كده ليه؟"


تجاهلت ما فعله وأشارت بيديها للطعام "يالا عشان ميبردش ولازم تاكل وتهتم بصحتك كويس الفترة دي، ومتنساش تاخد الأدوية بعد الأكل"


نظر لها بتحفظ وحاول السيطرة على نفسه وكبح مشاعره التي تصرخ به حتى يتوجه إليها ويحتضنها وليذهب قلقه للجحيم.


"مش عايز!" أخبرها بجفاء ولكنها لم تكترث


"وكمان لازم تلبس حاجة ده أنت يا دوبك حرارتك نزلت بالعافية وفعلاً مش هاقدر أشوفك تعبان تاني" أخبرته بينما توجهت نحوه ووقفت أمامه لتتلمس ذقنه بلطف "أرجوك يا آدم يالا اقعد كل وأنا هاجيبلك حاجة تلبسها" تبسمت له ثم توجهت خارج الغرفة ليتتبعها برماديتاه ليجد سروالها ممزق وهناك آثار دماء على ساقها وهناك القليل من العرج بخطواتها ورغماً عنه وجد قلبه يخفق بشدة


"يا ترى عملتي ايه يا غبية انتي!!" تمتم وخلل شعره وتوجه ليجلس على الأريكة لتتسلل رائحة الطعام إلى أنفه وشعر بالجوع فهو لم يأكل منذ أيام.


شرع في تناول الطعام الذي كان لذيذاً للغاية وما إن دلفت الغرفة وهي ممسكة بملابس أحضرتها من غرفته توقف ورفع نظره لها ثم نهض وتوجه مسرعاً نحوها ليحدق بعسليتاها فتوقفت رغم عنها بجوار السرير


"ايه؟ فيه حاجة؟" سألته ببراءة أزعجته لتلاحظ تثاقل أنفاسه وازدياد عقدة حاجباه وبدون أية مقدمات وكزها لينبطح ظهرها على السرير


"آدم أنت بتعمل ايه أنت اتجننت؟!" صاحت به بينما حاولت النهوض مستندة بكوعيها على السرير ورآته يدنو منها دون أن ينظر لها وتفقد ساقها ليجدها مجروحها وكاحلها به ورم واضح.


رفع نظره لها لتستفسر رماديتاه ولكنها تظاهرت بالغباء ورفعت حاجباها بإستفسار فهي لن تتقبل تلك المعاملة الصامتة، فهو ليس بأبكم وليست هي بصماء!


"ايه اللي حصل؟" زفر بسأم


" تقصد ايه؟!" اجابته سائلة متظاهرة بعد الفهم


"رجلك يا غبية، ايه اللي حصلها؟" صاح بها بعنف لتتوتر قليلاً ولكن تحكمت بأعصابها


"شخص غبي، راح في حتة بعيدة واستخبى وافتكر إن محدش هيلاقيه، اتاريه كان بايت في نفس الأوضة اللي كنت بايتة فيها هنا وقفل البوابة الرئيسية عشان محدش يعرف يدخل.. عشان كده كان لازم الاقي حل اني انط من على البوابة عشان اجي اشوف الغبي اللي وحشني" أخبرته بتحفز


"عايزة تقوليلي إنك اتشعبطتي على البوابة ووقعتي؟" صاح متعجباً بعد أن ضحك بسخرية


"آه" اجابته ببساطة


"يا سلام!! مشهد إنما ايه! انظر فتاة تضحي من أجل حبيبها، هافتكره وأنا بصور فيلمي الجاي" استمر بالضحك ثم وجه ظهره لها وسار مبتعداً لتشعر هي بالغضب فنهضت وتبعته ثم نظرت له بغضب


"البسي ده" صاحت ثم أعطته الملابس لتوجه يدها نحو صدره بعنف "وإياك متكملش أكلك ولا متاخدش الدوا!! وإلا أقسم بالله هـ.."


"هتعملي ايه، بتهدديني مثلاً؟" سألها بسخرية


"اعتبره تهديد بقا ولا اعتبره زي ما تعتبره" صرخت به وتوجهت خارج الغرفة صافعة الباب خلفها بحنق.


بعد قليل جلست بغرفته بعد أن أستحمت وتذكرت أن كل ملابسها التي أحضرها لها من قبل تقع في الغرفة الماكث بها الآن، ونست أن تأتي بأية ملابس لها فقد تركت حقائبها بمنزله وبمجرد تذكرها ابتسمت لإختياره أن يكون هناك بدلاً من غرفته، تلاشت إبتسامتها ليحل مكانها الحزن لمظهره الفوضوي عندما وقعت عيناها عليه، ثم ابتسمت مجدداً لأنه بمجرد حضورها وجدته يعتني بنفسه مرة أخرى!


"زي ما اخد وقته في انه يحبني بجنون كده، وزي ما اتغير في سنتين، هديله بردو وقته عشان يسامحني" تمتمت ثم أحكمت رباط رداءه الذي لم تجد غيره كمنشفه بالحمام ثم توجهت لغرفتها حتى ترتدي أي شيء.


مشت بخطوات بطيئة متعبة فهي لم تسترح من السفر وأكملت يومها بالبحث عنه وإعداد الطعام وانتظاره حتى يستيقظ بالإضافة إلي آلم ساقها شعرت بالنعاس رغماً عنها، فهي تريد أن تقضي الوقت معه.


طرقت الباب برفق ثم لم تسمع صوته فدخلت الغرفة لتجده يرتدي البنطال التي أحضرته ولم يرتدي شيئاً آخر


"آدم أنت كنت سخن من ساعتين وعمال تترعش، أرجوك ألبس حاجة" همست بتعب وهي في طريقها لغرفة الملابس وهو لم يلتفت حتى لها ولكنه شعر بنبرتها الغريبة المُتعبة.


بمجرد دخول غرفة ملابسها والنظر لمحتوياتها التي بدت وكأنها ساحة للحرب، ابتلعت ريقها وأدركت أنه بسبب غضبه قد بعثر أشيائها بذلك المنظر "امسكي نفسك واعملي نفسك مش شايفة حاجة" تمتمت بهمس ووصدت الباب وتناولت بيدها بعض الملابس لترتديها دون إكتراث للفوضوى التي حولها وبعدها خرجت لتجده جالساً مثلما كان فاقتربت منه وجلست بجانبه وأمسكت بيده رغماً عنه.


