رواية مواسم الفرح
رواية مواسم الفرح بفلم امل نصر
الفصل الثالث عشر والخامس عشر
الفصل الثالث عشر
خلف ظهره كانت تقهقه بشقاوة وهي تتهرب من جدها والذي كان يحجزه عنها هو بجســ ده الضخم، كحائط دفاعي من هجوم ياسين والذي كان مصمم على الفتك بها وهو يهدر صائحًا:
- سيبها يا مدحت، خليني أكسر عضمها البت دي.
جلجلت من خلفها بضحكاتها تردد:
- اعجل يا جد انا بهزر معاك .
ردد من خلفها صائحًا باستنكار وقد زادت من عصبيته:
- اعجل انا يا بت ال...... ياد سيبها ياد.
مدحت والذي كان يمنعها عنها بصعوبة واعصاب ترتخي شيئًا فشيئًا وهو يكاد أو يقع ارضًا من الضحك يخاطبه:
- طيب حتى جولى بس، هي عملت إيه لدا كله؟
سمع ياسين ليصيح بتشنج:
-وانت مالك إنت باللي هي عملته؟ سيبها خليني اخلص عليها مضروبة الدم دي.
طلت برأسها إليه تزيد من منكافته:
- طب اجول انا يا جد وهو يحكم ما بينا .
صعق ياسين ليبدوا كالذي صعقه ماس كهربائي:
- شوفت بت ال .. برضوا مش مبطلة، سيبنى يا ولدى خلينى افش خلجى فيها .
رد يجيبه بلهاث حقيقي من فرط ضحكاته:
- خلاص يا جدى كفاية عشان خاطري، انا راجل مش واخد ع الفرهدة دي.
توقف ياسين فجأة وقد اصابه التعب هو ايضًا، فقال:
- ماشى يا سي الدكتور، أنا هسيبها المرة دي بس عشان خاطرك انت .
أومأ له بتحية متنهدًا ببعض الإرتياح :
- كتر خيرك يا جدى والله، ربنا يخليك يارب.
رفع ياسين عصاه محدجًا نهال بغيظ جعلها تكتم ضحكاتها حتى غادر، لتواصل مرة أخرى واستدار لها مدحت، ليتسمر متجمدًا في النظر إليها، وهي تحاول وتجاهد للتوقف حتى تمكنت من القول اَخيرًا لتسأله:
- مالك بتبصلى كده ليه؟
تنهد بصوت عالي يجيبها:
- مش عارف اجولك إيه؟ وانتي دايمًا بتلخبطي الدنيا معايا كدة، دا أنا من ربع ساعة بس، كنت مخنوج ومش طايج نفسى وانتى نفسك كنت بتوعد لك بحساب عسير، لكن فى لحظة واحدة بضحكتك اللى تجنن دى نسيتنى الدنيا وما فيها .
اخجلها بكلماته، وهذه النظرة الدافئة والتي تخترق قلبها لتجعل الزيادة في خفقانه بسرعة ارنب يركض في البراري، فقالت باستفهام:
- طب وانت كنت هتحاسبنى ليه؟
- مش عارفه ليه؟
-لا مش عارفة؟
قالتها بصدق ليرد على الفور متذكرًا:
- اتأخرتى ليه؟ وتعرفي منين الست دى اللى انتى جايباها معاكى دلوك؟
عبست ملامحها تجيبه:
- يعنى هو ده جصدك، على العموم اديك عرفت السبب اللى خلانى اتاخر وهو انى كنت عايزه اجف جنب الست الغلبانة دى هى وبتها، ولو عن معرفتها، فدي حكاية طويلة، وعايزة جعدة عشان احكيلك...
قطعت منتبهه على تحديقه بها، فهتفت بشقاوتها المعتادة:
- إيه يا عم إنت؟ هتفضل كتير تبصلى وانت ساكت كده؟
حينما ظل على صمته، تابعت:
- بس إيه حكاية الجلبية البلدى دي؟ دا انت بجالك سنين طويله ما لبستهاش
كالطفل الصغير، تهلل وجهه ونسى ما كان برأسه من عتاب، فقال مبتهجًا:
-عجبتك ؟ دا انا لابسها مخصوص النهاردة عشان خاطرك ، وعشان اشوف رأيك.
أجفلها بكلماته والتي زادت على خجلها حتى لم تقوى هذه المرة على التهرب، وانعقد لسانها عن الرد، لتسبل أهدابها عن النظر ومواجهة عينيه، وانعكس ذلك عليه هو ايضًا، لتثير جنونه بها وبحالاتها التي تتغير سريعًا،
من شقاوة وعفرتة، إلى خجل شديد
قطعت عليه عمته صباح بندائها، وهي تهتف بإسمه:
- مدحت يا ولدى انت لسه جاعد هنا؟
التف إليها قاطبًا بتشتت يسألها:
- ايوه يا عمتى عايزة حاجة؟
ردت صباح بتعجب لحالته هي الأخرى:
- عايزه سلامتك يا حبيبى، انا بس افتكرتك روحت تصلى الجمعة مع عمامك وولاد عمك.
استدرك لينظر نحو الساعة التي تزين رسغه، فقال مجفلًا:
- وه دا انا اتأخرت صح، ويدوبك امشي واحصل الصلاة، عن اذنكم .
قالها وتحرك مغادرًا على الفور، شيعته صباح بعينيها، تردد من خلفه:
- روح يا حبيبي، حرمًا مجدمًا ان شاء الله .
سألتها نهال بانتباه:
- عمتى، هو مين اللى راح يوصل خالتى رضوانة ؟
التفت صباح مضيقة عينيها بريبة تقول:
- راح معاه حربي عشان يوصلها، لكن انتى عرفيتها كيف يا مصيبة انتى؟
تبسمت بلؤم تجيبها بمرواغة:
- نصيبة ليه بس يا عمتى؟ دى حتى بتها اللى كانت صاحبة اختى بطة، و هى اللى اتجوزت عندينا هنا في البلد وصاحبة المشكلة اللي جات لجدي عشانها والدتها، فيها حاجة دي يا عمتى؟
اردفت سؤالها الاَخير بخبث صريح، وردت لها الأخرى:
- يعنى انتى معارفاش فيه ايه ؟!
هزت رأسها بالنفي تقول ببراءة:
- وانا هعرف منين بس يا عمتى، لو في حاجة زي انتي ما بتجولي.
صمت صباح تطالعها بشك وعدم تصديق:
❈-❈-❈
اوعوا تكونوا اكلتوا من غيرى .
هتف بها حربي وهو يعدو بخطواته السريعة لداخل المنزل بعد عودته من الخارج، ردت عمته صباح :
- لا يا ولدى، دا احنا يدوبك بنجول بسم الله الرحيم .
جدم اسحب لك كرسى عشان تاكل معانا.
خاطبه والده بنبرة حانقة:
- وانت كنت فين يا محروس عشان متحصلش الصلاه معانا، وتيجي كمان ع الوكل متأخر؟
اجابه حربي بعدم تركيز وهو يتناول الطعام بشراهة بعد أن جلس وانضم إليهم:
- كنت فى مشوار يا بوى .
