ايفلين
رواية ايفلين بقلم اسماء ندا
الفصل الثامن
إيفلين وقعت في حضني زي الصخرة، ضميتها لصدري، سيان قالي إني غبي إني رحت أشوف إيه اللي مأخرها كل ده، بس عمري ما حسيت براحة أكتر من إني كنت في المكان الصح في الوقت الصح، راسها اتسندت على كتفي، ودراعاتها نزلت مرتخية في إيدي وأنا جريت بيها على السلم قبل ما حد ياخد باله، من طرف عيني، لمح سيان وهانك نازلين من العربية وجريوا عليا وأنا شايلها عبر الطريق للمغسلة اللي في زاوية الشارع، المكان ده بتاعنا وبنديره بحرص عشان نراقب مركز الشرطة، ونتعامل مع الظباط اللي بيقبضوا مننا لما بييجوا يعملوا دراي كلين، أول ما دخلت من الباب، سيان كان ورايا، قفل الباب وقلب اللافتة لـ"مغلق". ضميت إيفلين لصدري وأنا رايح لآخر المحل، ونيمتها على واحدة من الترابيزات الدافية الفاضية وقلعت جاكت الجلد بتاعي، طبقته بسرعة، وحطيته تحت راسها، وزحت شوية من شعرها عن وشها بالراحة، ولأول مرة من ساعة ما اتقابلنا ابص لملامحها شكلها كان هادي تقريبًا.
"هانك، هاتلي شوية مية وحاجة حلوة ءأكلها،" أمرت هانك بيبص من ورا كتفي بتعجب لكنه سمع كلامي فورًا كملت كلامى "سيان، شوف الاجهزة "
"تفتكر إنها اتخلصت من الاجهزة ؟ او بلغت عننا؟" سأل سيان
رفعت راسي وبصيتله بنظرة حادة وزعقت "شوف الاجهزة "
سيان قلب عينيه وانحنى بعيدًا وتليفونه في إيده، وساب إيفلين لوحدها معايا، جه في بالي إنها ممكن تكون قالت الحقيقة للمحقق دي ، معرفش حاجة عن الست دي غير إنها كانت خايفة مننا بشكل واضح، فاحتمال كبير إنها سلمتنا للشرطة على طبق من دهب، مش هيبقى ده مضحك؟ عيلة جيفورد تقع على إيد خدامة فندق، بريندن كان هيشوف ده مضحك أوي.
مجرد التفكير فيه بيخنق صدري، فركزت على معصم إيفلين وشوفت نبضها، كان ضعيف شوية بس موجود، جبهتها دافية على ضهر إيدي، بس صوابعها ساقعة لما لمستها، هانك ظهر بعد لحظات ومعاه إزازة مية ولوح شيكولاتة، ضغطهم في إيدي وإيفلين كانت بتئن بهدوء، فهزيت راسي وأمرته بصمت يختفي عشان إيفلين متصحاش على أكتر من حد بيبصلها.
"إيفلين؟" بالراحة، لمست فكها، لفت راسها بالراحة ناحية إيدي، كأنها بتدور على دفى لمستي، وبعدين فتحت عينيها بالراحة.
"إيفلين؟ أنتي معايا؟"
غمضت عينيها لحظة وضمت شفايفها على بعض، حلقها اتحرك وبعدين لسانها طلع يمسح شفتها اللي تحت، وبعدين فتحت عينيها وبصتلي للحظة، انبهرت ببؤبؤ عينيها البني اللي زي الشيكولاتة اللي مثبتيني في مكاني، وبعدين عين إيفلين وسعت واتحركت بعيد عني وهي بتصرخ، حركتها كانت عنيفة لدرجة إنها كانت هترمي نفسها من على الترابيزة، فمديت إيدي ومسكتها من وسطها عشان متقعش على الأرض.
"لا!" صرخت إيفلين، وهي بتتلوى في قبضتي، والخوف بيتسحب في صوتها "سبني أمشي!"
