رواية مواسم الفرح
رواية مواسم الفرح بقلم امل
الفصل التاسع عشر والعشرون
الفصل التاسع عشر
- مين يتجدم لمين، نهال مخطوبة يا عمي اساسًا؟
قالها بعصبية وتقرير وكأنه يتحدث عن شيء محسوم، مما جعل راجح يردد بعدم استيعاب أو كأنه لا يصدق ما وصل لأسماعه:
- نهال مخطوبة! ازاي يعني؟..... كيف؟ ولو مخطوبة يبجى لمين ان شاء الله وابوها ما يعرفش؟
اجابه الاخر حاسمًا بدون تفكير:
- انا يا عمى، وخطبتها من جدى كمان؟
ردد راجح ساخرًا بنظرة محتقنة
- يا حلاوة، ودا حصل من غير ابوها ما يعرف؟
تحمحم ياسين يخاطبه بمهادنة:
- يا ولدى هو كلمنى من فترة طويلة، بس انا اللى كنت مأجل عشان ورايا شوية مواضيع ومشغول فيها؟
تدخلت راضية تضيف هي الأخرى:
- يعني في بيتها يا راجح، دا واد عمها وطلبها من جدها، مش حد غريب هو.
صرخ راجح بها فاقدًا عقد تحكمه:
- لكن دا بيجول خطيبها من جبل ما ياخد موافقتي! ما ليش جيمه انا على كدة، عشان الباشا يقرر هو وجده، ويركنو ابوها على جمب.
شعر مدحت بفداحة الخطأ الذي ارتكبه، فقال بلهجة لينة يخاطب عمه:
- يا عمى ما تزعلش منى ولا تاخد على كرامتك، احنا معملناش اي فعل، دا كان مجرد كلام ع الطاير وطبعا كل حاجة بعد شورتك، وانا دلوك اللي خلاني اتكلم هو اني اتعصبت لما عرفت ان البارد ده اتجدم ل نهال وانا جايلوا انها مخطوبة.
قالت نعمات بلهجة هادئة من أجل ترضيته:
- خلاص يا بو ياسين، هدي كدة، الموضوع خير ان شاء الله، مدحت واد عمها وهو أولى بيها.
سمع منها راجح وتجاهل متجه بخطابه نحو نهال:
- وانتى يا سنيورة ساكته ليه؟ مش عوايدك يعنى؟ ولا يكونش انتى كمان عارفة؟
اسبلت أهدابها بخفر لتطرق برأسها نحو الأرض صامتة، مما ساهم في ازدياد انفعاله، ليصيح بها:
- يا صلاة النبى، دا على كده انا اخر من يعلم !
صاح به ياسين بدوره:
- خبر ايه يا راجح؟ هو انت شوفتهم اتجوزوا يعني؟
بغضبه التف إليه يهتف بانفعال:
- ما هو دا اللى ناجص كمان؟ جومى يا نعمات، جومى يا بدور، خلونا نمشى.
سمعت الأخيرة لترد بسؤال:
- نمشى نروح فين يا بوى؟
ردد خلفها مستهجنًا:
- نمشى نروح بلدنا يا غندورة ولا انتي نسيتى ان وراكى مدرسة؟
- لا منسيتش بس فيها ايه يعنى لو غبت يومين دى ثانوى زراعى، مش ثانوية عامة ولا حاجة مهمة.
قالتها ببساطة لتبرق عيني الاخر غيظًا وهو يهدر بها:
- وتغيبى ليه اساساً؟ ما احنا اتطمنا على واد عمك وخلاص، ولا انتي مصدجتي وافتكرتيها فسحة!
ردت بثبات تحسد عليه:
-لاه يا بوى لسه لما يجوم على رجله هبجى اتطمن مش دلوجت.
عقبت سميحة بالقرب منها:
- جدعه يا بدور، هو دا الكلام الصح، ما تسمع منها يا راجح، وسيبها تجعد لها يومين تطمن على واد عمها .
- وتجعد ليه؟ وإيه لازمة جعادها اساساً؟
صاح بها راجح قبل أن تجفله بدور بجرأة غير متوقعة:
- لازمتوا انى خطيبتوا، ما هو خطبنى انا كمان من جدى زى الدكتور مدحت ما خطب نهال.
قالتها ليُصعق عاصم بردها، لا يصدق ما التقطته اسماعه،
ويخيم الإزبهلال على وجوه باقي الافراد في الغرفة، بردود افعال مختلفة، سميحة تود إطلاق زغروطة مدوية، ونهال تناظر شقيقتها بأعين زائغة، لا تصدق ان شقيقتها جرأت على هذا الفعل، رائف وراضية ومدحت ونعمات أيضًا تلجمت افواههم عن المجادلة، وقد تفاجأو بالخبر الذي جعل هدية بجوارهم تغلي من الغيظ.
وياسين وسط كل هذا يعصر بعقله، ويراجع نفسه، إن كان عاصم قد حدثه قبل ذلك عن هذا الأمر.
مما ساهم في ازدياد تأجج جذوة الغضب بقلب راجح الذي التف لوالده بانفعال اختلط بعتبه:
- طب ما تجوزهم احسن من ورايا يا بوى!
اضطرب ياسين وقد اربكه الوضع عن التكذيب او التصديق، فقال بمهادنة:
- يا ولدى ما تخدتش كل حاجة كدة بعصبية، انا بجولك اها، كل اللي حاصل جدامك دا كلام، واهم حاجه رأيك انت في الأول والآخر.
خرج صوت راجح بهدوء ولوم:
-رأيى فين يا بوى؟ الاول بيجول خطيبتى والتانية بتجول خطيبى، والحجة جايبنها فيك انت ابويا، على اساس ان انت صاحب الرأي في الأمرين يبجى فين رأيى انا عاد؟.....
صمت برهة يحدج الجميع بنظرات اتهام قبل ان ينقل نحو زو جته بخاطبها:
- يا للا بينا يا نعمات، خلينا نروح ونشوف مصالحنا، مفيش داعي للجعدة اكتر من كدة، وان كان ع المحروسة فخليها مع اختها...... تطمن على خطيبها .
قال الأخيرة بنبرة متهكمة وانتفضت نعمات مذعنة للأمر لتنهض عن مقعدها، لتسير خلف زو جها مغادرة، وقبل أن يصلوا لباب الغربة أوقفهما مدحت بندائه:
- استنى يا عمى معلش، جبل ما تطلع من المستشفى بلغ ردك ل يونس بالرفض .
خرجت نهال عن صمتها لتجفله بردها:
- لا يا بوى ما تبلغش حد انا لسة ما جولتش رايى .
