أخر الاخبار

رواية مواسم الفرح بفلم امل الفصل السابع والثامن عشر

مواسم الفرح 

رواية مواسم الفرح بفلم امل الفصل السابع والثامن عشر

رواية مواسم الفرح بفلم امل

 الفصل السابع والثامن عشر
الفصل السابع عشر


انتشر الخبر وعرفت البلدة كلها لتحكي وتتحاكى عن عاصم حفيد الحاج ياسين الذي وجدته مجموعة من الشباب اسفل شجرة مضرجًا بدمائه، فاقد الوعي ، ليرفعوه على الفور نحو اسعاف الوحدة الصحية، والتي قامت بدورها في نقله إلى مشفى المحافظة، ليلحق به أهله الذين علمو بالمصببة كالاغراب، فشباب القرية كانو من السرعة في التصرف لإنقاذه، لدرجة لم تجعلهم ينتظرون عائلته، والذين خرجو بسيارتهم بعد ذلك رجال ونساء، للإطمئنان على ولدهم.


وفي المشفى كان حجم الكارثة يبدوا جليًا على الجميع، والدته سميحة، لم تكن قادرة على رفع نفسها، لتقف جيدًا على قدمها، ونساء العائلة يحتضنها، ليخففن عنها بالكلمات المطمئنة عسى ان يأتي بأي فائدة مع امرأة تموت في الدقيقة الف مرة في انتظار خروج ابنها الذي دخل غرفة العمليات من قبل ان تراه، قد مرت الساعات منذ حضورها. .

- اهدى يا حبيبتى وخلي عندك إيمان، إن شاء الله هيجوم بالسلامة، طمنى جلبك انتى بس.

قالتها نعمات لتضيف راضية هي الأخرة:

- اصلبى طولك يا سميحة، ولدك شديد وعنيد، وانا متأكدة انه هيجوم منها، انا عارفة عاصم زين، دا ولدي اللي مربتهوش ولا خلفته.

قالت هدية ايضا بعصبية وأنفعال:

- اقوي يا سميحة وشدي حيلك، ولدك ان شاءالله ربنا هينجيه منها، وابن الحرام اللى عملها هنجيبه من تحت الارض وناخد حجنا منه تالت ومتلت، احنا مش هينين ولا جليلين في البلد عشان يحصل معانا كدة، احنا حريم ورجالة لحمنا مر.

خرج صوت سميحة بارتعاش وارتجاف قلب أم انفطر قلبها على وليدها:

- خلصتوا عليه ولا موتوه حتى، ساعتها هايفيدنى ايه بعد ما يروح ولدى منى...

انهت الاخيرة لتعود إلى بكائها الحارق، ونعمات تشدد من احتضانها، ودموعها هي الاخرى لا تستطيع وقفها، فقالت راضية:

- يا سميحة متعمليش كدة، وخليكي جوية، ولدك في العمليات ومعاه مدحت واد عمه دلوك وانتى عارفه ولدى شاطر مع الغريب اشحال مع عاصم حبيبه.

لم ترد سميحة، فقد كانت تبكي وفقط.


في الناحية الأخرى

كان الرجال بقيادة ياسين، بجوار غرفة العمليات وكأن على رؤوسهم الطير، لا يوجد وصف لحالتهم في الانتظار، يبدون في الظاهر قوة وبأس امام من ياتي من اهل البلدة ليُأزرهم، وفي الداخل قلوب تكاد ان تنلخع من أماكنها من الخوف على ابنهم، وتوجس من اللاتي لو الحدث اتخذ الطريق الاسوء، إذا لم يقم عاصم منها لا قدر الله، فسوف يفتح باب الجحيم بعدها، لضرورة الأخذ بالثأر، وتدور الدائرة التي تدهس بلا رحمة ويضيع بسببها شباب ورجال لا عدد لهم، وسنين من العذاب يكن الجميع خلالها خاسر


خرج صوت ياسين سائلًا اخيرًا:

- يعنى محدش فيكم شافوا واصل وعرف اللى بحالته ولا اللي جراله ؟

رد راجح :

- محدش فينا شافوا غير الشباب، اللى مستنوش يبعتولنا وخدوه بأسعاف البلد .

تدخل محسن بقوله:

- انا زعجت لهم عشان ما بعتولناش، كان لازم حد فينا يجي في الإسعاف معاهم. 

رد عبد الحميد بتوبيخ:

- ملكش حج فيها دي يا محسن، انا ولدى فهمني، وجالي إن دى احسن حاجه عملوها، عشان يلحجوه .

نظر ياسين نحو والده سالم والد عاصم، والذي كان بحالة من الجمود، تجعله يبدوا وكأنه ليس من الأحياء، او أنه بعالم اخر، فقال يخاطبه حتى يسمع صوته على الأقل:

- اتكلم يا ولدى مينفعش سكاتك ده لا يجرالك حاجة، ودا اكتر وجت انت لازم تكون فيه جوي .

من اجل ابيه، ولمعرفته بما يدور برأسه، خرج صوته ليرد بكلمات تخرج وكأنه كالحجارة بثقلها على لسانه:

- معلش يا بوى .. سيبنى فى حالى . . انا مش حامل اى كلام، ولا حتى أي شيء.

اومأ له ياسين بتفهم وقلبه ينشطر نصفين على ما اصاب الحفيد والولد ايضًا:

- عندك حج يا ولدى، انا جلبي حاسس بيك، وعارف ان الكلام على لسانك، ربنا يطمنك ويطمنا .


وإلى ناحية الفتيات، فقد كانت بدور منهارة هي الاخرى في البكاء وشقيقتها تهون بحزم:

- امسكى نفسك شويه يا بدور احنا كلنا زعلانين، متخليش حد يركز معاكي.

ردت بدور من بي بكاءها، 

- مش جادره يا نهال، مش جادرة، انا عارفه ومتأكدة ان كل الى حصله ده بسببى.

- بسببك ازاى يعني يا مجنونة؟

سألتها نهال غاضبة فتدخلت نيرة:

- مفيش غيرهم، العمده وولده يا نهال، واكيد كمان جدي وعمامي شاكين في كدة .

صمتت نهال تزن الكلمات برأسها، وهي وبداخلها تخمن صحة قول نيرة، فمن يملك الجرأة على تحدي عاصم، سوى جبان غادر، يأخذه من خلف ظهره، والناس بعد صلاة الفجر، في هذا الشارع الهاديء كما علمت سريعًا، من الاقوال المتواترة حولها، منذ أن وصلت إلى المشفى.

- انا هموت فيها لو جراتله حاجة، يارب اموت انا ولا يحصل إلى في بالي....

