مواسم الفرح
رواية مواسم الفرح بفلم امل نصر
الفصل السابع والثامن
هل مرت عليك هذه اللحظة أن تخطأ بشيء لا يستحق او في نظرك هو هكذا، ثم تفاجأ بظبطك متلبسًا وكأنك فعلت الجرم الكبير، وما ينتظرك من عقاب سيكون أشد وأعظم..
هذا هو ما شعرت به نهال وقت أن وجدته أمامها فجأة وبدون مقدمات، وقد كانت تقضي وقتها في التسامر والضحك مع نوها وصديقتها الجديدة بثينة، سعيدة بحرية اقتنصتها في المدينة الجديدة عليها، منبهرة بروعة المكان، وقد ارتخت اعصابها وهدأ عقلها عن التفكير في هذه الخاطرة التي ذكرتها بثينة عن عدم زواج مدحت حتى الآن، لأنه ربما بسبب قصة عشق له،
كانت مجرد خاطرة، لكنها تسببت باشتعال رأسها دون هوادة، مع شعور اخر لجلد الذات، لأنها لا تستطيع التوقف، وقد اتخذت قرارها في السابق بنساينه ونسيان حلمها الطفولي في القرب منه، بعد أن اثبت لها خطأها قبل ذلك؛ بطلبه لشقيقتها الصغرى، هذا الصراع كان كالطاحونة بداخلها، وعرض الخروج والتنزه كان كطوق النجاة الذي انتشلها حتى لا تغرق في بحر الأوهام، بأن تعيش حياتها الطبيعية تفرح وتمرح كأي فتاة في سنها، بعيدًا عن سذاجة في عشق يائس تأذي نفسها به، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
لقد كانت مندمجة في الحديث، لدرجة أنها لم تنتبه لمجيئه بالقرب منها، سوى من نظرة الهلع التي ارتسمت على وجوه الفتيات صديقاتها، لترفع رأسها اتجاه ما ينظرون خلفها،، فتصعق برؤيته وهذه الهيئة الضخمة والقناع الثلجي الذي كان مرتسمًا على ملامح وجهه، رغم اشتعال عينيه في إلقاء التحية بتهكم صريح:
- مساء الخير.
قالها ورددن خلفه نوها وبثينة التحية بارتباك وتلعثم:
- اهلا يا دكتور، مساء الخير اتفصل.
تجاهل الرد عليهن، واتخذ طريقه نحوها لتجده يدنو ويقترب منها بعد ان شلت المفاجأة عقلها وانعقد لسانها عن الرد، وكأنها أصيبت بالخرس، ليكمل عليها بفحيح هامس بجوار أذنها:
- تجومى على طول من سكات وما اسمعلكيش حس ولا نفس حتى.
تطلعت لاشتعال عينيه، وشعرت بتحكمه القوي للسيطرة على انفعال بدا ظاهرًا من حركة فكيه، وبدون أدنى تفكير، وجدت نفسها تقف لتتحرك أَليًا معه، صدرت بعض الكلمات من صديقاتها بغرض إلهاء مدحت او فتح حديث بمودة:
-اتفضل معانا يا دكتور، دا احنا حالا واصلين الكافيه ونهال جات معانا بصعوبة..
أوقفهن مدحت بإشارة من كفه ليصمتن على الفور، ويده الأخرى أطبقت على كف نهال يسحبها وكأنها طفلة صغيرة، في انتظار العقاب من والدها الذي يسحبها الان بهدوء ما يسبق العاصفة،
أما هو فقد كان يُحجم غضبه على أقصى ما يمكن، حتى لا يلفت إليه الأنظار من أصدقائه في الناحية الأخرى من الكافيه وقد كان ينتوي بتقضية وقته معهم، ثم تفاجأ بها هي هنا، تتحدث وتتسامر بالضحك وكأنها من رواد الملهى المعتادين عليه، تقضي وقتًا ممتعًا وهو كالمغفل يتصل عليها بالساعات ليطمئن عليها وعن ميعاد عودتها للمنزل، وهي لم تترفق وتجيبه ولو في مرة واحدة حتى .
في غمرة شروده واحتقانه العاصف لم يكن يدري باعتراضها الضعيف والمها من قبضته التي كادت أن تهشم عظام اصابعها:
-يا مدحت خف عليا شوية، يدي بتوجعني... يا مدحت،
التفت رأسهِ بحدة نحوها بنظرة حادة الجمتها عن الشكوى مرة أخرى رغم ألم العظام الذي فاق احتمالها، ليعود ويكمل سيره متجاهلًا كل شيء حتى النداء بإسمه من صديقه يونس والذي ترك مكانه ليلحق به، ويرى السبب في عودة مدحت وتراجعه عن جلسة الأصدقاء القدامى التى أتى خصيصًا من أجلها حسب الإتفاق معه.
- إيه يا عم مالك؟ انت جاى ولا ماشى ولا ايه ظروفك؟!
قالها يونس يوقف الاَخر وهو يجذبه من ذراعهِ قبل ان يصل لمخرج الكافيه، ف استدار إليه الاَخير مجبرًا، والتفت معه يده الممكسة بها كي يخفيها خلف ظهره بعيد عن انظار يونس والتي توقفت عليها تلقائيًا:
- روحى انتى استنينى عند العربية.
همس بها مدحت من تحت اسنانه، قبل أن يجيب صاحبه، والذي تابعها بعينيه حتى خرجت من الكافيه، لتزيد من عصبية الاَخر، ويهتف به:
- فى إيه يا يونس؟
رد الاَخر تعلو وجهه ابتسامة مرتبكة:
- نعم يا عم بتزعق ليه بس؟ هى مين دى الى كنت ماسكها وخارج بيها ؟
إمتقع وجه مدحت من الغضب، وخرجت إجابته بصعوبة شديدة بتحم شديد على قبضته التي كانت تتحرق لضربه، ورد بابتسامة صفراء:
- وانت مالك يا يونس؟
ضحك له الاَخير يردف ببرود غير اَبهًا بانفعال صاحبه:
- خلاص يا عم ما تزعلش منى واعتبرنى ماسألتش، المهم انت مش راجع معايا تسلم على الجماعة ولا ايه؟
ذهبت انظار مدحت نحو اصدقائه المتابعين من الجهة البعيدة:
- معلش يا يونس بلغهم سلامى واعتذاري لأن بصراحة جد عندي أمر ضرورى مش هقدر اتحل منه.
قالها وهو خارح من الكافيه، امام نظرات يونس التي رافقته باستغراب من فعلته.
❈-❈-❈
- يا نهار اسود ومهبب، يا ريتنا ما جينا معاكى من الاساس، يا ريتنا ما جينا.
