أخر الاخبار

رواية مواسم الفرح بفلم امل الفصل الثالث والرابع

مواسم الفرح 

رواية مواسم الفرح بفلم امل الفصل الثالث  والرابع

رواية مواسم الفرح بفلم امل 
الفصل الثالث  والرابع 


على تختها كانت جالسة بملابسها التي لم تقم بتبديلها حتى الاَن بوجه واجم، تتطلع على الأشياء الذهبية التي زينب أصابها ورسغ يدها بشرود، ينقصها هذه الفرحة التي تسمع عنها او راتها قبل ذلك على وجوه عرائس حضرت لياليهم سابقا من الأقارب أو الجيران، تتسائل بداخلها لما هذا التبلد الذي ينتابها ويمنع عنها الإحساس الجميل؟ تنهدت بقنوط فهذه الحيرة تتملكها منذ هذا اليوم الذي فاجأها به عاصم بهجومه المباغت لها، ليته تركها على حالها الأول فقد كانت هانئة البال ولا يشغلها شئ، أما الآن فهي لا تعلم ما الذي أصابها؟

-لسة برضوا ما مجومتيش من مكانك ولا غيرتي هدومك؟

هتف بها نهال تقطع عنها شرودها وهي تلج إلى الغرفة وقد بدلت لبيجامة بيتيه مريحة، فردت بدور بإجفال:

-إيه دا يا نهال خلعتيني؟ هو انتي عايزة مني حاجة؟

رمقتها المذكورة بنظرة ممتعضة لتقول وهي تجلس على تختها المجاور وتتناول هاتفها:

-سلامتك يا حبيبتي من الخضة، انا بس مستغربة حالتك، اصلك قاعدة من ساعة ما جينا وعلى نفس القعدة ع السرير ما تحركتي، مش ناوية تغيري طب عشان تنامي؟

تدراكت بدور بوضعها لتقول وهي تلملم فستانها وتحاول النهوض:

-حاضر حاضر، قايمة اها.

قالتها وتحركت خطوتين تجر بأذيال هذا الفستان الثقيل، ثم التفت سائلة شقيقتها:

- نهال هو ليه عاصم مجاش يباركلى زى حربى ولا الدكتور مدحت ؟!

رفعت رأسها نهال عن مطالعة الهاتف لتجيبها تهز رأسها بنفي:

-لا عاصم النهاردة مشفتوش خالص، دا باينه مجاش اساساً، وانتي بتسألي ليه؟

ردت بدور تقول بارتباك لا تعلم سببه:

- لامفيش يعني، بس انا بسأل عشان شوفتوا بعيني وحتى كان واجف على اَخر القاعة، فضل متنحلي وبعدها مشي واختفى،

- مشي على طول واختفى!

رددتها نهال بدهشة وهي تفكر، ثم ما لبثت ان تنفض رأسها وهي تردف:

- ع العموم كدة احسن، محدش عارف، يمكن لو كان جعد كان عمل خناقة ولا حاجة، دا طبعه حامي ومش مضمون.. 

أومأت بدور برأسها صامتة، حتى اجفلتها شقيقتها بقولها الحازم:

- ما خلاص يا بنتي اتحركي بجى عشان تغيري اللي لابساه ده، وخلينا ننام الوقت اتأخر. 

تحركت بدور على قولها، ما ان اقتربت من الباب حتى توقفت على قول نهال التي استلقت لتشد الغطاء عليها:

- بدور ، يا ريت والنبي تلحجي تغيري بسرعة ومتنسيش تطفى النور، الله يخليكى مش عايزه اروح لجدى الضهر بكرة، ماشى 

- ماشى.

قالتها بدور لتفعل ما طلبته منها شقيقتها، فهي الأخرى تريد ان تريح جسدها المرهق بالنوم، وعقلها أيضًا

❈-❈-❈ 


في اليوم التالي

تجمعت العائلة بمعظم افرادها، في منزل الحاج ياسين، بناءًا على قرار اتخذه الرجل منذ سنوات طويلة، حتى يجمع اولاده وأحفاده حوله في مكان واحد، اول جمعة من كل شهر .

السيدات يعددن الطعام ومساعدة صباح في ترتيب المنزل، والرجال في المندرة، اما الشباب والفتيات فكانوا يتسامرون في الحديقة، إلا نهال فقظ استأثر بها جدها الحج ياسين في جانب وحدهم على الاَريكة الخشبية المخصصة للرجل أسفل عرش الكرم،، غير مسموح لأي شخص الاقتراب بتحذير شديد من الحج ياسين الذي كان ممسكًا بكفيها الاثنان داخل قبضة يده، والقبضة الأخرى كان يضرب بها بخفة على جانب رأس نهال التي كانت لا تستطيع التوقف عن الضحك، وهو يقررها بتحقيق متواصل:

- يا بت جولى شوفتيها فين وعرفتيها كيف يا مجصوفة الرقبة، قولي يا بت.

قهقهت تغيظه ورأسها منكسة لتتلقى ضربات ياسين

- هههههههه مش حاجولك يا جد، مش هجولك. 

صاح ياسين بعصبية تثير الضحك:

- عليا النعمه يابت الفرطوس لو ما اتكلمتى لاكون مكسر العصاية دي على راسك، ردى يا بت

جلجلت بضحكاتها تحاول التماسك لتجيبه:

- هههههههه خلاص خلاص هاجول.

توقف ياسين على مضص وهو ينتظرها تلتقط أنفاسها حتى استطاعت التحدث:

- شوف ياسيدى، اولا كدة انت تعرف الواد عيد صاحب الطاحونة اللى جانبينا؟

أجابها ياسين بتركيز شديد:

- ايوه عارفه طبعا مش الواد النشفان ده .

رددت نهال:

- هههه ايوه هو الواد النشفان دا، اصله اتجوز بتها نسمة اللى كانت زميلة اختى بطة فى المدرسة، وانا امبارح شوفتها بالصدفه وهى رايحه لبتها، تصدج هى اللى عرفتنى وسلمت عليا .

رد ياسين ليسألها بلهفة:

- ايوه ايوه جولى كدة، طيب هى شكلها عامل كيف دلوكتى؟ لساها حلوه برضو ولا كبرت؟ طب وشها كرمش كده وعجزت زيى ولا ايه؟ ما تجولى يابت.

هنا لم تقوى على التماسك لتعود للضحكات تغيظه مرة أخرى بقولها:

- ههههههههه مجدراش ياجدى مجدراش .


❈-❈-❈ 

وإلى الشباب المنتشرين في الحديقة العتيقة لمنزل العائلة الذي مرت عليه العديد من العقود، كان الصغيرين نهلة وياسين ابناء راجح، يتلاعبون على جزع الشجرة الذي صنعوا منه ارجوحة يتبادلون الأدوار في اللعب بها، نيرة ومعها بدور كن يقفن متفرجات على رائف وحربي الذين كانا يتدربان على التصويب بالبندقية، يتساباقان على من يوقع عدد الاناءات الزجاجية الموضوعة للتنشين، والفتيات يقمن بالتشجيع، ليتوقف الجميع على صوت الصغيرين الذي صدح بالقرب منهم 

-الدكتور مدحت جه، الدكتور جه.

توقف المذكور يتلقف الإثنان ليرفعهما على ذراعيه، ويقبلهما سعيدًا بهذا الترحيب الصاخب، اقترب بعد ذلك يصافح الشباب واقفيبن، ضمه حربي بعناق رجولي مرددًا:

- ازيك ياكبير، حمد لله ع السلامة يا راجل عاش من شافك معانا هنا.

تقبل مزاحه مدحت يقول ببشاشة:

-تعيش يا عم حربي، انا كمان وحشتني الجعدة في وسطيكم والله.

