ايفلين
رواية ايفلين بقلم اسماء ندا
الفصل الخامس
"كنت براقبها وهي فاقدة الوعي، بدأت تفوق واحدة واحدة، الأول هزت كتافها، وبعدين فهمت إن إيديها مربوطين ومش عارفة توصل لهم، وقتها، الخوف مسكها رفعت راسها فجأة، وشعرها الأسود اتفرش وراها، وبدأت تنهج جامد، زي القطة المحبوسة في قفص، قعدت تشد في الرباط، وتتلوى يمين وشمال، وعينيها بتدور في الأوضة الضلمة، استنيت لحد ما عينيها البنيين اتملوا دموع، وبعدين نورت اللمبة الصغيرة اللي على المكتب جنبي وقلت
"إيفلين"
صرخت على طول، ورمت راسها لورا، وعينيها وسعت أوي، كأنها هتطلع من مكانها، "أرجوك! أنا معملتش حاجة، أقسم بالله، معنديش فكرة عن أي حاجة، أرجوك سيبني أمشي أرجوك، أرجوك، أنا آسفة!"
لما عينيها وقعت على المسدس اللي كان على رجلي، صرخت اكثر وبعدين سكتت من كتر العياط، أيًا كانت، البوليس فاكر إنها مهمة، يعني لازم أتأكد من ده، لو ليها قيمة، هتعيش، ولو ملهاش، هقتلها وأروح على اللي بعدها، وبعدها، وبعدها، لحد ما اللي قتل أخويا يقف قدامي بيتوسل على حياته زيها بالظبط.
"اسمك إيفلين موريس عندك أربعة وعشرين سنة، عايشة لوحدك في شقة وسخة مينفعش يعيش فيها سنجاب، مامتك، إيمي، عايشة لوحدها من ساعة ما أبوكي مات من تمن سنين، بقالك سنتين بتنضفي فندق صن ست، أنتِ سنجل، معندكيش حيوانات أليفة، وبتاكلي في نفس المطعم الفيتنامي كل جمعة."
قعدت أقولها كل اللي عرفته عنها وهي فاقدة الوعي، ومع كل كلمة، إيفلين بتهدى، الخوف اللي عندها بيتغير، شفته في عينيها، لحظة ما الخوف الأعمى اتحول لرعب بارد، زي المفتاح اللي بيتلف في دماغها، فجأة سكتت.
"عرفت كل ده ازاي؟" إيفلين بتنهج، وبتبل شفايفها بلسانها، والدموع نازلة على خدودها كملت "انتو مين؟ بوليس؟ دي خدعة تخويف ولا إيه؟"
"أنا مش بوليس" وقفت بالراحة، وعينيها على المسدس اللي في إيدي. "بقولك إني عارف كل حاجة عنك عشان تفكري كويس قبل ما تجاوبي على السؤال اللي جاي."
قربت منها بسرعة، وعديت إيدي على شعرها الأسود ورفعت راسها لورا، بالإيد التانية، المسدس اتحط بالراحة على عظمة الترقوة، وإيفلين طلعت صوت أنين خوف، والدموع نزلت أكتر على رموشها السودا.
"معرفش حاجة،" همست، وهي بتترعش زي ورقة شجر فى مهب ريح "أرجوك، معرفش حاجة، أنا ولا حاجة، أنا مش مهمة!"
"من تسع ساعات، لقوا جثة في الفندق اللي بتشتغلي فيه، عايز أعرف إيه اللي شفتيه"
"إيه؟ الجثة؟" رعشتها خلت كلامها متقطع، وبقها مش عارف يتكلم، ضغطت على شعرها أكتر، ورفعت راسها لورا أكتر، لحد ما طلعت صوت ألم من زورها.
"مش هسألك تاني، احكيلي عن الجثة."
"معرفش حاجة عن الجثة، جثة؟ الجثة... معرفش، خلاص! كانت جثة، كان ميت في البانيو، والدم في كل مكان، وحلقه مقطوع، وده كل حاجة، خلاص؟ ده كل حاجة، أقسم بالله، مفيش حاجة تانية. أنا مكنتش أنا. أنا لقيته بس!"
حلقه مقطوع ؟!
سبتها ومشيت، بالعافية سمعت شهقاتها المرعبة، ووصفتها بيدور في دماغي زي السم، اتلفت الأسلاك حوالين قلبي، وللحظة، مفيش جوايا غير الألم، عايز أصرخ وأزعق، عايز أضرب بإيدي لحد ما كل غضبي يروح وميبقاش غير فراغ، مش قادر، بس والله عايز.