هتفت بها نهى بولولة نحو بثينة وهي تنهض وتلملم اشياءها كي تغادر هي الأخرى، ردت الاَخيرة بارتباك وقلق:
- يعنى وهو إيه اللى حصل يعنى؟ أنا مش فاهمة انتو مكبرين الموضوع كدة ليه؟
هدرت نهى بصوت خفيض خوفًا من لفت الأنظار إليها:
-حصل أيه؟ هو انتي لسة كمان بتسألي؟ يعني عايزاه فى أول يوم دراسة ليها يلاقيها فى كافيه وتجوليلى حصل ايه؟
ردت بثينة بتوتر اصابها بالفعل:
- عندك حق دا انا نفسى خوفت منه اشحال هى بقى؟
قالت نهى وهي تحاول الاتصال بهاتفها ولكن فشلت مع اهتزاز يدها:
- هى !! .... انا مش عارفة اعمل ايه؟ واطمن عليها ازاى؟ دا انا حتى خايفة ما اتصل بيها.
عقبت بثينة على قولها بتشتت:
- طب وبعدين بقى؟ هنعمل ايه يعني؟
حسمت الأخرى وهي تعلق حقيبتها اليدوية على كتف ذراعها وتتحرك:
- هنمشى يا ماما، ونشوف بجى هيحصل ايه بعد كدة!! وربنا يستر.
❈-❈-❈
سأل سالم زوجته وهو مضجع على وسادة قطنية ومستلقي على المصطبة المفروشة بالفراش من خيوط الصوف خارج المنزل، بعد استماعه لحديثها:
- يعنى هو جالك كده بعضمة لسانه؟!
ردت سميحة بلهفة وتشدق:
- ايوه والنعمة الشريفة زى مابجولك كده !!
اشاح وجهه عنها بتفكير ثم قال بعدم اقتناع:
- مش عارف ليه مش عاجبنى لكلامك.
تغضن وجه زو جته فقالت بعتب:
- وه يا ابو بلال يعنى انا هاكدب ليه بس؟
زفر الرجل يضرب بكفه على طرف الفراش، ورد بضيق:
- بطلي يا سميحة عمايلك دي، انا عارف انك مش بتكدبى، بس ولدك مش مضمون، وانا مش عايز اخسر اخويا .
ناظرته سميحة باستنكار هاتفة به:
-وه وتخسر اخوك ليه بس؟ هو احنا ولدنا طايش ولا عفش اسم الله عليه؟
زفر سالم يعتدل بجذغه ليضرب كفيه ببعضهما ويصيح بها بنزق بعد ذلك:
- يا مرة افهمى، ولدك جلبه متشعلج لسه ب بدور يعنى كده ممكن يظلم نيره بت عمه معاه، إفهمي بجى أنا جلجان ليه؟
اعترضت سميحة لتردف نحو زو جها بإصرار:
- ويظلمها ليه ان شاء الله؟ دى بت عمه مش غريبة عليه وعارفاه وعارفه طبعه .
اغمض عينيه سالم مخرجًا سبة وقحة من فمه قبل أن يتجه إليها يقول كازا على أسنانه:
- اجيبهالك ازاى بس يا ام مخ ضلم؟ ولدك واخدها عند عشان نيرة و بدور اصحاب الروح بالروح، يعني انتي من غير ما تجصدي جبتهالوا على الطبطاب.
رفرفرت سميحة بأهدابها تحاول الإستيعاب حتى ظنها فهمت مقصده، قبل أن تصدمه بقولها:
- مش فاهمه !!
عوج سالم فمه متنهدًا بثقل قبل أن يرد:
- ولا هتفهمى !
- يعنى ايه ؟!
سألته ليردف لها بحسم بعد أن فقد الأمل منها:
- يعنى تأجلى الروحة لبيت اخويا عبد الحميد وطلب نيره" لحد اما انا اجولك .
هنا اعترضت سميحة وكأنها تدافع عن قضية حياتها:
- ليه بس يا سالم توجف الحال؟ دا انا ما صدجت فرحت والواد راسه لانت، دا انا كنت مجهزة نفسي على إن اروح بكرة، دا حتى على رأي المثل زي ما بيقولو، خير البر عاجله..
- انا جولت مفيش روحة دلوك يعنى مفيش روحه دلوك
قالها سالم مقاطعًا بحزم جعل سميحة تنتفض من جواره، لتعود لمنزلها، تغمغم بالكلمات الحانقة نحو زو جها، الذي قطع عليها فرحتها بموافقة عاصم بالإرتباط بابنة عمه، وتعنته الغير مبرر بأسبابه واهية
❈-❈-❈
أما عن عاصم فقد كان مستلقي على فراشه، يسند ذراعه على جبهته، ليغطي عينيه بتفكير عميق عما وافق به منذ قليل مع والدته، يراجع نفسه إن كان هذا الأمر قارب الصواب أم الخطأ، فكرة ارتباطه ب نيرة ابنة عمه.
هو لا يريد ظلمها وقلبه معلق بغيرها، بل وهي اقرب الناس إلى مالكة قلبه، ولكنه ايضًا يريد المضي في حياته والتجاوز كي يعيش، يريد انهاء عذابه الدائم بالتعلق بالمستحيل، يريد الوفاء بوعده لنفسه بنسيانها الذي يصعب بمجرد رؤيتها وتتبخر معه كل الوعود في الهواء.
يجب التفكير جديًا في نيرة حتى لو كانت اختيار والدته، ف هي في الاول والاخير ابنة عمه، ولا ينقصها شيء، يكفي انها من دمه وتربية يـ ده ويعلم جيدًا بأخلاقها، وهي مثال جيد للزو جة التي يتمناها الرجل، وهو إنسان ضعيف ومهما طال به الزمن أو قصر، ف مصيره إلى الزو اج، إذن بما يفيد التأجيل؟ ما دامت الأمور كلها بالنصيب كما يقال دائمًا، حسنًا ف ليأخذ هو نصيبه أيضًا!
❈-❈-❈
الإنتظار في هذه اللحظات، كان هو اصعب الأوقات التي مرت بها على مدار سنوات عمرها، لقد كانت ترتجف داخلها بعنف، رغم تظاهرها بالتماسك، تراقب كل همسة منه كرد فعل يخفيه عنها بصعوبة رغم احتداد عينيه، وتجاهله لها منذ أن انضمت معه في السيارة ، تعلم أن الأمر لن يمر على خير، والعينة بدأت من اول دخولها السيارة حينما جمد الدماء بعروقها بصيحته الهادرة بمجرد ان حاولت أن تستقل المقعد الخلفي ف زجرها هادرًا بصوته المخيف:
- انا مش سواج حضرتك، اترزعى من جدام اخلصى.
إننتفضت محلها لتتحرك على الفور مذعنة لتنفيذ الأمر، تخشى رده العنيف، وقد بدا جليًا بهذا الانفعال الشديد في القيادة، والنظرات الحادة التي كان يحدجها بها كل دقيقة، لتزيد من جزعها، حتى فاض بها وقررت التعجيل بالحسم، فخرج صوتها بارتباك:
- انا اسفه انى مرديتش عليك وماجولتلكش انى خارجة مع صحباتى
التفت رأسهِ بحدة نحوها يرمقها بعدائيه مخيفة زادت من جزعها، ثم من دون رد عاد للقيادة مرة أخرى، غمغمت داخلها بحنق، ثم اخذت نفس طويل تهدئ به توترها:
فخرج هذه المرة صوتها بقوة تدعيها وكأنها تناولت حبوب الشجاعة:
- على فكرة مفيش داعى لعصبيتك دى كلها، انت شوفت بنفسك احنا كنا جاعدين باحترامنا فى مكان محترم والبنات اللى معايا فى منتهى الادب والاحترام كمان وو..... اه...