- مشوار ايه يا حيلتها اللى يخليك ما تحصلش صلاة الجمعة؟
قالها بتوبيخ، لترد صباح مخاطبة له بضيق:
- وه يا محسن، انا اللى بعته يوصل عمته رضوانة.
سألها محسن بعدم فهم:
- رضوانة مين؟
هذه المرة كان الرد من هدية التي هتفت وأنظارها نحو ياسين:
- رضوانة يا محسن، معرفش رضوانة اللى كانت مرة عمي ياسين زمان.
تدخل رائف يسأل بفضول:
- صح يا جد انت اجوزت حد تانى غير ستى نحمدو؟
وتدخل مدحت أيضًا:
- معقول! الكلام دا صح يا جد؟ يعنى اللى شوفتها النهارده كانت مرتك؟
رفع رأسهِ إليهم ياسين بعد فترة من الصمت بوجه عابس، وصوت خلى من مرحه الدائم:
- فضوها كلام خلونا ناكل وانت يا حربى بعد ما تخلص وكل حصلنى على اؤضتى .
صمتوا جميعهم مجبرين، فقد كانت هيئة ياسين غير مشجعة على الإطلاق لفتح أي حديث، بالإضافة إلى هذا الشرود في تناول الطعام، والذي لم يستمر سوى لحظات معدودة، قبل ان ينهض عنه وأكد مرة أخرى على حربي لضرورة اللحاق به.
عقب مغادرته، اشتعلت الاسئلة الفضولية والهمهمات واللمزات عن المرأة الغامضة والتي ظهرت الاَن في هذا الوقت بعد طول غياب،
فقال عبد الحميد:
- ودى إيه اللى جابها؟ دى بجالها عمر طويل محدش شافها !
ردت صباح :
- كانت جاية فى موضوع كده عشان بتها الزمجانة وجوزها اللى ضربها.
خرج عاصم عن صمته هو الاخر:
- يا جماعة حد يفهمنى، دى كانت جبل ستى نحمدو، ولا بعدها؟
اجابت والدته:
- دي اتجوزها على ستك نحمدو سنتين وطلجها .
سألتها بدور:
- طب هي ستى، كانت ساعتها مخلفة عيال؟
اجابها عن السؤال والدها:
- ايوه يا بتى، دي كانت مخلفانا كلنا كمان، بس دا بعد ماطلج ستك الطلجة الأولانية
- أولانية! وه، دي على كده ستى اتطلجت اكتر من مرة ؟
قالها رائف بعدم استيعاب وجاءه الرد من عمه محسن:
- مرتين يا ولدي، كان يطلجها ويردها تانى عشان خاطرنا احنا عياله، اصل جدكم كان طبعه حامى فى شبابه، لكن طول عمره حنين مع عياله.
رفع رأسه حربي إليهم باستدراك يقول وهو يلوك الطعام بفمه:
- بجى على كده المرة الحلوة دى كانت مرة جدى، وانا اجول، إيه سبب الاهتمام دا من جدي؟
تنهيدة كبيرة اخرجتها صباح لتقول مقررة:
- هي فعلًا حلوة، وجدك لحد دلوك مش ناسيها .
قال مدحت وقد تركزت انظاره نحو نهال
- يبجى كان بيحبها يا عمتى، دا حتى شكله اتغير لما جبنا سيرتها.
-❈-❈-❈
ادخل .
هتف بها ياسين نحو حربي والذي كان يطرق على باب غرفته، بناءًا على طلبه، دخل المذكور ليجد جده متكئًا بنصف نومه على الاَريكة الخشبية الصغيرة في الجانب القريب من باب الغرفة، يتلاعب في سبحته، بوجوم، فتكلم حربي يسأله:
إنت كنت عايزنى فى ايه يا جدى؟
اعتدل ياسين بجذعه ليقول:
- ايوة تعالي اجعد جمبي هنا، احكيلى عن كل اللى شوفته بالظبط عند عمتك رضوانة اللي وصلتها من شوية.
جلس مذعنًا لطلبه حربي، ورد يجيبه رغم حالة الدهشة التي اكتنفته، من السؤال:
- شوف يا جدى، انا بعد ما وصلتها، أصرت عليا ادخل اشرب شاى عندها في البيت، ما كنتش عايز بصراحة بس فى الاخر دخلت عشان ما تزعلش منى وتفتكرنى بتكبر عليها، وشوفت بيتهم يا جدي، باين قوى انهم ناس على كد حالهم .
سأله ياسين:
- مين اللى طلعلك من الرجال؟
مصمص حربي بشفتيه يجيبه بعدم رضا:
- ما فيش يا سيدى غير واد بتها اللى يدوبك ١٥ سنة، اظاهر كدة ان كل خلفتها بنات .
- وانت شوفت حد من بناتها ؟
سأله ليجيب الاَخر على الفور بلهفة:
- ايوه يا جدى بتها نسمة اللى كانت متجوزة عندينا هنا، صاحبة الموضوع اللي كلمتك فيه الولية امها، هى اللى دخلتنا الشاى، بس ايه يا جدى، بت تجول للجمر جوم وانا اجعد مطرحك، انا مش عارف كيف البت الحلوه دى تتجوز الواد الطحان العفش ده، لا وكمان هو اللي بيجلع عليها من خيبته!
عادت إلى ياسين النبرة المرحة في مخاطبته:
- دا انت بصيت على البنيه واتحججت كمان من وشها، يا بن الفطروس .
ضحك حربي يقول بحرج:
- وه يا جد مش سلمت عليا وكلمتني كمان، ساعة ما أمها جدمتني ليها؟ على العموم هى شبه والدتها.
أومأ ياسين يهز رأسه بتفهم وشرود، حتى هم حربي في الاستئذان والإنصراف، ولكن الأخر فاجئه بقوله:
- طب حكيلى تانى بجى، ليكون فى حاجة ناسيها.
ردد خلفه حربي بعدم تصديق:
- تانى يا جدى !
-❈-❈-❈
بعد تناول الغذاء
تفرق الأفراد كالعادة، راجح وأشقاءه الرجال صعدوا ليرتشفوا الشاي في ضوء الشمس، بعادة نشأو عليها منذ أن كانوا أطفالًا صغار في منزلهم هذا الذي ترعرعوا فيه، أما الزوجات، فقد ذهبوا مع صباح إلى المطبخ، لمساعدتها في الجلي والتنظيف قبل الذهاب ، الشباب والفتيات وقد تجمعوا هذه المرة في مكان واحد، في حديقة المنزل، للتحقيق مع نهال في هذا الموضوع الجديد
- جولى واعترفى يا سهونة ان هو دا السر اللى كان بينك وبين جدك .
هتف بها رائف وكان رد الأخرى
-،لاه مش جايلة، ومش هاريحكم .
قالت بدور:
- سيبك منها يا واد عمي، البت دي لو جعدتوا للصبح في السؤال معاها، برضوا، مش هتجول دى انا عرفاها .
اضافت على قولها نيرة:
- انتى هتجوليلى، دى استاذه فى اللوع .
