أخر الاخبار

رواية الخطيفة بقلم ميرفت البلتاجي الفصل الخامس

رواية الخطيفة


رواية الخطيفة بقلم ميرفت البلتاجي


رواية الخطيفة بقلم ميرفت البلتاجي

 الفصل الخامس 

ـ شو بتقصد...احكي أنا ما بفهم عليك...

رد بنظرات متوعدة رغم لهجته المتهكمة:

ـ بقصد أنك رميتيها وأنا لقطتها...أنت سويتيها وأنا أكلتها...

لم تعاود السؤال.. لم تفهم شئ من كلامه الملئ بالأحاجي...ولكنها شعرت بما يقصد...ولم يطيب لها الإحساس بنواياه...حاولت انتزاع ذراعها منه:

ـ اتروك ايدي...أنا ما بفهم عليك وما بدي أفهم...وكيف وصلت لهون..أنت بتراقبني...

ـ أكيد...كنت بعرف أنك ما بتستسلمي بسهولة وانك أنانية ما بتهتمي إلا بحالك وبس...امشي قدامي..

زرعت قدميها في الأرض كالبغل العنيد:

ـ أنا ما راح اتحرك من هون قبل ما أعرف وين راح تاخدني...

رفع حاجبيه مقهقهاً:

ـ هيك لكان....راح أخدك على عش الزوجية السعيد...بدون فرح...بدون فستان عرس...بدون أي شي يحق لأي عروس..لأن العروس الهربانة ما بتستحق أي شي...متل ما أخوك خطفا لأختى...مع الفارق أني زوجك...ما حدا بيلومني...

هزت رأسها بشحوب:

ـ لا...لا ...بابا راح ينجلط....

ـ هلقيت بتفكري في أبوك...ومن شوي لما كنت حتهربي وتفلي من الجوازة ما همك أمره...ولا أمري وصورتي وسمعتي من الأهل والعشيرة لما مرتي تهرب مني يوم زفافنا ...غلطتي غلطة كبيرة يا سوريانا وراح تدفعي تمنا...غالي كتير ...

ازدادت عناداً عندما لمحت إصراره في بريق عينيه القاتمتين..رفعت ركبتها وهوت بقدمها على ربلة ساقه, فخفف مسكة ذراعها لتستغل الفرصة وتطلق لساقيها العنان هرباً بعيداً عنه...وقف مكانه يناديها بتنهيدة انزعاج:

ـ اعقلي يا سوريانا وارجعي لهون...ما تخليني أعصب..

 ولكنها لم تستمع له..كانت تعرف ان فرصها بالهرب ضئيلة...ولكن لم قد تستسلم بهذه السهولة وفي إمكانها أن تكبده المزيد من التعب...شعرت بمدى سخافتها عندما سمعت بعد لحظات حوافر جواده تنهب الأرض في إثرها...وفجأن امتدت ذراعه ليلتقطها لتجد نفسها تطير في الهواء لتستقر أمامه على صهوة الجواد.....هجمت على وجهه تخمشه بأظافرها وارتاحت نسبياً عندما رأت الدم يسيل من العلامات التي تركتها..كز على أسنانه وجمع يديها بيد واحدة دون أن يترك لجام الجواد من يد الأخرى...وزمجر بتهديد:

ـ سوريانا...اهدي...

صرخت دون أن تعبأ بأي شئ:

ـ ما بدي أهدا...اتركني وإلا.....

ـ وإلا شو...عم بسمعك...

انحنى فوقها ليزداد اقتراب وجهه من وجهها...تغلغلت نظراته في كيانها لتفقد رباطة جأشها وهو بهذا القرب يعيد لذاكرتها القصيرة ذكرى أول لقاء عندما كان يحدجها بنفس نظراته الخطيرة هذه...