"حلقه مقطوع؟"
"أيوه!" إيفلين صرخت "كانت حاجة تقرف، وده كل اللي شفته، تمام؟ جريت واتصلت بالشرطة على طول!"
"كان بيعمل إيه هناك؟"
"إيه؟"
مسكتها من رقبتها، خليتها تبص في عينيا، وهي بتعيط بحرقة، الغضب عماني، مكنتش مهتم ماسكها جامد قد إيه، ولا رفعتها ازاي لحد ما هي والكرسي اتمرجحوا على رجل واحدة.
"سألت، كان بيعمل إيه هناك بالظبط؟"
"معرفش،" صرخت "عمري ما شوفته، ولا اتكلمت معاه، مديري بيأجر غرف طول الوقت من غير أسماء، مفيش أي حاجة، معرفوش، ولا أعرف ليه كان هناك، تمام؟ معرفش حاجة، أرجوك! أرجوك متقتلنيش، أرجوك، مش عايزة أموت!"
لما سبتها، وقعت على الكرسي، اتمرجح مرة بس متقلبش، واضح إنها متعرفش حاجة، على الأقل مش حاجة تفيدني، من ساعة ما لقت الجثة، ده يفسر اهتمام الشرطة بيها هي مجرد شاهدة، مش متهمة.
ملهاش لازمة بالنسبة لي، سحبت أجزاء المسدس، إيفلين صرخت، بس أول ما رفعته، الباب اتفتح، ونور دافي دخل من الممر.
"كورماك." أختي، ساورس، واقفة هناك، والموبايل في إيدها، ومتسندة على مقبض الباب.
"أرجوكِ،" إيفلين بتترجى بصوت واطي وأنا ببعد "معايا فلوس ممكن تاخدي كل فلوسي، ممكن تاخدي عربيتي، شقتي، كل حاجة، أرجوكِ! مش عايزة أموت، أرجوكِ"
طنشيتها، وقربت من أختي اللي بتبص لإيفلين بنظرة قرف، أول ما قربت كفاية، حواجبها السودا اتجمعت فوق عينيها الخضرا.
"المحققة غوغز مش مننا"
"إيه؟"
"جديدة، من بره الولاية، اتنقلت من تلات شهور"
"تبع مين، إيطاليين؟"
"محدش" ساورس اتنهدت "مش متدربة، نضيفة أوي"
الغضب مسكني، جزيت على سناني،أي حد تاني هيفرح بوجود شرطي نضيف في قضية موت أخوه، بس أنا لأ مش محتاج الشرطة يعملوا شغلهم، محتاجهم يساعدوني وبعدين يمشوا من طريقي قانونهم مش هيجيب العدل، قانوني هيجيبه.
"ممكن نقبض عليها؟ ادفعيلها أو استخدميها، مش فارق معايا"
"معندناش حاجة، على الأقل دلوقتي،" ساورس ردت بحزم "أنضف من الملايكة، ومش بتشتغل من تحت الترابيزة."
"اوووف !" اتعصبت، وزقيت جامد، وخبطت الباب بإيدي، الخشب اتكسر من قوتي، وإيفلين طلعت صوت أنين ورايا.
ساورس مرتعشه قلت "طب حد من فريقها؟"
هزت راسها. "بتستدعي ضباط جداد، حتى لو من بره الولاية،بتعمل كل اللي تقدر عليه، غير لو حطينا إيدينا عليها، مش شايفة أي طريقة نحل بيها القضية دي."
إن سارة غوغز بتطلب مساعدة من بره بتقولي حاجة واحدة، هي عارفة كويس مين الجثة اللي في المشرحة، وده معناه إيه للمدينة دي، هي عارفة إن الحرب جاية، ومغرورة لدرجة إنها فاكرة إنها هتقدر تسبقها من غير ما حد من الشرطة يديني المعلومات اللي محتاجها، الموضوع بقى أصعب بكتير.
صوت عياط إيفلين بيقطعني زي طباشير على سبورة، وبعدين فجأة، بقى أحلى صوت سمعته في حياتي، المحققة مش مننا ومش هتكلمنا، بس في حد هتكلمه،حد عمرها ما هتشك فيه (إيفلين)
"تمام،" قلت، وبصيت على ايفلين اللي بتترعش، "فجأة بقيتي مهمة."