"عارفة أني تأخرت، وعارفة إني جرحتك، وعارفة كويس اوي أنت بتفكر ازاي دلوقتي وده من حقك، مش هاقولك لأ على حاجة أبداً، اختار واتصرف زي ما تحب، عايز تراقبني ولا عايزني اقد معاك في بيتك أو ارجع لشغلي معاك بشروطك وتحكماتك ماشي براحتك.. وأنا مستعدة أعمل عشانك اي حاجة عشان تسامحني، أنا آسفة يا آدم" همست بجانبه وهي ما زالت ممسكة بيده لتراه ينظر لها ببرود، لم تستطيع أن ترى شيئاً برماديتاه غير الفراغ.


أنتظرت حتى يقل أي شيء ولكنه ظل يعطيها تلك المعاملة الصامتة لتدرك أن أمامها طريقاً طويلاً حتى يعود طبيعياً معها.


"أي حاجة؟!" سألها بعدما آخذ وقته في التفكير ولكن مازالت عيناه لا تُفيضان بالحب مثلما رآته من قبل


"ايوة.. اي حاجة" اجابته هامسة ليتمعن في ملامحها المُتعبة ولكنه لم يريد أن يتحدث معها الآن


نهض من جانبها وتوجه خارج الغرفة وتبعته بعسليتاها متعجبة ولم يلبث إلا دقيقتان وعاد بيده شيئاً لتجده يجلس أسفل ساقها ويبدأ في تدليك ساقها بمرهم ثم ضمد تلك الخدوش والجرح الذي بساقها لتتابعه بنظراتها وبداخلها سعادة أنه مازال يكترث ويهتم بها.


"شكراً" أخبرته لتتمعن أكثر في تفاصيله التي أشتاقت لها كثيراً، شعره الفوضوي ورائحته المنعشة، حتى الطريقة التي يتنفس بها أشتاقت لها هي الأخرى.


بعد أن أنتهى نهض مبتعداً ليقف بالشرفة وتركها فلم تتبعه، كان مشتتاً كما كانت هي مرهقة فلم يتبادلا أي كلمة أخرى، جالت أفكاره بأسباب عودتها وماذا عليه أن يفعل معها ويحاول جاهداً ألا يصب غضبه وإنزعاجه عليها حتى لا تتطور الأمور بشكل فوضوي مرة أخرى!!


عاد للغرفة مرة ثانية ليراها نائمة فأقترب منها ليتأكد من نومها وبعد سماعه لأنفاسها المنتظمة بدأ في التصرف بدون أي حواجز، استلقى بجانبها دون إفتعال أية ضوضاء حتى لا تشعر به وتنزعج فتستيقظ مرة أخرى ثم استمر في التحديق بها بملامح تنهال منها مزيج من الآلام والعشق في آن واحد


" أنتي نايمة؟" همس بالبداية ولكنه لم يتلقى جواباً "أنتي تعرفي أنا جوايا ايه؟ حاسة بالنار اللي بتغلي جوايا واللي بفكر فيه؟ سامعة يا شيرين الصوت اللي بيهمس في قلبي المتخلف اللي بيعشقك ومبيقدرش على بعدك؟ بتحبيني كده زي ما بحبك؟ عارفة؟! كل ما بيمر ثانية عليا حبي ليكي بيكبر في قلبي سنين مش ثواني بس!


كل ما بقيتي قريبة بقيت عامل زي الولهان لما بسرح في ضحكة وبراءة عنيكي، لما بصحا والاقيكي جنبي وأشوف عينيكي العسلية دي بتبصلي بنسى كل حاجة كانت مضايقانا، بنسى كل اللي كنت بفكر فيه طول حياتي، بنسى أنا مي ومبفتكرش غير حاجتين، أول حاجة حظي اللي من السما اللي خلاني اقابلك وأعرفك، والحاجة التانية هو الخوف اللي بقا بيجري في دمي يا شيرين وبفضل أسأل نفسي هتمشي وتسبيني تاني ولا لأ؟!" أكمل هامساً بينما أنسالت دمعة من طرف رموشه رغماً عنه


"بعيط عشانك يا حبيبتي، بعيط عشان خايف ومرعوب لا تسيبيني وتبعدي عني تاني، ضعفتيني يا شيرين اوي، انتي الوحيدة اللي قدرتي على الوحش اللي جوايا اللي كان دايماً بيمنعني أحب، هزمتيه وفوزتي بقلبي، بس خايف اوي لا تكسري قلبي وتهزميه هو كمان" تمتم متألماً بمكنونات صدره وظل يحدق بها ويستنشق عبيرها الذي أشتاق إليه حد اللعنة إلي أن ثقلت جفونه ولم يدري متى أستسلم للنعاس.


تسللت الأضواء لعسليتاها لتستيقظ وتدرك تلك الرائحة التي تحاوطها، تلك الرائحة التي لطالما عرفتها على بُعد مسافات أغلقت عيناها مبتسمة "آدم" همست بينما تحسست الشراشف بجانبها ولكنها لم تجده فأدركت أنه كان نائماً بالقرب منها منذ قليل، لم تسمع رده ولكنها شعرت به.


نهضت جالسة بينما رآته جالساً على الأريكة المقابلة للسرير وتذكرت مثل هذه اللحظات من قبل بمنزله وكم كانت تمر الليالي المليئة بالمشاحنات لتستيقظ تجده بجانبها دائماً مهما كان الأمر ولم تجد إلا أن تنظر له بإبتسامة "صباح الخير" أخبرته ولكنه لم يبادلها وهي لم يحزنها ذلك، علمت أنه مازال غاضباً وأن وجوده بجانبها هو كل ما يهمها ولا تريد شيئاً آخر.


نهضت لغرفة الملابس بينما انتشلت ما يلائمها من بين تلك الفوضى وسارت للحمام، بعد انتهائها خرجت بإبتسامة مجدداً ترتسم على شفتاها لتسأله "فطرت ولا لسه؟" وتريثت لتحصل منه على نظرة أو كلمة، حتى إماءة فهي لن تمانع ولكنه قرر أن يُكمل تمثيلية الصمت التي برع بها وبجدارة.


"طب أخدت الدوا؟" سألته بقليل من الضيق لتحاول التحكم بأعصابها والسيطرة على مشاعرها التي تحثها على أن تهرع لأحضانه وتتوسل إليه لطلب مغفرته حتى ينتهيا من تلك المعاناة ولكن لم تريد أن تستبق الأحداث.