صافح رائف والفتيات على عجالة وهو يردف:

-عشان كدة بجى جولت اخد اجازه ولو يوم واحد اريح نفسى من الشغل شوية والدايرة اللي مبتنتهيش دي، جدى فين بجى عشان اروح اسلم عليه؟

اجابته شقيقته الصغرى نيرة:

- ياسيدى جدك مجتمع مع الدكتورة نهال لوحديهم ومش سامح لحد فينا يقعد معاهم .

- لوحدهم ليه يعنى؟ طب هما فين ؟

سأل مدحت، وردت نيرة تذكره بمكان جدها الدائم بالحديقة اسفل عرش الكرم.


❈-❈-❈ 


على وضعها في مشاكسة ياسين بعدم اراحته بالإجابة عن الأسئلة التي يلح بها بعصبية، كانت تضحك بهستيرية متسمتعة بهذه اللحظات مع جدها، حتى اصبح وجهها كحبة البندورة الحمراء، وبعض الشعيرات تدلت من حجابها على وجهها لتجعل رؤيتها تخطف قلب من توقف بالقرب منهم، يستمع لقول جده المكرر:

-جولي يا بت الفرطوس، هجعد اليوم كله جبالك انا

-إنت عايزاها تجول إيه يا جدي؟

قالها يُجفل الإثنان، لترفع نهال رأسها إليه، وتوقفت عن الضحك لترا هذه النظرة الغريبة التي كان يرمقها بها، 

بعد ان انتبه أليه ياسين ليتركها ويستقبله بالترحاب وهو يدنو منه يقبل اعلى رأسهِ، ليتبادل على عجالة حديث ودي وهو يناظرها من طرف أجفانه، ليلقي عليها تحية سريعة ردتها إليه، لتفاجأ به يجلس بجوارها ويتحدث بطبيعية مع جده وكأن الوضع طبيعي، يدعي التغافل عن الرجفة التي شعر بها، وهذا التوتر الذي اكتنفها، فتسحبت بمرونة لتنهض مستئذنة منهما وتغادر بعيدًا عن حضوره الطاغي. 

❈-❈-❈ 


التقطت انفاسها اخيرا فورت ان ابتعدت عن محيطه، حتى إذا اقتربت من جمعة الشباب تلقفتها على الفور نيرة متخصرة بيدها تقول ساخرة:

- اهلا اهلا ياست هانم اللي بقالها جلسات سرية مع جدي، ها يا حلوة خلصتى الكلام السر ولا لسة؟

اجابتها نهال بنفس الأسلوب:

-سري بجى ولا علني، مالك يا بارده باللى بينى وبين جدى 

تدخلت بدور بينهم لتنهي الجدال من اوله:

- ماخلاص انتى و هى بجى، انتو هاتعملوها شغلانة...

توقفت لترتفع عيناها نحو هذا الذي أتى إليهم على الحصان بهيئته المهيبة دائمًا، فصدح صوت رائف يستقبله بقوله:

- ايه ياعم عاصم؟ واخد الحصان العالي من صباحية ربنا بتلف بيه فى البلد، هو طلع حجك فى الورث ياعم الحج وانا معرفش ولا حاجة يعني؟

جلجل عاصم بضحكة عالية وهي يهبط من على حصانه:

- عيب عليك تتكلم فى الورث وجدك عايش يا واد .

اكمل يلقي التحية على الفتيات متجاهلًا النظر نحو بدور :

- ازيكم يابنات عاملين ايه؟

رددن خلفه التحية ليذهب تارك الحصان لإيدي رائف، ويتغافل بقصد عن نظراتها المصدومة نحوه

ركضت نهال نحو ابن عمها قبل ان يعتلي الحصان مرددة بلهفة

- رائف رائف، سيبنى اركب الحصان والنبي عشان اخدلي صورة وانا عليه 

رد رائف ضاحكًا:

-اصورك فين يامجنونة؟ هو انت كد الحصان العالي ولا القعدة عليه، ابعدي عنه يا ماما بدل ما ينفر في وشك يوجعك .

رددت بتحايل وكأنها طفلة صغيرة:

- والنبى والنبى ياواد عمى عايزه اغيظ البنات بالصورة وانا عليه.

ضحك رائف بصوت عالي يقول بشقاوة:

- خلاص انا موافج مدام هتغيظى البنات

هللت بفرحة عارمة تشكره بامتنان، لتحقيق أمنية غابت عنها منذ فترة طويلة، لاعتلاء الحصان ورائف يحاول تهدئته والسيطرة عليه حتى استقرت فوقه في الأعلى وما ان شعرت ببعض الأمان وقبل ان تفرح بذلك لتجهز نفسها لالتقاط الصور، الا وقد باغتها الحصان بحركة عنيفة جعلتها تسقط من فوقه، لحقها رائف قبل أن تقع على الأرض جيدًا، ليصرخ بها فزعًا:

- حاسبى رجلك يابت عمى، اوعى تكون اتأذت.

حاولت نهال ان تتحلى ببعض الشجاعة والتحمل لتجيب بابتسامة رغم الالم الذي شعرت به:

- الحمد لله متاذيتش يا رائف، متشكرة يا واد عمي .

قالتها وهي تحاول إسناد نفسها جيدًا على الارض دون مساعدته، لتجفل بعدها منتفضة على صيحة عالية من الخلف 

- رااااائف.

التفت لتجده امامها باعين نارية يناظرها هي ورائف الذي كان ما زالت ذراعيه تسندها، حتى أنه لم ينتبه على يده فوق خصرها .


-❈-❈ 


صرخته القوية مع هذه النظرة الغريبة التي كان يرمقها بها وكانها أجرمت او فعلت شيئًا غير اخلاقي، جعلها تبادله بنظرة غاضبة غير متقبلة بأسلوبه في التعامل معها، أما رائف فقد كان رد فعله هادئًا، بل أنه ظل ممسكًا بها ولم يتخلى عنها حتى تناولتها منه بدور شقيقتها ونيرة شقيقته، ليكتفي بالرد ببرود نحوه:

-نعم يا حضرت الدكتور. 

اجابه كازًا على اسنانه :

- اخلص عايزاك .

اشار بكفه إليه مع إيماءة بعيناه، ليلتفت قول حربي هو الاَخر والذي جاء ليطمئن على ابنة عمه:

- ايه يا نهال يا بت عمي، ليكون جرالك حاجة قولي .

ردت تجيبه بارتباك لتخفي حرجها:

-ياجماعه مفيش حاجة اطمنوا، حمد لله جات سليمة.

سألها رائف بقلق:

- طب امشى عليها قدامنا، وخلينا نطمن.

همت ترد ولكنها انتفضت مفزوعة على صرخة مدحت على شقيقه:

-إنت يا زفت انا بكلمك ما بترودش ليه؟

التف إليه رائف يرمقه باستغراب ليجيبه:

- حاضر طيب ياعم الحج، هى الدنيا خربت؟

قال مدحت ليزيد من ذهولهم بهذا التعنت:

-لا مخربتش، بس اخلص يالا وهات الحصان معاك .

تمتم حربي هامسًا ل رائف وقد ادهشه فعل مدحت أيضًا:

- هو اخوك ماله يا عم انت ؟

هز كتفيه رائف يرد بسأم :

-انا عارف يا عم ماله دا كمان؟ شغال يزعق والواحد اعصابه مش متحملة أساسها.

خاطبته نهال برجاء:

- خلاص يا رائف اطمن انت وروح شوف اخوك عايز ايه، انا جولتلك انى تمام .

رد رائف مستسلمًا:

- ماشى انا هروحلوا بالحصان وراجع تانى،


❈-❈-❈ 

- ما بدري يا باشا؟ وكنت جعدت شوية تاني كمان من غير ما تعبرني ولا ترد عليا؟

هتف بها مدحت بانفعال، ذراعيه الأثنان خلف ظهره، عاقدًا كفًا بالأخرى، وعلاقة المفاتيح تهتز منهما بعصبية:

رد رائف باستهجان:

يا سلام، وانت تستنانى ليه يعني، ما كنت جيت واخدته بنفسك مني؟

تناول مدحت لجام الحصان ليقول وهو يحاول اعتلاءه:

- معلش يا بشمهندس، لو كنت عطلتك شوية عن الضحك والمسخرة 

رد رائف مستنكرًا تهكم شقيقه بهذه الكلمات:

- مسخرة! طب براحة شوية ع الحصان تلاجيه مستغربك بس عشان بجاله زمن ماشفكاش

قال مدحت بتحدي وهو يشدد على اللجام بغرض السيطرة على ذعر الحصان:

- متخافش عليا انا يمكن كنت بعيد عنه بجالى فتره طويله بس انا خيال واعرف كيف اسيطر عليه من تانى.

