أخر الاخبار

ترويض ادم للكاتبة بتول طه ٣٥و ٣٦


ترويض ادم للكاتبة بتول طه




 الفصل 35

الجزء الخامس والثلاثون


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


أمسك بيدها بينما جلسا سوياً بطائرته الخاصة، يتبادلان النظرات في صمت وكأنهما يتعرفان على بعض من جديد، أنهال من رماديتاه العشق الخالص لها، عاد آدم المحب الذي رافقها لإسكتلندا منذ شهور، لم تعد تشعر بذلك الخوف الذي غلف قلبها كلما كانت معه، فر التوتر بقلبها ليحل محله اطمئنان لم تجد له مثيل من قبل..

هي تعترف أنها أحبت كريم ولكنها تشعر شعور مختلف بجانب آدم، مجرد وجوده بجانبها يريحها ولا تحتاج شيئاً آخر بعدها.


"ليه اخترت التشيك بالذات؟!" سألته بإبتسامة


"مش عارف.. بس كنت عايز أسافر أي مكان في أوروبا ومن ساعة ما لمست رجليا أرض التشيك وبراغ بالذات مقدرتش اسيبها، هتشوفي بنفسك، تحسي كده البلد كلها ليها طعم تاني"


"أكتر من استكتلندا يا Mr آدم؟!" سألته بتحدي ونظرة تعني أكثر من المكان الذي بقينا به سوياً وحدنا، لم تحصل إلا على ضحكة جعلتها تنسى كل شيء، لم تراه يضحك هكذا من قبل، كم تمنت أن تراه مثلما تراه الآن، بدا وسيماً حتى عندما لمعت أسنانه بدا كالشاب الصغير وليس رجلاً عبر المنتصف من عقده الثالث.


"هتشوفي وهتحكمي بنفسك.. وعموماً أي مكان في الدنيا معاكي هو جنة ربنا على الأرض يا حبيبتي" أخبرها هامساً ثم قبل يدها لتسعد كثيراً مما سمعت وأكسى وجهها الحمرة من الخجل.


"شكلك حلو اوي كدها"


"ازاي؟!" تعجب لما أخبرته به


"لما بتضحك، أضحك دايماً، بحب أشوفك مبسوط وسعيد طول الوقت"


"طول عمري هافضل مبسوط وسعيد طول ما أنتي جنبي" أخبرها بإبتسامة ثم حاوط خصرها بيده فاقتربت منه لتتسلل لأنفها تلك الرائحة الممزوجة بالنعناع وتنام دون أن تشعر.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::




"اديني اهو سلمتك كل الملفات اللي كنتي عايزاها.. فين بقا اللي أتفقنا عليه؟!" تسائلت ريم بعد أن سلمت ميار العديد من الملفات


"ادي الشيك اهو، بس لو خرج من بوقك كلمة لحد، بموتك يا ريم.." أخبرتها ميار في جدية


"وليه يخرج من بقي كلمة؟!، أنتي معاكي اللي عوزتيه وأنا كمان معاياي اللي عوزته، أنا لا أعرف مين هي ميار الحسيني ولا أنتي عمرك شوفتيني في يوم، مش كده؟!"


"ولا أعرفك أصلا.. وأحب بردو اللي فاهمني زيك، ولو أني نفسي تفضلي معايا عشان حاجات كتيرة جاية، بس لغاية هنا ووقتك معايا أنتهى.. يالا مع السلامة" أخبرتها بسخرية لتبتسم ريم في خبث


"كده كده المبلغ اللي معايا يكفيني ابقا مشغولة عنك كتير اوي" أخبرتها بإبتسامة لعوب ثم تركت منزل ميار وغادرت لتتمتم ميار


"خلاص هانت وهرجع أكون شريكتك يا آدم يا رأفت، وقريب اوي هدمرلك كل اللي أنت فرحانلي بيه ده.. أنا هاعرف ازاي ارجع ليك واقضي على حتة البت اللي شايفة نفسها اللي أخترتها بدل مني.. هانت اوي يا آدم!" تنهدت براحة بعد ظنها أنها ملكت كل شيء بيديها.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::




"أنتي السبب، أنتي السبب، أنتي اللي دمرتي كل حاجة كانت بيني أنا وهو، عمري ما فكرت أبداً إنك تكوني بتكرهيني اوي كده، ازاي كده بمنتهى السهولة جاية تقوليلي ده دلوقتي؟!" صاحت بها بينما تنهم دموعها


"أنا حبيته زيي زيك، أنا مكنتش قادرة استحمل وأنا بشوفكوا بتبنوا مستقبل وحياة وهو مش معبرني ولا واخد باله مني، ازاي كنتي عايزاني أسلم عليه وهو في يوم جوز أختي؟ أنا مكنتش هاقدر استحمل اشوفه كده قدامي وافضل بعيد عنه؟! أنا بشر زيك، لحم ودم، عندي احسـ..."


"أخرسي.. أنتي جاية بعد كل السنين دي تقوليلي الكلام ده؟! بعد ايه؟ بعد ما بقيت أرملة؟ بعد ما بقى عندي ولدين؟ عمري ما هسامحك في حياتي.. أنا بكرهك يا تالا!" صرخت بها تُقى بعد أن عرفت كل شيء فعلته، أخبرتها كيف فرقت بينها وبين آدم، وتأتي لتطلب منها السماح بعد أن شارفت على الموت.


تركتها ثم توجهت للخارج حتى كست الدموع عيناها، لم تعد ترى أمامها، لم تعد تدرك أن كل ما عانته تلك السنوات كان بسبب أختها. وما إن أبتعدت عن المنزل حتى صفت سيارتها بجانب الطريق ثم جلست تبكي بإنهيار لتتذكر كل شيء.


Flashback


"فيه اي؟ سفر ايه اللي بتتكلموا عنه عنه؟!" صاحت تُقى بتعجب بعد أن استمعت لكلاً من أختها ووالدتها تتحدثان سوياً ولكنها توقفت عن البكاء من صدمتها بآدم لتُصدم بما تستمع له


"تالا باباكي قرر إنك تروحي تقعدي معاه في امريكا الفترة الجاية كلها" أخبرتها والدتها ليبعث كلامها الغضب في تُقى


"عمرها ما هتحصل، ولا هاعمل أنا الكلام ده، أنا مش عايزة امشي من هنا" أخبرت تُقى كلاً من والدتها وتالا وما إن غادرت لغرفتها حتى تبعتها والدتها


"تُقى يا حبيبتـ.."


