أخر الاخبار

رواية ايفلين بقلم اسماء ندا الفصل الثالث عشر

ايفلين 

رواية ايفلين بقلم اسماء ندا الفصل الثالث عشر

رواية ايفلين بقلم اسماء ندا
 الفصل الثالث عشر 

وحشتني قوي،  كانت هنا كام يوم بس، ومكنش فيه وقت نقعد مع بعض بجد، بس لما مشيت فجأة ، حسيت كأن حاجة اتخدت مني، كل يوم بقول لنفسي ده مجرد فراق أخويا، وانى  بحاول انساه، أنا دماغي مش فاضية للحب دلوقتي، ورايا حاجات كتير لازم أظبطها مع عيلتي والدنيا اللي سابها لي بريندان، ومع كل ده، مش عارف أنسى إيفلين.

في ليلة متأخرة، ظهرت ساورس ومعاها فنجان قهوة، حطته على مكتبي قدامي، فوق آخر عقد كنت بفكر فيه، اتنهدت، وأخدت الكوباية الورق من على المكتب، واتضايقت شوية لما عملت علامة مبلولة صغيرة. 

"بصي، حط القهوة على شغلي المهم ده مش هيظبط مزاجي لو عندك حاجة عايزة تسأليها،"

 قلت وأنا بركن القهوة على جنب.

"سيان بيقول إنك مش نايمة،" ردت ساورس، وهي بقعد على الكرسي الجلد اللي على الناحية التانية من المكتب "يبقى اشرب القهوة واسكت."

"مش عايز قهوة."

"وأنا كمان."

"يا ساورس."

"يا كورماك." ضيقت عينيها السمرا ناحيتي، وهي بتطق بلسانها في سقف بقها "فاكر  نفسك هتبق  نافع  لحد فينا لو آخرك بقيت مغم عليك ؟ أو أسوأ من كده، ميت عشان نمت وأنت سايقة؟"

"هانك هو اللي بيسوق."

"أنا قصدي مجازًا." هزت راسها يمين وشمال، وهي بتزح شعرها البني من على كتفها. "الانتحار مبيفيدش حد."

"الأحسن إني معملش كده." مبصتش عليها، بدل كده، حاولت أدور على الجملة اللي كنت بقراها قبل ما تقاطعني. "لو ده كل اللي عندك؟"

"أنا قلقانة عليك" صوتها كان أهدى. "الدنيا باظت خالص، بريندان مات، أمي مش قادرة حتى تمسك مكالمة تليفون من غير ما تنهار، الإيطاليين بيزنوا عشان يعرفوا إيه اللي حصل، والروس عاملين مجازر  في الشوارع، دلوقتي، أكتر من أي وقت تاني، لازم نبين قوتنا."

"فاكرة إني مش عارفة الكلام ده؟" قلت بحدة، ورفعت راسي أخيرًا. "عارف كويس قوي قد إيه العائلات الصغيرة قلقانة، إزاي محدش شايف قائد لما بيبص لي، كلهم كانوا ماشيين ورا بريندان، وأنا كنت مبسوط إني النائب وبعمل الشغل التقيل. دلوقتي، كل أملي إني أحافظ على العيلة دي متماسكة، وأحافظ على قوة الأيرلنديين كلهم، وكمان أتأكد إن تعب بريندان ما راحش على الفاضي."

ساورس، ومكنش فارق معاها صوتى العالى ، لفت عينيها وقالت 

 "يبقى النوم ده حاجة مهمة، بس ده تاني يوم ليك  تقضيه هنا بتبصي في الورق."

"مش عارف أنام،" اعترفت بتصلب. "حاسس... إن فيه حاجة غلط."

"ليه؟" انحنت لقدام، وسندت دراعاتها على ركبها.

اتلخبطت في أفكاري، بدور على الكلام المناسب عشان أوصف الضيقة اللي خانقاني دي، الزعل اللي بيكبر زي البالونة كل ساعة بتعدي، وقاتل بريندان لسه عايش، والشوق اللي واخدني عشان أشوف إيفلين تاني. كأن وجودها ممكن يصغر البالونة دي ولو سنتي واحد، بس مفيش كلام بيطلع، فضلت باصص على ساورس لحد ما هي اللي حولت نظرها في الآخر.

"شايفاه؟" سألت بهدوء، وهي بتلعب بأطراف صوابعها. "أنا شايفاه، كل ما أغمض عيني، مفيش غير صور مكان الجريمة، كان أحسن واحد فينا، ومات زي الكلاب في فندق قذر، ومش عارفين حتى ليه."

قلبي اتقبض، ومسؤولية المافيا كلها اختفت، للحظة، بقينا مجرد أخوات زعلانين على أخوهم.

