ايفلين
رواية ايفلين بقلم اسماء ندا
الفصل التاسع
ايفلين
أنا كنت عاملة فيها جدعة لما قلت ل كورماك مش فارق معايا لو قتلني بعد ده ولا لأ، بس أنا كدبت، أنا فارق معايا ومش عايزة أموت، صحيح حياتي مش أحسن حاجة ومش ماشية زي ما أنا عايزة دلوقتي، بس برضه دي حياتي، بفتكر على طول قد إيه الدنيا زنقة لما بفتح باب المدفأة المقطوع اللي ورا فندق صن رايز وبدخل، ببص ورايا بلاقي عربية كورماك واقفة عند مدخل الزقاق وهو وهانك قاعدين مستنييني، دي آخر حاجة لازم أعملها عشانهم، وبعدها هكون حرة يا ميتة، الشوكولاتة والمية اللي كورماك اداهملي ريحوا شوية الألم اللي كان في بطني. عمري ما خطر في بالي إني كنت دايخة من الجوع، وفي أي موقف تاني كنت هتكسف لو كنت وقعت، بس هنا مفيش وقت للكسوف.
جوة الفندق، ريحة البول القديم والدخان الخانقة بتخنقني وأنا ماشية في الطرقة ناحية سلم الصيانة اللي ورا المبنى، من هناك هيكون سهل أوي أوصل للأوضة اللي عليها شريط مسرح الجريمة، يا رب بس كورماك يلاقي الأجوبة اللي بيدور عليها.
الفندق ساكت خالص، والأغلب إن أغلب النزلاء قافلين على نفسهم في الأوض عشان الشرطة بتلف في المكان، مش قادر أتخيل جيرالد هيكون متغاظ قد إيه من الشرطة اللي بتتمشى في الطرقة بتاعته وبتخبط على الأبواب وبتخوف الزباين اللي قعد وقت طويل عشان يجمعهم، الراجل ده سايب الناس تعمل اللي هي عايزاه، ومفيش حاجة بتبوظ سمعته أسرع من وجود شرطة كتير.
بركز في الموضوع ده عشان أنسى صوابعي اللي بترتعش وقلبي اللي بيدق بسرعة وأنا بطلع السلم خطوتين خطوتين، أنا حافظة المكان ده كويس، عشان كده عمري ما كنت بتلخبط وأنا بدخل، المشكلة هتكون في الطلوع، عشان باب الصيانة اللي فوق السلم مبيتفتحش غير ناحية واحدة، أنا اشتكيت لجيرالد من الموضوع ده كذا مرة، بس هو شايف إن ده ضروري عشان يمنع الناس إنها تتسحب قدام الكاميرات لما تكون عايزة تمشي من غير ما تدفع.
يا ريت بس أفتكر مكان الكاميرات بالظبط عشان أتجنبها وأنا ماشية، بوصل الدور اللي فوق، وبفتح الباب بالراحة وببص من الفتحة، الطرقة فاضية، وقلبي في بقي، بدخل وبقفل الباب ورايا، صوت الحديد والخشب وهما بيحكوا في بعض بيخلوا رعشة خوف تمشي على كتفي وذراعي، الحمد لله محدش سمع، وبغصب على نفسي أتنفس بالراحة بهمس لنفسي
"اعملي نفسك بتنضفي وخلاص"،
الخوف بيزيد جواية على طول لما صوتي بيرن عالي في السكوت اللي حواليا، وأنا ماشي ناحية الباب المقفول بالشريط الأصفر الفاقع، طلعت موبايلي من جيبي وحزنت ل ثانية على الشاشة المكسورة، لما كورماك رجع لي الموبايل، اعتذر وقالي إن الشاشة اتكسرت لما وقع من إيدي ليلة ما اتخطفت، لو كانت علاقتنا أحسن من كده، كنت طلبت منه يدفع تمن التصليح، بس أنا مش فاهمه.في لحظة بيكون أكتر واحد مرعب شفته في حياتي، وفي اللحظة اللي بعدها بيأكلني شوكولاتة وبيقولي على كل الخير السري اللي عيلته بتعمله للمدينة دي.