"أرجوكي يا ماما متحاوليش تقنعيني لأني مش هسافر ومش هيحصل" قاطعتها بغضب فوجدت أمها على وشك أن تبكي


"بصي يا بنتي، أنا هاسيبك تعملي اللي أنتي عايزاه بس اسمعيني الأول" أخبرتها لتصمت تُقى عاقدة ذراعيها بنفور "أنا عارفة إنك متفوقة في الدراسة، وأنا غصب عني مقدرتش أجيب ولد علشان يشيل كل اللي ورانا ده، وأنا مكنتش عايزة أقولك بس لازم تعرفي إن باباكي مبقاش كويس يا تقى، ولا عمره هيكون كويس أبداً"


"ايه؟! ماله بابا؟!" صاحت تقى في خوف


"هومحتاجك يا تقى، محتاج تكوني جنبه ومعاه، لازم تعرفي كل حاجة قبل ما.. ما.." تلعثمت


"قبل ما ايه يا ماما؟! في ايه اللي بيحصل؟"


"الدكاترة قاله إنه حتى بعد العلاج قدامه سنتين بالكتير و.." همست بآسف لتدمع عيني تقى ثم أنهالت الدموع على وجنتيها دون أن تتحدث


"أنا لازم أشوفه دلوقتي حالاً، أنا عايزة اسافرله، أنتي حجزتي يا ماما مش كده؟!"


"معاد الطيارة الساعة ستة النهاردة، أنا كنت متأكدة إنك هتبقي عايزة تروحيله عشان كده مستنتكيش وحجزت"


أخذت تحضر تقى حقيبتها ولم ترى تلك الأعين التي تنظر لها بشماتة وفرحة شديدة ولم تشعر بما حولها، لم ترى أن تالا قد خبأت هاتفها ، لم ترى تلك الإبتسامة على ملامحها، تقى لم تشعر سوى وكأنها تريد أن توقف الوقت حتى لا تخسر أباها وتخسر آخر لحظات معه وبجانبه ولربما هذه هي الفرصة الأخيرة بأن تراه وتمكث بجانبه قليلاً، يا تُرى كم تبقى من عمره؟ عامان أم أقل أم أكثر، كيف ستستمر دونه، وكيف ستترك آدم؟!


ما إن أنتهت من ارتداء ملابسها وبحثت عن هاتفها حتى تهاتف آدم، لقد شعرت وكأنما تسرعت بالحكم عليه وتصديق ما رآته، بالرغم من أنها كانت منشغلة بالإعداد لسفرها ولكنها فكرت به أيضاً، فرضاً ولو أنه يقوم بخيانتها، هل سيفعلها أمام باب الجامعة؟ هل سيفعلها أمامها؟ لماذا أكترث وذهب خلفها؟ أكان يخدعها أم هناك شيئاً آخر خلف كل ما حدث؟!


تنهدت وهي في شرود تام ولم تستطع تبين ما ستفعله، أتهاتفه أم لا؟ أتخبره بسفرها لوالدها وأنهما عليهما التحدث لاحقاً بالأمر أم ماذا؟!! غرقت بالتفكير وتناست بحثها عن هاتفها تماماً ولم تشعر بالوقت الذي تفلت بسرعة البرق لتأتي أختها تبتسم في حُزن زائف


"حاسة إنك مضايقة عشان هتسافري، مش كده؟" سألتها بينما حاوطت كتفيها بذراعها لتحتضنها


"تعرفي، أنا طبعاً هضايق عشان آدم بس.. بس كمان بعد اللي حصل الصبح و.." أخبرتها ولم تستطع أن تكمل ثم أجهشت بالبُكاء لتمسد تالا ظهرها بحنان


"هو ايه اللي حصل بس لكل ده؟!..."


"تقى.. يالا يا حبيبتي السواق مستنينا" قاطعتهما صوت أمهما لتتسع عيني تقى من الدهشة


"آدم.. أنا.. أنا هاقوله ازاي، الوقت عدى بسرعة اوي، وموبيلي أنا مش لاقياه و.."


"متقلقيش أنا هاروحله وهاكلمه وهافهمه اللي حصل لبابا" ابتسمت لها لتطمئنها لتنظر لها تقى في امتنان واحتضنتها وكادت أن تذهب بعد أن ودعت أُختها التي ستنهي عملها وإكمال الماجيستير ثم ستسافر إليهم بعد أشهر


"آه تُقى.. رقم آدم مش معايا" صاحت وكأنها تريد الرقم الذي لديها ولكنها كذبت.


"ممم.. أنا أصلاً مش لاقية موبيلي أكيد راح هنا ولا هنا وأنا بحضر الشنط، معلش دوري عليه عندك وأنا أول ما أوصل لو لقيته معايا هبعتلك الرقم!" أخبرتها وهي لم تشعر بسوء النية تجاه أختها ولكنها أخطأت عندما فعلت هذا، لم تعرف أن أُختها تريده هي الأخرى، لم تتوقع أن أختها ستكون السبب في تعاستها للأبد.


"خلاص يا حبيبتي متقلقيش وبطلي توتر، واجمدي كده قدام بابا، أنتي عارفة إنه مبيحبش يشوفنا كده خايفين"


"حاضر والله أنا هاعمل كل اللي هاقدر عليه" أخبرتها ثم ودعتها مرة أخيرة وذهبت مسرعة لترى أباها


"أنا مش فاهمة بيحب ايه في حتة غبية زيك!!" تمتمت ما إن تركتها وابتسمت تالا في خبث


تنهدت براحة ثم أمسكت هاتفها لتطالع كل صورهما معاً، رسائل الحب بينهما، كم تمنت أن تكون هي بدلاً من أُختها، كم شعرت بالغيرة كلما رآتهما يتماساكان الأيدي، شعرت بالحقد لتلك الضحكة التي أذابت قلبها منذ أن رآته أول مرة بالجامعة مع أُختها، تمنت لو أنها أعترفت لها أنها تُحبه حتى قبل أن يعرف تُقى ولكن ستنهي هذه العلاقة الآن.


ابتسمت وهي تشعر بإقترابها من الشيء الذي لطالما تمنته وأخذت تكتب على شاشة الهاتف بعثت له برسالة، الرسالة التي فرقت بينهما للأبد،


"لو سمحت متكلمنيش.. كفاية بقا.. أنا مش عايزة أعرفك تاني"


وما إن أرسلتها حتى شعرت بالراحة.. كان أجمل يوم في حياتها، كم أنتظرت هذه الفُرصة ليكون آدم لها وحدها.


لم يمر الكثير من الوقت حتى أستمر آدم في الإتصال لعشرات المرات ولكنها لن تجيبه أبداً.. وكما توقعت تالا، علمت أنه يُحبها وبجنون، آتى حتى منزلهم ليبحث عنها، ليُحدثها، ليُخبرها أياً ما كان يغضبها سيضعه بيده في الجحيم.


فتحت باب المنزل لترى آدم الغاضب أمامها "آدم.." همست له ثم ظلت تنظر بتلك الرماديتان التي سحرت لُبها، ثم صرخ عقلها ليتني أنا تقى، ليته يحبني أنا.


"تقى فين؟! ومبتردش ليه؟" صاح في غضب ممزوج بالتوتر


"تقى مشيت يا آدم.. سافرت!"


