ايفلين
رواية ايفلين بقلم اسماء ندا
الفصل الرابع عشر
جلست ايفلين على الارض تكلم نفسها ، يلهوي، اللى بيحصل ده زى سلسلة من فيلم رعب على طريقة "ثمانية وأربعين ساعة" بس بالبطيء!
حياتي اتقلبت كيانها، خلاص مبقاش فيه أمل، عايزة 250 ألف دولار في يومين بالظبط! بنك إيه اللي هيسلفني المبلغ ده؟ ولو حتى وافقوا، هرجع لنقطة الصفر تاني، وأمي الغلبانة، دي مبتشوفش السرير غير بالعافية.
فاكرة لما هاري الكلب ده كان هنا؟ قعد يقلب الشقة كلها، كأنه بيدور على كنز، عشان يتأكد إني مش مخبية فلوس. وصل بيه الحقارة إنه خلاني أقلع هدومي حتة حتة عشان يتأكد إني مش لابسة أي حاجة ممكن أبيعها، وبعدين مشي زي ما جه، كأنه عفريت!
بعد الصدمة الأولانية دي، افتكرت زجاجة نبيذ غالية كنت شايلاها تحت الحوض، أمي كانت جايباها ليا هدية النجاح، وقالتلي متفتحيهاش غير ليلة فرحي، في دماغها بقى، كنت هتجوز بعد ست شهور من التخرج، بس اهي السنين جريت وأنا لسه سنجل، والزجاجة مركونة.
دلوقتي بقى، وقدري متعلق في 48 ساعة، قلت لنفسي: "ليه أستنى؟"
فتحت الزجاجة، ودخلت الصالة، وشفت وشي في المراية اللي قصادي. هاري ابن الـ... ضربني كام مرة لغاية ما حواجبي اتفتحت، وخدي ورم ووجعني، طفيت النور، الدنيا ضلمت حواليا، وأنا وقعت على الأرض بين الكنبة والترابيزة.
أول بق من النبيذ كان مسكر وتقيل، باين عليه نبيذ نضيف، تاني بق جاب معاه دموع اليأس، وأنا باصة في ضلمة شقتي، حسيت بتقل الهزيمة في قلبي.
إيه اللي وصل حياتي لكده؟ مش كفاية مصايب الأيرلنديين، كمان غلطاتي مع الكريديت كارد والمرابين وصلوني لحافة الموت. وأنا صغيرة كنت بتخيل حياتي وأنا كبيرة حاجة تانية خالص، شغلانة جامدة، وبيت، وقطتين بيجروا وأنا برقص مع اللي بحبه.
برود أمي و موت أبويا هما اللي خلوني أبعد عن الطريق الصح، مع إني عارفة إنه سهل أوي أرمي اللوم عليهم في الضلمة اللي أنا فيها دي، دورت على الراحة في الفلوس والماديات، ودلوقتي بدفع التمن غالي.
الدموع نزلت على خدي بالبطيء وأنا بعيط بصوت واطي، وبشرب بق من النبيذ كل ما نفسي يتقطع، دماغي بتحاول بالعافية تلاقي حل، بس مفيش أي حاجة منطقية، في الضلمة، فتحت جوجل أدور ازاي أبيع كليتي، وممكن أكسب كام من التبرع بالدم أو البلازما بيع نفسي هو اللي فاضلي.
للأسف، مفيش ولا حل من دول هيجيب الـ 250 ألف دولار في يومين, اليأس غرقني زي موجة بتخنق، يا ترى أعمل إيه في المصيبة دي؟
بعد نص الزجاجة، دماغي رجعت لكورماك. لو كنت فضلت معاه، مكنش هاري عرف يوصللي، كان زمانه جه هنا، وخبط على الباب برجله، ومكنش هيلاقي أي حاجة. بتخيل السيناريو في دماغي، وبعدين بحاول أتخيل واحد زي كورماك هيتصرف ازاي مع هاري. الطريقة اللي انفجر بيها في وش ديلون كانت جنان، يا ترى كان هيعملها تاني؟ ولا ديلون كان هدف سهل عشان كنا في الفندق؟
ده مجرد كلام فاضي، وبحثي على جوجل بدأ يتجه لحاجات أسوأ، زي كام ممكن أكسب لو اشتغلت... في يومين. مفيش أي حاجة بتقرب من اللي محتاجاه، حتى لو عملت نفسي مش فارقة معايا حاجة، أنا هموت بجد…
فجأة، صوت انفجار جامد هز شقتي، وبعديه صوت دوشة عالية، وبعدين، باب الصالة اتفتح بقوة لدرجة إنه خبط في الحيطة ورجع تاني على اللي فتحه، صرخت، واتخضيت على الكنبة، وبدأت أرفس الترابيزة برجلي كأني ممكن أستخدمها عشان أمنع أي حد يقرب.
رفع الدخيل دراعه التخين، ومسك الباب قبل ما يخبط في الحيطة اللي وراه، وبعدين خطى خطوة كمان لجوه شقتي.