التفت رأسه بحدة نحوها، ليهدر بأعين مشتعلة
- ما جولتيش رأيك !، هو انتي لسة ليكي رأي فيها دي كمان؟
انزوت خلف شقيقتها برعب، ورد راجح:
- انا لا هاجول ولا احزن، انا ماشى وفايتهالكم خالص، يا للا بينا يا نعمات، خلينا نحصل الجطر .
قالها واستدارا الاثنان ليغادرا على الفور، وتحرك ياسين خلفهم ليلحق بهما، مغمغمًا بقوله
- أدي نتيجة اللي يتبع العيال، ها تخسرونى ولدى يا ولاد الفرطوس .
بمغادرته هو الاَخر، التف مدحت نحو الأخرى بأعين مشتعلة، وخطوات متمهلة يقترب منها، يود خنقــ قها، أو سحب لسانها المستفز من حلقها، كي يؤدبها ويربيها، وخرج صوته بهدوء مخيف:
- تعالى هنا، سمعينى ها تجولى رأيك فى مين بجى؟
بقلب يرتجف من الرغب، ارتدت بخطواتها حتى أصبحت خلف رائف، الذي تصدر لشقيقه مرددًا بضحك:
- استنى يا مدحت، هى اكيد بتهزر .
- ودا وجته عشان تهزر في حاجة زي دي؟ وجدام ابوها كمان؟
صرخ بها مدحت ورائف يحجبها بجســ ده، حتى لا يستطيع النيل منها امام نظرات هدية المغتاظة بصمت، وضحك البقية حتى عاصم لم يقوى على كتم ضحكاته على جنون الإثنان، وما زال مدحت يهدر بها:
- هتفكرى فى مين يا بت؟ ردى عليا؟
بقوة كاذبة كانت تدعيها أمامه، رغم ارتجاف اوصالها من الخوف قالت بقوة:
-طب جولى حكاية مها الاول وانا اجولك.
قالتها لتجده تسمر محله فجأة يناظرها بذهول، والدته توقفت عن الضحك وتجمدت لتبدوا كتمثال بفاه مفتوح، حتى رائف العابث دائمًا، تجهم واستدار يسألها بدهشة
- انتى عرفتى منين حكاية مها؟
اجفلت نهال من رد فعلهم بمجرد ذكر الاسم ليبدوا جليًا أمامها ان ما اخبرها به هذا المدعو يونس كان حقيقي، لذلك جاء ردها على رائف بالسؤال:
- يعنى صح فى حكاية اها زى ما سمعت؟
سألها مدحت هو الاخر بصوت خفيض مريب:
- سمعتى من مين بالظبط؟
تلجلجلت بخوف تجيبه:
- اا مش لازم تعرف ؟ إنت جولى الكلام دا صح ولا لاه وبس؟
تدخلت راضية قائلة:
- لا يا بتى، انتى جوليلنا الأول مين اللى جالك عشان نعرف نرد عليكى؟
بعناد وتصميم ردت نهال:
- انتو جاوبونى وخلاص، مالكوش دعوه باللى جالى .
- مالناش دعوة، طب تعالى بجى عشان اعرف منك .. واجولك.
قالها مدحت وهي يباغتها فجأة بجذبها من كف يــ دها، بحركة سريعة، ليسحبها ويخرج بها، وهي تحاول التخلص من قبضته مرددة:
- سيب يــ دى، انتى واخدنى واريح بيا فين؟
توقف بها فجأة ليقول:
- انتى مش عايزه تعرفى حكاية مها؟
اومأت تجيبه بهز رأسها، فقال يجيبها وهو يعود بسحبها:
- يبجى تيجى معايا وانا افهمك
خرج بها من أمامهم، لتتمتم بدور متسائلة نحو الجميع بخوف:
- يا مرارى احسن يعمل فيها حاجة.
ضحك رائف يعقب على قولها
- هيعمل فيها ايه يعنى؟ هيموتها؟
قالت نيرة وهي تضرب كفًا بالاَخر:
- اخويا الدكتور العاجل الراسي، اللي كنا نحلف برزانته اتجن ، منك لله يا نهال، زي ما طيرتى عجل اخويا منه.
قالتها فضحك معظم الموجودين في الغرفة، ليضيف على قولها عاصم، وانظاره نحو بدور:
- معلش بجى، اصله حبها، والحب يعمل اكتر من كده كمان.
تخضبت الدماء بوجنتي الأخيرة لتطرق رأسها بخجل عنه، ولتزيد من حقد هدية التي كانت على وضعها في المراقبة بصمت.
❈-❈-❈
في الطرقة المؤدية لمخرج المشفى، لحق ياسين بولده قبل ان يتمكن من المغادرة، فجذبه من ذراعه يوقفه قائلها بحزم:
- استنى هنا يا واد انت، هو انا هجعد كدة اجري وراك ؛انت هتعمل زى العيال الصغيرين؟
- انا برضو يا بوى اللى عجلى صغير؟
قالها راجح بغضبه الذي لم يهدأ بعد، فقال ياسين بمكابرة:
- ايوه عجلك صغير، لما تزعل من حاجة زي دي، مجرد كلام وبس، مكبر الموضوع وعامله حكاية، طب هو انا يعنى مليش كلمة فى جوازهم؟
تماسك راجح حتى لا ينفعل بوجه والده؛ الذي يقلل من الأمر أمامه، مصرًا على ازدياد حنقه، فقال كازًا على أسنانه:
- يا بوى بلاش اسلوبك ده معايا، عشان انت عارف زين انا اجصد جلة التعبير، مش كلمتك .
رد ياسين مستهبلًا:
- طب وهو حصل ايه بس لكل ده؟
للمرة الثانية تماسك راجح يجيبه:
- يا بوى انت عارف زين، إن انا زعلان من ايه، فبلاش تلف وتدور عليا، عشان انا مش عيل صغير صح، لاجل ما يضحك عليا بكلمتين، وسيبنى امشى دلوك الله يخليك، وافتكر كويس ان ولدك مش هفية.
كلمته الأخيرة كانت قاسية على ياسين، حتى جعلته يصمت عن الجدال معه، ويتركه ليكمل طريقه نحو الخروج مع زو جته التي توقف بالقرب تنتظر منذ فترة.
❈-❈-❈
دفعها لداخل غرفة المكتب خاصته في المشفى، لتقف في الوسط بقلب على وشك التوقف، تراقب برعب عصبيته في غلق الباب عليهما، ثم التف إليها بوجه مظلم يتقدم بخطوات هادئة مريبة، فخرج صوتها بشجاعة تدعيها:
- انت بتجفل باب المكتب وبتبصلى كده ليه؟ عايز مني أيه؟
رد بتريث عجيب:
- وانتى خايفه ليه؟ دا احنا حتى هنتفاهم دلوك .
