مواسم الفرح
رواية مواسم الفرح بقلم امل نصر الفصول ٢٩و ٣٠
الفصل التاسع والعشرون
دلفت هدية لداخل المنزل دون ان تلقي التحية نحو زو جها وولدها الذان يجلسان في صحن الدار، لتلقي الملاءة من عليها بعد عودتها من منزل ياسين، مرددة بقرف:
- يا سااتر اَخيراً وصلت بيتي، حيلى اتهد، جطيعة.
رد محسن بروية متجنبًا الشجار معها:
- معلش يا بوي، هو كان يوم صعب بس الحمد لله العزومه عدت على خير واصحاب بلال انبسطوا، دا حتى كان باين من كلامهم .
تدخل حربي مضيفًا:
- ايوه يا بوي والبركة فى البنتة، دا نهال و بدور ونيرة، نظموا السفره كدة وخلوا منظرها يشرف .
قالت هدية وهي تأن من قدمها التي كانت تدلكها بكفيها:
- أيوه يا حبيبى نظموها، وهما لجيوا حاجة تانى يعملوها؟ بعد ما جعدوا اليوم كله برا مع امهاتهم وعرسانهم ينجوا شبكتهم، وسابونا انا وصباح الشجايا، نطبخ ونعدل وننضف لوحدينا، هما يرحوا ويتهنوا وانا يتهد حيلى على الفاضى .
تغضن وجه محسن يقول بضيق:
- باه، يتهد حيلك ع الفاضى كمان؟ ليه يعني يا بوي؟ دي حتى ما كنتش ليلتهم؟
حدجته بغيظ تردد:
- ايوة يا خويا فكرني، ما انا عارفه إن ليلتهم بكرة، يعنى هتمرمر واتشندل تانى، وزياده كمان اتحسر .. عشان ولدى مش عريس معاهم .
- يووووه احنا ما هنفضهاش بجى من السيره دى؟
هتف بها محسن لينهض متابعًا:
- انا جايم انام وسيبهالك، عيشه تجصر العمر.
قالها ونفض جلبابه، ليتحرك مغادرًا على الفور، وانتظر حربي حتى ابتعد ليخاطب والدته بعتب:
- ليه كدة بس ياما؟ ما كل شئ نصيب، يعني ما منوش فايدة الكلام.
ناظرته هدية مضيقة عينيها للحظات لتعقب على قوله بريبة وتحفز:
- بجولك ايه يا واد، انا الفار ابتدى يلعب في عبي من هدوئك الزيادة ده، جولى يا واد، أنت إيه اللى مهديك كده ؟! بعد ما كنت هتموت على اى واحدة فيهم !! .
ابتلع حربي ريقه ليجيبها بتردد:
- ما انا فى موضوع كدة بجالى فترة كنت عايز اكلمك فيه ياما .
بانتباه شديد ردت هدية:
- موضوع ايه ؟!.
❈-❈-❈
في منزل راجح وأمام مراَتها كانت تدور بالفستان مرددة بفرح سائلة:
- ها إيه رأيك يا نهولة؟ شكله يجنن صح؟
بعدم تركيز ودون ان ترفع عينيها عن الهاتف الذي تتلاعب به ردت تجيبها:
- جميل يا بدور، ولا يج عليكى كمان .
بلهفة وحماس اصبحت بدور تمسك بجانبي قماش الفستان قائلة:
- بس هو عايز يضيج شويه هنا عند الوسط، اصلى حساه واسع جوى.
على نفس وضعها ردت نهال:
- وريه لامك وخليها تظبطهولك، هي أكيد ليها نظرة.
بتنهيدة طويلة تخرج من العمق قالت بدور:
- أنا فرحانة جوى يا نهال، وحاسه ان دى اول مره اتخطب .
رفع رأسها هذه المرة لها تقول بتمني حقيقي يصلها ما تشعر به بشقيقتها:
- ربنا يتم فرحتك على خير .