قالها ليأمر الحصان بالتحرك فور أن أتم احكام السيطرة عليه، ليتمتم رائف وعيناه تطالع ركض الاَخر بالحصان أمامه:

- هو ماله كده واخدها تحدى !


❈-❈-❈ 


- الله شايفين يا بنات اخويا بيجرى بالحصان كيف؟ فارس بصحيح.

هتفت بها نيرة مهللة بفرحة وهي تشير للفتيات على شقيقها وهو يركض بالحصان الذي اعتلاه منذ قليل، رأته نهال وهو يطير أمامها لتشعر بتخضم قلبها داخلها من البهجة، وقد ذكرها بحلمها وذكرى جميلة كبرت عليها لتجعله الوحيد بعقلها وفارس أحلامها عن حق ، كان هذا قبل أن تكتشفه حديثًا بعد ان نظر لشقيقتها، زمت شفتيها بضيق وقد عادت لعقلها بعد ان استفاقت من حلم الطفولة والمراهقة والمتعلق بهذا الكائن، قالت بدور بشرود مبتسمة جعلها تنتبه من افكارها

- برضك مش زي عاصم

-مين؟

تفوهت بالسؤال نهال بعدم استيعاب وهي تطالع شقيقتها بنظرات متشككة جعلت الأخرى تتربك وهي تحاول التهرب بعيناها عنها، فقالت نيرة مخاطبة نهال:.

- وانتى هتفضلى واجفة كتير متتحركى تمشى خلينا نشوف رجلك تمام ولا فيها حاجة

سمعت منها نهال فحاولت تحريك اقدامها لكنها شعرت بالالم الذي جعلها تعرج عليها، مما جعل شقيقتها تقترب منها لتسالها بقلق بالغ:

- اوعى تكون الوجعة اثرت على الكسر الجديم؟

نفت نهال بتحريك رأسها تقول:

- لاه مش المكان الجديم دى حاجه بسيطة

قالت نيرة تشاكسها بلوم: 

- كان لزوموا ايه بس ركوبة الحصان العالى مكنتى ركبتى مهرة صغيرة وبرضك كنتى هتغيظى صحباتك . دا انتى تحمدى ربنا ان اخويا رائف لحقك و لا كانت الوجعة بجت فى المخ وبدال ماكنتى دخلتى طب، تدرسى كنا داخلناكى مستشفى المجانين مجنونة ههههه

ردت نهال بغيظ اشتد مع رؤية بدور التي تاَمرت بالمشاركة في السخرية عليها بالضحك هي الأخرى 

- هاها ظريفه يا اختى انتى وهى، جاتكم الهم، انا سايباكم خالص وداخلة.

قالتها لتذهب من أمامهما ، تتحامل بالعرج على قدمها المصابة:

لحقنها الفتيات مرددات خلفها:

-خلاص واحنا كمان جايين معاكى، بس براحة شوية على رجلك فى المشى واسندى عليا .


❈-❈ 


على مائدة السفرة التي ارتص عليها كل ما لذ وطاب، تجمع افراد العائلة بعد صلاة الجمعة يتناولون وجبة الغداء، صباح كانت هي من تدور على الجميع تراعي وتوزع الابتسامات لتتأكد من إرضاء الجميع، خصوصًا مدحت والذي هتف معترضًا:

-خلاص يا عمتي الله يخليكي، كفاية بجى انتي مكلتيش خالص.

ردت صباح ببشاشة:

-يا حبيبى انا فرحانة بجيتك وعايزك تاكل زين، دا انت بجالك سنين مكلتش معانا.

قالت مدحت ضاحكًا:

- سنين برضو يا عمتى؟ اشحال إن ما كنت مشرف هنا الجمعة اللي فاتت، لحجتي تنسي برضو؟

جلجلت صباح بضحكة عالية تردف له:

- يوم الجلسة التاريخية هههههه بس انا ملحجتش ارحب بيك في يوميها، اصلنا كنا منتظرين الحكم ههههه.

القت بمزاحها صباح دون ان تدري بالحرج والضيق الذي اصاب البعض رغم، ضحكات البقية، حتى تدخل ياسين وهو يكتم ضحكته بعد ان شعر بذبذبات التوتر

- خلاص يا صباح اجعدى كلى وفضيها حديت، الكل بياكل هتجعدي انتي كدة بجى فوق راسنا لحد ما نشبع؟

ردت صباح مذعنة بطاعة:

- حاضر يا بوى، إنت تؤمر.

صمت قليلًا ياسين ثم رفع رأسه إلى الجميع موجهًا خطابه:

- انا مش عايز حد يزعل من حكم حكمته، يعلم الله انى خفت لتجولوا انى فضلت واحد عن التانى، يعنى يوم بطة بت راجح الكبيرة، لما اختارت بنفسها واد خالها اللي في بلد تاني عنينيا، انا مجدرتش برضوا إني 

اجبرها على بلال ربنا يرجعه بالسلامة من الإعارة وهو واد عمها واولى بيها.

قال راجح بابتسامة ممتنة:

- كلنا عارفين غرضك يا بوى ومجدرينه عشان كدة محدش فينا عارضك في رأي، ربنا يخليك لينا وتجوزهم كلهم ان شاء الله.

تمتم الجميع خلفه بالدعاء وقال ياسين بإصرار:

- اسمعها منيهم واتأكد، عايز بزعل حد منهم.

قال عبد الحميد  بثقة بعد ان القى نظرة على زوجته وأولاده

- انا عن نفسى راضى بحكمك يا بوى، انا وولدى الدكتور مدحت.

قال ياسين مخاطبًا مدحت:

- صح يا دكتور كلام ابوك ولا انت ليك راي تاني؟ 

اجابه مدحت وهو يطالع نهال من طرف أجفانه:

- صح يا جدى، انا عايزك تبقى مطمن إني مش زعلان أبدًا، لأنها كانت غلطة مني، بس انا عارف كيف اصلحها.

قال الأخيرة بمغزى وصوت خفيض وعيناه اتجهت بشكل مباشر على نهال التي انتبهت مستغربة. 

نقل انظاره ياسين نحو محسن سائلَا:

-كويس يا ولدي جول بصراحة لو عندك اعتراض إنت ولا ولدك .

تدخلت هدية قائلة:

-واحنا لينا حق نعترض برضوا يا عمي؟ دا انت الخير والبركة. 

علقت راضية على قولها ساخرة:

- بيجول يا محسن مش يا هدية، هو انت حد جاب سيرتك اساسًا؟

كزت هدية على أسنانها تريد الفتك بها او التفوه بما يفحمها بها ولكن ياسين قطع عليها بقوله:

- ماتجول يا ولدى عن رأيك بدل كلام الحريم الماسخ ده.

اجابه المذكور:

- يا بوى انا وولدى ملناش حق نعترض في أي شئ انت حكمت بيه ع الكل مش على فرد واحد، واحنا تحت امرك فى كل اللى تقوله.

توجه ياسين ل حربي سائلًا:

-ودا رأيك برضوا يا حربي ولا ليك رأي غير ابوك؟

اجابه المذكور بخفي تردده:

- اا كل شئ نصيب يا جدى، وانا مش هبقى مخالف عن حد من العيلة.

تنهد ياسين بثقل يوجه سؤاله الاَخير نحو الجهة الشائكة:

- نيجى بجى للمهم وربنا يستر، ها ايه رأيك بجى في اللي حصل واتجال يا سالم؟ انت ولا وعاصم ولدك؟.