"تمام!" رفعت إيدي ورجعت لورا، بشوفها وهي بتقع من على الترابيزة بزاوية وبتتخبط ورجليها المرتعشة بتخبط في الأرض
"كنت بس بمنعك تقعي، دي أرضية حجر"
خبطت برجلي على الأرض عشان أثبت كلامي "كنت بحاول أمنعك تأذي نفسك"
إيفلين بصتلي بنظرات غضب من بين دموعها، وماسكة الترابيزة وهي بتحاول تحافظ على توازنها كملت كلامى
"أنتي وقعتي، أنا مسكتك، وجبتك هنا، بصي، أنتي محتاجة تاكلي حاجة، تشربي حاجة"
أشرت للمية والشيكولاتة اللي على الترابيزة. وقلت
"لو سمحتي"
"أنت،" إيفلين كانت بتنهج "أنت قولتلي أنت مين!" كلامها رن في دماغي زي صوت حل لغز، نزلت دراعاتي
قلت "وإيه المشكلة؟"
"وإيه المشكلة؟" صرخت.
"أنتوا مافيا! أنت اللعين-"
قاطعت نفسها واتمايلت على جنب، ماسكة الترابيزة، بعد ثواني قليلة، عدلت نفسها و قالت "أنتوا مجرمين، ناس خطرين، بشوف ده في الأخبار، في الجرايد، أنتوا كلكم-" سكتت وأخدت قضمة كبيرة من الشكولاته وبعدين كملت تصرخ عليا وهي بتمضغ.
"وجرتوني في الفوضى دي كلها، الفظيعة دي، أنا مجرد خدامة، تمام! أنا مجرد واحدة عادية، بحب النبيذ وبتفرج على مسلسلات كتير، وبقلب في مواقع التبني عشان حيوانات أليفة عارفة إني مش هقدر أربيها، أنا ولا حاجة، تمام؟ كنت ولا حد، وحبيت أكون ولا حد لحد ما لقيت الجثة دي، ودلوقتي-"
كانت بتعيط، مش عارفة تعيط ولا تاكل لوح الشيكولاتة،غضبها، حتى لو كان مفاجئ، كان مضحك شوية، دي أول نوبة غضب أشوفها منها من ساعة ما خطفناها من الشارع، وشكلها مش بالوداعة اللي كنت فاكرها في الأول، جواها خناقة، ورغبة في الحياة، وده بيهدي مخاوفي فورًا لو كانت سلمتنا للشرطة ولا لأ.
لو كانت عملت كده، مكنتش هتبقى هنا دلوقتي
قالت "أنا مش شخص وحش! عمري ما أذيت حد، على الأقل مش زي المافيا اللعينة، تمام؟ أنا شخص طيب، بدفع ضرايبي وبشيل التلج من قدام بيتي، ومستاهلش حياتي تتخرب بجريمة زي دي!"
رديت بهدوء."عندك حق، وأخويا مكنش يستاهل يموت كده."
إيفلين بصتلي وبقها مليان لدرجة إنها مكنتش عارفة تتكلم لكن كملت اتا
"عندك حق كمان إننا أعضاء في عصابة إيرلندية.د أنا الزعيم، وقائد عيلة جيفورد من ساعة موت أخويا."
الوجع رجع يخترق صدري، دورت على الولاعة في جيبي، مهدتنيش زي ما كنت محتاج، بس غصبت نفسي أكمل كلام.
"دي واحدة من مغاسلنا، زي ما أنتي شايفة، إحنا بنملك معظم الشركات في الجزء ده من المدينة، وبنأجرها للعائلات وأصحاب الأعمال اللي عندهم مشاكل مادية ومش بيقدروا يدفعوا ضريبة الأملاك أو الإيجار لولا كده، في المقابل، بنعمل معاهم صفقات ساعات، الفساد في الولاية دي أعمق من اللي أنا أو أي عيلة تانية نقدر نصلحه، عشان كده بنهتم بالصغيرين على قد ما نقدر."
مضغت إيفلين والغضب بدأ يهدى فكملت "إحنا كمان مسؤولين عن الأسلحة، ممكن تشوفي إنه من السخافة إننا نغرق السوق بأسلحة كويسة، بس خلبني أقولك حاجة، الناس اللي عايزين أسلحة؟ هيعملوا أي حاجة عشان ياخدوها.د، عشان كده بنوفرلهم أسلحة كويسة مش متصممة تنفجر في إيد مراهق، لو معملناش كده، غيرنا هيعمل، يبقى على الأقل نضمن إن الأسلحة آمنة، وبفضل صفقة عملها أخويا مع العائلات الإيطالية، بقى عندنا كمان سوق أدوية، وده بيضمن إن الناس اللي بنحميهم ياخدوا الرعاية الصحية اللي محتاجينها من غير ما يخسروا بيوتهم.