صاحت بها نهال غاضبة:
- لمى نفسك يا نيرة، انا مش عايزة اتعصب عليكي.
رددت الأخيرة بتحدي:
- ليه يا حبيبتى؟ شايفانى مبعثرة ولا شايفاني مبعثرة؟
هتف عاصم بحزم نحو الاثنتين:
- خلاص بجى يا بنات انتو هتشبطوا فى بعض، فضوها بجى من الموضوع ده.
صاح رائف يعترض بمكر:
- ما تسيبهم يا عم خلينا نشوف مين اللى هتفوز فيهم .
- ماخلاص بجى فوضوها دا مش موضوع اللى هيخلينا نخسر بعض .
هدر بها مدحت بضيق ليصمت الجميع، فقد كان هذا الأمر اخر اهتمامه، ولا يعجبه هذا التجمع حولها، وهذه الأسئلة المكررة بملل، وهو يريد الأنفراد بها والتحدث معها.
- عقب رائف على قوله بخبث:
-، نخسر بعض! لا مش لدرجادى يعنى يا عم الدكتور . احنا ولاد عم، نشد ونرخى وفى الاخر نتصالح ونفضل حبايب.
غمغم مدحت بصوت خفيض حانقًا من سماجة شقيقه والإصرار على استفزازه:
- ابو دمك يا شيخ، عيل بارد .
ضحك عاصم بصوت عالي وقد فهم على مدحت، وبنفس الوقت انتبه على افعال الاَخر المناكفة بقصد، فتدخل قائلًا:
- بجولك إيه يا رائف، إنت متعرفش إن الفرسة الكبيرة جابت مهر صغير يشبه الحصان العالى .
هتفت بدور مهللة بفرح وحماس:
- ولدت مهر صغير، إنت بتتكلم جد يا عاصم؟
ضجك الاَخير يطالعها بقلب يقفز فرحًا بين أضلعه، وقد خاطبته أمام الجميع بإسمه، وتخلت عن تحفظها، لتسأله بتباسط وفرح طفلة صغيرة، فخرج رده بابتسامة اشرقت ملامحه وزينت ثغره:
- صح يا بدور، صغير وحلو جوي كمان، يشبه الحصان العالي ابوه.
ضحك رائف ضاربًا كفًا بالاَخر يردد :
- انتى فينك يا حربى يا واد عمى؟
تجاهله عاصم وكتم ابتسامته، أما نيرة ف قالت بلهفة:
- يا عم احنا مالنا بحربى دلوك، خلينا فى المهر الصغير ، انا جايمة اروح اشوفه .
قالتها ونهضت على الفور، تبعها عاصم وبدور وحتى رائف لم يستطع منع نفسه من رؤية الحدث الجديد.
همت نهال أن تنهض أيضًا ولكنها تفاجأت بيــ د
قوية تطبق على كف يــ دها التي كانت تتناول الهاتف من جوارها ع الاَريكة الخشبية، طالعته باستفهام، ولكنه وجه لها نظرة محذرة كي تصمت، ارتبكت بإجفال تنتظر حتى ابتعد اولاد أعمامها مع شقيقتها لتسأله بعدم فهم:
- إيه فى حاجة؟
تبسم ببهجة تغمره مجبرًا نفسه لرفع كفه عن كفها، وهو يقول:
- لأ مفيش حاجة يا ستي، أنا بس عايز اجعد مع بعض لوحدينا شوية.
قالت باضطراب وابتسامة متوترة:
- والنعمة خضيتنى، وافتكرت فى حاجة.
- سلامتك من الخضة يا جمر .
قالها مدحت لتصعق متفاجئة بكلمات الغزل التي جعلتها تردف بخجل تحاول أن تخفيه بمزاحها:
- انت كمان بتعاكس يا دكتور؟
رد يشاكسها محدقًا بها بنظرات تزيد على خلجلها:
- ومعاكش ولا اقول كلام حلو ليه؟ دا انا ابجى راجل معنديش نظر وغبي، دا انت عنيكي بس يتكتب فيها قصائد .
ضخات قوية، بأصوات تشبه الطبول لهذا الصغير داخل
صــ درها، لا تصدق ولا تستوعب أن يأتي هذا اليوم وتسمع منه هو هذه الكلمات بهذه المشاعر التي تصدر مع حرف منه، ضاع التعبير منها وضاعت هي أيضًا، فلم تتمكن سوى بالتهرب، بأن أسبلت أهدابها لتهبط بأنظارها للأسفل، فهتف هو يجفلها:
- ارفعي عنيكي يا بنتي، هو انا بكلمك عشان تهربي بيهم، دا انا ما صدجت الحوش اللي معانا مشيو، خصوصًا الواد رائف البارد.
سمعت منه لتضحك بمرح وتقول:
- اقسم بالله دي اول اعرف شخصيتك دي، طول عمري شايفاك الدكتور الراسي العاجل
رد يلوح لها بكفه:
- عجل مين يا ماما؟ الكلام ده كان زمان، جبل ما اشوفك بعد ما كبرتي وبجيتي كدة.
بابتسامة ارتسمت على ملامح وجهها بشدة سألته بفضول:
- بجيت كده ازاى يعنى؟
مال برأسه يطالعها بسحر نظراته، ليقول:
- شوفي يا ستي، اللي اجدر اقولهلك دلوقتي وتبجي متأكدة منه، هو اني اللحظة اللي شوفتك فيها هنا في بيت جدي بعد السنين الطويلة دي، جولت هي دي!....
همت ان تقاطعه ولكن هو كان الأسبق:
- عارفك هتجولي كنت جاي عشان خطوبة اختي، بس انا برضو هرجع واجولك ان دا هو اللي حسيت بيه، ويشهد ربنا إني ما بكذب في حرف.
ظلت لعدة لحظات تطالعه صامتة قبل أن يفتر ثغرها بابتسامة كانت تتوسع تدريجيًا حتى اردفت بمرح،:
- يالهوى عليا وعلى سنيني، طب انا ارد اجول إيه دلوك؟
رد يجيبها بحزم:
- يا ستي متفكريش ولا تتعبي نفسك، انتى ردى عليا بالكلمة اللي مستنيها وبس.
- كلمة ايه؟
صدرت فجأة بالقرب منهما، ليجدا أمامهم حربي واقفًا يناظرهم بوجوم وتجهم.
زفر مدحت غاضبَا يقول:
- مش تجول السلام عليكم الاول يا حربى، جبل ما تخض الناس وتتدخل في كلامهم.
رد حربي مقارعًا:
- اتخضيتوا! ليه بجى ان شاء الله؟ شوفتوني عفريت جدامكم مثلًا؟
هدر مدحت غاضبًا:
- عايز ايه يا حربى؟
- يعني هعوز إيه؟
قالها بنبرة بطيئة مريبة، اصابت نهال بالتوتر بالإضافة إلى هذه النظرات الغير مريحة منه وهو يتابع:
- انا بس مستغرب جعدتكم... وبجية الشعب مش موجود!