قالها ياسين وعيناه تطالع عاصم والذي فاجأ الجميع بقوله: 

- ربنا يستر ليه بس يا جدى، هو انت فاكرنى اجل منهم في العقل يعني؟ دا انت جولت بنفسك، بطة لما اختارت ماجدرتش انك تجبرها و انا راجل يا جدى يعنى لو حكمت ادوس على جلبى هادوس.

قال الأخيرة وعيناه اتجهت مباشرةً نحو بدور التي شحب وجهها برده العنيف، لتزداد دهشتها مع قوله حينما اردف

- وعايزك تطمن يا جدى انا جريب هفرحك، عشان ازيح عن راسك همي.

تدخلت سميحة والدته، تساله بلهفة:

- صحيح يا:ولدى، يعني انت نويت ع الجواز صح؟

رد يجيبها:

صحيح يا ست الكل، وافرحي وفرحي الكل معاكي كمان .

توقف فجأة ليُفاجأ نيرة بسؤاله:

الا جوليلى يا نيرة، هو انتى فى سنة كام دلوك ؟!

اجابته نيرة بعفوية:

- انا فى تانية ثانوي زراعي 

استمرت بعد ذلك الأحاديث الودية بين الأب والأبناء والاحفاد، أما بدور صاحبة المشكلة الرئيسية فقد كانت على مقعدها لا تعرف ما الذي أصابها، تشعر بدوار اكتنفها فجأة او حالة من الاختناق لا تدري بسببها، حتى انها فقدت شهيتها، وكانت تتلاعب بطبقها لدرجة من السهو جعلت والدتها تنتبه عليها لتعقب سائلة بصوت واضح:

-بتعلبي في طبقك وما بتاكليش ليه يا بت؟ هو انتي عايزة عزومة؟

رفعت عيناها لتهم بالرد لتفاجأ بعيني عاصم أمامها والذي انتبه على صوت نعمات، ليزداد ارتباك الأخرى واضطرابها، فصدح صوت الهاتف امامها على سطح الطاولة، لتعلم بهوية المتصل فابتلعت ريقها لتكتم الصوت على الفور، فهي لا ينقصها، ليجفلها الصوت مرة أخرى فور انتهاء المحاولة الأولى، مما جعل والدتها تخاطبها بضيق:

- خبر ايه يا بت؟ ما تردي ع المخروب ده وتشوفيه مين اللي بيتصل، بدل ما هو بيرن كدة ع الفاضي.

ضغت على الهاتف تقول لها :

- لااا ماهو مشهم ياما .

عاصم والذي كان يمثل التغافل امامها كان يعلم بهوية المتصل دون ان تقول، فيكفي حرجها أمامه ليخمن وحده، فكان يحاول السيطرة على حريق صــ دره، يمضغ الطعام بصعوبة تجعله يبتلعه في حلقه وكأنه حجارة، وليس طعامًا عادي 

وبالقرب منه كان الاَخر لا يرفع انظاره عن متابعة رائف شقيقه وهو يمازح نهال بالهمس والتعليقات الساخرة عن وقعة الحصان، وهي تسجيب ضاحكة بصوتها الخفيض، رغم تحذيره من غضب الجد، وعدم راحتها من نظرات هذا المدعو مدحت التي كانت تلمحها كلما رفعت رأسها عن طبق طعامها، حتى غمغمت حانقة:

-- استغفر الله العظيم يارب .

- ايه مالك؟

سألها رائف لتومئ له بعيناها نحو شقيقه، ف انتبه هو الاخر ليعقب بعدم اكتراث متفكهًا: 

- يا بنتي ما دا الطبيعي مش دكتور ومحترم، يعني اهم حاجة عنده الانضباط، اما الضحك والهزار الجانبي دا ميعجبوش أكيد يعنى مش زيى تافه ومهزهق 

- هههه

صدحت بصوت واضح جعل الجميع ينتبه إليهما، وازداد اشتعال الاخر ليحدجهم بحدة مخيفة،وهتف ياسين موبخًا رائف بصوت عالي:

- انت ياد مش ناوى تسترجل كده وتجعد عاقل زي الناس، كل مره هانجولهالك ياد، فالح غير فى المسخرة مع البنتة

رد رائف بدفاعية ضاحكًا:

- وه يا جدى هو انا بهزر مع حد غريب؟ دى بت عمى.

فاض بمدحك لينهض فجأة عن كرسيه الذي أزاحه للخلف بعنف اجفل الجميع، فقال معتذرًا:

- انا خلصت وعايز اروح الحمام.

هتفت صباح تقول بعتب:

- طب كمل واكلك الاول يا ولدي، هو انت لحقت تاكل؟

-كلت وشبعت يا عمتي

قالها مقتضبة، ثم ذهب من أمامهم بسرعة البرق. 

❈-❈-❈ 


بداخل الحمام وعلى طرفي المغلسة كان مستندًا بكفتيه، يتطلع للمراَة بأنفاس متهدجة من غيظ يكتنفه بشدة، يود تكسيرها أو فعل أي شئ يفرغ فيه طاقة الغضب بداخله، هو ليس صغيرًا حتى لا يعلم بحقيقة ما يشعر به الاَن، لقد فكر كثيرًا وحسم قراره، ولن يمنعه شئ في التنفيذ، دنى برأسه يفتح صنبور المياه ليتناول منها كمية باردة ليتغتسل بها على وجهه، علّها تهدئ النيران التي تسري بداخله الاَن


❈-❈-❈ 


وإلى نهال التي حاولت النهوض عن مقعدها بجوار السفرة، بعد الإنتهاء من الطعام وذهاب المعظم لشئونهم، لتفاجأ بهذا الألم الموجع بقدمها والذي جعل صرخة مكتومة تخرج منها دون إدارتها، حتى جعل والدتها والحج ياسين ينتبها لها ليسألاها على الفور:

- مالك يا بت في حاجة وجعاكي؟

-هي الصرخة دي طلعت منك انتي يا نهال .

هزت برأسها بحركات غير مفهومة، لتتأوه غير قادرة على كتمان الألم، تركت والدتها الذي كان بيدها من أطباق تحملهم لدخول المطبخ، واقتربت من ابنتها سائلة بجزع:

- إيه اللي واجعك يا جزينة؟

-رجلي مش قادرة ادوس ولا اخطي عليها.

همست بها بصوت باكي جعل ياسين يقترب منها، ليسندها بيده ويسألها بصوت ملهوف:

-ورجلك توجعك ليه؟ إيه اللي حصل؟

أجابت بدموع خانتها:

-اصلي وجعت عليها النهاردة 

سمعت منها نعمات لتهتف بجزع:

-وجعتى عليها ربنا يستر، اوعى تكون ورمت يا بت، وريني كدة خليني اشوفها، ولا نواديكى للدكتور نطمن احسن .

قاطعها ياسين يقول بحزم وهو يشير على مدحت الذي كان خارجًا من حمامه الاَن:

- ونوديها لدكتور غريب ليه ان شاءالله؟ واحنا الدكتور فى بيتنا تعالى يا ولدى شوف بت عمك.

جزعت نهال من مجرد الفكرة لتهتف معترضة بفزع:

-لا طبعًا، انا مش عايزة حد يشوفني، انا رايجة أساسًا، حتى شوفوا اها.... ااه.

صرخت بالاَخيرة، فور ان ابتعدت خطوتين متحاملة على قدمها المصابة، لتفاجا بكفه التى امسكت بها على الفور يسألها بلهفة:

- مالك يا نهال فيكى ايه؟

توسعت عيناها وتغير لون وجهها، وهي تطالعه بهذا القرب الشديد، لتجد جدها يجفلها بقوله للاَخر:

-شوف رجلها يا ولدي البت دي....

