أخر الاخبار

رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي الفصل العشرون والأخير

رواية عداء الدم 

رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي


 رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي

الفصل العشرون والأخير

..... 

فتحت عينيها، حدقت في السقف برهة تحاول استيعاب المكان، صوت بكاء أيقظ إدراكها لتقفز من مكانها بدون تفكير وتهجم على الغرفة المجاورة. 

حدجها لوجان بنظرة قلقة عندما لاحظ شحوبها الشديد ولهاثها، حاول الابتسام وهو يستدير لترى جمانا على ذراعيه:

ـ انظري، من جاء يتفقدك حبيبتي، قولي لها صباح الخير فيولا، اغسلي وجهك والحقي بنا سنعد لك إفطاراً فاخراً. 

استطاعت أن تومئ بصعوبة بالغة وترسم ابتسامة مطمئنة لجمانا القلقة لعدم تلقيها قبلة وعناق الصباح كما اعتادت. 

أهداها لوجان نظرة داعمة وغادر مع ابنته، ترنحت وهي تخطو نحو الحمام لتحصل على حمام منعش، ولكنه يبدو انه لم يكن منعشاً بالدرجة الكافية فما تزال تعاني من تشويش، وكأن معركة تدور في عقلها ولا تهدأ رحاها لأي طرف من الأطراف.

 وما تزال وجوه عديدة لا تعرفها تطل من خلف أسوار عالية، منها وجه لرجل غريب يحمل بين ذراعيه طفلة، يشبه لوجان لحد كبير وهو يحمل جمانا منذ دقائق.

 

كانت جمانا تعبث بطعامها غير مبالية بتهدديدات لوجان عندما التفت ذراعا فيولا حولها لتضمها في عناق زغردت له الصغيرة وغردت بصوتها المناغي. 

جلست على المائدة ثم أجابت على نظرة لوجان بدون أن تنظر باتجاهه:

ـ أنا بخير. 

اكتفى بإجابتها المقتضبة ولم يعقب وهو يضع أمامها كوب من العصير الطازج وطبق من البيض المقلي والتوست، ولدهشته شرعت تأكل بدون أي اعتراض. كانت تجامل جمانا بابتسامات متفرقة ثم تعود لشرودها.

 

جلس لوجان أمامها يتناول طعامه بصمت مماثل. 

نظرت له فجأة وسألته بجدية:

ـ ماذا فعلت لك؟؟

توقفت الشوكة في طريقها لفمه، أدرك فوراً من تقصد، وضع الشوكة جانباً، ونظر إليها، ولكنه لم يكن يفعل ذلك فعلاً بل كان يغوص في بحار الماضي الحالة الظلمة، مرة أخرى، وبدأ يحكي لها كل شيء.

 

توقف، وكان العالم كله توقف عن الحركة، حتى الأصوات، الهواء, الحشرات...السيارات بالخارج، حتى الأنفاس، فقط دقات قلبيهما كانت تعلو وتعلو حتى ظنا أن الصمم سيصيبهما، مزقها الشعور بألمه، شطرها لأجزاء، عرفت لماذا لم يتمنى أن تكون هي أبداً.

 

حتى أنها شكرت حظها للمرة الأولى أنها زوجة لرجل آخر، مما يعني أنها لا يمكن أن تكون هي رغم كل الملابسات والظروف. 

هزت رأسها بدموع ساخنة لم تشعر بسيلانها:

ـ أنا، أنا لست هي. 

هز رأسه بامتنان:

ـ أعرف، لا يمكن أن تكوني هي؟ 

صوت آخر آخذ في الظهور بإلحاح، انتبها بعد لحظات تبادل نظرات هائمة، وقف:

ـ سأفتح الباب، اعتني بجمانا.

 

حملتها تضمها لصدرها بقوة هامسة بدون وعي:

ـ أنا آسفة، كم تنميت أن أكون أمك، ولكنني لا أرغب أن أكون هي، ليس الآن، وليس بعد كل ما عرفت عنها، 

****************

وقف لوجان أمام ضيفه يحاول أن يتذكر أين رآه من قبل، بينما هتف ليو بترفع:

ـ مرت سنوات، ولكن لا يمكن أن تكون نسيتني فعلاً يا سيرادور. 

