أخر الاخبار

قصة قصيرة "خلف الاسوار " بقلم اسماء ندا

 قصة قصيرة  "خلف الاسوار " 

قصة قصيرة  "خلف الاسوار " بقلم اسماء ندا


قصة قصيرة  "خلف الاسوار " 

الكاتبة اسماء ندا

تجلس فى اخر حافلة رمسيس التى انطلقت من منطقة الهرم وهى تضم حقيبة سوداء عليها بعض اثار الدماء الجافة، تحتضنها بقوة وعينها تذرف الدموع، شعرها الاسمر مبعثر حول وجهها يتسلل من اسفل تلك الطرحة الملقي على راسها بإهمال، تتحدث بهمس الى نفسها،وهى تردد (اخبرته مرارا ان لا يكرر ما يفعله، ان يتوقف عن ضربي، انى لم اعد احتمل ما يقوم به خاصة بعد ان فقدت طفلى الذي كان ينموا فى احشائى لكنه لم يستمع، كان على فعلها، لم اجد حلا اخر، لا استطيع الفرار منه، فالعودة الى اهلى لا تفيد فهم يعيدوني إليه، لا يستمع منهم احد لى، لم يعد امامى اختيار ) اقترب منها قاطع التذاكر، لمحته ومدت يدها واخرجت من الحقيبة بعض الجنيهات التى لاحظ عليها الرجل اثار دماء حديثة فقال متعجبا 


-ما هذه الدماء؟ هل يوجد لحم بالحقيبة 


ارتعشت فى اجابتها وبصوت خافت قالت :- نعم راس خروف، سوف اعطيه الى الجزار كى ينظفه لى 

هز الرجل راسه بعدم اهتمام وعاد لقطع التذاكر للاخرين، وهى نظرت إلى داخل الحقيبه وهمست (لماذا لم تتوقف؟) ادمعت عينها وهى تتذكر قبل زواجها كانت مجرد طفلة ذات الخامسة عشر عام تذهب الى المدرسة الثانوية المجاورة لبيتها، كانت الفتاه الخمسة، اكبر اخواتها الفتيات، توفى والدها قبل نتيجة امتحانات الصف الثالث الثانوي، ومع الوقت لم تستطع امها جعلها تلتحق بالكلية رغم انها كانت من الاوائل، كما قررت ان تزوجها هى واختها فلم تعد تستطيع ان تصرف عليهم وعلى اخوتها الثلاثة الاخريات.


كانت اختها الاصغر منها ذات حظ اوفر فقد تزوجت من رجل عربى من السعوديه وسافرت معه، اما هى فتزوجت بعدها بشهر واحد من ذلك المكانيكي صاحب الورشه المجاورة للبيت، رجل فى الاربعين من العمر، ارمل وليس له اولاد، ورغم فارق السن لم تهتم والدتها فقد تعهد لها بان يصرف على دراسة أخوتى الصغار بل وسوف يعطيها هى نفسها مصروف للمنزل كمساعده منه لها ويعتبر هذا مهرا لى ، وفى المقابل لن يحضر ذهبا وسوف اسكن معه فى شقة فى منطقة الهرم بعيده جدا عن المنطقة وقال لامى وقتها انه سوف يفتتح ورشه هناك و يغلق الورشة التى بجوار بيت امى. 


مر عام كامل بعد زواجى منه ، كان يحبسنى بالشقة فى غرفة فارغة من الاساس بعد ان يغطى الارض بمكعبات الثلج، وان اعترضت او اخطات باى شي من وجهة نظرة كان يضربنى ضربا مبرحا، ممنوع ان اجلس معه على الطاولة، ممنوع ان اكل قبله او معه فقط اكل ما يتبقى منه من فتات الاكل، ممنوع ان انظر من النافذة، او حتى افتحها ، ممنوع ان انير الشقة ليلا بالايام التى لا يتواجد بها فى الشقه، كان يتركنى بالاسبوع  دون طعام، وان طلبت ان ارى امي واخوتى او احدثهم حتى على هاتفه، يضربنى حتى افقد الوعى. 