قاطعته تشهق منتفضة لتردد بهستيريا:

- لا لا مينفعش انا رايجة، والنعمة انا رايجة ومافياش حاجة، خلينا نمشي ياما.

هيئتها المذعورة من لمسته وهذا الخوف الشديد من فحصها، جعل ابتسامة متسلية تعتلي محياه، يطالع خجلها الشديد بشغف وهي تحاول إخراج كفها من كف يده، ليشدد عليها بسماجة قائلًا:

- وليه يا ست نهال؟ مش شايفانى دكتور جدامك ولا إيه يعني؟

صاح الجد ياسين معترضًا:

-إيه الكلام اللي انت بتقوله دا يا دكتور؟ دا واد عمك يا بت، يعني مش غريب.

غمغمت نهال تصرخ داخلها بقهر:

- ما هو الغريب هيبجى احسن منه !!


الفصل الرابع 


يشدد عليها بإلحاح لفحص قدمها الذي ترفضه بشدة لدرجة جعلتها، تتشنج بين يديه وهو يدعي انه يسندها، ولكنه في الحقيقة اتخذها فرصة بإصراره على مناكفتها، 

مستغلًا هذا القرب منها، تغمره الفرحة، وهو يرى تفاصيل ملامح وجهها المليحة عن قرب، يشعر بارتجافها مع خجلها الشديد بعدم النظر مباشرةً في عيناه، ممسكًا بمرفقها ويلح بسماجة لفحصها حتى هبط والدها مجفلًا على الدرج من سطح المنزل الذي كان يتشارك الجلسة به مع اخوته كعادتهم الدائمة بعد انتهاء وجبة الغداء بارتشاف الشاي في ضوء الشمس وفي الهواء الطلق، وذلك بعد ان أخبرته نهلة الصغيرة بما حدث مع شقيقتها الكبرى، فهتف لاهثًا بجزع:

- إيه اللي حصل؟ مالك يا بت يا نهال فيكي إيه؟

رد الحج ياسين باستهجان:

- تعالي يا ولدي شوف بتك وراسها الناشفة؟ تعبانة وتاعبانا معاها .

اضافت نعمات هي أيضًا:

- بتك رجلها مجدراش تجف عليها يا ابو ياسين و مش عايزه واد عمها يكشف عليها ولا يشوفها .

- وه

خرجت من راجح ليكمل بارتياع:

- مرضياش ليه بس يا بت؟ متخليه يشوف رجلك ويكشف عليها، عشان يعرف اللي بيها بالظبط ويحدد العلاج .

رد مدحت بخبث:

- يمكن مش مقتنعة انى دكتور يا عمى وعايزه حد غريب يكشف عليها .

قال راجح بعصبية:

- حد غريب كيف يعني ؟ وانت دكتور كد الدنيا

اجعدى يا بت خليه يشوف رجلك .

هتف بالاخير بحزم جعل نهال تقول بلهجة باكية:

- يا بوى حن عليك انا عايزه اروح بيتنا . 

خرج عن شعوره ونفذ صبره راجح وهو يهدر بها ها تروحى كيف يا بت ال... 

توقف وهو يقترب منها مخاطبًا مدحت:

- إوعى كده يا ولدى اوعى

أردف بها ثم باغت نهال برفعها عن الأرض ليحملها بين ذراعيه، شهقت نهال مجفلة وهي ترى تجاهل والدها اعتراضها ويدعو مدحت ليأتي خلفهما حتى دلف لحجرة الجد ياسين في الطابق الأرضي ليضعها على التخت النحاسي القديم لياسين، ثم هتف بحزم تجاه مدحت الذي لحق به ووالدتها :

- اكشف يا ولدي ع البت دي خلينا نخلص.

تطلع مدحت نحوها فوجدها انزوت الفراش، تغطي قدمها ودمعة ساخنة نزلت من وجنتها، مطأطأة رأسها بحرج، اصاب قلبه الشفقة عليها وشعر بعدم الارتياح في نفس الوقت ليتصلب مكانه متوقفًا بتردد لفعل اي شئ، حتى رفع رأسه إلى راجح يخاطبه:

- ها كشف عليها كيف بس ياعمى اديك شايف؟

قالها مدحت ثم التف بظهره عنهم، يمسح بكف يده على شعر رأسه حتى الألف، والأخرى بجيب بنطاله، ليصدر صوت نعمات من خلفه :

-ولي وشك يا دكتور وتعالى اكشف ع البت .

التف إليها ليجدها جلست بالقرب من ابنتها تستطرد بصرامة:

- اسمعني ايه يا دكتور ، انا امها وبجولك شوف رجلها يا ولدى، احنا مش ناجصين يطلع كسر ولا حاجه عفشة

شعر مدحت ببعض الراحة بعد ان راى استجابة نهال بان دفنت راسها بحضن والدتها التي دثرتها بالغطاء وكشفت عن القدم المصابة فقط

فتقدم ليجلس على طرف السرير، بحرج اصابه مرة اخرى، فتحمحم يجلي حلقه قبل ان يتناول قدمها والتي ما ان وضع كفه عليها حتى انتفضت، فخرج صوته بصعوبة ليقول بعملية يحاول التركيز بها :

- وبعدين بجى، انا كدة مش هاعرف اكشف على فكرة .

قالت نعمات بأمر لابنتها

- خلاص يا دكتور هى هتهدى على طول اها، ارخى نفسك يا بت شوية على واد عمك عشان يعرف يكشف. 

استجابت لامر والدتها تحاول التماسك وتناسي لمسته على قدمها، رغم ضحيج قلبها بداخلها الذي ينبض بعنف وغباء انساها ألم الإصابة، 

بعد ان انتهى من الفحص التف مدحت لعمه قائلًا:

- اطمن ياعمى مافيش كسر والحمد لله هى بس اجزعت والظاهر كده انها اتحاملت عليها، انا هكتبلها على شوية ادوية وان شاء الله خير.

قال راجح بلهفة:

- بجد يا والدي يعني هتجدر تمشي عليها بالعلاج بس من غير تجبير والمرار الطافح ده:

اومأ له مدحت قبل ان يوجه حديثه لها بصوته حنون:

- خلاص بجى ارفعى وشك متتكسفيش 

سمعت منه لترفع رأسها ببطء من حضن والدتها، ليرى وجهها المخضب بالحمرة وعيناها التي لا تقدر على مواجهة خاصتيه، لتجعل قلبه يكاد ان يتوقف عن النبض لهذا الخجل الذي يذهب بعقله، ولكنه استفاق على سؤال والدها إليها 

- لكن انتى وجعتى فين يا بت؟

تلبكت نهال لتجيبه بارتباك:

- ااا م على عتبة السلم يابوى.

شعر مدحت بكذبها ولكنه فضل السكوت لينتبه على قول والدتها:

- نحمد ربنا بجى انها جات على كدة، دا انا خوفت قوي لتكون جات على الكسر الجديم. 

هم مدحت بالسؤال ولكنه توقف على دلوف الجد ياسين ومع نساء أعمامها

- عامله ايه دلوكتى يابت الفرطوس خلعتينى عليكى

قالها ياسين بمزاحه المعتاد وهو يجلس على طرف التخت بجواره وهو يقرب رأسه لحضنه، وجابت هي 

- حمد لله يا جدى زينة.

قالت سميحة زوجة سالم:

- الف سلامه عليكى يا بتى، ربنا ما يجيبلك حاجة عفشة أبدًا.

أومأت برأسها إليها نهال بشبه ابتسامة كرد طبيعي، لتجفلها هدية زو جة عمها محسن بسؤالها:.

- بس انتى كنتى رايجة الصبح امتى وجعتى عليها بس؟؟

تدخلت راضية بقولها:

- شكلها كده وجعت عليها جبل الغدا، عشان انا لمحتها بتعرج على خفيف قبل ما نقعد ناكل كلنا، بس ملحجتش اسألها عن السبب، لكن الحمد لله بقى، ان الدكتور فى بيتنا، يعني مش هنعوز نطلع بيها بره عشان نكشفلها.