يا نهار أسود! شكلي كده لبست في حيطة، المنظر كان بشع أوي، يمكن ده عقابي الأبدي عشان غرقان في الديون لحد وداني، كل نفس بحس إنه بيقطع حلقي المتجمد زي موس الحلاقة، قلبي بيدق جامد أوي مش قادر حتى أركز على دقاته، ومعدتي اتقلبت من التوتر لدرجة مش عارف حتى أقوم،كل اللي كنت عايزه أرجع بيتي، في لحظة لقيت نفسي متسحب في عربية، وبعدين فقت على تحقيق من واحد مفتول العضلات زي الحيطة، زي رجال الشرطة، كل همه الجثة، ومفيش أي إجابة مني عجبته، كنت متأكد إنه هيخلص عليا لولا ظهور الست دي.
مكنتش سامع بيقولوا إيه، بس حاجة ضايقته لدرجة إنه خبط الباب كسره، وبعدين حاجة اتغيرت، بقيت بتوسل للضلمة تاخدني، والراجل الضخم ده جاي ناحيتي وماسك المسدس في إيده اليمين.
"عايزة تعيشي؟" سأل بصوت غريب كده مش عارف أحدد لهجته.
عقلي بدأ يفكر في عروض ممكن يقدمها، وفكرت إني هوافق على أي حاجة لو هتخرجني من هنا، أومت بسرعة، ومش قادر أسيطر على فكي اللي بيرتعش.
"هتعملي حاجة، أول ما تخلصها، هتمشي، موافق على الشروط دي؟"
وعدل مسكته على المسدس وقلبي طلع في زوري، كان لازم أسأله عايز إيه الأول بدل ما أوافق على طول، بس الخوف على حياتي كان أقوى، حركت راسي باكد انى موفقة
"انطقى "، زعيقه خلاني أنتفض ، شهقت، ورمشت بسرعة وسط دموعي اللي مش راضية تقف وقلت
"أيوة، أيوة"، بالعافية طلعت الكلمتين دول "هعمل أي حاجة."
"لو عايزة تعيش، هترجع لمركز الشرطة وتتجسس على المحقق المسؤول عن قضية القتل دي، أكيد تعرفها، مش كده؟"
وبحركة من إيده، طلع كارت من جيبه ورماه في حضني
"ولو حياتك مش غالية عليك، ابقى حاولى تجيبى سيرتى ومتسمعيش كلامى ، خلصنا؟"
كل اللي شوفته الحرية، هزيت راسي بسرعة وقلت "أيوة، فهمت"
إيه الهبل ده؟ أتجسس على سارة؟ هو الناس دي مسؤولة عن القتل ولا عايزين يعرفوا معلومات أكتر؟ مش عارف أحدد، الأكيد إن الراجل ده خطر والجثة دي مهمة بالنسبة له، بس التفاصيل مش مهمة، ممكن أعمل نفسي بلعب لحد ما ألاقي فرصة وأهرب ممكن أجري من غير ما أقف لحد ما أوصل لمكان محدش يعرفني فيه.
"كورماك" الست نادت من الباب، بتبص للراجل المسلح اللي قدامي وقالت "سيان هيكون هنا الصبح"
رد كورماك بكلمة واحدة "تمام" أومأ برأسه، والست مشيت، وكورماك قرب مني خفت يضربني أو يمسك شعري تاني، بس محصلش حاجة، مد إيده وفك الحبل من إيدي في ثواني، قال بصوت خشن
"الوقت اتأخر، امشي ورايا"
مشي، وحاولت ألحقه، بس الخوف شل عضلاتي، مقدرتش أقوم من الكرسي، مسحت دموعي بسرعة، ودلكت وجههى ومسكت كارت المحقق، وبتوسل لجسمي يسمع كلامي، لما كورماك وصل للباب وفتحه، كنت أخيراً واقفة على رجلي، كل خطوة كانت متقطعة، ومقدرتش أسيطر على الرعشة اللي جوايا، جسمي كله بيرتعش وأنا ببص على ضهر كورماك وبمشى وراه في ممر مضيء دافئ لباب قريب من نهايته، فتحه ودخل راسه جوه.
