أخر الاخبار

رواية شيزوفرينيا بقلم أسماء ندا الفصل الرابع

رواية شيزوفرينيا

رواية شيزوفرينيا بقلم اسماء ندا 

الفصل الرابع


 
امام بيت من الطراز الحديث فى مجمع فلال خاص بالطبقة الغنية تتوقف السيارة ويسرع الخادم  بالخروج من الفيلا  وفتح باب السيارة المجاور لمالك المنزل، الذي يخرج من السيارة ويلتف حولها وهو يربط زر البدلة الخاص به ثم يفتح بابا السيارة المجاور ل نيروز وهو يشير للخادم بأخذ حقيبة السفر من حقيبة السيارة، تمسكت  بذراعه  وهى تنظر إلى البيت ثم قالت بعد ان تنهدت

"عملت ايه لما صحيت ملقتنيش يوم ما سيبتك فى المطعم "

"اه، كان يوم مؤلم جدا، فضلت اسبوع اراجع كل كلامنا سوي عشان  اعرف بس ايه خلاكى تختفي كده حتى من غير وداع"

" ووصلت لايه "

" انا غلط لما حاولت اقرب منك وانت لسه مش عارفه تثقى فيه، كان المفروض استنى لحد ما انتى ما تكونى جاهزة نفسيا، المهم دلوقتى عرفينى عملتى ايه مع جوزك لسه برده مش عايز يطلق غير لما تتنزلى " 

"لسه، بس خلاص قريب جدا هيطلق برداه كمان"

"مش فاهم وضحي اكثر"

" اوف بقى يا ريك، انا جايه من سفر وتعبانه "

" تمام، نتغدى سوى ولا تحبى تنامى شويه الاول "

" امممممم، لا انا مبسوطه مش عايزه انام، تعالى نقعد عند البوول  شوية وناكل حاجة خفيفة، ونتكلم حليت المشكله اللى فى شغلك ولا لا "

" تمام ، بس بشرط، مافيش ماجى الفترة اللى هتكوني فيها معي"

" اصلا انا هرجع الولاية …. النهارده بالليل عشان اروح ازور جوزى عزيزى فى المستشفى "

"ايه ، المستشفى، ايه اللى حصله، وكمان هتسافرى وتبعدى تانى"

"هبدل هدومى وتكون حضرت حاجة خفيفة بايدك يا قلبى  وبعدين تحكى لى وانا احكى لك "

تركته يبتسم خلفها فهو يعشق كلتا الشخصيتين بها، حتى والدتها لا تعلم ان اليز وماجي كلتاهما   كانتا متواجدتان  منذ ذلك اليوم،  هو فقط الذى يعلم أيهما الأصل وأيهما الشخصية المنبثقة من الألم  الناتج عن غدر الأب و عن ألم فقدان الأمان والروح  فقد كان متواجد حينما غادر ذلك المجرم المقنع مع والدها من البيت، فأسرع بالدخول ليجد الفتاة تنزوى فى أحد أركان الغرفة  ممزقة الملابس تبكى فى هلع والدماء تغطى الفراش و جزء من ملابسها.

امطرت ذاكرته بمشاهد ما حدث وكأنه يحيي فى تلك الذكريات،عندما راى صديقته الصغيرة  منطوية بجانب جدار الغرفة ،تلك الطفلة الشجاعة التي لا تهاب شئ  ترتعد كالقط الغريق، اقترب منها  على مهل ثم مد يده فابتعدت بصراخ 

"لا، لا، كفايه  بتوجع، بابا حرام عليك ابعده عنى، بابا انت ليه واقف بتفرج، بيوجعنى يا بابا" 

" أهدى نيروز خلاص هو مشي "

" انت مين، انا ماجى مين نيروز، هو الوحش خلاص مشي وخد بابا معاه، طب ماما ليه مش بتصحى هو. الوحش قتلها"

وقف اريك واقترب من والدت نيروز الملقاة فوق الأريكة ثم وضع يده فوق رقبتها يتحسس النبض، ثم عاد مقتربا من صديقته وقال 

" انها نائمه، لا تخافى، يجب ان نذهب للطبيب "

صدح صوت الأب وهو يدخل من باب البيت   " نيروز انسى اللى حصل، كل اللى حصل كان عادى، تعويره صغيره و تخفى، وبعدين شوفى الراجل ادانى فلوس كثير اذاى، هجيب لك لعب كثير"

