مواسم الفرح
رواية مواسم الفرح بفلم امل
الفصل الخامس عشر والسادس عشر
الفصل الخامس عشر
في منزل ياسين كانت الجلسة المنعقدة بينه وبين هذا المدعو عيد زو ج نسمة ابنة رضوانة، ووالده، الذي كان مطرقًا بخزي لفعل ابنه والكلمات الحادة من الأول تزيده حرجًا وخزي:
- دا برضوا كلام؟ دا برضوا فعل رجالة؟ مفيش تجدير ولا جيمة، عشان البت فردانية وملهاش كبير يوجفلك.
قال الرجل:
- مش كدة يا ابو سالم براحة شوية، الدنيا اخد وعطا واحنا برضوا مش عايزين خراب.
هتف ياسين بعصبية:
- اخد وعطا بعد اللى عملوا ولدك، كان فين الاخد والعطا ده لما ضربها ولا زمجها ودلوك مش عايز يديها حجها، ليه يا واد؟ مالهاش ضهر!
تكلم عيد مدافعًا عن نفسه:
- وانا ضربتها ليه مش لما جلت ادبها عليا، انا معنديش مرة ترد عليا، وهي لازم تعرف وتتربي.
كز ياسين على أسنانه يتميز من الغيظ في قوله مع هذا المتعجرف بغباء:
- عيب عليك الكلام ده، عشان دا يسيئك أكتر ما يسيئها، عشان انت لو حافظ مركزك صح، عمر مرتك مش هترفع عينها فيك .
احمر وجه المذكور بغضب وحرج، وكلمات ياسين تنزل فوق رأسهِ كالسياط لتلسع كبريائه الزائف، والذي لا يعرف قيمة ولا ادب، فقال باعتراض:
- وايه لزومه الغلط بس؟ ما انا ساكت اها ومحترمك احترمني انت كمان.
زجره ياسين هاتفًا:
لهو انت تجد تبجح فيا؟ ولا فاكرني انا كمان هين ليك
تدخل الرجل الكبير، ملطفًا:
- مش جصدو يا عم ياسين، بس انت كمان مش مدينا فرصه نتكلم .
التف إليه الاَخير يسألها بحسم:
- طب كلمة حق وعايز اسمعها منك، لو بتك هترضهالها ؟
صمت الرجل يبتلع ريقه ويسبل اهدابه بحرج، فقد وضعه ابنه بأخطأه المتعددة في موقف لا يحسد عليه، وعقب ياسين
- شوفت اها، أديك معرفتش ترد عليا، ودي بنية يتيمة، وانت بدل ما تجف معاها بتيجى عليها عشان ولدك.
بوجه متعرق اومأ الرجل بهز رأسهِ باستسلام:
- خلاص يا عم ياسين، احنا محجوجين خليها ترجع . على ضمانتى انا المرة دي.
رد ياسين بحزم:
- لو رضت هترجع بس بشروطها، وبعد ما اخد انا الضمان منك انت الكبير، عشان ساعتها هيبقى كلام رجال، لكن بجي لو مرضتش ودا طبعًا على حسب رأيها هجيبلها حقها منك ومن ولدك تالت ومتلت.
سمع الإثنان ليزدادا حقدًا نحو هذه النسمة التي وضعتهم في هذا الموقف مع رجل ك ياسين، الكلمة في شرعه احد من السيف واقوى من المعاهدات، لا يسمح بالتراجع فيها، فسأله والد عيد بفضول:
- طب وانت تجربلك ايه نسمة يا ابو سالم؟
- تجربلى ولا ما تجربليش انت مالك؟
هتف بها ياسين ليُخرس الرجل الكبير ووالده هذا المدعو، عيد
❈-❈-❈
في منزل راجح
اتخذت بدور موطنها في حضن شقيقتها لتبكي بخوف يقتلها على ما قد يكون حدث بسببها، تخشى تهور ابن عمها عاصم على هذا الفاسد معتصم، تعلم بعصبية الاَخر وحمائيته البالغة نحوها ونحو كل ما يخص العائلة، والدتها كانت تندب وتضرب بكفيها على وركيها بجزع مرددة:
- استر يارب، استر يارب، طب اعمل إيه انا في النصيبة دي؟ أروح ابعت لابوكم فى شغله عشان ياجي، ولا اروح انده لجدكم ولا حد من عمامكم يلحج عاصم قبل ما يخلص ع الجزين دكا.
هتفت نهال باعتراض وهي تشعر بزيادة تأثر شقيقتها مع كلمات والدتها:
- ياما اهدي شوية الله يخليكي، انتى كده هتكبرى الموضوع اكتر.
صرخت بها الأخيرة مرددة:
- يا بتى ما هو كبير لوحده، ومش انا اللي هكبره، لهو انتى فاكرة عاصم هيسيبه؟ واد عمك عفش وعصبي ، مش هيسيبه يا بتى انا عارفة، مش هسيبه.
زادت الأخرى بنشيجها الحارق، ونهال تربت بكفها على ظهرها تقول بتهوين حازم:
- يا بت انتى كمان ما تبطلى بكى واهدى لما نشوف اللى حصل الاول .
ردت بدور من بين شهقاتها:
- ما انا خايفة من كدة، خايفة لتحصل نصيبة وابجى انا السبب.
قالت نهال وهي تحاول في هاتفها الذي تمسكه بيــ دها الحرة:
- ما انا بجالى ساعه برن عليه دا كمان، وبيدينى مغلق،
خايفة ارن على رائف ولا حربى يشعللوها اكتر، اصلهم متهورين اكتر منه، يا ريت مدحت كان موجود، بس دا كمان سافر من طلعة الصبح.
انتبهن الثلاثة فجأة على صياح نهلة الصغيرة من الخارج :
- عاصم جه، عاصم جه ياما.
اعتدلت بدور عن حضن شقيقتها لتمسح على دموعها وتقف منتظرة مع والدتها ونهال، ليلج إليهم فجأة مرددًا التحية بلهجة عادية مع ابتسامة ترتسم على محياه
- السلام عليكم.
خاطبته نعمات سائلة بفزع:
- جتلتوا يا عاصم ؟ اوعى تكون وديت روحك فى داهية.
قهقه بصوته الرجولي يعقب على قولها:
- وه يا مرت عمى، أجتله كمان؟ مش لدرجادى يعني، مع انه يستاهلها .