لم يجيبها مجدداً مما آثار حنقها فتوجهت وصنعت الطعام لهما، آتت به وتركته أمامه بينما تناولت صحنها وكوباً من العصير وتوجهت للشرفة بعيداً عنه.


نظر آدم لما أمامه وهو يتعجب إهتمامها ومازال الشك يعتري قلبه ويسيطر على تفكيره ليخيل له أنها عادت من أجل شيء آخر، ليس من أجله، ولكنه سيتأكد بطريقة ما أو بأخرى، عليه فقط إستجماع قوته مثل الماضي، عليه التأكد من نواياها تلك المرة، لأنها لو غادرت مجدداً سيفقد عقله وسيذهب لآخر الكون ورائها حتى لو أضطر أن يُكبلها بسجن مهجور ويجلس أمامها إلي نهاية حياته وإلي آخر نفس به ولن يدعها تذهب.


لم يكترث لمبادلة إهتمامها ولا خوفها الذي بدا جلياً كالشمس على صحته وعلى ما تعرض له، فعشق تفاصيلها التي حفظها وراجعها بعقله كل يوم مر من غيابها جعله متأكداً من مدى صدقها أو كذبها، إلا بشيء واحد فقط.. هل ستغادره مرة ثانية؟!


آخذ في تناول الطعام ثم علاجه في منتهى البرود ثم أنتهى "شيرين!!" ناداها لتأتي إليه وكل ما تُفكر به هل انتهى كابوس صمته آخيراً.


"نعم.. أنت محتاج حـ.."


"أنا خلصت، شيلي الباقي على المطبخ وتعالي ورايا" قاطعها آمراً بينما نهض بشموخ ولوهلة تذكرت شبحاً لم تراه منذ مدة كبيرة، ظنت أنه اندثر مع ذلك الوقت ولكن طردت تلك المُخيلات من رأسها وفعلت ما أخبرها به وهي تصد عن عقلها ما أدركه للتو.


"أنا هوريكي يا حبيبتي وهاعلمك الأدب حاضر، أنا هاخد حق الوجع اللي وجعتهيوني في غيابك عني، وابقي اعملي بقا اللي أنتي عايزاه بس استحالة اسيبك تمشي يا شيرين، مهما عملت فيكي، ومهما اتطورت الأمور بينا أنا هاعرف ازاي اسيطر على مشاعرك وقلبك وتفكيرك لغاية ما أتأكد أنكمش هاتعملي اللي عملتيه فيا ده تاني" فكر مبتسماً بخبث وعادت نظرات الغرور لتنهال من عيناه ولبس رداء البرود مرة أخرى منتظراً رد فعلها بعد سماعها لما لديه.


"نعم يا آدم؟" سألته مُكبلة حيرتها التي أدرك أنها تكاد تنهمر من تلك العينان البريئتان ولكنه أسكت ذلك الذي يكاد يهشم أضلعه حتى لا يعترف بهيامه واشتياقه ويضيع كل ما خطط له بثانية.


"أنا بقالي أكتر من شهرين معرفش حاجة في شغلي، تعرفيلي كل التفاصيل وتديني شرح وافي عنها، وعايزين نراجع العقود الجديدة لكذا فيلم عشان هارجع أصور فيلم جديد، تقري الأدوار كويس وتديني ملخص عن كل واحد فيهم، عايز حاجة جديدة، حاجة ميتوقعهاش جمهوري" سكت قليلاً ليلمح بنظرة خاطفة وجهها المصدوم وحاجباها اللذان ارتسما بإندهاش وقاربا على لمس شعرها الفحمي لينظر بعيداً ليحاول كتم ضحكاته


" تجهزي لإجتماع مع إدارة المالية في فرع شركتي الرئيسية وإدارة التسويق وعايز تقارير ممضية من مديري القسمان عشان أعرف وصلوا لإيه،وعلى فكرة أنتي اللي هتكوني في الإجتماع مش أنا، وأعملي كام مقابلة عشان عايز سكرتيرة جديدة في الشركة، وأنتي هتكوني مديرة أعمالي ومساعدتي الشخصية، أظن رقم مراد معاكي شوفي ايه آخر حاجات حصلت وبلغيني بكل حاجة، وعلى فكرة قدامك يومين، أصل كنت مشغول كده بموضوع تافه وأنا اديته أكبر من حجمه" بهاتان الجملتان أنهى حديثة الموجه إليها ليتركها في حالة صدمة كاملة!


لا تعلم أيفعل هذا ليختر صبرها أم يعاملها على أساس أنها ما زالت تعمل معه حتى تنسى ما بدر منه "طب لما هو كده ليه جه نام جنبي، وبعدين امبارح اه اتعصب بس رجع كان كويس، هو ايه اللي جرراله بالظبط؟ البارد ده دلكلي رجليا وكان قلقان اوي وجاي دلوقتي يكلمني عن الشغل!! ماشي يا آدم! أنا هوريك مين شيرين!" تحدثت لنفسها وما كادت أن تفيق من صدمتها


"أنتي يا طارشة مش سامعاني! ولا عاملة نفسك غبية؟ يالا ورايا عشان لازم نرجع دلوقتي" صرخ بها متوارياً خلف قناع غضبه وغروره الزائفان ليبعث القشعريرة لبدنها فتبعته على عجل يتآكل قلبها الخوف وتحيط بها هالة من التوتر وانفجرت الأسئلة برأسها مثل الماضي


"طب ولو موضوع رفضه ده استمر كتير هاعمل ايه؟ يعني أنا خليت نفسي نكتة؟ لأ استحالة أندم واعيط واقول يا ريتني ما رجعت.. صبرني يا رب على البارد ده!" تمتمت في طريقها خلفه لتتابعه بطوله الفارع وظهره موجه لها ولكنها لا ترى تلك الإبتسامة الحانية على شفتاه.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

الفصل 31


الجزء الحادي الثلاثون


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


عادت لتلك الحياة القديمة التي بنت عليها ذكرياتها العديدة معه ولكنه أكثر عناداً من أي وقت مضى، برع في التلاعب بأعصابها وترك التوتر يسيطر عليها فأصبحت مترددة بكل شيء تفعله إلا شيئاً واحد فقط، هي لا ترفض أي شيء يخبرها به أو يآمرها به، لا تعانده مثل الماضي..