كان اريك يشعر بالغضب الشديد من ذلك المجرم الذي لا يبالى بما تشعر به صديقته الطفلة التى تدمرت  حياتها، فعندما اقترب منه والد نيروز وهو يقول 

 "وانت اطلع بره وارجع عند ابوك وياك تفتح بقك ده بحاجه" 
  
هجم  عليه بكل قوه وظل يتبادل معه الضربات، اجل هو شاب صغير بالنسبة لوالد نيروز لكنه شاب رياضى ويستطيع المراوغة والهجوم، أثناء اشتباكهم سقط والد الفتاة مدرك بالدماء بعد عدة طعنات تلقاها فى الظهر، نظر اريك إليه وهو يهتز ويموت ثم نظر إلى صديقته الواقفة تنظر إلى والدها بوجه ممتلئ بالجمود دون مشاعر، وتلك السكين المتساقط منها الدماء فى قبضة يدها، وقال 

" طيب  ، نيروز او ماجى  اى يكن  انت مين فيهم، ادينى السكين ده ، لازم  نفكر ازاى نتخلص منه قبل ما تصحى امك"

نظرت له للحظات ثم قالت " نحطه فى العربيه ونغرقه بالخمرة وبعدين نرميه من فوق المنحدر، مش انت بتعرف تسوق "

وقف اريك  ينظر لها بذهول ويتساءل  " انت مين، نيروز حبيبتى الصغيرة راحت فين، الافكار دى جت منين "

" انا نيروز، والفكره شوفتها فى فيلم، وبعدين هو اللى خلانى كده، هو مدافعش عنى، هو اللى وقف يتفرج وكتفني فى الاول عشان الراجل اللى كان معاه، ده كان بيقولى هيجيب غيره ونجيب فلوس كثير وان المرة دى بس اللى بتوجع بعد كده مفيش وجع، كان لازم يموت انا مش عايزه حد يعمل فيه كده ثانى" 

" طيب، يلا بسرعه نعمل اللى انتى قولتى عليه قبل ما امك تصحى "

" امسك ألبس الجوانتى ده الاول ، واللبس بالطو المطر "

"بس الدنيا مش بتمطر"

" عشان لما تشيله هدومك مش يجر فيها دم "

" اه صح، انت متاكده انه كان فيلم يا نيروز " 

بعد ان أرتدي البالطو والقفازات حمل ارك جثمان والد نيروز ثم وضعه فى السيارة  أمام  عجلة القيادة ثم جلس فوقه ليقود، وجلست نيروز فى الخلف تحمل الكثير من زجاجات الخمر، وعندما وصلوا إلى المنحدر خرج من السيارة   وخرجت نيروز تفرغ الزجاجات فوق الجثمان ثم تلقى بها فوق المقعد الذي بجوار السائق، بينما وضع اريك  عصي عند قدم الجثمان وغطاها بالخمر ايضا، وبعد ذلك  أشعل العصي بالنيران ودار السيارة على القيادة الأوتوماتيكية  وخرج مسرعا واغلق الباب وذلك  بعد ان وضعت نيروز  عند حساس الطريق قطعة من الحجر الاسمنتي فلا يتحسس  المنحدر، فانطلقت السيارة  وسقطت من المنحدر وسرعان ما اشتعل جثمان والدها ثم بدأت السيارة بالكامل بالاشتعال.

أثناء ذلك كانت نيروز و اريك قد فروا هاربين من المكان وقد تخلص اريك من البالطو والقفازات فى اقرب سلة المهملات على الطريق العام وبعد فترة من السير أوقفوا سيارة  نقل كانت تمر بجوارهم ثم عادوا إلى منزل نيروز، ودخلت نيروز ونامت فوق الفراش وكأنها لم تفعل شئ، بينما اريك ذهب إلى حفل صديقه وتشابك فى عراك مع أحد الموجودين ليثبت أنه كان فى الحفل بل ازداد الشجار  حتى جاءت الشرطة واحتجازهم.

