ايفلين
رواية ايفلين بقلم اسماء ندا
الفصل التاسع عشر
كورماك! لم رجلك المتربة دي من على الكرسيي؟ مش عايزة أقوملك! صوت هازل، صاحبة حانة "التور الأسود" الخشن والقوي، جه من ورا البار، خلاني أشد رجلي بسرعة من على الكرسي اللي كنت مريحهم عليه.
"حقك عليا يا هازل!" ناديتها، بصتلي بحدة من فوق الكوباية اللي كانت بتلمعها، وبعدين لفت وشها بسرعة.
"خلي بالك،" ساويرس حذرني. "مش عايزة تزعلها، ساعتها هتقلق من حاجات أكتر من الروس"
"فاكر لما كسرت البار؟" سيان اتنهد بهدوء. "بنقتل ناس تقريبًا كل آخر أسبوع، ومع ذلك هازل كانت بالمعلقة الخشبية بتخوف اكثر"
ضحكة خفيفة طلعت من هانك اللي واقف ورايا، حارسي اللي صاحي دايماً، هازل وعيلتها ماسكين حانة "التور الأسود" دي من زمان أوي لدرجة محدش فاكر إمتى بالظبط، ده المكان الوحيد في الولاية اللي ممكن تعتبره أرض محايدة، مهما كانت العيلة اللي بتنتمي ليها. على الترابيزات دي اتعملت معاهدات وصفقات كتير، وكمان اتفضت خناقات كانت هتحصل، وحتى جواز ولا اتنين. "التور الأسود" أسطورة، وأي حد ليه قيمة في المجال ده عارف إن هازل وحانتها مش سهلين، لو حد فكر بس، كل قوة كل عيلة هتيجي لحد بابها.
علشان كده، ده المكان المثالي ليا أقابل فيه عرابة الروس، دي الطريقة الوحيدة اللي أضمن بيها إني مش هضربها بالنار أول ما أشوفها قبل ما آخد منها إجاباتي، سيبت إيفلين لوحدها مع دييل وشوية من رجالي ده أحسن حل، حتى لو كل حتة فيا بتشدني إني أرجعلها. ده إحساس عمري ما جربته قبل كده، إحساس غريب، زي ما يكون فقدت حاجة، كأني سبت معاها حتة مني في الشقة دي.
ساويرس زقتلي إزازة بيرة وهي رافعة حواجبها في صمت، فهمت إني متوتر، وعايزة تهديني قبل ما الروس يوصلوا، بس البيرة مش هتعمل حاجة، مفيش حاجة هتنفع لو معلوماتي صحيحة، اللي قتل أخويا قرب يدخل من الباب ده، محتاج كل ذرة تركيز عندي.
بعد عشرين دقيقة، باب "التور الأسود" اتفتح، ودخل راجلين ضخمين لابسين قمصان حمرا وجواكت جلد سودة، وراهم دخلت ست حلوة بشعر أشقر فاتح ناعم وعيون خضرا ساحرة، أناستازيا ريميزوفا تقريبًا في سني، بس متربتش زيي، الكل كان عارف قد إيه أبوها كان نفسه يجوزها لواحد غني وناجح، عشان يحاول يمنع سفينة القيادة الروسية الكبيرة دي إنها تغرق في النسيان، اغتياله كان حديث البلد كام شهر لحد ما أناستازيا نفسها بقت هي الحدوتة،رفضت تسمع كلام جنرالات عيلتها، وبعدين أمرت بقتلهم كلهم عشان تستجوبهم.
في ليلة واحدة، أناستازيا أثبتت إنها بتفكر كويس وقاسية، حتى لو كانت لسه بتحارب عشان السلطة جوا صفوفها، وده بيخلي احتمال إنها تتصرف بعنف وتجري ورا بريندن أكبر.
ومع ذلك، كان على وشها نفس نظرة القلق اللي حاسس بيها في قلبي. الوصول المفاجئ للسلطة ليه وزن معين صعب الواحد يتعود عليه لما فجأةً تلاقي الكل بيبص عليك عشان ياخد منك التوجيه والإجابات.
"آنا!" هازل استقبلتها بابتسامة. "هتشربي حاجة النهاردة؟"
"لأ،" أناستازيا ردت بابتسامة صفرا، ولهجتها الروسي كانت حادة في الودان. "شغل بس، يا خسارة."
