أخر الاخبار

رواية ايفلين بقلم اسماء ندا الفصل السادس عشر

 ايفلين 

رواية ايفلين بقلم اسماء ندا الفصل السادس عشر


رواية ايفلين بقلم اسماء ندا 
الفصل السادس عشر 

الكلام ده اتقال بتاع ألف مرة في الكام يوم اللي فاتوا دول، بس وأنا ماشية ناحية الشارع الضيق  اللي المفروض أقابل فيها هاري، وشايلة شنطة تقيلة فيها فلوس على كتفي، كل حاجة طارت من دماغي، برضه، بعمل حاجة بتخوفني، وكورماك مستنيني بعيد عن العين، الغريبة إن الموضوع ده ابتدى يبقى زي العادة، الفرق الوحيد إن المرة دي هتبقى بجد فيها مصلحة ليا، هاري هياخد فلوسه، وأنا هخلص من الديون، ويمكن كورماك أخيرًا يعرف إجابات عن حكاية الروس دول متورطين في موت اخوه ولا لأ، نفسي يعرف عشان يعرف يمشي لقدام، بس برضه حتة مني صغيرة كده نفسها إنه ما يعرفش عشان نعرف نقابل بعض تاني.

هو ده طمع؟ غالبًا، بعد الخناقة الجامدة اللي حصلت في شقتي، الدنيا هديت ونمت بتاع اتناشر ساعة على بعض، وبعدين صحيت على صوت كورماك وهو بيعمل لي فطار ورجالته بيصلحوا كل اللي اتكسر في الشقة - حتى ماسورة مكسورة دييل اكتشفها تحت الحوض، كانت مفاجأة حلوة بصراحة، واهتمامه ده كان مفاجأة أحلى وأغرب من الخيال، مع إني مش عبيطة عشان أصدق إن فيه علاقة بجد بيننا، كله بسبب الظروف، كورماك عمره ما هيبص لواحدة زيي في الظروف العادية.

وأنا ماشية، حاسة بعينيه بتحرق جلدي وأنا بعدي الشارع وبقع في طوبة  في الرصيف، بعد كام بيت كمان هوصل للمكان اللي رايحاه، لبست البالطو، ومسكت الشنطة جامد، وجريت خطوتي والريح الساقعة بتلعب في شعري، كورماك كان قالي على كذا سيناريو لازم آخد بالي منها - إن هاري يجري ويخطف الشنطة، أو يجيب صحابه معاه، أو يرفض الفلوس، أو يطلب أكتر، كل اللي عليا أعمله إني أخليه يتكلم شوية لحد ما كورماك يعرف يمسكه، ساعتها كل ده هيخلص بالنسبة لي أنا، هفتح صفحة جديدة.

غمضت عيني والريح اللي جاية شالت تراب ووساخة من الشارع، وصوت رعد مكتوم في السما، طول ما الفلوس مش هتتبل، مش فارق معايا الجو عامل إزاي، وأنا صغيرة كنت بموت في العواصف، ودلوقتي ريحة المطر على الأرض الدافئ والبرق في الجو هما الحاجتين الوحيدين اللي بيهدوني.

وبعدين لقيت نفسي عند مدخل الشارع الضيق، وباصة في الضلمة والضل اللي بيختفي ورا كومة زبالة، كورماك قالي مهم أتأكد إن هاري ما يسدش طريقي، فبينما أنا ماشية بالراحة ، عمالة أفكر إني لازم أتأكد إن هاري يبقى قدامي كل ما يظهر. وقفت قدام صناديق الزبالة، وباصة عليها بشك وقلبي ابتدى يدق بسرعة، وأنا ماشية هنا، عرفت أمثل إني واثقة من نفسي، بس مبقتش حاسة بنظرات كورماك عليا، أنا لوحدي.

"يا هاري؟"

ظهر فجأة من ورا صندوق زبالة، وظهوره المفاجئ ده خلاني ارجع  لورا.

"يا إيفلين."


"خضتني!" قلت وأنا ماسكة في الحزام الخشن بتاع الشنطة جامد.

هاري ضحك  وقال "وشك شكله زي الفل، إزاي عرفتي تدبري فلوس انك  تروحي المستشفى دي أصلاً؟"

"أنا اللي عملت كده " قلت وأنا رافعة دقني شوية بعد ما افتكرت  لمسة صوابع كورماك الخفيفة اللى دغدغت جبيني.

هاري عمل صوت وحش بقلة ذوق، حط إيده في جيب بنطلونه الجينز، والإيد التانية ماسكة سيجارة مولعة، ونفض شوية رماد ناحيتي بابتسامة خبيثة. "ما كنتيش بتهزري، صح؟" عينيه الصغيرة بصت على الشنطة بتمعن.