"أنا شايفه طول الوقت،" رديت، وبحاول على قد ما أقدر أبين إني هادي  "ده في كل حتة، ريحة الأفتر شيف بتاعته مالية كل حاجة عشان كان بينام هنا أكتر من بيته، خططه مرمية في كل مكان، ضحكته بتطير مع الهوا، خياله في عيون كل واحد بيبص لي مستني مني حاجة، كل ما الباب ده بيزيق..." 

أومأت براسي ناحية باب المكتب

 "بستنى أشوفه داخل، عشان كده... عشان كده مش عارفة أنام، مش وهو جثه لسه ساقعة في المشرحة والقاتل بتاعه لسه بيلف في المدينة."

لما ساورس رفعت راسها، عينيها لمعت بدموع محبوسة  "ممكن توعديني إنك هتلاقي اللي عمل كده؟"

"أيوه،" قلت بحزم. "مش هرتاح غير لما أجيبه."

"لازم ترتاح،" قالت وهي بتاخد نفسها بالعافية وبتحاول تهدي نفسها. "ولا أروح أدورلك على واحدة تانية تسليك؟"

بالبساطة دي، اللحظة اللي كانت فيها مشاعر راحت ورجعت لطبيعتها بتكشيرة سخيفة على طرف شفايفها اللي فوق.

"فاكرة إن العلاقة  هتخليني أعرف أنام؟"

هزت كتفها. "أنا عارفة عملت  إيه في الست دي في العربية." ضحكت بهدوء. "وسييان قال إنك دوخت بعدها بشوية، يبقى أكيد. أكلمها لك؟"

أكيد فيه حاجة في وشي بينت إني نفسي في حاجة زي كده، عشان ساورس ضيقت عينيها فجأة وهي بتهزر. "أنتِ معجب بيها، صح؟ عايز تكلمها"

"مش عايزة أتكلم في الموضوع ده."

"يا لهوي!" قامت من الكرسي واتسندت على المكتب "متكدبش عليا وتقوليلي إنك معجب بالشاهدة."

"أنا عندي اتنين وتلاتين سنة، مش معجب بيها."

"كلام فارغ." ساورس ضحكت. "أنتِ معجب بيها."

"مش معجب بيها."

"كذاب ، باين على وشك، بصراحة، شكيت في الموضوع ده عشان مش فاكرة آخر مرة اهتميت فيها بأي حاجة غير الشغل، وبعدين فجأة بتنام معاها في الكنبة اللي ورا في عربيتك، قلت لسيان إن الموضوع مجرد تفريغ للتوتر، يا خسارة، كان ممكن أكسب منه خمسين دولار." وقفت باستقامة. "كان لازم تكلمها."

"لأ."

"ليه لأ؟"

 "عشان، لو نسيتي، كانت عايزة تمشي؟"

"وماله؟" ساورس طقت بلسانها. "مكنش عندها مشكلة تسمح لك تقرب . يمكن كانت عايزة بس يبقى عندها اختيار بما إنك خطفتها."

"لسبب وجيه."

"مش بشك في كده." ضحكت. "صدقيني، لو خطف بنت من الشارع هو الطريقة اللي محتاجاها عشان أأمن راجل، هعملها. بس هي مشيت ومراحتش القسم على طول، صح؟"

"تمام."

"يبقى يمكن تكلمها، بلي دقنك ونامي، يمكن الزعل هو اللي بيتكلم ومخليك متعلق بيها عشان هي برا الدوشة دي، بس لو ده هيريحك، أنا مش فارق معايا."

"دي طريقة تتكلمي بيها مع قائدك؟"

"أنا بتكلم مع اخويه" ساورس صلحتني. "أو اشرب قهوتك الزفت دي. المهم، اعمل أي حاجة قبل ما تقع ميت على مكتبك."

صوتها كان هادي، بس لمحت لمعة قلق عميق في عينيها وهي بتلف وشها. مكنش المفروض أدّيها سبب تقلق. كنت براقب إخواتي كويس عشان أشوف أي علامة إنهم بيتزحلقوا، ومخطرش في بالي إنهم هيعملوا نفس الحاجة. ولما ساورس كانت ماشية، اتأكدت إنها شافتني وأنا بجيب القهوة.

السهرة لسه طويلة، للأسف، مش عارف أرجع للشغل تاني، أختي طلعتني برا المود، ودلوقتي دماغي مشغولة، وكل اللي بفكر فيه إيفلين تاني.