"يا للأسف،" هازل قالت، وبصتلي بصه تحذير، الصلح هو الحل الوحيد هنا.
أناستازيا قربت من طرابيزتي، واستنيت لحد ما بقت على بعد خطوة واحدة قبل ما أقوم، أخويا وأختي كانوا واقفين أول ما دخلت، بس أنا مش هنا عشان أحافظ على العلاقات كويسة، مش لو دم بريندن على إيد روسية.
"تمام." أناستازيا قعدت قصادي وحطت رجل متغطية بالجلد على التانية، وسندت ضوافرها الحمرا الطويلة على ركبتها وقالت
"أنت عملتلي مشاكل كتير أوي يا كورماك."
"مش كفاية،" رديت بكلمتين وأنا بقعد، ساويرس قعدت، بس سيان فضل واقف، باصص في وش واحد من الحراس الروس اللي قرب أوي، الجو اتكهرب وإحنا بنبص لبعض، سيان رفض يتراجع رغم إن الروسي أتقل منه بستين رطل على الأقل، فجأة ظهرت هازل ورمت جردل تلج على الترابيزة، خلت الكل يتنفض، قالت بحدة
"محدش يجبرني أتخطى القواعد، مفيش دم، سامعين؟"
بصتلي بحدة، وبعدين بصت لأناستازيا، وبعدين مشيت بعد ما طبطبت على كتف ساويرس بحنية.
قلت: "أنتِ اللي قتلتِ بريندن"، والحارس الروسي رجع لورا وسيان ارتاح شوية.
أناستازيا ردت: "لأ"
قلت بحدة: "أيوه"، والغضب ولع زي النار في صدري. "الحاجة الوحيدة اللي مخلياكي عايشة دلوقتي هي هازل، فاهمة؟ تقتلي أخويا وبعدين تتجرأي تقعدي قصادي وتنكِري؟"
أناستازيا مالت براسها وضمت شفايفها الغامقة. "مفيش مصلحة ليا في حرب معاكوا " قالت "أنت مضحوك عليك."
"أنتِ كدابة!"
"بصّي هنا!" سيرشا قطعت كلامي بسرعة البرق وسندت دراعها على الترابيزة. "إحنا عارفين إن فيه أيادي روسية لطخت إيديها في دم أخونا، وكمان معانا شاهد،كان شغال عندكِ بيقبض بالربا، وكان زبون دايم في الأوتيل اللي اتقتل فيه بريندان."
"ايه؟" أنستازيا رفعت حاجبها الرفيع ده برفعة استفزازية.
"ولما واجهناه، الشاهد الوحيد اللي كان معانا اتطعن غدر،"
قلت ده وأنا شابك إيدي تحت الترابيزة، كان نفسي أمد إيدي فوق الترابيزة دي وأمسح النظرة المتعالية اللي على وشها دي، وأجبرها تقولي بالظبط مين قتل بريندان وإزاي فكرت إنها هتفلت بجريمتها، قوانين المكان ده هي الحاجة الوحيدة اللي ماسكاني، لكن دمي كان بيغلي في عروقي مع كل نبضة قلب.
"الاسم؟" أنستازيا سألت ببرود.
"هاري فوكس." سيرشا زقت ورقة متنية صغيرة ناحية أنستازيا كان صريح أوي مين اللي شغال عنده بعد ما سيان خلص عليه، أنستازيا فتحت الورقة وقرت المعلومات اللي اتجمعت عن هاري بعد طعنة إيفلين، سيان علمه الأدب لحد ما هاري اعترف بكل كبيره وصغيره عن اللي شغالين عنده، بس ده ما جابش نتيجة، فسبناه في حاله، أنستازيا ضمت شفايفها ومررت الورقة لواحدة من حراسها.
"ده واحد من رجالتي،" اعترفت ببرود.
اتحركت من مكاني ببطء تحت الترابيزة، رجل سايروس خبطت رجلي.
"لكن أنا دماغي مشغولة بحاجة أهم من محاولة مهاجمة الأيرلنديين، أول ما بدأتوا شغل في منطقتي، طلبت من كام راجل من بتوعي يتحروا عن سبب هجومك عليا، تخيل دهشتي لما رجالي عرفوا يوصلوا الموضوع ده بالقضية دي."