انتبهت بدور للنبرة المتغيرة في صوت شقيقتها، لتسألها:
- مالك يا نهال؟ حساكي زعلانة وحتى باين من صوتك ، دا انتى حتى مجستيش فستانك زيى! ايه انتى مش فرحانه بخطوبتك بمدحت ؟
التوى ثغر نهال لتقول:
- وافرح ازاى بس؟ هو انتى ما شوفتيش واد عمك النهاردة كان شكله عامل ازاى واحنا بنجى الشبكة؟
بشقاوة ومكر ردت تجيبها:
- هو كان محترم خالص النهارده صراحة وعادي كدة، مش هو دا مدحت بتاع الايام اللى فاتت، يعني االي بيجلب مية درجة لما يشوف نهال.
بغيظ شديد ردت الأخيرة:
- بس دا اللى لاحظتيه؟ ما انتى كنتى مشغوله مع عاصم وما شوفتيش معاملته الجافه معايا .
- وليه دا كله ؟! .
تسألت بدور باستغراب لتجيبها نهال :
- زعلان يا ستي، عشان اتحديتوا جدامهم كلهم وجولت خطوبة بس، كان عايز يمشي اللي في دماغوا وانا بحركتي دي وجفت الحال، زي ما بيجول.
باستدراك جيد للموقف، قالت بدور"
- طب وبعدين هتعملوا ايه؟ دا بكره خطوبتكم وهيلبسك شبكته، حتى لو كانت ع الضيج واهالينا بس اللى ها يحضروا واصحابنا، برضو مينفعش تبجوا مكشرين وانتوا جمب بعض .
زفرت نهال بقلة حيلة تقول:
- جوليلوا يا ختى دا انا كل ما اجى افتح معاه أي موضوع يصدنى على طول ومدينيش فرصة حتى اني اخد ولا ادي معاه في اي كلام عادي حتى، يا ساتر يارب .
ضحكت بدور تعقب:
- بصراحة عجلوا صغير جوى، وبيعمل برضوا زي العيال الصغيرين يا ينفذ اللي في مخه، يا إما بلاش .
بغيظ متعاظم تناولت نهال هاتفها في محاولة للأتصال به مرددة لها:
- اضحكى يا ختى اضحكى، ما انتي فاضية بالك .
❈-❈-❈
ولو رنيتى من هنا لبكرة، برضوا مش هارد بس .
- ايه يا واد عمى انت بتكلم نفسك؟
قالها بلال مخاطبًا مدحت الجالس على الاَريكة في حديقة المنزل الكبير وحده يحدث الهاتف الذي يدوي باتصالها، ورد مدحت :
- اهلا يا عم بلال، عايز ايه؟ ليك غاية تغلس عليا صح؟
قهقه بلال وهو يتخذ مقعده بجواره يقول:
- يعنى هعوز ايه منك يا عم؟ انا بس مستغربك، جاعد لوحدك وبتكلم نفسك.
رد مدحت حانقًا:
- وما كلم نفسى يعني؟ فيها إيه؟ ثم انت ليه ما مشيتش مع اصحابك ؟!
بهدوء اجابه :
- ابدا يا سيدى، انا جاعد مستنى عبد الرحيم، أصله كان عايز جدى فى موضوع يخصه وانا جومت اسيبهم براحتهم، بس انت ما جاوبتش على سؤالى، إيه اللى مضايجك ؟!
بضيق وسأم من الإلحاح المتكرر، رد مدحت:
- الله يخليك سيبنى فى حالى، انا خلجي ضيج انت عارفني.
بضحكة مجلجلة قال بلال يزيد عليه:
- انت لسه زعلان من نهال عشان اجلت الجواز .
بنظرة ساخطة رمقه مدحت ليشيح بوجهه عنه دون رد، فتابع الاَخر:
- يا بوى عليك يا واد عمى لما تحط حاجه فى مخك، لازم ولابد تنفذها .