"تقدري تنامى هنا لحد الصبح"
حتى مبصش عليا وأنا بعدي من جنبه، وأول ما دخلت، الباب اتقفل جامد، حبست أنفاسي، مستنية حاجة تنط عليا في الضلمة، بس مكنش فيه حاجة - مجرد ريحة خفيفة قطن وفانيليا وهوا بارد على جلدي، ولما عيني اتعودت على الضلمة، بدأت أشوف أشكال كرسي، وشوية خزائن، وسرير.
السرير كان وجهتي، ودموعي نزلت أول ما رميت نفسي عليه،مسكت أقرب مخدة، ولفيتها حواليا وقعدت أعيط وتفكيرى مسكتش، إيه اللي بيحصل ده؟ بلاقي جثة في شغلي الزفت، وعيني اتعورت جامد، واتحققت تحقيق جامد من الشرطة، وبعدين اتخطفت وراجل ضخم مرعب بيهدد حياتي، كل ده في آخر 24 ساعة.
أنا خايفة اكثر من أي وقت في حياتي، دي مش حياتي اللي المفروض تكون، باخد قرارات مالية غلط، وبتخانق مع أمي عشان إهمالها، وبشتغل شغل زفت عشان أسدد ديوني، المفروض ده أقصى توتري، بس الراجل ده كان عارف كل حاجة، حتى مطعمي المفضل، مين ما يكون الناس دول، واضح إني مش مكاني هنا، مش عايزة أكون هنا، عايزة أرجع بيتي.
فضلت أعيط في المخدة لحد ما التعب غلبني، وغرقت في نوم مضطرب مليان جروح مفتوحة، وبرك دم، وظلال عملاقة بتخنقني لحد الصمت، ظل واحد بالذات حط إيده على بقي وخنقني لدرجة جسمي كان هينفجر من قلة الهوا، فتحت عيني فجأة، واتنفضت من كل اللي قدام وشي، وبنهج جامد، قعدت أدور على زرار النور على الكومودينو، وأخيراً نورته، واكتشفت إن الحاجة الوحيدة اللي بتخنقني هي المخدة اللي خدتها قبل ما أنام، أكيد اتزحلقت عليها في الكابوس واتعلقت، أما الوجع في بطني، فمش من قلة الهوا،عايزة أدخل الحمام ضروري بس مش عايزة أخرج.
بقيت في صراع بين إيه الأرعب، أقابل كورماك في الطرقة وأنا بدور على الحمام، ولا أواجهه بعد ما أعمل مصيبة في الأوضة دي، أوضة شكلها فيها عفش أغلى من اللي شوفته في حياتي كلها. توسيخ الأوضة دي هو الخيار الأرعب، عشان كده، وقلبي بيدق جامد، مشيت على أطراف أصابعي واتسللت برا الأوضة، المكان هادي، وأنا كاتمة نفسي في الممر الضلمة، مفيش أي صوت، لا أصوات، ولا رنة أطباق، ولا أي علامة على حياة.، كله ضلمة وهادي، مش هيسيبوني هنا لوحدي، صح؟
يمكن كل اللي بيحصل ده مجرد كابوس طويل أوي، أخدت مني كام دقيقة طويلة عقبال ما لقيت الحمام وأنا ببص على الأبواب، بس في الآخر، لقيت الحمام وقضيت حاجتي وأنا بتنهد بارتياح، غسلت إيدي، وحاولت ما أبصش لنفسي في المراية.
باقي المكياج على وشي كان متلطخ ومتسخ، يا دوب مغطي بشرتي اللي عليها بقع وعيني الحمرا، الاهتمام بمظهري مش مهم دلوقتي، بس إني مضطرة أستحمل كل ده بملابس الشغالة البشعة بتاعت الفندق مخلي اليوم اللي فات كله زي نكتة سخيفة، رشيت مية على وشي، وبعدين حطيت شوية في إيدي وشربت كام رشفة، نفسي مسدودة، بس الوجع اللي بيزيد في دماغي أكيد سببه الجفاف، أو إيد كورماك في شعري أو الخبطة اللي خدتها على دماغي، مش قادرة أحدد.