كان لا يزال الجواد على سرعته عندما أغمضت عيناها لتقترب أكثر من شفاهه الحسية...كانت لحظة انجذاب متبادلة, فقد فيها عنصر الوقت والمكان قيمتهما...كان يحلم بتلك اللحظة التي يقطف فيها الشهد من شفتيها المثيرتان, وقد تحقق حلمه ليجدها طيعة بين يديه...ناعمة...مثيرة كما كان يتمنى...

وعلى حين غفلة شعر بألم رهيب عندما تحولت قبلتها الناعمة لمتوحشة عندما غرزت أسنانها في شفته السفلى...ولم تتركها...حاول وحاول تخليص نفسه بزمجرة لاعنة ولكنها ظلت متمسكة بها حتى دفعها عنه بقوة لتسقط عن صهوة الجواد وتتدحرج على الأرض القاسية وتتسبب لها بالعديد من الخدوش...شعرت وكأن كل عظمة في جسدها الهش قد تكسرت...كانت تئن من الألم عندما ترجل بسرعة عن جواده ليلحق بها...وبنبرة قلقة نادى عليها وهو يحمل جسدها المكدوم:

ـ سوريانا...حبيبتي ردي علي...شفت لوين وصلنا عنادك...حاكيني سوريانا...فيك شي...

ردت بصوت كالأنين:

ـ بعد ايدك عني...اتركني بحالي...

أخذ نفس عميق وكأنه اطمأن:

ـ بظن أنك بخير...لسانك لساتو عــحالو...

فتحت عيناها ببطئ على ملامح وجهه التي لم تتخلص من القلق المرسوم عليها بعد...رغم انها شعرت برغبة بالضحك من منظر شفته السفلى المتورمة...

اضطرت للاعتماد على ذراعه لتقف عندما رفضت بشدة أن يحملها مرة أخرى...سألها بنبرة متهكمة:

ـ سوريانا...خلصنا ولا لساتك عندك ألاعيب...

صاحت بتحدي:

ـ توني بلشت ..ما عمرك بتخلص مني...ولا عمري راح كون متل ما بدك...

لمس شفته المتورمة بنظرة عتاب:

ـ وأنا بتعلم من أخطائي...وما بترك تاري...

دفعها لتسير أمامه بصعوبة ..حاول مد يده لمساعدتها فأهدته زغرة شريرة فتراجع رافعاً يده:

ـ لازم تقبلي مساعدتي...ما راح تقدري تمشي بحالتك هاي لهونيك...

ردت بصوت جامد:

ـ ووينه ها الهونيك تبعك...؟

ـ أبعد بكتير من إنو حدا يلاقينا فيه...

التفت نحوه بصعوبه تحدجه بنظرة حذرة:

ـ بتقصد...إنون راح يدوروا علينا....

رفع أكتافه وأنزلهما:

ـ إيه طبعاً...خصوصاً بعد ما يخبرون مرسالي إني خاطفك....

شهقت مذعورة:

ـ شو...خاطفني...وليش ..

ـ ما تشغلي راسك بهيك شغلات...الشي اللي لازم تعرفيه إنك هلا يا سوريانا خطيفتي...بس اللي كانوا يهربوا قبلنا كانوا يهربوا ليتجوزا...أما نحنا ...اتزوجنا وبعدين هربنا....النتيجة واحدة...

ـ وشو راح يصير هلا...؟

 ـ هلا راح تمشي معي وبدون أي حوادث حتى نوصل لبيتي...

ودفعها حتى وصلت للجواد تقبلت على مضض مساعدته لتجلس على السرج ثم ارتفع بخفة ليجلس أمامها بعنفوان وكبرياء, حدجها بنظرة للخلف قائلاً بنبرة آمرة:

ـ إمسكي فيني بلا ما توقعي...

ردت بعناد:

ـ أنا منيحة هيك...

لم ترى نظرته الشريرة وهو يلكز الجواد بقوة لينطلق بسرعة اضطرت لتتمسك بصدره كيلا تقع على ظهرها مرة أخرى...

