أخر الاخبار

رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي الفصل الخامس عشر

رواية عداء الدم

رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي


رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي 

 الفصل الخامس عشر

تحرك لوجان ليقطع هذا الصمت القاتل وهو يتناول ابنته من بين يديها صارخاً:

ـ ماذا فعلت بها؟؟

هدر ألكسيس محتقناً بالبكاء:

ـ لقد قتلتها، قتلتها، أنت السبب، أنت وثقت بها، لن أسامحك أبداً. 

أخيراً استطاعت إخراج أنفاسها المحتبسة بسؤال حائر:

ـ عن من تتحدثان، ومن الذي أنا متهمة بقتله. 

نظر لوجان لابنته التي أخذت تتململ بين ذراعيه وهدأ روعه فجأة ليصيح ضاحكاً:

ـ ألكسيس..أنظر، لقد كانت نائمة. 

اتسعت عينا ألكسيس وهو ينظر لأخته غير مصدق:

ـ أحقاً، نائمة. 

عقدت فيولا ذراعيها على صدرها ماطة شفتيها بتساؤل:

ـ هل الجنون وراثة في العائلة؟ 

تبادل الاب والابن النظرات الخجلة فأوضح لوجان:

ـ تلك المحتالة تستنفذ كل قوانا يومياً لتخلد للنوم، وتركناها معك بضع دقائق لنعود ونجدها على هذا الحال!!.

ـ فتفتق ذكاؤكما الخارق الوراثي أنني قتلتها، نصيحة منى لا تترك ابنك يشاهد المزيد من أفلام الخيال العلمي، وأنت بدورك، انضج، 

ارتاحت نظرات ألكسيس أول مرة وهو يرمقها فاستغربت:

ـ هل هذه النظرة تعني أنني حصلت على خمسون بالمائة من رضاك عني، 

نظر ألكسيس لوالده الذي شجعه فأومأ:

ـ تستطيعين بدء العمل، ولكن احذري ، لن أغفل عنك لحظة واحدة.

ـ تحت أمرك سيدي، كل هذا لأن الصغيرة نامت بين ذراعي، فقط، 

عاد الأب وابنه لتبادل النظرات المجهدة قائلان بصوت واحد:

ـ أنها محتالة.

*************************

تجولت في أنحاء غرفتها التي منحها لها لوجان، كانت بالقرب من غرفة ألكسيس، وقد استقرت الآراء على أن تنام جمانا معها في نفس الغرفة، كانت تشعر بحميمية غريبة وهي تجول فيها وتتلمس محتوياتها، حتى جدرانها، وضعت أذنها على أحد الجدران وأغمضت عينيها، .فجأة انتابتها رعشة رهيبة كمس كهربائي، انتفضت مبتعدة تحدق بالحائط بذهول، .تلفتت حولها مرة أخرى تحاول 

طرد ذلك الشعور المبهم أن كل شيء مألوف بشكل جنوني.

*****

ـ ألكسيس، هل نمت يا بني؟؟

ـ تفضل يا أبي، ما زلت مستيقظاً

ارتفعت علامات الاستفهام بنظرات لوجان فأومأ الصبي مشيراً برأسه نحو الباب الذي يفضي لغرفة المربية:

ـ ربما احتاجت مساعدتي، تعرف جمان لا تنام إلا معي..

بعثر لوجان شعر ابنه مازحاً:

ـ أنت تتمنى أليس كذلك، .ولكن لابد أن نعترف يا بني، .يبدو أنك حصلت على منافس قوي

كز على أسنانه بغيظ:

ـ تلك المحتالة الصغيرة، كما لو كانت تعرف أن تلك المرأة تشبه أمي، أرأيت كيف تنظر لها.

ـ هل تغار؟؟

ـ عقد حاجبيه بتجهم:

ـ كنت أظن أنني شخص خاص لها.

جلس لوجان بجوار ابنه:

ـ لا تنس أنك مهما كرست نفسك لها، لن تعطيها ذلك الشعور، الأمومة.

ـ وهل تلك المرأة تملك هذا الشعور وهي لم تتجوز ولم تنجب في حياتها

ـ المرأة تولد بهذا الشعور، منحة ربانية من الخالق، ولكن لا تظن أن محتالتك تستطيع الاستغناء عنك للأبد، .انتظر فقط وسترى كيف ستتبعك في كل مكان كظلك ما إن تتمكن من استخدام ساقيها.

هب بفرح:

ـ أحقاً يا أبي..

ـ نعم، انتظر وسترى.

*********************

ـ سيد سيرادور، لقد انتهى دوام عملي، ألن تعود للبيت مبكراً هذا اليوم أيضاً..

رفع عيناه عن الملفات أمامه وأجابها وهو يعيد تركيزه عليها مرة أخرى:

ـ لم أنتهى من عملي بعد، يمكنك الذهاب. 

ولكن كلماته الجافة لم تصرفها، اقتربت وهي ترمقه بنظرة حزن:

ـ منذ شهر كامل وأنت لا تعود للبيت إلا في وقت متأخر.