ارتدت ملابسها وتفحصت مظهرها بالمرآة إستعداداً للعودة لعملها أو للعودة لآدم، فكل ما تعرفه عنه الآن أنه رئيسها بالعمل ليس إلا، أخبرها بمنتهى الجفاء أنها ستذهب لمنزلها، أرسل لها تذكيرات بما أخبرها به، أُجهدت اليومان الماضيان بتحضير كل ما أملاه عليها من أوامر وتقارير، بالكاد حصلت على ساعتان راحة باليوم، ولكنها مازالت متعجبة من أفعاله، توقعت غضبه وتحكمه وسيطرته ولكن ليس جفاءه الشديد هكذا.


رضت عن مظهرها المهني الذي بدا احترافي للغاية، فعليها أن تجري مقابلات عمل اليوم لتلك السكرتيرة الذي طالب بها آدم، حضرت أشيائها ثم توجهت لمقر الشركة ولكن ما إن وصلت أمام البوابة الخارجية وجدت مصورين يلاحقونها وأمطروها بالأسئلة العديدة


"آدم رأفت اختفى فين الفترة اللي فاتت؟ أنتي لسه بتشتغلي معاه؟ فيلمه الجاي امتى؟" استمروا بالصياح المزعج وحاوطها الجميع ولكن كان هناك سؤالاً أزعجها لأنها لا تعلم إجابته حقاً "هو فعلاً فيه علاقة ما بينكم غير الشغل، هو اختفى عشان مشاكل ما بينكم؟ وليه سيبتيه وروحتي لندن واشتغلتي في جامعة هناك؟ وجودك ده النهاردة معناه إنك رجعتي تشتغلي تاني معاه ولا وجودك ليه معنى تاني؟"


وما إن سمعت هذا السؤال حتى تصلبت مكانها ولم تدرك أين هي ولا ماذا عليها أن تفعل عندما ومض ذلك السؤال بعقلها كالإنفجار المهيب. تخبطت بالجميع ولم تفق إلا عندما حاول أحدى الحراس إفساح الطريق أمامها لمدخل الشركة عند ملاحظته أنها بمأزق وهرعت سريعاً للمصعد وما إن أغلقته حتى انهمرت دموعها رغماً عنها، هي لا تكترث بما يُقال عنها الآن، لم تنزعج من اعتقاد الجميع أو معرفتهم بوجود علاقة بينها وبين آدم، هي أنزعجت من عدم معرفتها هي شخصياً، هل مازال بينهم شيئاً أم أن آدم ينهيه بطريقته؟


توقف المصعد لترى آدم واقفاً أمامها ثم دخل المصعد ولاحظ دموعها المنهمرة على وجنتاها وبمجرد رؤيته آخذت تجفف تلك الدموع وحاولت أن تبدو وكأنها لم تواجه جيشاً من المزعجين بالخارج لتوها، لم يسألها عن ماذا حدث ولم يهتم، فقط نظر لها ببرود كالثلج لدقيقة وكاد باب المصعد أن يوصد فدخل سريعاً ولم يتحدث أي منهما للآخر.


أوشكا على الخروج ليآتي صوته ليكسر ذلك الصمت "خلصتي اللي قولتلك عليه؟"


"اه تمام خلصت ما عدا معادك مع استاذ مراد" اجابته بإختصار


"وليه مروحتيلهوش؟" سألها ببرود بينما تعتريه الدهشة داخل عقله


"روحتله أكتر من مرة وكلمته كتير وهو مبيردش عليا، أظن أستاذ مراد مش عايز يشوفني ولا يتعامل معايا" صاحت بقليل من الحزن لتجيبه على سؤاله


توجها للخارج لتتبعه في صمت ولم يسألها لماذا لا يريد مراد أن يراكِ؟، ثم دخلا مكتبه ليجلس هو على كرسي مكتبه بينما ابتعدت هي وجلست بعيداً حتى تبدأ مقابلات العمل لتعيين سكرتيرة له مثلما آمرها، ظلت تجري المقابلات وتستمع لكل منهن وبداخلها رفض تام لمظهر البعض ومدى تفاهتهن، يبدين أنهن آتين لهنا حتى يقمن علاقة مع آدم وليس للعمل، وما إن دخلت آخرهن حتى اعتدل هو بجلسته وقد لاحظت شيرين هذا ومنذ أول فتاة دخلت إلي الآن لم يأتِ ويجلس معها حتى يجري المقابلة.


ترك مكتبه واقترب ليجلس بجانب شيرين وعيناه مثبتتان على الفتاة التي أمامه وينهال منهما نظرات الوقاحة لجسدها المثير، همت شيرين أن تتحدث ولكنه سبقها "أسمك ايه؟" سألها بإبتسامة تحاول شيرين جاهدة للحصول عليها منذ أن عادت ولكنه لم يكترث لها.


"اسمي ريم " اجابته بدلال مصطنع وابتسامة خليعة


"تمام.. ممكن تكلميني يا ريم عن خبرتك في الـ Position ده قبل كده؟" صاحت شيرين سائلة بإنزعاج وقد لاحظه آدم وقد ملئته الفرحة من غيرتها التي تبدو بكل تصرفاتها ولهجتها المنزعجة.


"أنا عندي خبرة كبيرة اوي، ممكن تشوفي الـ CV بتاعي فأنا خبرتي هتحتاج أكتر من Interview واحد عشان أتكلم عنها، وعموماً أنا جاية النهاردة عشان أعرف ايه الحاجات اللي بيحبها وبيهتم بيها MR آدم" اجابتها بوقاحة ما إن أدركت نظرات آدم التي تصرخ ب " أريدك الآن"


"بتحب ايه يا Mr آدم؟" سألته شيرين بسخرية بينما طالعت وجهه ولكنه لم يلتفت إليها مما أزعجها للغاية.


"بحب اللي يقدر يفهمني بسرعة ويعمل اللي أنا عايزة من غير مناقشة ولا كسل" أجاب سؤالها بينما عيناه مسمرتان على جسد ريم


"مظنش أنها مشكلة، إذا قبلتني هتشوف يا Mr آدم أنا ممكن اهتم بيك ازاي، وهالبي طلباتك حتى قبل ما تخطر على بالك، وأظن أننا فهمنا بعض من دلوقتي" اجابته لتحدق لرماديتاه وكل تفاصيل جسده المثير لتدفع الغضب بشيرين على حديثها الذي بدا وكأنها موافقة تامة على أي شيء قد يريده حتى ولو تعدى علاقة العمل.