أنستازيا طقطقت صوابعها، والحارس التاني اللي وراها طلع موبايل ونقر على الشاشة، بعد عشر ثواني، روسي ضخم تالت دخل البار، وجر معاه هاري اللي كان وشه متورم ومضروب.
بصيت بسرعة على سيان اللي رفع حاجبه ببطء،سيان بص لهاري بصة خاطفة، بس ما كانتش بالسوء ده.
هاري كح دم، وفي ساعتها خد لكمة قوية في وشه. "قلت لك،" الحارس الجديد رمى كلامه "ماتنزلش دم على أرضية هازل."
أنستازيا قامت من مكانها وقالت "اسمع يا كورماك، أنا باحترم الأيرلنديين جدًا، الشغل اللي عملته والدتك كان شغل عالي، وفي المرات القليلة اللي قابلت فيها بريندان، كان راجل أصيل،زعلت لما سمعت خبر موته، أيوه، هاري شغال عندي بالاسم، ده مجرد مرابي بسيط، شوية أرقام في آخر عمود من مقالاتي، شغال عند عيلة مالهاش قيمة شغالة عند عيلة تانية شغالة عندي، فهمت؟ ده ما يسواش."
صوتها كان هادي وكلماتها قوية، لكن ده ما بردش ناري، حسيت بحرارة بتغلي جوايا، منظر هاري ده فكرني بإيفلين وهي بتقع زي الطوبة قدام عيني.
"ومستنية مني أصدقك؟" عضيت على سناني بغيظ، كنت عايز أقول إني ما اهتمش برأيها، بس ما كانش عندي وقت لحرب معاها، فقلت
"أيوة، مستنيه، هاري أكيد ما عندوش الدماغ اللي تخليه يهاجم عيلتك، والناس اللي شغالين عنده ما عندهمش الجرأة يردوا عليا، ناهيك عن إنهم يتحركوا ضدك، مش كده يا هاري؟"
هاري هز راسه بسرعة وهو ماسك قميصه الملطخ بالدم، وبص لي بخوف في عينيه "صح يا بيه، ما خدتش أوامر بخصوص أي أيرلندي، إيفلين كانت ولا حاجة، كانت مجرد واحدة جت لي عشان كانت محتاجة فلوس، وأنا وافقت عشان ده اللي بقبض عليه!"
"والراجل اللي طعن إيفلين؟"
"ما اعرفش، أقسم بالله، أنا دايماً باشتغل لوحدي، ما كنتش أعرف إنها متورطة في أي شغل عصابات، أقسم بالله، ما كنتش هاسجلها في الدفاتر لو كنت أعرف إنها أيرلندية!"
ما صححتش افتراضها إن إيفلين أيرلندية، بدل ما أعمل كده، لفيت وشي ناحية أنستازيا. "قولي اللي تقوليه، بس أنا عمري ما هستنى أسمع الحقيقة من بق روسي."
"أنا مش أبويا،"
أنستازيا قالت بحدة، ودي أول مرة يبان فيها أي لمحة إنسانية على وشها الجامد وكملت "أنا عندي مشاكل بما فيه الكفاية عشان أصلح الفوضى الداخلية اللي سابها أبويا وراه من غير ما أتعامل مع عيلة كبيرة زي عيلتك، وبالذات عيلة الإيطاليين واقفين في صفها، ده هيكون انتحار ليا، مش شايفة كده؟ أنا باحاول أبني حاجة، مش أكسر اللي بين إيدي."
بصيت على سايروس اللي هزت لي راسها بالخفيف، زي ما تكون بتقولي "اسمع كويس".
"أنا ما بستناش منك تهتم بخناقات الروس الداخلية، إحنا مش حبايب، بس لازم تصدقني إن موت كبيرك ده لا بإيدي ولا بأوامري، ما اعرفش لو حد بيحاول يشوه سمعتي ولا مستني انتقامك الأعمى، يا كورماك، أنا دلوقتي باحاول أسند عيلتي على عضم مكسور، حرب؟ صراع؟ ده أنا ممكن أبدل دوا الاكتئاب بسم قاتل"
مع إني باكره الاعتراف بده، بس كلام أنستازيا فيه منطق، اللي أعرفه عن نظام الروس كفاية يخليني أصدق كلامها، حتى لو نواياها لسه غامضة، بالعقل كده، التصرف ده، ومع وجود الدليل، هيودي بيها وباللي وراها كلهم في ستين داهية،بس بدل ما تعمل كده، هي قاعدة بتكلمني أنا.
