مواسم الفرح
مواسم الفرح بفلم امل نصر
الفصل التاسع والعاشر
الفصل التاسع
في الجامعة كانت الجلسة التي جمعت نهال بابن عمها رائف، بعد ان فاجأها بزيارته، ولأنها معتادة عليه وعلى المزاح معه كأولاد عم تربوا معًا كأخوة، فكان التباسط والضحكات المرحة هي السمة المميزة للجلسة، مع الأسئلة الفضولية من المذكور، عن صديقتها:
- ايوه يا عنى، هي ابوها من عيلة مين بالظبط؟
قطبت نهال باستغراب الإلحاح منه وتكرار الأسئلة عن صديقتها:
- يا بنى وانت مالك بعيلتها ولا عيلة ابوها؟ هي صاحبتي انا على فكرة مش صاحبتك انت.
هتف يُراوغها بمزاحه المعتاد مرددًا:
- وه، وافرضي يا ستي، مش لازم برضوا اطمن عليكى وعلى الصحبة اللي بتمشي معاها يا غزاله يا شارده انتى .
ضحكت نهال تضرب كف بالاَخر غير قادرة على التوقف لعدة لحظات حتى قالت من بين ضحكاتها :
- غزاله شارده! والنعمة انت مخك ضارب ورايحة منك ع الاَخر، يا بنى انت متعرفش تتكلم جد شوية خالص؟
- ماشى يا ستي نتكلم جد، عاملة إيه بجى فى الدراسة؟ ماشية كويس ولا بتخلي مدحت اخويا يساعدك ؟
اردف بالأسئلة بعفوية، غير منتبه على عبوس نهال، لمجرد التلميح، فهتفت تجيبه بانفعال
- يساعد مين؟ انا مش محتاجة مساعدة من حد يا بابا، حتى لو كان واد عمي، انا اعرف زين اعتمد على نفسي .
طرق بكفه على سطح الطاولة بينهم يقارعها باستغراب رغم مزاحه:
- خبر إيه؟ بتهبي فيا وانتي متعصبة كدة وتاكليني، عشان بس بسألك، إيه يا بت؟
رغم علمها الأكيد بمزاحه وقصده لكن طبعها العنيد، جعلها تزداد انفعالًا :
- بت لما تبتك، انا دكتور محترمة يا فاشل انت .
سمع منها وازداد مرحه في الضحكات ليغيظها ، بعد ان احتقن وجهها وتغير لمجرد سبب تافه في نظره، وصدح الهاتف يقطع عليها قبل أن تزيد بكلمات ساخطة نحوه، نظرت للرقم المعروف تغمغم بصوت وصل لأسماع الاَخر:
- ودا عايز ايه ده؟
- مين؟
- اخوك الدكتور اللي كنت بتجيب سيرته.
- مدحت؟
أومأت برأسها إليه، قبل أن تجيب الاَخر:
- الو السلام عليكم .
رد يسألها على الفور بنزق:
- انتى ما اتصلتيش ليه تبلغبنى ان المحاضرة اتلغت؟
ارتفع طرف شفتها الأعلى باستنكار حاولت ان تخفيه بإجابة مراوغة:
- طب اديك عرفت، ايه اللى حصل يعنى؟
وصلها صوت انفاسه الهادرة، قبل ان يهتف متوعدًاا:
- ماشى يا نهال، وانتى فين دلوكت؟ فى المكتبة ولا خرجت مع اصحابك ولا بتعملى ايه بالظبط؟
قال الاَخيرة بصيحة عالية، جعلتها تستشيط من الغيظ، ولكنها تمالكت لتجيبه على مضض:
- مطلعتش من الجامعة ولا مشيت، انا في الكافتيريا مع....
قطعت جملتها إثر إنتباهاها على فعل رائف الذي كان يشير إليها بكفهِ لرفض ان تخبره بمجيئه، وصاح مدحت عليها في الهاتف:
- وجفتي ليه؟ ما تجولي يا نهال جاعده مع مين؟
للمرة الثانية يجفلها بصياحه لتهتف تجيبه بانفعال؛
- جاعدة مع البنات يا مدحت، هو انا اعرف غيرهم؟
رد مدحت ببساطة تذهلها:
- طيب انا ساعة كدة وهخلص الكشف اللى عندى فى المستشفى وهعدى عليكى اخدك.
كالعادة حاولت إثناءه والجدال:
- يا واد عمى متشلش همي، انا همشى مع البنات مش محتا..
قاطعها بحدة حازمًا:
- اجفلى يا نهال واسمعى الكلام .
قالها لينهي المكالمة بتعجرف، ليزيد من استفزازها، أمام رائف المندهش مما يحدث، وسألها على الفور:
- هو ايه الحكاية؟.
لم تتردد نهال في اخباره عما يحدث:
- الحكاية يا استاذ، هي إن اخوك الدكتور المحترم محكم رايه انه يوصلنى فى الروحة والرجعة، ومطلعش مشوار إلا لما اقوله، عشان انا جال ايه بجيت مسؤليته هنا
- مسؤليته! غريبة يعني؟
قالها رائف بدهشة وعدم فهم، ثم تابع بخبث:
- طب ايه رأيك؟ بدل ماتستنيه، اخدك انا ونروحله المستشفى اللى هو بيشتغل فيها، واللي هتيجي انتي ان شاء الله كمان دكتوره فيها، أصل بصراحة عايز اعمله مفاجأة، انا جاي هنا مخصوص عشان افاجئك وافاجئه.
ضيقت عينيها تسأله بتفكير:
- طب والبنات همشى من غير ما استأذنهم انا تجريباً مجعدتش خالص معاهم النهاردة
- إتصلى بيهم .
اعترضت نهال مرددة:
- لاطبعًا مينفعش، أنا لازم اروحلهم المكتبة اديهم خبر، وبعدين اَجى اروح معاك .
أومأ لها رائف ثم نهض عن مقعده:
- ماشى تمام، يالا جومى على طول.
نهضت نهال مع ابن عمها، ليتبعهم في الناحية الأخرى، هذا المدعو محمود، والذي لم يغفل عن مراقبتهم، ولو لحظة واحدة.
❈-❈-❈
في طريق عودتهم بعد انتهاء المشاجرة مع معتصم، سألت بدور نيرة التي كانت تسحبها في طريق اَخر، غير هذا المؤدي لمنازل والديهم.
- هو احنا لازم يعني نروح لجدي ونجولوا، ما تخلينا نروح على بيوتنا أحسن يا نيرة.
هتفت نيرة بحدة وتصميم:
- ابويا ولا ابوكي، مش زي جدي، هو اللي هيعرف يتصرف في الموضوع دا زين، جدي أبدًا لا يمكن يسكت على الكلام ده.
ابتعلت بدور ريقها الذي جف من الخوف، تعقب بقلق:
- بس انا خايفة ابويا يزعل منى .
توقفت نيرة لتخاطبها بغيظ:
- ما تبجيش هبلة يا بت انتى، يزعل منك ليه ابوكي ان شاء الله؟ انتي رايحة لجدك تجولي باللي حصل ، مش راحة لحد غريب.