"استنيني برا يا ريم" آمرها بضحكة خبيثة فاستجابت له ثم نهضت بقوامها المثير ومشت بدلال وغنج لتبرز مقومات أنوثتها التي تتبعها آدم بعيناه وما إن خرجت ووصدت الباب نظرت شيرين له نظرة خاطفة


"مش عجباني، مرفوضة" أخبرته بإختصار ظانة أنها تخبئ الغضب الذي يملؤها


"بس عجباني أنا اوي، صراحة أنا مشوفتش جسم زي ده، مش ممكن، فرس!" تنهد بينما مدد يده اليسرى لأعلى الأريكة ويده اليُمنى على فخذه اليمنى ثم نظر لها لتلتفت له بإندهاش وغضب


"والله لو كنت عايز فتاة ليل هتلاقيهم موجودين براحتك، إنما دي هنا عشان تشتغل ومظنش إنها مؤهلة عشـ..."


"مممـ .. هنشوف" قاطعها بجذبه لخصرها بيده اليسرى ثم قام بتلمس يدها الممسكة بأوراق السيرة الذاتية التي تخص ريم وشعر برجفة في جسدها فثبت عيناه بعيناها بوقاحة ورآى كيف تبتلع ريقها بتوتر فأقترب منها حتى شعرت بأنفاسه على وجهها وشعر كم اشتاقت له ولقبلاتهم ومدى قربهم هذا ولكن فكر سريعاً أن ذلك فقط لمجرد رؤيته معجباً بفتاة أخرى فتبسم ابتسامة جانبية ثم بسرعة تحدث بما يقرأه من تلك الأوراق.


"مش هنبص على الخبرات القديمة،ناخد آخر خمس سنين مقياس، خبرة أكتر من خمس سنين بشركتين، واحدة صاحبها اتغير وأكيد هيجيب سكرتيرته الجديدة معاه والتانية لسه شغالة فيها لغاية دلوقتي وقدمت Notice للإستقالة وفرصة أنها تشتغل معايا أحسن بكتير لأن الشركة أقرب لبيتها، وأنا كمان أظن إني هديها مرتب أحسن، شاكلها شاطرة وذكية وبتدور على الفرص الأحسنلها، وكمان فيه List طويلة للمؤتمرات اللي حضرتها والحفلات اللي نظمتها،بالنسبالي شكلها واحدة أعرف اعتمد عليها في حاجات كتير.. أنتي بقا رافضاها ليه؟"


بعد أن تحدث لها وذيل كلماته بذلك السؤال ليتركها بحيرة فهي لديها الخبرة ولكنها تبدو وقحة للغاية وبالطبع تريد أن تستحوذ على آدم وتبدو وكأنها ليس لديها أي مانع للتقرب له.


لم تجيبه وظلت صامتة تحت قربه الذي وترها للغاية وتسارعت أنفاسها ولم تقوى على الإجابة فشعرت بذراعه اليسرى تجذبها أكثر وضغط على خصرها بقبضته "ما تجاوبي يا شيرين" آمرها بجفاء ممزوجاً بنظرات خبيثة قد عرفتها جيداً منذ زمن.


"أظن أنها... أنها .." حاولت إجابته ولكن لم يخرج الكلام من شفتاها


"اتكلمي يا حبيبتي" همس بالقرب من اذنها ليبعث القشعريرة بجسدها بفعل أنفاسه الدافئة وما إن سمعته يحدثها هكذا ظنت أنه مازال كما هو ولكن يعاملها بجفاء قليلاً وسيعود مثلما كان.


"أنا حاسة أنها من ساعة ما دخلت وهي واحدة مش محترمة وكانت هتكلك بعنيها بمنتهى السفالة وقلة الأدب" اجابته هامسة ثم مدت يدها لتتلمس صدره فابتسم لفعلتها، كم تمنى أن تكون شيرين معه هكذا منذ زمن، كم تمنى قربها وأن تتصرف معه مثلما تفعل الآن، تمنى أن يُقبلها ويحتضنها إلي أن تنتهي الحياة، أراد أن تظل بالقرب منه ولا يحتاج لشيء آخر وبالرغم من شوقه الذي فتت قلبه لن يجعل المهمة سهلة عليها.


"غيرانة؟" سآلها بصوته العميق الذي بعث الذبذبات لجسدها ورائحتة المنعشة تكاد تبدد عقلها لأشلاء، أرادت أن تتذوقه، أرادت أن تتأكد هل احاسيسه تجاهها مازالت كما كانت، أرادته أكثر من أي شيء آخر..


"ولو مغيرتش عليك يا آدم، هغير على مين بس؟؟" همست لتبحث في ملامحه عن الحب الذي انهال من عيناه مثل قبل ولكن لم تجد إلا ملامح غريبة لم تجدها من قبل، تذكرت أنه كان يريدها ولكنه كان يكبح قربها عنه وتسللها لقلبه، أما الآن فهناك شيء آخر لا تدري ما هو.


"ياااه يا شيرين لو تعرفي.." همس ليدنو من وجهها أكثر وبعث أنفاسه الحارقة على وجهها ليرى يدها تحاول التسلق للأعلى فمد يده اليمنى ليتلاعب بخصلات شعرها الفحمي بين أصابعه "ريم عجباني اوي، ومش قادر استنى اللحظة اللي هتكون فيها تحت مني وأنا بـ.. ولا بلاش اقولك تفاصيل أكتر من كده!" همس بإغراء ليبعث الصدمة بعسليتاها البريئتان


"لو أنتي بقا بتغيري فدي مشكلتك تحليها" صاح وعاد صوته للجفاء والقسوة وابتعد عنها ناهضاً موجهاً ظهره لها ليتركها تحارب تضارب الأفكار برأسها


"آدم!! أحنا لسه كنا من ثوانـ.."


"أنتي هنا موظفة زيك زيها" قاطعها صارماً لتندهش مما قاله ولكنها لم تعلم كيف كان صعباً عليه أن يبتعد عنها، أن يقاوم تلك الشفتان وأنفاسها التي تصرخ له بأن يقترب منها


"قومي، واندهلها وفهميها انها هتبدأ من دلوقتي حالاً" صاح دون أن يلتفت إليها فآخذت برهة لتحمل صدمة ما أخبرها به، كان من الممكن أن تصيح به وتفتعل جدالاً وتخبره بأنها لن تعمل معه بعد الآن ولكن هذا أيضاً تغير، هي تريد أن تظل بالقرب منه مهما كان وضعهما، لقد تغيرت هي الأخرى.