تأوهت صارخة بفزع مع اهتزاز جسده المفاجئ بعنف، حينما باغتها بأن ضغط على مكابح الفرامل، وتوقف بالسيارة بقسوة لدرجة جعلتها اندفعت بقوة للأمام، وارتدت على الفور، بفضل حزام الأمان الذي حمى رأسها وجسدها من الإصابة.
طالعته بصدمه كي تلومه، ولكن نظرته الخطرة لها جعلتها تبتلع ما بداخلها من كلام وتتراجع بكل جبن عن الإعتراض، لتنتفض بعد ذلك مع صيحته المخيفة:
- يعني انتى مش حاسه بغلطك ؟! لو انتي معاكى حج انطجى وقوليها ؟ سكتى ليه؟
تبخرت كل الشجاعة التي كان تعد نفسها بها في الرد على كلماته، ليحل الخنوع والأستسلام بهز رأسها إليه، وهو يتابع كازا على أسنانه:
- من اول يوم دراسة ليكى بتطلعى وتروحى ع كافيهات، امال لما تاخدى على البلد شوية هلاجيكى فين بعد كده؟
النبرة المتهكمة في تلميحه استفزتها، ف عادت لجنونها ترد بدفاعية:
- يعنى هتلاجينى فين إن شاء الله؟ والله انت عارف اخلاجى كويس على فكره.
هدر بها بعصبية يضرب بكفه على عجلة القيادة :
- انتى لسه ليكى عين تتكلمى بعد اللى عملتيه؟
ردت بشجاعة مزيفة:
- يعنى كل ده عشان روحت كافيه؟ كل بنات الجامعة بتروح كافيهات وبيتفسحوا كمان وبيروحوا رحلات، انا معملتش حاجة غريبة على فكرة .
تبسم بجانبية ساخرة يقارعها:
- وبيبجي برضوا من غير شورة اهاليهم؟!
برقت عيناها تهتف بانفعال مستهجنة قوله لها:
- اهاليهم كيف؟ إنت عايزنى اتصل بابويا فى البلد عشان اجولوا على كل مشوار ارحله! تيجي ازاى دى!
ذهبت السخرية عن ملامح وجهه فجأة ليجيبها بقوة وبدون تفكير أو تردد:
- انا اهلك .
لهجته الواثقة أصابتها بالإرتباك، لتردد خلفه بعدم استيعاب:
- اهلى كيف يعنى؟ إيه الكلام اللي انت بتجوله ده؟
اقترب برأسهِ منها، يضغط على كل حرف يتفوه به:
- يعنى انتى طول ما انتى هنا تبجى تحت مسؤليتي، مفيش خروج ولا طلوع يا نهال تاني مرة إلا بإذنى .
جحظت عينيها تصيح به باعتراض، متناسية خوفها وجزعها من رد فعله:
- يعني انت عايزنى اخد اذن منك فى اى خطوه او اى مشوار، ليه كنت جوزى مثلاً؟
جملتها العابرة والتي اردفت بها ساخرة دون أن تعي بوقعها عليه، وقد تسمر امامها، يطالعها بصمت لعدة لحظات، حتى صدر صوته بنبرة هادئة غريبة لم تفهمها:
- بصفتى واد عمك يا نهال، ودي مش محتاجة شرح أو توضيح، وع العموم لو مش عاجبك الكلام اتصلى حالاً بابوكى واشتكينى ليه.
ارتدت برعب مع تلميحه الصريح، لتسأله بتوجس:
- إنت قصدك ايه يا مدحت؟ يعني عايز تبلغ ابويا باللى حصل انهارده؟
رد ببساطة:
- مش انت شايفه نفسك ماغلطتيش تبجى خايفه ليه ؟!
تلجمت وانعقد لسانها عن مقارعته، فتابع سائلًا بتشفي:
- سكتى ليه ؟!
تكتفت بذراعيها تنظر للأمام متهربة من عينيه المتصيدة لكل همسة منها، تقول بصوت خفيض، وقد هزمها بحجته:
- يعنى هاجول ايه؟
تنهد بانتصار، فقال بنبرة قوية وبصوت متملك:
- كويس جوي الكلام ده، يبجى كده تسمعى الكلام، وتانى مره اياكى يا نهال، اياكى ماترديش على أي اتصال مني، فاهمة؟
ضغطت تجيبه هامسة بغيظ مكتوم :
- فاهمة
❈-❈-❈
وعند بدور التي كانت تراجع في استذكار دروسها، وهي منكفئة على كتابها، وهاتفها لا يكف عن ورود الإتصالات عليه، وهي في كل مرة تتناوله فتري الأسم، فتلقيه بأهمال دون إجابة، كي تعود لدروسها، فيعود الهاتف للإتصال مرة أخرى، فتزفز هي بضيق، مغمغمة بحنق لاستمرار هذا اللزج في الألحاح، وتشتيتها عما تفعله، حتى فاض بها، لتتناول الهاتف وتغلقه، قبل أن تلقيه بإهمال خلفها على التخت، متمتمة:
- غور يا اخى بلا هم.
❈-❈-❈
ولجت نهال لداخل الشقة الجديدة لسكن الفتيات، بعد أن فتحت بمفتاحها، ف استقبلتها على الفور نهى بأن ركضت نحوها لتسألها بقلق:
- ها عملتى ايه؟ طمنيني.
حدجتها نهال بنظرة محذرة، متجاهلة الرد عليها قبل أن تلقي التحية على الفتيات زميلاتها الاتي كن يجلسن في الصالة، يتابعن كل شيء:
- مساء الخير يابنات.
ردت إحداهن تُدعى أميرة :
- مساء الخير، انتى كنتى فين يا نهال؟ دى صاحبتك بجالها ساعة هتموت من الجلج عليكى .
التفت نحو نهى تحدجها بنظرة نارية لترد على الفتاة بغضب مكتوم:
- يعنى هكون فين يعني؟ انا كنت مع بثينة صاحبتى الجديدة بنجيب شوية ادوات وحاجات للدراسة، إيه يا ست نهى؟ هو انتي نسيتي؟
استدركت الاَخيرة على اللهجة المتشددة من نهال، وقالت باضطراب
- اَه، يا نهار ابيض دا انا كنت ناسية صح، وجلجلت عليكى بصراحة بعجلي الضلم ده.
تدخلت فتاة أخرى وتدعى سهام لتقول بتفكه:
- جلجتى! دا انتى روشتينا يا شيخة، رايحة جاية رايحة جاية، في الصالة قصادنا ولا اكن عليكي بيضة حتى.
تبسمت نهى بصفار نحو الفتاة والمزحة الثقيلة التي ألقتها، فهمت لتقرعها بالسخرية، ولكن اميرة اوقفتها بنظرة التشكك:
- وانتوا سيبتوا بعض ازاى يعني؟ دا انتو طول الوجت مبتفارجوش بعض نهائي.