بدا على وجهها القبول رغم التردد، فسحبتها نيرة مرة أخرى من كفها لتشجعها على عدم التراجع، حتى إذا وصلوا إلى الوجهة المقصودة، هتفت نيرة:
- خلاص يا بدور احنا وصلنا لبيت جدي، شدي حيلك عشان احنا هنجول كل اللي حصل، والنعمة لو اخويا رائف جاعد دلوقتي، لكان عرفه مجامه صح.
- اه يا خاينة يا قليلة الاصل هتمشى وتسيبنا؟
هتفت بها بثينة نحو نهال فور أن اخبرتها هي ونهى، لنيتها في الخروج مع رائف، وهتفت الأخيرة هي الأخرى بدراما
- سيبيها يا بثيتة، دى شكلها خلاص نسيتنا، ومعدناش فارجين معاها.
ضحكت نهال معقبة على ردودهن:
- يعني جالبة معاكي تمثيل النهاردة يا ست نهى، طب يا حبيبتي، انا فعلًا نسيتكم، ومبجتش اتشرف بيكم كمان.
شهقت نهى، لترد مقارعة :
- نعم يا ختي؟ انتي صدجتي نفسك ولا إيه يا عنيا؟ ومين دول اللي متتشرفيش بيهم، إيه يا بت نعمات؟
ردت نهال ضاحكة معهن بحرص، تنبههن بعيناها عن النظرات المصوبة نحوهن من رواد المكتبة، فقالت بثينة بجدية فور توقفت ضحكاتهن:
- طب خلينا بجى نتكلم جد وقولى انتى ليه عايزه تروحى؟
اجابتها نهال بنظرة حالمة:
- بصراحة نفسى اشوفوا بلبس المستشفى وهو كده بيكشف على المرضى كمان.
تدخلت نهى بمكر قائلة:
- ما انتى بتجولى انك مش طايجاه ولا طايجه تحكماتوا فيكى ؟
نهضت نهال عن مقعدها بجوارهن في ردهة المكتبة تردد بابتسامة مستترة اختلطت بارتباكها:
- يخرب مطنك يا شيخة، إيه دخل ده بده يعني؟ ها؟ اوعى يا بت اوعي، انا ماشية اروح مع واد عمى رائف، دا شدد عليا إني متأخرش، يا للا بجى سلام
رددن خلفها بابتسامات ونظرات ماكرة:
- سلام.
❈-❈-❈
خرجت من مبني المكتبة بخطوات مسرعة، بغرض اللحاق بهذا المجنون، بعد ان تركته قريبًا من هنا، ولكنها وقبل أن تصل، تفاجأت بمن يقطع الطريق أمامها، رفعت عينيها فوجدته نفس الشخص الذي فعل هذه الأمر معها سابقًا، متعمدًا مضايقتها من اول يوم دراسي لها في الجامعة، ف هتفت بحدة في وجهه:
- انت اتجننت ياجدع انت ولا اتهلبت؟ ولا هي بجت عادة معاك وفاكرني هسكتلك؟
بابتسامة لزجة رد هذه المدعو بهدوء غريب، متجاهلًا شتيمتها:
- اصل بصراحة بجى عندي سؤال ليكي ونفسه اسأله، هو انتي ليه كل ما تشوفينى تكشرى فى وشى؟ شكلي عفش ولا مش عاجبك؟
استشاطت غيظًا منه ومن بروده، فهتف بانفعال وشراسة:
- نعم يا خويا، هي ناجصة استظراف واستعباط كمان؟ ولا فاكرنى هسكتلك على جلة الحيا ده؟ غور من وشى مش ناجصه استظرافك .
قالتها وهمت أن تتحرك ولكنه وبكل غباء كرر فعلته السابقة وتصدر يمنعها من تخطيه، ليقول بوقاحة:
- ما انتى بتقعدي مع شباب وعمالة تضحكى من الصبح، ولا هي جات عند انا و هتعملى فيها مؤدبة؟
شهقت بأعين جاحظة لا تصدق قوله، همت أن تفحمه بكلمات قاسية، ولكن رائف الذي وصل بالصدفة ليرى ما حدث، كان له السبق، بأن جذبه فجأة بعنف من ياقة قميصه، يهدر بصوت مخيف،
- من هى بجى اللى هتعمل فيها مؤدبه يا روح......
جن جنون الاخر مع سماعه لسبة رائف ليصيح بوجهه:
- إنت جيت يا حلو، طب شيل يــ دك دي عن جميصى بدل ما اجطعهالك.
تبسم رائف بهيئة مجرمة تظهر فقط مع من يستحق، ليردد ساخرًا:
- تجطهالى! طب لو راجل ورينى هتجطعهالى ازاى ...
قالها وختم بضربة رأس افقدت الاخر اتزانه، قبل يبدأ الهجوم ويلقنه درسًا قاسيَا..
❈-❈-❈
فور سماعها بما حدث، وقصت عنه الفتيات عن الفعل الأحمق لمعتصم معهن، وما اردف به اثناء الشجار، هتفت صباح بانفعال وصوت عالي :
- بجى الواد اللى ميسواش نكلة دا فى سوج الرجالة، يتجرأ ويعمل كدة؟ لأ وكمان يخربط بالكلام الواعر ده يا بوى عن العيلة كمان.
سمع منها ياسين، ليسال مخاطبًا البنات بخطر:
- انتوا متأكدين من اللى بتجولوه ده؟ يعني الواد معتصم جال الكلام ده صح؟
ردت نيرة بلهفة،:
- والله يا جدى احنا ماكدبنا فى كلمة
ضرب ياسين بالعاصا الأبنوسي، يحاول التريت وتحري الصدق منهما
- يا بتي الكلام دا كبير وواعر.
ردت بدور :
- بس هو دا اللي حصل فعلا يا جدي، واحنا جينا نبلغك وانت تحكم بنفسك
رددت صباح من خلفها بغيظ:
- بتجولك مد يدو عليها يابا وهانها هى وناسها في وسط الشارع وجدام مدرستها .
هم ياسين بالرد ولكنه تفاجأ بعاصفة نارية بدخول عاصم، وبهيئة وحشية هاتفًا بصوته العالي ، دون حتى أن يلقي السلام:
- الكلام اللى سمعته دا صح يا جد؟
- كلام إيه يا ولدي؟
سأله المذكور بصدمة افقدته التركيز كباقي الموجودين، ولكن عاصم تجاهله ليقترب مباغتًا بدور بسؤاله، بنبرة هادئة خطيرة :
- الود ده مد يــ دوا عليكى صح؟
ابتعلت بدور ريقها برعب من هيئته وقبل ان ينبت فمها بالإجابة كان رد صباح:
- استنى يا عاصم يا ولدى افهم الاول، وبعدين اسأل
هدر صائحًا بعصبية:
- انا مش عايز افهم، أنا عايز اعرف حاجة واحدة وبس، الواد اتجرأ ومد يــ ده عليها ولا لأ.