قالتها بإشارة عن ابنها مدحت الذي نهض من محله ليستأذن في الخروج بعد ان ازدحمت الغرفة بأفراد عائلته التي تريد الاطمئنان عليها. 

اوقفه عمه راجج بقوله:

-طب استنى يا ولدي اكتبلى على ورقة بالادوية اللى هاجيبها قبل ما تطلع .

أومأ له مدحت برأسه ليقول:

- حاضر يا عمى حاضر على ما ارجع بس متشلش هم انت .

تحرك خطوتين ثم هتف على والدته قبل ان يصل للباب:

- أمى، هى البت نيره فين ؟ 

اجابته راضية:

- فى الجنينه ياولدى هى و بدور بت عمها ، اصل الاتنين جاموا من عالوكل مع بعض.


❈-❈-❈ 


بحديقة المنزل كانت نيرة تتابع المكالمة التي تجريها ابنه عمها بدور، بتسلية شديدة وضحك متواصل لا يتوقف والأخرى عابسة الوجه تجيب على محدثها عبب الهاتف بغيظ:

- زينه الحمد لله...... أمممم..... لا مافيش حاجه عادى.....أممم...... أممم....... طيب حاضر .... وانت كمان...... يالا سلام .

.انهت تتنفس بارتياح وكأن الهواء داخل صــ درها للتو فقط، لتزفر بصوت عالي قائلة:

- اووووف اخيراً خلص الكلام يا ساتر .

ضربت نيرة كفيها ببعضهم مرددة بدهشة

- لا اله الا الله، بجى هو دا كلام الخطاب يا ناس، دا انتى شوهتى الصوره عندى خالص، يخرب مطنك يا شيخة. 

ردت بدور بعدم اكتراث:

- وانا مالى هو انا جولتلك تيجى معايا ؟

ردت نيرة :

- شايفة التليفون فى يدك رن رن فهمت على طول انه خطيبك، واما جومتى تردى جولت اجى اشوف كلام الحب اللى بنسمع عنه، سديتى نفسى ياشيخة

قالت بدور متفكة هي الأخرى :

- طيب احسن وبالمره ماتتجوزيش كمان

جعدت نيرة بوجهها تقول بضيق:

- يا شيخه غورى.

ضحكت على قولها بدور حتى انتبهت على رؤية مدحت فقالت :

- اخوكي باينه الدكتور جاي يندهلك .

نظرت نيرة في اتجاه اخيها بتساؤل حتى اقترب يخاطبهم:

- ايه يا بنات واخدين جمب لوحديكم يعنى؟

ردت نيرة سريعًا:

- لا ياةخوى ولا جمب ولا حاجة، دا احنا بس كنا بنحكى فى كلام بنات كده يعنى، لكن انت عايز حاجة؟

اجابها مدحت:

- لا يا ستي انا مش عايز حاجة منك، غير إني أسألكم بس، هى نهال وجعت فين النهاردة؟

انتبه مدحت على ارتباك الاثنتان ونظرات القلق التي يتبادلنها مع بعضهن، حتى قالت نيرة:

-هجولك بس انا مش عايزاك تقول لجدى ولا حد من عمامى.

اشار بسبابته لتكمل استرسال الكلمات دون توقف 

- بصراحه يعنى هى النهاردة كانت عايزة تتصور عالحصان وخلت رائف يساعدها، بس الحصان وجعها، لكن الحمد لله رائف"لحجها بس رجلها جات تحتها.

ضيق عينيه بتفكير، يتذكر انفعاله على أخيه وقت أن اشتعلت برؤية كف أخيه على ظهرها، بجوار الحصان ليتبين الان السبب لذلك، فقال موجهًا كلمتها للفتيات:

- كدة انا فهمت، طيب انا حبيت اجولكم انها كانت بتصرخ منها دلوك ومجدرتش تمشى عليها.

صرخت بدور بخضة للتحرك على الفور مرددة:

- يا نهار اسود وانا جاعدة هنا بحكي؟ انا رايحالها.

همت نيرة بالحاق بها قبل ان توقفها كف أخيها التي أطبقت على رسغها، فتسائلت بدهشة:


- بتوجفني ليه؟ هو انت عايز مني حاجة يا خوى؟

قال مدحت بصوت حازم يسألها"

- عايز اعرف منك، إيه حكاية الكسر الجديم؟ هى نهال، رجلها اتكسرت جبل كده؟

اجابت نيرة على الفور:

- ايوه طبعا دى ضاعت عليها سنة دراسية من عمرها بسبب الكسر ده، هو انت مش فاكر؟

- لأ مش فاكر طبعًا، دا كان امتى بالظبط؟

قالها مدحت بعدم تذكر، لتهتف نيرة باستدراك:

- ايوه صح انت ساعتها كنت فى مصر بتدرس انا نسيت 

هز رأسه بتفهم ثم سألها:

- بس انتي برضو مجولتليش، هي اتكسرت ازاى؟

اجابت بارتباك:

-ماهى كانت وجعة حصان برضوا، بس دى كانت الفرسة الكبيرة، اصلها كانت بتحب تركبها بس جدى من بعد الوجعة، حلف عليها ما تركبها تانى وعشان كده احنا مجدرناش نتكلم على الوجعة الجديدة 

هتف مدحت بغضب:

- واخوكى عارف كدة، ومع ذلك اتصرف معاها باستهتار زى عوايدو؟

صمتت نيرة ولم تجد ما ترد به، فتركها ذاهبًا بغضبه دون ان تعلم وجهته.


❈-❈-❈ 


قبل قليل .

بخطوات السريعة كانت تهرول كي تطمئن على شقيقتها بعد أن أخبرها مدحت بالتعب الذي ألم بها، وما ان ولجت لداخل المنزل الكبير، إلا وقد وجدت حائط بشري ضخم كادت ان تصطدم لولا تراجعه هو للداخل بعد انتابه سريعَا، بهتف بصوته العالي:

- - حااااسب.

شهقت تخفض عيناها من الحرج فور ان عرفتهذ:

-انا اسفه ماكنتش شايفاك

قالتها بخجل شديد تتمنى الارض ان تنشق وتبتلعها

تحمحم هو يشيخ بوجهه عنها ليقول بصوته الرخيم:

- ااا محصلش حاجة، ادخلى انتى خلاص .

سمعت منه لتعدو على الفور بخطواتها السريعة لتختفي بداخل المنزل الكبير، واستغل هو ليُتابعها بعيناه المشتاقة رغم كل هذا الجمود الذي يدعيه زورًا أمامها، سمع صوت ضحكة مكتومة من خلفه جعلته يلتف برأسها ليجد ابن عمه رائف، يكتم بكفه على فمه وهو يكاد ان يقع من الضحك.

تمتم عاصم باستغراب:

- يا سلام وايه بجى اللى مخليك واجع على نفسك كده من الضحك؟

رد رائف غامزًا عيناه بمغزى فهمه عاصم، واللة تخصر بذراعيه يضغط باسناني على شفته السفلى يردف بابتسامة:

- يعنى انت بتتمسخر عليا انا !!

رد رائف بمشاكسة:

- هههه انت زعلت ياعسل .

قال عاصم بتحذير، والابتسامة ما تزال تعتلي قسماته:

- يا واد عمى انت مش كد دراعى ولا زندى .

زاد رائف بمناكفة:

- مش لما تمسكنى الاول يا عسل .

تحرك عاصم ببطء الفهد يقول بنبرة تبدو عادية:.

- لا يا سيدى، انا راجل ماشي في حالي، لا عايز عمى عبد الحميد يزعل، ولا الدكتور كمان ياخد جنب منى .

توقف على مسافة عطوة واحدة يطالعه بنظرة مبهمة، فقال رائف بضحكة سمجة:

- يعنى انت على كدة مش هتكلمنى عشان ابويا واخويا بس؟ مش عشان انا صغير ومجيش في نص دراعك؟

زادت اتساع ابتسامة عاصم بصمت حتى اعطاه الأمان ليباغته، بلف ذراعه حول رقبته ليضغط عليها قائلًا بزهو روجولي:

- مين دا اللى يسيبك ياد انت؟ انا عاصم ياد، انا مين ؟!!