اتذكر بعد مرور ٦اشهر  من عامي الثانى معه، شخص ما اتصل به واخبره امر اغضبه فاسرع بالخروج من البيت وقد نسي ان يغلق الباب كعادته، استغليت الفرصة وهربت من الشقه، استطعت السير من منتطقة الهرم الى بيت امي فى حى .......، لقد سرت على قدمي اكثر من ساعة ونصف او من الممكن ان يكون اكثر من ذلك لا اتذكر، وعندما وصلت إلى بيت امى كى استنجد بها، غضبت منى، حتى بعد ما اخبرتها بما يفعله بى، وقالت انه زوجى ويحق له اعادة تربيتى ان اخطات واننى يجب ان اتحمل زوجي وظروفه وان خروجى من منزلى وعودتي لها خطا كبير، اخذتنى من يدى  وركبنا سيارة اجرة واعادتنى الى منزله مرة اخرى، لم تعطف على، لم ارى بعينيها اى ندم، اغلقت الباب وتركتنى مرة اخرى فى بيته، لم اتحمل ما فعلته امى بى، مرضت ولم اعرف كم من الوقت مر وانا ارتعش على الارض، جاء هو الى البيت  حملنى كن الارض ثم وضعنى على الفراش  وذهب. احضر طبيبا، وبعد لحظات اخبرة الطبيب انى احمل فى احشائي طفلا واني احتاج الى رعاية اكثر وانى اعانى من الانميا، بعد ان رحل الطبيب اعتقدت انه تغير ، اعتقدت انه سوف يفرح لانى احمل طفله فى احشائي، لكنى كنت مخطأه،


اسبوع كامل من العذاب، ضرب ، اهانه ، تجويع ، لا اعلم السبب الى ان فقدت الجنين، توقف لفترة عن ايزائى، بل اصبح يحضر لى ملابس جديدة، واطعمه جميلة، حتى انه احضر لى كراسة رسم والالوان لانه يعلم انى احب الرسم، ولكن ذلك لم يدوم كثيرا على اى حال، فقط شهر اخر  وبعد ان اصبحت بصحة جيدة عاد كما كان، من ضرب واهانه وحبس بتلك الغرفة .


صرخت به كثيرا طالبه منه ان يتوقف، اننى لن اتحمل اكثر ، لكنه لم يستمع ، لم يفهم ، وذات يوم جاء ومعه صديق له  وهذه كانت اول مرة يفعلها، وحضرت لهم الطعام  وبعض المشروبات ثم دلفت الى غرفة النوم واغلقتها ، بعد قليل جاء لى واخبرنى ان اخرج واجلس مع صديقه وانه سوف يخرج ويعود فى اليوم التالى، صرخت به باننى لن افعل، ضربنى وخرج الى صديقه سمعت ما دار بينهم من حديث وان صديقة سوف يذهب ويعود غدا بعد ان يقنعنى زوجى، كنت على يقين انه سوف يعذبنى جتى اوافق على فعل ما يريد، ولم يخيب ظنى.


بعد ان رحل صديقه  عاد الى الغرفة وضربنىوحتى فقدت الوعى، لا اعلم كم من الوقت مر لكن عند افاقتى كان هو نائم على الفراش، لم اشعر بنفسي الا وانا اذهب الى المطبخ واحضر سكينا، ثم اعود اليه واضربه بقوة لا اعلم من اين اتت؟ ثم فصلت راسه عن جسده، وجلست فوق الارض انظر له لا اصدق ما فعلت، وعند شروق الشمس دلفت الى المرحاض و ابدلت ملابسي  ثم خرجت وضعت طرحه على راسي، ثم جذبت راسه ووضعتها فى حقيبته الجلدية السوداء،واخذت الاموال التى كانت على الطاولة خارج الغرفة، ثم خرجت لا اعلم الى اين اذهب.


انتبهت من ذكرياتها على صوت بائع التذاكر 


"هيا يا انسه، لقد وصلنا رمسيس"


نظرت للرجل وقالت "هذه اخر محطة "


" اجل" 


خرجت من الاتوبيس ونظرت حولها وهي تفكر ماذا تفعل، لن تستطيع الذهاب الى ولدتها، ولن تعود إلى ذلك البيت مرة اخرى، ماذا تفعل بتلك الراس التي فى الحقيبة، استمعت لصوت لبعض المارة من جوارها يقول 


"هيا ، سعاد سوف نتأخر على قطار اسكندرية، هيا " 


رددت بينها" اسكندرية ، بحر كبير ، لن يجده احد" 


ذهبت مسرعة خلف ذلك الرجل وزوجته  ثم ركبت القطار معهم  وبعد دقائق تحرك القطار ، جلست هى علىةالارض بين عربيتى القطار بجوار الباب وبعد قليل جاء مصحح التذاكر وطلب منها تذكرة، تصنعت البحث وقالت 