الغضب اللي جوايا سكت شوية وبدأ يولع في صدري، خانقني كام ثانية كده، ما كانش ليه مكان تاني يروح فيه، وكنت متلهف أوي لأي منفذ، حتى لو فيه خطر غضب هازل، بس برضه اضطريت أكتم غضبي تاني، فعضيت على لساني واتنهدت بضيق.
"اللعنه، بجد" أنستازيا همست كده، وبعدين رفعت إيديها. "يا هازل، هاتيلي الشرب ده دلوقتي."
وبين ما هازل جابت لأنستازيا شوية بوربون، أنا مسكت البيرة اللي سايروس كانت مديهاني وفتحتها بسرعة، بعد ثوانى بقيت ماسك نفسي أكتر.
"أنا بافتكر إننا ممكن نساعد بعض،" أنستازيا قالت. "أنا مش جاية عشان حرب، فاهم؟ أنا هنا عشان ما اقدرش أدفع تمنها، وفيه ناس عاملة مجهود كبير عشان تبين إني باجري ورا دم الأيرلنديين، ما يهمنيش مين هما، بس عايزة أشوفهم ميتين حتى لو كان حد من اللي حواليا"
باصة في وشها، بادور على أي كدبة، بس شكلها صادق، وأنا بدأت أميل إني أصدقها أكتر، اللي ورا الموضوع ده خلاها تبان كأن أيادي روسية هي اللي خدت روح أخويا، ولو أنا غلط، يبقى اللي قتله لسه حر طليق.
"طيب،" سايروس قالت. "إحنا بندور على شخصين، واحدة عرفنا إنها شغالة في الجنس، بس ما نعرفش عنها حاجة غير اسمها والتاني لغز."
سيان مال على سايروس ومد أنستازيا صورتين مرسومين من الشرطة، أنستازيا بصت عليهم بسرعة، وبعدين مرتهم للحارس اللي كانت مدياه الورقة. "ما اعرفهمش، بس هخلي حد يدور في الموضوع ده."
"ده كل اللي طالباه،" سيرشا ردت.
ساد صمت متوتر بس فيه نوع من الهدوء، وإحنا بنشرب، وحراس أنستازيا قعدوا أخيرًا، سيان فضل واقف، رغم إلحاح سيرشا، وحتى هازل عدت تتأكد إننا مش بنتخانق في السر، طول ده، أفكاري كانت بتلف في دماغي حوالين إيفلين والراجل اللي طعنها، لو أنستازيا مصدقة إن الروس مش ورا الموضوع ده بجد، يبقى مين اللي طعنها؟ وإزاي وصلوا ليها؟
فضلنا نشرب لحد ساعات الصبح الأولى لحد ما واحد من حراس أنستازيا وصله تليفون، أدوا التليفون لأنستازيا، وهي سمعت باهتمام لدقايق طويلة، وبعدين قفلت الخط وحطته على جنب.
"خير؟" سألتها.
"بصراحة كده،" قالت بنبرة حادة. "البنت دي واحدة مننا، إحنا على اتصال بالقواد بتاعها وبنحاول نوصل لها."
كنت ممكن أسيب موضوع هاري يعدي كده، بس كون البت كمان على قائمة مرتزقة روسيا ده بيوقع دفاع أنستازيا قدامي، كل عضلة في جسمي اتشدت زي سير، وخبطت الترابيزة بإيدي.
"أكيد بتهزري."
"الراجل التاني ده مش معروف لينا وهياخد بحث أعمق،" قالت وهي باصة في عيني. "بس ده ما بيغيرش أي حاجة من اللي قلته."
"أيوة،" قلت وأنا بقوم فجأة لدرجة إن الكرسي بتاعي خبط في الأرض. "أيوة. الأحسن لك تلاقي الست دي يا أنستازيا. والراجل ده كمان، وإلا والله ما هاسكت عن أي حاجة لحد ما أمحيكي أنتِ وكل اللي زيك من على وش الأرض دي كلها."