- نتفاهم على ايه ؟ إنت جولى على حكاية مها، ويبجى خلاص وخلصنا على كده .
قالتها نهال قبل ان تجده يتخطاها ليجلس خلف مكتبه، ثم جاء رده باستخفاف محنك:
- يا شيخة! بس كده، حاضر يا نهال هجولك حكاية مها، من طج طج للسلام عليكم، والتفاصيل كمان، بس على شرط انك تجوليلى مين اللى جالك على الموضوع ده من الاساس
اغتاظت بشدة من تعنته الشديد معها، ثم قلب الطاولة ناحيتها بذكاء، لتصبح إجابة مقابل إجابة، ولكن الأمر لن يمر على خير، لو حدث واخبرته عن هذا المدعو يونس الذي اخبرها بالموضوع، فكان الصمت حليفها في هذه اللحظة، ليأخذ مدحت فرصته في الضغط بقوله:
- اممم، سكتى ليه؟ ما تجولي يا دكتورة!
بكذب مفضوح اخترعت قولها:
- انا عارفه الموضوع ده من زمان بس افتكرت النهاردة
- كدابة.
قالها سريعة وقوية لتجادله باعتراض:
- وهكدب ليه ان شاء الله؟
نهض عن كرسيه فجأة ليقابلها وينظر في عينبها مباشرة بقوة قائلًا:
- عشان الموضوع ده محدش يعرفه غير امى و رائف، أبويا نفسه ما يعرفش بالسيرة دي، يبجى عرفتى انتى منين؟
نظرته الحادة القاسية، والمسافة القريبة بينهما، مع ضغف حجتها والشلشل الذي اصاب عقلها عن التفكير في رد مناسب، حتى تتجنب قول الحقيقية، كل هذا جعلها كالمخروسة أمامه لعدة لحظات زادت من قوة موقفه أمامها، فخرجت إجابتها اخيرًا بتهرب:
- طب وانت ليه مصمم تعرف باللى جالى؟
على نفس المسافة لم يتحرك بأنش واحد اجابها بابتسامة لم تصل لعينيه:
- عشان هو كدة، زى انتى ما عايزة تعرفى بحكاية مها، انا كمان عايز اعرف مين اللي جالك ويمكن اكتر.
زفرت بقنوط لتقول بقلة حيلة مستسلمة اَخيرًا:
- خلاص مش عايزه اعرف.
- خلاص يبجى تروحى تتصلى بعمى حالا وتبلغيه بموافجتك على واد عمك ورفضك للزفت اللى اسمه يونس.
قالها سريعًا وهو يعاود الجلوس على مقعده بأريحية، ليزيد من غيظها واضعًا قدم فوق الأخرى، ف التفت تضغط بأسنانها على شفتها السفلى كي تذهب ولسانها يغمغم بالكلمات الحانقة"
- ماشى يا مدحت، اعمل ما بدالك وابجى جابلنى لو نفذت اللى فى مخك، هاااا، ياااماااا
شهقت بالاخيرة مخضوصة حينما تفاجأت به أمامها يوقفها ممسكًا بيــ دها، ليجفلها بسؤاله، وعلى وجهه ابتسامة يجاهد لعدم اظهارها:
- بتبرطمى بتجولى ايه؟ سمعيني.
- ما جولتش حاجة ولا اتنفست حتى، انا بس بستغفر .
توسعت ابتسامة كبيرة على وجهه، رغم ادعائه الجديدة في قوله:
- طب امشى نفذى اللى جولت عليه، ياللا.
ردت متصنعة الأدب:
- حاضر ..
تركها لتخرج وقد اغلقت هذه المرة فمها وتركت الغمغمة والسباب داخلها، لتتجنب جنونه
❈-❈-❈
بعد أن يأس ياسين من ترضية ابنه الذي اتخذ طريقه عائدًا إلى البلدة مع زو جته، اضطر للعودة هو الاَخر، نحو من كانو السبب الرئيسي في هذا الشقاق الذي حدث بينه وبين ولده، كان خارجًا من المصعد حينما تفاجأ بمن يهتف بإسمه من الخلف:
- حج ياسين، عامل ايه عاصم يا حج ياسين؟
استدار بكليته نحو مصدر الصوت ليتفاجأ برضوانة وهو تقترب بخطواتها منه بصحبة ابنتها نسمة، رحب بهما يمد كفه بالمصافحة:
- اهلا اهلا، تعبتوا نفسكم ليه بس؟
ردت نسمة بحرج:
- برضوا دا كلام يا عم ياسين؟ دا واجب علينا.
- حتى لو كان يا بتى، برضوا المسافه بعيدة، محدش هيلوم عليكم.
قالها ياسين وكفه تصافح رضوانة التي قالت:
- وهي المسافات عمرها كانت حجة يا حج ياسين؟
اضافت نسمة على قولها:
- ويعني احنا جايين عشان اللومه كمان؟ لا طبعًا.
اومأ برأسه لهن مطرقًا بقوله:
- بارك الله فيكم يا بوي، بارك الله فيكم.
سألته رضوانة:
-المهم بجى، عامل ايه عاصم دلوك ؟
تنهد ياسين بثقل قبل أن يجيبهن وهو يلتف:
- تعالوا معايا شوفوه بنفسكم واطمنوا عليه، بدل السوال كدة في الطرجة.
تحركن معه ليسرن بمحاذاته، فتمتمت رضوانة بصوت وصل لإسماعه:"
- ربنا يجومه بالسلامة، وما يحرج جلب حد على ضناه ابدًا يارب.
براسهِ التف يشيعها بنظرات مشفقة ليتمتم هو ايضًا:
- ياااارب
❈-❈-❈
وإلى نهال التي كانت تاكل في نفسها من وقت ان تركته، حانقة من فعله معها وتعتنه وغروره، يفرض كلمته ويحكم ويتحكم بها، ولا يكلف نفسه حتى بإراحتها بكلمة، ينكر عليها حق المعرفة عن ماضيه او عن حبه القديم، يبدو ان انطباعها عنه كان صادقًا حينما رأته قريبًا بعد سنوات، رجعي وذو عقلية قديمة بائسة.
