أخر الاخبار

ترويض ادم للكاتبة بتول طه الفصل ٢٨ و ٢٩


ترويض ادم للكاتبة بتول طه



الفصل 28


الجزء الثامن والعشرون


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


لا تصدق عيناها، أآدم يقوم بخيانتها أمام عيناها وهو يعلم أنها ستراه حتماً، ماذا يقصد بما يفعله، أكان يخدعها طوال تلك السنتان؟ لماذا كذب عليها؟ لماذا فعل بها ذلك؟


رآها وهي تهرول كي توقف احدى سيارات الأجرة ورآى تلك الدموع بعينتاها وهو يتأكد من ملامحها أنها قد ظلمته!! كيف لها أن تُصدق بسهولة أن تلك الفتاة التي ارتمت عليه فجأة قد تربطه بها علاقة ما؟ أبعد كل ذلك الوقت هي لا تثق بحبه لها؟


"تقى.. استني.. اسمعيني" هرول خلفها وهي تزيح دموعها وتحاول أن ترى بين تلك العبرات كما أنها أشارت لكل سيارة أمامها


"لو سمحت من النهاردة متكلمنيش تاني.. أنا مش عايوة أعرفك.. ابعد عني" صرخت بين تلك الدموع التي لا تتوقف وحاولت السيطرة على حالة الصدمة التي وقعت بها


"يا تقى أنا معرفهاش دي ظهرتـ..!" صاح وهو يحاول أن يشرح لها ولكنها قاطعته


"أنت كداب.. كل الكلام عليك كان صح! يا ريتني ما صدقتك ولا عرفتك" همست بين نحيبها بينما توقفت سيارة أجرة لها لتدلف داخلها على الفور وانطلقت أمام رماديتاه وهو لا يُصدق أنها تركته دون حتى أن تعطيه الفرصة ليبرأ نفسه أمامها..


لا يعرف من تلك الفتاة ولما عانقته فجأة!! التفت خلفه حتى يعود لها كي يحاول فهم ذلك الذي حدث له منذ ثوانٍ ومر كلمح البصر ولكنه لم يجد الفتاة فشعر بالغضب يزداد بداخله وتوجه لسيارته على الفور ليشرع في قيادتها بلا وجهة!


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::




"بلاش تكسيفيني قدام قلبي ونفسي يا شيرين.. أرجوك ارجعي معايا.." بعد أن قال هامساً حدق بها حتى ثقلت جفونه ودفن رأسه بعنقها ثم غرق بالنوم.


استيقظت لتجد الساعة قاربت الخامسة ونظرت لهذا الذي يطوقها بذراعاه كأنها ستهرب مجدداً لم ترى ملامح الآلم التي كانت تعتريه دائماً وهو نائم، كان يبدو سعيداً ومسالم للغاية، تبسمت بدلاً من أن تضحك وتوقظه بعد أن تذكرت جميع ما حدث الليلة الماضية بين غضبه ثم تحوله لشخص مضحك ومسلي، ثم فكرت بتلك الرومانسية الحالمة بتلك الأيام التي مكث بها معها لم تتوقعها منه لتفكر كم كان كبرياءه يقف في طريق حبهما وعلاقتهما.


حاولت بهدوء ألا توقظه وتسللت من جانبه ثم ذهبت للمطبخ لتعد قهوتها ونظرت بالمُبرد لتصنع لهم طعام الفطور، لم ترد أن يفعل هو كل شيء، عجبها أن يدللها بينما تريد هي الأخرى أن تفعل المثل، خططت ما تنوي فعله وأعدت المكونات خارجاً ثم أمسكت بقهوتها وتوجهت لحوض الاستحمام الذي لطالما أرادت منذ مجيئها أن تستمتع به، أملئته بالمياه الساخنة ووضعت به سائل الاستحمام الملئ بالياسمين وبعض الكريات الفوارة ثم رفعت شعرها للأعلى بينما ارتشفت قهوتها أمام ذلك المنظر الخلاب وبدأت تُفكر هل عليها العودة معه أم لا؟ هل هو تغير بالفعل أم إنها مجرد عُطلة واشتياق وليس إلا؟ متى أصلاً سيعود وهل سيطلب منها العودة؟ تذكرت ما قاله أمس قبل النوم


" لو كان ليا خاطر عندك متسبينيش تاني يا شيرين، أنا ادمنتك خلاص وعمري ما هاعرف ابطل أعيش من غيرك.."


"لو بس تعرف يا آدم أنا بموت جوايا كام مرة من الحرب اللي شغالة بين قلبي وعقلي في إني أنسى كل حاجة وارجع معاك وطظ في كل اللي خايفة منه، بس مش عارفة أنا مستنية ايه!! زي ما يكون فيه حاجة عايزاها بس مش عارفة ايه هي"


تمتمت ثم نهضت من حوض الاستحمام وارتدت ذلك المعطف خاصتها ثم فرشت أسنانها وخرج لتجد تلك العيون الرمادية تحدق بها، شعره الفوضوي وملامحه الناعسة تلك يبدو بها جذاباً للغاية، فهي لم تتذكر كم مرة رأته هكذا فهو كان من يستقيظ أولاً دائماً.


"شكلك فايق اوي يا حبيبتي" أخبرها ثم نظر لها بخبث


"مش أنت بس اللي تقدر تصحى بدري على فكرة.."


"ممم.. عايزة تقولي إني كسول"


"لا بصراحة عمرك ما كنت كسول، أنا بس اللي صحيت بدري النهاردة "


"وده ليه يا ترى؟"


"اللي يشوف أبو عيون رمادي جنبه كده استحالة يعرف ينام أبداً يا Mr آدم"


"ده أنتي بتعاكسيني بقا؟"


"ممم ممكن" أجابته لتخجل وتحاول الإنشغال باختيار ما سترتديه من خزانتها فوجدته يعانق خصرها بيديه ويستند بذقنه على كتفها الأيسر "آدم.." صاحت بنبره مليئة بالدلال


"اللي يلاقي زيك قدامه ميقدرش يبعد عنها ولا يسبها تغيب عن عينه ولو لثانية واحدة" همس بالقرب من أذنها ثم قبلها على جانب جبينها فاستدارت لتواجهه وهو مازال ممسكاً بخصرها


"بتعاكسني يا آدم يا رأفت؟" سألته مقلدة تلك النبرة التي سألها بها منذ قليل


"بصراحة آه" اجابها ليتفحص وجهها البرئ


"ماشي.. عاكسني بقا كمان شوية بس روح الأول خد شاور وتعالى عشان تفطر"


"ممم عاملالي الفطار! بتدلعيني شكلك كده؟" ضيق عيناه وارتسمت ابتسامة على شفتاه


"آدم!!" حذرته بخجل "أيالا امشي دلوقتي عشان ألبس هدومي"


"حاضر" تمتم لها ثم قبلها قبلة خاطفة على وجنها لتشتعل خجلاً ثم هزت رأسها ما إن رأته انصرف وأغلق الباب خلفه.


ارتدت ملابسها بسرعة وصففت شعرها على عجل لتجدله على أحدى الجوانب وتركت بعض الخصل لتغطي جبينها ثم توجهت لتصنع الطعام وقهوته كما يُحبها وقهوة ثانية لها أيضاً ولم تبارح الابتسامة شفتاها وقد غمرتها السعادة بذلك الهدوء ووجوده بجانبها.. ولأول مرة تتمنى لو كان آدم زوجها حقاً.


"ده ايه النشاط ده كله، دي الساعة لسه مجتش ستو ونص" صاح من بعيد ليتوجه قربها لتكتفي بالإبتسام وأكملت إعداد ما تفعله وحاولت أن تصب نظراتها على ما تفعله وألا تجعل رائحتة الممزوجة بالنعناع التي حاوطت المكان أن تؤثر عليها ولا مظهره الجذاب هكذا.