حتى في الضلمة، مفيش غير نور الشارع اللي داخل من الستاير ومنور الأوضة، عرفته، قلبي دق بسرعة جامدة في صدري، ومسكت في إزازة النبيذ اللي فاضل فيها شوية، وبصيت للراجل ده اللي كان بينهج، ومتغاظ زي الخزان.
"كـ.. كورماك؟" طلعت الكلمة بالعافية من بقي. "إيه... إيه اللي بتعمله هنا؟"
"كان لازم أعرف إن فيه حاجة مش مظبوطة في حكايتك،"
كورماك زعق بحدة صوته كان مبحوح من الغضب، وده خلى كلامه فيه لكنة أيرلندية حادة
"بالصدفة، كنت أنت اللي لاقي بريندن، مش كده؟ وبعدين الشرطة عايزة تتكلم معاك في القسم بدل ما يسيبوك تمشي من الفندق، كل ده كان جزء من الخطة؟ كنت بتأمل إني أجيبك عشان تقرب وتعرف إيه اللي نعرفه؟"
كأن كورماك بيتكلم بلغة تانية خالص، كلامه مكنش منطقي. النبيذ كان مديني جرأة، فقمت وقفة جامدة.
"إيه؟" صرخت رديت عليه. "بتحكي عن إيه بالظبط؟"
"أنت!" كورماك شاور عليا بقبضة إيده المتينة. "مكنتش فاكر إني هكتشف،كنت فاكر إني عبيط، مش كده؟ الراجل الضخم اللي عنده عضلات ميعرفش يفكر؟"
فتحت بقي وقفلته، ولحظة كده، فهمت إن فيه ناس تانية في شقتي بيتحركوا في الضلمة ورا كورماك، عينيه لمعت عليا زي سن سيف، وقلبي دق بسرعة وأفكاري مبقتش عارفة تلاحقه. الغريب إن كل اللي مركزة فيه هو الخراب اللي حصل في حيطتي.
"أنتَ... إيه؟" هزيت راسي عشان أطرد دوخة الخمرة من دماغي. "استنى، إيه المصيبة دي؟"
"كنت واطي، ها؟" كورماك قرب. "جاسوس؟ يا بتوع روسيا فاكرين نفسكم أذكيا أوي، بس أقولك حاجة، مش هغمض عيني لو عرفت إن ليكوا إيد في قتل بريندن، سامعني؟"
"روس؟" مش مصدقة اللي بسمعه، كل ده سريالي لدرجة إني بدأت أشك إني صاحية بجد، الغضب حل محل الخوف، ولوحت بإزازة النبيذ اللي فاضل فيها شوية زي السلاح. "أنا مش روسية! أنا أمريكية!" "مكان الميلاد مش بيحدد الولاء،" كورماك زمجر.
"ولاء؟" موجة غضب مفاجئة ولعت في صدري، حرقت تراب السكر، وخلتني أشوف بوضوح لأول مرة طول الليل.
"لأ! تعرف إيه؟ طز فيك، طز فيك عشان اقتحمت شقتي كأنك صاحب المكان وبتبوظ كل حاجة بتاعتي، طز فيك عشان بترمي عليا كل الاتهامات دي من غير ما تكلمني الأول، أنت مجنون؟ في يوم تاني، يمكن كنت هسامحك على زعلك، بس بص عملت إيه في حيطتي!".
وشاورت بإيدي على الشرخ الواضح أوي في الحيطة، اللي نور واحد وهو بيولع نور مطبخي كان منوره.
"أنا مش روسية، ومكنش ليا أي علاقة بأخوك، معرفش إيه اللي بتعمله، بس يمكن لازم تغير تجار المخدرات بتوعك لو ده اللي بيخليك تهلوس، يعني، بص حواليك يا كورماك! أنا مجرد أنا، تمام؟ أنا مجرد ست عادية اشتغلت في شغلانة عادية زفت، وكنت بحاول أتجنب راجل عادي زفت، وفجأة، دخلت حياتي وبوظت كل حاجة، أغلب الناس متتخطفش بعد ما يشوفوا جريمة، بس أنت وجهت مسدس في وشي وخليتني أعمل جريمة زفت، عشان كلكم عايشين في العالم المجنون ده اللي الجريمة فيه زي قهوة ستاربكس الزفت، ومفكرتوش ولو مرة إن ده ممكن يكون حاجة وحشة، وبعدين رميتوني بعد ما خلصتوا مني، ورجعتوني للعالم كده، ولازم أحاول أفتكر إزاي أكون بني آدمة عادية، بس أنا مبقتش بني آدمة عادية! أنا شاهدة ومجرمة وضحية خطف، ودلوقتي أنت في شقتي الزفت بتبوظ حاجتي، ليه؟ إيه السبب الزفت المرة دي؟"
كنت بنهج جامد لما سكتت عن الكلام الكتير اللي مكنش مدي لكورماك أي فرصة يرد، مش عشان هو يستاهل كده، أنا زهقت من المهزلة دي، زهقت من الناس اللي بتقتحم بيتي ومساحتي، وبتتصرف كأني مديونة لهم بكل حاجة وأنا كل اللي بحاول أعمله إني أعيش.