افاق من شروده على صوت نيروز الاتر من نافذة إحدى الغرف 

" اللعنه عليك، يا اريك ، انت لسه واقف عندك انا خلصت ونازله" 

رفع نظره لها وابتسم قائلا " انزلى وكل حاجه هتكون جاهزه فى ثوانى "

اسرع الخطى وهو ينزع ملابسه  ويلقى بها فى الاجواء والخدم يسرعون بجمعها وهو يتوجه إلى المطبخ، أخرج  زجاجة العصير ثم جذب بقدمه عربة المأكولات التى كانت الخادمات وضعوا فوقها أطباق الفاكهة ، وعدة أنواع من المعجنات الايطالية التى كان قد أعدها هو بعد ان اتصلت به لتخبره بقدومها، ثم وضع الكؤوس داخل العربة وصاح بالموجودين

" الكل ينصرف دلوقتى، مش عايز حد فى القصر قبل الساعة عشرة مساءا مش  عايز اشوف خيال حد فيكم، قولوا للسواق يكون هنا تسعة ونص، بسرعه امشوا كلكم اجازه "

انصرف الجميع، كانت نيروز تتابع حركت الخدم المسرعين بالانصراف وهى تهبط الدرج وتبتسم  على صوت اريك الصارخ بهم، توجهت إلى أبواب حمام السباحة الداخلى، ولقد كان اريك قد سبقها الى الداخل و وقف بجوار عربة المأكولات يفرغ بالكؤوس بعض العصائر، التفت على صوت ضحكاتها وقال 

" يا ربى، بتجننيني بالبكينى، لو ما كنتيش  بتحبي امك كنت قتلتها عشان حرمتنى منك وجوزتك الغنى ده "

اقتربت منه بدلال ثم وضعت كفها فوق صدره والكف الاخر أخذت كأس العصير منه  وقالت 

" اللى  حصل خلص وانتهى، وبعدين هى برده السبب انك توصل للغنى اللى انت فيه ده متنساش، انت عشان تثبت لها انك هتكون اغنى من دانيال سيبت احلامك وجامعتك واشتغلت فى المصارعة الحرة وبعدها التمثيل واهو دلوقتى انت اشهر ممثل وافضل مصارع "

"مش كفايه انت مش معايا"

"اوف اريك، انت الوحيد اللى بظهر معاك فى الاعلام وصداقتنا العالم كله يعرفها حتى دانيال مقدرش  يفرقنا"

" اها، ماجى الطيبة الوفية صديقه المصارع الشهير وزوجة رجل الأعمال دانيال، لا عزيزتى، انا اوريد ان يكتب فى الاخبار نيروز صديقة وحبيبة  اريك الشهير  وزوجته مع أبنائهم"

"قريبا، جدا جدا "

" كل مرة بتقولى كده، وبعدين اخبت فى اليز "

"انا و اليز واحد، ماجى هي الضيفة او الوجهة امام العالم"

" بس  انا عايز  نيروز و ماجى، وتنتهى مغامرات اليز  الاسم المستعار بديل نيروز"  

اقترب منها جاذبا اياها من خصرها الى صدره وقال " امتى بقى هيسمح الشهد بقربى"


دفعته ليسقط فى الماء  خلفه وهى تضحك وتقول " ما قولت. قريب يا اريك، خلينا نسرق  بعض الوقت مع بعض بقى "

ثم وضعت الگاس على الطاولة  وقفزت الى الماء بجواره متناسية من هى وما الوقت والماضى  والحاضر وعادت إلى تلك الطفلة التى انتهت او توقف بها الزمن بدخول والدها بهذا الوحش المقنع الذي لا تعلم حتى شكل ملامحه الى  غرفتها الصغيرة"

داخل مستشفى الحى الراقى  فى ولاية (…… ) تعم الفوضى أرجاء المكان، ويهتز جسد دانيال من تأثير صدمات الكهرباء المتتالية لاعادة نبضات قلبه التي توقفت  بشكل مفاجئ، لكن سرعان ما عاد مرة اخرى للحياة، وفتح عينيه بقوة ثم هدأ جسده  واستقرت نبضات القلب، فأغلق عينيه  لكن ذاكرته لم تتوقف عن العودة بالزمن عدة سنوات حيث كان متواجد بملهى ليلى للقمار وكان الفوز حليفه ذلك  اليوم وقد خسر أمامه رجل فى أوائل الثلاثين من العمر يدعى فيليب، وقد خسر بمبلغ كبير تعدى الآلاف من الجنيهات  حتى انه لم يكن هذا الرجل معه ما يدفعه مقابل الخمر الذي شربه، فكان السجن سوف يكون مصيره الأبدي ف دانيال لا يتنازل عن سنت واحد لأحد.