- امال عملت ايه معاه يا عاصم؟
سألته بدور ليتنبه إلى وجهها الذي اصبح كقطعة حمراء ملتهبة وأعين ذابلة، ف سألها بتحشرج مصدومًا:
- انتى كنتى بتبكى؟
تدخلت نهال صائحة به:
- انت يا عم النحنوح رد علينا طمنا الأول وبعدين اسأل وجول اللي انت عايزه.
تبسم يجيبها:
- ربيته يا عسل، ربيته بس من غير ما اسيب اثر، يعني شغل محترفين كدة
- محترفين!
رددتها نعمات بعدم فهم، لتتابع:
- ازاى يعنى؟ ولا عملتها كيف دي؟
اجاب عاصم موزعًا انظاره بين الثلاثة:
- هجولك يا مرة عمي، أصل بصراحة كدة انا كنت مستحلفلوا من يوم ما مد ايدو على بدور عند المدرسة، لكن اللى منعنى طبعًا زي ما انتو عارفين، هو جدى عشان بدنتوا والمشاكل اللي ممكن توجع العيلتين في بعض لو حصل، بس إيه بجى؟
- إيه،
تفوهت بها بدور تتعجله، ليردف لها:
- خدته في ووسط الزرع وفي حتة خالية مفيهاش حد ، وعند اقرب نخلة، جطعت جريد خضرة، ونضفتها من الخوص، وايه بجى، فين يوجعك؟
شهق ثلاثتهم ليتبدل الحزن والقلق الى حالة من الضحك المختلط بذهولهن، وقال نعمات
- يا مرارى يا عاصم وجالك جلب؟ دى بتبجى زي الكرباج وهى بتلدع .
جلجل الاَخير بضحكته، ليقول بخبث:
- لا وما تسيبش اثر وفي نفس الوقت مهينة ليه، عشان يحرم ما يرفع عينه تانى .
ردت نهال وهي تنفجر بضحك
- يا مرارى دا انت شندتلوا .
جلحلت ضحكات الأربعة، وصوتها نهال هو الواضح بهم، وعقب عاصم عليها:
- يا بت وطى صوتك فى الضحك شوية، اعجلي يا مجنونة.
كانت لا تستطيع التوقف، ف غمغم لها بصوت خفيض
- يخرب مطنك يا شيخة، جننتى الدكتور معاكى.
زادت بضحكاتها وزاد هو ايضًا، وعينبه تركزت على وجه بدور التي اصبحت بشكل مختلف، يجمع بين المرح والبكاء في نفس الوقت.
❈-❈-❈
اااه ياما .. مش جادر .
كان يصرخ بها معتصم امام والدته بعدم احتمال للألم، ورددت هي مهونة عليه وساخطة على الاَخر:
- سلامتك يا نور عينى، روح يا عاصم يا واد سميحه يارب تتشندل و ما تدوج الراحة أبدًا على اللي عملتوا فى ولدى .
رد هاشم بجوارها:
- ابن الل .... شندلوا لكن من غير ما يسيب اثر، عمايل شياطين، يعني ناخد الضربة وما نقدر حتى نتكلم بيها، ع الإجل عشان الإهانة.
عاد معتصم للصراخ:
- ضهرى يا بوى، مش جادر اجعد ولا متحمل الوجفة، كله بيوجعنى، كله بيوجعنى يا بوى.
قالت انتصار زوجة العمدة، باعين يعميها الحقد:
: يعنى وبعدين، انت هتسيب حج ولدك، والواد ده يفرح بنفسه بعد اللي عمله، وعيش حياته كمان؟
سمع منها هاشم واحتدت عينيه بالغضب مرددًا:
- اسيبه! جال اسيبه جال !!
❈-❈-❈
بعد عدة ايام
- هو دا البيت، انت متأكد؟
هتف بالسؤال ياسين نحو حفيده والذي أجاب:
- ايوه يا جدى، انا فاكروا كويس وفاكر المنطجة كمان .
قال ياسين :
- طب روح استأذنهم الاول
- حاضر يا جدى.
قالها حربي قبل ان يتحرك نحو باب المنزل القديم، ليطرق عليه، وتوقف ياسين ينتظر ويتابعه حتى انفتح وظهر شاب في عمر المراهقة يقارب الخامسة أو السادسة عشر، ليرحب بحربي بحفاوة وتبادل معه حديث ودي سريع قبل أن يشير الاَخير نحو ياسين الذي تحرك هو الاَخر ليترجل من السيارة، فتقدم الفتى حتى اقترب منه ليرحب هو الاَخر:
- يا مرحب يا حج ياسين، دا انت نورت الدنيا .
بادله ياسين المصافحة مهللًا:
- اهلا يا ولدى يا مرحب بيك، اسمك ايه انت؟
اجاب الفتي:
- انا مروان، اتفضل انت معايا اتفضل .
في داخل المنزل وبعد أن ضايفهم هذا المدعو مروان، ولجت إليهم رضوانة تلقي التحية وخلفها ابنتها نسمة.
- يا اهلا يا ابو سالم، نورت وشرفت .
- دا نورك يا يا
تلجلج بها ياسين فقد ارتبك أن يناديها باسم واحدة من بناتها حسب ما يعلم، وقالت هي تصحح له:
- ام جابر الله يرحمه .
تفاجأ ياسين بردها، فهمت عليه فتابعت له:
- دا كان ولدى اللى مات شباب .
هذه المرة كان الخبر كالصاعقة فوق رأسه، ليتمتم بصدمة:
- الله يرحمه.
تمالك سريعًا ليرحب بابنتها التي كانت تشبهها بالفعل:
- اهلا يا بنيتي، إنتي نسمة.
اومأت برأسها بحرج فتابع مبتهجًا بها:
- اهلا يا بتى يا مرحب بيكى اهلا .
- تشكر يا عم ياسين، الله يخليك.
قالتها نسمة قبل ان ترحب بحربي أيضًا، ويجلس الخمسة، فتكلم ياسين مباشرة يبادر بالحديث
- بصو يا جماعة انا جاي ابلغكم بكلام مهم واسمع رأيكم فيه.
قالت رضوانة:
- جول يا حج ياسين واحنا معاك.
سمع منها ليخاطب نسمة:
- طب انا بعت لجوزك وابوه واتكلمت معاهم فى موضوع العفش، بس هما طالبين يرجعوكى...
قاطعه نسمة بحدة:
- لا يا عم ياسين مش عايزه ارجعلوا، انا عايزه اطلج منه الراجل ده.