بلغ الغيظ والكبت بنهال مبلغه، بعد ما مرت به منذ قليل، وما تجده الاَن من تحقيق، وهي لا ينقصها، همت لتفرغ شحنة الغضب في الفتاة، ولكن نهى سبقتها لترد بدبلوماسية:
- خبر ايه يا أميرة؟ انتى هتحسدينا ولا إيه؟ طب اهى حصلت يا ستى من نبركم وسيبنا بعض، انبطوا كدة واهمدوا بجى.
اصدرت المذكورة صوت مستهجنًا لترد على نهى بغيظ، والآخرى لم تقصر، ولكن نهال كان قد فاض بها ولم يعد بها التحمل لأي شيء، فاستئذنت باعتذار:
-معلش يا جماعة انا هلكت النهاردة في اليوم الطويل ده، ومعدتش جادرة حتى على الكلام.... عن اذنكم بجى، انا داخله اؤضتى عشان ارتاح .
قالتها وتحركت على الفور، وذهبت بدون انتظار رد منهن.
❈-❈-❈
دلفت لداخل غرفتها تصفق الباب خلفها بقوة، لتخلع عنها حجابها على الفور، حتى تلتقط انفاسها بلهاث وتعب، بعد أن ابتعدت عن أعين الفتيات المترقبة، وقد خلت اَخيرًا بنفسها، لا تصدق ما حدث معها هذا اليوم وما ختمه مدحت بأفعاله المتسلطة، لقد اظهر لها اليوم وجهًا جديدًا، لم تكن بحياتها أبدًا تتوقعه وهذا الغضب الحارق ليفرض عليها تحكماته مع أول خطأ بسيط تقع به، وهي التي ظنت انها خرجت عن محيط البلدة ومحيطه هذا في العشق اليائس، لتعيش القادم لنفسها ومستقبلها فقط، يأتي الاَن هو بتعقيداته معها، ليحجمها حتى تكون تحت سيطرته، زفرت بضيق لتسقط على طرف الفراش بتعب، وحسرة لختمام يومها الأول في هذا العالم الجديد، بهذا السوء.
رفعت رأسها على اندفاع باب الغرفة ودخول نهى فجأة هتفت نحوها نهال بغيظ:
- مش تخبطى الأول يا زفتة انتي جبل ما تدخلى هجم كدة!
تغاضت نهى لهجة صديقتها الحادة لتقديرًا لغضبها، وخطت تقترب منها بعد أن تأكدت من غلق الباب جيدًا، فقالت بقلق:
- معلش يا نهال، بس أنا اصلى كنت هموت من الرعب والخوف عليكي،
رمقتها نهال بحنق صامتة ثم دنت لتخلع حذائها الابيض من أقدامها، ف استطرت نهى بلهفة:
- ما تردى يا نهال ساكته ليه؟ وقعتي جلبي يا شيخة.
حدجتها نهال بنظرة حادة ثم ردت بتوبيخ:
- اسمعى يا نهى، تانى مرة تاخدى بالك من تصرفاتك، انا مش ناجصه حد من البنات اللي برا دول، او في أي حتة تانية، يشنع عليا بكلمة واحدة فاهمة؟.... كفاية الهم اللى انا فيه .
- يا نهار اسود.
تفوهت بها نهى، ثم جلست بجوار نهال على طرف الفراش، تسألها بجزع:
- هم ليه؟ هو ايه اللى حصل بالظبط؟ وعمل إيه معاكي الدكتور مدحت؟
صممت قليلًا نهال، قبل أن تجيبها وهي تفرك كفيها بعضهما:
- الدكتور الباشا حكم عليا انى مخطيش خطوة واحدة، ولا أي مشوار اعمله إلا بأذن منه، وزيادة على كده هروح الجامعه معاه وارجع كمان معاه .
ازبهلت نهى تقول بعدم استيعاب:
- وه، دا واد عمك شديد جوى، طب وانتى هتبعيه يعني على كدة ولا هتعملي إيه؟
تطلعت نهال بها تجيبها بقوة:
- مضطرة دلوجت اهاودوا شوية كدة على ما يهدى ويشيلنى من دماغه، انا مش ناجصه يبلغ ابويا، عشان عارفه كويس ابويا هيصدجه مهما انا جولت او عملت، لكن بعد كدة بقى، يبقالي صرفة، ما انا مش هستحمل الوضع دا كتير
أومأت لها نهى بهز رأسها توافقها:
- هو دا الصح، تهاودي شوية على ما ينسى والموقف يعدي، واساسا يعنى، هو بكل مشاغله دي، هيلاجى وجت ازاى لتوصيلك الجامعة، روحة وجاية كمان؟
زفرت نهال مطولا ثم قالت
- يعدلها المولى ان شاء الله.
❈-❈-❈
صباح اليوم التالي
كانت نعمات تجهز الأبناء الصغار، ياسين بأن جهزت له حقيبة الروضة خاصته، ثم نهلة الصغيرة التي كانت تمشط لها شعر رأسها، ف اقتربت منها بدور مرتدية ملابس المدرسة استعدادًا للذهاب، تخاطبها:
- أما يا أما.
التفت لها نعمات وهي تربط بالرباط الصغير على خصلة كبيرة بأحد الجوانب لشعر نهلة، وردت بعدم تركيز:
- اممم، عايزة إيه يا بدور؟ معاكي حاجة ناجصة وعايزة تشتريها لمدرستك انتي كمان؟
نفت بهز رأسها ثم تحمحت تجلي حلقها وتجمع شجاعتها وهي ترد:
- انااا، عايزة افلت!
حتى الآن لم تكن منتبهة نعمات، لذلك انتظرت بدور والدتها حتى انتهت من شقيقتها، مردفة بالنصائح المعروفة:
- امشى على طول ياحبيبتى وخلى بالك من اخوكى من العربيات، واوعي تخليه يلعب كورة مع العيال الكبيرة، ليوقعوه زي امبارح، ولا يتأذى.
هتفت بها بدور بنفاذ صبر
- ياما انتبهيلى بجى وسيبك من البت دى شوية، هي النصايح دي مبتخلصش؟
رمقتها نعمات بامتعاض قبل أن تصرف اطفالها الصغار للذهاب لدراستهم، ثم خاطبتها:
- ادينى انتبهتلك اها، جولى عايزه ايه بجى يا ست العرايس؟
ابتعلت بدور ريقها وبللت شفتيها بتوتر قبل تقول:
- ااا ما انا جولت وانتي مخدتيش بالك، انا عايزه افلت .
رددت نعمات بعدم استيعاب:.
- عايزه تفلتى! كيف يعني؟ معناه إيه الكلام ده؟
تشجعت بدور لتردف بتصميم وقوة:
- عايزة افلت، يعنى عايزة افسخ خطوبتى من معتصم ونوفوضها على كده واخلص.
- هى مين اللى تخلص يا بت الكلب؟ ايه اللي انتي بتهلفطي بيه دا يا بت؟
صدرت قوية أجفلت الأثنان مع دخول راجح بغضبه، وقد سمع ما قالته ابنته بالصدفة.