"بتحاولي متبوصليش يعني عشان أنا Sexy اوي؟" سألها لتحمر خجلاً مجدداً وقررت ألا تجيبه وأكملت ما تعده لتضع الصحون لها وله ثم ناولته قهوته "هتفضلي تتكسفي مني لغاية امتى يا شيرين؟"


"لغاية ما أموت! ارتحت؟!" أجابته لتشعر بحنقه وكاد أن يغادر المائدة لتجذب يده وتنظر له بحب "متقلقش مش هايحصل قريب، عمري ما هسيب السعادة اللي أنا حاسة بيها معاك دي تضيع من ايديا" ابتسمت له


"طب اياكي تجيبي سيرة الموت قدامي تاني" آمرها وقد كسى وجهه الآلم


"مش هاتدوق الأكل اللي عملته؟" سألته لتحاول تغير الموضوع فأخذ يتناول الطعام بهدوء ثم رفع حاجباه بإندهاش "أفهم من كده إنه عجبك؟"


"وهو أنتي بتعملي حاجة مبتعجبنيش؟" اجابها بسؤال ثم جذب يدها ليقبلها بحنية ورقة وأنهى طعامه ثم جلس يدخن ومسك قهوته ثم بدون مقدمات انصرف وجلس على الأريكة لتتبعه في صمت ثم وجدته يُطالع شيئاً بهاتفه واتصل برقم


"ابتديت تعمل اللي قولتلك عليه؟" سكت لبرهة ثم أكمل "تمام.." ثم أنهى المكالمة ووضع هاتفه بجانبه ولم تتعدى الثامنة حتى


"هو فيه حاجة؟" سألته شيرين في قلق لينظر لها بإبتسامة


"لا بس بتابع شوية حاجات في الشغل" أجابها ولكنها لم تصدقه ولا تدري لما هذا


"تمام.. هرتب التربيزة وارجعلك" كادت أن تنهض ليجذبها من يدها


"سيبي كل حاجة وخليكي هنا جنبي" أخبرها ليجذبها محاوطاً جسدها بذراعه اليسرى


"أنا بس هقول دقيقتين أخلص كل حاجة وارجـ.."


"ساعات بتبقي رغاية وعنيدة اوي.. اسمعي الكلام من غير نقاش بقا" تكلم بهدوء ثم أكمل ارتشاف قهوته ليجدها تحاوطه بذراعها اليسرى وتدفن وجهها بصدره لتهمس له بعد أن أغلقت عيناها براحة وتنهدت


"طيب يا Mr أنا آوامري تمشي على الكل" قالتها لترتسم على شفتاه ابتسامة بينما ينظر لأسفل ويطالع وجهها البرئ ووجنتاها الممتلئتان والآلم يهشم قلبه فهو سيغادرها خلال ساعات ويتمزق داخله من أنه سيتركها.


لم يدركا كم أصبحت الساعة ليجدها قد غفت بعناقهما ليبتسم مجدداً وأصبح يحدق بها كمن لم يستطع أن يراها مرة ثانية فبالرغم من السعادة التي شعرا بها كل منهما لم يثق أنه ستعود معه، لم يثق أنها ستتخلى عن كل شيء لتعود له مرة أخرى، شعر أن عنادها وكبرياءها بأن يتحكم أحد بحياتها أكبر من حبها له وحبه لها، ظن أن خوفها ذلك التي لا تنفك تتحدث عنه ويسيطر عليها قد جعلها تتخذ قرار ألا تقترب من أي أحد حتى ولو كان هو نفسه..


تنهد متمنياً أنه قد فعل ما عليه، تمنى أنها قد تستطيع أن تدرك الآن كيف تغير من أجلها بل هي من غيرته ليصبح هذا الشخص المسالم الذي كان كالوحش المتمرد على الجميع ثم جاءت هي لتحوله لشخص لم يعهده من قبل.. خلل شعره بحنق وتنهد لتلك التي غفت محتضناه، لبرهة فكر بأن يجعلها تعود معه، فكر بأن يخبرها بهذا بشكل لائق وحديث منطقي دون جدال أو احتاداً منه وغضب، وفكر بقدرته على أن يجعلها تعود رغماً عنها أو أن يحتجزها بمنزله ولكنه يريد أن تختار هي ذلك، لن يشعر بحبها له إلا بعودتها من نفسها وبإختيارها هي وليس بالإجبار أو خوفاً منه، أراد أن يراها خائفة من أن تفقده كما يرتعب هو من فكرة فقدها للأبد..


ظل ينظر لها بصمت دون محاولة أن يوقظها فلكم عجبه منظرها هذا كلما تحركت لتحتك بصدره، حاول ألا يتثاقل نفسِه حتى لا يقلق منامها وظل يتنفس كل نفس تتنفسه هي بإنتظام أثناء نومها ولم يستطع إلا أن يذوب بعشقها أكثر..


"بتفكر في ايه يا Mr Sexy أنت؟" همس صوتاً نعساً كان يُمثل له أعذب صوت قد يسمعه ولا يمل منه حتى أنفاسه الأخيرة بالحياة، فلم يعلم كيف شرد بوجهها ونومها ليجد عسليتاها تحدقان به وبرماديتاه الصافيتان التي قد التهمتها مراقبة أثناء نومها


"بفكر في اللي بتعذبني"


"ومين هي يا ترى"


"هعرفك عليها" نهض ليذهب لأقرب مرآة ووقف خلفها "اهي.. أجمل واحدة شافتها عينيا في الدنيا.. العنيدة اللي مبتبطلش تخليني مجنون بيها بالرغم من قدرتها على أنها تعصبني وتخليني مش عارف اسيطر على نفسي"


نظرت بالمرآة لترى شعرها غير مرتب فأخذت ترتبه وشعرت بالإحراج ليأتيها صوته محذراً وأمسك يداها حتى لا تستطع أن تفعل شيئاً ونظر لها بالمرآة "لأ لأ سيبيه، شكلك حلو اوي كده.. متعمليش حاجة.. وبعدين اطمني أنا عمري ما هاقدر اشوف حد احلى منك في حياتي.. فتوقفي أرجوكِ" أخبرها لتخجل من فرط جمال ما سمعته للتو ثم استدارت له


"أنا عمر ما حد قاللي الكلام ده.. بتخليني دايماً احس إن مفيش حد زيي في الدنيا" قالت على استحياء ليقترب منها


"محدش قالك الكلام ده قبل كده عشان يا اما معتوه يا إما متخلف وغبي ومش عارف يقدر اللي في ايديه .. ومفعلاً لا فيه ولا هيبقا فيه زيك في الدنيا دي كلها" أخبرها لتخجل وتبتسم ثم عانقته بعفوية


"بحبك" همست دون أن تنظر له من فرط الخجل فازدادت قبضته على جسدها ثم مسك ذراعاها ليجعلها تنتبه ثم نظر لها


"هاروح اجيب حاجة ومش هتأخر.." أخبرها


"هتجيب ايه؟ طب هتسبني لوحدي ومش هتاخدني معاك؟" سألت بنبرة مليئة بالحزن لتقوس شفتاها


"لا.." اجابها ليومأ لها بالإنكار "بس واضح كده إن فيه حد مش قادر يبعد عني!" أخبرها ثم توسعت بسمته


"واضح كده إن فيه حد هنا غبي!!" قالت مقلده اياه ثم ضربته على صدره بخفة ليقهقه


"وحياتك يا عنيدة أنتي يا أم سبع السن لو كنا في مكان تاني ووضع تاني كنت عملت فيكي حاجات تخليكي تنسي الشتايم كلها وهتحرمي تقولي عليا غبي تاني" تنهد وتوعدها


"أنت السبب اللي بيجنني وبيخليني اقول الحاجات دي.." قالت بحزن


"ممم.. ماشي يا شيرين!! يالا أنا رايح ومش هتأخر" أخبرها ثم قبلها على جبينها وذهب لغرفته حتى يُغير ثيابه وقد تعجبت شيرين ماذا يريد أن يحضر وإلي أين سيذهب وما إن رأته متوجها للباب حتى يُغادر


"اياك تتأخر وتسبني هنا" صاحت به ليومأ لها وما إن فتح الباب حتى رجع إليها ثم انخفض قليلاً ليلاقي مستواها على الأريكة ودفن يده بخصلات شعرها ثم التهم شفتاها بقبلة عنيفة دون أي مقدمات إلي أن أحتاج الاثنان لإلتقاط أنفاسهم


"مش ممكن! أنتي بتعملي فيا ايه؟!" همس بينما يُحاول أن يستعيد وقفته وسيطرته على نفسه


"مش حذرتك إني هاموتك لو بوستني تاني غصب عني؟" صاحت بغضب


"مش هاقدر استنى إني أبوسك برضاكي، وبصراحة مقدرش أوعدك بيها" أخبرها ثم غادر ووصد الباب خلفه.