رد ياسين بعدم رضا:
- وايه لزوم سيرة الطلاج دلوك بس؟
تدخلت رضوانة هي الأخرى:
- انا بجولها اتحملى وخلاص وبكرة هو يتعدل لكن هى مش راضية.
اعترضت نسمة بتشدد:
- لاه، انا مش طايجاه من الأساس يبجى اتحمل ليه، واحد بيعيرنى ويمرر عيشتى على اى حاجه تافهه.
انتفض ياسين ليسألها بغضب
- يعايرك! يعايرك بإيه ابن الفرطوس ده كمان؟
التمعت عينيها أمامه، في محاولة يائسة لاحتجاز دماعات تكاد تغلبها وتزيد من حرجها أمامهم، حتى ظهر ما تعانيه من نبرة صوتها المهزوز في الرد :
- على أي حاجة يا عم ياسين، مرة يتريج على طبيخى، مره على جهازى ويجولى انتو جيبتولى عفش جليل، مرة تانية لو شاف واحدة حلوة في التلفزون يلجح برضو بكلام يسم البدن.
كبت ياسين بداخله كم من السباب والكلمات الوقحة، يفضل بحنكته عدم الاستسلام لعاطفته في أمر كهذا وقال معقبًا:
- بس هو بيجول انه ضربك لما طولت لسانك عليه.
- كداب.
صرخت بها لتتابع بقهرة:
- انا بس بردلوا لما يلجح عليا بالكلام، بحاول ارد بلساني بعد ما فاض بيا وتعبت، يعني لما يعيب عليا، ويقولي انتى تحمدي ربنا اني اتجوزتك ولا انتي فاكره نفسك ست زي بجية الحريم، اسكت عليها
توقفت وقد غالبتها الدموع لتسقط بغزارة على خديها وهي تتابع:
- كل شويه يكسر بخاطرى لما خلانى كل ما ابص فى مرايه ادور ع العيب اللى فيا،
تعضن وجه ياسين بالحزن، وهو يطالع الذبول والكسرة على محياها، وهي كامرأة تستحق الافضل منه مئة مرة، هذا البائس عيد، هم أن يطيب بخاطرها، ولكن حربي سبقه بالدفاع قائلًا
- المعفن ده هو كمان اللى بيجلع؟ دا وشه يشبه لجفاه . دا انتى مش حلوه وبس لا دا انتى تحلى من على حبل المشنجة.
تبسمت نسمة واطرقت برأسها نحو الأرض بخجل، أما رضوانة فقد طالعته صامتة بازبهلال، وياسين بداخله يغمغم:
- الله يخرب بيتك .
❈-❈-❈
في الجامعة وبعد أن انتهت من محاضرتها في إحدى المواد، كانت تلملم متلعقاتها والطلبة من الزملاء والزميلات، يخرجون من القاعة افرادًا وجماعات، قالت بثينة وهي تتطلع في الساعة على شاشة الهاتف .
- الوقت لسه بدرى ع المرواح يا بنات، ما تيجوا نروح الكافتيريا نقعد فيها شوية.
ردت نوها:
- انا ماعنديش مانع .
- لكن انا عندى مانع وماقدرش اروح معاكم
قالتها نهال لتعقب بثينة على قولها سائلة:
- ليه يا ماما ما تقدريش تروحى معانا؟ إيه اللي يمنعك؟
صمتت نهال وتولت نوها مهمة الرد عنها:
- يا حبيبتى ما انتى ماتعرفيش الجديد
- ايه بقى الجديد؟ اتحفوني بالجديد اللي عندكم خلوني اعرف.
سألت بثينة لتجيبها نهال وهي ترفرف بأهدابها قائلة بصوت مائع بتصنع الخجل:
- اصل الدكتور مدحت ابن عمي نبه عليا ما دخلش الكافتيريا ، وانا مقدرش اكسر كلامه، ما انتي عارفة .
قلدتها بثينة مرددة بنفس الهيئة تكتم ابتسامتها:
- أنا عارفة!
اومأت لها الأخرى بهز راسها، لتضحكا الفتاتين لها قبل ان تنقلب بثينة لتهتف بها وتجفلها:
- ليه بقى يا ختي ان شاء الله؟ كانت حاجة عيب هي مثلًا، ولا إيه بالظبط؟
اجابتها نهال بابتسامة تشرق بوجهها:
- لا مش عيب يا ستي، بس هو بيجولى، إن لما بضحك بخلى الناس تاخد بالها مني، وهو مش عاوز مشاكل .
شهقت بثينة لتستوعب قليلًا بتذكر ثم قالت
- تصدقى كلامه صح، انتى فعلا بتلفتى النظر وانتى بتضحكى، واحنا دايمًا بنزغدك عشان تاخدي بالك .
اضافت نوها ضاحكة هي الأخرى:
- الله يكون فى عونه مسكين، يا عيني مخه راح على الكافتيريا ونسى المكتبه ونسى المدرج .
عادت الفتيات للضحك، لتعلق بثينة:
- خلاص بقى، احنا ننبهو عليهم دول كمان ونفتن.
صاحت نهال ضاحكة بترجي:
- لا والنبى دا مجنون وانا مضمنش رد فعله .
- خلاص يا ختي مش هنجول صعبتى علينا
قالتها نوها لتتابع سائلة بجدية:
- بس يعنى احنا عايزين نعرف الأول هى امتى الخطوبة الرسمى؟
تنهدت نهال مطولا لتقول بوجه خلى من العبث:
- بصراحة مش عارفه جدى هو اللى هيحدد ويكلم ابويا .
سالتها بثينة باستفسار:
- ليه بقى جدك مش والدك؟
ردت تجيبها بحمائية:
- طبعًا عشان جدى هو الأصل، واهم حاجة موافجته هو قبل ابويا، بس هو جال ل مدحت هيخلص مشكلة نسمه وبعدين يكلم ابويا، استنى ارن عليه الاول واشوفه
❈-❈-❈
في عز انشغاله في العمل على حالة طارئة وردت إلى المشفى، صدح الهاتف بصوت ورود مكالمة، حاول في البداية التجاهل لكن مع التكرار سحب الهاتف من جيب البنطال، وفور أن تاكد من هوية المتصل ابتعد عن المريض الذي اوصى الممرضة برعايته حتى يعود، ليجيبها، بصوت خفيض متلهف
- الوو ازيك يا عمرى.