بعد فعل ما آمرها به آخبرها بأن تتركهما وتذهب لمراد فقد تحدث له وأخبره بما يريد بخصوص العمل الذي لم يعلم عنه شيئاً الفترة الماضية بينما لم تستمع لهما ولم تعرف هي ما تحدثا به وهل تحدثا فقط عن العمل أم تحدثا أيضاً بشأنها وبشأن آدم.


مر الوقت مع مراد ببطئ شديد لدرجة أنه بدا لها كسنوات، لم تتصور أن شخص مثله أصبح يكرهها بسبب بعدها عن آدم ووصوله للمرحلة التي وصل إليها بسببها، وما إن إنتهيا شعرت بأن عليها أن توضح الصورة له حتى لا تظل الأمور بينهما متوترة.


"لما تحبي تعرفي تفاصيا أكتر يا ريت تبقي تحددي معاد وأنا هبقا ابلغك باللي عايزة تعرفيه، كده تمام مفيش حاجة تانية" أخبرها مراد بمهنية جادة للغاية


"شكراً يا أستاذ مراد، كان فيه حاجة بس حابة أتكلم مع حضرتك فيها" تحدثت شيرين ولم تترك له فرصة لأن يقاطعها


"أنا عارفة أني سبب كل اللي حصله وإنك تشوف حالته اللي وصلها وإنه كان بيبقا أسوأ يوم بعد يوم بسببي دي حاجة تخليك مش طايق تبص في وشي، بس أنا كنت محتاجة وقت كبير عشان أقدر أفكر وأقرر بهدوء، أنا أهلي ماتوا وأنا صغيرة، بابا وماما وأخويا، وبعدين اللي حبيته سبع سنين اكتشفت إنه كان بيخوني مع واحدة بقاله معاها كذا سنة، اربع سنين تقريباً كانوا مع بعض وهي كانت زميلته وبشوفها قدام عينيا كل شوية، بعد ما أديته كل وقتي ودعمي ووقفت جنبه سواء مادياً أو معنوياً، وبعدها إني أعرف شخص زي آدم.." توقفت لبرهة لتبتسم ثم أكملت متنهدة


"آدم.. آدم كتير اوي على أي حد، كتير عليا حتى إني أفهمه، أفهم أنهي طريقة اللي بيحب بيها، هو بيحسسك إنه بيحبك وبيكرهك في نفس الوقت، وأنا كنت واعدة نفسي وواخدة قرارا إني استحالة أحب حد تاني بس غصب عني حبيته، كنت أريد عايوة أتأكد من حاجات كتير، بالذات إن أسلوبه غريب زي ما يكون بيطلعني سابع سما وبعدها بثانية بينزلني سابع أرض، شوية حب وحنية وشوية قسوة وعصبية، أنا عارفة أن قسوتي في إختياري اني ابعد كانت مبالغ فيها، بس أنا في الآخر رجعت وأعدك إني مش هامشي تاني أبداً وأنا مستعدة أنه يعمل اللي عايزه معايا واللي يختاره، وهستناه زي ما هو عايز، بس أرجوك يا أستاذ مراد تكون سامحتني، ولو كانت زينة في مكاني أكيد كنت هتقدر اختيارها وقرارها" أنهت كلامها لترى ملامح وجهه تلين


"أنا كمان عارف إن كلامي ليكي لما شوفتك في بيت آدم كان تقيل شوية وقاسي بس كان غصب عني، لو شوفتي شخص عزيز عليكي بيتحول من سيء لأسوأ هتكرهي اللي كان السبب في اللي بيحصله.. أنا بعتذرلك وأتمنى ميحصلش بينكم حاجة مش كويسة مرة تانية"


"أنا كمان أتمنى ده، وملوش لازمة الإعتذار أنا مقدرة موقف حضرتك"


"أنتي لقتيه فين؟"


"مقالكش؟" سألته بدهشة وفكرت ربما لا يريد أحد أن يعلم لذا فكرت بإجابة بسرعة لسؤاله التي علمت أنه سيبادر به


"لأ، هو كان فين صحيح؟"


"في بيت كده روحناله مرة، بس بعيد شوية" اجابته إجابة غير محددة فأدرك أنها لا تريد أن تخبره التفاصيل "معلش بعد اذنك لازم ارجع دلوقتي عشان ميعملش معايا مشاكل تاني" تبسمت له ثم تركته وتوجهت لآدم.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::




أمسك بخصلاتها البنية بين يديه وقهقه كما لو أنه لم يضحك بحياته أبداً بينما احتوى ساقيها المكشوفتان اللتان عاكست احداهما الأخرى بين ساقيه الطويلتان وجلساعلى بار مكتبه وتقاربا لدرجة حميمية للغاية مما أصاب قلبها بالآلم لرؤيته مقترباً منها هكذا بمجرد دخولها لمكتبه ولم تتصور أن وقاحة ريم ستصل لهذا الحد وبأول يوم عمل لها ورآتها تنظر له بمنتهى الجرأة وبادلته بضحكة عالية للفت نظر شيرين أكثر وكأنها لا تراهما.


"سيبيي التقارير على المكتب واطلعى بره" آتاها صوته ليفيقها من تسمر قدماها بالأرض واللتان لا تقويان على حملها ففعلت كما أنه لم يلتفت لها وعاملها وكأنها شرذمة قد قاطعت شيئاً مهماً للغاية بينما هو كان يتغزل بتلك العاهرة بمنتهى الوقاحة!


"فيه حاجات هتـ.."


"بعدين.. بعدين" قاطعها مسرعاً لتتعجب أكثر "امشي بس دلوقتي" آمرها ففعلت وما إن اقتربت من الباب لتخرج صاحت بحنق


"عايزة أفكرك إن عندك اجتماع بعد عشر دقايق مع مديرين قسم الإنتاج والمالية والتسويق والمبيعات" وبعدها خرجت لتغلق الباب بغضب لتفتعل صوتاً عالياً ولم يُعجب ريم هذا بينما تأججت السعادة به وأغمض عيناه ليستمتع بما تفعله شيرين وكم بدا له عذابها هذا بتلاعبه بها كالجنة بالنسبة له، فعليها أن تعاني ولو قليلاً مثلما عانى هو.