وقف فيليب امامه بجسد مترنح من كثرة الخمر وداخله  يتأكل من الخوف،لا يريد ان يكمل ما تبقى من عمره  يتعفن داخل السجن، لا يعلم ماذا يقول او يفعل حتى يقنع دانيال إمهاله بعض الوقت كي يجمع له الأموال، سمع صوت يهمس له

" أنت عندك زوجة جميلة  والسيد دانيال بيعشق الجمال ليه ما  تخليهاش تقضى بعض الوقت معه فى مقابل الفلوس اللي عليك"

"بس هى  مش هتوافق، ومين قال انها لازم توافق ، جبها انت بس هنا بكرة وسيب  الباقى لى"

وقبل أن يجيب استمع فليب الى حديث شخصين  على طاولة مجاورة 

الشخص الأول "  دانيال عايز طفلة عمرها ما بين التاسعة والخامسة عشر،  و هيدفع مليون دولار مقابل ساعة واحدة"

الشخص الثانى" مليون دولار؟!  المبلغ قليل، انت  فاهم  انى هاختطف طفله، من الممكن يتقبض عليه، لا ، المبلغ  ميستحقش المغامرة، بس  ان كان عشرة ملايين، يمكن اتجاوز خوفى من السجن"

لم يمهل فيليب نفسه الوقت للاستماع باقى المحادثة ونظر إلى  دانيال الذى كان ينهض ويستعد للانتقال إلى طاولة أخرى وقال وهو يخرج صورة ابنته

" انا عندى طلبك سيد دانيال، بص در بنتى  نيروز، ما فيش   فى جمالها فتاة ثانيه، فهى شبه امها المريضة"

دانيال عاد ليجلس مرة اخرى، ثم امسك صورة الفتاة التي كانت قد اخذت لها على الشاطئ، وهى تضحك وتلعب بالرمال، تبسم دانيال وقال

" هى مقابل الفلوس اللي  عليك"

" لا، كده قليل، بص كويس ، شوف اذاى بريئة، و لو  عرف رجال  البوليس  باللى هعمله   أتسجن لاخر عمرى "

"عايز كام؟"

" اممم، فوق الفلوس اللي عليه ثلاث ملايين دولار بس"

" تمام، بس تكون لى الليلة و بكرة تاخد فلوسك"

"الليلة! بس ازاى اتخلص من امها؟ "

"مش مشكلتى  دى مشكلتك انت "

" طيب  سيبنى   نصف ساعة وهرجع… "

" لا، نروح  سوي ل بيتك وهستنى انا  النصف ساعة فعربيتى "

"طيب،  موافق، بس نعدى على صيدليه الاول اجيب منوم"

" لا، انا عايز البت صاحيه "

"بس كده هتصرخ. وتلك الجيران"

" هكتم بقها مش هتعرف تصرخ، ملكش دعوي"

"خلاص هنيم امها بس "

"ماشي، يلا قوم"

بعد ما يقرب من ساعة توقف دانيال بسيارته بجوار بيت بسيط البناء فى حى يعتبر فقير نسبيا، تركه فيليب ودخل ذلك البيت، استمع دانيال لصوت زوجة فيليب وهى تصرخ به لأنه جاء فى وقت متاخر وايضا سكير، وبعد دقائق هدأ المنزل بشكل غريب ثم انطفأت الأضواء كان من بالمنزل قد استعدوا للنوم، مر ما يقرب من العشر دقائق وخرج فيليب وشاور له، وضع دانيال ماسك على وجهه حتى يخفى ملامحه ثم خرج من سيارته ودخل الى المنزل بعد ان نزع حزام البنطال فى يده.


فتح دانيال عينيه بقوة وهو يحاول ياخذ انفاسه المتلاحقة فاجتمع الأطباء حوله مرة أخرى خشية ان يتوقف قلبه، نظر دانيال الى الطبيب وقال 

" فين  زوجة فيليب؟ فين هي؟"

"ما فيش حد بره فى الانتظار، اللى كانت هنا والدة مراتك بس هى مشيت  من  فترة،  هنتصل بيها"

" انا فين، لا ،لا، ما تتصلش، مش عايز اشوف حد، اقولك اتصل بالمحامي ديفيد ماكرون، خليه يجى بسرعة"

بعد ان اطمان الطبيب من استقرار حالة دانيال  تركه كى يذهب لينفذ طلبه بالاتصال بذلك المحامى، اعاد دانيال راسه للخلف،ثم همس لنفسه 

"انا صلحت غلطتى واتجوزتها، ليه بقى مش عارف اخرج من الليلة دى، اللعنة عليكي يا فيليب  مكنش لازم امها تفوق  يومها وتشوف وجهي، كان لازم اقتلها وقتها، فيليب الغبي لو مكنش مات كنت حرقته بايدى "


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-