ممكن يكون كل ده كلام فاضي عشان ياخد اللي هو عايزه، أول ما طلعت من الباب، اتصلت بالرقم اللي كورماك اداهولي، الرقم رن تلات مرات، وفي كل مرة قلبي كان بيدق أقوى من الترقب، وبعدين وش كورماك ظهر على الشاشة، الضلال الداكنة اللي في العربية بتخلي وشه شكله مهيب أكتر في نور المكالمة، بس عينيه بتلمع بطريقة غريبة وبتشتت الانتباه.
"هتدخلي تمام؟" كورماك سأل، صوته مكانش مخيف في التليفون. هزيت راسي ووجهت الكاميرا عشان يشوف الباب.
"جاهز؟" سألت بالراحة وأنا باكل في خدي من جوا، إيدي ما بطلتش رعشة، وكل ما أحاول أهديها، بتزيد، في الآخر اضطريت أمسك التليفون بإيدي الاتنين
"جاهز"، كورماك رد
أنا ما اتحركتش، فجأة اتجمدت مكاني، فكرة إني أرجع الأوضة دي مرعبة، بالعقل عارفة إن الجثة مش موجودة خلاص، بس صوت خايف جوا دماغي بيسألني لو ده صح أو إيه لو فيه حاجة أسوأ؟
"إيفلين؟" صوت كورماك كان فيه لخبطة.
شهقت"آسفة ، أنا بس..."
مش لاقية الكلام المناسب عشان عارفة إنه مش هيهتم باحساسي ده، عارفة ده عشان هو وضحلي قد إيه أخوه مهم بالنسبة له، وإنه هيعمل أي حاجة عشان يعرف إجابات، مفيش حاجة من ده تيجي قد اللي أنا ممكن أحسه.
"أنا بس محتاجة ثانية واحدة"، ده كل اللي عرفت أقوله، ووجهت التليفون ناحية الأرض وبطني بتتقلب، الأحسن أكون قوية بعد الخراب ده ما يخلص.
"خدي وقتك"، كورماك رد.
"معندناش وقت"، صوت أوطى جه، غالباً ده هانك.
السكوت عم المكان وأنا باصة على الباب، برسم حروف كلمة "ممنوع الاقتراب" اللي على الشريط فى عقلى ،غصبت نفسي أشفط هوا وأنا بقرا كل كلمة، وبعدين أطلعه في آخر كل جملة، وده نفع شوية.
"تمام"، قلت، وحسيت بسخونة ورا رقبتي لما صوتي اتقطع. "أنا جاهزة."
"براحتك"، كورماك رد، وده شيء غريب إنه متفهم كده لواحد كان مصوب مسدس على وشي من حوالي اتناشر ساعة، سندت التليفون في إيد، وشلت الشريط اللاصق بسرعة من الباب ودخلت جري قبل ما خوفي يحبسني مكاني تاني، على طول رجعت لما ريحة الدم القديم اللي زي الحديد ضربت في وشي زي القلم، دوست بضهر إيدي على مناخيري، وقفلت الباب وولعت النور.
"وريني"، كورماك طلب. "وريني الأوضة."
رديت ورفعت التليفون عشان أوريه أوضة الفندق، كانت نضيفة أغلب الوقت زي ما فاكرة، بس دلوقتي كل سطح متغطي بمسحوق أسود بتاع بصمات الشرطة، في كل حتة، حتى على الحيطان وحوالين مفاتيح الكهربا
"فيه أي فتحات تهوية؟ أو مروحة سقف؟" كورماك سأل. صوته كان متوتر، وكأن كل كلمة بتطلع بالعافية .
"مفيش مروحة سقف"، أنا رديت. "بس فيه فتحة تهوية ورا السرير وواحدة في..." بلعت ريقي بالعافية ولساني تقل في بقي.
"في الحمام؟" كورماك سأل.
"أيوة." بصيت بسرعة على الباب المقفول اللي بيودي لمسرح الجريمة، وحسيت ببرودة، اترعشت جامد ولفيت ناحية السرير.