تلجمت الألسن وخيم الصمت على الجميع أمامه، خوفًا من رد فعله، او أن يرتكب جريمة، وذلك لعملهم الأكيد بطبعه العنيف نحو كل ما يمس العائلة، او يقترب منها بسوء، فما بالك لو كان هذا السوء مس إحدى بناتها بل واقربهم لقلبه، فصاح بعدم احتمال:
- ساكتين وما حدش ناطج فيكم ليه؟ هو الواد ده عمل ايه بالظبط ؟عمل ايه يا بدور؟ عمل ايه يا نيرة؟
قالها موجهًا سؤاله نحو الأثنتين، ف لم تقوى بدور على الرد، لتُسبل أهدابها عنه بحرج، غير قادرة حتى على مواجهة عينيه، أما نيرة فكانت تتحرق للكلام ولكن في انتظار الإذن من جدها والذي حاول معه بمهادنة:
- اجعد الاول يا عاصم، وبلاش عصبيتك دى، الامور ماتتخدتش كده .
- امال تتأخد ازاي ؟
صاح بها لتخاطبه صباح هي الأخرى:
- يا ولدي تبع كلام جدك واستهدى بالله، احنا بنجولك بس اجعد، مفيش كلام يتجال ع الواجف كدة .
زفر بقوة يسحب شهيقًا طويلاً وأخرجه، قبل ان يرسم ابتسامة بلاستيكية، ليقول بتهديد:
- ماشى يا جدي، هسمع كلامكم واجعد ، بس هتحكولى كل اللى حصل، وإلا قسما بالله، لا هروح اخد بندجيتى وافرغها فيه، من غير حتى ما افهم.
كز على اسنانه ياسين يقول بغيظ:
-ماشي يا عم عاصم بس في البداية كدة، مفيش اى كلمة غير لما تدينى وعد انك تحكم عجلك وتسمع أمري جبل ما تتصرف بأى فعل.
صمت عاصم يقلب الحديث برأسهِ، مستشعرًا المغزى خلف كلمات جده، ليزداد بقلبه الشك حول ما سمعه وتناثرت به الألسنة في البلدة، ولأنه يريد التأكد من صحة ما سمعه، كان لابد له من الموافقة.
بدا على ياسين بعض الارتياح وهم ان يحكي ما حدث، ولكن عاصم أوقفه:
- بعد اذنك يا جد، أنا عايزة نيرة أو بدو، المهم يعني واحدة فيهم اللى تحكى .
فهم ياسين وجهة نظر عاصم، فهو يريد الحقيقة بالتفصيل من افواه الفتيات، ولا يريد كلامًا مختصرًا بحرص منه او من صباح، لذلك اضطر صاغرًا الإذعان لرغبته، ف تمتم بفمه سبة وقحة مغمغمًا:
- ماشى يا بن ال.... احكيلوا يا نيرة .
سمعت الأخيرة لتنطلق مع إعطائها الإذن، وتقص ما حدث بالتفصيل، دون ان تفوت حرف واحد.
❈-❈-❈
في الجامعة
وامام عميد الكلية في غرفة مكتبه، وقف الثلاثة امامه، رائف، ونهال، وهذا المدعو محمود، والذي كان بحالة يرثى لها، بعد ضربه من الآخر في المشاجرة التي لم يوقفها سوى حرس الجامعة، ولولا ذلك لكان مكانه المستشفى الاَن.
قال عميد الكلية موجهًا الكلمات لرائف:
- يعنى انت سايب كليتك وجاى عندنا هنا تعمل فتوة
رد رائف بدفاعية:
- حضرتك انا جاي هنا في زيارة عادية، يعني لا قاصد اعمل فتوة ولا عايز اعمل مشاكل من الأساس، بس بجى لما اشوف البنى اَدم ده بيتعرض لبنت عمى، هسكت ازاي يعني ولا اعمل نفسي مش واخد بالي .
- كداب .
صاح بها هذا المدعو محمود ، ليتابع امام العميد:
- الواد ده بيكدب، لا هو يبجى ابن عمها ولا يعرفها دا هى اللى.....
قاطعه رائف بلهجة حازمة مهددة وسبابته رفعها للأعلى أمامه غير مكترث لوضعه او حتى في المكان الذي هو فيه :
- اياك تغلط بكلمة واحدة حتى، وألا هادفنك مكانك، وملكش عندي دية بعدها
هدر العميد بصوت عالي يضرب بكفه على سطح المكتب أمامه:
- بس يا ولد انت وهو، مسمعش صوت أي حد فيكم غير لما أسأله.
قالها ثم توجه نهال التي كانت تحاول السيطرة على ارتجافها والخوف مما يحدث معها، وما مرت به منذ قليل، ليسألها:
- وانتى... الكلام اللى بيقولوا الولد دا صح؟
أومأت برأسها وخرج صوتها بضعف كالهمس:
- رائف ابن عمي صادق فى كل كلمة جالها، والولد دا بيتعرضلى من اول يوم دراسى ليا
-اممم .
زام بها العميد بتفكير قبل ان يتناول بطاقات الهوية الخاصة بالجامعة ( الكارنيه ) التي انسحبت منهم، بعد دخلوهم لغرفة العميد، والذي ارتفعت راسهِ فجأة بسؤال لرائف:
- ايه دا؟ هو دا تشابه أسماء ولا انت فعلا، الدكتور مدحت عبد الحميد يلقى اخوك؟
اوما برأسهِ وقبل ان يقولها بفمه، توقف على طرق باب غرفة المكتب، ليلج منه مدحت بعد ان استأذن للدخول إليهم.
- السلام عليكم.
القى التحية بهدوء وثقة وعينيه تجول على ثلاثتهم، قبل ان يصافح العميد بأدب ويطلب منه الاَخير ان يجلس ويستريح، وجاء رده:
- معلش في البداية يا دكتور، انا بطلب منك ان تسمحلها تجعد.
قالها بالإشارة نحو نهال، والتي تفاجأت من فعله، والموافقة السريعة من العميد بان أمرها:
- تفضلى يا أنسة اقعدي .
سمعت منه لتجر أقدامها بصعوبة حتى جلست على الكرسي المقابل لمدحت، والذي رمقها بنظرة غامضة بجمود اثار الريبة بداخلها، قبل أن ينتبه على قول العميد:
- دا الظاهر بقى إن الولد دا كلامه صحيح، لما قال انه هو اخوك وانها هي بنت عمك، مدام جيت لوحدك بقى ومن غير ما نطلبك.
اومأ مدحت برأسهِ، فتابع العميد بعتب:
- بس برضو هو مالوش حق فى اللى عمله مع يا دكتور .
هم مدحت ان يرد ولكن رائف سبقه بعصبيته:
- بجولك اتعرض لبت عمى عايزنى اسكتله؟ دا كويس انى مطلعتش روحه.
صاح هذا المدعو محمود قائلًا بارتياع، وقد تبين من حقيقة ما يخشاه بالفعل:
شايف يا سيادة العميد ، اهو بيهددنى جدامك اها ، ومش مستني حتى لما اطلع من المكتب، طبعا بيتحامى في اخوه الدكتور.
حدجه مدحت مضيقًا عينيه بنظرة نارية صامتًا، وقال العميد:
- وانت صح بقى بتتعرضلها من اول يوم دراسى؟
علم محمود بضعف موقفه، وهذا المأزق الذي وضع نفسه فيه، فخرجت كلماته بغباء:
- لا يا دكتور دا هما الاتنين بيكدبوا عليا عشان انا معجبتنيش مسخرتهم مع بعض
إلى هنا ولم تقوى على الصمت اكثر من ذلك، وردت بانفعال غضبها:
- كداب وببفتري علينا، دا واد عمي وبس، دا زي اخويا.