الفصل الثامن
خرج عاصم من غرفته مرتديًا العباءة الرجالية السوداء فوق الجلباب الصوف، بأناقة اعتاد عليها خاصة حينما يخرج لشيء هام خارج البلدة، أكتافه العريضة، مع طوله الفارع، بوسامة رجولية خشنة تلفت إليه الإنتباه دائمًا، الشيء الذي جعل تهلل بالتكبير وترديد الأدعية الحافظة بمجرد رؤيته في الصالة اثناء جلوسها تتناول وجبة الإفطار مع زو جها على مائدة الطعام
-بسم الله، الله اكبر، عيني باردة عليك يا حبيبي، يحميك من العين ومن كل حد من شافك ولا صلاش ع النبي .
- اللهم صلي وسلم وبارك عليه .
رددها مع والده هو الاخر، ليقول ضاحكًا:
- إيه يا ام بلال؟ ناقص تجيبي البخور وتبخبرني؟
نهضت عن مقعدها سميحة بتحفز، قائلة بحماس وهي تخطو لتفعل بحق.
- هو انت بتقول فيها، والنعمة اروح اعملها صح.
قهقه يوقفها فور ان اقتربت منه ليقول ضاحكًا:
- جلبك ابيض يا ست الكل، انا كنت بهزر.
- وانا مش بهزر انا بقول جد.
قالتها وهي تحاول التحرك مرة أخرى ولكنها اوقفها بتقببل رأسها:
- خلاص يا ستي، دي مكانتش كلمة دي، صباح الفل.
- صباح الهنا على عيونك.
رددتها سميحة وزو جها ايضًا الذي خرج صوته برزانة:
- صباح النور يا ولدى، رايح فين ع الصبح كدة؟
اجاب عاصم متنهدًا وقد هدات ضحكاته:
- واريا بس شوية مشاوير كده عايزة اخلصها بس هاجى بدرى ان شاء الله.
قالها وهو يخطو حتى جلس مع والدته التي عادت لمقعدها هي الأخرى، فقال سالم بعد ان صمت قليلًا في وادعى انشغاله في تناول الطعام:
- لكن انت عديت على جدك زى ما جولتلك امبارح؟
تغير وجه عاصم لتعلوه الجدية وهو يرد :
- عديت يا بوى وسألنى عن جوازى!
سألته سميحة بلهفة:
- وانت بجى يا حبيبي جولتلوا إيه،
- جولتلوا اللى جولتوهلك سابج ياما.
قالها عاصم ليعقب والده على قوله بتحذير:
- لكن يا ولدى دا جواز، وكلمة هترتبط بيها وانت طول عمرك راجل ما بترجعش فى كلمتك، يبجى تفكر زين الأول وتاخد وجتك، الدنيا مطارتش.
صمت وتوقف الطعام بفمه لعدة لحظات، قبل ان يعود ليلوكه بصعوبة وقال:
- ما تخفش يا بوى ولا تشغل بالك، إنت جولتها بنفسك، انا ما برجعش فى كلمتى .
مع عدم تقبله للفكرة من الاساس، واحساسه بخطأ ما يفعله ابنه، سأله سالم ليؤكد عليه مرة أخرى:
- يا ولدى دى بت عمك، وانا أخاف انك تظلمها .
هتف عاصم بدفاعية:
وه يا بوى، وانا امتى بظلم حد عشان اظلم بت عمى؟ دا جواز مش لعبة وهتسلى بيها
بشبه ابتسامة رد سالم مقارعًا ابنه:
- الجلب وما يهوى يا ولدى .
سمع منه عاصم، ليقول بمرارة ملئت كيانه حتى فاضت:
- سيب اللى فى الجلب يا بوي فى الجلب، عشان كل حاجة نصيب، وانا عرفت نصيبي خلاص يا لا بقى.
صمت برهة ثم وجه حديثه نحو والدته يقول بحسم:
- روحى النهاردة ياما بيت عمي عبد الحميد، بس كلمى مرة عمى الأول تشوف البت ولو رضيت؛ ابويا يكلم عمى.
هتفت سميحة بفرحة، وعدم تصديق:
- حاضر يا ولدى من عنيا، بس النهاردة خابزه لو ملكت اروح العشية هروح ولو ما ملكتس هروح بكرة ع الصبح ان شاء الله مش هستني، دا يوم الهنا و.....
- إستنى يا مرة انتى، مستعجله على ايه؟
قالها سالم مقاطعًا لاحلام سميحة التي انخطف لون وحهها، وانتقلت عينيها برجاء نحو ابنها، مع توجسها برغبة زوجها في التأجيل او الألغاء، انتبه لها عاصم فقال مشفقًا يخاطب والده:
- خلاص يا بوى خليها تروح، مالوش لزوم التأجيل اكتر من كدة، احنا فى الحديت ده اساسًا بجالنا ايام .
- لكن يا ولدي.
قالها سالم بتردد حسمه عاصم للمرة الثانية بقوله:
- يا بوي مالوش لزوم الأخد والرد تاني، بعد ما رسينا على رأي، خلي امي تروح وتفرح بجى.
رد سالم بأنفعال وعدم رضا، لما يفعله ابنه في نفسه:
- تفرح ازاى بس وانت نفسك مش فرحان؟
صمت عاصم دون رد، فقال والده باستسلام:
- خلاص روحى بس خليها بكرة عشان خبيزك .
تنهدت سميحة بارتياح مع إحساسها بالوصول لمبتغاها اَخيرًا:
- الحمد لله، اخيرًا رضيت، يتمها على خير كمان يارب .
❈-❈-❈
في منزل راجح والذي كان يتناول وجبة إفطاره في هذه الوقت الباكر من الصباح، مع زو جته واولاده الصغار، قبل ذهابهم إلى مدارسهم، انتبه علي بدور التي نزلت من غرفتها بالطابق الثاني، ترتدي ملابس المدرسة هي الاخرى، وعلى ذراعها حقيبتها، تتحرك بخطواتها نحو المغادرة بصمت ودون صوت، لتجفل على صيحة والدها الذي قال بتهكم:
- صباحك وراكى ولا جدامك يا غندور؟
التفت إليه تجيبه بحرج اختلط بحزنها:
- صباح الخير يا بوى .
قالتها وهمت لتتابع سيرها ولكنه اوقفها مرة أخرى بقوله:
- ماشيه على طول ليه يا بت؟ مش تترزعى تفطرى الاول.
ردت بصوت ضعيف وحزين بالكاد يخرج قبل ان تتابع ذهابها:
- معلش يا بوي، بس ماليش نفس، عن اذنكم .
تابعت نعمات اثر ابنتها حتى اختفت وغادرت المنزل، ثم التفت إلي زو جها تخاطبه بعتب
- براحه شويه ع البت يا ابو ياسين، دي مهما كان برضوا صغيرة.
كز على أسنانه راجح، ليرد على قول زو جته بانفعال وعصبية:
- انا برضوا اللي براحة يا مجنونة انتي كمان زي بتك، دا انا ماسك نفسى عليها بالعافية، رغم اني اقد اكسر عضمها، جاية دلوك تجولى مش جابلة واد العمدة ومش عايزاه، كان فين رأيها ده لما اتجدمولها عيال عمها التلاتة ؟ اللى الوحد فيهم بس، بعشرة من عينة معتصم،
وهى معرفتش تختار حد منهم، وتريح نفسها وتريحنا من الحيرة اللي جبرتنا نوافج ع اللي اسمه معتصم ده.