رد رائف ضاحكًا رغم ألألم الذي يشعر به : 

هههه سيب يا عاصم وانا اوريك انتى اساساً خدتنى على خوانه.

قال عاصم وهو يزيد بالضغط على رقبته:

- يخرب بيت شيطانك، ارحم نفسك واتأسف ياد .

استسلم رائف اخيرًا يردد بالضحك ايضًا:

- انا اسف انا اسف ياعاصم باشا 

- ايوه كده.

اردف بها عاصم ، ثم فك ذراعه عن الاَخر، ليقول وهو يشير على عضلات ذراعهِ الضخمة بتفاخر واستعراض:

- ايوه كده لازم يعنى تشوف منى العين الحمرا.

رد رائف لاهثًا وهو يهندم ملابسه:

- يا عم انا عارف عاجباك فى ايه؟ 

عبس وجه عاصم ليقول بغضب:

- وبعدين معاك يا رائف انت كدة هاتزعلنى صح.

قال رائف بإصرار:

- يا سيدى انا مش عايز ازعلك بس يعنى بدور بصراحة كدة، عمرها ما عجبتنى، دايما مستكينة ومش مفهومة، ما بطلعش صوت ولا ليه فى الهزار مش زى نهال.

- مالها نهال ؟

صدرت بخشونة من خلفهم، فالتف الإثنان نحو مدحت الذي كان يقترب منهما وقد عرفاه من صوته، فاستقبله رائف بتهليل مستخف كعادته:

- اهلا اهلا بالدكتور.

تقدم مدحت بغضبه يباغت شقيقه بدفعه قوية بكفيه على صــ دره، حتى ارتد بأقدامه للخلف متفاجئًا يصيح به:

- إيه ده في إيه؟ هو انت جاي تضربني ولا إيه؟

هدر مدحت بعنف:

- في انك بني أدم عديم الإحساس، وتستاهل فعلا الضرب .

هتف رائف بانفعال:

- انت اجنيت ياك؟

هنا مدحت فقد البقية المتعقلة برأسها فهجم يريد ضربه، لولا ذراع عاصم التي تصدر بجســ ده امامه يمنعه عن أخيه بقوة قائلًا:

- اهدى يا واد عمي، متخليش الشيطان يوزك ، وجولي بس ايه اللى معصبك كده؟!

رد مدحت وهو يحاول أن بنزع نفسه عنه:

- سيبنى يا عاصم دا بنى ادام معندوش دم .

ضرب رائف كفه بالاَخر يردد بعدم استيعاب:

- لاحول ولا قوة الا بالله، هو انت حد كلمك يا عم ؟!!

هتف مدحت وهو يقاوم ذراع عاصم:

- يعنى بت عمك اللي ركبتها ع الحصان باستهتارك وغباءك الدائم ، لو كانت اتكسرت تانى النهاردة كنت انت ساعتها هاتحس على دمك !!!

صمت رائف يستوعب الكلمات، فقال عاصم بعد ان فك حصاره عن مدحت، بعد ان شعر باستكانته قليلًا، قبل يتابع بتحذير أخيه:

- من الاخر كده المسخرة دى ماتحصلش تانى، والضحك اللي من غير داعي دا ما يتكررش، يعني كلامك يبجى معاها بحدود .

طالعه رائف باستهجان يقول بتحدي:

- وانت بتتحكم كده بأي صفة؟ إنت اخرك واد عمها وانا برضوا واد عمها ولا فى حاجه تانية غير كدة يا باشا !!

برق بعيناه مدحت بشر، وقد بدأ يقفد أتزانه المعروف، فتقدم نحوه مرو أخرى، ينتوي على تاديبه هذه المرة بحق:

- يعنى انا كلامى ما هيتسمعش، طب كلمها تانى يا رائف وشوف اللى هيحصلك .

عاد عاصم يتصدر بجســ ده مرة أخرى، يخاطبه بحزم:

- اهدى يا دكتور الكلام ما يكونش كده.

صاح مدحت وعينيه تطلق شرارًا من الجحيم :

- امال يكون ازاى يا استاذ عاصم ؟ ولا انت عاجبك اللي عمله؟

تروي عاصم معه يرد بحكمة:

- يا واد عمى انا معاك انه غلط لما خلاها تركب الحصان العالى بس مدام ربنا ستر يبجى خلاص.

هتف مدحت بعصبية:

- لاه يا عاصم عشان الموضوع معداش على خير ، بت عمه وجعت من ع الحصان وبعد الغدا مجدرتش تمشى على رجليها.

تبادل عاصم ورائف النظرات بتساؤل، ليهتف الاَخير:

- انا بعد الغدا طلعت السطح مع ابويا وعمامى نشرب الشاى فى الهوا ومعرفش حاجة عن اللي انت بتقوله ده.

صمت مدحت يرمقه بغيظو، وسأله عاصم :

- طيب وهى فين دلوك:.

اجابه مدحت:

- جوا فى الاؤضة عند جدى ومعاها امها والحريم 

تحرك رائف ليقول وهو رافعًا حاجبيه يرمق اخيه من طرف عيناه:

- خلاص انا رايح اشوفها .

سمع مدحت لتتراقص العفاريت امامه ليهدر لاحقًا به:

- رايح فين يا بارد؟

اوقفه عاصم عن التقدم لمنع التشاجر، ليصيح به :

- سيبنى يا عاصم خلينى اوجف البارد ده 

شدد عاصم من الإمساك به ليقول بدهشة ضاحكًا:.

- فى ايه بس ياعمنا؟ هو داخل عليها اؤضة نومها دا انت بنفسك بتجول الاؤضة مليانه بشر .

هتف مدحت بعذاب :

- يا عم عاصم دا واد بارد، إنت مابتشوفهوش وهو بيتمسخر معاها ويضحكها، اووف استغفر الله العظيم يارب .

قال الأخيرة ينفض نفسه عنه، فازادت ضحكات عاصم الممتزجة بدهشته بقوله:

- طب وما يضحكها مش بت عمه؟ هو غريب عنها.

هتف مدحت وقد فاض به:

- انت كمان بجيت بارد زيه يا عم سيبنى يا عم .

جذبه عاصم من ذراعه ليتحرك به مرددًا:

- طب تعالى، تعالى بس، عايز اتكلم معاك ،تعالى.

قاومه مدحت بعصبية هاتفًا:

- إنت بتشدنى كده واخدنى فين؟ 

اردف عاصم:

- تعالى بس، هانحكى شويه على كنبة جدك اللى تحت العنبه، تعالى يا راجل عايز احكى معاك شويه.

استسلم مدحت ليسير على مضض ورأسه تلتف كل دقيقة نحو باب المنزل الكبير، يود لو يدخل خلف شقيقه ويطرده من جوارها


❈-❈-❈ 


قالت بدور مخاطبة ياسين بقصد التوسط لدى نهال الغاضبة منها ومن نيرة بعد ان ذهبا وتركنها وحدها بقدمها المصابة بعد انتهاء وجبة الغداء:

- وبعدين ياجد بجى، متخليها تكلمنا البت دي، احنا بجالنا ساعه بنحايل فيها.

رد ياسين بعدم اكتراث:

- وانا مالى؟ خليها تربيكوا انتو الاتنين 

هتفت بدور بدهشة:

- وه يا جدى انت فرحان فينا؟

رد ياسين بمرح:

- ايوه فرحان وشمتان فيكو كمان.

شهقت الفتاتان لفعل ياسين المناكف لهم دائمًا، فهتفت نيرة مخاطبة نهال :

- ماخلاص بجى يا سنيوره، هو زعلك ده ملهوش نهاية واصل.