"لم اعثر عليه، لقد وقعت منى ، هل يمكن ان تعطينى تذكرة اخرى "


"سوف تكون غاليه "


" كم المبلغ" 


"..... جنيها"


"حسنا ، امسك ها هو " 


" جيد، انهضى واجلسي على ذلك المقعد  لحين مجئ صاحبه " 


نظرت بتكاسل الى المقعد الذي يشير إليه،ثم اخبرته 


"شكرا لك ، لكن هنا لن ياتى من يطالب بمكانه، وانا سوف انام قليلا ولا اريد احد يزعجنى، سوف اظل بمكانى شكرا لك"


 اوما الرجل بتفهم و تركني وذهب حتى يحصل باقى تذاكر ركاب القطار، عند وصولي الى الاسكندرية وبعد خروجي من المحطة  نفسها توجهت مباشرة الى اقرب شاطئ به قوارب الصيادين، كان الوقت بعد غروب الشمس، وهذا ساعدنى فى التخفى بين المراكب، حتي اختفى اصوات الحراس ومن كانوا يمرون بجوار المكان، تسللت من بين مركبتين كانوا فوق الشاطئ للصيانه او تحت البناء لا اعلم،  كنت قد جلست اسفل احداهم حتى اقتربت من المياة ثم مددت يدى داخل الحقيبة واخرجت حقيبة بلاستيكية من داخلها يوجد بها الراس ووضعت بعض الحجارة الثقيلة داخل الحقيبة البلاستيكية بجوار الراس ثم دفعتها الى الماء.


وقفت قليلا انظر الى الحقيبة البلاستيكية وهى تغرقاحل المياة ثم جمعت بعض الحجارة مرة اخرى ووضعتها داخل الحقيبة الجلد حتى اصبحت ثقيلة ودفعت بها هى الاخرى فى الماء، وبعد فترة قليلة تسللت من بين القوارب مبتعدا عن الشاطئ ولكن لاحظت وجود  قارب صغير يركب به بعض الرجال الذين يحملون حقائب ويظهر على مظهرهم انهم شوف يرحلون بهذا القارب، اسرعت وصعدت داخل القارب معهم فنظر لى واحد منهم وقال 


"الى اين تذهبين؟ هل معك اوراق سفر؟"


صاح  شخص اخر " يكفى هذا العدد اصبروا سوف نعود بعد قليل" 


ودون ان اتحدث تحرق القارب مبتعدا عن رصيف السفن ، حتى وصل الى مركب  متوقف فى عمق قليل داخل البحر، تركنا القارب وصعدنا فوق سطح المركب، ثم انطلق القارب عائدا، ابتعدت عن الرجل الذي كان سالنى وجلست بين مجموعة اخرى وحاولت ان اخفى وجهي بتلك الطرحة التى كانت على راسي ، مر وقت كبير ياتى به القارب ببع الاشخاص ثم يعود ليحضر اخرين، وبعد ان امتلأت المركب بعدد كبير جدا ، بدات بالتحرك ، لا اعلم الى اين؟ ولا اعلم ماذا يخبأ لى المستقبل، لكنى شعرت ولاول مرة بعد ما يقارب سنتين انى استطيع التنفس.


بعد عدت ساعات تم محاصرة المركب  بعدت مراكب خاصة بخفر السواحل والقاء القبض على كل من بالمركب وعندما سالنى احد الضباط لماذا كنت اريد ان اهاجر غير شرعى؟ اخبرته انى لم اكن انوى الهجرة وكنت اعتقد ان المركب ذاهبة الى مكان ما للصيد فتسللت بينهم كى ارى ماذا يفعل الصيادين، ضحك الضابط ومن معه وصدق ما قلت خاصت انى لم اكن امتلك اى اوراق مثل باقى الرجال المتواجدين وان مظهرى لا يوحى باننى كنت انوى السفر، ولكنه عاد وسالنى عن تلك الدماء التى يوجد اثر لها فى اكمام عبائتى، واخبرته دون تردد ودون خوف او قلق فانا لا اريد العودة الى منزل امى، اخبرتة


"لقد قتلت زوجى ، وقطعت راسه والقيت بها فى البحر منذ قليل" 


فى بادي الامر ضحك الجميع ولكن توقفت ضحكاتهم عندما لاحظوا اننى لم اكن امزح ولا يظهر على ملامحى اى شكل من اشكال المزاح. 


تم احالتى الى القضاء، وها انا خلف الاسوار امام القاضى، قصصت عليه ما حدث وانتظر الحكم


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-