اجابت بلهجتها ناعمة:
- حمد لله، الله يسلمك .
تحمحم يجلي حلقه ليحفظ اتزانه ويقول بحذر:
- بلاش الدلع ده الله يسترك، خليكي عاجلة الله يخليكي.
ردت ببرائة تكتم ضحكتها:
- اعجل ليه يعني؟ هو انا عملت حاجه؟
ذهبت انظاره فجأة نحو المريض المكسور قدمه، قبل يعود ليُجيبها، ضاغطًا شف٠ته السفلى، يكبت بصعوبة ابتسامة ملحة:
- يا بت انا مش فاضى لدلعك، عايزه ايه؟
- يعنى انت مش فاضى، تمام بجى، اروح انا مع نوها و بثينة.
قالتها لتفاجأ بصيحته:
-'لا متروحيش مع حد، انتى مش كان نفسك تشوفينى وانا بشتغل، تعاليلى المستشفى اهى المسافة جريبة وتجيها مشى.
هللت بفرحة صدحت مع صوتها:
- بجد يا مدحت انت عايزنى اجيلك المستشفى،
أجابها مؤكدًا:
- بس بسرعه ياللا خلينى اشوف اللى ورايا .
أنهى المكالمة معها، لتلتفت هي نحو الفتيات تخاطبهم بحماس يغمرها:
- هروح اشوفه فى المستشفى يا بنات، هشوفه بااليونيفرم الازرق، وهو بيكشف ع العيانين...
- خلاص يا بت.
قاطعتها بثينة لتتابع:
- يعني احنا كدة خلاص يعنى احنا نمشى بقى ونسيبك
- لا طبعًا تسيبونى دا ايه؟ انتوا هتمشوا معايا وتوصلوني.
قالت نوها:
- خلاص ساهلة احنا ها نوصلك فى طريجنا.
❈-❈-❈
- كنت فين يا محروس من الصبح ما حد شايفك؟
هتفت بها هدية لتوقف ابنها قبل أن يدخل لغرفته، والذي رد يجيبها
- كنت مع جدى فى مشوار كده، ليه انتي عايزاني في حاجة؟
- خير ان شاء الله، تعالى بس اجعد جمبى عشان نحكى .
قالتها وهي تشير بكفها على مكان ما بجوارها ع اللاَريكة الخشبية، وهي ترتشف الشاي من كوبها الزجاجي الذي تمسكه بالكف الأخرى:
تحرك ليجلس بجوارها وسألها:
- أدينا جينا وجعدنا، عايزه ايه بجى؟
ارتشفت قليلًا ثم ردت بلهجة رائفة:
- يعنى هعوز إيه منك؟ انا بس مستعجبة، إنك بطلت ماتجيب سيرة بدور ولا الخطوبة من أساسه.
زفر يشيح بوجه عنها ليردد بسأم:
- ولزوموه إيه بس، نجيب في سيرة مواضيع خلصانة؟
توقف هدية عن شرب الشاي لتسأله بارتياب:
- خلصانه كيف يعنى؟ جصدك إيه يا حربي؟
انتفض فجأة من جوارها ليقول بتهرب:
- إصرفى نظر ياما عن الموضوع ده، عشان انا كمان صرفت نظر عن بدور وعن نهال.
نهضت من خلفه تسأله بعدم استيعاب:
- صرفت نظر عن الاتنين؟ امال هتتجوز مين يكونش عينك راحت على نيرة؟ وماله ما يضرش يا ولدي، هى كمان حلوة وبت عمك ومن لحمك ودمك .
هتف يقاطع أحلامها:
- نيره مين ياما؟ دى شرانية ولسانها متبرى منها، دى مش بعيد لو كلمتها كلمة ومعجبتهاش تمسك فى خناجى، هو انتي معرفهاش؟
شعرت بالتشتت وروده المبهمة تزيد من حيرتها لتهتف سائلة:
- امال انت عايز بس مين ؟ طب عينك على واحدة فى البلد، جول وخليني اعرف، هو انا هكره؟
اومأ برأسه يزيد من غموضه قائلًا:
- مش وجته ياما، أكيد لما ياجي الوجت هجولك، متستعجليش كل شيء بأوانه.
اردف كلماته ليعود لغرفته، ويتركها محلها تشعر بالتخبط وعدم الفهم
❈-❈-❈
في طريق عودتهن من المدرسة ونحو الذهاب إلى المنزل، كانت تسير مع ابنة عمها التي تتحدث في عدة مواضيع وهي لم تنتبه لأحد منهم، ترمي بعينيها نحو الجهة الأخرى، ومنزل عمها سالم ، علها تتصادف برؤيته كعادته في الأيام السابقة، شعرت بإحباط يكتنفها وقت ان تأكدت من خلو الساحة الخارجية والمصطبة قبل أن تجفل
- ايه الاخبار ؟
شهقت مرتدة للخلف مع نيرة، حينما وجدته بطوله المهيب يقف أمامهن.
- عاصم!
تفوهت بها نيرة مخضوضة والأخرى وضعت كفها على موضع قلبها متمتمة:
- خضيتنا يا شيخ، حرام عليك
قال عاصم:
:- سلامتكم من الخضة، معلش انا اسف، بس انا واجف هنا بجالى فتره مستنيكم، عشان اطمن، لو الواد المتخلف ده اتعرضلكم ولا حاجة؟
نفت بدور سريعًا:
- لا طبعًا، هو يجدر بعد اللى حصله؟
أضافت نيرة ايضًا:
- ومتنساش كمان يا عم عاصم، انى معاها، وانت عارفنى بجى
ضحك الاَخير يعقب على قولها:
- عارفك يا نيرة ما يتخافش عليكى، بس انا عايزك انتى كمان يا بدور تبجى ناشفه ومتخافيش زيها، عشان متبجيش مضطرة لحد يساعدك، لو حد اتعرضلك.
اطرقت برأسها تقول بخجل:
- انا عمرى ما اخاف طول ما انت موجود .
تفاجات نيرة بجرأة قولها حتى طالعتها بازبهلال، أما هو ف ارتبك وتعرق، وخرجت كلماته بتلجلج:
- طب كويس كويس، انا بس حبيت اطمن، يا للا سلام بجى .
قالها وذهب مغادرًا على الفور، حتى لا تنفضح مشاعره أمامهن، ويزلف بقول قد يؤخذ عليه فيما بعد، وهو لا يريد إساءة التصرف، خصوصًا الان.