أومأ لوجان أخيراً:

ـ كوتشيانو، ليو كوتشاينو

ـ ألن تدعني للدخول

ـ ما زلت أتذكر أنك ضيفاً غير مرغوب فيه يا كوتشيانو

ـ رغم ذلك أعتقد أنك تود أن تعرف ما عندي، 

ـ لا أعتقد.

هم بغلق الباب عندما هتف ليو:

ـ بشأن شيارا. 

توقف لوجان عن غلق الباب، احترقت خلايا عقله بكل الأفكار السوداء التي يمكن أن يخبره بها ليو، ثم فاجأ نفسه وهو يكمل إغلاق الباب:

ـ ما زلت لا تحمل ما يثير اهتمامي.

 

وكاد الباب أن يغلق تماماً عندما اخترقه صوت ليو المتلاعب:

ـ ولا حتى لو كان بشأن فيولا، مربية أولادك الحسناء.


انفتح الباب على مصراعيه فجأة ليمسك لوجان بتلابيبه هادراً كعاصفة هوجاء مدمرة:

ـ هل تجرؤ، ماذا تريد مني، ألا يكفي ما حدث بسببكما، ألم تكتفي أنت وهي، ماذا بقي مني ولم تحطماه..

قهقه ليو غير مبالي بملابسه في قبضة لوجان العنيفة:

ـ الغريب أنك لم تتحطم بعد، ما زلت تنفض عنك الرماد وتنهض من جديد، ولكن ليس هذه المرة يا سيرادور. 

لكمه لوجان بكل قوته فتراجع ليسقط على الأرض مقهقهاً:

ـ إياك أن تقترب من بيتي وأولادي، سأقتلك، هل سمعت؟؟

شهقة جاءت من خلفه:

ـ يا إلهي، ليو ماذا تفعل هنا؟؟

التفت لها لوجان يسألها بهدير غاضب:

ـ هل تعرفيه؟؟؟انطقي، هل تعرفين هذه الحشرة؟

 

نكست رأسها متمتمة بقنبلة لم تظن أنها تملكها:

ـ نعم، هو زوجي الذي أخبرتك عنه.

 

حرك لوجان رأسه بذهول يحدق بها تارة وتارة بالرجل المقهقه الذي ما يزال يفترش الأرض، ثم نهض أخيراً ينفض التراب عن ملابسه:

ـ أخبرتك يا لوجان أنني أحمل أخباراً جديدة لك ولم تصدقني.


تجاوزه ليقترب من فيولا التي أشاحت بوجهها عن لمسته المقرفة وهتفت:

ـ أنا سأتطلق منك.

 

مط ليو شفتيه ثم نظر للوجان الذي ما يزال يعاني من الصدمة:

ـ لماذا لست متفاجيء، لا لا تتكلمي سأخبرك أنا، لأنك أحببته، وستتزوجين به، أليس كذلك يا حبيبتي، ولو عشت ألف حياة غير حياتك سيحدث أنك ستلتقين به مرة أخرى وتعشقينه، لذلك لست متعجباً.


هتف لوجان بصبر نافذ:

ـ ماذا تقول، هل جننت؟ 

ـ نعم يا لوجان، جننت بحبها منذ سنوات، أنت لا تستحقها، ولكنني أستحق، أنا أحبها أكثر منك، وعندما تلفظها مرة أخرى، سأكون أنا الصدر الذي سيحتويها، وأنت ستفعل، كما تفعل دائماً. 

تبادل لوجان وفيولا النظرات المرتابة ثم هتف لوجان:

ـ أنت بحاجة لعناية طبية، اذهب واعرض نفسك على طبيب نفسي.

 

ـ ليس قبل أن أخبرك، من تكون فيولا! 

حشرت الأنفاس في الحلوة ترفض الدخول أو الخروج، والثلاثة يتبادلون النظرات، ثم هلل ليو كالمجنون:

ـ لا تفهمون شيئاً، سأخبركم، ببساطة، فيولا، هي شيارا. 

صرخة مروعة لم تكن إلا من فيولا التي افترشت الأرض بذهول هستيري وهي تعيد وتكرر:

ـ لا، لا مستحيل، أنت كاذب، أنت كاذب.

ـ مع الأسف يا حلوتي، كان هذا ما سيخبرك به زاك عندما منعته، ظننت أنني يمكنني الحصول عليكِ عندما تعرفين أنك زوجتي، ولكن هذه الحيلة لم تفلح.