يعني ايه مشيت؟ سافرت فين؟ ولو سافرت ليه مبتردش عليا لغاية دلوقتي؟" صاح بعدم تصديق لتتنهد تالا في آسى مصطنع


"طب ادخل اقعد وأنا احكيلك كل حاجة.."


"بصي بلا اقعد بلا زفت.. فين تقى يا تالا أنا على أخري.." أخبرها في غضب


"آدم من ساعة ما تقى جت من الكلية شوفتها وهي بتعيط وقالتلي إنها مش عايزة تعرفك تاني.. ولمت هدومها وحجزت على اوي طيارة ومشيت.. وحتى سابت موبايلها"


"طيارة ايه ومشيت فين؟! ده لسه بعتالي Message من كام ساعة!! انطقي يا تالا تقى راحت فين؟" تزايد غضبه لينظر لها بتلك الرماديتان وهو يتمنى لو أنه أسرع قليلاً ولم يتأخر


"مش هاقدر أقولك.. آدم أنت صاحبي وهي أختي.. مش هاقدر أختار ما بينكم، أرجوك أحترم قرارها"


"يعني ايه مش هتتكلمي وقرار ايه وزفت ايه!! تالا أرجوكـ.." رآت الدموع بعيناه وكم شعرت هي بالحقد لأن عيناه تدمع من أجلها!


"أرجوك أنت يا آدم بلاش تحطني في الموقف ده" قاطعته وهي تتصنع الحزن وحاولت أن تبدو حزينة بينما قرعت طبول قلبها فرحة وسعادة بما تراه أمامها "تقى مرديتش تقولي ايه اللي حصل بس كانت مصممة إنها متشوفاكش تاني وقالتلي كل حاجة ما بينكو انتهت"


تفقدها آدم برماديتاه في حالة صدمة شديدة، لم يكن يتوقع أن تقى قد تتركه بمنتهى السهولة هكذا دون حتى أن تودعه أو تتحدث معه، شعر وكأنما شُل جسده ولم يستطع الحراك، لا يعي أنه هنا أمام بوابة منزلها وقد تركت له فراغاً حتى يتعذب به وحده..


"طب آدم أدخل ما تفضلش واقف كده" همست تالا ليومأ لها بالإنكار بينما كان الإنكسار جلياً بملامحه ثم فجأة وجدته يتصلب بوقفته


"هلاقيها يا تالا.. هلاقيها ومش هاسيبها بعيد عني.. ولو كلمتك ابقي فهميها إن كل اللي شافته كان غلط" أخبرها ثم التفت مسرعاً ليغادر للخارج حتى قبل أن تحدثه تالا وتركها وذهب!


بعد أن غادر متآلماً، لا يُصدق أي شيء وشعر وكأنما يرى كابوس مزعج، منذ أن قرأ تلك الرسالة وهو كالمجنون، لا يصدق أياً مما يحدث، ظن ربما بعد بعض الوقت ستهدأ وسيستطيع التحدث معها، لن يفقد الأمل وسينازع حتى يعودا سوياً مرة أخرى.


شعرت تالا بالآلم، لم تظن أنه سيبدو هكذا فقط بعد ساعة مما عرف، لن تقصد أن تسبب له الآلم، تريد أن تراه بحال أفضل


"بقا كده!! حتى بعد اللي عملته معاك لسه عايزها وبردو مش واخد بالك مني! أنا بقا هكرهك فيها للأبد" ابتسمت بخبث وهي بداخلها تُثني على نفسها فكل ما خططت له يسير وفق تفكيرها تماماً بينما جلست لتستعيد كل ما حدث في ذاكرتها منذ أن عادت تقى من الجامعة صباح اليوم!!


خططت جيداً ووجدت من يزيف لها الصور ثم أرسلتهم لآدم ظناً منها أن هذا ما سيجعله لها ولكنها كانت مخطئة. حاولت أن تهاتفه وحتى ذهبت لمنزله فقابلتها زوجة والده لتخبرها بأن آدم قد سافر ولا يعلم أحد أين هو.


أنتظرت وأنتظرت ولكنه لم يعود، تحججت بالكثير أمام والدتها التي تخبرها بأن والدها ليس بصحة جيدة ويريد أن يراها وبعد ثلاثة أشهر عادت، وأخبرت تقى أن آدم أختفى وقد بعث له أحد بتلك الصور وما إن رأتها حتى أنهارت وبعثت له برسالة إلي منزله ولكنه أكتشفها بعدها بسنوات وذهب لمنزلهم مرة أخرى ليسأل عنها فأخبرته تالا أنها أنتحرت.


يومها رآته، تقدم في العمر، أصبح أكثر وسامة وجاذبية، أصبح رجل الأعمال والممثل المشهور ولكنه مازال يُحبها، ولا يزال الحقد يأكل قلب تالا فأخبرته أنها ماتت وعندما طالب بجسمانها أخرجت من مقبرة العائلة بعض الرفات وأعطته له لينتهي كل شيء.


End of Flashback


"بتحكيلي كل ده ليه؟! عايزة تريحي ضميرك قبل ما تموتي مش كده؟! عايزاني أسامحك؟ ازاي وأنتي عملتي كل حاجة عشان تبعديني عنه؟ ازاي وأنا فاكراه خاني، وبعدين فضلت أفكر أنه بقا بيكرهني؟ افتكرت إنه عمره ما حبني؟ لما كنتي بتعملي كل الحاجات القذرة دي وبتخططلها وأنا هنا باخد بالي من بابا ومن شغلنا، جايالي عشان أسامحك بعد ما ربنا عاقبك بنفس مرض بابا!! أنا بكرهك يا تالا وعمري في حياتي ما هسامحك" صرخت بوجه أختها بعد أن قصت عليها كل ما حدث ثم آخذت عيناها في ذرف الدموع بلا إنقطاع.


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::




نظر لها في تلك الفستان الأحمر الواسع وشعرها المموج الفحمي وتلك الوردة بجانب أذنها التي أعطاها لها منذ قليل، كم كانت جميلة، لم يشعر بأي شيء من حوله، بالرغم من أنه يعشق موزارت ولكنه خلبت عقله، لا يريد غيرها، يريد أن يستمر بالتحديق بها لآخر لحظة بعمره، آلمه قلبه لكل تصرفاته المشينة معها من قبل، تلك السعادة بعيناها الآن أدخلت السرور لقلبه، ندم لإدراكه أنه كان السبب في أن تسيل أنهار الدموع من تلك العسليتان، آخذ عهداً على نفسه ألا يُبكيها أو يحزنها مرة أخرى.


كم كان عشاء موزارت فكرة رائعة، أن تتناول العشاء وتلك الموسيقى تنساب للآذنان وهذا الديكور الفني يحيط بهما معاً، أدهشها أنه قام بإستئجار المكان لهما وحدهما.. وأخيراً علمت لماذا آدم أحب التشيك، علمت أن بكل شارع بها سحر خاص وقصة حب تخبرها أحد الجدران أو القلاع أو الكباري.