قالتها بدور تفيقها من شرودها، فهتف بها غاضبة:

- بس يا بت متقوليش كدة، لا انتي ولا هو ان شاء الله هيجرالكم حاجة، ربنا عالم بينا وبحالنا، أكيد خير 


❈-❈-❈


دلف رائف بخطوات مسرعة كاركض داخل المشفى، بعد ان علم اخيرا من احد اصدقائه من البلدة، بالذي اصاب ابن عمه وهو الاَن حديث الساعة، وصل إلى القسم المذكور، ليتأكد مما قيل له، وتوقف امام عائلته قائلًا باعين تعميها نيران الغضب، يوزع انظاره على الجميع:

- واد عمى مالو يا بوى؟ مين اللى استجرى وعملها يا حربى؟ مين اللي عملها يا جدى؟

اجابه عبد الحميد بقلق من هيئته:

- لسه محدش عرف حاجة يا رالف، احنا نفسنا جينا على ملا وشنا، وقاعدين زي ما انت شايف مستنين فرج ربنا .

رد بانفعال يهدد بحريق محتمل:

- يعنى ايه محدش عارف؟ واد عمي بين الحيا والموت في اوضة العمليات، وانتو محدش فيكم عارف، انا بجي لازم اعرف وحالا كمان.

دبت عصا ياسين بقوة على الأرض الرخامية للمشفي، ليهمس بحزم :

- أجل كل اللي في دماغك دلوك يا رائف، نطمن على واد عمك الاول وبعدين نسأل .

تدخل حربي هو الاَخر بحمية تثور بداخله:

- واد عمى مش هيكفينا فيه البلد كلها ؟

غضب عبد الحميد ليهدر كازًا على أسنانه:

- مش وجته الكلام ده دلوك يا غبي انت وهو، احنا في ايه ولا في ايه؟

تابع رائف بعند :

- مش وجته كيف؟ دا هو دا وجته، ولازم التنفيذ يبجى على الفور. 

اضاف حربي هو الاَخر:

- ايوه يا عمى، ضربة واد عمى لازم تترد ع الحامى متستناش.

تدخل محسن بعد ان فاض به منهما :

- يا زفت انت وهو، الكلام ده ما يبجاش هنا، لا دا وجته ولا دا مكان ينفع يتجال فيه. 

قال ياسين بحسم موجهًا الحديث نحو الجميع:

- ولا هنا ولا هناك، اهم حاجة نشوف ولدنا الاول نطمن عليه وبعدها كل الكلام يتجال 

بقوله انهى الجدال، لتصمت الافواه جميعها، يكبتون غيظهم، في انتظار خروج عاصم من غرفة العمليات. 


❈-❈-❈


بعد عدة ساعات 

خرج مدحت ومعه طقم الأطباء والممرضين من الغرفة التي ضمتهم لإنقاذ عاصم، خرج سالم من جموده ليصل الى انن شقيقه الطبيب ليسأله بلهفة:

- طمنى يا ولدى واد عمك عامل ايه دلوك؟

بنظرة تحمل في طياتها الكثير، حاول بكل جهده ألا يزيد عليهم بضعفه وحزنه العميق على ما جرا لابن عمه، وما واجهه في غرفة العمليات حتى كاد ان يسقط أمام الفريق الذي رافقه من الأطباء والذين كانوا عوناً له ولولاهم ما كان استطاع ان ينقذ عاصم، فقال يجيب بتماسك مزيف:

- الحمد لله يا عمى اطمن.

- طب وحالته يا ولدي، زينة كدة ولا صعبة يعني؟.

لم يكد محسن ان ينهي السؤال حتى اجفل على صرخة قوية، ليلتف للخلف فوجد عاصم يخرج على سريره النقال، بحالة جعلت والدته تقع ارضًا، ليلتف نحوها السيدات ويرفعنها مع صوت صرخاتهن بجزع مزدوج، نحو الام والأبن، صاح نحوهن مدحت بحزم:

- هاتوها بسرعة نشوفها.

بدور الوحيدة التي تسمرت مكانها ولم تتحرك، وقد انخلع قلبها من محله وقت ان رأته بهذه الحالة، حتى خرجت صرختها بإسمه بدون ارداتها، قبل ان تحيطها شقيقتها بذراعها تهون عنها رغم ارتياعها هي الأخرى.

اما ياسين وابناءه ف التفو حول الحامل الذي ينقله ليوقفوه، حتى يتسنى لهم الرؤية عن قرب، وخرج صوت سالم يردد بحرقة:

- مين اللى عمل فيك كده يا ولدى؟ مين اللي أذاك يا حبيبي بالشكل ده؟ رد عليا يا نور عيني. 

- ياجماعة خلونا نعدي بالمريض مش كدة الله يخليكم.

قالها الرجل الذي يسير بالحامل، ليجبر الجميع على التنحي حتى يكمل طريقه، فقال ياسين سائلًا:

- هما واخدينوا ورايحين بيه فين ؟

- على غرفة العنايه المركزة، دا شيء لازم .

قالها مدحت قبل أن يسحبه ياسين إلى ركن ما وحدهم، حتى يستطيع السؤال بحرية:

- واد عمك حالته ايه بالظبط؟ متخبيش عني.

بتنهيدة مطولة خرجت من العمق، اجاب بقلقل:

- بصراحة كده عاصم يا جدي لو مافاقش خلال ٢٤ ساعة.... يبجى ربنا يستر .


-❈-❈-❈


- عاجبك كده يا غبى؟ استريحتى يا محروسة بعد الدنيا ما خربت؟ افرحوا عاد ... الواد هيروح فيها وتجلب ع الكل.

كان يندب بها هاشم، وكفه تضرب على الاخرى المستندة على رأس العصا الغليظة:

ردت انتصار بعدم اكتراث مستنكرة:

- وه، طب وانا مالى عاد، انت هتجيبها فيا ليه؟

قال هاشم بغيظ يفتك به:

- دلوك انا هجيبها فيكى يا اختي؟ مكنتيش انتي السبب يعني في الزن واللت؟ لازم ولدى ياخد حجه يا هاشم،. لازم يبجالوا هيبة وسط الناس، الواد لازم يتربى عشان يبقى عبرة لغيره، ساكت ليه يا غبى؟

خرج الأخيرة بصرخة نحو ابنه معتصم، والذي كان جالسًا، على الاَريكة بينهما، باستكانة ولا مبالاة، وكأنه لم يفعل شيء، فقال ردًا على والده:

- وه يا بوى وانا يعنى كنت اجصد اللي حصل؟ مش حكيتلك بجى وجولتلك ع اللي حصل. 

هدر به هاشم بصوت عالى:

- يا زفت الطين انت حس بجى، انت اللي هتروح فيها، لو حد عرف بإنك اللى عملتها، عاصم دا مش هين، دا شباب البلد تجريبا كلهم راحوا المستشفى وراه 

قالت انتصار:

وايه اللى هايعلمهم بس؟ دى كانت حته مجطوعة زى ولدك ما بيجول، والدنيا هس هس بعد الفجرية، يعني لا من شاف ولا من دري.

- والله ما اضمن ولدك دا غبى ، وما اصدجه فى اى شئ.

قالها هاشم بضيق اثار سخط الاَخر ليهتف باعتراض 

- خبر ايه يا بوى .. كل اللي على لسانك غبي غبي،

- كدبت انا يعنى ولا اتبليت عليك؟

قالها هاشم فنهضت انتصار بغضبها لتغادر الغرفة، وتلوح كفها بضيق مرددة: 

- اجعد انت كدة كسر فى مجاديفوا، وجول غبي على كيفك لما هتخيبوا صح!