ردت نعمات بمهادنة وإشفاق:
- أديك جولت بنفسك، التلاته رجالة عليهم الجول ومفيش حد فيهم يتعيب، وهي احتارت ما بينهم.
عقب راجح باستهجان:
- اه وجايه دلوكت يعني تختار بعد ما اتشبكنا مع الناس وجرينا فاتحة ولبسنا شبكة مش بس كلمة!
توقف ليهدر بها بحزم:
- اسمعى يا نعمات الكلام دا زين وفهميه لبتك، انا مبرجعش فى كلمه جولتها ومطرح ماتحط راسها تحط رجليها، وفهميها إني لحد دلوكت مش راضى امد يدى عليها، يعني تحط عجلها في راسها وترسى كدة.
انتفضت نعمات بارتياع لهذه الهيئة التي بدا عليها زو جها، فهي الأعلم به، دائمًا هاديء، ولكنه لا يصل إلى هذا الغضب إلا إذا كان الأمر جلل، وهي تعلم بذلك، فخرج صوتها بلين:
- وه يا راجح، دا انت عمرك ماعملتها مع واحده فيهم ولا حتى وهما صغيرين حتى، يبجى تعملها دلوكت وبتك عروسة؟
ضرب راجح بكف يده على سطح المائدة يحسم بتهديد:
- امال اسيبها توطى راسى مع الناس؟ معتصم بجى نصيبها، يعني بس تخلص سنتها الاَخيره وتكمل سنها وهجوزها على طول ومش هستنى،
ورفع سبابته يردف:
- ولو بتك زودتها يا نعمات وصممت ع اللي في راسها لكون مجوزها بالسُنة واللي يحصل يحصل.
بكف يدها ضربت على صدرها تردد بجزع:
- تجوزها بالسُنة يا راجح، طب ليه؟ هي طارت عليها يعني؟
نهض راجح عن مقعده بعنف يدفعه للخلف حتى اصدر صريرًا مزعجًا:
- مش احسن ما اسيبها تمشي اللي في مخها، العمدة وولده مستنين بس اشاره وهما مستعدين يكتبوا ورقة بمليون مش مية الف ضمان
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي أصبحت تقلها ذهابًا وإيابًا من وإلى جامعتها، كانت جالسة شابكة كفيها الإثنين بأدب، تسندهم على حقيبتها التي تعلو حجرها، انظارها أمامها نحو الطريق مثبتة، لا تحيد يمينًا ولا يسارًا، بصمت كئيب، اتخذته نهجًا من وقت أن اصدر تحكماته الأخيرة نحوها، لا ينبت فمها إلا بالرد بكلمات مقتضبة إذا سألها، تتحلى بالصبر في انتظار أن يفرج عنها أو يمل او ينشغل بمسؤلياته، تشعر أن هذا اليوم قريبًا، لما تعلمه جيدًا، عن كثرة اشغاله الموزعة ما بين الجامعة والمشفى وعيادته.
- تحبى اشغل التكيف؟
قالها مستهبلًا، رغم علمه بطراوة الجو بالسيارة والذي يقترب من البرودة في هذا الوقت من الصباح، ولكنها حجة لفتح حديث معها، وقد ضاق وضج من هذه المعاملة الجافة منها.
-لا
قالتها مقتضة بكل هدوء لتثير سخطه، حتى اجبرته ليغمغم داخله:
- هي دي بس اللي قدرتي عليها؟ ماشي يا نهال.
تنهد بصوت مسموع يحاول معها مرة أخرى:
- تحبى اشغل لك اغنية تحبيها؟
التفت برأسها إليه تطالعه باستغراب صامتة، لتجيبه بكل برود، مرددى نفس الكلمة، قبل أن تلتف للأمام نحو الطريق مرة أخرى، ومع هذا تبسم داخله بابتهاج بعد أن اهدته نظرة جميلة منها، بلون عينيها السري والذي قد توهج بروعة، وانعكس مع نور الشمس الذي يشمل السيارة، ولكنه عاد لحالة الإحباط مرة أخرى، مع عودتها لحالة الجمود مرة أخرى، وزاد سخطه، مع اشتياقه بكل ذرة من كيانه إلى حيوتها وجنونها أيضًا.
وبحركة غير محسوبة وجد نفسه يزيد من سرعة السيارة، بقصد لفت انتباهاها، ولا يعلم أنه اثار الفزع بداخلها ولكنها بتمرد اعتادت عليه، حاولت الا تُظهر له رغم شعورها بقرب توقف دقات قلبها من الرعب، حتى ظلت صامتة، تعد على أصابع يدها، بغرض ان تلهي نفسها، واحد، أتنين، تلاتة، أربعة، خمس...
في الاخير لم تقدر على الأكمال، فخرج صوتها المرتعش بضعف في البداية مرددة:
- هدى السرعة... هدى السرعة شوية.
مع استمرار تغافله المقصود لهمساتها الراجية وهو يقود بتجاهل ويدعي التركيز في النظر أمامه، وتزايد الهلع بداخلها، لم تتحمل ألصمود أكثر من ذلك، فصرخت بصوت مرتعب:
- هادييييي .
على الفور خفف السرعة ملبيًا ندائها، والتف نحوها ليفاجأ باصفرار وجهها وتنفسها بصعوبة ولهاث، بأعين تترقرق فيها الدموع، شعر بالندم الحقيقي، وجموحه الذي أدى به إلى هذا التصرف الأحمق، فقال بلهجة حانية:
- اهدى خلاص، اهدى انا كنت بهزر بس عشان اشوف رد فعلك.
حدجته بغيظ تملك منها بشدة تهتف بسخط:
- بتهزر!.... كنت هتوجف جلبى واموت فيها من الرعب والخوف وتجولى بهزر.
اعتلى ثغره ابتسامة متسلية ليزيد من إستفزازها بقوله:
- اللي يشوفك وانتي بتعاندي وتتحدي، ميتوقعش منظرك ده وانتي نفسك منحاش ووشك مخطوف عشان بس زودت سرعة العربية، مكنتش فاكر ان جلبك خفيف كدة يا نهال .
سمعت منه لتحدجه بنظرة نارية، وبداخلها تتمنى ضربة على وجهه الجميل هذا، بأي شيء تناله يداها، فخرجت الكلمات من تحت أسنانها بتهكم ساخر، لا تقصد به المرح:
- ها ها ها وانا ماكنتش اعرف انك ظريف كده !
- هههههه .
صوت ضحكته المجلجلة والتي انطلقت في قلب المساحة الصغيرة في السيارة، أجفلتها لدرجة الإرتباك، حتى شعرت بقفزات هذا الخائن بصــ درها، بتسارع كاد أن يفضحها، اما هو فلم يكن بقادر على التوقف عن الضحك نهائيًا، بشكل جعله يستمر في القيادة بصعوبة، وعقبت نهال مستنكرة بخفة دمها المعروفة
- ما خلاص بجى هى نكتة؟
قالتها بنظرة تشتعل من الغيظ ليبادلها هو بنظرة غريبة لم تفهمها، ثم قال ببساطة:
- هى دى نهال !!