ما إن إنتهيا حتى ظلا يسيرا بالشوارع ليلاً ووصلا عند قلعة براغ، كانت الأضواء ساحرة، الهدوء مذهل، كان كافياً لها أن تتشابك أصابعهما وتنصت لصوت أنفاسه الهادئة، يكفي لها أن يحيطه بذراعه بالقرب من قلبه الذي يخفق بجنون لها وحدها، فقط تكفيها فكرة أنها أول من آتى به إلي هنا ليخبرها عن كل شيء مر به.




"شيرين" همس بالقرب من أذنها بينما طوق ظهرها محتضناً إياها بذراعيه لتهمهم له بينما هي موصدة عيناها في راحة تامة مستمتعة بالدفء في عناقه.


"أنتي سعيدة معايا؟!" سألها لتلتفت له بأعين مندهشة

"عمري في حياتي ما كنت سعيدة كده أبداً" حاوطت وجهه بين يداها برقة "تعرف يا آدم، كل اللي عانيت منه قبل كده، كل الأوقات الصعبة اللي مريت بيها، الخيانة، وموت بابا وماما وأخويا، حتى الخناق معاك والبعد عنك، حاسة إن كان بيحصلي كل ده عشان ربنا يكآفئني بيك في الآخر، يكآفئني بسعادتنا دلوقتي مع بعض، أنا عمري ما كنت أتمنى أحسن منك في حياتي.. ده أنا حتى مخطرش على بالي يوم أني أحس باللي أنا حاساه معاك دلوقتي.. أنا محظوظة لأني لقيتك.. لأني هنا معاك.. في حضنك وجنب قلبك.. أنا متمناش أبداً أكـ.."


قاطعها ليُقبلها قبلة حملت الكثير من المشاعر، كان هادئاً، سعيداً، لطيفاً بقبلته وهذا ما لم تعتاده من قبل.. أغمضت عيناها رغماً عنها، ذلك الشعور لا يُضاهيه أي شيء في الحياة، تمنت أن يتوقف بهم الزمن فهي لا تتمنى أكثر من هذا.


ابتعد عنها ليلتقطا أنفاسهما ولو أنه تمنى أن يموت مقبلاً لتلك الشفتان "يالا تعالي معايا بقا هوريكي مكان تاني" صاح بحماس ثم جذب يدها ليغادرا


"آدم ، ايه هنروح فين؟ الوقت أتأخر أوي" صاحت مندهشة بإبتسامة بينما تبعته، لتُفكر، ليذهب الوقت للجحيم، فقط أريد أن آراه هكذا بتلك السعادة والحماس للأبد.


ظلت تمشي معه ما يقارب من ربع ساعة ثم فجأة أخرج شيئا من جيبه ثم ربطه خلف جبينها ليحاوط عيناها وحثها على التقدم للأمام

"ايه ده؟ أنت بتعمل ايه يا آدم؟!" صاحت متعجبة ولكنها ما زالت تبتسم

"أنتي بتثقي فيا مش كده؟!" صاح سائلاً وقد بدا التوتر بصوته


"أكيد طبعاً.. بس احنا هنروح فين؟" سألته مرة أخرى


"تعرفي.." سكت برهة وهو مازال يدفعها بلطف لتتقدم "أنا عمري ما أتمنيت غيرك في حياتي.. بالرغم من أني حبيت قبل كده بس كل حاجة مختلفة معاكي، كل ما بتكوني قريبة مني وجنبي بلاقي قلبي بيدق أوى وعمرها ما حصلتلي مع حد غيرك.. ولما بتكوني بعيد عني بحس إن روحي سابت جسمي، أنا عايزك ليا ومعايا يا شيرين.. في كل وقت، كل يوم، في الشغل والبيت والصبح وبليل، مبقتش قادر استحمل تغيبي عن عيني لحظة" سكت ثم نظر لها وقد بدأت ملامحها تأخذ ملامح الجدية والتوتر مما يقول ليتحدث لها مجدداً.


"تعرفي أنتي واقفة فين؟!" سألها ليحصل منها على إماءة بالنفي فأنحنى جالساً على ركبته "ده اسمه كوبري تشارلز، كان نفسي اجيبك اوي هنا وأنا معاكي عشان تشوفيه، اتمنيت أني أعمل اللي بعمله دلوقتي مع الست اللي هاحبها وهعشقها في يوم، بس ده كان حلم مستحيل بالنسبالي، مكنتش أصدق اصلاً إني هاحب تاني" همس لها لتندهش


"آدم أنت بتعمل ايه؟!" همست بتعجب


"شيلي اللي على عينيكي يا شيرين وبصيلي" أخبرها بخفوت لتفتح عيناها وتشهق من الصدمة


وجدته أمامها راكعاً، ممسكاً بخاتم زواج، أرضية الجسر مُغطاة بالورود الحمراء التي تماثل لون فستانها، بدأت تتكون الدموع على عسليتاها وهي لا تُصدق كل ما يحدث حولها.


" تقبلي تشاركيني حياتي من ساعة ما اصحى وأول حاجة اشوفها تكون عينيكي اللي مبحبش حاجة في دنيتي قدها لغاية ما أنام وأنا ببوس الشفايف اللي بتجنني دي ؟" أوشكت على أن تتحدث فأمسك بيدها وأكمل


" تقبلي تملكي قلبي اللي روضتيه ويبقا ليكي أنتي لوحدك وعمره ما يكون غير ليكي؟! تقبلي بيا من غير خناق وجنان وجدال وهروب؟! تقبلي ببداية جديدة بينا وتفضلي معايا لغاية ما اخد اخر نفس وأنا في حضنك؟!" تفحصتها رماديتاه الصادقتان المليئتان بالتساؤلات العديدة، خفق قلبه بجنون، لم يشعر بخوف مثل الآن، ترقبت أذناه سماع موافقتها من تلك الشفتان ولكنه لم يجد إلا دموع تنهمر بلا توقف لتنساب على وجنتاها


" تقبلي تتجوزيني يا شيرين؟!"

الفصل 36

الجزء السادس والثلاثون


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


لم تُصدق أنه يطلب أن يتزوجها، تشعر وكأنها بحلم، كم تمنت أن يتوقف الوقت بهما، لا تريد شيئاً أكثر، تذكرت ذلك الرجل الذي دلفت مكتبه وهي آبية أن تعمل معه، تذكرت كل وقت كان به قاسياً، تذكرت ذلك البارد المغرور، تذكرت وقاحته وجفاءه، ثم تذكرت تلك المرات التي تركته بها لتجده يبحث عنها، تذكرت أيامهما معاً بلندن واسكتلندا، تذكرت منذ أن عادت له وبقيت معه ليأججها غيرة .