وضعت رأسها على ظهره متمتعة في الخفاء بقوته الظاهرة واحتمائها فيه أنعش بداخلها إحساس الأنثى ...أغمضت عيناها بقوة لتمتع بهذه اللحظات القليلة بعيداً عن نظراته المتهكمة ولسانه اللاذع, وعن كبريائها ...

عرفت بعد قليل أن من سيبحثون عنهما لن يجدوهما أبداً..فقد دخل الجواد في أماكن غير مطروقة...وظل يدور في متاهات في الجبل حتى توقف أخيراً أمام بيت خشبي صغير يرتكن في ظل هضبة ضخمة...نزل أولاً ثم مد يديه ليتلقفها...لم تجد مناصاً من قبول مساعدته هذه المرة...فقد كانت مشدوهة بالمناظر المحيطة بها...على مرمى البصر لا شئ غير الصحراء الصفراء برمالها الناعمة وجبالها الشاهقة وشمسها التي بدأت تتجه لتتوسط كبد السماء...ولا وجود لأي شجرة خضراء في مجال بصرها من جميع الاتجاهات:

ـ شو ها المزحة السخيفة هاي...؟؟ منو ممكن إنك تكون متوقع إني ...أعيش معك هون...لا...لا ....مستحيل...هادي أسوأ مزحة ممكن....

صوته الصارخ بغضب:

ـ سوريانا...اتطلعي بوشي شايفاني بتضحك شي....أنا ما بمزح معك....الزوجة بتعيش مع زوجا في أيا مكان...

ـ أنت زودتها كتير...

ـ بعدني يا بنت الناس...

كتفت يديها حول صدرها وأغمضت عيناها لحظة ثم فتحتهما لتسأله بنبرة مهتزة حاولت التحكم في نبرتها كي لا يظهر الخوف الذي يتملك منها:

ـ لإمتى....ممكن أعرف. ..لإمتى بتضل حابسني هون..

قلب شفتيه بامتعاض:

ـ للوقت اللي بدي...

ـ هاي الطريقة اللي بتفكر فيا ما بتفيدك...ولو نطحت راسك بالصخر يا فراس القاسمي ما حتقدر تاخد مني غير اللي أنا بدي أعطيك...

انحنى بسخرية متجاهلاً تحديها:

ـ اتفضلي يا عروس..بيتك...شكلنا مطولين هون 

أعدت جسدها عن ملمس يده مجفلة, وهي تدخل ولكنه لم يتبعها..من طرف عينها رأته يتجه للجواد ليؤمن مربطه...

رائحة التراب الذي يمتلئ به المكان زكمت أنفها....وزاد من احساسها بالغثيان خيوط العنكبوت التي تتدلى خيطانها من السقف لتعلق بوجهها وشعرها...

كانت تصارع خيوط العنكبوت عندما لحق بها وكاد أن يضحك من منظرها عندما التفتت له بعينين تقدحان شراً:

ـ شايفاك عم تتسلى..هاد منو ببيت هادي زريبة

رد كاتماً ضحكته:

ـ هيدا بيعتمد على سكان المكان...إنت شايفة حالك هيك..مين أنا لأعترض...

صرخت بغيظ وهي تلوح بقبضتها بوجهه:

ـ نظف الخرابة تبعك, بدي أرتاح بمكان...

تلفت حوله ليجد أن عندها حق من جوانب كثيرة, ولكنه رفع أكتافه وممط شفتاه:

ـ راح أنطرك برة لحين ما تروقي المكان...برتاح لي شوي, طول الليل ما نمت وأنا بنطرك يا خانوم...

اضطرت للحاق به بسرعة قبل أن يغادر وهي تصيح بشبه صراخ:

ـ إنت لوين رايح...أنا ما راح أمد إيديي لأنضف الزريبة تبعك...أنت بتحلم فراس بك..