تمتمت نيرة وهي تنظر في اثره وقد ابتعد بمسافة كافية، عنهن:
. - و ه يا بدور دا انتى طلعلتي مش هيئة، اتجرأتي وطلعلك حس يا مضروبة
سمعت منها وهي صامتة ترتسم على محياها ابتسامة سعيدة وفقط.
...... يتبع
الفصل السادس عشر
في جلسته لمدخل المنزل وهو المخصص لاستقبال افراد البلدة وسماع شكاويهم في مظهر شكلي يعتمده منذ توليه منصب العمدية، وذلك لأن معظم وقته منشغلًا كما يدعي وان حدث واستقبل فهذا يكون في أصعب الحالات، ورغم أنه يمتلك مندرة في الجهة الأخرة من المنزل ولكنه يخصصها فقط لكبار الضيوف، وهل يصح أن يدخل كل من هب ودب، أم أنه يفتحها سبيل؟
نفث الدخان الكثيف ليفعل سحابة رمادية كثيفة أمام عينيه، ثم يزيد عليها ولا ينتهي، بشرود والتفكير المستمر فيما ينتوي عليه وما بعث به ابنه منذ قليل
لقد حسم أمره ولن يتراجع رغم صعوبة المهمة.
- السلام عليكم .
تفوه بها معتصم فجأة يقطع عنه شروده، لينتفض هو فور رؤيته، ليردد بلهفة:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ها عملت؟ ولا إيه الاخبار؟
تبسم الاَخير يتناول ثمرة تفاح من طبق الفاكهة الموضوع على الطاولة أمام، وقال بثقة:
- الاخبار تمام وعال العال .
سأله هاشم بمغزى:
- يعنى حصل؟
قضم معتصم قطعة كبيرة من تفاحة حتى اصدر اصوتًا مع مضغه لها وهو يقول بانتشاء:
- حصل يا بوي، و التنفيذ هيبجى فى اجرب وجت، أنا نبهت عليهم على كدة.
اقترب هاشم برأسه ليهمس نحو ابنه بحذر:
- ونبهت عليهم، انهم ما يزودوش عن الادب، احنا مش عاوزين الموضوع يوسع.
ازبهل معتصم وبرقت عينيه قليلًا باضطراب، ليرد ببعض التلعثم:
- اييوه، أيوة يا بوي زى ما انت جولت .
احتد هاشم في لهجته يرفع السبابة أمام وجه الاخر مشددًا:
- إياك، إياك يا معتصم تكون خالفت اومري.
ابتلع ريقه المذكور ليرد على الفور مجيبًا:
- لا يا بوى انا جولت اللى انت جولتهولى وبس، وهما بجى اللي عليهم التنفيذ الصح.
حدق به هاشم بتشكك، بم ما لبث أن يردد:
- لما نشوف يا معتصم، لما نشوف.
❈-❈-❈
خرج ياسين من المندرة يجر أقدامه جرًا من التعب وجولات مرهقة من مفاوضات قام بها في عدد من الساعات الماضية، استقبلته صباح بالسؤال فور رؤيته:
- ايه الاخبار يا بوى؟
سقط على كرسيه ليجلس مشيرًا بكفيه أمامها:
- حمد لله يا بتى اخيرا خلصت الموضوع وانتهينا، دا الواحد عينه طلعت.
- ربنا يعينك ويجدرك.
تمتمت بها صباح قبل أن تتابع:
- طب وانتوا رسيتوا على ايه يعني؟ هيروح يصالحها، ولا هتيجي هي معاك ولا....
- بكره ها يجيب المأذون ونخلص الموضوع .
قالها ياسين مقاطعًا، لتهتف هي بجزع:
- طلاج ليه بس ؟ يا ساتر يارب.
طالعها ياسين قائلًا بيأس:
- البت مش عايزه ترجعلوا يا صباح، ها نرجعها بالعافية يعني؟ الواد بخيل ومدب فى كلامه، يعني طامسها من كله بغشامته، والبت مش متحملة.
اومأت صباح رأسها بتفهم، ثم سألته:
- طب وعلى كده الطلاج هيتم فى بيتهم ولا في حتة تانية؟
تأوه ياسين يجيبها وهو يحاول النهوض عن كرسيه:
- ايوه يا صباح، هيبجى فى بيتهم، وربنا يتم على خير ومبجيبش مشاكل، انا قايم اروح اصلي عايزه حاجة تاني مني؟
نفت بصوت مختنق:
- لا يا بوى وهعوز ايه بس؟
تحرك بأقدمه المتعبة يقول:
- طب حضريلى لجمه أكولها على ما جيت .
خطا خطوتين ثم استدار إليها يفاجئها بقوله:
- لكن انتى كنتي تعرفى ان رضوانة كان ليها عيل شباب مات .
- ايوه يا بوى، دا يا عينى مات غرجان ربنا يرحمه برحمته .
قالتها صباح والتف هو عنها يجر أقدامه، يغمغم بصوت خفيض مع نفسه:
- ربنا يرحمه ويرحم امه المسكينه كمان.
❈-❈-❈
بداخل القسم الذي انبأها عنه، كانت نهال تقطع الطرقة في المشفى بتشتت وعدم معرفة جعلتها تستوقف فتاة بملابس التمريض لتسألها:
- معلش لو سمحتى كنت عايزه اسألك على الدكتور مدحت، دكتور العظام .
قالت الممرضة:
- تقصدى الدكتور مدحت عبد الحميد؟
- ايوه هو نفسه.
اجابتها الممرصة:
- للأسف هو مشغول مع حاله دلوقتى، وانتي لو عايزاه استنيه هنا
اومأ لها نهال بصمت وانصرفت الفتاة لتقف هي محلها، لا تعلم ماذا تفعل؟ اخرجت الهاتف من حقيبتها تتناوله لتتصل به، حتى يخبرها بكيفية التصرف الصحيح، ولكنها وقبل أن تفعل تفاجأت بمن يخاطبها:
- هو انتى تبقي قريبة الدكتور مدحت؟
رفعت بأنظارها لترى صاحب الصوت، والذي لم تعرفه لذلك سألته باستفسار:
- هو انت حضرتك بتكلمني انا؟
اقترب الرجل ليجيبها:
- ايوة طبعا، هو انتى مش فاكرانى، انا يونس صاحب الدكتور مدحت، انتى مش فاكره الكافيه.
- الكافيه.