جلست بسأم على الأريكة وقوست شفتاها لغضبها منه بقبلاته المفآجأة تلك ثم غرقت في الخجل ولم تكف عن الابتسام كلما تذكرت كم كانت قبلته رائعة لتتكوم على نفسها وتحاوط جسدها بذراعيها


"هو ليه لازم يبقا حلو اوي كده؟! وشفايفه دي لما بيبوسني بيها مبقدرش أقوله لأ.. ليه منتجوزش عشان أقدر أبوسه كل شوية؟! ياريت كان موضوع الجواز ده البنات هي اللي بتتحكم في عشان أفضل أبوس في الغبي المتخلف ده.."


تنهدت ثم أكملت مُفكرة "هو ايه اللي بفكر فيه ده أنا؟! استحالة أعملها ولازم تيجي منه هو.. مش موضوع الجواز ده بيبقا على الرجالة ولا ايه؟!" تشتت عقلها مفكراً ثم شعرت أنها تشتاق له ولم يمر إلا عشر دقائق حتى وجدت طرقات على الباب فتوجهت مسرعة لتفتح الباب ثم صاحت


"آدم.. أنت متأخرتش" وبعد قولها وجدت رجل وإمرأة أمامها ممسكون ببعض الحاجيات بإيديهم فعقدت حاجباها ليفهما أنها لا تعلم من هما


"مرحباً آنسة شيرين.. أنا ماتيلدا وهذا جون.. أرسلنا السيد آدم لنساعدك على التحضر وبعدها سنوصلك لملاقاته" تبسمت المرآة بود وتحدثت لها بإنجليزية غريبة


"ممم.. عفواً أعذرناني ولكنه لم يخبرني.. هل لي بلحظة أرجوكِ؟" سألتها بالإنجليزية واستأذنت بلطف لتومأ المرأة بالقبول فتوجهت للهاتف وهاتفته لتعلم أنه من أرسلهما


"حسناً.. فلتتفضلا.." قالت شيرين لتدعهم يمرا بالداخل وتوجهت المرأة لغرفتها لتجعلها تختار بين ثلاثة فساتين لتتعجب "إلي أين سأذهب يا تُرى؟" تعجبت بينما ابتسمت ماتيلدا


"لا أستطيع أن أُخبرك ولكن الثلاث فساتين ملائمين للطقس لذا لتختاري آنستي"


"ممم.. حسناً.. الأبيض"


أخبرتها مسرعة ثم أشارت إليه ثم ساعدتها ماتيلدا بتصفيف شعرها الأسود الفحمي لتجعله ينسدل على كتفها الأيسر ووضعت لها بعض مساحيق التجميل البسيطة ثم وضعت على شفاها أحمر شفاه قاني اللون ليزيدها جاذبية فنظرت بالمرآة فلم تشعر من قبل كم هي جميلة مثل تلك اللحظة.


"هل يعجبك عزيزتي؟" سألتها المرأة


"أبدو رائعة.. شكراً لكِ" شكرتها شيرين ثم نظرت لترى كم هي الساعة لتراها أصبحت الواحدة والنصف ظهراً وتعجبت إلي أين ستذهب بتلك الملابس


"هيا عزيزتي حتى لا تتأخرين" أخبرتها ماتيلدا ثم توجهت خارجاً معها هي وجون الذي قاد قارباً حوالي 20 دقيقة ثم ساعاداها على النزول لتتوجه لتصعد درجاً طويلاً وقد شعرت بالتعب قليلاً وما إن صعدت وجدت آدم مرتدياً ملابس رسمية ومتأنقاً حتى أكثر من يوم حفل مولده فنظرت له لترى الإندهاش على وجهه


"اشكلك زي العروسة يا شيرين.." أخبرها وقد نظر لها بشرود في ملامحها التي حُفرت في ثنايا قلبه قبل عقله وبعدها أمسك بيدها ليتوجها لخيمة ضخمة بيضاء اللون لم تستطع أن ترى بدايتها من نهايتها، زهور الياسمين والزنبق قد حاوطت المكان ووجدت مائدة معداً عليها الطعام ليجلسا عليها بعد أن ساعدها بالجلوس..


لم تشعر ببرودة الجو حيث حاوط المكان بمدفئات كثيرة ونظرت بعد أن جلست للتلال أمامها المغطاه بالجليد وبعض من جداول المياه يجري بها


"آدم.. ده أحلى مكان شوفته في حياتي" صاحت بدهشة بينما نظر لها ولم يقل شيئاً غير أنه أومأ لها لتبدأ بتناول الغذاء ففعلت مثلما قال لها بينما هو حاول أن يتناول الطعام فلم يستطع..


نظر لها وقد تدفق العشق الذي تقاسمه العاشقين على مر التاريخ والعصور من عيناه.. ومن ثم أستمعت لموسيقى أغنية تعلمها جيداً May it be للمغنية Enya لتتعجب لما وقع اختياره على مثل تلك الأغنية لتراه ينظر لها بخوف ووجل فتركت الشوكة ثم نظرت له لتتحدث أعينهما فقط..




بعد قليل بالكاد آدم تمكن من الحديث "ليه أخترتي الفستان ده من بين كل اللي بعتهملك؟" سألها وأراح يده على المائدة لتتعجب لما سئل هذا الآن


"مش عارفة.. أنا بحب اللون الأبيض حسيت أنه مناسب ليا وخلاني أحس إني.. أقصد أننا.. هنتـجـ.." تلعثمت فلم تستطع أن تقولها لتجده ينظر لها كمن سيخرج قلبه من صدره على جراء ما قالته أخيراً لتجده بعدها يخلل شعره بعصبية وقلق ثم أخرج علبة صغيرة من جيب سترته وازاحها لها على المائدة فكادت أن تفتحها ويبدو ان بها خاتم زواج بينما أمسك يدها مسرعاً يمنعها أن تُكمل


"خليها معاكي.. وفكري في كل اللي حصل ما بينا، من ساعة ما اتقابلنا في مكتبي لغاية اللحظة دي اللي احنا فيها سوا مع بعض.." ابتلع ريقه بآلم ثم أكمل


"عايزك تاخدي القرار برضاكي، مش بس عشان أتأثرتي بإمبارح والنهاردة والسعاجة اللي شوفناها مع بعض اليومين دول، عايزك تختاري زي ما تحبي ومن غير ضغوك، وعمري ما هاجبرك على حاجة أبداً.."


نهض ثم جذبها ليعانقها لتشعر بضربات قلبه توشك على أن تمزق صدرهما معاً ثم ابتعد قليلاً ونظر لها بتوتر لأول مرة منذ أن عرفته


"أنا بحبك يا شيرين، حسيت إنك ابتديتي تدخلي قلبي من أول يوم جيتي فيه وشوفتك نايمة فيه في بيتي، من ساعة ما اخدتك يومها قبر أمي وبقيت عامل زي الوحش قدامك، عارف أني آذيتك يومها وأنا آسف بجد على دهبس لو كنت مبحبكيش مكنتش وريتك أكتر حاجات اتوجعلها قلبي في الدنيا وجرحتني اوي.. أنا يومها لما شوفتك أغم عليكي بسببي لعنت نفسي مليون مرة عشان أنا كنت السبب في آذيتك..


أنا لأول مرة في حياتي أسيب حد يطلع الأوضة اللي أنتي طلعتيها ويشوف ويعرف فيه ايه فيها، وأنا اللي كنت مقرر أنها هتفضل مقفولة وفعلاً فضلت مقفولة لسنين، أنا كنت قافلها على قلبي، مكنش مجرد باب خشب مقفول!


عمري أبداً ما اتخيلت إني ممكن أحب تاني، عشان تيجي أنتي تاخدي روحي معاكي وأحس من جوايا إني فاضي كل ما بعدتي عني وسيبتيني، أنا خلاص بقيت عايز أقضي اللي باقيلي من عمري معاكي، هاعيش ليكي أنتي بس ومش مهم أي حاجة تانية.