في غمرة شرودها وقعت عينيها فجأة عمن تسببت في كل ما حدث معها اليوم، عن صاحبة القصة المجهولة وقد كانت تقف وسط مجموعة من الممرضات تملي عليهن أمرًا ما:
بدون ان تشعر وجدت قدميها نحوها لتقترب وتسمعها وهي تسالهن عن بعض الحالات، وتردف عليهن التعليمات حتى ينفذنها، توقفت مزبهلة نحوها، تناظرها بتفحص من رأسها وهذا الشعر المستفز بنعومته وطوله، حتى اخمص قدميها في الأسفل وهذا الحذاء الرائع، لتغمغم داخلها بسخط:
- حلوه، لا وطويلة ومناسبه لطوله ولبسها حلو، عنده حج يعجب بيها، وبتتكلم بحراوى، بينها مش صعيدية كمان، يا ترى سابتوا وغدرت بيه؟ ولا ايه اللى حصل ما بينهم وخلاهم اتفرجوا واتجوزت غيره؟ طب هما لسه بيحبوا بعض!
خرجت فجأة من شرودها اثر صوت ما:
:- حضرتك عايزه حاجة؟
التفت بدون تركيز نحو محدثتها تردد:
- هااا، إنت بتكلميني؟
ردت الفتاة الممرضة
- بسألك لو عايزه حاجة؟ أصلك جاعدة بجالك فترة ساكتة جمبينا، ف انا جولت اسألك لتكوني عايزة حاجة؟
ارتبكت نهال تبحث عن حجة ولكن لسانها سبق وأدلى بما يدور في عقلها:
- ااا انا كنت عايزه الدكتورة.
وبرد فعل غير متوقع تفاجأت بالمذكورة تلتف إليها لتخاطبها بصوتها الناعم سائلة:
- عايزه تسألينى على حاجة يا أنسة؟
- انتى الدكتوره مها؟
سألتها نهال بدون ادني تردد وجاءت إجابة الأخرى ممتزجة بدهشتها:
- ايوه انا الدكتورة مها، انتى عايزه تسألى على ايه بقى ؟!!!
❈-❈-❈
على الأوراق التي كان منكفئ عليها، يعمل بها بتركيز شديد، فقده فجأة حينما تفاجأ بمن يقتحم عليه الغرفة بدون استئذان، ليقف أمامه، يحدجه بنظرات مريبة وغريبة صامتًا استقبلها هو بكل برود ليرحب به قائلًا:
- اهلا مدحت، مش بعادة يعنى تدخل من غير استئذان! ايه بقى؟ هو انت عايز حاجة مني؟ اؤمرنى.
ظل مدحت على صمته يناظره بتفكر عميق، وكأنه يستكشف الشخصية الأخرى لرجل اعده من ضمن اصدقاءه، بعد زمالة في العمل استمرت طويلًا، منذ سنوات، شخصية سمجة لدرجة الاستفزاز، كيف غفل عن هذا الجزء به؟
- انت هتفضل تبصلى كدة كتير وانت ساكت؟ طب اقعد حتى ع الأقل، وبعدها اتأمل في جمالي براحتك.
قالها بمزاح سخيف لم يتقبله الاَخر، ليخرج عن صمته بسؤاله لها:
- مالك ومال نهال يا يونس؟
ضحكة عالية الصوت أصدرها يونس قبل ان يقول مستهبلًا:
- ايه دا؟ هو الخبر لحق ينتشر بسرعة كدة؟ طب انا كنت ناوى اقولك بس..
قاطعه مدحت بعصبية هادرًا:
- بس ايه؟ هو انا مش جايلك انها مخطوبة؟
نهض يونس عن مقعده، ليجيب وهو يعدل من وضع رابطة العنق المتدلية فوق ازرار القميص المنشي:
- اه صحيح انت قولت كدة، بس انا بقى سألت والدها وطلعت مش مخطوبة، ولما طلبتها منه، الراجل رحب جدًا، وكانت الفرحة مش سايعاه
- رحب بإيه؟
- بجوازى من بنته؟
- يمكن! بس دا كان جبل ما يعرف.
- يعرف بإيه؟
- يعرف إن واد عمها طلبها للجواز، يعنى هيبحى احج من الغريب.
ذهب عن وجه يونس العبث وهذه الضحكة المصطنعة ليقول بعدم فهم:
- يعنى ايه؟ انا مش فاهم.
قرب مدحت رأسه منه ليقول بثقة مشددًا على حروف كلماته:
- يعنى انا واد عمها، طلبتها للجواز، وفى الحالة دى، حتى لو انت خطبتها فهى بجت من حجى، دا عرفنا، وانت غريب وما تعرفش
تجهم وجه يونس ليقارعه بغضب:.
- يعني ايه؟ حتى لو هى مش موافقة؟
- وانتى عرفت منين انها مش موافجة:
- انا بسأل؟
خرج رد مدحت بصرامة لينهي الجدال:
- وه، هو احنا هناخد وجتنا كله فى اسئلة والأخد والرد ، طب اجيبلك انا من الاَخر، ملكش دعوه بنهال يا يونس لأنها بجت خطيبتى، ماشى ..
❈-❈-❈
مضيقة عينيها باستفتسار وانتظار الرد منها، وهي على وضعها في الاضطراب لعدة لحظات، قلبها يحثها على الدخول في الموضوع مباشرة وسؤالها عن مدحت وعلاقتها به، ولكن عقلها يأمرها بالتريث والتوقف عن فعل قد يؤدي بنتائج عكسية فوق رأسها، فقال بعدم تركيز:
- انا كنت عايزا اسألك؟
- ايوه عايزه تسألينى فى إيه؟
خرج صوتها بتلجلج وتفكير في البحث عن رد مناسب:
- ف... اه .. حالة عاصم ابن عمي اخباروا ايه؟
سألته مها باستفهام:
- عاصم مين ؟
اجابتها بلهفة وقد وجدت الحجة:
- عاصم اللى كان فى العمليات امبارح، ابن عم الدكتور مدحت !!
إلى هنا واستدركت الاخرى لتطالعها بتركيز وتفحص:
- وانتى تقربى ايه ل عاصم ولا مدحت بقى؟
رفعت رأسها ومدت ذقنها بتعالي تجيبها:
- انا ابجى خطيبة الدكتور مدحت.
بصدمة ظهرت جلية على قسمات الأخرى لتردد لها بعدم تصديق
- إنتى خطيبة مدحت؟ وهو من امتى خاطب اصلاً ؟
بثقة تصنعتها بجدارة قالت نهال:
- ايوه خطيبته، ايه مش عجباكى؟
- وانا مالى تعجبينى ولا متعجبنيش؟ ثم انتى بتسألينى ليه عن الحاله ؟ ما تسألى خطيبك الدكتور .
قالتها مها بتعجرف واسلوب مستفز لنهال؛ التي حاولت السيطرة على اعصابها في الرد:
- ما انا سألتوا وفهمنى كمان عن حالته بس انا كنت عايزه اعرف منك اكتر .