اربكها للمرة الثانية وزاد بداخلها التوتر، حتى التفت عنه تتحاشاه بالنظر نحو الطريق مباشرةً، ف انتبهت لقرب وصولها، لتتمتم براحة على الفور:
- الحمد لله وصلنا .
عقب مدحت بابتسامة ارتسمت على وجهه:
- ومالك بتجوليها بارتياح شديد كدة، لدرجادى انتى تعبتى منى ومن سواجتى .
خطفت نحوه نظرة عابرة بصمت عن الرد وهي تجهز نفسها لمغادرة السيارة، حتى إذا توقفت بها وهمت بالترجل، أوقفها بقوله:
- نهال ما تنسيش ترنى اول ما تخلصى على طول،
وحاولي تعرفي المواعيد من البداية عشان اظبط مواعيدي.
تنهدت تحاول التماسك والتحلي بالزوق في الرد إليه:
- على فكرة، كدة ماينفعش انك تعطل مصالحك كل يوم عشانى.
رد بابتسامة سمجة مزعجة:
- وانتى مالك ياستى انا عايز اعطل مصالحى، اسمعي الكلام بس ونفذي من غير كلام.
بدون ادنى رد قامت بفتح باب السيارة للترجل سريعًا منها، صافقة الباب بعنف مقصود من خلفها، حتى زادت من مرح الاخر، مع ابتسامة لم تغادر وجهها، مستمتعًا بمشاكستها.
❈-❈-❈
توك ما واصلة يا ست هانم . طبعاً تيجى براحتك وتصحى براحتك مدام فى عربية بتجيبك مخصوص مش احنا اللى نصحى من الفجرية عشان بهدلة المواصلات .
علقت بها نهى بمناكفة استفزت الأخرى لتهدر بها
- نهى اتعدلى بدل ما اعدلك .
سمعت منها لتزيد بمزاحها مستمعتة بهذا المزاج النزق من صديقتها.
- تعدلينى ليه بجى؟ ها؟ معوجة انا ولا كنت معوجة ها
ردت الأخرى بنفعال حقيقي هذه المرة:
- والنعمه انا على اخرى . لمى نفسك احسن واتجى شرى أحسن يا بنت الناس .
طأطأت نهى رأسها بتمثيل ودراما، وادعاء الخنوع التام في قولها:
- حاضر يا ست هانم اللى تؤمرى بيه .
تبسمت نهال مستجيبة لمزاح صديقتها تقول لها :
- ايوه كده، خليكى حلوة.
تابعت نهى بمزاحها تردد:
- حاضر يا ست هانم هبجى حلوة، اللي تجولي عليه ماشي.
ضحكت هذه المرة نهال بصوت واضح وقد استطاعت إلهاءها عما يحدث معها من مدحت وتعمده التضيق على حريتها، ورددت من بين ضحكاتها:
- هههه، يخرب مطنك ضحكتينى، وخليني افك شوية بعد ما كنت مضايقة.
- لا وهتنبسطى اكتر لما تعرفى ان المحاضرة اتلغت لأن الدكتور عنده ظرف صحى .
قالتها نهى بلهفة تفاجأها، وتوقفت نهال لتقارعها بوجه عابس:
- ودا بجى هيبسطنى ولا يفرحني يا ناصحة .
قطبت نهى بدهشة لتردد بعدم تركيز :
ايوه طبعاً، كدة نعتبره يوم أجازة أو راحة ونروح بجى نتفرج شوية على المحلات او نتمشى.
أيوه عشان مدحت واد عمى يعملى محاضرة
قالتها نهال وهي تزفر بنزق، ثم خطت حتى تصل إلى الاَربكة الخشبية الكبيرة أسفل شجيرة ضخمة، لتجد مكانًا لها بجوار مجموعة من الفتيات، ثم افسحت لنهى التي لحقت بها، لتقول بيأس:
- ليه يا نهال؟ هو لسه مشالكيش من مخه؟
كزت نهال على أسنانها تردف بغيظ وهي ترفع قبضة يدها أمام وجهها:
- كل يوم اجول النهاردة هينشغل عنى، النهاردة هينشغل عني بس مفيش فايده، دماغه زفت، مُصر يكبس على نفسي، وانا دمي بيغلي و....
قطعت حينما صدح هاتفها بورود مكالمة:
- استنى ارد عالتليفون اللى بيرن ده.
قالتها لتخرج الهاتف من الحقيبة وترى إسم المتصل، ليهلل وجهها مع روية الرقم، ف سألتها نهى:
- مين يا نهال؟
أشارت لها لتصمت قبل أن تجيب
- الو السلام عليكم .
جاءها الصوت المرح:
- ازيك يا بت.
ضحكت نهال مستجيبة للمزاح تردد:
- بت لما تبتك.
جاء الصوت هذه المرة عن قرب:
- يا بت عيب عليكى احترمينى انا واد عمك وكبير عليكى .
شهقت نهال ضاحكة وتقول بعدم تصديق فور أن رأته أمامها:
- إنت ايه اللى جابك هنا يا مجنون؟
تفكه رائف رافعها حاجبيه بمرح فور أن نزع النظارة الشمسية يقول:
- أنا محدش يتوقعني.
قهقهت نهال ضاحكة لافعال هذا المجنون ابن عمها، أما نهى والتي تفاجأت هي الأخرى، فقد حاولت إخفاء ضحكاتها، رغم ان غمازتيها فضحتها، حتى أنها لفتت انتباه الأخر، لخجلها في تجنبها النظر إليه، فتقدم نحوها يمد كفهِ نحوها كي يصافحها بأدب:
- اهلا يااا.
- إسمها نهى.
قالتها نهال وررد الاسم من خلفها:
- أهلا يا أنسة نهى .
غمغمت برد التحية بهمس وكسوف وهي تنزع كفها سريعًا:
- اهلاً بيك حضرتك .. طيب انا هاروح اشوف بثينة ولما تعوزينى رنى عليا يا نهال ماشى .
أومأت لها نهال موافقة، وتحركت هي مغادرة تحت انظار رائف التي رافقتها حتى اختفت، ثم اندمج مع ابنة عمه الشقية وأحاديثها الممتعة بعفوية اعتادت عليها معه، ولا يدريان بأعين تملأها الحقد والحسد تتابعهما وتراقب، في انتظار الفرصة!
❈-❈-❈
في البلدة
كانت عائدة بدور من دوامها الدراسي ومعها ابنة عمها نهال حينما تفاجأو بمن يتقدم نحوهن، بخطواته السريعة، انتبهت عليه نيرة لتلكز ابنة عمها من مرفقها، تقول:
- اللحجى المحروس خطيبك باينه استحلاها .
حدجته بدور بأعين تقدح شررًا تتابع خطواته المختالة بتبختر مستفز وابتسامة لزجة اثارت حنقها، حتى ودت ان تغلقه هذا الفم الكريه بكفها:
- إزكم يا بنات .
هتفت بها معتصم فور ان اقترب منهن، رددت نيرة وحدها التحية:
- اهلا يا معتصم، طب انا هستناكى يا بدور عند اخر السور.