أرجوكي صدقي وأفهمي إني بحبك.. وعمري ما هاحب غيرك، حتى ولو مرجعتيش وموافقتيش إننا نتجوز، مش هاحب غيرك وعينيا عمرها ما هتشوف غير لغاية آخر نفس هاخده، لغاية ما أموت يا شيرين.." دمعت عيناه لترى دمعة تهطل على خده الأيسر لتسارع هي بمسحها بينما أكمل


"أنا بعترفلك أنك غيرتي فيا حاجات كتيرة اوي، أنا كنت عامل زي الحيوان المُفترس وفجأة بقيتت أليف، كل ما كنتي جنبي بحس بسعادة مخطرتش أبداً على بالي أنها موجودة أصلاً في حياتي المقرفة دي، فكري كويس وبلاش تاخدي أي قرار دلوقتي، ولو حابة إننا نكون مع بعض ونكمل حياتنا بالسعادة دي سوا، عرفيني يا شيرين" أخبرها وهو يتفحص وجهها يموت شوقاً لمعرفة إجابة منها ولكنه يريد أن يعرف ماذا ستفعل بعد أن يتركها ويذهب


"آدم أكيد أنا.."


"لا يا شيرين.. متقوليش حاجة دلوقتي أرجوكي .. قولي كل اللي عايزاه بخصوص الموضوع ده بعد ما امشي" قاطعها لينهاها عن قول اي شيء بينما صُدمت هي


"أنت بجد هتمشي وتسيبني؟" صاحت بإندهاش وترقرقت عسليتاها بالدموع ليومأ لها بالإيجاب


"إياكي تعيطي.. أنا عايز ده يكون أحلى يوم لينا مع بعض ودايماً نفتكره" أخبرها ثم وضع قُبلة رقيقة على جبينها وأمسك بيدها ثم رأته يسير لتتبعه فوصلا لبعض الوسادات الملقاه على الأرض لتراه يخلع حذاءه ويجلس ليشير لها لتفعل المثل وجلست بجانبه وحاوطها بذراعه في هدوء وصمت


"عمري ما اتخيلت يا آدم إنك بتحبني اوي كده" أخبرته شيرين لينظر لها


"مين فينا اللي غبي دلوقتي؟" سألها لتتذكر قولها له قبل أن يرحل ويدعها بالكوخ


"أنت هتمشي امتى؟" سألته وقد اعتر نبرتها حزن شديد


"مممـ.. خلينا نشوف" نظر بساعته "بعد خمس ساعات" أجابها لتصيح به


"منك لله يا آدم يا رأفت!!" صرخت بغضب


" لازم ارجع للأسف" نظر لها بحب


"وهتجيلي تاني امتى؟" سألته متمنية أنه سيعود لها


"مش هاجي" أجابها ببرود ثم نظر شارداً لتغرق هي بالحزن


"أنا بكرهك!!" صاحت به وهو على وشك أن ينهي أحد سجائرة ويتطلع بغروب الشمس أمامهما لتنظر لما يشرد به وكم رآت المنظر خلاباً لتشرد به هي الأخرى لتشعر بيده تمسك بيديها


"كدابة" أخبرها ببرود


"عارفة" همست فسمعها ليبتسم ابتسامة جانبية بغرور ثم علا صوتها لتسأله مجدداً "قولي حاجة عنك أنا معرفهاش"


"مممم.. فيه حاجات كتيرة متعرفيهاش عني يا شيرين" أخبرها لتراه فجأة يمدد قدميها رغماً عنها ويخلع سترته ليضعها عليها ثم وضع رأسه على قدماها ونظر لها


"لما أختفيت يوم ما البكائن اللزج اللي اسمه يوسف ده حضنك قدامي روحت قعدت في اوتيل من بتوعي، هابقا أقولك أنا عندي كام اوتيل بعدين..


ممممـ.. ولما الوسخ التاني ده جالك بيتك أنا كنت براقبك عشان لو حاجة حصلتلك أقدر ألحقك، ومن اللي متعرفيهوش إن نفسي أجيب بنوتة وتطلع زي زينة في يوم، حاجة بردو محدش في الدنيا يعرفها، أنا كنت بفضل أبص عليكي كل يوم وأنتي نايمة..


وعلى فكرة أنا بحب أتفرج على الأفلام بطريقة رهيبة، عشان كده من زمان كان نفسي أكون ممثل مشهور.. راقبتك فترة في لندن وأنا اللي ساعدتك تشيلي الكتب، وبحب أوي الخيول والطبخ وعزف البيانو بس ملقتش وقت اهتم بحاجة منهم غير الطبخ، وبعشق امشي في البيت من غير هدوم وبحب أنام من عريان..


وحاجة كمان متعرفيهاش، لما بتحطي الروج الأحمر زي ده ببقا بجد هقطعلك شفايفك دي لغاية ما تكرهيني فعلاً!" سمعت كل ما قاله حتى تقهقه كما لم تفعل من قبل


"سافل"


"لا مش سافل، أنتي اللي مزة زيادة عن اللزوم يا حبيبتي" قالها ليبتسم لها بخبث فنظرت له وهو مُستلقي على فخذيها


"تعرف إني كنت فاكراك هتغتصبني اول ما اجي اشتغل معاك"


"هاعملها متقلقيش بس مش دلوقتي" أخبرها بخبث مجدداً لتلكمه على صدره


"وربنا أقتلك ساعتها!" قالت له بحنق واستمرا بالنظر لبعضهما وأخذت تخلل شعره الأسود بيديها وتسلل الوقت بدون إدراك أياً منهما لتصبح الساعة السابعة ويأتي صوت كي يقاطعهم بإنجليزية


"سيد آدم.. موعد طائرتك بعد ساعة"


"حسناً.. سآتي" أخبره ليبتعد الرجل ثم نهض ليجلس وأمسك بيداها


"أنا فعلاً نفسي أفضل كده جنبك لغاية ما أموت.. بس لازم نمشي دلوقتي"


"أنا عايزاك متمشيش يا آدم" همست بحزن


"أنا كمان مش عايز امشي.." أخبرها ثم احتضن رأسها ليدفنها بصره وقد شعرت بقوة دقات قلبه "يالا لازم نمشي" قالها ليجذب يده وينهضا ثم توجه لترى أنه أحضر طائرة خاصة


"هو أنا هارجع معاك؟" سألته بتعجب


"لا يا حبيبتي، أنتي عندك شغل بكرة، ولا نسيتي؟" اخبرها بإبتسامة ثم توجها معاً للطائرة وما إن جلسا بها ختى اقلعت الطائرة وأمسك بيديها بينما صاحت فجأة بعد دوام الصمت"مين هياخد باله من الكوخ؟! والمفاتيح كمان نسيت آخدها"


"متقلقيش، أنا رتبت كل حاجة وهبعت المفاتيح مع حد لغاية شقتك" ضحك لمدى توترها هكذا ثم جذبها لتجلس على قدماه ثم راح ينظر له تلك النظرات التي ارعبت روحها كأنهما لن يلتقيا مُجدداً


"احنا مش هانروح هناك مع بعض تاني؟" سألته بحزن


"ممكن، وممكن منكررهاش تاني أبداً.. الاختيار اختيارك.." اجابها لتنزعج مما سمعته كمن يُلقي بعبء كل شيء عليها


"بصي يا شيرين، أنا مش هجبرك على حاجة ومش هضايقك تاني ، انتي اختاري يا إما تبعدي عني يا إما ترجعي، وأرجوكي عايزك تختاري بعد ما امشي" أخبرها بنبرة واثقة وهادئة للغاية "بس المرة دي هاعمل حاجة وعارف إنها مش هتعجبك خالص" وسعت عيناها مما سمعته للتو لتراه أسرع في التهام شفتاها في نهم ولم يتوقف إلي أن هبطت الطائرة.