رد متهكما يلوك الكلمات في فمه:

ـ متل ما بدك سورينا خانوم....واجبات الزوجة معروفة متل واجبات الزوج تماماً..الزوج بيوفر السكن والطعام...والزوجة بتنظف وتطبخ...وتـــ.. عمل أشياء تانية راح أبلش أعلمك إياها بعدين...

احمر وجهها بقوة وهي تتظاهر بعدم فهمها لكلامه, وكتفت ذراعيها على صدرها قائلة بصوت عالي النبرة أكثر مما أرادت:

ـ وبعدين...؟

تظاهر أنه لم يلاحظ ما اعتراها وأردف:

ـ في هاي الحالة...لما الزوج بيوفر كل شي, والزوجة تقصر بواجباتا...دور الزوج إنه يعلما..ويأدبا ...ويضربا لو احتاج الأمر...

رفعت حاجبيها باستخفاف بكلامه:

ـ ايه..وبعدين ...؟ ما خفت ...ما خوفتني...

اقترب بوجهه منها لتتعلق نظراتها بشفته المتورمة..ولكن صوته المحذر أعاد عيناها لتلتحما بنظراته القاتمة فأرعد جسدها وكأن الكهرباء مستها وهو يتمتم:

ـ راح تخافي يا سوريانا حتى من طلوع الضو...أنا خارج ولما تخلصي ناديني..

وقفت تعض على شفتيها بقوة وغيظ, ثم دقت بقدميها في الأرض...وضعت يدها على بطنها عندما أصدرت صوتاً نداء الطعام...فصاحت بصوت خفيض:

ـ يا ربي..شو أعمل...

التفتت تتأمل المكان حولها فلم يبدو بالسوء الذي ظهر أول مرة...كانت الغرفة عبارة عن مجلس عربي بسيط بوسائده المحشوة...وفي أقصى الزاوية كانت تقبع أرجيلة وبجوارها لوازمها من أكياس فحم وأوراق مفضضة...جعدت أنفها وكأن رائحة الارجيلة المطفأة وصلت إليها...سارت بخطوات وئيدة لتكتشف وجود باب آخر يفضي لغرفة أصغر حجماً مفروشة بالموكيت كالمجلس العربي, وفي الزاوية استند على الجدار لفائف الأغطية...تقدمت بضع خطوات لتكتشف باباً آخر, ندت عنها زفرة ساخرة عندما ذكرها المكان بمغارة علي بابا...كان الباب يفتح على حمام صغير بدائي ولكنه نظيف وموصول له أنابيب مياه, تعجبت من أين تحصل الأنابيب على مصدرها من المياه...فتحت الصنبور لتتأكد من وجود المياه الباردة غسلت وجهها مما علق بها من غبار لتنتعش...خلعت الحقيبة عن أكتافها وخلعت قميصها المتسخ والممزق نتيجة سقوطها....نظرت في المرآة لتفاجأ بمنظرها المزري...كما ظهرت العديد من الكدمات على أكتافها, وشعرت بالمزيد على ظهرها المتألم....

انتعشت بقدر ما هو متاح ثم ارتدت قميص آخر بأكمام طويلة..فكرت في ورطتها ولم تجد أن الاستسلام للواقع سيساعدها كثيراً...قد يكون فراس رجل جذاب, شديد الرجولة...خطير لو فكر بتسليط جاذبيته ليطيح بمقاومتها...احمرت وجنتيها بقوة عندما تذكرت إحساسها بقبلته قبل أن تقضم شفتاه بوحشية... إحساس لم يتمكن رجل من جعلها تشعر به من قبل..وهو تملكها من أول نظرة عند أول لقاء في خيمته في ذلك النهار القريب البعيد...