رددتها نهال من خلفه بخضة متفاجئة، فقال هو متابعًا:
- مقولتيش بقى، تقربي إيه للدكتور مدحت بقى،
ابتلعت ريقها بوجه انسحبت منه الدماء تجيبه مضطرة:
- بنت عمه، وطالبة في كلية الطب السنة دي.
رد يونس بابتسامة واسعه:
- بسم الله ماشاء الله، ممكن اتعرف باسمك .
- اسمى نهال .
قالتها لتفاجأ به مرحبا وامتدت كفه امامها ليصافحها:
- اهلا وسهلا بيكى يا انسة نهال، عاشت الاسامى .
خجلت ان تكسف الرجل، ومدت يدها هي الأخرى لتبادله المصافحة على مضض وعينيها لا ترتفع نحوه:
- اهلا حضرتك
قالتها لتفاجأ بمن بهتف بآسمها من الخلف:
- نهال .
استدرات على الفور لتفاجأ بمدحت أمامها، بأعين تقدح شررًا، وتتنقل بالنظر نحوها ونحو الاخر يونس.
وبرغم التوجس الذي انتابها مع انتبهاها للغة التحفز التي كانت تصدر من جســ ده، ولكن رؤيتها له بارتداء ملابس العمل ( اليونيفورم) كانت كالسحر بالنسبة لها، لقد كان جميلًا ووسيمًا بحق، لم يخطر في بالها ولو في مرة ان يكون بهذه الروعة، جديته رغم التجهم الذي يعلو وجهه تزيدها انبهارًا، تعشق النظارة الطبية التي تغطي عينيه، رغم النظرة التي كانت تصدر منها نحوها ونحو يونس الذي استدرك سريعًا ليردف بابتسامة متوسعة ليس لها معنى:
- اهلا يا مدحت، انت ماخدتش بالك منى ولا ايه؟
اجابه الاخر بابتسامة بلاستيكية وثبات انفعالي على وشك الانفجار:
- اهلا يا يونس، معلش لو مخدتش بالى فعلا، انت اتأخرتى ليه ؟!
قال الاخيرة يوجهها نحوها بخشونة اجفلتها لتجيبه باضطراب:
- انا متأخرتش ولاحاجه انا يدوبك خرجت بعد ما كلمتك على طول وتوى ما واصله، بس الممرضة جالت ان انت مشغول.
- طب يالا تعالي معايا عشان اروحك.
قالها بإشارة خفيفة برأسهِ كي تتحرك وتسبقه نحو الجهة التي اشار إليها، أذعنت لأمره حتى تتقي غضبه الذي كان يلوح في الأفق أمامها، وهم هو ان يتحرك خلفها، ولكنه تفاجأ بيونس يوقفه
- استنى هنا يا عم انت، ماشى كده على طول .
القى مدحت بعينيه على قبضة يونس على ساعده بنظرة خطرة جعلته يرفع كفه عنه على الفور، ليتنهد بحريق بعد أن انتبه لتوقف نهال بوسط الرواق في انتظاره، فقال كازًا على أسنانه:
- عايز إيه يا يونس؟
رد الاَخير يجيبه بسؤال ليزبد على الطين ابتلاله:
- هى بنت عمك دى مخطوبة؟
قالها واشتعلت الدماء برأس مدحت ، يجاهد بصعوبة الا يهشم رأس هذا الغبي، او يشوه وجهه ذو الابتسامة اللزجة المقرفة، فخرج قوله بحدة:
- أيوة مخطوبة، فى حاجه تانى ؟
بدت الصدمة جليًا على وجه الاَخر، ليتمتم :
- ازاي يعني؟ هي لحقت...
- لحجت ولا ملحجتش، بجولك مخطوبة
قالها بمقاطعة عنيقة قبل ان يتحرك ذاهبًا ليترك الاخر متسمرًا محله بصدمة ،
ليصل إلى نهال ويسبقها بخطواته السريعة دون انتظار، لتلحق به هي وقدميها تسرع بعدوها كالركض كي تجاري خطوته
❈-❈-❈
بداخل الغرفة التي فتح بابها سريعًا ليلج بها وهي من خلفه، لاهثة بتسارع لأنفاسها بعد الركض خلفه، لتنتبه على وقفته امام مكتبه يعطيها ظهره، واضعًا كفيه في جيوب سترته، بصمت مهيب، وكأنه يحارب شياطين الغضب بداخله، اقتربت على تردد تسأله:
- مدحت ، هو انت زعلان مني؟
وكأن بعبارتها البسيطة داست على الزرار ، ليلتف إليها بوجه اظلم بالإنفعال، ليهدر بها:
- تعرفى يونس منين عشان تجفى وتتسايرى معاه فى الكلام؟
انتفضت مجفلة بخضة من هيئته، لتجيب بخوف:
- والله ما اعرفه، دا هو اللى سلم عليا وعرفنى بنفسه ..
قاطعها بحدة ورأسه تميل نحوها بشراسة:
- ويعرفك منين عشان يعرفك بنفسه؟
ردت واقدامها ترتد للخلف بارتياع من هيئته:
- هو اللى جالى انه فاكرنى من ساعة ما شافنى معاك فى الكافيه...
- كمان الكافيه!
صاح بها بصوت يقارب الجنون ليتابع:
- يعني فاكرك من ساعة الكافيه! دا انتى على كده عجبتيه ودخلتى مخه من ساعتها .
برقت بعينبها لتهتف باعتراض
- ايه اللى انت بتجولوا دا؟ هو عمل ايه بس لدا كله ؟
كز على اسنانه ليضرب بقدمه الكرسي أمامه هادرًا:
- ما انتى لو ما روحتيش الكافيه الزفت فى يومها مكانش شافك وحطك فى مخه ؟
بعند زادت بعصبية تقارعه:
- طب اهو شافنى النهارده فى المستشفى؟ على كده كمان يا ريتنى ماجيت المستشفى، عايزه افكرك ان انت اللى جولتلى اجيلك واعدى عليك عشان تروحني السكن ولا انت ناسى؟
- لا مش ناسى، وعارف انك هتبجى دكتوره وتجابلى ناس كتير كمان....
توقف فجأة ثم التف ليضرب بقبضته على سطح المكتب يردد بشرود ولهاث
- انا لازم استعجل جدى عشان يخلص موضوعنا بسرعة، انا مش هستني اكتر من كدة، لازم يستعجل ويشوفلي حل.