انفعل عليها وهو ينزع نظاراته بعصبية:

ـ وما شأنك أنتِ؟؟

بإحراج وارتباك تراجعت:

ـ أعتذر. 

ـ مونا ..انتظري! 

زفر بتعب:

ـ أعتذر، لقد تراكم على العمل في الشهور التي اضطررت فيها للبقاء في البيت، وكما تعلمين تراجعت مؤشراتنا في البورصة. 

ـ نعم...أعلم، واعلم أيضاً أنك مجرد إنسان مهما بلغت قدراتك على التحمل، إن كان وجودها يزعجك لهذا الحد دعها تذهب ومن الغد سأرسل لك بألف مربية مؤهلة، 

ضاقت عيناه:

ـ من تقصدين، فيولا؟؟

هتفت بتأثر:

ـ لا شك ان الشبه الكبير بينها وبين زوجتك الراحلة لا يترك لك فرصة للراحة وكي تنسى. 

أطرق رأسه:

ـ مونا يمكنك الانصراف الآن، وشكرا لك لاهتمامك بشؤوني، ولكنني بخير. 

انتظر حتى سمع صوت غلق الباب فألقى بنظاراته بعيداً وتراجع برأسه على المقعد محملقاً في السقف ليرى صورتها التي لا تفارقه، تضحك، تعبس، تغني لجمان، تركض خلف ألكسيس، .لا أنها لا تشبه شيارا في أي شيء، .بل لا تشبها على الإطلاق، .حتى ملامحها ، مع الوقت بدأ ذلك الشعور الغريب يتسلل له أنها لا يمكن أن تكون شبهها.


فهو لم يرى شيارا أبداً تضحك من قلبها، .كلما سمحت لنفسها بابتسامة فجأة تتذكر الماضي فتعود لتجهمها، .وأبداً لم تكن شيارا بكل هذا الانطلاق. 

في كل يوم يحكي له ألكسيس عن مغامراتهم، ففي كل يوم تفاجأهم ، المرة الأخيرة أقامت لهم مخيم في حديقة البيت من الملاءات المستعملة، لقد استطاعت الاستحواذ على قلب ابنه وابنته في مدة وجيزة، ألكسيس بشكل خاص، بات ينظر إليها كما لو كانت أمه.


مونا مخطئة، هو لا يعود للبيت مبكراً ليس خوفاً من حنين الماضي، بل مما سيجلبه المستقبل، وقلبه الذي على وشك أن يدق، مرة أخرى. 

كان السكون يخيم على البيت مثل كل ليلة، الهدوء والنظافة والرائحة العطرة تعبق بالمكان ، .ملأ صدره بعدة أنفاس عميقة ما لبثت أن توقفت في رئتيه ترفض الخروج عندما سمع صوتها خلفه:

ـ مساء الخير سيد سيرادور، هل أحضر لك العشاء؟؟

أخرج أنفاسه المحتبسة على دفعات مما تسبب له في ألم في رئتيه وهو يلتفت ويحاول أن يكون طبيعياً:

ـ مساء الخير، فيولا.

ولكنها لاحظت ملامحه المتألمة:

ـ هل أنت بخير، تبدو... 

ـ أنا بخير، لم يكن هناك داع لانتظارك، مهمتك العناية بالأولاد، وليس بي. 

شكرت الظلام الذي أخفى توهج بشرتها من الإحراج وهي تتمتم بارتباك:

ـ أعتذر لتطفلي، ولكن انتظاري لأمر ضروري أردت مناقشتك فيه، أنت تخرج قبل أن نستيقظ وتعود بعد أن ننام و كــ... 

قاطعها بقلق:

ـ ما المشكلة، هل الأولاد بخير؟

ـ نعم لا تقلق، الأمر لا يتعلق بصحتهم الجسدية، الأمر هو... 

بنفاذ صبر هتف وهو يقترب ليدفعها لغرفة مكتبه:

ـ أنا بالفعل مجهد ولا طاقة لي للوقوف حتى تتكلمي، تعالي معي. 

ـ ولكن، سيد سيرادور سأجهز لك العشاء قبل أن.

كان قد تمدد على الأريكة الجلدية في مكتبه رافعاً ساقيه بتأوه إجهاد، تمتم من خلال عينيه الشبه مغمضتين:

ـ هذا أفضل من العشاء، أخبريني ما الأمر ثم أفكر بموضوع الطعام

جذبت أحد المقاعد وجلست أمامه تحاول أن لا يظهر تأثرها من منظره المتعب ورغبتها المحرقة لتضع رأسه على حجرها لتدلك أكتافه الــ... 

ـ فيولا، 

ـ نعم سيد سيرادور، نعم الأمر يتعلق بألكسيس. 

فتح عينيه منتبهاً وتركها تكمل:

ـ الطفل لا يعيش سنه الطبيعي، من قبل قلت له أنه كان يعتبر نفسه كوالد لأم.


 والآن يعتبر نفسه والد لجمانا، ابنك لا يعيش سنه الحقيقي، .ثق بي هذا أمر خاطئ تماماً. 