هتف هاشم من خلفها بصوت عالي حتى يصل إليها:

- انا برضوا اللي هخيبه يا انتصار؟ ولا انتي اللي جلعك الماسخ 


❈-❈-❈


على مقاعد الإنتظار وبعد ان اطمئن على الحالة المستقرة لعاصم حتى يستفيق، او لا قدر الله يحدث ما لا يحمد عقباه، وذلك ما كان يقلق ياسين، حتى انه منع التحدث مع ابناءه واحفاده حتى يستبين القادم ، ويعطي نفسه الفرصة للتفكير الجيد في هذا الأمر الجلل. 

كان يُسبح على مسبحته العتيق شاردًا حينما اتي احد الأشخاص يحدثه:

- حج ياسين ، عامل ايه عاصم دلوك؟

رفع راسه للتحقق من وجه الشاب الذي بدا انه يقارب في السن حفيده الاكبر بلال شقيق عاصم المغترب، فخرج صوته بسؤال

- إنت مين يا ولدى؟

اقترب برأسه اليه وامتدت كفه بالمصافحة قائلًا:

- انا عبد الرحيم، يا عم ياسين، اول واحد شاف عاصم ساعة..... 

- ااه

خرجت من ياسين بتذكر ليتابع نحو الشاب بامتنان وكفه الاثنان يطبقان على كف الاَخر:

- تشكر يا ولدى على معروفك، انا سمعت من الشباب ع اللي عملته، والله جميلك دا على راسنا.

قال عبد الرحيم بوجه عاتب وهو يتخذ مكانه بجوار ياسين على أحد المقاعد:

- تشكرني ليه بس يا عم ياسين؟ هو انا عملت حاجة اصلا، عاصم دا زينة شباب البلد ويستاهل كل خير والله، من غير مجاملة.

ربت ياسين بكفه على كتف الاَخر يردد بكلمات الثناء عليه وعلى رجولته ، فتابع عبد الرحيم سائلًا بحيرة:

- طيب هو عم سالم فين اسلم عليه؟ انا مش شايفه خالص.

تنهد ياسين يجيبه بأسى:

- سالم ده الله يكون فى عونه، ما هي مرته كمان بعد ما شافت ولدها وجعت من طولها ودلوك هو عندها ... اتشندل ولدى لا عارف يجعد جمب ولده ولا عارف يطمن على مرته.

وعاد يتنهد مطرقًا رأسه بألم، حتى وصله صوت حربي والذي جاء يرحب بالاًخر:

- ازيك يا عبد الرحيم عامل ايه؟

نهض الاخير يصافحه بمؤازرة:

- اهلا يا حربى، الله يكون فى عونكم، فى مصابكم .

اومأ له حربي براسه مرددًا بالشكر والإمتنان ليردف:

- انا بلغنى انك انت اللى شيلتوا على كتفك وجريت بيه ع الوحده ومستنيتش الإسعاف تاجى تاخده.

ردد بالتهليل ياسين ليساله بفضول:

- بسم الله ماشاء الله عليك يا ولدي، لكن انت واد مين في البلد؟ متأخذنيش بجى، انت عارف السن.

- لا ولا يهمك يا عم ياسين، انا واد سليمان تاجر الفاكهة، احنا ساكنين فى اَخر البلد.

قالها عبد الرحيم، قبل ان يجفله حربي بسؤاله:

- لكن انت ما شوفتش اى حد من ولاد الحرام دول اللى عملوها؟ او حتى أي حاجة تدل عليهم.

رد عبد الرحيم بحمائية وانفعال:

- وهو انا لو شوفت حد منهم كنت هسيبه يا حربي، والله دا انا كنت جسمتوا نصين، ولاد الحرام دول انا مش عارف ان كانوا حراميه ولا ايه بالظبط؟ بس فى حاجة انا مرضيتش اوريها للحكومة واحتفظت بيها 

- ايه هى دى؟

قالها حربي وجده بلهفة سريعًا قبل ان يدخل عبد الرحيم كفه في جيب بنطاله ليخرج لهم شيئًا ما رفعه أمامهما قائلًا:

- الساعه دى انا لجيتها فى يــ د عاصم كان ماسكها، مش لا بسها، يعنى احتمال تكن يكون بتاعة حد فيهم.. .

خطفها حربي منه ليتأملها باعين برقت بشر ليردد بغليل:

- انا عارف الساعة دى بتاعة مين يا جد، انا عرفت مين غاريمنا .

سأله ياسين بتوجس وعدم فهم:

- بتاعة مين دى يا حربى؟

- دى بتاعة المجلع واد العمدة يا جد، انا مش هاخليه يبيت فيها انهاردة

قالها حربي وهم ان يتحرك ولكن الاخر اوقفه على الفور"

-استنى هنا بالهداوة يا عم انت، الحاجات دى مالهاش الغشم .

رائف والذي اصابته الريبة من هيئتهم وصل اليهم سريعًا ليسأل بتحفز وقد وصله الجملة الاَخيرة:

- ايه هى دي اللى مالهاش الغشم؟

اجابه حربي بعصبية أظلمت ملامح وجهه الأسمر:

- واد العمده هو اللى غدر بواد عمك يا رائف بأمارة الساعه دى اللى لجيها عبد الرحيم فى يــ د عاصم .

سمع رائف لتزفر أنفاسه الهادرة، بخشونة سائلًا:

- وبتوجفه ليه يا عبد الرحيم؟ انا نفسى هخلص عليه حالا...

- أوجف عندك يا واد .

هتف بها ياسين ليتابع بحسم:

- اسمع الكلام انت وهو، عبد الرحيم بيتكلم صح .

اعترض حربي بعصبية:

- يعنى ايه يا جد الكلام ده؟ هتخلى ضربة واد عمى تبيت؟ 

- لا مش هنخليها تبيت، بس واد عمك دلوك فى ايــ د ربنا واحنا عايزين تبجى العين بالعين والسن بالسن .

قالها ياسين ليسأله رائف بعدم فهم:

- يعنى ايه يا جدى فهمنى؟

رد ياسين بحنكة اكتسبها من سنوات عمره العديدة:

- افهمك يا رائف انت وحربي.


❈-❈-❈


في غرفته داخل المشفى، دلف داخلها ليجد نهال منزوية على نفسها تبكي بحرقة وحدها، وكأنها ابت ان تظهر ضعفها امام الجميع، لتنخذ غرفته مخبأ لتساقط دموعها، اقترب منها ليجلس على حرف الأريكة، وقلبه انفطر عليها، على الرغم ان الحزن بداخله اضعاف، ود ان يحتضنها ليهون عليها وعلى نفسه، لكن للأسف لا يصح، دنى منها يقبل رأسها فوق الحجاب قبل ان يبادر بفتح حديثه معها:

- خلاص يا نهال، كتر البكا دا غلط عليكي .