ردت ببلاهة وبدون تفكير:
- موضوع إيه؟.
التفت اليه باعين تشتعل بالغيظ، لتستدرك هي وتتذكر على الفور:ا
- اه .. انت تجصد الخطوبة،
رد بلهجة خطرة:
- ايوه الخطوبة ولا انتى نسيتى؟
سارعت للرد تهادنه وكأنها تهادن طفل مجنون؛
- لا لا منسيتش طبعًا، ودى حاجة تتنسى برضو؟
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا
على مائدة السفرة كان يتناول سالم وجبة إفطاره مع زوجته، حينما سألها:
- هو عاصم لسه مصحيش من نومته؟ مش بعادة يعني؟
اجابته سميحة بقلق:
- لا كيف؟ دا اسم الله عليه طلع صلى الفجر على ميعاده، بس انا مش عارفة ليه لحد دلوكت ما رجعش؟
رد سالم باستغراب:
- يعنى إيه؟ مرجعش يفطر؟ هو جالك إن عنده سرحة ولا بيعة عايز يخلصها في السوق ولا الشادر
نفت تهز رأسها سميحة تردد:
- لاه مجالش.
شعر سالم بالقلق، ولكنه رفض أن يزيد على زو جته، التي كانت تتناول الطعام بصعوبة، فقال مهونًا
- يمكن اتشغل فى موضوع، ولا يمكن معاه مصلحه بيخلصها، يعني هيكون راح فين يعني؟
أومأت سميحة برأسها قائلة:
- يمكن برضوا، أكيد هو كدة زي انت ما بتجول، بس انا اتشغلت مش عارفه ليه؟
هتف بها سالم بإنكار يدعيه:
- تتشغلى ليه بس؟ هو ولدك صغير ولا جليل مثلا، عشان يتخاف عليه؟ بلاش الخوف ع الفاضي، وان شاء الله، ربنا مش هيجيب حاجة عفشة.
تمتمت سميحة خلفة بتمني:
- يارب، يارب
❈-❈-❈
في منزل رضوانة وبعد أن أنهى المأذون إجراءات طلاق نسمة من هذا المدعو عيد، والذي خرج على الفور بعد ذلك ووالده، مع الشهود والرجال التي أتت لتحضر من الأسرتين، فلم يتبقى سوى ياسين وحفيده حربي الذي يرافقه في كل مرة يأتي بها ، وهذا المدعو مروان حفيد رضوانة والتي دخلت بعد ذلك اليهم مع نسمة التي خاطبها ياسين:
- تعالي يا بتي واسمعي زين، عشان انا خليت الواد ده، يتعهد جدام كبارات عيلته انه يردلك كل حقوقك، يعني اطمني من الناحية دي خالص، أما بجى بخصوص العفش ف دا من بكره ان شاء الله، انا هبعتلكم عربيه تحمله من الشقة هناك، شوفى مين تأمنيها تروح وتلملك حاجتك كلها .
قالت نسمة:
- اروح انا بنفسي يا عم ياسين ألم حاجتي، لهو انا هخاف منه.
رد ياسين باعتراض جازم:
- لا يا بتى مينفعش .
- جولها يا ابو سالم يمكن تسمع منك وتفهم، دا انا من الصبح بجولها وهى مش مجتنعة ولا سامعة مني خالص.
قالتها رضوانة ليلتف إليها ياسين وانتبه عليها، ليسألها:
- انتى كنتى باكيه يااك ؟
ردت بحرقة واعين تترقرق بها الدموع:
- وكيف ما ابكيش وانا بتى بيتها اتخرب، دا طلاج يعنى مش حاجة هينة.
أطرق ياسين بخفض رأسه عنها بألم وقد فهم بمقصدها، فقال بصوت متأثر:
- ربنا يبعتلها اللى احسن منه ان شاء الله، والدنيا ماشية ومش بتجف على حد واصل، يالا بينا يا حربى .
قال الأخيرة لينهض على الفور، اوقفه مروان قائلًا؛
- ما لسه بدرى يا عم ياسين اجعد افطر معانا .
ربت ياسين بكفه على كتف مروان قائلا بإعجاب:
- تعيش يا ولدى ويجعله عامر بحسك وحس أهل البيت ان شاءالله، بس انا يدوبك احصل مصالحى .
تدخلت نسمة بقولها ايضًا:
- صح يا عم ياسين، دا انت تلاجيك جيت على لحم بطنك ومفطرتش، نعمل ايه بجى فى عم حسن المأذون؟ اللى اصر يجى الصبح بدرى .
رد ياسين بلهجة حانية نحوها، وقد أعجبه قوتها وعدم بكاءها على الرجل الندل الذي طلقها:
- ولا يهمك يا ست نسمة، انتى زى بتى برضوا وانا تحت امرك في أي وجت .
- تعيش يا عم ويبارك في عمرك .
تمتمت بها نسمة، وسمع منها ياسين ثم هتف ليذهبا، ولكن الاَخر أبى ان ينصرف بدون ان يتكلم:
- ربنا يعوض عليكى با الزين .
ردت الاخيرة بخجل:
- متشكرين يا استاذ حربى.
سحبه ياسين من كفه ليجعله يسبقه، حتى لا يخطيء بعفويته التي يعرفها جيدًا عنه، وتحرك هو خلفه، ولكن وقبل ان يخرج من غرفة الاستقبال نهائيًا القى نظرة خاطفة حزينة على من كانت حبيبته وز وجته العنيدة في السابق، قبل يكسرها الزمان وتصبح بهذا الوهن والضعف الاَن.
❈-❈-❈
وبداخل السيارة كان في حالة من الشرود والحزن الشديد، حتى انتبه عليه حريي ليسأله:
- مالك يا جدى؟ هو انت لدرجادي زعلان على نسمة؟
تنهد ياسين بثقل يجيبه:
- يعني، بس هي كدة بتكون حاجة، وتجيب حاجة تانية عشان نفتكرها ونحزن، وكأن النفوس كانت نسيت جبل كدة عشان يجي اللي يفكرها!
وصل إلى حربي ما يرمي إليه ياسين ليقول بفراسة:
- افتكرت اليوم اللى طلجت فيه خالتى رضوانة؟
نظر إليه صامتًا لعدة لحظات ليعقب بعد ذلك:
- كبرت و بجيت بتفهم يا حربى.
رد الاخر بابتسامة:
- مش محتاجة مفهوميه يا جدى، نظرة عنيك مبينة كل اللى جواك، ولا انا غلطان !!