وقال رائف هو الاَخر :
- خليه يحترم نفسه يا دكتور بدل ما اعرفه مجامه.
صاح العميد بسأم وتعب:
- نقي كلامك يا ولد انت واحترم نفسك، دي بنت عمه زي ماقالت.
- وخطيبتى !
قالها مدحت بثقة الجمت نهال بذهول، حتى ظنت انها سمعت خطأ، وفاجئت رائف بصدمة، أما هذا الولد محمود، فقد انتابه رعب حقيقي، من هذه النظرة الباردة المخيفة من مدحت
وقال العميد مخاطبًا له بفرحة:
- الف مبروك يا مدحت، انت اخيرا عملتها يا راجل؟ طب كنت قولى .
❈-❈-❈
بعد ان اسمتع من نيرة، تكلم عاصم رافعًا كفه أمامهم يفند الأخطاء على اصابعه :
- يعنى غلط فيها، وفى ناسها، لا وكمان اتجرأ ومد يــ دوا عليها، لا بجى الواد مالوش ديه عندى .
قالها ونهض على الفور بدون أستئذان ليذهب، ولكنه توقف على هتاف جده ياسين، وهو يضرب بعصاه على الأرض بحسم:
- اوجف عندك يا واد انت، خليك كد كلامك ولا ناسى انك ادتنى وعد
سمع منه وتذكر هذا الوعد الذي أجبر على النطق به قبل لحظات، يتنفس بخشونه وصوت مسموع، يضغط على قبضته بشدة، وهتفت صباح هي أيضا:
- اسمع كلام جدك يا عاصم، بلاش عند يا ولدي.
ظل على وضعه متخشبًا، وقدميه تدعو للتحرك وعدم التراجع، ولكن الصوت الاَخير كان له الكلمة العليا:
- حن عليك يا عاصم، إرجع يا واد عمى .
بدون ان يشعر وجد نفسه يستدير نحوها، والتقطت عينيه نظرة الرجاء في براح عينيها، مشاعر قوية انتابته لحظتها لتزلزل كيانه، ولفظ اسمه الذي تفوهت به، يتردد على أسماعه بتكرار وإلحاح.
قال ياسين ليفيقه من حالة الشرود والضياع الذي اكتنفه :
- تعالى يا عاصم واخزي الشيطان يا ولدي، ونتكلم انا وانت كلام كبار
تحركت أقدامه بصعوبة، يجاهد باستمامتة للسيطرة على انفراط مشاعره التي تبعثرت، بنظرة واحدة منها، لتعيده لنفس المربع، وينقض كل العهود التي اخدها على نفسها بنساينها، وقد ظن انه يستطيع.
وصل إلى جده، ليجلس بالقرب منه، ولكن هذه المرة قصد ان يعطيها ظهره حتى يستعيد توازنه، وتكلم على الفور، يدعي الجدية في مخاطبة ياسين:
- انا رجعت اها يا جد، سمعنى بجى كلام الكبار .
رد ياسين بلهجة ماكرة لا تخلو من الحكمة:
- هاجولك بس بينى وبينك .
توقف مخاطبًا ابنته:
- جومى يا صباح خدى البنته من هنا .
نهضت المذكورة مذعنة للأمر :.
- حاضر يا بوى، زي ما تحب، يالا بينا يا بنات .
اعترضت بدور وهي تنهض عن مقعدها، وتنهض ابنة عمها معها:
- لا يا عمتى انا ماشيه احسن، ياللا يا نيرة معايا، مع السلامه يا جدى.
هتف ياسين يوقفها فور ان استدارت عنه
- استنى يا بدور، انا كنت عايزك في سؤال قبل ما تروحي.
ناظرته باستفهام، فسألها على الفور:
- إنتى الواد دا لو فلتك من شبكته هتزعلى يا بتى؟
سمعت منه لتردد بلهفة وبدون تفكير حتى:
- لا يا جد بالعكس، دا انا نفسى اخلص من الشبكة الزفت ده.
قطب عاصم بدهشة، ورد ياسين هو الاَخر:
- وه، لدرجادى يا بتى؟
- واكتر يا جدى والله دا انا كل يوم بتحايل على ابويا وهو مش راضي
قالتها بدور بلهجة راجية اثرت في ياسين، الذي قال لها:
- خلاص يا بتى روحي انتي دلوك وتتعدل ان شاء الله.
ردت بدور بأمل امتزج بفرحة داخلها ان وجدت اَخيرًا من يساندها ويقف معها:
- ماشى يا جدى سلام بجى .
ذهبت بعد ذلك لتتابعها عيني عاصم وتتعلق بها، بعد ما سمعه منها ورغبتها في الانفصال عن خطيبها، وتسارعت دقات قلبه برهبة واماني تتراقص في خياله، يخشى أن تكون وهمًا
- عاصم
انتبه على صياح ياسين النزق:
- مالك سرحان في إيه يا جزين؟
انتفض يجلي راسه ليرد محاولا التركيز:
- ايوه يا جد انا معاك اها.
قال ياسين:
- بجولك يا ولدى مينفعش نوجع عيلتين فى بعض عشان عيل زى ده ولا يسوى .
عاد عاصم لعصبيته ليهتف بانفعال:
- يعنى ايه ؟ نسيبوا بعد اللي عملوا معانا يا جد؟ دا غلط فينا ومد ي.ده عليها.
رد ياسين:
- ومين جالك ان احنا هنسيب حجنا بس كل حاجة
بالعجل.
قالها بلهجة هادئة زادت من عصبية الاَخر:
- عجل ايه يا جدى؟ دا انا ناري جايدة وعايز افلجه نصين دلوكت، وانت تجولى عجل.
غمز ياسين بغموض يجيبه:
- متبجاش غشيم، انا مستعد اسيبك تعمل اللى انت عايزه، بس بعد كده النتايج هتبجى واعره على الكل، لكن بجى لما نشغل عجلنا هنوصل للي احنا عايزينه ونجيب حجنا تالت ومتلت، مش بالعفونة هي يا عم عاصم!
صمت الاَخير مضيقًا عينيه بتفكير، ليتابع ياسين في إقناعه:
- واعى إنت وفاهم للكلام اللى بجوله يا عاصم؟
الفصل العاشر
فٌتح باب غرفة المكتب ودلفت هي اولًا، ثم تبعها رائف ، والاَخير كان هو، ثم صفق الباب خلفه بقوة، جعلتها تنتفض دون ارادتها، ليتقدم بعد ذلك بخطوات بطيئة رتيبة، وصوت سلسلة المفاتيح هو ما يقطع السكون، وقد وقف الأثنان ينتظرون العقاب، حتى أذا وصل إليهم، تكلم على الفور رائف بدون انتظار:
- من الاول كدة، ما تحاولش تغلطنى عشان انت متأكد ان معايا حج في كل اللي عملته.