صك على فكيه مدحت يكظم غيظه حتى لا ينفعل ويهشم رأسهِ، بعد أن وصله التلميح الصريح منه، وردد خلفه مشددًا على الكلمات:
- بجية الشعب راحوا يشوفوا المهر الجديد.
تنهد حربي بوجه ممتعض، قبل أن يقول وهو يحرك اقدامه
- انا كمان هروح احصلهم، متزعش نفسك يا عم الدكتور، سلام .
تكلمت نهال فور مغادرته بوجه انسحبت منه الدماء:
- حربي شكله ميريحش، انا خوفت منه.
قال مدحت بحزم:
- وانتي تخافي ليه؟ ولا تجلجلي اساسًا منه؟ إدينى كلمة منك اروح لجدى وعمى دلوك ونتمم الموضوع.
ابتلعت ريقها ولم تدري بما تجيبه، وزاد هو بإلحاحه:
- ها ايه رايك؟
❈-❈-❈
في الأسطبل وبجوار المهر الصغير التي كان يقف بالقرب من والدتها:
هتف عاصم ضاحكًا:
- يا بت نزلى كفك زين وانتي بتلمسي عليه، هو هيعوضك؟
ردت بدور وهي ترتد للخلف كلما اقترب منها الصغير:
- لا يا بوي انا خايفة.
اقترب عاصم بالصغير يشاكسها بمرح:
- طب جربي بس ع الخفيف كدة وخليه ياخد عليكي، دا غلبان والله.
تدخل رائف قائلًا:
، ما خلاص يا عم عاصم، بلا تاخد بلا تنيل، سيبها على حالها كدة، دي بت خايبة.
تغضن وجه بدور لترد عليه بغضب وانفعال:
- احترم نفسك يا رائف ومتغلطش، مالك انت ان كنت خايبة ولا ناصحة، انت مالك ها؟
ردد عاصم خلفها متصنعًا الغضب:
- ايوه صح يا زفت انت، بطل برود وغلاسة واسمع الكلام،
التقطها رائف ليصيح مهللًا يردد:
- اسمع الكلام يا عينى ع الرجالة، يا عيني ع الرجالة
تبسم عاصم صامتًا، يخطف نظراته بطرف عينيه نحو بدور التي تخضبت وجنتيها بحمرة الخجل، وهي تدعي الغضب، متمتمة بكلماتها الساخطة:
- يا باي عليك يا رائف، دا انت صح والنعمة غلس ورزل كمان.
تدخلت نيرة بعد فترة طويلة من المتابعة:
- ما هو عندو حج صراحة يتريج عليكي، بجالك ساعة معرفاش تلمسى بكفك ع الحصان الصغير ده.
هتفت بها بدور حانقة:
- ما انا بصراحة بخاف من الحاجات الصغيره
دى، باه، حتى انتي كمان يا نيرة؟
ضيق عاصم عينيه بخبث قبل ان يفاجئها ويتناول كفها قائلًا:
- بتخافى من الحاجات الصغيرة، طيب تعالى نجرب مع الحصان العالى .
قالها وهو يحاول سحبها نحوه، وصرخت هي بزعر متشبثة بالحاجز الخشبي خلفها باليــ د الأخرى:
- لا يا عاصم لا، سيب يدي حن عليك.
تدخل رائف بسماجة يغيظها
- ايوه والنبى يا عاصم جربها من الحصان، اصل البت دى شلانى صراحة.
قهقه عاصم وقبضته ارتخت لا يريد تخويفها اكثر، ولكنها لم تقتنع وهي تصرخ نحو نيرة:
- ما تحوشي عني يا جزينة انتي، الاتنين بيتسلو عليا وانتي ساكتة؟
ضحكت نيرة هي الأخرى تقول بتسلية:
- يا حبيبتى ما انتى اللى خايفة من المهر الصغير، نعملك ايه بس؟
عقد حاجبيه عاصم يدعي الجدية في قوله:
- يا بت هو انا هرميكى له عشان ياكلك، دا انا بس هخليه ياخد عليكى، تعالى بس متخافيش .
اعترضت تحرك رأسها برفض قائلة
- لا يا عم، احسن يرفسنى ولا يكسر لى ضلع انا مش ناجصة.
- يا بت انا معاكى يعنى متخافيش .
قالها عاصم ليتفاجأ بمن يردد خلفه بصوت عالي:
- ما تروحى معاه يا بدور خايفة ليه؟
قالها حربى والتفت رؤس الاربعة نحوه، فقد كان مستندًا على باب الاسطبل.
ارتبكت بدور بخضة، وتحفز عاصم بعد ان تركها واشتدت ملامحه وهو يناظر الاَخر بتحدي، أما رائف فقد تصرف على طبيعته وقال ضاحكًا:
- إنت جيت يا غالى؟
رد حربي ساخرًا بقصد:
- ايوه يا حبيبى، انا جيت من اول الفيلم .
هدر عاصم بغضب
- فيلم إيه؟ ما تنجى كلامك يا حربي، بدل ما تهلفط بكلام ماسخ مالوش معنى.
اعتدل حربي في وقفته ليقول:
- يعنى هجول ايه بس يا واد عمى؟ وانا شايف المشهد ده مرتين ورا بعض .
- إنت تجصد مين؟
سأله رائف ورد الاَخر:
- جصدى ع الدكتور والدكتورة....
قاطعته بدور بغضبها:
- بجولك ايه يا حربى، احترم نفسك وبطل تلجح بالكلام .
خاطبها عاصم بانفعال:
- سيبيه يا بدور خليه يغلط، عشان لما يدفع تمن غلطه يعرف ان الله حق.
-' وانا لسه هستني لما اعرف، انا ماشى يا عم وسيبهالكم .
قالها حربي وهو ينفض جلبابه ليستدير مغادرًا على الفور، تبعه رائف حتى يلحق به هاتفًا :
- استنى يا حربى انا جاى معاك .
قالت نيرة عقب انصراف الاثنين:
- دا ماله دا اجن ولا إيه؟
توقف عاصم يتبادل مع بدور النظر بصمت.
الفصل الرابع عشر
صامتة، هادئة، بتفكير عميق ومشتت، تنظر حولها في جمبع الانحاء إلا عنه، فعيناه المصوبة نحوها تزيد من قلقها وتوترها، لا تدري بما تجيب عن طلبه المباغت لها.
- ها يا نهال، جولتي إيه؟
قالها للمرة الثانية او الثالثة لا يتذكر، فهو يتحرق لسماع إجابة منها تريح قلبه المعذب، يعلم أنه متسرع في طلبه منها، وربما هذا ما يجعلها بهذه الحيرة أمامه، ولكن هل كان بيده حيلة غير ذلك، يريدها، يريدها بحق، وهي حقه، ابنة عمه وهو الأولى بها، ولكن تكون لأحد غيره، إذن لماذا التأخير او حتى التفكير ؟
- وبعدين يا نهال، كل ده تفكير؟
قالها لترفع رأسها إليه، قائلة بانفعال:
- أمال عايزني اعمل إيه يعني، إنت خضيتني بطلبك المفاجيء ده، وانا بصراحة مش عارفة ارد واجولك إيه؟
- جولي اه
قالها اَمرًا بإلحاح جعلها تزم شفتيها عن ابتسامة ملحة، ولم تدري بما ترد، فهذا التعجل يربكها كما يربكها هو ايضًا بإلحاحه:
- رجعنا تانى للسكوت .