الآن يجثو أمامها، يسألها أن تتزوجه، أن تشاركه بحياته، أن تمتلك قلبه، أعترف بأنها روضته، تذكرت كلام حبيبة لها يوماً ما بأن تروض ذلك الشرس لتجده يُصبح حنوناً، مُحباً، تغير ليُدهش قلبها الذي خفق بجنون كلما رآته..


ظلت تنهمر دموعها، لا تستطيع أن تتحدث، عقلها يصرخ بنعم، أقبل أن أكون لك وحدك، أقبل أن تكون زوجي حتى يفرقنا الموت، أقبل أن أنام كل ليلة لأستمع لضربات قلبك الذي احتواني، أقبل أن أكون بجانب الإنسان الوحيد الذي أشعر بالأمان معه، أقبل أن تكون آخر قطرة دماء ينبضها قلبي لأخبرك أنني أحبك..


"شيرين.. أنا بلعب رياضة كويس بس فعلاً ركبتي بدأت توجعني.. تقبلي تتجوزيني؟!" أخبرها لتبتسم بسعادة وسط دموع الفرحة بينما أومأت له، حاولت أن تقول نعم ولكن لسانها لم يكن حليفها.


"اف.. افتكرت انك ممكن ترفضي" تمتم بينما أحتضنها وكانت تلك الإماءة له ككنز وجده بعد أن بحث عنه لعمرٍ بأكمله.


"كفاية بقا احضان ورومانسية، قدامكوا سنين بحالها ابقوا احضنوا بعض فيها.." سمعت صوت حبية من خلفها تتحدث لتتسع عيناها في دهشة وتلتفت لها لتندهش أكثر بحضور يوسف وزينة.


"ايه ده.. ازاي أصلاً.. أنتم" تلعثمت من دهشتها لتحتضنها حبيبة بلهفة


"مبروك يا شيري يا حبيبتي.." أخبرتها بحب ثم تمتمت في أذنها "متأكدة أن آدم معندوش أخ كده ولا كده مستخبي في حتة؟" وما إن سمعتها شيرين حتى تعالت ضحكاتهما معاً ليتعجب آدم ثم أمسك بيدها


"شيرين.. Congrats" أحتضنتها زينة لتهنئها "وأخيراً، أنا كنت فاكراه هيستنى عشر سنين كمان عشان يتقدملك" أخبرتها لتتعالى ضحكاتهم جميعاً ثم أحتضنت آدم لتهنئه


"مبروك يا شيري.. مبروك يا آدم" تبسم يوسف وهو يهنئهما


"أنتم جيتوا امتى؟ مين اللي قالكوا أصلاً؟" تعجبت بدهشة لتعقد حبيبة ذراعيها


"ابو عيون رمادي ده حب يعملهالك مفاجأة، احنا هنا من يومين.. ودلوقتي بقا أنا هموت وأنام" صاحت ليبتسم آدم لطريقة حبيبة بينما تبادل يوسف وزينة نظرات الإعجاب التي لاحظتها شيرين في صمت وتلك الإبتسامة التي لم تفارق ثغرها لتعلم أن هناك قصة أخرى على وشك البدأ


"هو أنتي ليه كده بتخربي كل حاجة حلوة، أنتي مش هتتغيري بقا" صاح يوسف ليضحكا جميعاً ثم توجها للمكوث بالفندق


سار حبيبة ويوسف وزينة معاً بينما تبعهم آدم وشيرين ليُمسك بيدها "بكرة هنتجوز يا حبيبتي على فكرة" أخبرها لتتسع عيناها من الدهشة..


"ايه؟!بكرة ايه؟!" تعجبت لما سمعته للتو "ازاي يا آدم.. أنا مش هاقـ.."


"هشششش.. أنا محضر كل حاجة" أخبرها بثقة ثم قبل يدها


"لا طبعاً أنا محتاجة وقت علشان أجهز.. بكرة امتى؟.. تقصد بعد كام ساعة ... لا يا آدم أنت بتهزر، أكيد بتهزر مش كده؟ عايز تستفزني وخلاص؟"


"متقلقيش يا حبيبتي" أخبرها وسط ضحكاته لتعبس في حنق "بصراحة مش قادر استنى يا شيرين، الكام ساعة الجايين اصلاً مش عارف هيعدوا عليا ازاي" أخبرها ثم قبل يدها وحدق بعيناها لتزفر هي بتأفف


"لا بقا بص، هنتجوز وحياتنا هتكون سوا ومع بعض،لازم احنا الاتنين نقرر سوا، مينفعش تفضل تدي في قرارات وتحكمات، أنا مش هاقبـ.." قاطعها ملتهماً شفتاها ليُسكتها ثم ابتعد ليعتريها الخجل وتكسو الحمرة وجهها


"ايه ده يا آدم.. افرض حد شافنا" تمتمت بخفوت


"يولعوا.. أنا ببوس مراتي" تمتم لها لتبتسم ما إن سمعت وصفه له كزوجته، ركبا السيارة وحدهما بينما ركب يوسف وحبيبة وزينة سيارة أخرى تتقدمهما "بالمناسبة، الفرح هيكون في سرقسطة، في إسبانيا تحديداً"


"ايه؟!!" صرخت في دهشة


"أنا حضرت كل حاجة متخافيش" تبسم إليها ثم جذبها إلي صدره وعلامات الإنزعاج تبدو عليها "بالرغم من حبي للتشيك بس أنا عايز اتجوز في مكان تاني جديد عشان بدايتنا تكون في مكان محدش فينا شافه ولا راحه قبل كده" همس لها لتتطلع برماديتاه


"طول عمرك هتفضل آدم رأفت اللي مش هايتغير أبداً" أخبرته بقلة حيلة ليضحك هو "ودي اكتر حاجة بحبها فيك" أخبرته بإبتسامة ليتوجها للفندق وبالكاد أستطاعت أن تنام بعد الأرق الذي اعتراها بسبب كل تلك الأحداث بليلة واحدة.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


في نفس اليوم صباحاً كانت هناك من تخطط لإستعادة كل شيء، أو هكذا ظنت.. "هو كده مش معاه اي حاجة غير التسجيل ده مش كده؟؟" صاح صوت رجولي


"ايوة، كل الأوراق معايا وكده مفيش أي حاجة تثبت أني وافقت أبيعله أسهمي في الشركة" اجابته ميار


"طب فيه اي شهود على حيازة اي حد فيكم للأوراق دي؟"


"لا، خالص، مفيش حد" اجابته في قلق عندما تذكرت ريم ولكنها أطمئنت قليلاً بعد تأكدها بأنها غادرت للخارج ولم تعد بنفس البلد


"طيب خلاص متقلقيش.. ومبروك ليكي مقدماً.." تبسم لها ذلك المحامي الشاب الذي قررت أن تستعين به بمساعدة هشام حتى تتأكد أن آدم لن يستطيع أن يأخذ منها شيء.


ذهبت للشركة، وقد منعها الحراس من أن تتقدم ولكنها لم تيأس، أخبرت الجميع أنها أحد المساهمين بالشركة وإن لم يسمحوا لها بالدخول ستحضر لهم الشرطة.