مال برأسه إليه، مضيقًا عينيه بغموض قبل أن يتبسم بجانبية ساخرة
- ااه صح انت معاك حج تسيب كليتك وتيجى هنا؛ تقضيها ضحك وهزار مع بت عمك عشان كلب زى ده يطمع فيها واما يجى يتعرضلها تاخدوا انت ضرب وتلم الكليه كلها عليكم وتخلى سيرتها على كل لسان، دا انا لازم اجولك برافو عليك كمان
تدخلت نهال بانفعال تهتف بدفاعية:
- انا محدش يجدر يجيب سيرتى، انا..
قاطعها بحدة هادرًا:
- اخرسى انتى ما سمعلكيش حس خالص، ولا استنى صحيج .
توقف متذكرًا، فمال برأسهِ نحوها، يسألها بصوت مريب مخيف:
- ساعة انا ما اتصلت بيكى، ليه مجولتليش ان الزفت ده معاكى؟
ارتبكت واضطربت ف خرج صوتها بتلعثم؛
- مما هو، هو اللى شدد عليا ما جولكش.
ردد رائف خلفها يضيف:
- ايوه انا اللى جولتلها متجيبش سيرة، عشان كنت عايز اعملك مفاجأة، لما نجيلك احنا الاتنين المستشفى .
جحظت عيني الآخر بصدمة، واحتقن وجهه، ليهدر به بعنف:
- كمان كنت عايز تجيبها المستشفى؟ إنت جنسك ايه يا بني آدم انت ؟ انا جرفت منك وتعبت، اقسم بالله لولا انى خايف من الفضايح لكنت خليت عقابك جدام الكل في الكلية بفصلك عشان تتربى.
صاح رائف بانفعال معقبًا:
- تربينى! ليه كنت ناجص أدب انا؟ هو اللي يحرج على بت عمه اليومين دول، يبجى هو اللي مش متربي.
- غور من وشى عشان ما رتكبش جريمة .
هتف بها مدحت بعنف، وحينما وجد الآخر على نفس وضعه ولم يتحرك، تابع بصوت عالي اَمرًا:
- غوووور بجولك، مش عاوز وشك تاني الساعة دي
على صيحته اللاَخيرة، لم يجد رائف بدَا من العناد اكثر من ذلك أمام غضب شقيقيه، ف تزحزح بأقدامه، حتى التف ليغادر، مغمغمًا بصوت عالي :
- طب براحة على نفسك شوية، أدينى ماشى وسيبهالك.
تحركت هي أيضًا لتلحق برائف، ولكن الاَخر أوقفها بالإطباق على رسغها يقول:
- ماشيه ورايحه فين؟ انا لسه مخلصتش كلامى معاكي على فكرة.
التفت رأس نهال نحو رائف، ثم عادت باستدراك نحو الكف القوية التي تقبض على ي- ها، حدجته بنظرة متسائلة، فهم مدحت ليتركها على الفور، وسألته بنزق:
- أفندم، في حاجة عايزني فيها تاني؟
رد على سؤالها بحدة:
- انتى ليه مجولتليش ان الواد ده بيتعرضلك؟
- عشان مكنش مهم، دي كانت كلها معاكسات عادية وبتعدي، والنهاردة بس، هو اللى زودها .
ردت بعفوية زادت من غضبه ليكمل على قولها بتهكم :
- طبعا لما شافك بتتمسخرى مع الزفت ده حس انك ساهلة.
هتفت غاضبة ترد بعنف:
- قطع لسان اللى يجول عليا كدة، محدش يقدر بجيب سيرتي، رائف دا زى اخويا بالظبط.
إلا هنا وانفرط عقد التحكم الذي كان يتحلى به مجبرًا، وسيطر عليه شيطان الغيرة التي كانت تحرق ص- دره، ليخرج عن حكمته، فلم يشعر بنفسه وهو يطبق على ساعدها بعنف هادرًا بتحذير وأعين حمراء:
- مش اخوكى، ولا كانش يصح انك تهزري ولا تجعدي معاه لوحدك من الأساس، وأياكي تكرريها تاني يا نهال وتتحديني، فاهمة ولا لأ؟
رغم الأرتجاف الذي أصاب أطرافها، والخوف الذي انتابها من هيئته، استطاعت التمالك سريعًا، لتنفض كفه عن ساعدها، وترد بعند:
- فيه ايه؟ ولا انت صدجت ان خطببتك صح ولا ايه؟
على العموم انت عارفنى كويس وانا مش محتاجة اغير من نفسى عشان ناس عجولها مريضة،
توقفت على إظلام وجهه، وأوداجه التي انتفخت بعنقه من فرط غضبه الحارق، وزادت بقولها:
- عن اذنك يا دكتور .
قالتها، ثم خرجت على الفور مغادرة، حتى لا يرى ضعفها حينما تنفجر من البكاء أمامه، أما هو، فقد نفث عن غضبه فور خروجها، بأن زمجر كالوحش المحبوس في قفصه، وذراعه امتدت لتلقي بكل المحتويات الموجودة على سطح مكتبه، لتسقط على الأرض بغيظ
❈-❈-❈
في البلدة
حينما عادة بدور إلى منزلها، وبمجرد أن خطت أقدامها إلى الداخل، شعرت بالدهشة لهذا السكوت والهدوء المريب قبل ان تجفل على سماع اصوات رجال تعرفها من غرفة الضيوف اختلطت مع صوت ابيها الرزين. دائمًا، انتابها القلق وشعرت بشيء غير مريح وهي تكمل بخطواتها حتى إذا وجدت شقيقتها الصغيرة أمامها، أمسكت بها على الفور تسألها :
- بت يا نهلة خدي هنا.. مين اللي جاعد عندينا جوا؟
أجابت الصغيرة بهمس وكأنها تكشف لها عن سر ما:
- عمك العمدة وخطيبك معتصم جوا مع ابويا اديلهم يجي ساعة، بيتكلموا ويتحددتوا.
سمعت منها بدور وغلت الدماء برأسها على الفور، لتهدر بها:
- وجاعدين اكتر من ساعة كمان؟ هي إمك فين يا بت؟
نهلة والتي اصابها الخوف من هيئتها أجابتها بتردد وعدم فهم:
- امى جاعدة فى المطبخ جوا بتحضرلهم غدا.
- غدددددا! يعني كمان وبعد دا كله، بتحضرلهم أكل يطفحوه:
صاحت بها بصدمة، قبل ان تنتفض، وتهرول سريعًا نحو والدتها في المطبخ، وهي تتأكد من قول شقيقتها وبدون سلام او القاء التحية، هتفت بعدم تصديق؛
- انتى بتعملى ايه ياما؟ بتحضريلهم غدا صح زي ما جالت نهلة! طب ليه ياما؟ هو انتى متعرفيش إن الزفت اللى جوا دا عمل ايه معايا النهاردة؟
نعمات التي اجفلت في البداية بهجوم ابنتها، تداركت سريعًا لتجيب بضيق:
- عارفة يا بدور اللى حصل، وابوكي كمان، دا مفيش بيت فى البلد ميعرفش باللي وعمله معاكي معتصم عند المدرسة!