التف إليه كازًا على أسنانه يقول:
- انفذ فين بجى؟ بعد المحروسة ما وجفت الحال، وعمى وجدى ما صدجوا عشان يمشوا كلمتها عليا .
باستغراب شديد وعدم استيعاب قال بلال:
- حال ايه اللى وجف يا أخينا؟ دا انتوا النهاردة اشتريتوا الدبل وبكرة الخطوبة وجراية الفاتحة، خلى بالك نهال مش عيلة و هتبجى تحت طوعك، لا دي عجلها سابج سنها بكتير ومعتزه بنفسها، انا يدوبك عدى عليا يومين بس فى البلد وفهمتها، عشان شخصيتها واضحة.
بابتسامة متأثرة اعتلت ثغره قال مدحت:
- كل الكلام اللى انت جولتوا ده انا عارفه، ودا اللى عاجبنى فيها، بس برضوا متغاظ منها و نفسى اخنجها بأيــ ديا الاتنين دول .
قال الاَخير بعصبية وتحول مفاجأ، ادهش بلال ليقهقه واقعًا من الضحك.
❈-❈-❈
مين يا ضانا؟ جولى تانى اكون مسمعتش زين !! .
صرخت بها هدية بعدم تصديق ليرد ابنها بصوت مشدود:
- وطى صوتك ياما هتخلى ابويا يصحى من نومته .
بعصبية شديدة ردت هدية
- ابوك مين اللى عامل حسابه يا واد؟ وانت عايز تتجوزلى واحده عزبه؟ ليه؟! فجري مش جادر على مهر الفتاية؟
بجهد شديد كان حربي يحاول السيطرة على انفعاله وهو يتمتم:
- استغفر الله العظيم، ياما بلاش كلامك ده، وهى تفرج ايه الفتايه بعني عن العزبه؟ دا حتى اللى يشوف نسمه ما يجولش عليها اتجوزت اساساً .
بغضب متعاظم هدرت به ساخطة:
- نسمه مين يا جزين؟ بجى بعد ما كنت حاطط عينك على بدور؛ اللى تجول للجمر جوم وانا اجعد مطرحك، ولا نهال اللى ما تفرجش عنيها وزيادة كمان دكتورة، تروج تدورلي على عزبة وعايز تتجوزها؟ وكمان بت رضوانة الفجرية طليجة جدك؟
بحمائية شديدة رد حربي:
-مالها رضوانة ياما؟ الفجر ما يعيبش حد، ونسمة كمان حلوه وتدخل الجلب و ...
قطعت كلماته صارخة بعدم تحمل:
- بس ما تكملش، حتى لو كانت ملاك من السما ، عمرها ماهيبجالها زهوة زى البت الفتاية،.وانا بجولهالك اها .. عايز تتجوز ادورلك على عروسة، لكن موضوع نسمة ده تجفل عليه خالص، انت فاهم ولا لاه؟
نهض فجأة من جوارها مرددًا بتذمر:
- اجفل عليه خالص كمان؟ وانا اللى جولت ها توجفي معايا وانا بكلم ابويا، ماشى ياما خليكى فاكراها.
تحرك ذاهبًا نحو غرفته مغمغمًا بصوت خفيض:
- انا هجول بكره لجدى، وهو اللى هيوجف معايا وينصرنى، دا ما هيصدج اساساً .
❈-❈-❈
في اليوم التالي، يوم الخطبة
كانتا الاثنتان امام المراَة يظبطن طرحن حينما دلفت إليهن نهلة راكضة تهتف
- يا نهال يا نهال، خطيبك الدكتور مدحت وصل عندينا ودخل عند ابويا.
ناظرتها نهال بلهفة تجيبها:
- تمام يا عسل، روحي انتي وانا جاية وراكي اشوفه .