خرجت للغرفة...اتجهت للنافذة تفتحها واستغربت من نسمات الهواء الحفيفة التي طيرت خصلات شعرها الذي تركته منسدلاً على ظهرها...وقعت نظراتها على مقشة قديمة الطراز تنهدت بصعوبة وهي تفكر فيما ستفعل...ولم تجد مناصاً من تنظيف المكان الذي ستجلس به على الأقل...وبدأت بحمله التنفيض ولم تشعر بمرور الوقت عندما استلقت على الأرض منهكة ولاهثة, تطلعت حولها وأدركت أن النتيجة توازي المجهود المبذول...ولكن في المقابل اشتد جوعها وازداد معه عطشها خاصة بعد كمية الغبار التي استنشقتها...

دخلت الحمام الصغير مرة أخرى لتغتسل وتخلع ثيابها...نظرت للدوش بتحسر وتمنت لو تستحم, فهذا ما تشتاق له أكثر من الطعام والماء....خلعت ثيابها وتركت الداخلية فقط ...وراحت ترطب عنقها وأطرافها لعلها تشعر بتحسن...وفجأة تجمد كل عصب في جسدها عندما سمعت صوته المتهكم خلفها يهتف متهكماً:

ـ يعطيك العافية...

سحبت المنشفة بسرعة لتخفي ما استطاعت من جسدها ولم يكن كثيراً نظراً لصغر حجمها...وصاحت بوجه محمر من الإحراج:

ـ شو ها الغلاظة هاي...كيف بتتعدى على خصوصيتي بكل وقاحة...

كانت عيناه تجوب سيقانها الطويلة وصولاً لجسدها المختفي خلف قصاصة المنشفة باستمتاع:

ـ اتركي شغل الولاد الصغار هاد يا سوريانا...من حقك تتدللي وتخجلي...بس ما تزوديها عاد..وما تطولي لسانك..ما راح تحمل دلالك الزايد كتير...

التفت ليغادر الحمام وكادت تتنفس الصعداء عندما عاد مرة أخرى:

ـ أه بالمناسبة...جهزت لك الفطور...بس ميشانك عروس جديدة...

أخفضت رأسه بتهكم:

ـ كتر خيرك...مافي منك والله ...

...أسرعت بارتداء ثوبها الوحيد الباقي بحقيبتها...فكرت بأسى...كيف ستبقى بدون ملابس...كان الثوب يغطي لما بعد ركبتيها ولكن حمالاته الرفيعة الكاشفة عن مساحة كبيرة من الصدر...نظرت لنفسها بضيق في المرآة تشعر بضيق لم تعتده في الماضي عندما كانت ترتدي ملابس أكثر كشفاً لأنوثتها الطاغية...

كان ينتظرها في الغرفة النظيفة وقد افترش الطعام على صينية ذات أرجل قصيرة...أشار لمساحة من الأرض جواره:

ـ تعي سوريانا جنبي...

زفرت بقرف وهي تجلس في المقابل:

ـ أوووف ..إنتا ما بتمل...

رفعت زجاجة الماء تشرب بنهم حتى ارتوت...لم تلاحظ عيناه التي تابعت قطرات المياه تسيل على عنقها حتي توارت في عمق صدرها...

أنزلت الزجاجة لتفاجأ بعينيه المحدقتان برغبة لم يحاول إخفائها...

وضعت يديها على صدرها تزجره بارتباك:

ـ إنت عشو عم تتطلع....

قلب شفتيه باحتقار:

ـ بهيك تياب ما تتوقعي إن أي رجال ينضر لك بغير شكل...

ـ أحكي عن حالك وبس...مو كل الرجال متلك...

ـ متلي..؟؟ كيف يعني... ؟ من وين بتعرفيني أو بتعرفي رجال غيري..؟ 

ـ إيه بعرف..مافي أي رجال قابلته نضر لي هيك نضرات وقحة ...غيرك...

ـ أنا بنضر لحقي بالشرع والقانون..ومافي رجال غيري يحق له يتطلع لجسمك المكشوف بهيك تياب بدون حيا...

ـ مو أنا بس اللي لابسة هيك...كل البنات ....