جحظت عينيها وافتر فاهاها بوجه مخطوف تردد بذهول :
- يعنى عارفين وبرضو بتضايفوهم وتحضروا أكل وعيش وملح، طب ليه ياما؟
زفرت نعمات لتضرب بكفها على ظهر الاَخر بثقل وتجيبها بقلة حيلة:
- عشان طبوا علينا فجأة يا بدور، وابوكى مسكتلهومش، وزعج وبهدل الدنيا، بس بجى العمدة عمال يعتذر ويحايل فى ابوكى من ساعة ما وصل، وانتي عارفة ابوكي يا بتي، مهما كان لازم يقدر جيتهم ودخولهم البيت، دي الأصول يا بتي.
هكذا سريعًا، بعد أن انبلج الضوء في قلبها ونبت الأمل في الخلاص من هذا الهم الثقيل والمزعج، تتحطم احلامها بمسافة الطريق، المسافة التي قطعتها من منزل جدها وكانت تحلق بها من الفرحة، بعد موقف ياسين معها، وتلميحه بفك هذا الإرتباط الثقيل والمؤذي، لتصل الاَن منزلها، فتجد وكأن شيئًا لم يكن، بل وعادت الأمور لطبيعتها وكأن ما عاصرته هذا الساعات الماضية من شد وجذب وشجار على قارعة الطريق، أظهر لها طبيعة النفس السيئة لهذه المتبختر، المتعجرف، الفاشل، لتتيقن اخيرًا من صدق إحساسها، في أن ما تشغر به الاَن هو الكره لهذا الشخص؛ وبعد أن ظنت انها نجت، يتحول كل ذلك لوهم، لم تدري بنفسها والدموع تتساقط بغزارة اوجعت قلب والدتها وهي تردد بانهيار:
- يعنى خلاص ياما، ابويا سامح عن حجى ورضى على كده ياما، رضي بضربي وإهانة عيلتي جدام الطلبة زميلاتي في المدرسة، والناس اللي تعرفني واللي متعرفنيش.
تركت نعمات ما كانت تعمل به ، وتأثرت لتمسح بكفها على صفحة وجهها بقنوط، متنهدة بثقل تتمتم لها:
- وانا إيه ذنبي بس يا بتي، مقدرش ادخل بين الرجال ولا اقول كلمة انا .
زاد شعور القهر لدى بدور حتى همت ان تصرخ بوالدتها، ولكن صوت شقيقتها الصغيرة أوقفها:
- يا بدور، يا بدور، ابويا بيجولك تعالى عنده جوا في اوضة الضيوف عشان تسلمي عمى العمدة اللي جاى يراضيكى .
وكأنها وجدت بها منفثها صرخت بها بغضب وشراسة متحدية:
- اخلصي وغوري من وشي، انا مش رايحة في أي حتة، ولا هسلم على أي حد غوري .
التصقت نهلة بوالدتها بخوف من الأخرى، والتي بصقت كلماتها، وذهبت مهرولة على الفور نحو غرفتها، وفور ان وصلت وأغلقت الباب خلفها تناولت هاتفها واتصلت على ياسين، ف جاءها الرد سريعًا منه:
- الوو، ايوة يا بدور.
شهقت ببكاء مكتوم لم بمكنها بالرد بجملة مفيدة، مما جعل ياسين يهتف بقلق:
- بتبكي ليه يا بت؟ مالك يا بدور فيه ايه ؟ .
ضغطت حتى خرج صوتها من بين البكاء، لتجيبه بتقطع:
- ايوه يا جد ... اللحجنى.... معتصم جاب ابوه واتصالحوا مع ابويا... اتصالحوا يا جدى اتصالحوا
❈-❈-❈
وعودة إلى نهال
التي كانت تبكي على سريرها، تدفن رأسها في الوسادة، بنشيج حارق، مع تذكرها لكل ما حدث وما مرت به خلال الساعات الماضية، وما واجهته مع مدحت وادعاء هذا الولد الفاسد بالكلمات السيئة عليها وعلى سمعتها أمام عميد الكلية وأبناء عمها الاثنين، نهي صديفتها، والتي ترافقها في نفس الغرفة، كانت تجاورها على الفراش الاَن، وتربت بالكلمات المهدئة، كي تخفف عنها:
- خلاص يا نهال ما تعمليش كدة فى نفسك.
استمرت الاَخيرة على حالتها ولم ترد أو تستجيب لها، فتابعت بمزيد من التأثر:
- يا بنتى انتى كده هتتعبى والله، وبعدين بجى..... والله لو ما اتكلمتى ورديتى عليا لاكون فاتحها مناحة زيك، وانت عارفانى لما بفتح ما بجفلش، والنعمة هتندمي بجد.
قالت الاَخيرة بصوت مبحوح، وقد ترقرقت في عينيها الدموع، توقفت نهال على النبرة الغريبة،، لترفع رأسها فوجدتها حقًا تمسح في الدموع السائلة على وجنتيها، على غير ارادتها تبسمت بذهول لموقف المساند من صديقة عمرها، حتى في الحزن على شيء خاص كهذا، واعتدلت بجذعها، تمسح باطراف أناملها على خديها دموعها هي وتخاطبها بمناكفة:
- يا مجنونة يا ام مخ ضارب، دا بدل ما تقويني وتشجعيني عشان أوجف، بتشاركيني البكا؟
نوها والتي بادلتها الإبتسام:
- ايوه يا اختى اضحكى انتى، بعد ما خوفتينى عليكى.
تبست تتناول المحرمة الورقية لتجبر نفسها على التوقف، وقالت:
- لا يا حبيبتي ما تخافيش، أنا جوية واتحمل، ياما دجت ع الراس طبول .
رمقتها نهى بنظرة قلقة صامتة، مقدرة ما مرت به، قبل أن تجفلها بسؤالها:
- صحيح مين اللي جال لمدحت؟ دا وصل قبل حتى ما يبعتله العميد.
تلجلجت نهى تشير بسبابتها على نفسها تجيب: باضطراب:
- بصراحة يعني... انا اللي جولتلو لما سألني عليكي..
ناظرتها نهال صامتة بنظرة لائمة مطبقة شفتيها، جعلت الأخرى تتابع بدفاعية:
- متزعليش مني، بس دا واد عمك ورائف يبجى اخوه، يعني كان لازم يعرف عشان يجوي موقفكم جدام العميد .
ظلت صامتة ولكن بدا عليها بعض الاقتناع بعد أن إزاحة عينيها عنها وتنهدت بثقة قائلة:
- يا ستي، ع العموم هو كان هيعرف هيعرف، انا بس اللي دايجني هو انه حضر وشافني في الموقف الزفت، والبني أدم المتخلف ده بيتبلى عليا جدامه
نهى والتى وصلها ما كانت تفكر فيه نهال ويحزنها، سألتها بتردد:
- لكن هو كان شديد جوي معاكي المرة دي؟
نزلت دمعة ساخنة مسحتها سريعًا لتجيبها بابتسامة جانبية ساخرة:
- سيبك! انا خلاص اتعودت عليه وعلى جسوته .
ردت نهى باستنكار:
- لا يا نهال ماتجوليش كده، انا شايفة انه مهتم بيكى وحاسة كمان انه بيحبك .