لملمت مها بأوراقها لتقول بنزق:
- معلش بقى، انا مش فاضية عشان اشرحلك ولا افهمك..
قالتها وذهبت لتترك نهال وقد تأكدت بيقين ان هذه المرأة، ما زالت تحمل بداخلها مشاعر نحو مدحت الذي تركته سابقًا وتزو جت بغيره، فهل يا ترى؟ ايكون هو ايضًا يحمل بدخله مشاعر لها؟
...يتبع
الفصل العشرون
في الغرفة التي خلت إلا منهما، بعد أن خرج رائف بصحبة والدته وشقيقته نيرة، ليعود بهم إلى البلدة، فتبقت سميحة لتسحب هدية معها لداخل الشرفة بحجة وهمية، حتى تترك لهما مجالاً للحديث ولو لدقائق حتى أو نصف ساعة.
سألها بصوت دافيء خرج من اعماق قلبه الغريق بعشقها:
- انتى متأكدة من قرارك ده؟
أومأت له بهز رأسها تقول بخجل وصوت خفيض:
- أيوة طبعًا متأكدة.
عاود السؤال وكأنه يريد التأكد:
- يعنى الكلام اللى سمعته وانا بفوج من الغيبوبة كان من جلبك يا بدور ؟
رفعت أنظارها لتقابل بعينها الجميلة خاصتيه قائلة:
- انت شايف إيه؟
تطلع في بحر عينيها الأزرق بأمواجه، مع انعكاس ضوء الغرفة في هذا الوقت من النهار، ليجيب كالتائه:
- انا ... انا عينى عمرها ما شافت حد غيرك يا بدور، مش عشق في جمالك ولا جمال عنيكي اللي كل حال بلون تبهر أي حد يبصلها، لا يا بدور، دا عشج اتولد معايا وربنا خلجه في جلبي من اول وعيت ع الدنيا وعرفتها زين، وعرفتك.
اصعب يوم مر عليا فى دنيتى كلها كان يوم خطوبتك على معتصم، كنت حاسس كأن روحى بتتسحب منى بالبطئ، حاولت كتير اشيلك من جلبى وتفكيرى لكن مجدرتش، لدرجة انى فكرت اتجوز جبلك عشان اجطع الامل...
برقت عينيها فجأة لتخرج من السحابة الوردية التي كانت تلفها على اثر كلماته الجميلة، لتتحول في لحظة سائلة بعدم تصديق وقد نست خجلها ورقتها:
- انت بتتكلم جد يا عاصم ؟
أسعده هذا التغير المفاجيء لها، ورد يجيبها الحقيقية:
- بجد يا بدور، ولولا خناجتك انتى مع معتصم كان زمانى دلوك متجوز نيره بجلب ميت.
- نيرة!!
خرجت منها بغضب لتغمغم بالسباب:
- يا بت الجزمة يا نيرة.
ضحك عاصم يقارعها بانتشاء:
- طب بتشتميها ليه؟ هى ايه ذنبها بس؟ دى حتى متعرفش حاجة، ولا حتى أي حد من أهلها، دا كله كان كلام مع عمك ومرت عمك، جبل ما يحصل اللي يحصل، وتوجف كل حاجة.
ردت بشراسة غريبة عنها:
- أحسن، بس دا معناه إن انت فكرت فيها؟
حاول السيطرة على ضحكاته مع طبول الفرح التي تدوي بصخب داخله يتمتم لها:
- يخرب عجلك يا بدور، هو انا بجولك ايه بس من الاول؟ دا كان مجرد شروع في خطبة، والحمد لله مفيش حاجة تمت يا مجنونة.
انفتح باب الغرفة فجأة ليطل منه ياسين معقبًا
- وه، دا انت بتضحك يا عاصم! يبجى رايج على كده؟ خلاص يا جماعه اتطمنوا ولدنا زين ان شاء الله .
قالها بمزاح ليدلف وخلفه رضوانة وابنتها، لتخرج على الصوت سميرة بصحبة هدية، كي يرحبوا بالزائرتين، واستغل ياسين انشغال النساء بالحديث الودي السريع، ليقترب من عاصم وبدور هامسًا بتوعد:
- بتورطونى يا ولاد الفرطوس وتتخطبوا على جفايا .
هم عاصم أن يبرر:
- اصل يا جدى......
أوقفه ياسين بإشارة من كفه، ليكمل بهمسه:
- جد مين يا سهون انت وهى، طب ما كان من الاول، بدل التعب والتشابيك مع الناس، لكن معلش، حسابكم معايا بعدين يا ولا ال.....
تمتمت له بدور بصوت خفيض وحرج:
- انا اَسفه يا جدى اني كنت السبب في كل اللي حصل
القى ياسين نظرة خاطفة نحو النساء التي كانت وشك الانتهاء من حديثهم الودي، ليقتربن من المريض ورؤيته، فغمغم لهما سريعًا بتوعد:
- خلى اسفك لبعدين يا ختى، مش وجته الكلام دلوك .
❈-❈-❈
والى مدحت الذي كان على وشك المغادرة من المشفى بانتهاء نوبته، وقد بدل ملابس العمل بملابسه العادية، ولملم اشياءه ليغلق الحقيبة قبل ان يتفاجا بمن اقتحمت غرفته مرددة بالإستئذان:
- مساء الخير يا مدحت، ممكن كلمة
اجاب برد التحية:
- مساء النور، اتفضلي طبعًا،
اقتربت منه بخطوات مترددة تسأله:
- هو انت صحيح خطبت يا مدحت؟
قطب مستغربًا لعلمه بهذا الأمر الخاص، ولكنه تجاوز ليجيبها وهو يجلس:
- رغم انى مستغرب معرفتك بالموضوع بس اه يا ستي، انا فعلا خطبت .
نزلت بثقل جســ دها على الكرسي من خلفها بصدمة تتمتم:
- يعني هو الأمر فعلا بجد؟ والبنت دي مبتكدبش لما قالت انك خطيبها؟
اهتزت رأسه باستفهام يسألها:
- بنت مين اللي جالتلك؟
قالها وتوقف ليغمغم بتفكير مع نفسه:
- ايه دا معجوله يكون نهال وصلتلك!
مها بعدم تصديق كانت تردد:
- ليه يا مدحت ؟ جاي دلوقتي تخطب بعد انا ما خلاص بقيت حره وقولت ان احنا ممكن نرجع لبعض و ...
أوقفها مدحت بأشارة من كفهِ مقاطعًا لها بقوله:
- لو سمحتى، ما تتدماديش فى احلامك.