نهرها ياسين بخفته كالعادة:

- وه يا بت الفرطوس، ما تزعجيش فيها يابت والا هكسر العصايه دى فوج راسك، فاهمة ولا لأ،

قال الأخيرة وهو يشير بالعصا الغليظة خاصته ، جعل الفتيات الثلاثة يضحكن بانطلاق، حتى ردت نهال بكيد فيهن:

- تعيش يا جدى ربنا يخليك ليا .

قالت نيرة بغيظ:

- ايوه يا ختى عيشى الدور، اموت واعرف السر اللى بينكم .

هتف ياسين بانفعال محبب:

-وانت مالك يابت ال.... مالك باللى بينة وبينها ؟

رددت نيرة وهي تضحك وتبتعد عن مرمى عصا جدها:

- خلاص ياجدى خلاص.

دخل رائف يقول متفكهاَ:

- ايه يا جد؟ البت دى عملت ايه جولى وانا اربيهالك انا كمان.

هتفت نيرة بوجهه :

- تربى مين يا بابا؟ انا مربايه غصب عنك.

رد رائف باستعراض:

- بس يا بت انا مش رايجلك دلوكؤ انا جاى ل نهال 

.عامله ايه ياست البنات ؟

أومأت له نهال برأسه وقالت بدور:

- اهى ست البنات دى زعلانة مننا عشان جومنا من ع الوكل وسيبناها 

قال نهال :

ايوه ومش هاكلمكم بس 

رد رائف بفرح شامتًا هو الاَخر:

- احسن خليها تربيكم .


❈-❈-❈ 

تحت عرش الكرم ، جلس به على الأَريكة الخشبية الخاصة بجدهم ياسين، والذي يخصصها عادة للجلسات العائلية او الأقرباء من عائلته، قال مدحت بنزق:.

- افندم يا عم عاصم؟ عايز ايه ؟؟

رد عاصم يدخل في الحديث مباشرةً:.

- هو انت بتحب نهال ؟؟ 

تفاجأ مدحت من فراسة ابن عمه في ألقاء السؤال ، مما جعله يتوقف لحظات يتأرحج ما بين الإنكار أو حق ما يشعر له، وتابع عاصم :

- ما تحاولش تنكر يا واد عمى النظره دى مايعرفهاش غير عاشج زى حلاتى .

استسلم مدحت ليقول بصدق:

- لا مش هنكر يا عاصم، ايوه بحبها وهتجنن دلوك لو مروحتش عندها وانا عارف ان البارد اللى جوا بيضحكها وعاملها قرد .

جلجل عاصم بضحكته قائلًا:

- اهدى يا واد عمى، الواد اللى جوا دا عفريت لو عرف اللى فيها هيجننك اكتر، وهى نفسها شايفاه زى اخوها يعنى مفيش داعى لدا كله .

عاد مدحت بهدر بعصبيته:

- يا عم بلا اخوها بلا زفت اوووووف 

قال عاصم بعدم تصديق:

- وه يادكتور؟ دا انت غيرتك عفشة جوي بس انت امتى حبيتها كده؟ دا انت اتجدمت لاختها من قريب يعنى !!

قال الأخيرة بنبرة داخلها العتب، وصل مدحت فرد يجيبه بصدق:

- انا عارف يا عاصم انك زعلان منى بس يعلم الله انى ما اتجدمت لبدور، غير بس عشان ارضى امى ومكنتش لسه شوفت نهال بجالى سنين .

ربت عاصم على كتف مدحت المقابل له بخفة،، ليقول بوجع

- اطمن يا واد عمى انا مش شايل من حد فيكم، العيب فيها هى، لانها دايما مش عارفه تحدد عايزه ايه .

قال مدحت:

- صغيره يا واد عمى، ولجت جدامها كذا اختيار فاحتارت تختار 

مط بشفتيه يقول ييأس عصام :

- يالا بجى هى حره، خلى العيل المجلع ده ينفعها، المهم انت هتعمل ايه مع نهال وهى شايفاك بصيت لاختها ؟!!

اجاب مدحت بثقة:

- هانت، بس تبتدى الدراسة فى الجامعة وتبجى تحت عينى وكل حاجة بعد كده تتحل .

تبسم عاصم يقول:

- وه دا الدكتور م خطط وعامل حسابه بجى.

رد مدحت وهو ينهض عن مقعده:

- امال ايه؟ المهم انا رايح مشوار دلوك، يا ريت عشان خاطرى تروح تنده ع الزفت اللى جوا تاخدوا من عندها .

هز برأسه عاصم يقول مع ضحكاته:

- حاضر اطمن هاروح اسحبه من جفاه ما تشلش هم انت .

قال مدحت بإعجاب قبل ان يحرك اقدامه للذهاب : -تسلم يا سبع الرجال، دا العشم فيك يالا بجى سلام. 


❈-❈-❈ 

رائف وهو يشاكس جده العصبي دائمًا، بغرض أضحاك الفتيات في الغرفة التي تستريح بها نهال، حتى دلف عاصم إليهما مستئذنًا، يقول 

- كيفك يا بت عمى؟ عاملة إيه رجلك دلوك ؟

ردت نهال بابتسامة مشرقة:

- الحمد لله، شكر يا واد عمى .

تبسم بداخله، وهو يرى خجل بدور وهي لا تقوى على رفع رأسها مواجهة له بعد هذا الموقف الذي مر بينهم على مدخل المنزل ، فقال يخفي ابتسامته:

- الف لا بأس عليكى يا ست البنات.

قال ياسين:

- ما تجعد يا ولدى واجف ليه ؟

رد عاصم وانظاره نحو ابن عمه:

-لا يا جدي معلش، انا كنت جاي اخد رائف وطالعين 

رد رائف بسماجة:

- لاه مش طالع انا جاعد هنا.

هم ليرد عاصم ولكن ياسين قد سبقه بقوله"

- ما تجوم يا بارد شوف واد عمك عايز ايه؟

قال عاصم بخبث:

- جولو يا جدي، دا محسسني إني هخطفه.

رفه عصاه ياسين، يلكز بها رائف لتصدر ضحكات الفتيات أمام عاصم الذي ابتسم هو الاَخر:

- ياد جوم ياد، جوم وخلي عندك دم.

نهض رائف مجبرًا يتمتم بحنق مناكفًا:

- وه ياجد لما تطلب معاك هزار بايخ.

- بايخ يا ابن ال.... 

قالها ياسين لينهض من محله، ليلحق برائف بغرض تأديبه، ورائف يركض أمامه على ضحكات الفتيات، حتى اوقف عاصم جده، يقول بمرح:

- خلاص يا جدى جلبك ابيض، انا هاخدوا واطلع بيه دلوك، متزعلش نفسك.

رد ياسين: 

- عشان خاطرك انت بس يا ولدى 


قالها وعاد مرة أخرى لجلسته على التخت فسحب عاصم رائف عنوة، وقبل ان يخرج من الغرفة هتف رائف لجده:

- هاتوحشنى يا جد

- يا بن ال.. اجومولوا تانى الواد ده  

حاولت إيقافه نهال رغم ضحكاتها:

- هههه خلاص يا جدى ما تخدتش عجلك بعجله .

رد ياسين :

- عشان خاطرك انت بس 

اعترضت بدور ومعها نيرة أيضَا:

- خاطرها هى بس واحنا بجى؟

رد ياسين بأصرار:

- ايوه خاطرها هى بس ويالا انتى وهى اطلعوا من اؤضتى انا مش عايز فيها غير نهال .

- واحنا عملنا ايه يا جدى 

هتفت بها الفتيات ليفاجأهن بأصراره حتى خرجو ليتركوه وحده معها، ليخاطب ياسين حفيدته:

- انا مش سايبك انهارده غير لما تحكيلى كل حاجة

ردت نهال معقدة حاجبيها باستفسار:

- احكى على ايه ياجدى:.

اجاب ياسين بابتسامة بعرض وجهه:

- عن رضوانة!


.... يتبع

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-