قالها ليزيد عليها، فهتفت به سائلة:
- أنت مش جولت هستناكى تقررى بنفسك؟ إيه لازمة الاستعجال بجى في طلبك؟ لا وعايز كمان دلوقتي حالا ارد عليك؟
أجاب ببساطة يُزهلها:
- كنت عيل يا ستي، ودلوك مش جادر اصبر تانى . ريحينى بجى يا بت عمى.
ضحكت بدون صوت، وقد تبين لها الاَن أن ابن عمها الطبيب الكبير، ما هو إلا طفل في هيئة رجل كبير، إذا أراد شيئًا بشدة نسى مركزه وهيبته في الإلحاح برجاء وربما انفعال من اجل تحقيق رغبته، وكم أسعدها ذلك أن تكون هي رغبته.
زام بصوت نزق بجوارها، يقول:
- يا بت الناس ريحيني بجى، إنت أساسًا ملكيش سكة ولا أي فرصة مع حد غيري، عشان تبجى عارفة.
قال الاَخيرة بوجه مشتد بدا عليه التصميم بعنف، تبتسم دون اردتها، حتى اطرقت برأسها تقول باستسلام:
- تمام خلاص.
ردد خلفها لعصبية :
- خلاص إيه بالظبط؟ وضحي
زفرت بضيق حقيقي، فهي بالكاد استطاعت أن تتفوه ل
بها، لماذا يصعب عليها هذا الأمر؟
- امممم
زام بها بصوته بجوارها، لترفع رأسها إليها قائلة بغيظ:
- ما خلاص يا عم جولت موافجة، فاضل إيه تاني؟
سمع منها وتبسم بعرض وجهه حتى ظهرت اسنانه، يردد بفرحة وعدم تصديق:
- إيه؟ سمعينى تانى كده ليكون سمعت غلط، سمعيني.
- لاه مش جايلة.
قالتها بتمرد وغيظ انساها خجلها، لتجعل السعادة تتراقص بقلبه، ليجلجل بضحكات عالية ساهمت في ازدياد اشتعالها، ف انتفضت بعدم احتمال مرددة:
- طب ماشى خليك اضحك انت هنا وانا جايمة.
تماسك ليوقفها فجأة بأن جذبها من كفها ليعيدها للجلوس مرة أخرى قائلًا:
- إستنى هنا رايحة فين؟ هو انتى زعلتى؟
عبست بوجهها تجيبه:
- لا مزعلتش بس انا هموت واشوف المهر الجديد.
شاكسها مدحت يقول:
- يعني مش مكسوفة وعايزة تهربي مني يا نهال؟
هنا قد فاض بها لتهتف بعصبية وهي تنهض منتفضة:
- يا بوى، انا مكنتش اعرف انك غلس كدة.
جلجل بضحكاته مرة أخرى وهو يتبعها:
- طب استني يا مجنونة، دا مش،طريق البيت .
- انا مش رايحة بيت جدي، انا رايحة اشوف المهر.
قالتها وهي تسرع بخطواتها أمامه، ولكنها تفاجأت به يتصدر أمامها فجأة يوقفها قائلًا:
- طب حاجة اخيرة عايز اعرفها منك، وبعدها هروح معاكي نشوف المهر الجديد . بس استنى هنا.
ناظرته بتساؤل صامتة فتابع لها:
- إنتى عرفتى منين حكاية جدك و الست رضوانة دي مراته الجديمة؟
اومأت برأسها وهي تتحرح بقدميها من جوارها تقول:
- هجولك، بس واحنا ماشين؟
وافق ليسير بجوارها يرافقها في طريقهم إلى الاسطبل:
وقالت هي:
- الموضوع ده انا عرفته بالصدفة، ومن غير ما حد يقولي كمان.
- ازاى يعنى مش فاهم؟
سألها بتفسير لتجيبه:
- يعنى كدة فى مرة كان جدى عندنا ونسى محفظته، لجيتها انا ع الكنبة بعد ما مشي، الطبيعي طبعًا كنت هنده على امي او ابويا اديها لحد فيهم، بس انا بجى خدتني الحماسى وقررت اجري وراه واحصله بيها، بس اللي حصل بجى هي انها وجعت مني على عتبة البيت بعد ما طلعت واتفتحت جدامي، فظهرت فيها صورة قديمه لواحده ست فيها، انا استغربت انى معرفتهاش، والفضول خلاني ارجع بيها لابويا واخليه يشوفها وهو طبعًا عرفها وجال على صفتها، ساعتها بجى أنا فهمتها لوحدى وبجيت الاعب جدى بعد ما شوفتها على الحجيجة وعرفتها .. ما هو مش معجولة يعني واحد هيحتفظ بصورة طليجته العمر دا كله الا اذا كان بيحبها؟
تبسم مدحت باستغراب يسألها:
- معقول! دي تعتبر غريبة عنه بعد ما طلجها، بس إنه يحتفظ بصورتها...... هو لدرجادى يعنى جدى كان بيحبها؟
قالت نهال وهي تتنهد بابتسامة متوسعة:
- يوووه امال لما تشوف لهفته على اى خبر عنها دا بيبجى زى العيل الصغير .
قطب جبينه وضاقت عينيه بتفكير سريع ليقول بتأثر:
- بس دا كده معانه انه اتعذب ببعاده عنها يا نهال، انتي مش واخدة بالك منها دي؟
ذهبت عن ملامحها العبث لتقول بجدية:
- تصدج اول مرة اخد بالى منها فعلا، انا دايما باخدها هزار مع جدى .
تابع سيره مدحت وخرجت منه تنهيدة طويلة يقول:
- عشان صغيرة ولسه مجربتيش.
- مجربتش!.... يمكن !
قالتها لتكمل طريقها معه، والعبارة تتكرر برأسها دون توقف.
❈-❈-❈
استنى اجف يا بني آدم انت، جطعت نفسي
هتف بها رائف حينما تمكن اَخيرًا من اللحاق بحربي الذي كان يعدو بخطوات سريعة غاضبة تماثل الركض، وتصدر له يوقفه:
- ما توجف بجى، خبر ايه؟ هو انت جطر؟
زمجر الاَخر بأعين يعميها الغضب صائحًا:
- نعم يا سي رائف؟ عايزه انت كمان؟ وبتوجفني ولا تحصلني ليه من أساسه؟
اشار له الاَخير يحدثه بمهادنة
طب براحة شوية وفهمني، انتي إيه اللي مزعلك؟
- يعنى انت مش عارف زعلان ليه؟ ولا بتستعبط وفاكرني مش فاهم؟
قالها بعنف جعل رائف يرتد بأقدامه للخلف قليلًا قبل أن يعود لمخاطبته بهدوء:
- ماشى انا فهمتك يا سيدي، بس متزعلش مني يعنى هى الدنيا وجفت على بدور؟
تكتف الاخر ليواجهه بقوله:
- لا هى ما وجفتش على بدور يا واد عمي، هى وجفت عند انا .