قالت الأخيرة بإشارة نحو ابنة عمها التي ظلت صامتة حتى ابتعدت عنها نيرة، ثم ما لبثت ان تهتف عليه بغضب مكبوت:
- انت إيه جابك تاني هنا يا معتصم؟ ولا هى بجت شغلانه ؟
ذهب الإبتسام عن ملامح معتصم وحل العبوس والتجهم ليقول بغضب:
- ما انتى ما بترويش عليا نهائي لما بتصل بيكي، سايبانى ومش معبرانى خالص.
ناظرته بدور بتحدي لترد بكل ثقة:
- ولا هارود عليك يا معتصم، ولو مش عاجبك نفوضها سيره وارجعلك شبكتك !!
تطلع فيها معتصم لعدة لحظات بازبهلال وعدم تصديق، حتى ظن أنه سمع بالخطأ فسألها مرددًا:
- إيه بتجولى؟ ولا انا اللي سمعت غلط؟ كرري من تاني وخليني اتأكد من اللي سمعته.
نبرته الحادة وتغير لونه وجهه في وقت آخر كان سيشعرها بالخوف، لكن في حالتها الاَن فقد بلغ منها الضيق منها مبلغه، لذلك كررت بالفعل وبكل قوة، مشددة على أحرف الكلمات
- بجولك نفوضها سيره وارجعلك شبكتك.
اشتعلت عينيه فجأة وتحولت ملامحه لشكل مخيف وهو يهدر بها:
- لكن انتى واعية للى بتجوليه ده؟ ولا دريانة بخطورته يا حلوة قبل ما تلهفطي بيه؟
بدت أمامه واحدة أخرى غير التي يعرفها على الإطلاق، حتى ظن أنها تفعل به مقلب، وستعود لرشدها بعد قليل، وتخبره بانتهاء المزحة، ولكنها فاجأته مرة أخرى بقولها:
- ايوة يا سيدى دريانه وبكامل قواية العقلية كمان، بجولك خلينا نفك الشبكه الزفت دى .
هنا انفرط العقد وتخلى معتصم عن هدوئه، لتطبق كفه على مرفقها ويهزهزها بعنف مرددًا:
- انتى اتهبلتى ولا اتجنيتى؟ ولا جرى حاجه فى مخك إيه؟ نسيتى نفسك يا بت راجح؟ دا انا ابيعك واشتريكى انت وناسك كلهم .
صرخت به بدور وهي تحاول أن تنزع ذراعها من قبضته:
- سيب يدى يا بارد يا عديم الرجوله يا لطخ
زاد معتصم من جنونه ليصرخ بها غير مكترث لخطورة ما يفعله:
- انا مش راجل با بت ال..
قطع جملته مع دفعة قوية تلقاها من نيرة التي أتت تؤازر ابنة عمها، ضد هذا الجلف عديم الحياء، فصاحت به بشراسة:
- سيب يدها، انت اتهبلت ولا اتجنيت بجولك سيييب، إيه يا خوي، مش لاقي حد يلمك ولا يقفلك؟ ولا مفكرنا بنتة ضعاف وهنخاف منك؟
اضطر معتصم ان يتركها وعينيه تطلق شررًا من جحيم غضبه، دلكت بدور على ذراعها مردد بألم :
- جاتك ضربة في يــ دك.
رفع قبضته مرة أخرى مهددًا:
- لمي نفسك ومتخلنيش افش غليلي فيكي احسنلك، انا على اَخري.
هدرت به نيرة وهي تزحزحه لتدفعه بعيدًا عنهن، تواجه بعصبية قائلة:
- تمد يدك على مين؟ هي سايبة ولا سايبة؟ ولا انت فاكرها ملهاش ناس ياك يردوك؟
تخصر معتصم يقول بعنجهية وغباء:
- نااس !! ناس ميين ياسنيورة؟ هو انتو كنتوا تحلموا تناسبونا أساسًا؟ دا انا ابويا هو اللى عملكم سعر لما فكر نناسبكم؟
همت بدور ان تفحمه برد قاسي، تعرف هذا التافه مقامه به، ولكن نيرة سبقت بردها الحاسم
- ماشى يا معتصم، بس خليك كد كلامك ده وكد الفضايح اللى عملتهالنا دلوك.
- فضايح !
قالها معتصم مجفلًا بعد ان شعر بجسامة الخطأ الذي ارتكبه، لانتباهه اَخيرًا على التجمع الكبير حولهم،من طلبة ومارة، وقفن يشاهدن ما يحدث، فتحركت قدميه ليغادر على الفور، يغمغم بالكلمات والسباب.
- ماشى، ماشى يا بدور، انا إن ما كنت اعلمك الأدب، انتي وعيلتك اللي فرحانة بيها دي، مبقاش انا.
فور ابتعاده واختفاءه من أمامهم اطلقت بدور لدماعاتها السراح، لتنهار من البكاء في حضن ابنة عمها، وزميلاتها في الدراسة التففن حولهن يؤأزرنها، نيرة والتي كانت تربت بكفها على ظهرها لتهدئتها، كانت تردد بانفعالها:
- خلاص ما تزعليش يا حبيبتى؟ اهو غار فى ستين داهيه ودينى ماهسكت ع اللي حصل وعمله معانا، إن مدفع تمن جلة حياه وغلطه ده جامد، مبجاش أنا.
❈-❈-❈
- شايف بتضحك وتهزر مع الواد الغريب دا ازى؟ وعند انا ما شوفش منها غير الوش الخشب!
قالها هذا الفتي الذي تصدر بجسده لنهال قبل ذلك في اول يوم دراسي لها، وهو الآن يراقب جلستها مع ابن عمها رائف، راصدًا كل لفتة او ضحكة منها، ويفسرها بحقد وضمير سيء، فقال صاحبه ليزيد عليه:
- ما يمكن كانت مستتجلة دمك يامحمود؟ اصل الدنيا جبول برضك، والواد اللي معاها باينه دمه خفيف، دا غير ان شكله حلو وجيمة.
كلمات صديق السوء السامة زادت من اشتعال الحريق في برأسه، فهتف بحمائية وأعين تعميها الغضب:
- انا مش جبلانى؟! ليه انشاء الله ناجص ولا معيوب؟ ولا يكونش صاحبنا اللي معاها دا نجم سيما من اللي بيجو في التليفزيون وانا معرفش.
تمتم صديقه بخبث:
- طب وانا مالى يا عم ؟ بتتعصب عليا ليه يعني؟ لهو كنت انا اللي جاعد بهزر وبضحك معاها دلوك ، ولا انت مقدرتش ع الحمار هتحط غلبك في البردعة
ضغط هذا المدعو محمود على شفته يتمتم بتحسر:
-هتجن يا اخى، اشمعنا هو يعني؟ وانا كل ما اكلمها تكشر فى وشى، بصراحة هموت عليها .
تبسم صديقه يقول ساخرًا:
- طب ما تحاول معاها تاني، يمكن ترضى المرة الجاية؟
غمغم محمود بتصميم:
- طبعًا هحاول و لازم يبجالى صرفه مش هاجعد اتفرج عليها، كدة وبس، ما هو يا فيها يا خفيها!
....يتبع