"يا ساتر، مقرفة اوي، جت عكرت مزاجنا مش كده؟" صاحت بدلالها المصطنع ومدت يدها لتتلمس ذقنه وأقتربت منه وهو مغمضاً عيناه


"إياكي تقولي كلمة عليها تاني وإياكي متحترميهاش، سمعاني؟" رآت تلك الرماديتان اختفيا للتحولا للسواد صارخاً بها ووجدت قبضته على ذراعها حتى سببت لها الآلم


"آه.. سيب دراعي أرجوك" توسلت له


"أمشي اطلعي برا!!" آمرها بجفاء وقسوة ففعلت مسرعة خوفاً من الشخص الذي تحول أمامها للتو.


"وده ايه ده كمان؟ يكلمني عشان ادخله، شوية وكان شكله هيموت ويبوسني وشوية ولو كان فيه سرير كان خدني عليه، وأول ما شافها دخلت علينا أتحول كده!! الظاهر كل اللي سمعته عنهم كان صح، جتهم القرف هما الأتنين، أنا كده كده مجيتش هنا إلا لهدف واحد وعشان حاجة واحدة بس وهاعملها يعني هاعملها، مش ريم اللي يستعصى عليها حاجة أبداً!" فكرت لتطاير نظرات الخبث والعهر من عيناها وتوجهت لمكتبها ثم جلست تخطط لما أرادت أن تفعله.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::




منذ زمن بعيد...


سار في طريقه لمنزلها وهو يحاول أن يهاتفها ولكن ما لم يُصدقه أنها حتى لا تجيبه، لقد اتصل بها أكثر من عشر مرات وهي حتى لا تريد أن تجيبه! أحقاً قد تيقنت بمنتهى السهولة أنه خائن بل وآخذت قرارها بألا تجيبه أبداً؟!


تمزق عقله مما تفعله تقى به ولم يُصدق أنها تفعل به ذلك ليزداد غضبه وقوت قبضته على عجلة القيادة في غلٍ شديد مما تفعله واستمر في مهاتفتها بلا إنقطاع ولا تريث فلقد نفذ صبره وإن لم تجبه قبل أن يصل لمنزلها فلن يضمن غضبه وما سيفعله معها لن يكن هيناً..


استمع لوصول رسالة قصيرة فأنهى إتصاله ليطالعها لينصدم مما قرأه!!


"لو سمحت متكلمنيش.. كفاية بقا.. أنا مش عايزة أعرفك تاني!!"


زئرت مكابح سيارته وهو يصفها على جانب الطريق ثم ألقى هاتفه وهو لا يدري أين ألقاه وأطبق أسنانه في غضب لاذع وآخذ يلتهم سجائره في صمت تام ولو يعد يرى ما أمامه ولا يدري ما عليه فعله بعد الآن!




::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"تلت أيام بس، رجعت من تلت أيام، واديك عمال تجري ورا فتيات الليل، ليه بتعمل كده قدامي ومعايا؟ عايز تجرحني؟ عايزني أشوفك مع ستات غيري عشان تحسسني ؟ ليه بتلعب بيا؟ أنت كده يعني بتعقابني؟ فاكر أني هستسلم للي بتعمله عشان هتشوفني هاقولك أنا هامشي ولا لأ؟مش هنولهالك يا آدم يا رأفت!! أنا هوريك اللعب بيكون ازاي" جففت دموعها ثم توجهت لمرآة الحمام لتصلح من مظهرها وعسليتاها تصرخان بالإصرار على التحدي فلن تدعه يفعل بها ذلك دون الرد.


توجهت لغرفة الإجتماعات وكان يتبقى على الإجتماع خمس دقائق بينما آتى أمير، المدير المالي للشركة الذي حاول التودد لها أثناء اجتماعهم الأول عندما أرادت أن تعرف منه تفاصيل الفترة الماضية والوضع المالي للشركة مثلما طلب منها آدم.


"فين بقا القهوة اللي وعدتيني إنك هتشربيها معايا؟" أخبرها بإبتسامة


"أنا آسفة بجد.. كنت مشغولة اوي" اعتذرت منه وبنفس اللحظة دخل آدم "ايه رأيك، ممكن نروح في الـ Weekend، وراك حاجة ولا فاضي؟!" ابتسمت له


"معنديش أي حاجة خالص!"


"تمام!! Deal" تبسمت له مجدداً وتجاهلت آدم تماماً وهي تكاد تسمع صوت غليان دمائه في عروقه


حضر الباقون وتبعهم مراد بإعتباره من كان يباشر كل شيء بدلاً من آدم الفترة الماضية بينما لم تتوقف هي عن تجاهله وإرسال النظرات لأمير الذي بادلها إياها حتى فقد آدم القدرة على التركيز ومتابعة الإجتماع فطلب من الجميع أن يؤجلون كل شيء لاحقاً ولم يفعل أحد شيء إلا أن إنصاعوا لما آمر به.. آدم رأفت لا يطلب شيئاً، هو يقول ما يريد ويتصرف على هذا الأساس وليعتبر الجميع ما يريدون اعتباره.


بدأوا في المغادرة وتوجه الجميع للباب وتحدث أمير بصوت خافت لم يسمعه لتطلق شيرين ضحكة عالية على آثرها حطم آدم القلم الممسك به "شيرين" صرخ عالياً وقد تعجب الجميع


"نعم يا Mr آدم" اجابته بنبرة استفزازية ومازالت نبرتها تحمل ايقاع ضحكتها


"استني هنا عايزك" صاح بغضب


"خلاص يا أمير باي دلوقتي، وهاكلمك لما أخلص" التفتت لأمير الذي اجابها بإماءة توافق ملامح التعجب التي تكسو وجهه وما إن غادر الجميع أغلقت الباب ثم لم تكد تلتفت له حتى كسى وجهها أنفاسه السريعة المتثاقلة من أثر غضبه وحاوط ذراعيها بيداه حتى لا يدع لها مجالاً للتحرك فالتصق ظهرها للباب وعقدت ذراعاها ونظرت له بكبرياء وتحفز لعراك جديد.