"أستاذ مراد" نادت سكرتيرته بقلق لتدخل مكتبه وهو على وشك المغادرة "ميار الحسيني موجودة تحت وعمالة تصوت في الناس كلها وفي الأمن وبتقول أنها لو مسبوهاش تدخل هتكلملهم الشرطة بس الأمن مش راضي يدخلها عشان عندهم تعليمات من Mr آدم"


"ايه؟!" صاح متعجباً "سيبوها تدخل والحراس يوصلوها لغاية مكتبي، فهمتي؟" أخبرها لتومأ له ودقائق حتى أصبحت أمامه


"ايه.. يا ترى MR آدم مش عايز يشوفني ولا لازم اخد معاد؟ ولا يكونش بيجري ورا حتة البت الجديدة اللي عرفها دي!" صاحت بإستفزاز


"آدم مش هنا، عايزة ايه يا ميار؟!"


"وهعوز منكم ايه، أنا هنا عشان أدير شركتي زيي زيك"


"أنا وأنتي عارفين كويس أن ده كان زمان، ودلوقتي مبقالكيش حق تكوني موجـ.."


"ده بردو كان زمان يا أستاذ مراد، وأنت معاكش اللي يثبت إن ماليش حق، مش كده؟" صاحت بتحدي ليتعجب مراد، تأكد من أنها فعلت شيئاً ما، لم يعرف بم يُجيبها. "عموماً أنا في مكتبي ولما بقا يبقا يرجع Mr آدم أبقا بلغه أني عايزة اجتماع طارئ عشان اعرف وضع الشركة وصل لإيه" صاحت بعهر ثم تركته ليضع مراد يده على وجهه في حنق ثم طلب من سكرتيرته أن تستدعي سكرتيرة آدم.


"أنا روحتيلها بس ملقتهاش في مكتبها، وكمان كذا حد اكدلي إنها مجتش بقالها كذا يوم" أخبرته ليتعجب، بينما حاول أن يُهاتف آدم ولكن هاتفه كان موصداً مما أزعجه


"يا ساتر عليك يا آدم، دايماً كل ما احتاجك معرفش اوصلك" تمتم ثم توجه لمنزله، سيراه على كل حال بعد عدة ساعات ليحضر هو وزوجته ليلي زواجه من شيرين.


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


تهاوت دموعها في حسرة شديدة على كل ما حدث لها، لوهلة آلمها منظره مع تلك الفتاة، كأي عاشقة عمتها غيرتها الشديدة، كانت تريد أن تبتعد قليلاً وليس طوال تلك السنوات، كان من حقها أن تآخذ وقتاً حتى تواجهه.. هي حقاً لم تقصد أن تتخلى عنه ولكن ما رآته منذ سنوات قد آثار تلك الغريزة الأنثوية بداخلها وفكر عقلها بخيانته لها بسهولة..


ولكنها بعد أن هدأت كانت ستذهب له، كانت ستتحدث معه، ولكن ما حدث لوالدها أيضاً لم يكن هيناً.. أما ما فعلته تالا معها فهي حتى لا تستطيع أن تُصدقه، ليست تدري كيف لأختها أن تفعل بها ذلك وتدمر كل شيء بينها وبين الرجل الوحيد الذي أحبه قلبها..


هي تدرك بقرارة نفسها أن زواجها من ابن شريك والدها بالعمل لم يكن سوى للضرورة ليس إلا، وبالرغم من حسن معاشرته لها ومعاملته الجيدة لها لم تشعر معه بالحب، شعرت وكأنما كان شخص يجاورها بإحترام ليس إلا..


تنهدت وهي لا تدري كيف تواجه تلك الحقيقة البشعة، لا تدري ماذا عليها أن تفعل، ولكنها أدركت أنها عليها أن تراه مرة ثانية، عليها أن توضح له كل شيء، حتى ولو بعد تلك السنوات المريرة عليه أن يعلم كل شيء حدث!!


توجهت تقى لمنزله بعد أن جففت دموعها في آلم وقررت أنها عليها أن تقص عليه كل ما حدث وتواجهه بواقع الأمر..


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


لم تُصدق أنه أختار ذلك المكان الذي لم تتصور بوجوده، نظرت لنفسها بالمرآة ثم زفرت كل ما برئتيها من أكسجين.. اعتراها القلق، التوتر والخوف..


لا تدري لماذا تشعر هكذا، أليس هذا ما أرادته أكثر من أي شيء؟


"فيه ايه يا شيري؟ أنتي كويسة يا حبيبتي؟" صاحت حبيبة في قلق


"حاسة إن فيه حاجة مش مظبوطة، فيه حاجة موتراني وخايفة منها، كانـ..."


"اهدي يا شيرين" قاطعتها حبيبة "بطلي توتر ولو مرة واحدة في حياتك، استمتعي بكل اللي حواليكي، فكري في الراجل اللي بيحبك أكتر من الدنيا باللي فيها، فكري في سعادتك، مش هايحصل حاجة متخافيش.. اطمني.. وبعدين بصي في المراية للحلوة دي، ازاي اصلاً تقلقي وتتوتري في يوم زي ده واحنا كلنا جنبك وبنحبك، مش هايحصل حاجة متخفيش وبعدين يا بنت سمية مظنش ابو عيون رمادي ده هيسيب حاجة اصلاً تحصلك، بصراحة مشكش في إنه ممكن يموت اللي يزعلك، انسي بقا النكد والخوق والتوتر وافرحي واضحكي.. عايزة اشوفك سعيدة يا شيري" حاولت تهدئتها لتنظر بالمرآة مرة أخيرة وتفقدت مظهرها وفستانها الذي أحبته كثيرة


"مين اللي أختار الفستان ده يا حبيبة؟!" سألتها بإبتسامة لتحاول أن تدفع بتوترها بعيداً


"وهو فيه غيره.. Mr أنا بفكر في كل حاجة" صاحت حبيبة مازحة وهي تقصد آدم بالطبع لتضحك شيرين وظلت تنظر كم كان الفستان رائعاً وشعرها الفحمي المرفوع قليلاً لتنساب منه موجات على عنقها وبداية ظهرها




"يالا يا حبيبتي.. انتي هتتجوزي الفستان ولا الحلو المز اللي مستني برا؟!"


"هو.. هو أنا شكلي حلو فيه؟ والـ make up، اوفر ولا كـ.." سألتها شيرين في توتر


"شكلك زي القمر، احلى عروسة شوفتها في حياتي يا شيرين، أطمني،ويالا بينا بقا" قاطعتها لتحثها على الخروج وما إن فتحت الباب حتى وجدت زوج من الرماديتان تتفحصها بسعادة، بدا وسيماً، هادئاً، لم يكن متوتر مثلها، تعجبت كيف له أن يبدو هكذا ولم يكن مثلها، لم يدع ذلك التوتر الذي بدا عليها ليعبث بعقلها أكثر وذهب إليها ثم قبل جبينها


"حلوة اوي.. حلوة اوي يا حبيبتي" تمتم بخفوت جانب اذنها لتبتسم في خجل "مش قادر استنى عشان تبقي مراتي وتفضلي معايا طول العمر يا شيرين" أخبرها ليتبادلا النظرات الصامتة، لم تستطع أن تتحدث.