- تجصد ايه؟ انا مش فاهم.
سأله رائف باستفسار، تلقفه الاخر يهتف به:
- يا راجل، طب روح حصل اخوك جبل ما يكتب كتابه على بت عمه التانية، ما هو كل واحد فيهم حجزلوا واحدة.
صمت برهبة ليتابع بانفعال إكبر:
- يعنى هو خلاص، اخوك الدكتور كان جاعد مستنى نهال تكبر عشان يفتكر الجواز؟
على الرغم من عدم تقبل رائف لهذا الأمر، ولكنه لم يقوى على كبت اعتراضه وقال:
- بصراحة بجى انا مش فاهمك يا حربي، هو انت عايز الاختين يعني؟ إن مكانتش نهال تبجى بدور او العكس، دا كدة يبجى انت عايز واحدة حلوة وخلاص من بنات نعمات.
سمع منه الأخر واحتدت عينيه بنظرة مشتعلة يردد:
- جصدك انى معنديش شخصيه يا رائف، انت كد كلامك ده؟
تراجع الاَخير تقديرًا لغضب ابن عمه ومكانته الخاصة في قلبه، فقال يخاطبه بلهجة لينة بنصح:
- انا مش جصدى اهينك خالص على فكرة، انا بس عايزك تبص حواليك .الدنيا مليانه بنته حلوة يا واد عمي، يعني ما وجفتش على بنات نعمات يعنى، دا غير انك مكبر الموضوع ومفيش حاجة تمت من اللى فى مخك اساساً يا حربى .
بشبه ابتسامة لم تصل لعينيه قال حربي ساخرًا:
- لا يا رائف، انا مش مكبر الموضوع وانت عارف و شايف نظراتهم لبعض، بس يمكن مش فاهم او لسة مخدتش بالك، بس مش هستنى حد تانى.
سأله رائف:
- يعنى هتعمل ايه؟
- هتعرف بعد يا عم رائف، ما هو مفيش حاجة بتسخبى..... سلام بجى .
قالها وتحرك على الفور تاركًا رائف متسمرًا محله، لمتابعة انصرافه متمتمًا من خلفه:
- وعليكم السلام.
❈-❈-❈
وعودة إلى الاسطبل.
وقد توقفت نهال أمام المهر الصغير تلامسه بفرحة شديدة ومدحت بجوارها يشاركها ما تشعر به ولكن من جهة أخرى حيث كان مع عاصم الذي كان قص عليه ما حدث منذ قليل وما تفوه به حربي من كلمات في حقه وحق نهال، وقال يسأله:
- طب وهو راح فين دلوك؟
اجابه عاصم:
- طلع غضبان وراح وراه اخوك رائف عشان يحصله ويراضيه.
أومأ مدحت وطرف إبهامه يتلاعب على عظام فكه بتفكير، ليقول:
- خلاص مش مهم وسيبك منه، انا النهاردة هكلم ابويا وجدى وان شاء الله الجمعة الجاية بعد موافجة عمى تبجى الخطوبة .
ردد خلفه عاصم بإعجاب اختلط بذهوله:
- وه، النهاردة النهاردة! دا انت على كدة خدت موافجتها بجى.
ضحك الآخر يجيبه بثقة متفكهًا:
- والبركه فى حربى اللى جطع علينا المشهد .
ضحك عاصم يضرب كفًا بالاَخر يعقب:
- يعني هو كان صادج على كدة فى حكاية الفيلم، طب والله تستاهل ان اضربلك تعظيم سلام، ما شاء الله عليك ما بتضعيش وجت، مع اني دمي اتحرق وقت ما سمعت كلامه لما جال انه فيلم.
قال مدحت بغضب:
- فيلم فى عينه، انا لولا بس فرحان دلوك لا كنت طلعت عينه ع الكلام ده.
- ربنا يفرحك يا واد عمى .
قالها عاصم من القلب، لتصل مدحت الذي قال محفزًا له:
- شد حيلك انت كمان، انا شايف ان البت ميلالك .
تنهد عاصم بتمني يقول:
- يا ريت، دا انا عايز النهاردة جبل بكرة، بس للأسف خايف من جدى ليعجد الموضوع عشان حربى، والكلام الاولاني بتاع انها متاخدتش حد من العيلة .
تفكر مدحت ليقول مشجعًا:
- انا هكلم جدى وان شاء الله فرحتنا احنا الاتنين تبجى فى ليله واحدة.
رفع عاصم كفيه للسماء مرددًا:
- ياارب، يارب يسمع منك
❈-❈-❈
- عجبك المهر؟
قالها مدحت مخاطبًا نهال، بعد ان انهي وقفته مع عاصم، لترد هي بعشق، وكفيها تلامس الغرة الأمامية القصيرة للحصان الصغير، وعظام وجهه المنحوته بأبداع الخالق:
- عاجبني وبس! دا انا بموت فيهم .
سألها بفضول وكفه هو الاخر تلامس الظهر ليعرف قوته:
- بتحبي الصغيرين بس؟ ولا الأحصنة عمومًا؟
تدخلت بدور تجيب عن سؤاله:
- والكبيره كمان، وياما حاولت تركب وتجري بيهم، خصوصًا مع الفرسة الكبيرة.
اضافت نيرة على قولها:
- ايوه صح دى، ما وجفهاش عن المحاولات، غير الوجعة الكبيرة اللي اتكسرت فيها رجليها.
التف إليها مدحت سائلًا مرة أخرى:
- يعني بتحبي ركوب الخيل ونفسك تبجي خيالة كمان.
اجابته بابتسامة متوسعة تهز رأسها، فرد يجيبها بجرأة اجفلت الجميع:
- من عيوني الجوز حاضر، اتجوزك بس واعلمك ركوب الخيل على اصوله .
صعقت بمفاجأة جعلت عينيها تبرق بعدم تصديق، امام شهقات الفتاتين بدور ونيرة، أما عاصم فظل يضحك مذهولا بجرأة ابن عمه وسرعته في الإنجاز
❈-❈-❈
في اليوم التالي .
- نهال .. نهال .. اصحى يا بت .
هتفت بها بدور بنزق وهي توقظها في نومتها، حتى استفاقت الأخرى لتقول مفزوعة:
- اييه فى ايه ؟.... حد يصحى حد كدة يا زفتة انتي؟
القت بدور بالهاتف بجوار رأسها لتهتف بتذمر:
- واعملك ايه يعنى؟ وانتى ولا كأنك ميتة حتى، مش سامعه تليفونك ده اللى مش مبطل رن، لما صدعني.
استفاقت تعتدل بجزعها لتقول بضيق:ا
- فين الإتصال؟ انا مش سامعة رن ولا حاجة؟
صاحت بدور وهي تضبط في حجابها أمام المراَة:
- الرنه خلصت يا ختى، دا انا بجالى ساعة بصحى فيكى.