 

تماسك لوجان وهو يسأله بجمود:

ـ كيف يمكن ..والخال؟؟

قهقه ليو مرة أخرى:

ـ هذا الخال كان حصاني الرابح، عندما كانت في المشفى غائبة عن الوعي وأخبرني الطبيب أن فقدها الكثير من الدم قلل من وصول الأكسجين للمخ، وأن بعض العطب سيحدث لمركز الذاكرة، كانت فرصتي طلبت منهم أن يزيلوه، فقد بدأ الأمل يلوح لي من جديد أن مستقبل ما سيجمعني بشيارا حبيبتي. 


لم يسمح لوجان لنفسه أن يتأثر بهذيانها والتفت لليو مرة أخرى:

ـ وكيف حدث والتقيت بها، وماذا عن القبر؟

 

ـ كل هذا كانت لعبة منها كي لا تبحث عنها، أعادت لك ابنتك وأوهمتك أنها ماتت كي لا تبحث عنها وتتركها تعيش حياتها معي، نعم يا سيرادور، لقد اختارتني في النهاية وهي بكامل وعيها.

 خفت أن تعرف مكانها بأي طريقة وتأتي مطالباً بها، وهي مدينة لي، لقد تركتني وهي مدينة لي، هذا الحادث الذي سبب لي عاهة مستديمة كان بسببها، وهي مدينة لي. 

زفر لوجان بهدوء:

ـ هل أنت مجنون؟؟؟

قهقه ليو:

ـ أنت لا تصدق أنها يمكن أن تتركك من أجلي، لعل غرورك هذا قد وصل للحد الذي لابد من كبحه في يوماً ما.

 

ألقى لوجان نظرة أخرى عليها ثم رفع عيناه لليو المسرور:

ـ ألا تجد من الصعوبة أن امرأة مثل فيــ، شيارا، عانت الأمرين عندما فقدت ابنتها الأولى، بكل سهولة تهرب وهي حامل في ابنتها الثانية ثم تتخلى عنها، من أجلك أنت، 

احتدت نظرات ليو:

ـ ماذا تقصد؟ 

ـ أخرج من بيتي، لا مكان لحشرة مثلك فيه

أشار لها:

ـ وهي...

صرخ لوجان وهو يمسكه من تلابيبه مرة أخرى:

ـ هل وصلت بك الوقاحة أن تطلب مني أن أسلم لك زوجتي. 

ظهر الارتباك على ليو وكل حساباته تنهار دفعة واحدة:

ـ لا، المفروض أن تطردها، لا تسمح لها بالبقاء معك، لقد هجرتك، دفعتك لتعتقد أنها ماتت وهربت لتكون معي، المفروض أن تطردها، لأحصل عليها.

 

ـ كل ما ستحصل عليه هو هذا.. 

وأطارته قبضة لوجان ليطير خارج البيت، صفق الباب خلفه وأحكم إيصاده ثم التفت لها، ابتلع لعابه بصعوبة في محاولة للنظر لها بطريقة مختلفة، لينسى كل ما كابده، آلامه وإنكساره.

 فوجئ بنفسه يركع أمامها ويمسك بيديها ثم وجه وجهها لتنظر إليه:

ـ فيولا انظري لي، فيولا... 

بعينين كسيرتان محمرتان:

ـ أنا، لست هي، أنا لا يمكن أن أوذيك يا لوجان، أنا لا أفعل هذا، هل تصدقني؟ لوجان أرجوك صدقني.

 

وانخرطت في البكاء من جديد مما دفعه ليضمها بقوة حاملاً إياها ثم وضعها برفق على فراشها، أحكم وضع الوسائد خلفها ثم رفع وجهها إليه.


ـ نعم فيولا، لا يمكن أن تكوني هي، لهذا أحببتك، أنا لا أصدق أنك هربت كي تكوني معه، كان يجب أن أصدق ألكسيس عندما قال لي أنك لابد أن تكوني مجبرة لتصرف كهذا، كان يجب أن أثق بك أكثر، وبنفسي..

ـ ولكنني لا أتذكر. 

ـ ليس هاماً، أنا واثق أنك مررت بتجربة رهيبة تلك التي تدفعك لتتخلي عن طفلتك، وقد خضت ثأراً موجعاً عندما فقدت طفلتك الأولى.

 

هتفت بدموع مختلطة بضحكات مشوهة:

ـ تصدقني، تصدقني لوجان، أنت تصدقني

ـ نعم حبيبتي...أصدقك وأثق بك، ولو ظهرت الحقيقة في يوماً ما سأثبت لنفسي ولك أنني كنت على حق. 