تماسكت لتوقف ذرف دماعاتها مخاطبة له:
‐ أحلامى انا وحدى يا مدحت؟ وانت....
- انا ايه؟ لو سمحتى دا كان موضوع واتجفل .
قالها بحزم أجفلها، لتصيح به:
- إنت ايه يا اخى، للمره التانية هتبقى السبب فى بعادنا عن بعض؟
تماسك الا ينفعل حتى لا يخرج منه ما يسيئه، فقال بتحكم قوي بعصبيته المعروفة عنه:
- لو سمحتى اسمعينى ممكن، اولا هى كانت مرة واحدة، ودى كانت جبل ما تتجوزى الدكتور عزيز، واظن يعني انك بعد ما اتطلجتى ورجعتى تانى، مفتكرش انى اديتك عشم او اى امل اننا نرجع لبعض عشان يبجى فى مره تانية، يعنى كدة بالنسبالى، انتي كنتي تجربه وعدت خلاص، بحلوها، بمرها، فهى عدت .
رددت بدموع تتساقط بغزارة أمام جموده:
- انت بتنتقم منى يا مدحت، يعنى صابر الوقت دا كله وجاى دلوقتى تتجوز .
إلى هنا وقد نفذ صبره ليهدر بها:
- لا حول ولا قوة الا بالله، يا ستى انا مالى ومالك عشان انتجم ولا انيل، يعنى انتى لو مكنتيش اتطلجتى كنت انا هفضل مستنيكى؟ طب ليه يعني؟ مش هجدر اعيش من غيرك مثلًا؟
كلماته القوية والحازمة جعلتها تنهض بيأس تمكن منها وهي تتتمتم:
- اظاهر كدة ان مفيش فايده من الكلامء انا اسفة ان كنت ازعجتك، بس احب افكرك مره تانى انك انت اللى سبتنى فى الاول .
هز رأسه بموافقة غير مبالي قائلًا:
- حاضر.
ازداد غيظها لعدم اكتراثه، وتحركت بخطواتها تغادر، ولكنها وقبل ان تصل لباب الغرفة، استدارت فجأة تخاطبه بتحذير:
- اه ويا ريت تقول للهانم خطيبتك ما تجيش تسألنى عن حاجه تانى لأن انا مش غبيه عشان مفهمش غرضها .....
بصقت كلماتها لتخرج بعدها على الفور، تاركة مدحت تعتلي ثغره ابتسامة مشاغبة، حول فعل نهال، رغم غيظه منها لتصرفها بعدم علمه، ليغمغم بقلة حيلة:
- اعمل ايه بس معها المجنونه دى؟
❈-❈-❈
عاصم يا حبيب عمتك، يا غالى يا واد اخوي.
هتفت بها صباح وهي تقتحم الغرفة لتباغت عاصم بالهجوم بقبلاتها المتلهفة بلوعة، والاَخر على وشك الأصابة بأزمة قلبية من كم الإحراج الذي يتعرض له بفعلها، وصوته يردد:
- خلاص يا عمتى، انا زين ورايج اها، الله يرضى عنك كفاية.
صاحت به بانفعال:
- رايج فين يا حبيبى؟ كسر يده اللى عمل فيك كده.
بالقرب منهما هتف بها ياسبن:
- خبر ايه يا بت؟ مش تسلمى الاول ع الناس، نازلة كدة هجوم ع الواد اديله نفسه طيب.
التفت صباح توزع أنظارها على جميع الأفراد بالغرفة قائلة:
- معلش يا جماعة سامحونى بجى، ربنا يكفينا ويكفيكم شر الغفلات.
أمم الجميع خلفها بتقدير لموقفها، وتنقلت هي بخطابها نحوهم:
- كيفك يا هدية؟ الف سلامة لولدك يا سميحة، وانتى ازيك يا رضوانة؟ وازاي بتك ؟
اجابتها الأخيرة بابتسامة:
- زينه والحمد لله يا حبيتى، بس انتى كنتى غايبة فين يعني عنه؟
جلست صباح على طرف التخت لتجيبها:
- كنت مسافرة يا خيتي عند بتى المتجوزة فى اسكندرية ،وتوى ما راجعة، وسمعت الخبر من الناس فى البلد، ونار جادت فيا، ما ستريحتش غير وانا مخليه السواج اللى جابنى ياخدنى تانى ع المستشفى .
سألتها سميحة:
- طب وعلى كده بتك رايجة وزينة؟ طمنينا عليها يا ولية.
بابتسامة اجابتها صباح:
- اسكت يا بوى، دا الدنيا اتغيرت خالص فى اسكندرية، ولا عيال بتى اللى كبروا، دا انا معرفتش حد فيهم، بجوا عرايس وعرسان يا حبيبتي، كبروا البت معاهم .
عقب على قولها ياسين:
- وحشونى والله ولاد الفرطوس، ونفسى بجى البت دي تاجى وتجيب عيالها اشوفهم
- وهى كمان نفسها تشوفك يا بوى وتجيبلك العيال، دى هتموت على البلد وناسها، بس ظروف الشغل بتاعة جوزها بجى، هي اللي معطلة الدنيا معاها
قالتها صباح ليتمتم لها ياسين:
- ربنا يجيبها بالسلامة شاء الله .
سالتها هدية:
- طب وعلى كدة انتى ما شوفتيش حد من خواتك، وانتي جاية؟
ردت صباح بعدم تركيز:
- شوفت سالم ومحسن وسلمت عليهم جبل ما اداخل .. لكن مين البنيه الحلوه دى؟
انتبهت رضوانة نحو الجهة التي تشير إليها فقالت تجيبها:
- دى بتى نسمة للى كانت متجوزه فى البلد عنديكم يا ست صباح متعرفيهاش؟
هزهزت برأسها الأخيرة نافية تردد:
- لا يا خيتي معرفهاش عشان محصلش نصيب ولا شوفتها جبل كدة، لكن بصراحة، بسم الله ماشاء الله، دا انتى زى العسل يا حبيبتى وخساره فيه العفش ده.
تمتمت نسمة بخجل:
- تسلمى يا خالة ربنا يخليكى.
حضر سالم ليطرق على باب الغرفة يستأذن، فقال ياسين يدعوه
- ادخل يا ولدى، مفيش حد غريب، ولا انت معاك حد تانى غير اخوك؟
رد محسن الذي ولج خلف شقيقه:
- ايوه يا بوى، عبد الرحيم داخل معانا .
سمع ياسين لينتفض عن مقعده يستقبل الأخير بترحاب مرددًا"
- وه، عبد الرحيم، ادخل يا ولدى، دا انت فى مجام عاصم دلوك.