رفعت وجهها المغرق بالدموع لتقول بصوت مبحوح زاد من ألمه:

- مش جادره يا مدحت، جلبى وجعنى على واد عمى، خصوصا بعد ما شوفت حالته الواعرة، هو ازاي في ناس كدة معندهاش جلب، عشان تعمل في واحد زي عاصم كدة؟

ابتسامة مريرة اعتلت ثغره ليقول:

- يعني انتي من شوفته بس بتعملي كدة؟ امال انا اللي كان تحت يــ دي في اوضة العمليات اعمل ايه؟ انا ربنا وجف معايا النهارده وعطاني جوة عشان اجدر اكمل ومهربش من انقاذه...

توقف برهة ليردف:

- مهما جولتك باللي حسيته مش هعرف اوصلك اللي حوايا، عاصم رغم فرق الاربع سنين اللى بينى وبينه وفرج التعليم، لكنه كان جريب جوي مني، دايماً بيفهني، خصوصًا في الفترة الأخيرة. 

خاطبته برجاء سائلة؛

- تفتكر هيجوم منها يا مدحت؟

اومأ لها يجيب بثقة:

- هايجوم يا جلب مدحت، عاصم جوى وعنده اراده، دا غير انى انا كمان عملت حركة كدة عندى احساس كبير انها هتخليه يفوج.

- ايه هى دى الحركة ؟!


❈-❈-❈


في غرفة العناية، كانت هي الوحيده التي سمح لها بمرافقته لوقت ما، نظرًا لخطورة الحالة، وحساسية الوضع في العناية المشددة، جلست على الكرسي المجاور له، تخاطبه ببكاء:

- جوم يا عاصم، جوم انا فهمت دلوك وحسيت، ماعدتش البت الهبلة اللى شايفة نظراتك وافعالك اللى كلها حب ومش فاهمة يا عاصم انا يوم ما جيتلى وجولتلى ليه ما اخترتنيش؟ دا كان اول يوم ابتدى افهم فيه، وبعد ما اتخطبت لمعتصم فهمت اكتر .. وبجيت اقارن كلامه وكلامك، افعاله وافعالك، فى كل مره كانت كفتك انت اللى بتفوز، جوم يا جلبى، انا النهارده بجولهالك بالفم المليان، انا بحبك يا عاصم. يا واد عمى.

- جوليها تانى!

رفعت رأسها فجأة وقد خيل إليها انها سمعت صوتًا ما، فرددت سائلة بعدم فهم، رغم ظهور المؤشرات الحيوية التي تظهر افاقته، ولكنها لا تعرف او لا تصدق بمعني اصح:

- عاصم هو انت كنت بتتكلم؟ ولا انا بيتهيألي؟ عاصم ، عاصم .

رددتها عدة مرات حتى يأست، قبل ان تفاجأ على تحرك اجفانه، فتحرك قلبها يقفز بلهفة أرنب يجري في حديقته، حتى اشرقت شمس عينيه امامها، والتقت النظرات بعناق طويل قبل ان يخرج هي صوتها بتلجلج:

- عاصم....عاصم .

ردد ساخرًا بابتسامة رغم ضعفه:

- إيه؟!

ضحكت تردد ببلاهة:

- انت فوجت يا عاصم؟ فوجت؟

زاد اتساع ابتسامته وهي تتابع:

- الف حمد الله على سلامتك يا واد عمي، الف حمد...

- جوليها تانى .

قالها مقاطعًا رغم تعبه، فسالته بعدم تركيز:

- إيه هى اللى اجولها تانى؟

تبسم يجيبها رغم ضعفه:

- جولى بحبك وانتى عينك فى عينى .

لطمت على خدها مخضوضة تقول:

- يا مرارى، هو انت صحيت من امتى؟

ظهرت اسنانه بضحكة ضعيفة اشرقت بوجهه:

- من اول ما كنتى هبلة.


❈-❈-❈


في البلدة 

كان معتصم يتخذ طريقه نحو القهوة التي تتيح له الشرب ومزاج الرأس من المكيفات التي يهوهاها، مهندم المظهر، بجلبابه الفاخر، يسير بتخايل وإعجاب بنفسه، متبخترًا كعادته، وقد زاده اليوم انتعاشًا بان تخلص من غريمه، بعد الاخبار التي وصلته، وقد اكدت له والدته انه سوف يخرج منها ولن تتركه يتأذى، فلا داعي للتاثر بكلمات والده، وهذا الخوف المبالغ فيه من جانب عائلة ياسين.

اجفل فجأة على صوت رصاصة انطلقت بين قدميه، صرخة قوية خرجت من حلقه، وقد ظن في البداية انها اصابته، لتظل انظاره مثبتة عليها لعدة لحظات بجزع وارتياع، قبل ان يرفع رأسهِ ليصعق برؤية من يقف امامه، حربي ورائف يمسكان بسلاحين، مرتديان الجلباب القاتم اللون، بهيئة إجرامية وكأنهم رجال عصابات او مطاريد الجبل المعروفين 

انسحبت الدماء منه حتى اصفر وجهه أمامهم وجحظت عينيه ليلوح بكفه يردد باستفهام:

- إيه؟ في إيه؟

لوح له حربي بسبابته حتى يعود، هو متخشب محله بعدم فهم وقد شل الخوف اطرافه، متسائلًا:

- ليييه ؟!

زفر رائف بضيق وقلب عينيه بسأم، يخطف نظرة سريعة نحو حربي وكأنها لغة بينهما، قبل ان يباغته بطلقة أخرى، ويتبعها عدد آخر ومعه حربي حول الاخر، الذي لم يصدق نفسه وهذا الوابل من الرصاص يحاوطه من كل جانب، ليرتد على الفور صارخًا بصوته العالي:

- اللحجنى يا بوى .. اللحجنى يا بوووووى .


... يتبع


الفصل الثامن عشر 


في منزل مدحت في المحافظة، وبعد ان بات الجميع ممن حضروا من العائلة بدخلها ليلتهم، فور أن اطمئنوا على استفاقة ابنهم في غرفة العناية بعد العملية الجراحية التي قام بها، اجتمعوا على طاولة السفرة ليتناولوا وجبة الإفطار، اعمامه ونساءهم، حتى نهال ايصًا اضطرت لعدم ترك والديها ومرافقتهم في هذه الليلة العصيبة.


كان الحديث العادي هو الدائر الان بعد أن التقطوا أنفاسهم وهدأت النفوس قليلَا 

فقال محسن متغزلا بانبهار وعينيه تجول في الأرجاء:

- بسم الله ما شاء الله، الشجة بتاعتك يا ولدى حاجة من الاخر كدة يا دكتور .

تمتم إليه مدحت بامتنان وترحيب:

- تشكر يا عمى، والله دا انتو نورتونى بزيارتكم فيها، دي أول مرة افطر بنفس من ساعة ماسكنتها.

رد راجح بإعجاب هو الاخر :

- دا نورك يا ولدى، الشجة حلوة صح زى ماجال

محسن .

- ناجصها بس العروسة يا دكتور.

عقبت بها هدية، لتسبق والدته للرد بلهفة:

- ايوه يا ختى ادعي، دا انا نفسى اشوف اليوم ده وهموت عليه .