ذهبت نهلة وهي على الفور انهت حجابها ، لتضع بعض العطر الخفيف، ثم ذهبت راكضة، تتبعتها اعين بدور ضاحكة من خلفها.
هبطت الدرج بخطوات مسرعة من الطابق الثاني، ليجدها فجأة أمامها بهيئتها التي تنجح دائمًا في خطف انفاسه، ليشعر بالصغير داخل صــ دره يرفرف كطائر بلهفة السعادة لرؤيتها، ولكنه استدرك فجأة ليخفي لهفته، متلبسًا قناع الجمود حينما رد عليها التحية:
- اهلا
قالها باقتضاب اوقف الإبتسام على وجهها، ليتبع بصوت جاف:
- ايه حكاية التاكسى اللى واجف بره ده ؟! .
ابتلعت صدمتها لتجيبه:
- التاكسى دا عشان يوصلنا للكوافير .
بخشونة خاطبها على الفور:
- مالوش لزوم وانا جاعد، روحي اندهى بدور وتعالى معاها، عشان هوصلكم انا بعربيتى .
تدخل راجح:
- طب اجعد شوية يا ولدى، اشربلك كوباية شاي حتى هو انت لحجت؟
أومأ باعتذار قائلًا:
- لا معلش يا عمى، اصل انا يدوبك أوصلهم وارجع تانى اجيب جدى من مشواره .
- مشوار ايه يا ولدى اللى راحوا جدك .
سأله راجح ورد يجيبه مراقبًا بطرف عيناه لها:
- مشوار يا عمى فى بلد كده جانبينا، أمرني اروح معاه واوصله بنفسي،
توقف يوجه كلماته إليها:
- يا للا على طول انا هطلع اتفاهم مع صاحب التاكسى وهاستناكم فى العربيه متتأخروش .
قالها وانصرف ذاهبًا على الفور دون انتظار، لتشيعه بعيناها حتى خرج من المنزل مغمغمة بالكلمات الحانقة عليه وعلى قلة ذوقه، وعلى كنبته كان راجح يتمتم سائلًا بفضول:
- يا ترى مشوار ايه اللي راحوا ابويا وانا معرفوش .
❈-❈-❈
- ها يا بتى ايه رأيك فى اللى جولتهولك ؟!.
سألها ياسين اَخيرًا بعد أن انهى الكلام الذي أتي من اجله، في جلسته مع نسمة ووالدته وابن ابنتها الكبرى والذي دائمًا ما يكون حاضرًا .
بحرج شديد ردت نسمة بارتباك:
- مش عارفه اجولك ايه ياعم ياسين! بصراحة انا خايفة .
قطب ياسين يسألها باندهاش:
- خايفه ليه بس يا بتى ؟! دا راجل زين وانا اضمنه براجبتى يعني عمره ما يكون زي اللي فات أبدًا، يعني ولا يكون عندك شك فيها دي، ما تجولى حاجة ايا ام جابر.
قالت الاَخيرة:
- أنا مليش رأى فيها دي يا ابو ياسين، الرأى رأيها هى، وهى ادرى بمصلحتها، عشان ما تجيش بعد كدة وتجول انتي ياما السبب، دي بتي وانا عارفاها.
تبسمت نسمة لولدتها قبل ان تتجه لياسين مخاطبة له:
- اصل حكاية ان معاه عيل دى، هي اللي جلجانى.
بحماس شديد رد ياسين:
- شوفى يا بتى، عشان تبجي على نور من أولها، انا جولتلك على ولده عشان دا عيل يتيم، يعنى لو راعيتى ربنا فيه هتكسبى ثواب كبير جوى، وعبد الرحيم راجل مجتدر ويعتمد عليه، وبرضك انتى حرة فى رأيك، لو شايفة نفسك متجدريش عليها دي.
صمتت نسمة بتفكر امامه، فتابع لها:
- خدي فرصتك وفكري زين قبل ما تردى عليا، لكن لو عايزه رأيى عن ثقة ، اجوزهولك وانا مغمض عيني.