دلف المذكور بحرج ورأسه مطرقة يردد بحرج:
- تشكر يا عم ياسين، السلام عليكم .
تلقفه عاصم مرحبا هو الاَخر:
- اهلا يا عبد الرحيم اتجدم ادخل، شرفتني والله.
اكمل بخطواته عبد الرحيم لتقع عينيه على نسمة الجالسة بجوار والدتها، أنزلها سريعًا، ليكمل نحو عاصم كي يسلم عليه ويجلس على الكرسي المقابل له، وقال سالم:
- ايوه يا بوى، دا غلاوتو عندى دلوك فى غلاوة عيل من عيالى، البطل ده واد الأصول
بفضول وصوت خفيض تسائلت رضوانة:
- هو مين عبد الرحيم ده؟ وايه حكايته؟
اجابتها سميحة بهمس هي الأخرى:
' ما هو دا اللى نجد عاصم وشاله على كتفه، انا هاحكيلك .
اكملت سميحة لتشرح بالتفصيل الممل، عن شجاعة عبد الرحيم في انقاذ ابنها وقت إصابته، ونسمة بجوارهن، تستمع وأعينها تناظره بإعجاب، ومن جهته أيضًا كان يفعل المثل، ولكن بنظرات خاطفة
❈-❈-❈
والى البلدة
حيث خرج معتصم من منزله بتخوف ينظر يمينًا ويسارًا، وفي كل الأنحاء، يسير متسحبًا برعب حتى إذا وصل إلى الرجل الذي كان ينتظره في الحديقة، بدون سلام خاطبه بسخط:
- انت ايه اللى جابك هنا يا غبى؟
اجاب الرجل ذو الهيئة الإجرامية :
- ما انت اللى خايف تيجى تجابلنى فى مكانا المعروف عند الجهوه اللى غرب البلد، كنت عايزني اعمل ايه؟
قال معتصم بعصبية
- وتيجى ليه اساسًا؟ خلاص الود مجطع بعضه ما بينا؟
هتف به الرجل بتذمر:
- جرا ايه يا سى معتصم؟ هو انت عايز تاكل حجنا ولا نسيت اتفاجنا وعايز ماتديناش عرجنا؟
بضيق واستفزاز عقب معتصم:
- عرجكم دا ايه يا حبيبي؟ هو انت هتسوج فيها؟ اشحال ما كان الزفت ده حط عليكم وكسركم.
بابتسامة شامتة رد الرجل:
-يعني هو كان كسرنا لوحدينا؟ دا انت اول واحد فينا كسرلك مناخيرك ، ولا انت ما عندكمش مريات تفكرك باللي حصل؟.
صك على فكه معتصم بغل يهتف به:
- انت هتتماجلت عليا يا كلب انت؟ ولا انت ناسى انا واد مين؟ ولا اجدر اعمل فيك ايه دلوك في منطقتنا.
تأفف الرجل ليرد بعدم اكتراث:
- بجولك ايه، انا مش عايز رط ولا رغي كتير، بجية فلوسنا تجي دلوك، كفاية علينا الكشوفات اللى كشفناها انا واخويا عند الدكاتره بعد العركة مع اللى كان عاملى فيها هركليز دا كمان.
ابتلع ريقه معتصم بارتباك يقول:
- بس انا ممعايش دلوكت غير دول، خد صرف نفسك بيهم انت واخوك .
قال الأخيرة وهو يخرج من جيب بنطاله بعض الاوراق المالية، تلقفها الرجل ليرفعها أمام عينيه مرددًا بسخرية:
- ها، إيه دول يا عنيا؟ ولا انت فاكر نفسك هتضحك عليا بشوية الملاليم دي، لا فوج لنفسك يا حبيبي، انت تدخل دلوكت تجيبلى بجية الفلوس، يا هيحصل ما لا يحمد عقباه، فاهم ولا لأ.
ازداد اضطراب الاخر ليردد بتوتر:
- اروح فين عشان اجيبلك اللي بتقول عليه؟ انا ابويا لو عرف هايبهدل الدنيا .
تبسم الرجل يقول بسخرية وعدم تصديق:
- يعنى ابوك على كده ما يعرفش يا حبيبي، امممم، طب اسمع بجى الخلاصة منى، بكره تيجي ع القهوة بتاعتنا ومعاك الفلوس اللى باجية، والا هتشوف منينا اللى ما يعجبكش واصل، ماشى يا حيلتها .
قالها الرجل وتحرك ذاهبًا على الفور، ليغمغم معتصم بسخط وهو ينظر في أثره:
- حيلتها فى عينك يابن ال......ان ما كنت ربيتك ما بجاش انا .
تحرك بعدها هو الاَخر ليعود ألى داخل منزله، غافلا عمن كان يتصنت للحديث من بدايته، وقد كان متخفيًا خلف احد الاشجار بالحديقة.
❈-❈-❈
-مين الواد العفش اللى كان مستنيك بره؟
هتفت بها انتصار فور أن ولج معتصم لداخل الدار، بعد مراقبتها له منذ لحظات، منذ ورؤيتها لهذا الشاب المجرم وهو يقف معه في الحديقة، اجابها الاَخر بتوتر مكشوف
- دا الواد البلطجى اللى كان معايا فى العركه مع عاصم ياما .
قطبت لتسأله باستغراب:
- وهو ايه اللى يجيبوا عندك؟ مش خلاص الموضوع تم وخلصنا على كدة، وكل واحد راح لحال سبيله.
ابتلع ريقه يجيب بارتباك ملحوظ:
- ما هو عايز فلوس تانى باجى حجه.
شهقت مستنكرة رافعة حاجبها الرفيع قائلة:
- اسم الله يا حبيبي، حج ايه تاني كمان؟ هو انت مش ادتلوا حجه كامل ولا اا
توقفت فجأة لتتابع باستدراك:
- لتكون صرفت الفلوس اللى ادهالك ابوك يا وكلهم، والراجل دا صح صادج في كلامه؟
اجابها معتصم
- ما انا ادتلهم النص وجولتلهم النص التانى بعد ما يخلص الموضوع.
بريبة سألته:
- طب ما هو زين كلامك ده، اديهم يالا الفلوس يا حبيبي، ايه اللي معطلك؟
بصوت خرج كالغمغمة اجابها بتردد:
- ما انا ممعايش دلوك، اصلهم اتصرفوا فى لعبة جمار فى الجهوة وراحو مني في ضربة حظ من الواد الفجري اللي كان بيراهن معايا.
- هو برضوا اللي فجري؟!
صاحت بها انتصار، لتلوح بكفها في الهواء مرددة:
- جاتها خيبه اللى عايزه خلف، جاتها ستين خيبة اللي عايزة خلفتك، غور من وشى يا واد، غور من وشي يا جزين .