حاولت عند الهبوط العودة لمقعدها بينما لم يدعها وأمسك بها جيداً وعندما توقفت الطائرة تركها وبالكاد توقفت على قدميها كمن سيفقد الوعي فسندها حتى تستعيد توازنها


"بوستي حلوة اوي يا شيري، اوعي تنسي ده" أخبرها بخبث بينما يحاول الاثنان التقاط أنفسهم وجذبها حتى ينزلا من الطائرة بينما أوقفته هي حتى تمسح آثار احمر شفاها من على شفتيه ثم قبلته قبلة برقة كأنما تُخبره أنا لك ولن ابتعد أبداً لتجده بالكاد يفتح عيناه بعد أن افترقا منها


"مش هانسى البوسة دي أبداً" همس ثم قبلها على جبينها ونزلا من الطائرة وقد آتى لها بمعطفه لترتديه ثم مشي معها حتى وصلا للخارج وتوقفا بالقرب من سيارة سوداء علمت أن الوقت قد حان لمغادرته فنظرت له بحزن ليمسك بكفيها الرقيقتان


"خدي بالك من نفسك، ولبعدي عن الرجالة، مش عايز اجيبلك حراس وناس تراقبك عشان أنتي بتكرهي ده.. بحبك يا شيرين" جذبها ليعانقها عناقاً طويلاً لتهمس له بأذنه


"وأنا كمان" وقد نزلت دموعها على وجنتاها


"سلام يا حبيبتي" أخبرها لتنفجر بالبكاء وبالرغم من آلمه إلا أنه أراد أن تأتي له مثلما تركته، نظر للسيارة التي انصرفت بها بعيداً إلي أن أختفت عن مرمى بصره ثم ترقرقت عيناه بالدموع وتحشرج صوته ثم قال


"يا ريت مفضلش مستنيكي لغاية ما أموت.. سلام ياللي خطفتي قلبي وخلتيني مش عارف أنا أبقا مين"


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

الفصل 29


الجزء التاسع والعشرون


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

منذ زمن بعيد....


لا يدري لكم من الوقت ظل يتجول بسيارته وهو يُفكر بما حدث صباحاً منذ ساعات، لا يُصدق أنها بمنتهى البساطة قد صدقت أنه يخونها، لم تعطه فرصة للشرح ولا للحديث، كان يظن أن ما بينهما أكبر من هذا، ولكنه لربما كان مخطئاً!


نفث دخانه ببطئ ثم تفقد الساعة ليجدها قد قاربت من العاشرة ليلاً ليزفر في حنق وفكر جدياً بالذهاب لها حتى يتحدث معها علها قد تكون هدأت قليلاً حتى تعطيه فرصة ليبرأ نفسه أمامها بالرغم من أنه بداخله لا يتقبل الفكرة أصلاً!


ولكن آدم لم يكن يدري أنها قد غادرته.. وللأبد..


شرع في قيادة سيارته مرة أخرى متجهاً لمنزلها وهو يحاول أن يُرتب حديثه الذي سيتحدثه معها ولسوء حظه أنه قد تركها أن تضيع من بين يداه للأبد.. فما حدث بمنزل تقى باللحظة التي دلفته لم يكن هيناً أبداً!


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"طب وبعدين.. أنا مشيت عشان ارجعله تاني ولا مشيت عشان أهرب وخلاص؟! ليه حاسة بكل ده؟ مكنتش أتخيل أبداً إن قلبي يدق لراجل تاني، عمري ما حسيت بالسعادة في حياتي زي ما حسيتها معاه، ولا عمري خطر ببالي إني هاحس بالوحدة دي كلها لما يمشي ويسبني، هو عمل فيا ايه؟!


ما أنا طول عمري كنت وحيدة من غير أهلي ومن يوم ما ماتوا عمري ما حسيت بالوحدة بالشكل ده، ايه اللي اتغير بالظبط؟ أنا فعلاً بحبه أوي كده ومش هاقدر أكمل حياتي من غيره؟ طب لو كده أنا مرجعتش ليه؟ ليه الحيرة دي كلها والمليون سؤال اللي بفضل أسألهم لنفسي كل يوم؟ ليه أنا خايفة اوي كده تاني؟


آخر مرة كان فيها معايا كان عامل زي الحلم الجميل اللي نفسي مصحاش أبداً منه، ليه بقا بخاف تاني؟ خايفة مثلاً إنه يرجع يهددني ويتعصب عليا ويخوفني؟ خايفة إني لو رجعتله وفضلت معاه فترة يخونني؟ خايفة إنه يرجع لبروده وقسوته معايا؟ أنا كمان قرفت من نفسي أنا ليه جبانة وضعيفة اوي كده؟!"


تسائلت شيرين محدثة نفسها بعد مرور شهر كامل منذ أن ودعته، قدمت على إجازة وتوقفت عن الذهاب للكلية التي تدرس بها وأصبحت مشتتة أكثر، لم تتوقف عن التفكير ولو للحظة، لا تعلم ماذا تنتظر ولم تنتظر، كل يوم تحث نفسها على المغادرة ولكن هناك شيئاً يُعيقها، شعور بالخوف لأنها تعلم بمجرد العودة له لن يكون هناك فرار.


****


"ليه يا حبيبتي؟ ليه مرجعتليش؟ كلميني حتى ولو مرة وفهميني ايه اللي موقفك؟ حاسس وشايف حبك ليا في عينيكي لكن أول ما رجعت كل حاجة بقسوتها رجعت تاني، نفس البعاد والحيرة والوجع!


قلبي واجعني وجروحه بتزيد كل ثانية أنتي فيها مش جنبي، بحارب عشان أتنفس وكأن الهوا اللي بتنفسه بإيدك أنتي، آآه يا شيرين لو تعرفي اللي بيجرالي، يا ريت لو يجرالك زيي، يا ريتك تعرفي أنا عامل ازاي من غيرك يا شيرين!!" تشتت أفكاره هو الآخر ولم يستطع أن يتظاهر أنه بخير بعد الآن.


تدهورت أحواله كثيراً، ظن أنها ستعود بمجرد عودته وظن أنها تحبه بالفعل ولكن كل ما فعلته كان عكس إعتقاده، مرت الأيام الأولى بعد عودته بخير ولكن الآن هو لا يفعل أي شيء غير الإختفاء وامتهن العزلة.


"آدم يا ابني.. أستاذ مراد وصل!" نادته فاطمة من وراء الباب


"قوليله يجي بكرة" أخبرها لتعود لمراد وتخبره ولكن لم يتقبل مراد رده، لقد سأم من إنتظاره يوم بعد يوم فقرر الصعود له رغماً عنه.


"أيه مش عايز تشوفني؟" تحدث مراد في حزن لينظر له آدم نظرة خاطفة وشرد بنظره بعيداً وقد بدت ملامحه مريبة للغاية تبعث القلق لكل من يراه


"كفاية يا آدم.. انسى يا آدم كل حاجة حصلت وأنساها وأرجع آدم رأفت أخويا الصغير وابن عمي اللي أعرفه، متفضلش كده قاعد هنا وقافل على نفسك وكأن الدنيا خلصت وانتهت، ترجع هيا بقا ولا مترجعش هي حرة واديك خلصت منها، أنت عملت اللي عليك ومفيش حاجة المفروض تعملها إلا وعملتها عشان خاطرها، ارجع لشغلك وحياتك، ده ستات الدنيا تتمنى بس ضحكة منك، هي الخاسرانة، متخليش حياتك توقف عليها"


حاول أن يخرجه من تلك الحالة التي لم يراه بها من قبل فهو لم يتوقف عن العمل بحياته هكذا، لم ينعزل من قبل بمنزله، حتى زينة لم يعد يتحدث لها، أوقف عالمه وكأنما توقف الوقت، وبالرغم من أن ما قاله للتو لا يُعجب مراد شخصياً ويجده درب من دروب الجنون ولكنه قد يفعل أي شيء حتى يخرجه من عزلته هذه.


"انسى!" همس آدم وتبسم بسخرية "انسى ايه؟! تغيرني وتغير كل حاجة فيا وفي الآخر تمشي وتقولي امثل وانسى وأعمل نفسي مش واخد بالي وامثل إن كل حاجة تمام! عايزني اصحى من نومي والبس واتشيك واحضر الحفلات والافتتاحات وارجع تاني آدم رأفت المشهور وهي مش جنبي؟! عايزني ارجع اقضي ليالي مع شوية نسوان شمال واتخيلهم كلهم شيرين وأناديهم بإسمها؟!" سكت قليلاً ثم أكمل بإنكسار تعجب له مراد


"مش هاقدر؛ أنا خلاص مبقتش قادر أكون آدم رأفت من غير وجودها جنبي، أنا مبقاش إنسان غير وهي جبي، وطول ما هي مش جنبي أنا مبقاش عارف أنا مين" نهض آدم وتوجه له ليحدق بأعين مراد


"بص لي! تقدر تعرف أنا مين؟.. بص لي كويس وأفتكر أي وقت أنا كنت فيه معاها وجنبها، شايف إن أنا نفس الإنسان؟!" صرخ به ليشعر بغضبه العارم وقد ظن أنه قد يعود لرشده وقد يدفعه كلامه اللاذع الذي ناقشه معه ولكنه لم يظن ما قد يحدث، لم يخطر على باله إلي أين سوف يقوده هذا الحديث.