❈-❈-❈
توقف بالسيارة التي تقلهم امام محل الكوافير المقصود، وجمود حاله لم يتغير أو ينقص، مما جعل نهال تتريث عن الترجل قليلًا حتى تحاول لترضيته، فقالت لشقيقتها:
- انزلي يا بدور، اسبجينى انتي وانا جاية وراكى .
اومأت رأسها بدور بتفهم ترد وهي تلملم أشيائها:
- تمام بس حاولي متتأخريش.
انتظرت نهال حتى ذهبت شقيقتها لتخاطبه:
- ممكن لو سمحت تفرد بوزك دا شوية.
رد مدحت مستهبلًا:
- نعم حضرتك، ايه بتجولى ؟! .
تمالكت تحاول السيطرة على انفعالها منه، تقول متابعة:
- بجولك حاول تفك شوية يا مدحت، النهاردة خطوبتنا ، يعنى لو جعدت بمنظرك ده، الناس هاتجول علينا ايه بس !!.
بضحكة مستخفة خالية من المرح ردد خلفها:
- اَه، يعنى انتى هامك الناس وبتعرفي جوي الحاجة دي، امال ما همكيش ليه منظرى امبارح؟ جدام جدى وابوكى وعمامى وعيال عمامى، لما وجفتي تعانديني وتحرجيني ومهمكيش منظري ولا هيبتي اللي راحت مع عيال عمي وهما بيتريجوا، ولا ياسين اللي كان فرحان فيا، بعد ابوكي ما لاجاها فرصة عشان يمشي كلمتك عليا.
شهقت نهال بخضة قائلة:
- يا نهار اسود، كل ده يا مدحت، انا عملت كل ده عشان بس جولت انى مش عايزه جواز حالياً.
بعصبية قاطعها بقوله:
- ليه يا نهال مش عايزه جواز ؟! دراستك وانا جولتلك هاتكملى فى بيتي، دا غير اني هساعدك باللي تحتاجيه، ايه بجى؟ عايزة إيه تانى ؟! .
بتريث ردت تجيبه هذه المرة:
- طب نتكلم بصراحة وارجوك تسمعنى للاَخر وتفهمنى .
بهدوء رد هو الاَخر:
- جولى يا نهال أنا عايز الصراحة.
ابتلعت تقول بتردد:
- انا خايفه لمقدرش اوفج بين دراستى والجواز، وكنت ناويه اقترح عليك، أن نأجل الجواز كام سنة.
جحظت عينيه وتلون وجهه بالغيظ، حتى خشت أن تصيبه ازمة قلبية، قبل ان يهدر بها:
- انتى عايزة تشلينى يا نهال؟ استنى سبع سنين، هو انتي عايزاني اموت ناجص عمر يا نهال؟.
قال الأخيرة بصرخة رافعًا اصابع كفيه امامها في الهواء بعدد سبعة، فقال بخوف
- انا جولتلك افهمنى يا مدحت، وبلاش اسلوبك ده.
هدر بها بحسم مقاطعًا مرة أخرى:
- إسمعى يا نهال، انا جولتلك انى هاساعدك واخليكى تكملى فى بيتى، وانا راجل وملزم بكلمتى، انتى بجى موافجه بالجواز من اساسه ولا ليكى رأى تانى ؟! .
نفت سريعًا على الفور:
- لا والنعمة ماليا رأى تانى، أنا بس بجولك على اللى مخوفنى وبس، وكمان انا نفسى يبجى فرحى كبير واشرف عليه بنفسى، لكن باستعجالك ده مش هجدر اعمل ولا حاجة من اللى عيشت طول عمرى احلم بيها فى فرحى .