بتخوف كان يحاول تهدئتها بهمس حذر:
- وطي صوتك ياما بلاش فضايح، مش ناجص انا حد يسمع من الخدامين ويروح يفتن لابويا بعد كدة.
حدجته بنظرة نارية تنفخ دخان من منخاريها لتكتم غضبها حتى لا يحل غضب العمدة فوق رأسها اذا سمع بالفعل وعلم بالأمر، فقالت مستلسمة في الاَخير:
- خلاص غور دلوك ، انا هاتصرفلك فى الفلوس بس اياك اياك تصرفهم تانى، لأما ساعتها هسيبك لابوك يتصرف هو معاك.
هلل فرحاً يقبلها فوق خدها معتصم ويردد:
- تسلميلى ياما ، دايما سترانى .
غمغمت انتصار بضيق
- اياكش بس يطمر ويجيب فايده معاك، مع انى اشك .
❈-❈-❈
في داخل السيارة التي كان يقودها، ليُقل الفتاتين، نهال وبدور التي سألها بمناكفة ضاحكًا:
- يعنى على كدة جدى بيتحلفلك انتى و عاصم يا بدور؟
هتفت نهال وهي جالسة على المقعد الأمامي بجواره، ورأسها ملتفة إلى الخلف، نحو شقيقتها التي كانت جالسة وحدها .
- تستاهل اللي يعملوا فيها، عشان تتبلى تانى على جدى الراجل الكبارة.
ردت بدور بعصبية وضيق:
- يعنى كنتي عايزاني اعمل ايه بس؟ ما انا كان نفسى اجعد عشان اطمن اكتر على عاصم، وابوكي راسه والف سيف ان امشي معاه.
خاطبها مدحت ببشاشة:
- جدعه يا بدور، انتي اتصرفتي باللي شار بيه جلبك، وعاصم لايمكن ينسهالك دى
ردت بلهجة متأثرة:
- والله وهو يستاهل كل حاجه حلوة؟
سمع منها لينقل بأنظاره نحو نهال قائلًا:
- اهي دي البنتة الشاطرة صح، سامعة ياللى تعبانى معاكى؟
رمقته باستنكار رافعة طرف شفتها تردد:
- انا برضوا اللى تعباك؟ ولا انت اللى عامل زى البير وغويط.
بلهجة بائسة درامية قال ببرائة:
- بجى انا اللي عامل زي البير وغويط كمان؟
توقفت متنهدًا بيأس يتابع :
- يارب صبرنى على بلوتي، دا انا غلبان ومش كد الافترا دا يارب.
ضحكت بدور لتندمج معه في المزاح قائلة:
- الله يكون فى عونك يا واد عمى، ويعينك يارب.
كشرت نهال بوجهها مخاطبة الأثنان:
- يعني انتوا الاتنين اتفجتوا عليا النهاردة، ماشى يا "
بدور خليه ينفعك، على العموم احنا وصلنا .
اوقف مدحت السيارة ليقول بجدية وقد تخلى عن المزاح:
- مش كنتوا نمتوا الليلة دى عندى فى الشجه مع عمامى، مش عارف ايه لزوم الاصرار على النومة في السكن؟
ردت بدور وهي تترجل من السيارة:
- متشكرين جدا يا واد عمى بس انا عايزة اجضى الليلة هنا مع البنات صحاب نهال، نضحك ونتساير، في جعدة بنتة.
اضافت نهال على قولها وهي تحاول التخلص من حزام الأمان:
- وانا كمان عندى محاضرات مهمة بكره ومش عايزه اتأخر، كفاية اللي فاتني النهاردة.
قالتها وقبل تهم بفتح الباب وجدته يوقفها بأن امسكها من يــ دها ليسألها بصوت خفيض لم يصل إلى شقيقتها:
- لكن انتي اتعرفتي على مها ازاي؟
ردت بعدم تركيز وقد أجفلها بسؤاله:
- ها مها مين؟
تبسم بمكر قائلًا:
- الدكتورة مها اللي روحتي وعَرفتي نفسك بيها النهاردة انك خطيبتي، ولا انتي نسيتي يا نهال؟
انسحبت الدماء بوجهها لتظل صامتة تبحث عن رد مناسب وقد هربت منها كل حجج المنطق
❈-❈-❈
دلف رائف بصحبة والدته وشقيقته لداخل المنزل، بعد ان عاد بهم من المحافظة وزيارة عاصم، القى بمفاتيحه، ليسقط بجســ ده المتعب على الاريكة الخشبية التي وجدها أمامه، عقبت راضية فور رؤيتها لهذه الحالة التي عليها هو :
- سلامتك يا ولدى من التعب، ادخل اتسبح وانا ححاضرلك لجمه تاكلها وبعدين نام براحتك على سريرك وفي اوضتك، احسن من الكنبة الناشفة دي.
تدخلت نيرة لتسألها:
- مين بجى ياما اللى هيحضر الوكل، انا كمان تعبانة وعايزه انام .
زفرت راضية تطالعها باستهجان قائلة:
- وانتي تعبانه ليه يا ختى؟ كنتى شجيانة فى الغيط ولا شغالة فاعل؟
غمغم رائف مغمض العينين بتعب ورأسه استراحت على الوسادة من خلفه:
- سيبيها ياما البت دى، مش عايز حاجة من خلجتها، لا تحضر ولا تزفت، أنا اساسا جعان نوم.
همت راضية أن تجادله ولكن رنين هاتفه اوقفها،
ليخرجه بصعوبة من جيب سترته حتى يعرف هوية المتصل، والذي ما ان رأى رقمه، اعتدل بجزعه ليجيب باهتمام:
- الووه، ايو يا حربى، إيه الاخبار؟
وصله إجابة الاَخر:
- الاخبار تمام وعال العال، انا عرفت مين اللى ساعد معتصم فى العركه مع عاصم.
بتركيز شديد ولهفة للمعرفة، سأله رائف:
- مين يا حربى؟ من البلد واحنا نعرفهم، ولا إيه بالظبط؟ وانت اساسًا عرفتهم ازاى؟
رد حربي بلهجة هادئة ليمتص حماس الاَخر:
- شوف يا عم رائف، انا كلمت جدك وهو دلوك ركب عشان يرجع البلد، يعنى كده ساعتين تلاته تلم نفسك وتيجى عشان نعرفوا هنعمل ايه، وسلام بجى .
سمع رائف ليغمغم مع انهاء المكالمة بشرود:
- سلام يا حربى يا واد عمى، هاااااانت
.....يتبع