اومأ برأسه ياسين يردد بقنوط:
- لا مش غلطان يا حربى، مش غلطان يا ولدى .
❈-❈-❈
هدر هاشم بغضب:
- هو دا اللى جولتلك عليه يا غبى؟
كان معتصم يحاول وقف تدفق الدماء الذي ينزف بغزارة من انفه، فقال:
- اعمل ايه يعنى ؟ ... انا كنت مأكد ع الرجالة بكلامك اننا نأدبه وبس، لكن دا طلع شديد جوى، وانا والرجالة مكوناش جادرين عليه، دا لولا واحد منهم خدوا على خوانة والله لكان خلص عليا كلنا دلوك وكنت روحت انا فى خبر كان .
تنفس هاشم بغيظ شديد قبل ان يأمره:
- طب انا عايزك تحكيلى كل اللى حصل، متسيبش ولا هفوة تقع منك، من غير ما تقولي عليها.
قبل ذلك بساعتين .
كان عاصم في طريقه إلى المنزل بعد أن انتهى من صلاة الفجر في المسجد الذي اعتاد الصلاة فيه منذ صغره، تفاجأ وبدون سابق انذار بفردين ضخام الاجســ اد، يقطعون عليه طريقه ليمنعوه من السير بعصا غلــيظة وضخمة، رمقهم ياستخفاف سائلًا:
- نعم يا باشا انت وهو، انتو مين؟ وعايزين ايه بالظبط؟
ظل الأثنان بهيئتاهم المتجهة ونظرات باردة دون التفوه والرد بحرف، سأم منهما، ليرفع العصا، ويتحرك ويتخطاهم، ولكنهم، عادوا ليغلقوا الطريق مرة أخرى، فهدر صائحًا بهم:
- ماترد يا ابن ال...... انت وهو، بدل ما انتوا بتسدوا السكه فى وشى كده من غير ما تنطجوا بحرف، وكأنكم جوز عجول وشاردة بغشم من صاحبها.
قالها عاصم ليجد الرد قد جاء من ناحية أخرى خلفه:
- انا اللى هرود عليك عشان انا اللى جايبهم .
تبسم وجه عاصم ليحدجه باستهزاء قائلًا:
- وه المجلع! هو انت خلاص يا حيلتها، ابوك يأس منك فجابلك بلطجيه يحموك ؟
اقترب معتصم بشر يردد وقد زادت عليه كلمات الاَخر احتقانًا:
- لا وانت الصادج دا انا جيبهملك انت مخصوص عشان يربوك ويعلموك الادب .
لم يابه له عاصم، بل قال بجسارة وعينيه تتنقل من معتصم إلى الرجلين الآخرين:
- انت حتى لما حبيبت تعمل نفسك راجل، جايب ناس هبله زيك طب استنضف ونجى خلج عدلة.
زام الرجلين بتحفز نحوه، وكان معتصم اكثر منهم ليهتف به:
- ماشى يا عاصم انا هخليهم يعلموك الادب .
ضحك له الاَخير ليزيد بسخريته ويشير على الرجلين اللذين كانا على حافة الجنون منه:
- بجى دول، جوز البهايم دول، هيعلموني انا الادب يا.... واد انتصار .
- انت بتنهدلى باسم امي، طب والنعمه لكون مربيك يا عاصم ، علموه الادب يا رجالة
صرخ بها معتصم امرًا الرجل، وتلقفها عاصم ليخلع، الشملة التي كانت تغطي كتفيه، ليلفها على يــ ديه، وبشجاعة يهتف بهم:
- ياللا يا حبيبي ورينى مرجلتك انت وجوز التيران اللى معاك يا...... حيلتها .
صرخ معتصم خلف رجاله :
- مستنين ايه؟ اهجموا عليه علموه الادب .
قالها ليهجما الاثنان بالعصى التي كانت في أيديهم، ولكن عاصم كان يتفادى الضربات، وكلما طال احد منهم، يضربه روسية أو قبضة قوية على وجهه، حتى لو ناله ضربة عصا من الاخر يتحملها ليواصل المعركة الغير متكافئة على الإطلاق، ومعتصم في ناحية قريبة يراقب بتوتر وخوف رغم ثقته في الرجال المحترفين والذين غيروا المنهج، لتكن ضرباتهم بالعصا الثقيلة بخطف سريع، حتى يستطيعوا الركض قبل ان يتمكن من أحدهم.
فرح اخيرًا معتصم حينما لاحظ الانهاك الجســ دي على غريمه، بعد ان توقف ليتلقى ضرباتهم دون حراك وعلى وشك السقوط، ف اقترب منهم بتشفي قائلًا
- ايه رأيك؟ ادينى بعلمك الادب من غير ما نوجع عيلتين فى بع.....
لم يكملها وقد فاجئه عاصم بضربة قوية برأسه كسرت انفه، ليصرخ الاَخر كالمجنون والدماء تنزل منه بغزارة
- كسروه زى ما كسر لى مناخيرى، كسروووه.
وكأنهم كانوا في انتظار الإذن، هجم الرجال الاشداء يضربونه بعصاهم الثقيلة وبوحشية كان يتلاقها بمقاومة قوية رغم الالم المنتشر في كل عظمة من جســ ده ، حتى تمكن من سحب واحدة من أحدهم، ليزأر كالوحش ، ويهجم عليهم كالإعصار، يرد الضربات القوية لكلاهما، حتى من كان محتفظًا بعصاه لم يعد باستطاعته المجابهة، حتى سقط الاثنان كالجثث الهامدة في الارض دون حراك، ف استدار لمعتصم المتبقي في ركن وحده، ف انتفض الاَخر يتراجع برعب من هيئته، يصرخ بأسماء الرجال، حتى ينهض أحد منهما، وهذا يقترب منه ببطء الفهد حينما بحاصر فريسته، وهذا يصرخ بتوسل، حتى اسنطاع احد الرجال النهوض ليتحامل على ألمه، وتناول العصا الأخرى، ليضرب عاصم على قدمه من الخلف بضربه قوية على خلفية الركبة، جعلته يخر راكعًا دون ارداته، وكانت الفرصة لمعتصم الذي خطف العصا من الرجل الاَخر، ليضرب في عاصم بغل وهستريا مع الرجل الاَخر، الذي كان يشاركه، ولم يتوقفوا سوى بعد ان تركوه مدرجًا في دمائه،
....يتبع