قال مدحت وهو ينهض عن مقعده بجوارهم:

- سلامتك من الموت ياما ان شاء الله. اليوم ده يبجى جريب، جريب جوي ان شاء الله.

قال الأخيرة وانظارها اتجهت نحو نهال بمغزى صريح، جعلها تخجل لتنكفئ على طبقها، تخشى ان ينتبه أحد من العائلة على تلميحه، والذي فهمته بدور لتلكزها اسفل الطاولة، لتغمز إليها بمكر ضاحكة بصوت مكتوم، جعل نعمات والدتهن تنهرهن بقولها:

- مالك يا بت انتى وهى، نازلين مسخرة وضحك كدة من غير سبب؟

تدخلت راضية تقول مبتسمة بمكر:

- ما تسيبهوم يضحكوا يا ست انتي، مش احسن من الغم اللى احنا كنا فيه امبارح .

تغضنت ملامح نعمات مع تذكرها للحادث بالأمس لتقول:

- الحمد لله، ربنا ما يعيدها تاني أبدًا، دا احنا ربنا نجدنا من الخازوق الواعر ده، لما ولدنا جام منها.

تدخل راجح هو الاَخر يضيف على قولها

- عشان ربنا كان كريم معانا لما ستر، دا عيالنا كانوا ولعوا فى البلد كلها .

- الحمد لله، ربنا يتم شفاه على خير.

قالها عبد الحميد بتأثر قبل أن تجفله نيرة بوضع الصنية على سطح الطاولة بجواره قائلة بنزق:

- الشاى اهه.

هتفت بها والدتها تنهرها:

-ومالك بترزعيها رزع كده؟ اتجنيتى يا بت؟

ردت نيرة وهي تسقط بجســ دها على المقعد بضيق:

- ياما انا جعانة وعايزة افطر زيكم، لكن البنته دول طلعوا يفطروا معاكم وسابونى اسوى الشاى لوحدى.

نهضت نعمات لتقوم بتوزيع أكواب الشاي الساخن قائلة بحرج 

- معلش يا حبيبتي، افطرى دلوك وحقك عليا منهم، مضاريب الدم دول اللى سابوكى لوحدك .

مصمصت بفمها راضية وهي تطالع ابنتها التي انكفت على تناول الطعام بنهم، متمتمة:

- اموت واعرف بتودى الوكل فين؟ اللى ما باين عليها وكل ولا شرب حتى بجســ مها المعضم ده!

- بيروحوا فى خدودها الموردين دول، الله اكبر عليها، ولا انتي هتنكريها دي كمان يا ولية انتي؟

عقبت بها هدية لتبستم لها نيرة تقول بامتنان:

- تسلمي يا مرت عمى، دي عنيكي هي اللي حلوة.

- ايوة يا ختي افردي نفسك جوي.

قالتها راضية بتهكم، لتدخل في نزال مع هدية وسميحة ايضًا حول الشهية المفتوحة لنيرة، والتي كانت نتشارك معهن الحديث ضاحكة وغير مبالية، اما نعمات فانتبهت لكوب الشاي المتبقي لتتذكر قائلة وهي تتناوله:

-خدى يا بدور ودى كباية الشاى دى لواد عمك الدكتور فى المكتب، دا احنا كننا نسيناه.

همت ان تنهض الأخيرة لطلبها، ولكن راضية تدخلت بخبث:

- لا يا حبيبتى كملى وكلك، انتى جيتى فى الاخر، روحى انتى يا نهال ودي لواد عمك كباية الشاى .


❈-❈-❈


باحراج شديد اذعنت لمطلب زوجة عمها، لتتوجه نحو غرفة مكتبه في المنزل، حاملة صنية الشاي بيــ د والأخرى طرقت بها على الباب، لتسمع إذنه بالدخول، ودلفت تقدم قدم وتأخر قدم، تموت من الخجل وهي تخاطبه:

- الشاي.

سمع منها لترتفع رأسه نحوها على الفور تارك الاوراق وبعض الأشياء الهامة التي كان يعمل بها، وتركزت ابصاره عليها وهي تعيد عليه ولكن بصيغة أخرى:

- اتفضل.

بابتسامة متسعة ناكفها بمرح:

- اتفضل ايه؟ مش تحددي بالظبط. 

زمت شفتــ يها، تمنع ضحكة ملحة لتضع الكوب الساخن امامه على سطح المكتب، وتهم أن تهرب سريعًا ولكنه أوقفها بأن أمسكها من رسغها يقول مستهبلًا:

- مش تردى عليا وانا بكلمك، ولا انا مش مالك عينك عشان تعبريني؟

باعتراض واهي وابتسامة مستترة:

- يا عم سيب يــ دى باه، عايزه اطلع، ايه هو ده؟

ضحك بتسلية يجيبها:

- ماشى هسيب يــ دك واخليكي تطلعي كمان، بس جوليلى الاول، عجبتك الشقة؟

أومأت بهز رأسها وصوت خفيض:

- حلوة وجميلة.

جعد ما بين حاجبيه يردد خلفها:

- حلوة وجميلة بس؟ طب لو فيها حاجة مش عجباكي، أو عايزه تغيرها كلها كمان جولى وانا اغيرها من بكرة، دي هتبقى شجتك، يعني الرأي الأول ليكي. 

تخضبت الدماء في وجنتيها على الفور، واضطربت لتردد بتلجج بعد أن اربكها بقوله:

- اجول ايه؟ ولا اعيد أيه؟ لسه مجاش وجت الكلام ده؟ بقولك خليني امشي يا عم.

ضحك مرة أخرى لكي يردد هذه المرة بجدية:

- ان شاء الله يكون جريب، وجريب جوي كمان، المهم بجى انتى نمتى كويس امبارح؟

- الحمد لله، السرير كان مريح، اللى نمت عليه انا و بدور و نيره .

قالتها نهال بعفوية لتجده يقول بلؤم:

- يا بختك نمتى واستريحتي، اما انا بجى حاولت انام ع الكنبة اللي هنا دي، لكن النوم وكانه خاصمني ما عتب جفوني أبدًا.

سألته بقلق :

- ليه بجى؟ هى الكنبه هنا مش مريحة؟

رد بوجه بريء وأعين تشع بالجرأة:

- لا هى مريحة وكل حاجة لكن المشكلة عندي انا. 

ناظرته باستفهام، فتابع يفاجئها:

- يعني عايزه تنامى فى الاؤضه اللى جمبى وانا يجينى نوم؟

قالها لتشهق مجفلة بخجل من رده المباغت، وبدون كلمة واحدة حتى، تحركت أقدامها للمغادرة من أمامه على الفور، وصوت ضحكاته تجلجل من خلفها 


❈-❈-❈


في المشفى 

وبداخل الغرفة التي انتقل إليها عاصم، بعد أن أطمان على حالته الأطباء، كانت سميحة تقبله بفرحة غامرة وعدم تصديق مرددة:

- يا حبيبى يا ولدى يا نور عينى، ان شا الله كنت انا يا غالى.

بحرج شديد رد عاصم وملامح متغضنة: 

- بعد الشر عليكى ياما، خلاص كفايه بوس، الله يخليكى .