رفعت طرف شفتيها بعدم رضا، ترفض التصديق مرددة:
- حاساه! يا حبيبتى دا خايف على شكله ومنظره، وصراحة عنده حج، اللي حصل النهاردة مكانش جليل.
- الله يخرب بيته الزفت ده اللي كان السبب في كل اللي حصل، عيل عفش وبهدل الدنيا بهبله.
قالتها نهى بأشارة نحو الفتى الذي تسبب في المشاجرة، وتذكرت نهال، لتجفلها فجأة تضحك بين بكاؤها وتقول:
- بس بصراحة الواد رائف كان شديد جوي عليه، ومسح بكرامته الأرض.
استجابت نهى لتضحك وتردد معها:
- واد عمك خلى وش اللي اسمه بجى شوارع، بس هو يستاهل هههه.
❈-❈-❈
في غرفتها وبجوار النافذة كانت تقف تنظر للخارج تعد الدقائق والثواني، في انتظار الدعم والمساندة، بعد أن هاتفت جدها وأخبرته بما حدث، وقلبها يسقط منها في كل لحظة خوفًا من التأخير او حدوث أي شيء آخر يمنعه، شعرت بفتح الباب وصوت شقيقتها تنادي وهي تتقدم بخطواتها نحوها:
- يا بدور يا بدور.
التفت رأسها بحدة تجيبها:
- نعم عايزة إيه؟ يا بدور يا بدور، إيه؟
زفرت الصغيرة تلوك العلكة بفمها، وقالت بنزق:
- مش انا اللي عايزاكي، ابويا هو اللي باعتني، وبيجولك يالا عشان تيجي وتسلمي على العمدة وولده.
برقت لها بعينيها الملونة لتصيح بها بعند:
- وانا رديت عليكي من شوية وجولتلك خليهم يستنوا، يبجى غوري بجى.
دبت نهلة بأقدامها على الأرض تهتف بوجهها معترضة:
- بتبرقي وتزعجي فيا ليه وانا مالى؟ ولا انتى عايزة تحطى غلبك فيا وخلاص.
هذه المرة صرخت عليها بحدة:
- بت انتى غورى من وشى احسنلك، انا على مش ناجصة كلمة واحدة حتى .
ارتعبت نهلة من هيئتها، لتكز على اسنانها الصغيرة والتفت لتذهب وتغمغم بغيظ وهي تذهب من الغرفة:
- انتى تجولى غورى، وامى وابويا يجولوا روحيلها يا نهله، استعجليها يا نهلة، مفيش غير نهله تتهزق فى البيت ده ؟
تابعتها بدور بعينيها، حتى غادرت وابتعدت، وعادت هي للنافذة، لمراقبة الطريق مرة أخرى، وف خرجت كنها هذه المرة شهقة الفرح، فور أن رأت السيارة القديمة لجدها في الأسفل، بجوار المنزل، وعاصم ابن عمها هو من يرافقه.
❈-❈-❈
في الأسفل كان عاصم يترجل من السيارة التي قادها بنفسه، يجاهد للتماسك حتى لا يترك نفسه لهواها في التدمير وتلقين كل مخطيء الدرس بالعقاب الذي يستحقه، دماء تغلي باردته بغير هوادة، من وقت ان سمع فحوى مكالمتها مع جده، وقد وصل الأتصال اثناء الجلسة مع الاَخير، وقبل أن يغادر هو منزل العائلة.
- حن عليك يا جدى خلينى اخش معاك
قالها مخاطبًا الاخر برجاء اثناء مساعدته للنزول من السيارة، وزفر ياسين يرد بسأم:
- وبعدين بجى؟ هو احنا اتفجنا على ايه بس؟
قالها وهو يستقيم بجســ ده، ليتكيء على عصاه ويتحرك، ولكن عاصم اوقفه:
- يا جدى العمده هاشم تعبان، وهيلف عليك زى ما لف على عمى دا شغلته الكلام الناعم .
عوج ياسين فمه بضيق، وضرب بكفه على الأخرى المستندة على رأس العصا، يردد بضيق:
- ولما يلف عليا زي ما لف على عمك، يبجى لازمتها إيه جيتي؟ بعد يا واد وسيبني، انا راسي اساسًا مش متحملة وعلى اعصابي، بعد يا عاصم يا ولدي وخليتي اللحق البت الله يرضى عنك.
قال الأخيرة بحزم جعل عاصم يتراجع، مسلمًا امره لله، يتابع خطوات جده البطيئة، وبداخله يود لو يرافقه ويقف لهذا المتحزلق وابنه، ولكن الخوف مما قد يقال في حقه وحقها بعد ذلك، جعله وقف متربطًا محله، كالعاجز لا يملك وسيلة الدفاع عن حقه بها....
على هذا الخاطر الاَخير استدرك جنوح فكره، والخطأ الذي قد يقع به لو استسلم لأحلام قد تكون الوهم ذاته، ارتفعت رأسهِ فجأة ، ليفاجأ بها، واقفه في شرفة غرفتها تراقبه هي الأخرى، تعاتقنت الانظار، وكأن العالم خلى إلا منهما فقط، لم تستحي او تتهرب بعينياها منه كعادتها! لماذا يشعر وكأنها واحدة أخرى، اتراها تغيرت؟ ام أن أحلامه بها تحولت لمرض وينسج كل هذا من وحي خياله؟.
❈-❈-❈
بداخل المنزل
كان راجح يفرك كفيه بتوتر عظيم، لتأخر بدور في الدخول حتى الآن، رغم ارسال ابنته الصغرى لها عدة مرات لاستعجالها، وفي كل مرة تعود بحجة مختلفة، مرة لتبديل ملابسها، ومرة أخرى كي تصلي فرضها، ومرة أخرى تتزين، لقد مل وهو لا يستطيع ترك الجلسة وترك الرجلين وحدهم حتى يصعد إليها بغرفتها في الطابق الثاني .
هتف العمدة هاشم سائلًا بابتسامة لزجة لا تخفي ضيقه:
- خبر ايه يا راجح؟ هي العروسه مش عايزة تيجي عشان نصالحها ولا إيه؟
رفم امتعاضه من اسلوب الرجل، وثقل الجلسة على قلبه، ولكنه اَثر الرد بزوق:
- ليه بس يا عمده؟ هي بس تصلي الضهر وجاية ان شاء الله.
معتصم والذي اصابه الضيق من كثرة الانتظار دون فائدة، رغم تنازله هو وأباه والاعتذار على شيء كانت هي المتسبب الأساسي فيه، خرج صوته بنزق:
- مش باين يا عمى انها جاية، اديلنا ساعتين مستنين ومحدش دخل لحد دلوكت.
- ولا هتدخل !!
هتف بها ياسين يجفل الثلاثة، نهض على الفور راجح يتلقفه من مدخل الغرفة، بلهفة لا يعلم سببها، وتناول كفه حتى يجلسه على أحد المقاعد، مرددًا:
- ابوى، اهلا بيك يا بوى، اتفضل معانا اجعد.
. اقترب منه العمدة هاشم يصافحه بكلمات منمقة كالعادة:
- يا أهلا يا اهلا، دا احنا انهارده عيد على كده، ان شوفناك يا عم ياسين.