"دي فلوسي؟"

"أيوه."

"كلها؟"

"طبعًا." قلبي اللي كان بيدق بسرعة ابتدى يغبش، وضميت فخادي عشان ركبي ما تخبطش في بعضها.

"إيه اللي عملتيه ده بقى؟"

ضيقت عيني باستغراب. "إيه؟"

"جبتي الفلوس دي كلها منين في يومين؟"

"ليا طريقي."

"بجد؟" هاري عمل نفس الصوت  تاني وكمل "شكلك كده عندك منجم دهب بين رجليكي."

معدتي اتقلبت من القرف "إيه حكاية الرجالة دي اللي فاكرة إن الحاجة الوحيدة اللي الست بتملكها هي الزفت ده،  أنت يا أستاذ... يا لهوي. فيه طرق تانية للرزق!"

هاري بيضحك بسخرية. "بعتي كليتك؟"

"ولو بعتها؟ دي كليتي أنا." خليت وشي جامد على قد ما أقدر عشان هاري ما يفهمش الحقيقة، وده شكله نجح وهو بيرمي سيجارته على الأرض الطرية وبيشاورلي بإيده.

"ارمي الشنطة دي."

حزام الشنطة غرز في كتفي من تقل الفلوس، ووجعتني أكتر لما شلتها، رميت الشنطة قريب من هاري على قد ما قدرت، وبعدت خطوتين لورا. "كل حاجة موجودة جواها."

"هبقى أتأكد بنفسي"، هاري علق وهو بيوطي على ركبه وبيفتح الشنطة، وبعدين وقف لما الفلوس ظهرت، صفر بصوت واطي، ومسك رزمة ورق متكومة ومسحها بصباعه الكبير. "يا لهوي. سواء كنتي غنية ولا فقيرة، مهما عملتي، يمكن نشتغل سوا لو عرفنا نجيب فلوس كده بالسرعة دي."

"لأ، شكراً"، رديت بحزم. "كده تمام؟ أنت خدت فلوسك وديوني اتسدت؟"

"استني"، هاري قال وهو لسه باصص على الفلوس. "لازم أعدها كلها وأتأكد إنك مش بتحاولي تلعبي بيا، بس برضه، مش هتعملي كده، صح؟"

بص عليا، بس قبل ما أعرف أرد، الدم سال من وش هاري، وبقه اتفتح من الصدمة "مش هتعمل"، صوت كورماك جه من ورايا بالظبط، وقشعريرة دافية مشيت في ظهري. "بس أنا هعمل."

ما سمعتش كورماك وهو جاي، بس بطريقة ما، كان موجود ،حط إيده بالراحة على ضهري من تحت ووجهني ناحية فى الجنب  وهاري بيتخبط وبيحاول يجري.

بعدت عنه خطوتين قبل ما كورماك ينقض عليه، وشاله من ياقة جاكيته وخبطه جامد على سطح صندوق الزبالة، هاري قاوم وقاوم، بس كورماك غلبه ببوكسين، ولما وش هاري بقى كله دم وبينههج، سيان انضم لينا، معدتي اتقلبت ورجعت خطوة لورا عشان أقابل هانك.

مسكني من دراعي ووداني  "مش لازم تشوفي الجزء ده"، قالها بلطف، وكان لطفه ده غريب شوية، أنا ما أعرفش هانك خالص، بس من أول نظرة، شكله قاسي ومش سهل.

بما إنه الحارس الشخصي بتاع كورماك، ده منطقي، بس حسيت إنه ما كانش بيقدرني أوي، عشان كده لطفه ده كان لطيف، وقفنا قريب من مدخل الشارع في اللحظة اللي السما انشقت فيها والمطر نزل بغزارة.

وبينما كورماك وسيان بيحاولوا يهدوا هاري، هانك قلع جاكيته وقدمهولي عشان يحميني من المطر، أخدته منه ورفعته فوق راسي، الرعد دوى في السما، وكل ومضة برق كانت بتوريني منظر الخناقة اللي دايرة جوه ،هاري استسلم بسرعة، وفي الآخر كورماك زقه على الحيطة وهو بينههج جامد.

المطر غرق قميصه في ثواني معدودة، ورغم الخطر اللي كنا فيه، عيني سرحت، القميص بقى زي جلده التاني، وكل اللي شايفاه منحنيات عضلاته الطويلة المتينة وشعره اللي اتحول للون الأحمر الدموي لما اتبل.