"أنا وآدم اللي كان مع شيرين مش نفس الشخص مش كده؟ الملعونة دي غيرتني وخلتني مش قادر اخد نفسي من غيرها، تيجي.. تدخل حياتي من غير استئذان.. تهرب وتسبني من غير ما تراعي احساسي وحبي ليها.. تشوفني تقولي أنها بتحبني.. وأنا قلبي يتجرح وهي بعيدة..


تعرف يا مراد؟! أنا معرفش عنها أي حاجة من يوم ما رجعت من عندها، عارف ليه؟ عشان هي بتضايق إني اراقبها!


تعرف كمان؟! أنا كل يوم بتخيلها وبشوفها جنبي عشان كده أنا قاعد لوحدي كل يوم معاها ومش برضى حد يقاطع قعدتنا سوا وعشان اخلي وقتي كله ليها عشان متضايقش وتزعل لو انشغلت عنها..


تعرف ليه أنا بنام كل يوم؟ عشان أشوفها في أحلامي، عشان أقولها إني بحبها وبعشقها، تعرف إني خايف ومرعوب أكلمها؟تعرف أنا قد ايه نفسي أرجع بالزمن عشان الاقيها جنبي؟ البنت دي جننتني يا مراد.. مبقتش بفكر غير فيها سواء معايا ولا مش معايا..


بس تعرف أنا ندمان اوي.. تعرف ليه؟ عشان أنا ضيعت اللحظات والأوقات اللي كنا فيها مع بعض ومخليتهاش تعرف وتشوف وتحس أنا بحبها وبعشقها ازاي..


أنا كنت سافل معاها وراجل مقرف ومعنديش دم، اتعصبت عليها وصرخت في وشها وعاملتها بقسوة وأنا مكنتش فاهم إني بخوفها وبرعبها.. بدل ما أخليها تحس بحبي وأخليها تحبني أنا كنت بخوفها.. أنا غلطت فيها كتير أوي مش كده؟"


نظر له مراد بتعجب فهو بحياته لم يتحدث هكذا، هو يسأل السؤال ويجيبه بنفسه، لم يتوقع أنه سيصبح بهذه الحالة


"آدم، أنت لإمتى هتفضل مستنيها وبتعيط على فراقها ليك؟ هي اللي اختارت أنهـ .."


"مراد!!" قاطعه دون إكتراث لما يقوله "أنا هاعتمد عليك وهاسيبلك كل حاجة، أعمل كل اللي تشوفه، أنا خلاص مبقتش عايز حاجة من الدنيا إن الكل يسيبني في حالي" أخبره بخفوت ثم تركه بغرفته وغادر..


توجه لمرأبه ليختار تلك السيارة التي اختارتها هي من قبل ثم أشعل المحرك ولم يدري إلي أين هو ذاهب، لا يستطيع التخلص من كل الذكريات التي جمعتهما معاً، بل هو لا يريد أن يتخلص منها، لا يدري لما تفعل به كل هذا، ولا يدري لما هو متعلق بها وبكل شيء عنها هكذا! "لغاية إمتى هتفضل ماسك في القشة دي! لإمتى يا غبي" صرخ بغضب وقد ضرب المقود بقبضته بعدما أدرك جيداً إلي أين هداه عقله للذهاب.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::




"كبرياءك دلوقتي بعد ما شهرين عدوا مش هيفيد، لا شغل ولا حياة، طول الوقت عمالة تفكري هترجعي ولا لأ.. كفياكي ضعف وخوف بقا لغاية كده.. لغاية إمتى هتفضلي جبانة وبتتعاملي بلامبالاة قصاد مشاعرك ومشاعره؟! لازم تواجهي أياً كان اللي هيحصل يا غبية!


كنتي فين وهو بيدور عليكي؟ لما كلمتي حبيبة بعد ما رجع مش قالتلك ارجعي؟ مش قالتلك حالته عاملة ازاي وأتجنن ازاي لما مشيتي؟ مستنية ايه تاني؟!"


تحدثت لنفسها بينما شعرت ولأنها لأول مرة استيقظت بعد مرور شهران، حجزت أقرب موعد طائرة وحزمت حقائبها وقررت أن أول وجهه لها ستكون منزله.


قررت أخذ الرحلة المباشرة لمدة خمس ساعات متواصلة وكل ما تُفكر به هو كيف سيعاملها عندما تعود وتنظر له؟ ماذا سيحدث عندما تتلاقى رماديتاه بعسليتاها؟ هل سيصدها لقرار عودتها الذي جاء متأخراً كثيراً أم سيقابل عودتها بصدر رحب وسيكون مثلما كان معها بإسكتلندا؟ حاربت أفكارعقلها أحاسيسها التي تخبرها بأنه سيتفهم وسيسامحها، فهو إذا أراد على أن يجبرها أن تعود كان فعلها منذ كثير، لن ينتظر شهران،


"هو اتغير، آدم اتغير عشاني" تمتمت بهمس بينما وصدت عيناها كي تحاول طرد تلك الأفكار السخيفة من مخيلتها واستسلمت لمشاعرها التي تخبرها العكس.


بعد مرور الخمس ساعات وبمجرد انتهائها من إجراءات المطار هرعت مسرعة لمنزله وتمنت أن تجده، تمنت أن تحتضنه وتخبره كم أشتاقت له، وبمجرد الدخول من تلك البوابة الضخمة التي أمطرت رأسها بالعديد من الذكريات السعيدة والحزينة معاً، وصلت ثم رنت الجرس ولكن لم يجيبها أحد، ظنت أنه قد ذهب للعمل، تنهدت ثم قررت الذهاب للبحث عن فاطمة بالمنزل الملحق فقد تعلم إلي أين ذهب.


"فاطمة، أنتي هنا؟" نادت بتوتر


"آه، ميـ.." وما إن نظرت فاطمة لمن أمامها حتى وسعت عيناها بدهشة "آآنســة شيريــن" همست بصدمة


"ايوة يا فاطمة أنا، عاملة ايه؟" حاولت أن تتجنب سؤالها عن آدم وكي تبدو لطيفة قليلاً


"بخير" اجابتها بحزن


"فيه ايه مالك؟ أنتي كويسة بجد؟" تعجبت شيرين من ردها لينبعث بها القلق


"أنا كويسة صدقيني"


"طب مالك؟ شكلك متضايقة اوي؟"


"آدم.." اخبرتها ولكن توقفت


"ماله؟! هو كويس؟ هو فين؟ مش هنا في البيت؟ ولا في الشركة؟"


"اتفضلي يا بنتي، أنا هاحكيلك كل حاجة"


بعد إندهاش شيرين من إختفاءه الذي حدث منذ شهر، وتدهور حالته بعد العودة من لندن ومحاولات مراد للتحدث معه ولكن آدم قابله بالرفض كل مرة وآبى أن يتحدث معه، وعند آخر محاولة عندما صمم أن يعود للعمل أو حتى للخروج من المنزل قد اختفى ولم يعلم أحد أين هو.


جلست كمن أُصاب بالشلل للتو وكأنما توقف جسدها عن العمل عدا عيناها اللتان ذرفتا الدموع في سكوت وسكون حزين ولم ترمش لدقائق وكل ما تُفكر به إلي أين ذهب؟!


"آنسة شيرين" نادتها فاطمة لتفق من شرودها "كل حاجة هتكون بخير يا بنتي" ربتت على كتفها بلطف بينما لا تدري شيرين الآن أين ستجده، من أين ستبدأ؟ وماذا عليها فعله؟


سارت بشرود تام خارج المنزل، نست حقائقبها ونست أنها تسير على قدماها ولم تنظر حولها ولم تلاحظ حتى السيارة التي توقفت بجانبها ولم تفق حتى سمعت من يتحدث إليها


"ليه جيتي دلوقتي؟" صرخ صوتاً تعرفه جيداً


"أستاذ مـ.."