أكبر جريمة عملتها هي ديون الكريديت كارد، ده كل الموضوع، ده كل اللي عملته، وده ميستاهلش إن ديلون يحاول يقلعني بنطلوني بالعافية، ولا إن هاري يهدد حياتي، وبالتأكيد مش كورماك ورجالته دلوقتي وهما بيفتشوا شقتي اللي اتبهدلت.
"متكدبيش عليا،" كورماك زعق ردًا على كلامي، وصوته كان أخوف من صوتي وأنا بزعق. "أنتِ اتشفتي، تمام؟ كان عندك روسي في بيتك، وبعدها بوقت قليل سمحتلك تمشي. الموضوع فيه ريبة شوية، مش كده؟"
"روسي؟" مش مصدقة وداني. أنا إيه اللي يعرفني مين روسي ومين مش روسي؟ عايزني أسأل كل ساعي بريد بيجيلي لغاية الباب عشان أتأكد إنه مش تبع أي عصابة، مش كده؟ وساعتها-"
خطر في بالي فجأة إنه لو عارف إن فيه حد كان هنا، يبقى أكيد كان بيراقبني
"أنت بتلاحقني؟ إزاي عرفت مين دخل بيتي ومين مدخلش؟"
"هاري فوكس،" كورماك قرأ الاسم، وحسيت بغصة في معدتي كأني لسه واقعة من على جرف. "افتكرت اسمي؟"
"لو كنت بدأت بكده،" قلت بحدة، "بدل ما تدمر شقتي.
إيه الصوت ده أصلًا؟ أنت اللي رفست بابي الأمامي يا مجنون؟"
كورماك قرب، بس أنا تماسكت، ومسكت في الغضب الجديد ده اللي جوايا، كل حاجة من الأسبوع اللي فات بتتراكم، وده أكتر من اللي ممكن أستحمله، من الفندق لكورماك لفقدان شغلي لهاري، المفروض أعمل إيه غير كده؟
"مكنتش عايز أديكي فرصة تهربي."
"أهرب؟" ضحكت ضحكة مفيهاش أي هزار. "أهرب أروح فين بالظبط؟ لو أنت بتلاحقني، يبقى لازم تعرف إنه معنديش مكان ولا أي حاجة! أنا مش جاسوسة، سامعني؟ وهاري، معرفش إيه هو ولا إيه مش هو، تمام؟ ده مجرد راجل لازم أتعامل معاه، وراجل زنّان أوي."
"مستني مني أصدق إنه بعد خمس أيام من موت أخويا، عامله علاقة مع واحد متخانق معاه من روسيا، وده مجرد صدفة؟"
موجة غضب جت عليا من نبرة كورماك الاتهامية، غرقتني من جوايا، وفجأة، مبقتش عارفة أتنفس، الرغبة في الانفعال كانت قوية أوي، فلفيت ورميت إزازة النبيذ على الحيطة اللي قصادي.
"ابعد عن الهبل ده!" صرخت فيه بغضب. "معرفش أنت بتتكلم عن إيه، تمام؟ أنا بس بحاول ألملم اللي اتبقى من حياتي بعد ما بوظتها أنت وأخوك، تمام؟ تعرف إيه؟
فتش شقتي زي ما أنت عايز، قطع الزفت ده، كلم أمي لو اضطريت، معنديش حاجة أخبيها، أنا معنديش حاجة أصلًا! أنا مجرد أنا، بس مش مضطرة أقف هنا وأشرحلك نفسي في بيتي الزفت ده!"
الزعيق ريحني أوي، كان أحسن من العياط، وبالرغم من إني كنت بنهج بعد كده، حسيت براحة غريبة ملت كتفي، غصبت نفسي أخد نفس عميق وحبسته وكورماك بيبصلي وسط السكون ده. "أنا مجرد أنا،" كررت بتعب. "اعمل اللي أنت عايزه. مش هتلاقي اللي في بالك هنا."
لفيت حوالين الترابيزة وزقيت كورماك، ورايحة ناحية المطبخ
عارفة إنه مفيش كحول تاني، بس فيه مية، وفجأة حسيت بعطش جامد.
كورماك مشي ورايا، خطواته الغاضبة زي دق طبول على بلاط الأرضية المتكسر. "إيفلين،" قال بحدة. "الأدلة بتتراكم ضدك وضد..."
سكت فجأة لدرجة إني توقعت إنه هيقع على الأرض لما لفيت وكوباية مية الحنفية في إيدي، الغضب في وشه كان واضح أوي دلوقتي في نور المطبخ، بس اختفى في ثانية، وفيه حاجة تانية في عينيه، نفس النظرة اللي كانت في عينيه لما بصلي بعد ما ضرب ديلون ضرب مبرح.
"وشك."
قرب خطوة، وأنا مستعدة إنه يطلع اتهام تاني من دماغه، بس بدل كده، رفع إيده ومسك دقني بصباعه الكبير والسبابة بالراحة والثبات، ورفع راسي ناحية النور.
"هو ضربك؟"