"هو ده اللي بريندن كان هيعمله؟ يخبي الحاجات في فتحات التهوية؟"
"مش بالظبط"، كورماك شرح وأنا نزلت على إيدي وركبي.
"حاجة زي دي واضحة أوي، بس لو كان مخبي حاجة في مكان ما، كان هيسيب دليل في مكان واضح أقدر ألاقيه."
"انتوا كنتوا بتتكلموا في الحاجات دي؟" مديت إيدي ورا السرير، واستخدمت كل قوتي عشان أبدأ أزقه بعيد عن الحيطة شوية عشان أعرف أوصل.
"أعمل إيه لو الشرطة قبضت عليا أو حاجة زي كده؟"
"نوعاً ما، أمي زرعت فينا الحاجات دي من صغرنا، محدش عارف إيه اللي هيحصل."
"يا خراشي"، أنا همست وأنا بنهج جامد لما زقيت السرير كام سن قدام "أكيد حاجة حلوة إن يبقى عندك أب بيهتم بيك حتى وأنت صغير."
"هو مش كل أب كده يعنى ؟"
رفعت عيني لفوق وفكرت ، إزاي ممكن مجرم يكون أب أحسن من أمي، اللي كانت شاطرة أوي في جامعة من الجامعات الكبيرة؟ كل اللي كان مهم عندها إني أخلف بسرعة من راجل هي تكون راضية عنه، عمرها ما كلمتني عن سلامتي أنا شخصياً، يمكن عشان كده أنا في الخرابة دي.
ورا السرير، شغلت كشاف الموبايل وسلطته على فتحة التهوية، المسامير اللي حواليها كانت متغطية بنفس البودرة السودة اللي كانت على باقي الأسطح، ويا بختي اللي ركب فتحة التهوية دي ما حاولش ينضفها. ما خدش مني غير كام ثانية عشان أشيل الغطا من الحيطة.
"بندور على إيه بالظبط؟" سألت وأنا بكح شوية عشان تراب فتحة التهوية كان طالع حواليا.
"بقع"، كورماك رد. "هتبان زي بقع زيت أو نوع من الشحم، حاجة شكلها كده المفروض تكون موجودة، يعني."
سلطنا النور على فتحة التهوية، ما لقيناش أي حاجة، مفيش غير تراب، وشوية حشرات ميتة، وورقة مكورة طلعت وصل فات عليه بتاع عشرين سنة.
"آسفة"، همست وأنا برجع غطا فتحة التهوية. "كنت بجد بتمنى يكون فيه حاجة."
"ليه؟" كورماك سأل.
"عشان تعرف تركز على حاجة تانية غيري"، تمتمت. "مش ده هيكون أحسن لينا إحنا الاتنين؟"
كورماك طلع صوت عامل زي الضحكة الخفيفة "أنا بس عايز سبب."
"سبب يخليني مش عايزة أموت؟" هو بجد مهتم؟
" لأ، أكيد فيه سبب لموت بريندن، أنا معنديش أي حاجة، عشان كده محتاجة أي حاجة، دليل أو فكرة أبدأ منين"
زعلت من نفسي لما حسيت بغباء شديد، أكيد كورماك ما كانش قصده أنا.، بعد ما رجعت السرير مكانه، نفخت خدي ومسحت شوية عرق من جبيني، لو اتقبض عليا هنا، هيكون صعب أوي أشرح ليه كنت بساعد الراجل ده، مرتين اداني حرية كافية إني أقول الحقيقة أو أهرب، وفي المرتين اخترت إني أساعده، مش فاهمة ليه بالظبط، يمكن عشان كان حنين عليا في المغسلة، أو يمكن عشان أنا زعلانة على أخوه اللي مات، أو يمكن عشان شفت في عيلته حب أكتر ما شفته في حياتي كلها، مش قادرة أفكر في أي حد، زمان أو دلوقتي، هيعمل كده لو لقوني مقتولة في فندق.
"الجثة لقيتها فين؟" صوت كورماك قطع أفكاري.