"ايه مفيش وراكي شغل ولا حاجة محتاجة تعمليها؟ لقيتي أخيراً وقت في جدولك عشان تيجي تدوري عليه؟" قاطعها مراد بغضب ولم يعطي لها الفرصة حتى تتحدث


"ملقيتيهوش مش كده؟! عموماً محدش عارف هو فين، وهو مش عايز حد يلاقيه، قرر يختفي تاني وكل ده بسببك، أنا معرفش هو فين، معرفش إذا كان كويس ولا لأ، حتى زينة بنتي، بطل يكلمها، عايزة ايه أكتر من كده؟ عايزة تموتيه ولا جاية عشان تشوفيه مكسور وضعيف قدامك؟ كفاية اوي كل اللي عملتيه لغاية دلوقتي، امشي.. امشي ومترجعيش تاني.. أنتي خلاص بقيتي مصدر تعاسة ونكد على الكل!!" أكمل صراخه بها لتندهش شيرين من عصبيته وغضبه المبالغ فيه وتركها ثم غادر.


لم تدري من أين آتى ومن أخبره أنها متواجدة بمنزله شعرت كم أصبحت مكروهة من الجميع، فالحقيقة هي أنها السبب في إختفاء آدم وإنقطاعه عن التحدث حتى مع أقرب الأشخاص له، ولكن إحساسها يخبرها بأن عليها أن تذهب له وتبحث عنه وليذهب كلام مراد للجحيم.


"حبيبة أنتي فين؟"


"قولي صباح الخير الأول" أجابتها حبيبة مازحة عندما وجدت اسمها على شاشة هاتفها


"مفيش قدامي وقت، أنا محتاجة عربيتك" أخبرتها مسرعة


"ايه ده!! أنتي هنا؟ رجعتى أمتى؟ ليه مقولتليش؟ أنا بكرهك يا شيرين!!" صاحت بغضب


"آدم! أختفى تاني يا حبيبة ومحدش عارف مكانه، ليه مقولتليش؟" سألتها بينما بدأت في النحيب


"والله العظيم أنا ما كنت أعرف، قوليلي أنتي فين وهاجيلك حالاً"


"في بيته.. أرجوكي متتأخريش"


انتظرتها شيرين وكل تفكيرها من أين ستبدأ؟! تدرك أن المهمه ليست سهلة قد لا تجده أبداً والأصعب أنه قد يصدها وألا يتقبلها من الأساس ولكنها لن تمكث هكذا وكأن كل شيء بخير!


بعد حوالي نصف ساعة وصلت حبيبة ثم دلفت شيرين للسيارة بخطوات متثاقلة وما إن نظرت لها حبيبة اندهشت لملامحها وآثار البكاء التى كست وجهها وصاحت بها في قلق


"شيرين،أنتي شكلك مش كويس خالص، أنا.. أنا مش عارفة أقول ايه بس.. ممم .. عايزة تعملي ايه دلوقتي؟"


"هادور عليه" اجابت بهمس


"هتدوري على مين؟ آدم ممكن يكون في أي حتة، هو قرر يختفي، أكيد راح مكان محدش يعرفه"


"حبيبة! أنا فاهمة كلامك بس لو كان حاسس زي ما أنا حاسة أكيد هيروح مكان كنا فيه سوا قبل كده! هيبعد عن الكل بس مش عني!"


"تمام.. تمام!! هو بيحبك وبيموت فيكي وكلنا عارفين ده، بس عمرك روحتي معاه مكان لوحدكوا سوا قبل كده؟!" سألتها بحيرة


"آه.. روحنا يخت بتاعه مرة قبل كده ومرة روحنا شاليه بعيد كده شوية، كان بيشوف البحر على طول، أظنه راح هناك، بس اختفى قبل كده ولما سألته لو كان راح نفس الشاليه قالي لأ"


"خلاص ماشي، هنروح اليخت الأول وبعد كده نروح الشاليه، أنتي فاكره هو فين ولا عنوانه فين؟"


"أنا عايزة أعمل ده لوحدي يا حبيبة، كفاية إنك جيتي لغاية هنا عشان تاخديني، بس أنا عايزة الاقيه لوحدي، هو بعد بسببي ودلوقتي أنا اللي لازم الاقيه"


"أنا مش هاسيبك لوحدك، أنتي يا دوبك لسه جاية، لا يا شيرين مش هاينفـ.."


"أرجوكي.." قاطعتها مسرعة "أنا عارفة انتي بتقلقي عليا ازاي، وصدقيني لو احتاجت حاجة هقولك، أنا مش عايزة أتناقش في الموضوع ومش عايزة أضيع وقت أكتر من كده"


"خلاص زي ما تحبي" أخبرتها حبيبة وقد شعرت بالغضب


"متضايقيش مني أرجوكي، أنا مقدرة اللي عايزة تعمليه عشانيوكل اللي عملتيهولي بس مفاية لغاية كده، مش عايزة أتقل عليكي بمشاكلي أكتر من كده"


"أنتي يا إما عبيطة يا إما اتجننتي؟ ازاي بتقولي كده؟ أنتي أختي يا شيرين، اياكي تقولي كده تاني"


"شكراً يا حبيبتي" عانقتها وقد أشتاقت لها حقاً وشعرت كم هي محظوظة لتملك صديقة مثل حبيبة وشعرت أيضاً كم كانت مُقصرة معها فدائماً هي من ينقذها في كل مواقفها بينما في أوقات أخرى كانت هي دائماً مشغولة


أوصلتها شيرين لمكان عملها ثم توجهت لليخت ولكنها لم تجده به وقد خاب أملها قليلاً ولكن مازال لديها أمل في أن تجده في ذلك المنزل ولكنها لا تعلم من أين تبدأ، توجهت لمقر الجامعة التي أعتادت أن تعمل بها ثم شرعت في التوجه مثلما توجه هو وحاولت أن تتذكر الطريق بكل ما أوتيت من قوة.


لاحظت أن الطريق طويل وكم كان هو مسرعاً ذلك الوقت، ورغماً عنها أندفعت الذكريات في رأسها وتذكرت عندما جلست بجانبه تقنعه بأن يعودا وتذكرت بعض المواقف التي حدثت بينهما ذاك اليوم


Flash Back


"أرجوك ارجع يا آدم" توسلت له وسط فزعها ولكن لا حياة لمن ينادي "طب على الأقل قولي احنا رايحين فين لو سمحت"


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


"آدم!! بطل بقا تصرفاتك الغريبة دي وسيبني في حالي، أنت عايز ايه بالظبط؟ مش مكفيك كل اللي حصل ما بيننا؟ ايه ناوي تقتلني دلوقتي ولا تخطفني؟ ولا محضر مفاجأة ايه ومش قايلي عليها؟!! ما تنطق وتتكلم وتقول حاجة يا بارد أنت" صرخت به بفزع وغضب بنفس الوقت فلقد خافت ممن يجلس بجانبها


"اسمعني كويس!! لآخر مرة هقولك، سيبني في حالي وابعد عني، واوقف واركن على جنب وأنا هاتصرف وهاعرف ارجع لوحدي وإلا والله أرفع عليك قضية علشان اللي بتعمله ده اسمه خطف!!" لم تدري


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


"أنت هتعمل فيا ايه؟ أنا عندي شغل بكرة ولازم أكون الصبح في الكلية.. احنا هنفضل هنا لأمتى؟" تسائلت بخوف وصوت مرتجف


"عايزة تعرفي أنا هاعمل فيكي ايه؟ هاعمل فيكي كل حاجة بتكرهيها.. وهنفضل هنا لغاية ما نموت.. ويولع شغلك بجاز وسخ" أجابها آدم بخبث وغموض ليبعث الرعب بها أكثر.. وأكمل تفحصه لها ولحالتها تلك ليبتسم ابتسامة رضاء كأنه خرج من الجحيم للنعيم لتوه


"آدم كفاية ألغاز ولو سمحت تعالى نمشي من هنا وتعالى نرجع" أخبرته متوسلة ولكن لم يتغير به شيئاً وظل هكذا لدقائق وبسمته الماكرة لم تتضائل.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


"مش أنا حذرتك؟ مش وريتك نهايتهم كانت ايه؟ أنتي اللي حكمتي على نفسك بعمايلك وعدم سمعانك الكلام.." همس ببروده وقد فرغ وجهه من التعابير ليطغى على ملامحه التسلط المطلق.