أمسك بيدها ثم خرجا للجميع لتجد والدة حبيبة، والدي يوسف، مراد وبجانبه ليلي، أندهشت متى آتى كل هؤلاء.. تطلعت المكان حولها، تلك الزهور البيضاء التي تحاوط المكان، الموائد البيضاء المتفرقة المنمقة بعناية، رائحة الهواء حولها، شعرت وكأنها بالجنة وعلمت حتى أنها لو ظلت تعد لفرحها أكثر من شهران لن يكن بمثل هذه البساطة والروعة.


تم عقد قرانهما وشهد عليه كل من مراد ويوسف، وآخذا يلتقطان الصور التي ستكون ذكرى مرئية لتشهد على أسعد يوم بحياتها، فكل شيء سيُحفر بعقلها للأبد، ظلت تنظر حولها لمن يتبادلون التهنئات والضحكات، رآت يوسف وزينة وتلك المشاعر التي تنهال من عيني كل منهما بوضوح لتضحك بسعادة.


"ويا ترى حرم آدم رأفت المصون عمالة تبص حواليها كده ليه؟" تعجب هذا الصوت الذي لطالما عشقته حتى بقسوته وجفاءه.


"كل حاجة هنا حلوة اوي يا آدم، الكل فرحانين علشانا، وأنا كمان حبيت المكان ده أكتر من أي مكان روحناه، شكراً على كل حاجة بتعملها علشاني" اجابته بإبتسامة لتجده يُقم لها يده


"أنتي بتشكريني على ايه؟ بتشكريني على وجودي مع الوحيدة اللي سرقت عقلي وقلبي من يوم ما وقعت عيني عليها؟" أخبرها ليحدق بعسليتاها وتبادلها رماديتاه قصائد صامتة لا يعلمها سواهما فقط "تعالي نتفرج على باقي المكان" أماء لها لتنهض ثم تبعته لتنظر لهذا المكان الخلاب.




"ازاي أصلاً لقيت مكان زي ده؟!" سألته بينما أمسك بيدها وظلا يتمشيا حتى غابا عن الأنظار


"أنا بحب السفر اوي يا شيرين، وبحب أكتشف اماكن كتيرة، وكمان اعملي حسابك بقا إننا الأيام الجاية دي هنروح سوا أماكن عمرك ما تتصوري أنها موجودة فعلاً.." اجابها سائلا لتبتسم له ثم فجأة مد يداه أسفل مؤخرتها لتشهق في وجل لتتعالى ضحكاته "متخفيش أنا هفك ديل الفستان عشان تعرفي تمشي.. متقلقيش كده" أخبرها بينما ظل يضحك


"وبعدين يعني هو فيه واحدة هتتكسف من جوزها ولا ايه؟!" نظر إليها بمكر لتتورد وجنتاها


"لا.. أنا متكسفتش.. أنت بس فجأتني و.." بدأت في التلعثم ليلتهم شفتاها في حب وشوق حتى نست هي ما أوشكت على قوله


"لخبطة في الكلام بقا" فصل قبلتهما متمتماً أمام شفتها بينما وصدا عينيهما "بحبك اوي يا شيرين.."


"وأنا بعشقك يا آدم.." همست لتتنفس أنفاسه ثم وجدته يرفع ذقنها بأنامله "مش هتسيبيني أبداً تاني، هنفضل سوا على طول، وحتى لو هربتي مني وروحتي النار نفسها هاجيلك وهاخرجك منها وهتفضلي معايا" همس بجدية لينهال من رماديتاه الخوف


"لا بجد.. وأنت ممكن تدخل النار علشاني؟!" سألته برقة


"وأموت كمان عشانك آلف مرة وأروح النار نفسها كل يوم عشان بس أكون جنبك ومعاكي" أجابها لتبتسم فأحتضنها لتريح رأسها على صدره في هدوء لتحاوط خصره بذراعيها ثم استمعت لتلك المعزوفة العذبة التي تعزفها خفقات قلبه لتمتزج بصوت المياة حولهما


"قربك ده بيخليني أفكر يعني بما إننا متجوزين إني أقلعك وأعمل معاكي حاجات كتيرة، هنا ودلوقتي حالاً كمان" همس بأذنها لتخجل


"آدم.." صاحت بخجل لتنهيه عن تلك الأفكار


"انتي خلاص بقيتي مراتي، مش هاتقدري بقا تمنعيني يا حبيبتي حتى لو عايز ده في أي وقت وأي مكان" أخبرها بخبث لتلكمه في صدره


"سافل.." صاحت في حنق ليضحك لها


"أنتي بتعذبي السافل ده كل ما عينه بتيجي عليكي، وكفاياكي شتيمة لحسن أوريكي بجد السفالة قدام كل اللي هنا وصدقيني مش هايفرق معايا أي حد موجود" أخبرها بإبتسامة لعوب ثم حدق بعسليتاها لتدفن رأسها خجلاً بصدره ليبتسم لخجلها ثم توقفا عن الكلام حتى ينهل من قربها وتنهال هي من ذلك الذي خفق قلبها له بجنون.


"ياغتي عصافير يا ناس!، على قد ما نفسي اجيب اتنين لمون بس للأسف لازم اعكنن عليكوا، أستاذ مراد بيدور عليك يا آدم ولأول مرة بصراحة أشوفه متعصب، أحسنلك تروحله، وكمان أنا يعني محتاجة اقعد مع صاحبتي شوية، بكرة اسيبهالك سنين" صاحت حبيبة لتخبرهما فابتسمت شيرين لحديث صديقتها بينما تعجب آدم من غضب مراد الذي بدا غريباً للغاية في يوم كهذا.