كلماتها هذه المرة كانت من الأقناع حتى جعلته، يصمت قليلَا بتفكير قبل أن يقول بحزم:
- ماشى يا نهال، نستنى ٦ شهور زى ما جال جدي، بس النهارده تبجى خطوبة وكتب كتاب، والكلام ده مفيش منه رجعه .
حاولت فتح فمها للجدال ولكنه اوقفها بقوله الصارم:
- ها عندك اعتراض؟
❈-❈-❈
في منزل ياسين مساء حضر المدعوين بعددهم المحدود من الأهل والأصحاب، لحضور حفل الخطبة وعقد القران الذي فاجيء به مدحت الجميع بإعلانه، مما كاد أن يتسبب بأزمة مع راجح والد العروس الذي اعترض فعله، وكادت ان تحدث مشكلة لولا تدخل ياسين بحكمته في ارضاءه والتوفيق بين ابنه والمجنون الاَخر
ابتدأ الحفل أولا بمأدبة عشاء للرجال الذي حضروا عقد القران في المندرة ، وبعد ذلك كانت الجلسة في صالة المنزل الكبيرة لكل عروسين بالتقاط الصور التذكارية معهم وتناول الحلوى والمشروبات الغازية بعد ارتداء خاتم الخطوبة.
بدور هذه المرة كانت ترتدي فستان من اللون الفيروز ناسب لون عينيها المتغير حسب الإضاءة والحالة النفسية لها، وقد كانت في اعلى مرحلها من السعادة، بزينة خفيفبة وحجاب حريري زاد من جمالها المبهر والخاطف للأنظار، بجوار عاصم الذي كان بفرحة لا يمكن وصفها رغم إصابة يــ ده وقدمه
أما نهال فقد كانت في حالة من الأرباك والتخبط، بعد ان باغتها مدحت بعقد القرآن في اللحظات الاخيرة، فلم يعطيها فرصة التفكير حتى، إن كان هذا من الجيد أن سيؤثر على دراستها ، ولكنه لم يؤثر على جمالها الظاهري، بزينة من المساحيق حددت ملامحها الجميلة ، وفستان من الستان ناسب رشاقتها المعتادة، لتزيد من فرحة مدحت بجوارها، وقد ارتسمت الابتسامة على ملامح وجهه بشدة، بعد أن نفذ ما برأسه وانتصر في معركته، بأن أصبحت حبيبته حلاله، ليبدو بجوارها كالطفل ينظر لها بهيام وضح أمام الجميع .
تكلمت نهال بخجل وانظارها تنتقل كل دقيقة نحو صديقاتها، نهى و بثينة، الاتي كما يلوحن لها بالهاتف للالتقاط الصور، ومداعبتها بشقاوة الفتيات
- استريحت انت دلوك لما نفذت اللى مخك وكتبت الكتاب؟
رد مدحت بابتسامة متوسعة؛
- جوى .جوووووى .
اربكها بزيادة فلم تملك إلا أن تجاريه هي الأخرى وتبادله الإبتسام .
في الناحية الأخرى
كان عاصم يراقبها باستغراب ليسألها:
- ايه يا بدور؟ شغالة تعدلى وتجلبى فى ايــ دك، هي اول مرة تلبسى فيها دهب؟
رفعت رأسها إليه بفرحة تجيبه:
- هتصدجنى لو جولتلك، إن دي اول مرة اشوف الدبلة شكلها حلو كده فى يــ دى، المرة اللى فاتت كنت شايفاها وكأنها خاتم عادى، جاعد فى يــ دى مالوش لازمة، اسم دبلة ورمز خطوبة زي ما بيجولوا مكنتش حاسة بيه نهائي، انا النهاردة بس اتأكدت وعرفت اميز زين جوي الإحساس ده.