الخوف اختفى تمامًا زي ما حصل لما كورماك اتخانق مع ديلون، الراجل ده حتى ما يعرفنيش، وشك فيا شوية كمان، وبرضه بيعمل كل اللي يقدر عليه عشان يحميني، وده بصراحة جنان، ريقي نشف وما عرفتش أشيل عيني من عليه، سيان وطى وقفل شنطة السفر بسرعة عشان يحمي الفلوس من المطر.

"اللعنه" هاري شهق بابتسامة كلها دم. "إيه اللي بيحصل هنا بالظبط "

"أنا عايز أتكلم معاك كلمتين"، كورماك زمجر بصوت واطي، والغضب مالي كلامه. "عنك، وعشان مين بالظبط شغال."

"إيه-" صوت الرعد العالي قطع رد هاري. شفت شفايفه بتتحرك، بس ما سمعتش حاجة بسبب العاصفة، فأتمنى يكون كورماك عرف ياخد الإجابات اللي محتاجها. 

"الأحسن يكون عندك رد أحسن من كده!" كورماك زعق فجأة لما صوت الرعد هدي شوية، وفي ومضة برق طويلة، هاري زق ركبته في فخد كورماك، كورماك انحنى وهو بيتأوه، وما عرفش يتفادى كوع هاري اللي خبط في جنب وشه، وبينما كورماك بيتخبط لورا، هاري ابتدى يجري ناحيتي وسيان بيجري وراه. هانك قرب، وزقني لورا كام خطوة عشان يبعدني عن هاري الغضبان. 

"يا ابن الـ..." كورماك زعق وهو بيجري ورا هاري زي الرصاصة، أنا اترميت في جاكيت هانك، وعيني مفتوحة على الآخر، ورجعت كام خطوة لورا تاني وهانك جري لقدام. هاري وقع في خناقة بين زعيم عصابة وحارسه الشخصي، ووقع على الأرض زي كيس طوب.

"معذرة "، صوت ناعم همس جنبي، خلاني أتنطر من الخضة، لفيت وشي، مرعوبة، لقيت نفسي طلعت من الشارع الضيق، وسادة طريق واحد بيحاول يروح بيته بسرعة في العاصفة، شفايفي اتفتحت عشان أعتذر، بس الراجل الغريب ده زقني جامد وهو معدي، وكوعه خبطني تحت ضلوعي بالظبط.

"إيه ده!" شهقت وأنا بتخبط لورا وهو مكمل طريقه في الشارع "قليل الذوق"، تمتمت وأنا باصة وراه، وبعدين رجعت أبص على الخناقة، بس فيه حاجة... مختلفة.

مكان ما كوع الغريب خبطني، حسيت بضغط سخن وغريب بينتشر في صدري وتحت بطني، نفسي اللي بعد كده كان ضيق، والدنيا لفت بيا لما الشارع الضيق  نور بومضة برق تانية. يا ترى الخبطة كانت جامدة عليا قد إيه؟ 

موجة دوخة زي القشعريرة اجتاحتني، وجاكت هانك انزلق من إيدي، ما سمعتش صوته وهو بيقع على الأرض، كل تركيزي كان على الوجع اللي عمال يزيد تدريجيًا في جسمي.

فتحت بوقي عشان أنطق اسم كورماك - أو يمكن هانك - بس ما طلعش صوت، بدل كده، طرطشة دم سخن جت على آخر لساني، وشميت ريحة النحاس اللي بتلسع، خطيت لقدام ،هانك لف وشه ناحيتي، شفت عينيه وسعت وبقه اتلوى.

"يا كورماك!"

كورماك كان شكله بعيد أوي، بس شفته رفع راسه لما سمع صرخة اسمه، بص عليا وحواجبه عليت لحد شعره، وبعدين ساب هاري وجري ناحية سيان وابتدى يجري عليا، رغم السرعة اللي شفت رجليه بتتحرك بيها، ما بانش إنه بيقرب أكتر. ومضة البرق اللي بعد كده كانت باهتة والضلمة خيمت على نظري، لمست بطني، بحاول أفهم ليه كوعه وجعني في ضلوعي. رجليا ضعفت واتكعبلت، وبعدين بصيت لتحت  في ومضة نور، إيدي نورت باللون الأحمر. كانت متغطية بالدم، إيه ده بالظبط؟

" إيفي!" كورماك زعق بأعلى صوته، بس برضه صوته كان بعيد أوي.

حاولت أرفع راسي تاني، بس فجأة، حسيت بثقل مش طبيعي في كل حتة فيا، غمضت عيني والضلمة خدتني.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-