تركهما وتوجه لمراد بينما أقتربت حبيبة من شيرين "لا بس بجد مكنتش اعرف إنك جريئة اوي كده، ايه مقدرتيش تستني شوية لغاية ما يتقفل عليكو بابا اوضة؟" أخبرتها لتنزعج شيرين وتقطب جبينها


"لا يا سخيفة، مكناش اصلاً بنعمل حاجة، وكمان.. هو.." تلعثمت لتضحك حبيبة "هو جوزي دلوقتي ونقدر نعمل اللي احنا عايزينه" أخبرتها بحنق لتتعالى ضحكاتها أكثر


"أنا فعلاً لغاية دلوقتي مش مصدقة إنك اتجوزتي آدم رأفت!!" أخبرتها ثم تذكرت أول مرة تحدثت شيرين عنه "مين؟! آدم رآفت؟ استحالة أشتغل معاه.. أنتو مسمعتوش الناس بتقول عليه ايه وسمعته عاملة ازاي؟ لو مكناش في بلد شرقي كان زمانه ممثل إباحي.." حاولت أن تبدو مثلها وتقلد نبرة صوتها


"كفاية بقا يا حبيبة" عبست هي لتحتضنها حبيبة ثم لم تتركها لتستقر رأسها على صدرها


"أنا بجد مبسوطة اوي علشانك" ابتسمت بصدق ثم أكملت "اديكي اهو انتي اتجوزتي وشكل كده يوسف وراكي، وهتسيبوني وتنشوني وكل واحد منكم بقا يبقاله حياتة وهيبقا طظ"


"ايه ده بجد، يوسف هيتجوز؟؟!!" صاحت بدهشة


"عرفتي إنك صاحبة اي كلام!! ده كل اللي هامك، جواز يوسف، عموماً آه يا ستي، من ساعة ما شاف بنت مراد من يومين وهو اتجنن كده وبقا يوسف جديد خالص غير اللي نعرفه، راح بسرعة وكلم باباها واتفقوا إنه هيزورهم بشكل رسمي لما نرجع كلنا"


"أنا فعلاً غبية، أنا نسيت أسأله، أنا اخدت بالي وحسيت إن فيه ما بينهم حاجة من ليلة امبارح بس ازاي حصل كده كل حاجة بسرعة؟!" تسائلت شيرين في دهشة


"شوف مين اللي بتتكلم!، مش أنتي بردوا اللي بيتي في بيت آدم رأفت من اول يوم شوفتيه فيه؟" أخبرتها مازحة لتعبس شيرين


"أنتي مش معقولة أبداً!!" أخبرتها في انزعاج ثم ابتعدت عنها


"الحب يصنع المعجزات يا شيري يا حبيبتي" نظرت لها بإبتسامة لتلمح يوسف من بعيد "وأخيراً جه عم العاشق الولهان"


"مبروك يا شيري" أخبرها ثم احتضنها


"عقبالك يا حبيبي، ويا ترى هاحضر فرحك أنت وزينة امتى؟!" أخبرته بتحدي


"الرغاية دي قالتلك مش كده؟!" أخبرهما لتضحكان معاً


"لا أنا اللي اخدت بالي واحنا واقفين مع بعض، عينيك فضحاك يا يوسف" أخبرته شيرين لترفع حبيبة يدها في استسلام "يالا بقا قولي واحكيلي كل حاجة" أخبرته بإبتسامة


"هاقولك" ابتسم وآخذ يقص لهم كيف منذ رآها وعلم أنها هي المرأة التي يريد أن يقضي معها حياته.


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::




"يا ساتر عليك يا آدم!! أنت بردو صممت ومقولتليش على اي تفاصيل من اللي حصلت، بس بص أنا حاسس انها مستقوية اوي ومعاها حاجة ضدنا او معاها اللي يثبت أن لسه ليها حق في الشركة، أنت مشوفتش كانت بتتكلم ازاي، لازم نتصرف بسرعة، ميار دي شكلها مش هاتجيبها لبر أبداً" أخبره مراد غاضباً ليكسو وجه آدم البرود


"أنت قولتلي إن ريم بطلت تروح الشغل مش كده؟!" سأله بهدوء وكأن شيئاً لم يحدث


"والله العظيم ما وقت برودك ده، آه.. ريم أختفت خالص وحاولت أكلمها وموبيلها دايماً مقفول" صاح في غضب


"متقلقش.. سيب الموضوع ده عليا، أنا هعرف ازاي أتعامل كويس مع ولاد الكلب دول" أخبره ثم وضع يده بجيبه في غرور ليمسح مراد على وجهه في ضيق


"أنت يعني ممكن تفسرلي ناوي على ايه او تفهمني حاجة من اللي بتنوي عليها أبداً؟، بطل تتعامل وكأني مش موجود يا أخي" صاح حانقاً ليبتسم آدم له ليغضب مراد أكثر


"تمام.. هقولك.. بس متتعودش إني دايماً هاعملها.." تريث قليلاً ليعقد مراد حاجباه "ريم كان وراها حاجة كده مش مطمناني من الأول، أنا عينتها بس عشان أخلي شيرين تغير، والزفتة دي حاولت تغريني سواء بقا بلبس قذر زيها ولا لما حاولت كذا مرة تقرب مني بطريقة مش تمام بس لاحظت أن مش حب فيا او انجذاب حتى، هي مش عايزاني ليها، عشان كده فهمت من حراكاتها وعرفت أن فيه سبب تاني ورا انها اشتغلت عندي، واديني اهو عرفت السبب، هي اللي ساعدت ميار توصل للي وصلتله، باين الموضوع اوي اهو.. استنى أنت بس وأصبر.. بس اللي هاعمله في ميار مش هايعجبك، وإياك تدافع عنها، اتفقنا؟!" أخبره آدم لتتحول ملامحه من البرود للجدية


"ماشي يا آدم.. اتفقنا" أخبره ثم تريث قليلاً "زينة هتتخطب، عايزك تكون معايا لما أقابل اهل العريس، أنت عارف قد ايه انت قريب من زينة وهي أكدت عليا انك لازم تكون موجود"


"أنا آخر من يعلم بقا!!" تمتم آدم ببروده الذي عاد له فجأة "ومين تعيس الحظ اللي هاقتله ده لو زعلها في يوم؟" سأله ليعبث بسبابته على شفته السفلى


"يوسف، صاحب شيرين" أخبره مراد بإبتسامة


"يادي النيلة على حتة الكائن اللزج ده، يحضن شيرين قدامي مرة، ودلوقتي جاي ياخد زينة مني، وكأنه مورهوش ورايا عشان يجي يخليني اغير على الاتنين" أخبره شارداً بنظره تجاه زينة.


"على قد ما أنا مبسوط علشانك بس بجد لازم نرجع، ميار شكلها بتخطط لمصيبه، أنا مش مطمن خالص" صاح مراد ليعو القلق لنبرته مرة أخرى


"حاضر هارجع معاك.." أخبره ثم ذهبت عيناه تجاه شيرين الذي آتت تضحك مع يوسف وحبيبة، كم بدت صغيرة، سعيدة كالطفلة، لا يريد شيئاً أكثر من أن يراها تبتسم للأبد..


تقابلت أعينهما من مسافة لتتحدثا لغة لا يفهمها سواهما "فيه ايه مالك؟!" وكأنما صاحت عيناها تسأله


"متقلقيش يا حبيبتي، كل حاجة هتكون كويسة" بادلها النظرة بإبتسامة "ورحمة أبويا يا قذرة لو لعبتك الوسخة دي جت جنب شيرين في حاجة لا اموتك بإيديا" صاح عقله بينما عرفت شيرين ذلك الإنزعاج عندما تتحول رماديتاه للسواد، وتأكدت أن هناك شيئاً ليس على ما يُرام.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-