قطبت نهال وعبس وجهها مع اثر النعاس، لتفتح الهاتف وتنظر به، ف عقبت بدور :
- شوفي يا ختي وطمني جلبك على حبيب الجلب اللي مش صابر على ما تصحي ده.
تطلعت نهال في سجل المكالمات لترفع رأسها وتقول بذهول
- إيه ده؟ دا رن اكتر من ٧ مرات، ليه دا كله؟...
وقبل ان تكمل اهتز الهاتف بالاتصال مرة أخرى، فقالت مجفلة:
- يا لهوى دا بيرن تانى.
ضحكت بدور وهي تتناول حقيبتها المدرسية لتعلقها على كتفها قائلة:
- طب والنعمة انا عمري ما كنت أتصور إن واد عمى الدكتور بالجنان ده؟ ردى يا ختى ردى وخدي راحتك، أنا ماشية على مدرستي وسيبهالك خالص.
❈-❈-❈
انتظرت شقيقتها تخرج قبل ان تجيب اتصاله:
- الوو.. صباح الخير.
هتف إليها من الجهة الأخرى بانفعال:
- اخيرا رديتى يا نهال، وانا اللى بجالى ساعه برن عليكى .
ردت تمتص غضبه بهدوءها:
-طب جول صباح الخير الاول، دا انا يدوبك جايمة صاحية ع الرنة بتاعتك وبرد عليك اها.
لهجتها الرقيقة جعلته يتحول على الفور، ليقول متغزلًا؛
- صباح الهنا والجمال كله، يعني توك ماصاحيه يا قلبى؟ بجى هى دى مواعيد الدكاتره برضو؟
ردت تجيبه بابتسامة مشرقة، وقد أسعدها قوله:
- ما انا معنديس دراسة طيب اصحى بدرى ليه بس،
جاءها رده:
- ياما كان نفسى اجضى اليوم دا معاكى، بس اعمل إيه بجى فى العيادة والعيانين؟
- ربنا يعينك يارب.
قالتها بعفوية لم تحسب حساب ما خلفها بعد أن صاح الاَخر كالمجنون:
- اه يانا ياما، انتى كنتى فين انتي من زمان بكلامك الحلو ده بس جوليلي:
ضحكت بصوت مكتوم، لتجعله يتابع مخاطبًا لها:
- ما ترد يا جميل ساكته ليه بس؟
ضغطت بأسنانها على شفتــ يها تجيبه بخجل:
- ارد اجول ايه بس؟
عقب على قولها بمرح-
- حلاوتك كدة وانتى مكسوفة، على العموم انا كلمت جدى امباح وهو اللى هيتصرف فى موضوعنا.
ظلت على صمتها غير قادرة على مجارته في هذا الموضوع، ليردف نحوها بانفعال:
- يا بت مالك سكتى ليه تانى؟
ضحكت تقول:
- ما انا مش عارفه ارد عليك بإيه طيب؟
زفر بتفهم لحالتها وقد اصبح يحفظ كل تصرف يصدر منها، وقال:
- ماشى يا نهال خلى الكلام بعدين، المهم دلوك، اول ما توصلى النهارده رنى عليا، ياما كان نفسى اخدك معايا
رددت خلفه:
- تانى كان نفسك.
هتف بصوته يجفلها:
- ايوه يا ختى كان نفسى، ونفسي فى حاجات كتيرة كمان، عايزة حاجة تاني؟ إجفلي يا بت إجفلي.
قالها وأنهى المكالمة، لتظل هي لفترة من الوقت تتطلع في الهاتف باستغراب وتغمغم:
- هو كدة من الاول مجنون ولا انا اللى ماكنتش واخده بالى؟
❈-❈-❈
-موضوعنا! دا على كده حربى مكدبش في كلامه، ولا كان بيهذي.
سمعها مدحت ليلتف نحو شقيقه الذي كان يدلف للغرفة بخطوات بطيئة ونظرات غامضة عقب قوله واضعا كفيه في جيبي بنطاله البيتي، توقف عما يفعله في لملمة متعلقاته الشخصية في حقيبته، وناظره بريبة يسأله:
- نعم عايز ايه يا رائف؟
تقبض الاَخير ليرد عن سؤاله بسؤال:
- انت صح عايز تتجوز نهال؟
أجابه مدحت على الفور ليعرف ما به:
- اه عايز اتجوز نهال في عند حضرتك مانع يا باشا؟.
قال رائف:
- لا يا سيدى ما عنديش مانع، بس سؤال يعنى، هو انت فعلا بتحب نهال عشان تجري كدة بسرعة وعايز تتجوزها؟
تنهد ليرد بسأم وابتسامة صفراء:
- مع انى مستغرب سؤالك وشايف إنه ميخصكش، بس اه يا سيدى بحب نهال فى عندك سؤال تانى؟
- طب و مها؟ نسيتها ؟!
قالها رائف يجفل شقيقه الذي انتفخت أوداجه واشتدت ملامحه بالغضب ليقول:
- وايه اللى جاب سيرة مها دلوك؟ انت مالك اساسًا يا رائف بالكلام ده؟
ناظره الاَخر بتحدي يردد:
- اللى جاب سيرة مها، هو انى على حسب ما سمعت انها اطلجت وعشان كده الست الوالده لما اصرت عليك المره دى تتجوز وافجت ب بدور العيلة الصغيرة عشان ماتضعفش وترجع لها .
اكمل على قوله مدحت:
- ولما جدى رفض يجوزهالى دورت عالبديل اللى هى نهال، مش دى هي وجهة نظرك يا رائف.
صمت الاَخير باعين متهربة فتابع مدحت:
- وانا اجول ليه رائف مزودها معايا؟ وحاسس بتصرفاتك الغريبة، وانا ظني انها غلاسة منك في الهزار.
قالها ليهبط بجســ ده على الفراش من خلفه بصدمة وقال الاخر مصرًا على رأيه؟
- ايه بكدب يعني؟! مش هو دا اللى حاصل فعلًا؟
بأعين يملأها العتب، ردد خلفه باستنكار:
- ايه هو اللى حاصل؟ وانت اللى بتخمن من مخك وتنسج في خيالك تحليلات، وانت مالك اساساً؟
- نهال بت عمى وتعز عليا .
قالها رائف بحمائية زادت على استفزاز الاخر، ف انتفض يلملم سلسلة مفاتيحه وأشياءه، حتى لا يرتكب جريمة مع شقيقه الاحمق، وقال على عجالة قبل ان يتناول حقيبته وسترته:
- لما تيجى تشتكيلك منى تبجى تجف معاها ضدى واعمل ما بدالك ساعتها، ماشى يا عم رائف، سلام .
قالها وانصرف مغادرًا على الفور، ف دلفت خلفه راضية التي سمعت بحديثهم بالصدفة خارج الغرفة، مخاطبة ابنها بلوم:
- ليه كدا بس يا ولدى؟ تكسر فرحة اخوك وتفكره بالقديم ليه بس ؟
قال رائف :
- ياما انا خايف ليكون لسه بيحب البت دى
و نهال بت عمى تتأذى، انا محملش عليها بصراحة.