انتبهت لترفع نفسها عنه مرددة بجزع:

- إيه يا ولدي اَللمتك؟ يجطعني يا حبيبى مخدتش بالي، جولي إيه اللي واجعك؟

صمت عاصم فتكلف سالم والده بالرد وقد فهم عليه من ملامح وجهه:

- يا ولية كفاية بجى، الواد خزيان من بوسك اللى عمال على بطال. 

اعترضت سميحة وهي تجلس على الكرسي المجاور:

- وه يا راجل؟ مش فرحانة بسلامته، دا انا كنت هموت فيها وما صدجت رجعلى وفتح عينه وكلمني.

جلس هو الاخر سالم يردد هذه المرة بتفكه:

- اه في دي انا مجدرش اكدبها يا عاصم، امك يا ولدى كانت زى الميتة بعد اللي حصل، وبس ما جولنالها، عاصم فاج ونجلوه اؤضه تانية، لجيناها جامت فجأة جدامنا ولا اكنها كانت بتمثل.

تناولت سميحة كف ابنها تقبله معقبة على كلمات زو جها:

- امثل دا إيه؟ دا انا روحى اتردتلى لما علمت بسلامته، بس ايه بجى، البركة فى الدكتور مدحت، اللى خلى ست الحسن والجمال تجعد جمبك وتكلمك، عشان عارف ان روحك فيها وهتجوم عشانها .

اشاح بوجهها مرددًا بحرج متزايد:

- وه ياما، ايه اللى انتى بتجوليه ده بس؟

تدخل سالم ضاحكًا:

- بتجول اللى حصل يا سعادة الباشا، وانت خزيان ليه؟ ما احنا عارفين اللى فيها، ربنا يجعلها من نصيك يا ولدى انا شايف ان البت كمان بجت ميلالك، دا انت ماشوفتش بكاها وحرجتها عليك امبارح .

على الرغم من طبول الفرح التي كانت تضرب بداخله لسماع هذه الكلمات من والديه، وشرحهم عما كانت عليه بالأمس، بجزعها عليه، ثم فرحها باستفاقته، وهذا ما لمسه بنفسه، فضل الا يتابع معهما وترك كل شيء لوقته، فقال مغيرًا دفة الحديث:

- امال حربى ورائف فينهم؟ انا مش شايفهم من امبارح يعني؟

ضحكة عالية صدرت من سميحة قبل أن تجيبه:

- اسكت يا ولدى، عيال عمك منشفين ريج العمدة وولده، بيلعبوهم زى الجط والفار لحد اما يربوا معتصم ويدولوا الطريحة اللى هى .

-وهما ما لهم؟ أنا بس اجوم وان ما كنت عرفت العمده وولده مجامهم مبجاش انا.

قالها عاصم باحتقان، وجاء الرد من والده:

- واحنا لسة هنستنى لما تجوم؟ انت وراك عزوة وعيلة واللى حصل يخصنا كلنا مش وحدك .

- ايه هو اللى يخصنا كلنا؟

رددها ياسين بعد ان دلف إليهم فجأة داخل الغرفة، ابتهج عاصم بمجيئه حتى نسى وضعه وكاد أن يعتدل بجدعه:

- جد ياسين.

اوقفه ياسين بكف يده التي لوح بها أمامه قائلًا:

- خليك مكانك، انتى هتجوم وانت مدشدش يا جزين؟

قالها متفكهًا قبل ان يقترب يُقبل رأسه ويردف:

- عامل ايه النهاردة يا حبيبي؟

رد عاصم بابتسامة ممتنة:

- تسلملى يا جدى، الحمد لله على كل حال .

سمع ياسين ليُلقي نظرة شاملة على حجم الكسور بجســ د الاَخر، ليقول:

- يا حزنى، دا انت اتكسرت خالص يا جزين .

بوجه مشتد رد عاصم:

- الكترة تغلب الشجاعة يا جد، لكن ولا يهمك انا برضوا كسرتهم وما سيبتش حد فيهم من غير ما اعلم عليه.

قال ياسين مؤيدًا وهو يجلس على طرف الفراش بجواره:

- انت هتجولى؟ ما عيال عمك جالولى على اللي حصل في معتصم ومناخيروا المكسورة. 

سمع عاصم ليقول بغضب مع تذكره لما حدث له وما فعله هذا الجبان:

- سيبوهولى يا جدى، إبعد عيال عمى عن الموضوع ده، انا كفيل اسد فيه لوحدي.

بحمية وعصبية هتف ياسين معترضًا:

- ابدا ولا يمكن، أنا لازم اعلمهم الادب هو وابوه، ولا يكونش انت فاكر، ان معتصم الاهبل ده هيعمل حاجة من غير شور ابوه؟

صمت عاصم بتفكير فقال سالم بتذكر:

- صح يا عاصم نسيت اجولك، اخوك بلال علم باللي حصل، ونازل مخصوص عشان يشوفك.

رد عاصم بصوت عاتب:

- وليه بس تجولوا ل بلال وتجلجوه فى الغربه يا بوى؟ دا كدة خوفه هيبقى اضعاف.

رد سالم نافيًا:

- ويعني احنا حد فينا فتح خشمه وجالوا يا ولدى؟ دا ناس من البلد زميالوا، هناك عرفوا من اهاليهم وجالولوا، مفيش حاجة بتستخبى يا ولدي، خصوصَا المصايب.

أومأ عاصم متنهدًا باستسلام واقتناع بقول والده:

- ينزل بالسلامة ان شاء الله .


❈-❈-❈


في المنزل العمدة والذي كان يقطع السير بصالته ذهاباً وإيابًا، هتف معتصم بجزع:

- اعمل ايه يا بوى ؟ اعمل ايه ياما ؟ انا مش جادر انام من الخوف.

زفر هاشم يجيبه بسخرية غاضبة:

- وانا اعملك ايه يا خايب يابن الخايبة؟ انيمك فى حضنى ولا اديك منوم؟

تدخلت انتصار توبخ زو جها:

- ما براحه على الود يا عمدة، انت مش شايف الرعب اللى هو فيه؟

ضرب بكفه على جانب فخذه يخاطبها بسخط:

- راحة ايه يا اختى؟ هو عاد فيها راحة؟ ما خلاص الحكايه بانت وولدك ربنا يستر وما يروحش فيها .

صرخت به:

- بعد الشر، انت بتفول على ولدك يا راجل؟

زاد الرعب بقلب معتصم ليجلس ملتصقًا بها يردد:

- صح ياما الكلام اللي بيقولوا ابويا ده؟ يعني هما ممكن فعلًا يخلصوا عليا؟

بكف يــ دها انتصار صارت تربت على ظهره وكتف ذراعه تهدهده:

- لا يا حبيبى متجلجش انت ، ان شاء الله نلاجيلك صرفة، ونخلصك من الموضوع ده نهائي.

ردد خلفها هاشم بسخط وقرف من أفعالها ودلالها المبالغ فيه لابنها:

- صرفة ايه يا ختى و رائف و حربى مراجبينوا وبيطلعولوا زى عفريت العلبة في أي حتة يروحها، دا فاضل بس يطلعولوا من الحنفية. 