"ايه اللي بتعمليه ده يا شيرين؟"


"ايه؟!" نظرت لقدماها ثم تجولت عسليتاها حولها "واقفة اهو ساندة على الباب!" اجابته ساخرة


"لا بجد" صاح بها لترى حاجباه تتجهان عالياً من الدهشة


"أنت شايف حاجة غير كده؟" هزت كتفاها في تعجب


"ما بلاش تعكي وتلعبي معايا يا شيرين" أخبرها محذراً


"أنا معملتش حاجة، ولا عك ولا لعب!" أخبرته ببراءة زائفة


"عايزة ترديلي اللي عملته مع ريم بلعبتك السخيفة دي مع أمير مش كده؟"


"أنت بتتحرش بأي ست عينيك توقع عليها والكل يعرف ده عنك، ومفيش جديد في اللي عملته، إنما أمير مجرد صاحب بالنسبالي، وأنا مبجريش ورا الرجالة زي الشمال اللي تعرفهم!" اجابته لتألمه بما قالت وتأجج غضبه أكثر، فمثلما فعل بها ستفعل به


أمعن النظر بها ولملامح وجهها المرتسمة عليه السخرية والإنتصار بما فعلت لإشعال غيرته ولم يدري بما عليه أن يقول الآن، تاه في ملامحها وتفاصيلها، تاه في عسليتاها، الطريقة التي تقف بها غير خائفة ومتظاهرة بالقوة تخلب عقله، شعرها الفحمي الذي يلامس خصرها هذا يدفعه للجنون، كم يريد أن يمسكه بقبضته ويجعلها تصرخ عالياً وتتوسل له أن يتركها، يتمنى أن يوصد ذلك الباب عليهما ويتركها كالحبيسة لتجلس أمامه ويظل ينظر لها ويعوض تلك الأيام التي ابتعدت بها عنه.


"عندك حاجة تانية عايز تقولها؟!" سألته وسعادتها بإنتصارها عليه في لعبته السخيفة ملئت قلبها.


"آه.." همس لها "عندي كتير وكتير اوي يا شيرين"


"اتكلم بسرعة طيب، أنا عايزة اروح البيت ومرهقة اوي ومعنديش وقت أضيعه معاك" أخبرته بسأم


"هتيجي معايا البيت الأول" أخبرها وهو ليس لديه أي فكرة بما يريد قوله، في الأصل ليس هناك شيئاً ولكن ما يريده فقط هو بقائها بجانبه.


"أوووف بقا، أنت مش قولت إني هافضل في بيتي؟" اندهشت لما أخبرها به


"هنتكلم في شغل" اجابها بجفاء "يالا!!" آمرها ثم توجه خارجاً بعد أن آخذ أشيائه فلمت هي الأخرى أشيائها وتبعته


"مجنون" تمتمت بينما لاحقته لمرأبه الخاص.


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::




"كنت عايزها تشوفني بالمنظر ده لما طلعت من عند مراد، هو كلمني وقالي إنها خلاص خلصت معاه عشان كده ندهت ريم، وبمجرد همس ما بينها وبين راجل خرجتني عن شعوري وهدوئي وسيطرتي، هتفضلي كده تجننيني لغاية امتى؟، أتأكد بس ازاي إنك مش هتسبيني وهتمشي تاني؟ مراد حلفلي أنه مكلمهاش وكمان حكالي على الخناقة اللي حصلت ما بينهم قبل ما تلاقيني، يا ترى واخدة الموضوع بجد المرادي ولا لأ؟ يا ترى هتبعد وتسيبني تاني؟" فكر بينما تركها بمكتبه بالمنزل وهو يحاول أن يُهدأ من هول غضبه كي لا يصبه عليها ويحدث عراك جديد.


"مش هاقدر أتحكم بيها وباللي بتكلمهم إلا لو اديتها نفس الحقوق!! تمام!! كده مقداميش حل غير إني أضغط عليها واخليها تحلم تنام!"


تمتم بينما غير ملابسه وحاول أن يسترخي، نظر لنفسه بالمرآة ليتطلع لملامحه التي بدا عليها الجدية والاسترخاء ولكنه تاه في نظرة عيناه التي تصرخ بإسمها وبقربها، أراد أن يجعلها له فقط، ألا ترى غيره ولا تتحدث مع أحد غيره، تمنى لو توجه لأسفل وانهى تمثيلية التلاعب السخيفة ودفعها لحد الغضب، تمنى لو أعترف لها أنه لا يهتم لأي شيء ولا لأي أحد سواها، لو فقط تدري أنه استخدم ريم حتى يثير غيرتها ليس إلا ولكنه لا يرى إمرأة أخرى غيرها.


تجاهل تفكيره المشتت بها ولماذا عليه أن يضيع دقائق وثوانٍ في البعد عنها، توجه للأسفل حتى يجدها مثلما وجدها بمنزله أول مرة، غفت على أحد الكراسي بمكتبه، رؤيتها هكذا دفعت لعقله ذكريات عديدة، حالتها تلك استفزت بداخله إرادة لبداية جديدة معها، بعيدة عن العنف والقسوة والمشاحنات التي لا تنتهي بينهم.


تفحص ملامحها جيداً التي بدت مطمئنة وليست خائفة ومتوترة مثلما كانت من قبل، ابتسم لمجرد إدراكه بأن كل شيء تغير، إصرارها على العودة وغيرتها الجامحة ومسايرتها له كي تدفعه للغيرة وعدم رفضها لأي شيء قرره أو أخبرها به جعله ينظر لها نظرة ثانية، بدأ في الإقتراب من تصديق أنها لن تغادر مرة أخرى.


أقترب منها ليتأكد من ذهابها للنوم وانتظام أنفاسها أكد له ذلك، قبلها على رأسها قُبلة حانية وبعدها تمتمت بخفوت "وحشتيني اوي يا حبيبتي"


حملها لتفق في طريقه لغرفتها التي أعتادت أن تمكث بها دائماً فصاحت بنعاس "أنت بتعمل ايه؟ مش قولت عندنا شغل؟"


"يتأجل لبكرة.. مش مهم" اجابها بينما تدفقت من رماديتاه نظرات الحب


"طب ليه شايلني دلوقتي واتغيرت كده فجأة؟" سألته مرة أخرى وعسليتاها يتفقداه في إرهاق ملحوظ


"عشان وحشتيني اوي" اجابها بتلقائية، دون برود، دون جفاء وقسوة، فقط اجابها بما يكنه قلبه الذي يُجاهد ليتعافى.


"وأنت كمان وحشتني" همست ثم وصدت عيناها وحاوطت رقبته بذراعيها لتتنفس رائحته التي تبعث لها الطمأنينة ثم ابتسمت وتأكدت أن الرجل الذي عادت من أجله مازال موجود بداخله في مكان ما.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-