شكلي هرجع للسرير، ده أحسن حل، نفسي أنام لحد ما حد يجي، بس وأنا راجعة لمكان أوضة النوم، لمحت نور طالع من تحت باب مقفول، كان لازم أسيب الموضوع وأمشي، كل حتة في جسمي بتصرخ فيا أسيب الموضوع وأرجع للسرير، بس عشان ما شوفتش حد من ساعة ما صحيت، الفضول غلبني، فتحت الباب بالراحة، وبصيت جوا أشوف إيه، لقيت صالة مليانة كنبات وكراسي جلد فخمة، ونيش خشب مليان ازايز كحول، وشبابيك من الأرض للسقف قصاد الباب، طالع منها خيوط نور الصبح بدري، منظر سما الصبح الوردية كان حلو أوي، فضلت أبص عليها كام ثانية طويلة، وأنا خارجة، سمعت صوت خبطة خفيفة لما كوباية نصها مليان سائل كهرماني وقعت على طرف كرسي، الكوباية كانت بتتهز على الحافة، وقلبي اتقبض وأنا شايفاها هتقع، جريت على الأوضة من غير تفكير، ومسكت الكوباية قبل ما الكحول يدلق على السجادة، بس حتى كام نقطة ممكن تبوظ نقشة الكريم النضيفة اللي عليها، لازم أنضفها،عايزة أنضفها عشان ده هيريحني، بس مش قادرة أتحرك.
كورماك كان نايم على الكرسي، أكيد الكوباية وقعت من إيده وهو نايم، ولأول مرة، قدرت أبص عليه كويس من كان نايم نوم عميق وحواجبه البنيين مكشرين، حتى وهو نايم، شعره الأحمر النحاسي الكثيف كان نازل على راسه، وضله الداكن كان بيحضن فكه العريض المنحوت، كان عاري الصدر، وصدره العريض العضلي كان متغطي بشعر أحمر كثيف وندوب أكتر من إني أقدر أعدها، كان فيه مجموعة مثلثات مرسومة على رقبته السميكة، ودراعه الشمال كان مليان وشوم ملونة فيها زهور وطيور، شكله وسيم أوي لما مكنش بيهدد حياتي بالمسدس.
كل نفس بطيء كان بيحرك عضلاته المثيرة للإعجاب، وبيعمل موجة في جسمه بتشد نظري لعضلات بطنه المشدودة وبداية أثر حلزوني ناعم بيختفي في حزام بنطلونه، يا ترى قميصه ضاع في حادثة كحول تانية؟
كل ما كنت ببص عليه أكتر، كل ما كان صعب عليا أتحرك، بس في الآخر، شجعت نفسي وحطيت الكوباية على قاعدة أكواب على ترابيزة القهوة الزجاج، عشان مفيش أدوات تنضيف، أفضل حاجة عملتها هي إني جبت ازازة خل أبيض صغيرة من على الرف اللي تحت النيش.
يا دوب هتساعدني شوية، بس هتقضي الغرض، رجعت بسرعة للبقعة، بس وأنا قاعدة جنب كورماك اللي نايم، شعري وقع ولمس صوابعه الفاضية، كل عصب في جسمي اترعش من الخوف وإيده اتحركت، بس مصحاش، اتنهدت براحة وفتحت غطا الخل.
كورماك قام وقف في لحظة، وإيده حوالين رقبتي، ورفعني لفوق بصوت زمجرة، ازازة الخل وقعت من إيدي وأنا بحاول أمسك دراعه السميك، ولثانية مرعبة، كنت مرفوعة في الهوا، وببص في عينيه الزرقاوتين العاصفتين وفي نفس اللحظة، كورماك شكله أدرك هو بيعمل إيه، وسابني على طول.
قال بصوت خشن" اللعنة، آسف"
كحيت جامد، وماسكة رقبتي وهو بيبعد، قلبي كان بيدق جامد، والخوف ماشي في عروقي زي الأسيد، بس كورماك حط إيده الدايفة على كتفي، والإحساس بالحرقان اختفى فجأة.
قال تاني"أنا آسف، مكنتش متوقع إنك تكوني هنا."
"هو أنت دايماً بتهاجم الناس؟ " سألت بصوت متوتر.
كورماك عمل صوت كأنه بيلاقي كلامي مضحك، "يمكن، بتعملي إيه؟"
افتكرت الخل فجأة، وجريت عشان ألحق الازازة، بس الوقت كان فات، الخل اتدلق وغرق السجادة، وملى الهوا بريحته النفاذة.
"كنت بدور على الحمام، وبعدين دخلت هنا وشفت الازازة بتقع، كنت بس بحاول أمنعها من التلطيخ، أنا آسفة أوي، ده كان حادثة!"
هو هيقتلني عشان بوظت السجادة؟ عشان دلقت خل؟ الراجل ده مرعب، اتوترت، ومستعدة لأي غضب أو مسدس أو أي حاجة، بس بدل ده، مفيش حاجة، لما رفعت عيني، كورماك شاورلي بإيده، وبعدين لف وشه ناحية نيش المشروبات.