End of Flash back


تذكرت لمحات من وجودهم معاً بذلك المنزل وتذكرت كيف كانت تصرفاته تتسم بالعنف والقسوة وكم تغير عندما آتى إليها بلندن، كم تمنت أن يتغير هكذا منذ زمن ولكن كبرياءه وغروره منهاه لفعل الكثير، ووقفا كحائط صد أمام مشاعره لها.


أكملت الطريق بينما تحاول جاهدة أن تبحث عن المنزل الذي ذهبت له من قبل، فليس لديها حل إلا أن تعتمد على ذاكرتها، ليس لديها من يساعدها، مراد بالطبع لن يخبرها بشيء، فبعد حديثه لها الذي بدا زاجراً لها وصب غضبه عليها به لن يساعدها هذا لو كان يعلم أين هو فعلاً، فلو كان يعلم أين هو لكان ذهب إليه.


مرت شيرين أمام تلك المنازل التي شابهت بعضها البعض من الخارج وتوقفت أمام كل بوابة حتى شعرت أنها باءت بالفشل، صفت السيارة بجانب الطريق وشعرت بالخوف وقد أقتربت الشمس على المغيب، اعتصرت عيناها وسندت بيداها التي تحاوط رأسها على المقود ثم حاولت التذكر جيداً كيف سارا هذا اليوم.


تذكرت أنها رأته ينعطف بالسيارة يميناً لتنظر حولها بسرعة فقد لمحت زرقة البحر من بعيد وتوجهت السيارة في مدخل يحاوطه الأشجار من كل ناحية لتصل لبوابة ضخمة "إنسانة غبية أنتي مدخلتيش يمين من هنا ولا مرة!! كنتي ماشية غلط كل ده" صاحت بإنتصار ثم أدارت المحرك وعادت أدراجها ثم مشت مجدداً بالطريق وانعطفت وبدأت ترى تلك الأشجار مرة أخرى وقد شعرت أنها قاربت على الوصول.


صفت السيارة أمام البوابة الضخمة فليس هناك حراس أو أي أحد مثلما كانوا متواجدين هنا بالمرة الماضية، لمحت سيارة بالداخل وبالطبع تذكرت تلك السيارة ذات الدفع الرباعي التي كانت من ضمن سياراته بالمرأب فحاولت فتح البوابة ولم تستطع


"أنا هاطلع على البوابة ويحصل اللي يحصل!!" تمتمت ثم حاولت التسلق من الخارج وما إن وصلت للأعلى شعرت بالخوف لملاحظة الإرتفاع الشاهق الذي عليها أن تهبط منه الآن.


حاولت النزول للأسفل بروية ولكن لم تستطع يديها التحمل أكثر فانزلقت رغماً عنها لتقع ويلتوي كاحلها وتصاب بجرح وبعدة خدوش في ساقها اليسرى!!


"إلهي تولع يا شيخ!! أنا بكرهك" صاحت بغضب بينما بدأت الشعور بالوجع ولكنها لم تعير ساقها والدم الذي انسال منها أي اهتمام وتحاملت عليها حتى وصلت بخطوات بطيئة للبوابة الأمامية وألقت نظرة على السيارة التي تبدو وكأنها خرجت من عاصفة ترابية للتو، حاولت الدخول لكن بالطبع كان الباب موصد وحاولت الطرق مراراً وتكراراً ولكن لم يجيبها أحد.


تحاملت مرة أخرى على ساقها وتذكرت جيداً أن هناك شرفة تطل على الباحة الخلفية تخص الغرفة التي كانت تمكث بها وتمنت أن تكون غير موصدة فذهبت هناك بعد عناء ووجدتها مفتوحة، فابتلعت ريقها بصعوبة وأخذت نفس عميق ثم توجهت للداخل.


لم تجد أي ضوء يدل على وجود أحد، وأحاطت الظلمة المكان فلم ترى شيئاً، حاولت التوجه لتشعل الأنوار في تلك الظلمة المخيفة وبدأت تتعثر في أشياء كانت ملقاة على أرض الغرفة وحاولت الحفاظ على توازنها وما إن أنارت الغرفة حتى صعقت مما رآته.


زجاجات فارغة مُلقاة بكل مكان، تعم الفوضى العارمة الغرفة بإهمال، شمت رائحة هي تعلمها جيداً، رائحته هو الممزوجة بالدخان، حاولت البحث عنه لتجده مرتمي أرضاً بجانب السرير من الجهة اليمنى، وجهه يقابل الأرض وظهره عارٍ ولا يرتدي شيئاً غير بنطال قطني رمادي اللون وشعر رأسه قد أكتسب طولاً وبدأ في أن يعبر عنقه بقليل.


"آدم!" همست بفزع وخوف وتوجهت له على الفور وكأنما لم تصاب في ساقها منذ قليل، انحنت للأسفل ثم جلست بصعوبة وبدأت في تلمس ظهره بيدها فوجدت حرارته مرتفعة مما زاد القلق بها.


"آدم أرجوك أصحى" صاحت به ولكنه لم يستجيب فحاولت وكزه برفق مرة أخرى ولا تدري من أين جاءت تلك الدموع التي تعيق رؤيتها الآن


"آدم،أنا جيت، أصحى أنا شيرين" صاحت بصوت أعلى قليلاً يحمل آثار النحيب لتسمع همهمات غير مفهومة تعبر عن إنزعاجه.


"يالا اصحى وفوق، أنا هنا جنبك، أرجوك متخوفنيش" توسلت بصياح عالٍ حتى تخرجه من نومه وتجعله ينتبه لوجودها


"أخرجي من راسي!!" همس وسط نومه "كفاياكي بقا تعبتيني وجننتيني كفاية بقا!" تحدث وهو موصداً لعيناه لتظن شيرين أنه يتخيلها فأسرعت متحدثة وأراحت كفها على ذراعه


"لا أنا شيرين، أنا هنا بجد يا آدم"


استدار لينظر لها بأعين امتلئ بياضها بالحمرة بملامح متألمة وشحوب وجهه يبدو مرعباً ولحيته التي لم تراها من قبل هكذا فبدا حاله مُخيفاً للغاية وشعره فوضوي ليغطي جبينه بإهمال ثم استند بصعوبة ورآت يده تمتد لتمسك بشعرها وتجذبها بقوة ناحيته لتقترب منه وتشعر بالألم جراء قبضته وبدأت دموعها في الإنهمار لا تدري هل من تصرفه أم من الشخص الذي تحول له؟


"أيه مش مكفيكي؟ ليه مش عايزة تخرجي من راسي؟ ليه مصرة تجننيني أكتر؟ أنتي سيبتيني ومشيتي من كتير اوي ، ودلوقتي ليه مصممة تبقي في عقلي وتفكيري وبشوفك قدامي كل يوم؟ كفاياكي بقا ارحميني، سيبيني في حالي أرجوكي" صرخ بها ليبعث لقلبها الذعر ولا تدري أهو يتخيلها أم هو محموم أم ماذا به؟


"آدم ده أنا" همست بصعوبة بينما دموعها بدأت بالتساقط على صدره العار "أنا هنا بجد" مدت يدها لتتحسس وجهه برفق بينما تغيرت نظرته وفك قبضته الممسكة بشعرها لتنسدل ذراعاه بجانبه وجلس بإنكسار لتشرد نظراته مبتعدة عنها.


"آدم" نادت بينما حاولت أن تجذب ذقنه للأعلى حتى تحاول النظر له وتوقفت عن البكاء


"ابعدي عني" همس ببرود ثم حاول الوقوف بجسد مترنح مبتعداً لتعلم أن لن تكن مهمتها سهلة أبداً فتابعته بعسليتاها ولم يكد يصل لباب الغرفة لتجده راقداً على الأرض فاقداً للوعي.


"آدم..." صرخت لتنهض بآلم مسرعة نحوه لتتلمس جسده وتحاول جذبه بينما كان جسده ثقيلاً للغاية "أنت يا مجنون عملت في نفسك ايه؟!!" تمتمت لتنهمر دموعها مرة أخرى وهي ليست تدري ماذا عليها أن تفعل الآن؟


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


© 2019 by Batoul


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-