ـ أليست هذه علامات نضج مبكرة؟؟

ـ كلا، لقد قرأت كثيراً في هذا المجال في الفترة الماضية، ألكسيس له والد، وليس عليه أن يمثل هذا الدور بل عليه أداء دوره كابن وكأخ فقط، .حتى يصل للسن التي تخول له لعب دور الأب، هل تفهمني سيد سيرادور، أعلم انه تحمل المسؤولية مبكراً، ولم أفهم لماذا تركته أمه يتولى هذه المسؤولية.

تنهد لوجان:

ـ مرت شيارا بظروف صعبة، .بماذا تنصحين؟ 

ـ لابد أن نشجعه على الخروج مع أصدقاءه، والاشتراك في رحلات مدرسية، مما فهمته أنه يشعر بشعور خاص تجاه إحدى الفتيات، .ولكنه تكتم على هذا الأمر فوراً وكأن هذا الشعور ليس من حقه حتى مجرد التفكير فيه؟؟

تململ لوجان يحرك عضلاته بصعوبة:

ـ حسناً، سوف أرى ما يمكنني فعله.

ـ هل تسمح لي بتدليك أكتافك، أعتقد أن التدليك هو ما تحتاجه عضلاتك لتسترخي، 

رمقها باستغراب ثم أومأ بهزة بالكاد لمحتها.

 

ازدردت لعابها بصعوبة وهي تقف خلفه حتى اتخذ وضعية الجلوس، وبتردد خفيف جلست خلفه وبدأت أصابعها تعمل على عضلاته المتصلبة، .أغمض عينيه والاسترخاء يتسلل إليه مع لمساتها القوية الناعمة حتى أنه هتف:

ـ أنتِ ساحرة عن حق...حقاً كنت بحاجة لهذا، شكراً لك، ولكن، أين تعلمت فن التدليك بهذه المهارة؟ 

توقفت أصابعها عن العمل تماماً وظهر الضياع في نظراتها الشاردة وهي تتمتم:

ـ لا أتذكر ، حقاً، .كم أبدو بلهاء عندما أنسى بعض الأمور الهامة في حياتي، 

سألها بتجهم وقد أبعد جسده عنها مما أربكها فاحتفظت بيديها في حجرها:

ـ هل استطاع زاك الحصول على أوراقك.

 

ـ لا أعلم، لم ألتق به منذ بدأت العمل، .حتى أني نسيت.، 

تراجع برأسه مبهوتاً:

ـ أنت حقاً لم تحصلي على يوم واحد إجازة منذ بدأتِ العمل، .لماذا لم تطلبي

ـ حقاً يا سيد سيرادور الأمر غير ذات أهمية، .لم أفكر أنني بحاجة لإجازة، حتى أنني لم أتخيل أن أبتعد يوماً عن ألكسيس وجمان

وقف بصرامة:

ـ لن أكون منصفاً بحقك، غداً ستأخذي اليوم عطلة بدون نقاش وأنا سأتدبر أمري مع ألكسيس وجمان كما كنت أفعل دائماً.

وقفت أمامه ترتعش من فكرة الابتعاد ولو ليوم واحد وحيرتها "أين ستقضي ذلك اليوم؟؟"

ـ سيد سيرادور. 

لوح بيده لإغلاق المناقشة:

ـ غداً منذ الصباح وحتى المساء لا أرغب برؤيتك تحومين حولنا في أي مكان هذا اليوم خاص بك وحدك ومن حقك الحصول عليه، في الواقع نحن مدينون لك بأكثر من هذا اليوم.

 

فكرت أن تتوسله ولكن ملامحه المرعبة كانت توحي بأكثر من رب عمل يعطي إجازة لموظفة لديه، تراجعت بخطواتها فناداها..التفتت بأمل أن يتراجع لتجده يمد يده ببعض الأوراق المالية:

ـ هذا مرتبك عن الشهر المنصرم، معه مبلغ تعويض عن أيام إجازاتك التي لم تحصلي عليها

دارت يداها المتعرقتين خلف ظهرها بإحراج:

ـ لا، أنا لا أرغب بأي أموال.

ارتعشت يده الممتدة إليها متسائلاً بدهشة:

ـ لا ترغبين، ولكن هذا حقك، أليس العائد المادي هو سبب بحثك عن العمل في بادئ الأمر، أم أن ....

قاطعته باحتجاج:

ـ لا، بالطبع لا توجد أسباب أخرى، .ولكن، هذا المبلغ كبير وأخشى أن يضيع مني، سأطلب منك أن توفره لي لو سمحت

عاد ينظر للمال ، ثم أخرج منه عدة ورقات وناولهم لها:

ـ حسنا سأوفر لك الباقي ويمكنك أخذ بعضه على الأقل، ستكونين بحاجة له في يوم إجازتك. 

رسمت ابتسامة مرتبكة وهي تأخذ المال منه بإحراج زائد:

ـ أنت على حق، شكراً لك., 

وتجاوزته لتغادر ثم توقفت شاهقة عندما احتكت ذراعها بذراعه العاري، .هذا التلامس الغير مقصود تسبب في شرارة اندلعت في النظرات المتبادلة، ما بين مذعورة ومرتابة، أخفضت رأسها باعتذار لم يسمعه وكادت تركض هاربة.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-