تبسم الاخير بغموض يجيب ترحيبه باقتضاب:
- يا اهلا يا هاشم.
نهض معتصم يقلد والده، ولكن ياسين إزاح كفه الممدودة نحوه بازدراء قائلًا:
- بعد ياض عنى .
اهانة شعر معتصم بها وكأن دلوًا من الماء القذر اغرقه، ف التف نحو والده بصدمة، استوعبها هاشم سريعًا ليمتص الغضب ويتصرف بذكاء المعروف بأن اشار له ان يصمت، وينتظر
ابتلع راجح ريقه الجاف، وقد اخجله فعل والده، ولكنه لا يملك ان يراجعه، فظل صامتًا حتى تحدث ياسين
- ها كنتوا بتجولوا ايه بجى جبل ما ادخل؟
رد هاشم بلؤم:
- يعنى هنجول ايه بس؟ غير بكل ود ومحبة، دا احنا نسايب وحبايب.
- كنا، كنا نسايب وحبايب لكن دلوكت لا
هتف بها ياسين بحدة، وجاءه رد هاشم سريعًا:
- ليه بس كده يا عمى؟
صاح ياسين يكشر عن انيابه، بدون انتظار اكثر من ذلك:
- ما تبطل اسلوبك دا يا عمده، ولا انت فاكرنى نايم على ودانى ومش عارف باللى عامله ولدك لبت والدى عند مدرستها؟
ارتبك هاشم في البداية ولكنه تدراك سريعًا ليهديء من فورة غضب الاَخر، وقد علم الاَن السبب الأساسي لمجيئه وحضور الجلسة، وقال بمكر:
- عندك حج يا عمى إنك تزعل، دا انا هزجتوا ومسحت بكرامته الارض اول ما عرفت باللي حصل، واسأل راجح كمان، دا احنا جينا هنا جبل البت ما توصل من مدرستها وخليته اتأسف واعتذر لعمه راجح لحد ما الراجل اقتنع وسامح.
رد ياسين يجفلهم بقوله:
- بأي صفه؟
ابتلع راجح وشعر بالحرج يجيبه:
- خبر ايه يا بوى؟ بصفتى انى ابوها .
رفع ياسين سبابته للأعلى يخاطب بها الثلاثة:
- إنت تسامح فى اللى يخوصك، لكن اللى يخوص العيله ما يخوصكش لوحدك، دا يخص العيلة كلها وانا كبيرها.
حاول هاشم ان يلطف بقوله:
- براحه شويه يا عم ياسين، دول كلمتين هايفين فى لحظة غضب وعدو خلاص .
ضرب ياسين بعصاه على الأرض يهتف بحدة:
- لأه معدوش يا عمدة، ومكانوش هايفين، بجى لما يجولها ابويا هو اللى عملكم سعر لما فكرنا نناسبكم دي تبجى هايفة؟ ولا التانية كمان يمد يدوا عليها في وسط الشارع وجدام الناس، دي لو كانت مرته يمكن كنا ادينالوا عذر، لكن يعملها واحنا لسة ع البر ، حد جالوا إن ملهاش ناس اياك؟
صاح معتصم برعونة وعدم مراعاة لوضعه:
- انا مضربتهاش انا اخرى مسكتها من دراعها وبس، وهي اللي استفزتني من البداية على فكرة.
استشاط ياسين من الغضب وارتفعت عصاه نحو هاشم يشير بغضب:
- شايف الغلط ولا لاه يا عمدة؟ جولى ان كان عاجبك كلام ولدك .
حدج هاشم ولده بنظرة محذرة يهدر فيه للسكوت، والتف بعدها لياسين يقول بمهادنة:
- شوف يا عم ياسين احنا خلاص عرفنا الغلط، بس امسحها فيا المره دى،
صاح عليه ياسين بشراسة:
-امسح ايه ولا يه؟ مش انت ولدك جال أنه عملتلنا سعر لما فكرت تناسبنا، وانا بجولك اها، احنا مش عايزين نسبكم .
عند الأخيرة انتفض هاشم يهدر بياسين:
- بس انت كده بتكبرها يا حج ياسين وبتشعللها بعد الدنيا ما هديت واحنا اتصالحنا مع ابوها.
نهض ياسين هو ايضًا يقابله بندية غير مبالي قائلًا:
- ابوها دا يبجى ولدى يعنى كلمته من بعدى .
التف هاشم بتهديد نحو راجح يسأله:
- صح الكلام دا يا راجح؟ انت ناوي تتبع ابوك وترجع فى كلامك معانا؟.
وقف راجح يجيبه بهدوء رغم غضبه، وقال مصححًا:
- اولا انا لا يمكن اكسر كلمة لابويا ولو على رجبتى
والتانيه بجى، انا جولتلك ان البت هى اللى تحكم لو رضيت بالصلح تمام لو مردتش يبجى خلاص، يعني مدتكاش كلمة عشان ارجع فيها.
صاح هاشم:
- واحنا من امتى بناخد رأي البنتة؟ ولا انت ملكش كلمة عليها.
خرج راجح عن طبيعته ليهدر بغضب مكبوت:
- خلي بالك من كلامك يا عمدة، مش معنى ان جدرت جيتك وراعيت الأصول في استقبالك، يبجى هسكتلك، ولا انت فاكر إن بعد ولدك ما مد يده عليها وغلط فى اهلها وهى لسه مدخلتش بيته، يبجى هيبجالي كلمة عليها بعد كدة، ولا كمان اغصبها عشان اعجبك؟
تدخل معتصم بغباء، وقد تشجع بحدة والده في الحديث:
- يعنى انت هتتبع الراجل الخرفان ده وتفشكل الخطوبة؟
جحظت عيني راجح بشدة مذهولا لقلة حياء الاَخر، وقبل ان يرد ياسين، ويبرر الاَخر لولده، هدر قاطعًا بحسم:
- خرفان فى عينك جليل ادب عديم الرباية، اسمع يا عمده شبكتم هتوصلكم واحنا معندناش بنته للجواز .
قالها بشدة وقوة اجفلت العمدة، الذي لم يتحمل اكثر من ذلك، وخرج يسحب ابنه، يتوعد لراجح ووالده
- ماشى يا راجح، ماشى يا حج ياسين، خليكم كد الإهانة دي، انا لا يمكن اسكت ولا اعديها.
❈-❈-❈
خارج المنزل كان عاصم مازال على وقفته في انتظار الجد، وتفاجأ بخروج العمدة هاشم وهو يجر ابنه ويسحبه عنوة، يحاول بصعوبة السيطرة على جنونه، قبل أن يرتكب فعل متهور كعادته، ويزيد الوضع سوءًا، وانتبها الاثنان فجأة على هذا الضخم المستند بظهره على جذع النخلة خلفه، يناظرهم بتوعد وهيئة تشبه افراد العصابات والمجرمين، ابتلع هاشم ريقه، والقى التحية يشير بكفه:
- ازيك يا عاصم.
لم يرد، بل ظل يحدجهم مضيقًا عينيه، وازدادت انظاره اشتعالا، حتى ادخل بقلوبهم الرعب لينسحبا بخطوات مسرعة، ويتركا المكان والمحيط المقلق بوجود هذا المدعو عاصم .
... يتبع