بقلب يضرب بين جنبات أضلعه بقوة، لا يصدق ما تلتقطه أذنيه من روعة الكلمات التي تردف بها، ليردد سائلًا:
- صح يا بدور؟ يعنى انتي فرحانة بشبكتى ليكى، ومش مكسوفه منى وانا جاعد جمبك كده بدراع ورجل مكسورين وبالتجبيرة بتاعتهم؟
بصدق ظهر جليًا في نبرتها، قالت:
- ولا عمري اتكسف منك ولو كنت بأي وضع حتى، دا غير اننا وسط اهلنا ومحدش غريب .
بابتسامة رضا وارتياح طالعها عاصم يقول:
- ربنا يخليكى ليا يا بدر البدور، وما يحرمني منك ابدا.
وفي جانب الحضور جاءت زهرة شقيقة مدحت المتزوجة ببلدة أخرى في الصعيد، وهي حامل بشهرها السادس من أجل فرحتها بشقيقها والتي كانت ظاهرة للعيان حتى انتبهت لها تحدث والدتها:
- واعيه ياما اخويا مدحت فرحان كيف؟ دي اول مرة اشوفه بيضحك كدة من وجت ما كبر واتعلم وبجى دكتور وحافظ مركزه.
بسعادة تغمرها ردت راضية:
- واعيه يا بتى، ربنا يكمل فرحته على خير يارب،
وعقبت سميحة بجانبهم:
- الله اكبر عليهم الأربعة شكلهم يفرح الجلب .
بحزن داخلها كانت تخفيها بصعوبة قالت هدية:
- ربنا يكرم ولدى كمان زيهم، واشوف الفرحة دي في عينيه.
بكف يــ دها ربتت نعمات على ساعدها بدعم مرددة بتمني.
- ربنا يكرموا يا حبيبتى، بنات الحلال كتير، وهو يستاهل كل خير والله .
قالت زهرة متصنعة العتب:
- بس انا زعلانة منك يامــ رة عمى، الفرح دا ناجصه بطة، يعني كان لازم تتصرفوا وتجيبوها.
ضحكت نعمات تستجيب لمزاحها:
- ايوة يا ختي اعملي زيها، دي شندلتنا لما عرفت، عشان كان نفسها تحضر الخطوبة وعملت عمايلها وعايزانا نأجل ، واحنا نراضي فيها عشان دا كلام رجالة مينفعش نرجع فيه، بس ملحوجه ان شاء الله على الليله الكبيره تاجى وتهيصوا انتو وهى فى الفرح .
ردت زهرة بتمني:
- يا ريت يا مــ رة عمى، دى وحشتنى جوى جوي .
توقفت فجأة تجول بأنظأرها بتذكر سائلة:
- صح هى البت نيره راحت فين ؟!.
اجابت راضية:
- اختك راحت تجيب علب الحلاوة اللى فاضلة فى البيت، ما انتي عارفة العلب اللي هنا كلهم خلصوا
❈-❈-❈
وخارج المنزل، كان رائف لا يكف عن اطلاق الأعيرة النارية في الهواء احتفاءًا بالخطوبة وعقد قران أخيه، وفي تحدي منه كطفل صغير، كان بلال هو الاَخر يطلق من بندقيته العديد من الطلقات عاليًا، ليتبادل النكات والكلمات الطريفة مع الاخر .
أما حربي فقد كان بجانب وحده يكتنفه التوتر بشدة، في انتظار انتهاء الفرح ، حتى يختلي بجده ويفاتحه في موضوع زو اجه من نسمة، حتى اقترب منه منعم صاحب بلال والذي كان من ضمن الحضور ليقف بجواره سائلًا:
- حربى هى مين البت الحلوة دى اللى داخلة بيت جدك؟
بعدم تركيز رفع رأسه نحو الجهة التي يقصدها، فتوسعت عينيه فور ان علمها، لينهره بتعصب قائلًا:
- وانت مالك؟ هو انت جاي تبص ع البنته عندينا ولا ايه؟
باعتذار على الفور ردد منعم رفعًا كفيه في الهواء:
- اسف يا ابو عمو، دي شكلها تخصك باين ولا ايه؟ اسف مرة تانية.