رددت خلفه باستهجان:
- تتأذى ليه بس يا ولدى؟ انت مش شايف اخوك بجى كيف من ساعة ما شافها؟ دا رجع مدحت بتاع زمان، اللى بيضحك ويهزر وياخد ويدي معانا في الحديت ، البلد اللي مكانش بيعتبها بالشهور، دلوك مش بيستنى حتى اسبوع عشان يجيها، دا انا الجاهلة عرفت انه بيحبها وانت يا متعلم معرفتش .
قالت الأخيرة بانفعال جعله الاَخر يضحك:
- لا ياما معرفتش، باينى انا اللى جاهل مش انتى.
توقف ليغير حديثه، بعد ان شعر بخطأه:
- لكن هى البت نيره فين؟ ما شيفهاش يعني من الصبح!
ردت راضية وهي ترتب في الفراش وتلملم الملابس التي تركها ابنها الطبيب قبل خروجه:
- بايته عند اختك زهرة، عشان كانت تعبانة امبارح .. ما انت عارف حملها عفش.
- طب وهى رايجة دلوك ياما؟
- الحمد لله يا ولدى، نيره طمنتنى الصبح عليها وجالتلى انا جاية الضهر .
قال رائف بتهكم:
- يعنى على كده هى غايبة النهاردة من مدرستها، هى بت خايبة اساسا، وانا عارف من الأول إن اَخرها الجواز ، هى و بدور بت عمها .
مصمصت راضية بشفــ تيها تقول بامتعاض:
- ما هي كل البنته مسيرها للجواز، مخالفين هما يعني؟ المهم بلاش انت تزعل اخوك مرة تاني يا ولدى وسيبه بجى يعيش حياته، دا بجالوا سنين ما شاف الفرح ولا حسه. كل حياته شغل وبس.
قالت الآخيرة بلهجة مشفقة اثرت بالاَخر ليرضيها بقوله:
- حاضر ياما، مش هزعلوا تاني.
❈-❈-❈
في طريقها نحو المدرسة والذي كانت تقطعه اليوم وحيدة بدون رفيقتها الدائمة، نيرة ابنة عمها وصديقتها، كانت بدور على مقربة من الشارع الرئيسي حينما تفاجأت بمن يتصدر أمامها قبل أن تصل إليه؟
- ايه ده؟ هو انت جنيت ولا خبت؟
هدرت بها نحو الاَخر بإجفال وغضب، لتفاجأ بابتسامة سمجة منه وهو يجيب بكل هدوء:
- مش بعاده يعنى تمشى لوحدك من غير المحروسه بت عمك ؟
برقت بعينيها تصيح به:
- بعد عن طريجى يا معتصم، انا مش ناجصاك على اول الصبح .
سمع منها الاَخر ليقول بهيام غير مبالي بغضبها:
- يا بوى، حتى وانتى مكشرة ومبحلقة بعنيكى الملونه دى بتسحرينى .
ناظرته بازدراء وهمت أن تتحرك ولكنه تصدر للمرة الثانية حتى لا تتخطاه، فهتفت به رافعة سبابتها بوجهه بتهديد:
- اجصر الشر يا معتصم وبعد عن وشي، انا ناسى لو شموا خبر بس باللى بتعمله، الدنيا هتولع .
وكأنه لم يسمع، اقترب برأسهِ يسألها:
- طب جوليلى انتي الأول ليه ماحبتنيش يا بدور؟ هو انا عملت معاكى حاجة عفشة؟
- بطل كلامك البارد ده وحل عن طريجى .
قالتها وقد زاد الاحتقان بداخلها منه ومن فعله المتبجح، وهمت ان تتحرك ولكنها تراجعت على الفور ترتد بأقدامها للخلف،فور ان انتبهت لكف يــ ده التي امتدت نحوها، فصاحت بصوت قوي رغم ارتياعها:
- اقسم بالله لو لمستنى لاشندلك انت واهلك .
انفعل الاَخر وظهرت انيابه في الهتاف بها:
- فى ايه؟ الشده مش نافعه معاكى، والحنية مش نافعة، اعمل معاكى ايه بس؟ جوليلي.
خرجت الأخيرة بصوت عالي لتدب بقلبها الرعب، لقد تأكدت الاَن فقط، أنه ليس على وعيه الطبيعي، عينيه الحمراء، عدم اتزانه في الوقفة أمامها، كلها كانت شواهد تثبت لها أنه متعاطي او شارب شيئًا ما يذهب العقل، حتى يتجرأ ويفعل هكذا معها، ولكنها جاهدت حتى لا تُظهر أمامه خوفها، وعادت لتهدر به:
- بعد عنى يا معتصم احسنلك، وخليني اروح مدرستي انا مش فاضية لبرودك ده.
زاغت عيني الاَخر، وشعر بالإنتشاء حينما رأى نظرة الخوف بعينيها الجميلتين، وقال بوقاحة:
- وان مبعادتش هيحصل إيه؟
- انا اجولك هيحصل إيه ؟
صدر الصوت فجأة يجفل الإثنان، وشهقت بدور فور ان رأت مخلصها، والذي ظهر فجأة وكأنه خرج من الأرض، ليندفع فجأة وبدون مقدمات نحو معتصم، ويعتصر رقبته بذراعه التي التفت حولها، مرددًا:
- تحب اعرفك دلوكت هيحصل إيه؟
صرخ معتصم بصوت مختنق وهو يحاول بكل قوته نزع ذراع الاخر عنه
- بعد يدك عنى يا عاصم، انت نسيت انا مين ولا واد مين؟
شدد الاَخر يقول بفحيح بجوار أذنيه:
- طبعا انا عارف ان انت واد مين؟ ولسة كمان هتعرف بيك اكتر، روحى انتى ع البيت وبلاها مدرسة النهاردة.
هتف بالاَخيرة نحو بدور التي كانت تقف متخشبة وقد شلت تفكيرها المفاجأة، فخرج صوتها على الاَخير بصعوبة:
- ااا ياعاصم سيبك منه....
قاطعها بحدة وانفعال:
- بجولك روحى، يعني اسمعي الكلام وامشي عن سكات.
هنا لم تقوى على المجادلة، واستدارت على الفور عائدة لمنزلهم، وتاركه معتصم يقاوم حتى ينزع نفسه مرددًا:
- سيبنى يا عاصم، انا ورايا عزوه وبدنة يعنى لو لمستنى بس هتولع نار .
زاد من ضغطه عاصم ليقول بتسلية:
- ما انا عشان كده بجولك عايزة اتعرف عليك اكتر .. تعالى تعالى .
تفوه بالاخير وتحرك به يسحبه نحو طريق الزراعات، ليصرخ معتصم بارتياع:
- بعد عنى عاصم وسيبنى، انتى واخدنى ورايح على فين؟
صمت الاَخر ليتابع سحبه وذلك يردد بفزع يزداد مع كل خطوة يخطوها مجبرًا:
- واخدنى ورايح بيا على فين؟ ما ترد علي.
....يتبع