بس بدل ده، مفيش حاجة، لما رفعت عيني، كورماك شاورلي بإيده، وبعدين لف وشه ناحية نيش المشروبات.
"عادي، دي مجرد سجادة، مش مهمة." وهو بيمسك كوباية، بص عليا من فوق كتفه "حياتك على المحك، وأنتِ مهتمة بسجادتي؟"
ضميت ازازة الخل على صدري "بحب التنضيف، بيهديني، لما بيكون كل حاجة جوايا فوضى، تنضيف برا بيساعد، فاهم؟"
كورماك تمتم. "أنتِ في مجال شغل مثالي يبقى."
"نوعاً ما" ده كل اللي جه في بالي أقوله معدتي اتقلبت زي عش تعابين والسكوت المحرج ساد، بس رجلي مسمعتش كلامي إني أمشي، كنت بتفرج على كورماك وهو بيصب كوباية مليانة وبعدين شربها على رشفات، لو كنت شفت الكوباية التانية بتقع، مكنش زمانه نايم كل ده، اتفرجت عليه وهو بيصب كوباية تانية، وبعدين بص عليا تاني.
"بتشربي؟"
"شويه، يمكن مش دلوقتي."
"أنا كمان مينفعش أشرب،" رد وهو بيرفع الكوباية. "مينفعش أعمل حاجات كتير."
وهو بيشرب، فجأة أدركت ليه الموضوع ده مألوف أوي بالنسبة لي، والدتي، رغم برودها وانعزالها، مرت بفترة غرقت فيها في النبيذ بعد موت والدي، ده خلى سنين مراهقتي مؤلمة أوي، بس الطريقة اللي كورماك بيحط نفسه فيها كأنه بيحاول يصغر نفسه وبيشرب زي الدوا المر... مألوفة،هو في حالة حزن.
"الراجل ده،" قلت بهدوء، وأنا بخطو خطوة حذرة لقدام "كان مهم بالنسبة لك، مش كده؟"
زمان، كنت قلقانة إن كورماك يكون هو القاتل، أو حد حواليه هو القاتل، رغبته زمان إنه يقتلني كانت منطقية لو كان عايز يخبي اللي أنا عارفاه، بس دلوقتي شايفة حاجة تانية.
الحزن باين على وشه زي الحبر اللي على دراعه، هو مخنوق بالغضب.
"كان أخويا،" كورماك رد أخيراً، وكلامه طلع منه على دفعات حادة، "عيلتي" الكلمة طلعت منه، وكورماك رفع كوبايته، بس ملمستش شفايفه، رعشة خفيفة مشيت في جسمه كله.
شفت حاجات كتير في الفندق ده على مر السنين، وعارفة علامات الوجع، قربت منه تاني، ولمست دراعه بالراحة، نط شوية، بس مابعدش، الكوباية نزلت وبص عليا من الجنب.
"أنا آسفة على خسارتك" قلت بهدوء، للحظة، وأنا ببص في عينيه الزرقاوتين، اخترت إني أنسى الخطف والتهديدات وأقوله إني آسفة، بس وصفي للي شفته في الحمام خد طابع أبرد لما أدركت إني كنت بوصف أخو الراجل ده.
كورماك بص عليا، وبعدين عينيه ضاقت شوية وقال "كان المفروض تقوليلي روح في داهية"
"يمكن،" رديت بهدوء "بس أنا برضه آسفة على أخوك"
لحظة العالم فيها وقف، وقلبي وقف عن الدق، وإحساس دافي طلع بينا، مش قادرة أفهم معناه، يمكن ده مجرد أدرينالين من كل اللي حصل، أو خليط من الخوف وحاجة تانية، حاجة زي الانجذاب.
مهما كان، اللحظة عدت قبل ما الباب يتفتح والراجل اللي سحبني من العربية يدخل، حواجبه ارتفعت كأنه متفاجئ لما شافني، وكورماك بعد عني ولف وشه.
"فيه إيه يا هانك؟"
"والدتك،" هانك قال، ومد تليفون، كورماك خد التليفون، وبعدين بص على الساعة الفضية اللي في إيده
"هانك، هات لإيفلين هدوم بديلة" بص عليا، والبرود القاسي رجع لعينيه "وقت زراعة حشرة صغيرة"