صاح معتصم بجزع:

- طب يا بوى ما تبلغ عنيهم العيال دي وتريحني وتريح نفسك، انا تعبت منيهم ومن عمايلهم معايا.

بضحكة خالية من أي مرح ولم تصل لعينيه قال هاشم:

- ابلغ اجول ايه؟ طب انا بعت الغفر امبارح فى المكان اللى جولت عليه ومالجوش حد منهم، الشغل ده شغل ياسين، انا عارفه دا بلوه مسيحة

- يعنى ايه؟ خلاص معدتش في حل ولا صرفة للعيال دي؟ 

هتفت بها انتصار وقال هاشم ردًا عليها:

- والله ما انا عارف، وحاسس مخي واجف عن التفكير، لكن اللى هيجننى هما عرفوا ازاى بالسرعه دى؟ جبل حتى ولدهم ما يفوج من الغيبوبة، طب حد شافوا يعني؟

استدرك عاصم يقول بتذكر:

- انا افتكرت حاجة يا بوى وحاسس انها تكون هي السبب، اصل من امبارح ملاجيش الساعة الجديدة، وخايف ليكون وجعت فى العركه ولا يكون عاصم شدها منى، ساعة ماخبطنى بالروسية وكسرلى مناخيرى .

صاح هاشم بانفعال شديد، يشعر ببواد ذبحة صــ درية، بعد ان صعقه معتصم بهذه المعلومة الخطيرة:

- يكون! يكون برضوا يا واد الخايبة؟ دا اكيد ألأكيد كمان، اعمل ايه فيك الله يخرب بيتك؟ كده بجي فى ايديهم دليل يعنى ممكن يحبوسوك بيه، اعمل ايه بس معاك؟ انا خايف لا تنزل عليا جلطه بسببك انت وامك.


❈-❈-❈


عودة إلى المشفى

وقد تجمع اعمام عاصم وزو جاتهم، تقريبًا جميعهم بالغرفة معه، حتى يطمئنوا عليه:

فقال راجح:

- سلامتك الف سلامه يا ولدى، دا انت نزعت جلوبنا من الخوف عليك، بس حمد لله ربنا ستر.

- يا للا بجى شد حيلك عشان ترجع وتنور بيتك .

قالها عبد الحميد لتضيف على قوله هدية زو جة محسن:

- اهم حاجه الوكل، اتوصى بيه يا سميحة زين عشان يرم عضمه، ويجوم أشد من الاول. 

سمعت الأخيرة، لتردد بتعب:

- جوليلوا يا هدية، جوليلوا يا خيتي ونبهيه عليها دي، دا من الصبح منشف ريجى، وهو مش عايز ياكل ولا يشرب حتى زين؟

تدخلت راضية هي الأخرى:

- لا يا ولدي خلي بالك منها دي، دا واد عمك مدحت مشدد علينا جوى فى حكاية الوكل ده، وهو دكتور، يعني هو ادري بكلامه.

- اسمع الكلام يا واد، مفيش حاجة هتجومك على حيلك غير الغذا الزين،

قالها محسن ليرد على قولهم عاصم:

- يا جماعة انا عارف كل اللي بتقولوه ده، بس هو شوية شوية يعني، انا لسة نفسى مسدوه ومش جادر والله.

انتفض سالم فجأة قائلًا بنزق:

طب اسيبك انا مع كلام الحريم ده واروح الجهوه اشربلى حجرين معسل، حاسس نفسي اتكتفت من كتر الجعدة.

- وانا كمان جاى معاك. 

قالها راجح وهو الأخر ينهض، لينضم معهما محسن وعبد الحميد أيضًا، ويغادروا الغرفة، تاركين النساء بالقرب من عاصم، والفتيات نهال ونيرة وبدور في جانب وحدههم ما زالن واقفات، لتخاطبهم سميحة:

- ما تجدموا يا بنتة، سلموا على واد عمكم واطمنوا عليه .

تقدمت اولهم نيرة تخاطبه:

- ألف سلامة عليك يا واد عمى، تجوم منها ان شاء الله وترجع احسن من الأول.

- الله يسلمك يا نيرة، تسلمي يا بت عمي.

قالها عاصم ليلتفت نحو الأخرى بجوراها والتي خاطبته هي الأخرى بابتسامة وخجل:

- حمد الله على سلامتك 

بادالها عاصم الابتسام للرد عليها:

- الله يسلمك يا بدور.

قاطعت نهال وصل النظرات المتبادلة بين الطرفين، لتهتف بسماجة:

- عاصم يا واد عمي.

ردد متبسمًا لها:

- أيوه يا نهال يا بت عمي .

ضحكت تردف له:

- سلامتك.

بادلها الضحكة يجيبها:

- الله يسلمك .


❈-❈-❈


بداخل المشفى التي وصلها للتو رائف، كان يقطع طريقه نحو المصعد المؤدي للطابق الموجودة به غرفة عاصم ، حينما استوقفه صوت نسائي يهتف بإسمه، ليلتف إلى المرأة، وتوقفت مزبهلًا لمن وقفت أمامه، تخاطبه مبتسمة:

- ايه دا؟ معقول؟ أوعى تكون ما عرفتنيش؟ لا دا انا كدة هزعل اوي؟

استدرك رائف ليبادر المرأة ومد كفه أمامه للمصافحة قائلًا بزوق:

- لا ازاى عارفك طبعاً؟ انتى الدكتورة مها، انا بس كنت مستغرب في البداية. 

قالت مها بعد ان بادلته المصافحة:

- مستغرب ليه بقى دا انا حتى دكتورة، يعنى طبيعى لما تلاقينى فى مستشفى اللي بشتغل فيها ولا انت تقصد حاجة تانية

شعر رائف بضيق بداخله منها ومن الحديث معها، ولكنه استطاع ان يخفي ذلك خلف ابتسامته وقوله:

- لا طبعاً ما اجصدش حاجة، انا بس بجالى سنين ماشوفتكيش، شيء طبيعي يعني اني اتوه شوية .

قالت مها بابتسامة لم تغادرها منذ بداية اللقاء:

- لكن انا اول ما شوفتك افتكرك على طول، ها بقى انت ايه اخبارك؟


❈-❈-❈


خرجت نهال من الغرفة لتبحث عن مدحت في الطابق الذي أخبرها منذ قليل عبر الهاتف انه يعمل به، ولكن في طريقها كادت تصطدم بأحدهم، فارتدت بأقدامها للخلف مرددة بأسف وانظارها في الأرض:

- انا أسفة ما كنتش واخده بالى .

جاءها صوت الرجل:

- على ايه بس؟ دى حتى صدفة جميلة، ازيك يا انسة نهال .

رفعت رأسها نحو المتحدت بجزع وقد علمت بهويته من صوته، فقالت على مضض وهي تهم ان تتحرك وتتركه:

- اهلا وسهلا حضرتك، كويسة والحمد لله.