مدت يدها تتحس ذقنه الغير حليقة:

ـ من أحببت، فيولا أم شيارا؟ 

ـ أحب أن أعتقد أن شيارا كانت تصالحني بفيولا، كانت نقيضها في كل شيء، كانت الشخصية التي لم تستطع شيارا بكل مرارتها وحزنها أن تكونها، فيولا كانت متحررة من ذكريات الماضي، كانت تتصرف بطبيعة شيارا الحلوة قبل أن يشوهها الثأر، الذي ترك آثاره عليها ولم تستطع تخطيه أبداً.

ـ أتعني أنك لا تريدني أن أتذكر. 

ـ أنت تذكرينني وتذكرين أولادك بفطرتك، وهذا كل ما يهمني. 

نظرت حولها متسائلة بحزن:

ـ ولماذا جئت بي في غرفة المربية، لماذا لم تحملني إلى غرفتك

ـ أريدك أن تدخليها عندما تكونين مستعدة تماماً لأن تكوني زوجتي.

 

عانقته بقوة وبادلها العناق ثم أبعدها بلطف:

ـ لا أعرف كيف سنخبر ألكسيس بالخبر. 

ـ هل تعتقد أنه سيصدم؟

ـ ربما ولكنه سيفرح كثيراً بانتصاره. 

**********

بعد مرور شهران.

وقف لوجان في الحديقة العامة أمام رجلاً كان بانتظاره:

ـ أنت زاك فيرنون؟

مد زاك يده لمصافحته:

ـ نعم سيد سيرادور، مرحباً بك، أخبرتني أنك تريدني في موضوع هام..

ـ نعم، يتعلق بفيولا، أخبرتني أنك توصلت لمعلومات عن ماضيها، ولكنني لم أجدك في اي مكان العثور عليك كان مهمة صعبة يا سيد فيرنون.

ـ أرجو المعذرة، لم أظن أن أحداً يبحث عني خاصة فيولا، ظننت أنها ساوت أمورها منذ شهران. 

ـ ولكننا لم نعرف سرها بعد، أعتقد أنك تعرف. 

ـ تعني لماذا هربت منك وهي حامل ثم أوهمتك بموتها. 

أوما لوجان بهدوء يختلف عما يشعر تماماً:

ـ نعم. 

ـ في الواقع يا سيد سيرادور، السيد ليو لعب لعبته منذ زمن طويل، عندما أقنع طبيب زوجتك أن يقنعها أنها تعاني من مرض خطير، وأن حياتها معرضة للخطر.

  يبدو أنها فكرت أن بقاءها يعني أنك ستصر على تلقيها العلاج مما سيعرض حياة جنينها للخطر، لذلك فضلت أن تكمل فترة حملها بعيدة وتنقذ الطفلة، وهذا ما اعتمد عليه ليو، وعلى غير توقع ساءت حالتها بعد الولادة، وأصيبت بحمى نفاس كادت أن تودي بحياتها.


 وهنا تدخل كوتشيانو مرة أخرى، قام باتصالاته واستخدم الرسالة التي كتبتها قبل الولادة ليرسل لك الطفلة، وهو تدبر أمر القبر ووضع الشاهد عليه بنفسه ليقنعك بالأمر..

ونجح في خطته بالطبع وانتظر أن تسقط ثمرته ناضجة بين يديه، ومن شدة غروره بنفسه وضع الإعلان في طريقها ليثبت لنفسه أن من حقه الحصول عليها ليخرس أي صوت لأي ضمير يمكن أن يملكه.

 ولكن كان للقدر ضحكته الأخيرة بالطبع، حبها لك ولأولادها أثبت أنه أقوى من أي خطط شيطانيه لكوتشيانو..استمتعوا بحياتكم فأنت تملك عائلة مميزة جداً، وسيدة تعشقك بوعيها وبدونه..

أجابه لوجان بفخر:

ـ نعم...أعلم، شكراً لك سيد فيرنون، أنت مرحب بك في بيتي في أي وقت..

ـ لا أعتقد، ولكن شكراً على العرض. 

راقبه زاك وهو يبتعد، وتمتم بحزن:

ـ هذا الرجل عاشق. 

وقف لوجان طويلاً يراقب زوجته وأولاده يلهوان في الحديقة غافلون عن مراقبته، ملأ صدره بالهواء وانضم إليهم.

تمت بحمد الله

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-