ولفيت ناحية الحمام "هناك."
"وريني."
الغريب إن قلبي بدأ يهدي وأنا بقرب من الحمام، الدقات اللي كانت مرعوبة اتحولت لدقات بطيئة وقوية بترج صدري وبتعمل زي نبض في راسي.
مفيش جثة جوه، مبقتش موجودة، عادي، عادي، مسكت الأوكرة، وأخدت نفس عميق وحبسته وأنا بفتح الباب،مفيش جثة ،وأنا بتنفس بسرعة وبدخل، ريحة النحاس والحديد هجمت عليا، شهقت بوجع، وبعدين ولعت النور.
في ثانية، الحمام نور وقلبي اتقطع على المنظر اللي قدامي، لما اكتشفت الجثة أول مرة، ما خدتش بالي من حاجات كتير في المكان غير الجثة نفسها، بس دلوقتي صعب أوي ما أشوفش أي حاجة، بقع الدم الناشفة ملطخة البانيو والأرضية والحيطان، فيه بقع دم على المراية وفي قاعدة التواليت، ده منظر بشع بالنسبالي أنا، ومش قادرة أتخيل الوجع اللي ممكن يسببه لكورماك.
فضل ساكت، نفسي ألف التليفون وأشوف وشه، بس مش قادرة.
"كان هنا"، قلت بالراحة، ونفسي أواسيه "في البانيو."
إيدي رعشت، وعقلي اتلخبط لما افتكرت صوابعه المتيبسة والجرح الغويط ده، كورماك لسه ساكت، وبعدين صوت هانك جه من التليفون.
"شوف فتحة التهوية."
عملت اللي قالي عليه، بدور على نفس الأدلة اللي كورماك قال عليها قبل كده، بس برضه ما لقيتش حاجة، بتوجيه من هانك، فتشت الأوضة من فوق لتحت، بصينا على ورق الحائط لو فيه أي حاجة مش مظبوطة، وشوفنا لو فيه أي بلاطة في السقف أو الأرض مفكوكة، وفكينا أكياس المخدات، وحتى فكينا كام فوطة، بس ما لقيناش أي حاجة، المكان فاضي.
كورماك أخيرًا قال: "تمام"، وقلبي نط فجأة لما سمعت صوته تاني. "كفاية كده. اخرجي من هناك."
"أنت متأكد؟"
"أيوة. قابليني عند العربية."
المكالمة خلصت قبل ما أعرف أرجع الكاميرا، وفجأة لقيت نفسي في سكات الأوضة، كنت بجد بأمل نلاقي أي حاجة تدي كورماك إجابات أو تدله على طريقها، بس بدل كده، كل اللي عملته إني وريته المكان بالظبط اللي أخوه اتقتل فيه، ممكن يقتلني عشان كده بس.
حسيت باليأس وأنا بتسحب برا الأوضة وماشية ناحية الطرقة، ما حسيتش بهدوء غريب غير لما وصلت للدور التاني، الخوف اللي كان جوايا اختفى، وحل محله إحساس تقيل إني خذلت كورماك بطريقة ما، ليه؟ أنا بالكاد أعرف الراجل، ومع ذلك نفسي أساعده أوي، ومش بس عشان أضمن حريتي، هو عشان شكله حلو؟ قلبت عيني على طول لما خطرت في بالي الفكرة دي، مش مهم شكله حلو، المهم أفعاله.
سرحت في أفكاري وأنا بستعجل في الفندق، وما خدتش بالي إن فيه حد واقف عند المدخل الجانبي بتاع الجراج غير لما عديته بسرعة وراسي لتحت.
"إيفلين؟"
ما سمعتوش في الأول، ومشيت على طول في الجراج وأنا بخطط في دماغي إزاي أرجع لعربية كورماك، فجأة، إيد مسكت دراعي ووقفتني فجأة لدرجة إن شهقة بقوة .
"إيفلين!"
لفيت وأنا بحاول أفلت دراعي، وعيني وسعت لما عينيا جت في عينين المجرم.
"ديلون؟"