صرخ بغضب أخافها:

ـ ما لي دخل بكل البنات...وإنت خلص صرت مرى متجوزة حاجة بقى هيك مساخر وتياب ما لا قيمة...إلا إذا لبستيا مخصوص من شاني..؟

صاحت بسرعة مدافعة:

ـ لأ...كل تيابي اتوسخت وما عندي غيرو..وكمان كل تيابي متله هيك...منو عاجبك ما تتطلع.....

ـ كلي فطورك يا سوريانا...حاجة حكي ما إله طعمة...من يوم ورايح ما راح يلمس جسمك إلا التياب اللي بشتريا أنا...

صاحت بعناد:

ـ بضيع وقتك ومصاريك...ما راح ألبسا...

نهض واقفاً معلناً قراره بصلف:

ـ حكمت على حالك تضلي هون لحد ما عقلك يرد لراسك...

نظرت للأكل وفجأة فقدت شهيتها...نهضت وفرشت الأغطية على الأرض واندست داخلها لتترك لدموعها العنان.....

"شو بك سوريانا....ليش البِكي والنواح...اوعك تفكري..اوعك تكوني متل ما بدو هاد القاسمي...كان معتز مناسب...متل ما بدك بيكون...أما هاد...والله ليسلخ جلدك وما بقى تعرفي حالك وقت ما تتطلعي بالمراية...عارفة بتشوفي مين....مرته لفراس القاسمي...وسوريانا الأكرمي اترحمي عليها...كانت بنية منيحة..بس ما إلا حظ"...

شهقت منتفضة من حلمها المزعج تتطلع حولها بذهول...كانت الغرفة أقل إشراقاً وقد بدأ الظلام يسكن أركانها...نظرت للنافذة فأدركت أن الشمس على وشك المغيب... نهضت تنفض عنها الكسل...استمعت...كان السكون والهدوء مزعجان...سارت ببطئ لتتطلع لغرفة المجلس..كانت نظيفة تماماً..يبدو أنه قضى وقتاً طويلاً في تنظيفها ..ولكن ...أين هو ...استمعت بالخارج ...ولكن ..لا شئ...بحذر تحركت ناحية الباب أطلت برأسها...على ضوء شفق الغروب الأحمر كان كافي لتدرك أن فراس لا أثر له...حاسة الأنثى بدأت تتوجس شراً....ازدردت لعابها بصعوبة وهي تغلق الباب وتحتمي خلفه من هواجسها...

مرت ساعة وتلتها أخرى وعم الظلام المكان...جلست في فراشها ترتعش أسفل أغطيته, خاصة عندما بدأت أصوات عواء ذئاب الجبل تتردد صداها في التلال المحيطة...وآلاف الأسئلة تحتشد برأسها قد يكون تركها لتتعلم الأدب...أو ربما ذهب ولن يعود إلا بعد أيام...وربما أصيب أو قتله ذئب...ولن يعود ولا يعرف غيره هذا المكان...أغمضت عيناها تحاول تهدئة نفسها..."اهدي سوريانا,ما راح يصير شي...مو هو بيقول أني مرته..ومافي رجال بيترك مرته ويفل هيك....ايه يمكن بيلعب بأعصابي...والحين...بيرجع.."

بدا لها أنها تستمع لصدى كلماتها السخيفة وتضحك من سخافتها...

مر وقت طويل قبل أن تسمع لأصوات حوافر الجواد..

أخذت أنفاس عميقة وراحة منعشة بعد توتر وقلق...وضعت رأسها أسفل الغطاء تدعي النوم العميق...خيل إليها أن وقتاً آخر طويلاً مر قبل أن تسمع أصوات أقدامه تقترب من الغرفة...ويفتح الباب...وصوتاً يناديها...صوتاً غريباً أجش...ليس كصوته القوي الممتلئ ثقة وهيبة...

ببطئ أبعدت الغطاء عن رأسها

وتطلعت للقادم...وشهقت برعب شديد....

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-