كل ده إرث أخويا، وإرث أمي شوية، غريبة إننا بنعدد انتصاراتنا والراجل اللي مسؤول عنها نايم في المشرحة الناحية التانية من الشارع.
"أكيد، إحنا مجرمين،" أنهيت كلامي. "بس بنهتم بالناس أحسن من أي مسؤول أو ظابط."
إيفلين بلعت ريقها وعصرت غلاف الشيكولاتة في إيديها.
"أوه."
"حاسة إنك أحسن؟" سألت، وأنا بشاور على باقي الشيكولاتة.
بصت على إيديها، والوعي ظهر على وشها وهي بتومئ براسها. "أيوة... أظن."
"كان مستوى السكر في دمك واطي. ده، بالإضافة للتوتر، هو غالبا سبب إغمائك."
"مخالفة القانون عشان راجل مافيا إيرلندي ميقتلنيش ده مرهق أوي،"
إيفلين تمتمت، بس نوبة غضبها هديت شوية، وكتفها نزل وقالت "مكنتش أعرف إنكم بتشتغلوا كده."
"ناس كتير متعرفش كده، أنا مش بتكلم باسم عائلات تانية، بس عيلتي،" قولت.
"إحنا إقليميين ومخلصين، وأخويا بريندن..." حلقي اتقفل لحظة، وبلعت الغصة اللي كانت بتكبر" موته بيحطنا على حافة كارثة متخصكيش. بس لازم تفهمي إنه كان الأحسن للمدينة دي، وإن حد قتله، عشان كده هعمل كل اللي أقدر عليه عشان أعرف مين عمل كده، بما في ده استغلالك لزراعة أجهزة تنصت على المحققة، لأنه على ما يبدو، الفلوس مش بتعملها حاجة"
اتنهدت بعمق، وحطيت إيدي على وشي وحركتها ناحية عضلات رقبتي المشدودة
" بريندن كان أخويا، لازم أعرف إيه اللي حصل له، عشان كده، أنا آسف إنك في موقف صعب، بس مش آسف إني بستغلك لأنه كان - كان - مهم ليا، أنا حبيته" بصيتلها براقب ملامحها
"وهعمل أي حاجة عشان أقدم اللي قتله للعدالة."
إيفلين قالت بهدوء وهي بتمد إيديها على إزازة المية: "تمام، رغم انى مش قادر حتى أتخيل الحب ده."
"عيلتك هتعمل نفس الشيء ليكي،" قولت، "لو كان عندها الإمكانيات."
مردتش عليا، اكتفت إنها تشرب كام رشفة من المية وبعدين نزلت الإزازة "أنت كنت صادق؟"
"تقصدي إيه؟"
"إني لو عملت ده، هكون حرة أروح؟ عايزة أرجع البيت."
"عايز منك حاجة تانية."
عينيها ضاقت وكتفها نزل. "أي حاجة؟"
قربت من الترابيزة، وبصيتلها، ولوقت طويل، مبصتش بعيد.
"عايز أعرف ليه بريندن كان في الفندق."
"قولتلك قبل كده، معرفوش، مشفتهوش ومكنتش أعرف إنه كان هناك."
"مصدقك،" قولت بحزم، فعينيها وسعت شوية فكملت
"بس مش قادر أدخل مسرح الجريمة، لازم ألقي نظرة هناك أشوف لو كان ساب حاجة وراه."
"الشرطة مكنش هيبقى عندها حاجة لو كان فيه حاجة؟"
"بريندن أذكى من الشرطة " قولت بحدة، بحاول أخفي حدة صوتي "محتاج عيوني هناك، بس مش قادر أدخل، محدش من جماعتي يقدر، بس أنتي تقدري عشان بتشتغلي هناك."
إيفلين عضت شفتها اللي تحت وبصت بعيد، بتعصر إزازة المية في إيديها جامد وقالت "مش عايزة أرجع هناك،" همست.
"ملكيش خيار،" رديت ببرود، بس المرة دي حسيت بفقاعة غريبة من الكهربا تحت ضلوعي لفكرة إني بجبرها.
"هتقتلني لو رفضت؟" رفعت عينيها الواسعة عليا.
"أيوة." بس ده باين إنه كدب، إيفلين عدت إيديها في شعرها واتنهدت بعمق، والغريب إنها مفرغتش طاقتها "تمام،" تمتمت. "بس ده آخر حاجة، فاهم؟ مش هعمل حاجة تانية، ومش فارق معايا لو قتلتني "