حاولت التحرك ولكنه اوقفها بسؤاله:

- عاصم ابن عمك عامل ايه دلوقت؟ دا انا زعلت اوى على اللى حصله.

اومأت له برأسها تقول بضيق وعينيها تجول يمينًا ويسارًا تخشى من مجيء مدحت ورؤيتها واقفة مع هذا الرجل:

- الحمد لله زين، هو دلوك احسن من الاول بكتير... ايه دا رائف اللى هناك ؟ عن اذنك اروح اندهله .

قالت الأخيرة وانظارها بالفعل ذهبت إلى محل الاَخر حيث يقف، فرد يونس لها بخبث:

- طب استنى الاول، هو انتى تعرفى هو واقف مع مين، قبل ما تروحي وتسلمي او تندهي؟

ناظرته باستفهام تجيبه:

لا طبعًا معرفش، بس هي باين عليها انها دكتورة يعني.

- بس كدة! تعرفي انها دكتورة وبس؟ ومتعرفيش انها تبقى مها خطيبة مدحت سابقاً؟

قالها يونس ليرى على الفور، رد فعل كلماته على ملامح وجهها وهي تهتف باستنكار:

- خطيبته ازاى يعنى؟ انا عمرى ما سمعت انه كان خاطب.

تبسم يونس يردف لها:

- ما هو كان مشروع خطوبة لأنهم كانوا بيحبوا بعض اوى بس ما عرفش ايه اللى حصل وخلاهم فركشوا واتجوزت هى استاذوا فى الجامعة بس اهى اتطلقت . ربنا يلم شملهم تانى .

قالها هذا المدعو يونس فشعرت هي وكان دوار برأسها بدا يدور، ليلفها داخل غمامة من الأفكار السوداء، لا تصدق ولا تستوعب ولكن يبدوا من طريقة هذا المدعو يونس في الحديث الثقة التامة فيما يردف، استغل يونس شرودها وهذا الحالة من التيه التي تكتنفها ليسألها:

- هو صحيح انتى مخطوبة لمين فى ولاد عمك يا نهال؟

التفت تطالعه عاقدة الحاجبين باستغراب لتجيبه بعدم تركيز:

- مين جال إني مخطوبة، أنا مش مخطوبه لحد، عن اذنك .

قالتها وارتدت تعود للغرفة، صارفة النظر عن البحث عن مدحت، اما هو فكانت تغمره فرحة غير عادية!


❈-❈-❈


عادت إلى الغرفة بحالة شاردة جعلت راضية تنتبه عليها لتسألها باستغراب:

- مدحت ولدي مجاش معاكى يعنى؟ مش انتي كنتي راحة تندهيلوا؟

ردت نهال وهي تجلس بجوار شقيقتها:

- انا ما عرفتش هو فين؟ مشتفوش اساسا.

همست بدور تسالها باستغراب هي الأخرى:

- ايه مالك شكلك متغير ليه كده؟

طالعته نهال بتفكير، عدة لحظات حتى حسمت الامر للتحدث معها، فهي في أشد الحاجة لمشاركة احد قريب منها لمخاوفها:

- بجولك ايه يا بدور، تعالى نطلع شويه فى البلكونة.


❈-❈-❈


- صباح الخير يا بطلنا .

قالها رائف وهو يقتحم الغرفة فجأة ضاحكًا، لتبادله سميحة الابتسام مرددة

- خش يا حبيبى، دا واد عمك بيسأل عليك من ساعة ما فاق، انت وحربي معاك.

- وانا جيت اها، عامل ايه النهاردة بجى،

قالها وهو يصافح عاصم بخفة، والذي رد هو الاَخر:

- زين والحمد لله يا سيدي، ناجصنى بس شوفتكم انت وواد عمك حربى، هو مجاش معاك ليه؟

غمز رائف ضاحكا يجيبه:

- عشان مينفعش احنا الاتنين مع بعض يا باشا، أصلنا عملينها دوريه ولازم حد فينا يكون موجود فى البلد .. عشان المحروس ميغبش عن عنينا، ولا انت محدش بلغك باللي احنا بنعمله؟

ضحك عاصم يرد:

- وطبعاً رئيس العصابة جدى ياسين 

جلجل رائف يردد ضاحكًا:

- طببعاً، أمال يعنى هيكون ابوك وعمامك الغلابة 


❈-❈

بالشرفة التي انفردن بها معًا سالتها بدور:

- طب وانتى اتأكدتى من كلامه دا كمان عشان تشيلي الطين كدة وتنجهري؟

اجابت نهال:

- مش عارفة، بس هو هيألف مثلًا ولا هيجيب كلام من مخه؟ وحتى لو حصل، هيبجى ليه؟

طب لو فرضنا طلع الكلام صح، انتى يهمك فى ايه؟ .

- كيف ميهمنيش انى اعرف انه كان مجاطع الجواز عشان حبيبة الجلب اللى غدرت بيه واتجوزت استاذه ودلوك جاعدة معاه فى نفس المستشفى .

قالتها نهال بعصبيه اربكت شقيقتها لتتمتم:

- بصراحة انا مش عارفه اجولك ايه؟

- انتي مش عارفة وانا مخى هينفجر وحاسه الارض بتلف بيا .

قالتها نهال قبل أن تجفل على النداء باسمها:

- يا نهال يا نهال تعالى هنا .


التفت الأخيرة عائدة نحو الداخل لتجيب أبيها وخلفها شقيقتها:

- ايوه يا بوى عايز ايه؟

استقبلها راجح بضحكة متوسعه بفرح يخبرها:

- جالك عريس يا بتى، شكلنا كده هنطلع من المستشفى بجوازه يا عاصم يا واد اخوى .

سمع الاَخير وازبهل صامتًا وهو ونهال ومعهما كان رائف وبدور نفس الشيء، فجاء الرد من راضية بحدة:

- عريس مين ده يا ابو ياسين اللى معندوش دم عشان يتجدم فى الوجت ده؟

قطب راجح من لهجة راضية المهاجمة بدون داعي، فقال موضحًا:

- وه يا مرة اخوى ... الراجل غريب وبيدينى فكرة عشان يتجدم رسمى بعدين، يعني مطلبش حاجة عيب ولا حرام.

دلف مدحت ومعه جده بوسط الحديث الدائر، فسأل بفضول:

- هو مين اللى يتجدم رسمى يا عمى؟ الموضوع فيه عرسان ولا إيه؟

التقط راجح السؤال ليرد بفرحة وفخر:

- واحد مركزه كبير جوى هنا فى المستشفى وبيجول انه صاحبك حاجة كده جيمة وسيمة:

ضيق مدحت عينيه بتفكير سائلا:

- مين دا اللى جيمة وسيمة؟ وعايز يتجوز مين؟ 

هتف راجح وكأنه يخبره بالبشري:

- اسمه يونس يا عم الدكتور، وعايز يتجدم ل نهال؟

سمع منه لتفور الدماء برأسه، وبرقت عينيه بشر ليردف بدون تفكير، مدافعًا عن حقه:

- مين يتجدم لمين؟ نهال مخطوبة اساسًا يا عمي.


... يتبع

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-