ساورس كان عندها حق في حاجة واحدة، هتبقى مثالية عشان أريح أعصابي، للأسف، مشيت، ده كان اختيارها، ومش هقدر أغصب نفسي وأتعدى حدودي معاها أكتر من اللي عملته - إلا لو عايز أغلط في قراءة الإشارات وأوديها على طول لحضن الظابطة دي ،

بعد ما خلصت من العقد، شربت قهوة ساورس اللي كانت تقيلة قوي والتفت ناحية الكمبيوتر بتاعي، بكام كبسة زرار، ظهرت خريطة وعليها نقطة حمرا بتنور مكان شقة إيفلين، طول ما كانت هنا، كنت براقب تليفونها، وكل المكالمات والرسائل اللي جاتلها في الأيام اللي فاتت متسجلة على الكمبيوتر بتاعي، دوست على زرار التشغيل للمحادثة المتسجلة مع أمها عشان أسمع صوتها وأشوف آخر رسائلها، معظمها كانت عن طلبات شغل عشان اترفدت قريب من الفندق، والباقي عن طلبات أكل. مخرجتش من شقتها من ساعة ما رجعتها هناك غير عشان تستلم الأكل الجاهز في الأيام اللي بتشوف فيها سعر التوصيل غالي. أول ما سمعتها بتطلب من أمها تدفع الإيجار، حسيت برغبة قوية إني أدفع لها، بس ده كان هيخليها تشك أكيد، مكنتش عايزها تعرف إني براقبها. 

أنا بس عايز أطمن عليها، وعشان كده برضه، واحد من رجالي، اسمه ديل، بيراقبها، مش عشان هي مبتروحش في حتة، بس شغله كان في عربيته بقاله حوالي تلات أيام، بيراقب شقتها. تقريبا بحس بالغيرة إنه قريب منها قوي وأنا لأ، وأنا بقلب في رسائلها، رجعت لقائمة الأرقام القديمة اللي متصلتش بيها بقالها أكتر من ست شهور، كان فيه فترة اتصلت فيها كتير بالبنك، وحتى بمحامي، بس مفيش تسجيل للمكالمات عشان أسمعه. باستثناء أمها، دايرتها الاجتماعية شبه معدومة. حتى حساباتها على السوشيال ميديا اختفت، غير كام لايك هنا وهناك، حياتها مختلفة تمامًا عن حياتي.

وأنا بسمع صوتها الواطي - ونبرة أمها اللي بتنرفز - تليفوني رن، فاتصلت بسيان بلمسة زرار.

"أهلًا يا أخويا الصغير."

"ساورس لسه معاك؟"

"لأ، مشيت."

"يا لهوي،  كنت عايز أشوفكم سوا عشان مضطرش أكرر الكلام ده."

"خلص الكلام."

سيان خد نفس عميق. "تمام. ده مش مؤكد قوي، بس كنت بسمع. أنت عارف إن الروس حالتهم زفت دلوقتي."

"أيوة، ساورس قالتلي."

"من ساعة ما باخان مات، وبنته بتقاتل بضراوة عشان تحافظ على مكانتها على حساب أي روسي تاني فاكر إنه ممكن يعملها أحسن. المهم، فيه كلام داير في كام عيلة صغيرة إن فيه عيلة متوسطة بتدعي إنها السبب في موت بريندان."

"إيه؟" صوت إيفلين اختفى من دماغي. "مين؟"

"مفيش اسم لسه. زي ما قلتلك، دي مجرد همهمات."

"لو اضطريت أشق أي روسي ابن وسخة عشان أوصل للحقيقة، هعملها،" قلت بحدة، وأنا بتحرك في الكرسي وحاسس بحرقة جوايا.

"لأ،" سيان قال بحدة. "مفيش أفعال متسرعة، فاهم؟ زي ما قلتلك، دي مجرد إشاعة. مش عارف إذا كانت محاولة لزعزعة حكم أناستازيا ولا حد بيحاول يوجهنا ناحية الروس ويخلص من هدف متلخبط أصلا."

سيان عنده حق، إشاعة زي دي خطر نشتغل عليها من غير دليل.

"تمام،" تمتمت. "لازم نعمل ده صح. لازم أعرف بالظبط إيه اللي بيحصل. ممكن ترتب لي معاد مع العرابة؟"

"هعمل كده. وتاخدلك كام ساعة راحة، صح؟"

لفيت عيني، ونهيت المكالمة، بس قبل ما أرجع للكمبيوتر، اسم ديل ظهر على الشاشة. رديت على طول.

"محتاجة حاجة؟" سألت، كنت فاكرة إن ديل عايز يروح الحمام ولا ينام شوية.

"لأ، مش قبل الفجر،" رد ديل. "بس عندنا مشكلة."

"إيه هي؟"

"إيفلين جالها زائر. راجل. وصل من حوالي ساعة، وكنت بدور على وشه في قاعدة بيانات الشرطة وقاعدتنا عشان أعرف مين ده."

راجل؟ إيفلين ليها راجل؟ نار الغيرة مسكت في زوري. "إيه؟" زعقت.

"لقيته."

"إيه؟"

"يا ريس، ده روسي."

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-