حدجه بنظرة ساخطة، ثم ذهب من جواره يتركه بدون رد، ليصل عندها ويوفقها قبل أن تلج داخل منزل العائلة هاتفًا بقوة:
- إنتي يا بت، ايه اللى مطلعك دلوك فى الليالى ؟! .
اجفلها بصيحته حتى اوقعت علب الحلوى من يــ دها، لتجيب مخضوضة:
- وه .. خلعتنى يا حربى.
وقعت عينيه عليها بانبهار، فهذه كانت اول مرة يراها، بزينة نسائية تضعها على وجهها، مرتدية فستان باللون النيتي الذي اظهر انوثة كانت مختفية بها، فخرج صوته باهتزاز رغم خشونته:
- وانت ايه اللى يطلعك فى الوجت ده لوحدك يا نيره " ؟!!!!.
الفصل الثلاثون
لأول مرة تلفت نظره، ويرى عن قرب ملامحها ليكتشف أنها جميلة، طوال سنوات عمره ومعرفته الدائمة بها، كان يراها ابنة عمه متصنعة الرجولة، ذات اللسان الطويل، التي لطالما تشاجر معها في طفولتهما، فقد كانت دائمًا ما تتحداه ولا تسمع لأمره، وهذه الصفة من أكثر الصفات التي يمقتها، بندية تشاكسه وكأنها رجل مثله، رجل قد اختفى اليوم وحل مكانه امرأة جميلة جعلت يشرد بها للحظات، حتى لم ينتبه لمعظم ما قالته، حتى هتفت به بغباءها المعتاد تفيقه: .
- إيه يا حربى مالك ؟ هو انت توهت !!
- يا بت ال....
تمتم بها حانقًا قبل أن يرد:
- انتى دايماً كده دبش يا بت، ما تعرفيش تنجى كلامك واصل.
بعدم اكتراث لوحت بكفها تقول بتذمر:
- وانا اعملك ايه يعنى؟! ما انا بجالى فترة عماله اكلمك وانت ولا واخد بالك خالص.
رد حربي بضيق:
- معلش يا ست البرنسيسة سرحت فى حاجة كدة تخصنى، كنتى انتي بتجولى ايه بجى؟
تخصرت تقول مشددة على كلماتها:
- بجوللك الحلاوة اللى وجعت منى دى واتبحشكت فى الارض اللمها كيف انا دلوك ؟ وانت السبب عشان خضيتنى .
بنظرة شاملة طالعها ليرد بنفس طريقتها:
- لهو انتى عايزه تلمى الحلاوة من الارض جدام الناس اللى رايحة جاية فى الشارع!
رددت تزيد في استفزازه:
- ما انا بسألك يا ناصح عشان تجولى اعمل ايه !!
ضغط على شــ فته السفلى بأسنانه بغيظ، ليرفع قبضته مهددًا
- غورى دلوك، وانا رايح اجيب غيرهم غوري بدل ما اتعصب عليكي جدام الناس في الشارع، غووورى .
ناظرته باستنكار رافعة طرف شفتــ ها، لتتركه مذعنة بعد ذلك، يتابعها هو بنظراته، وقد تعلقت عينيه بالفستان الذي يضم جســ دها، حيث كان ضيقًا في الأعلى حنى الخصر، لينزل بعد ذلك باتساع ليظهر القد الانثوي من الخلف بروعة، لم يقدر على رفع عينيه عنها، وقد بلغ منه الغيظ أن يغمغم بالكلمات الحانقة عليها:
- جاكى حنش ولا ترلة تايهة تعتر فيكي، ولا !!! ... وه، هى البت دى اتدورت وبجت كدة، من امتى؟
❈-❈-❈
في منزل العمدة
كانت انتصار في جلستها متربعة القدمين على مقعدها، تحاوط بكفيها رأسها الذي يأن من الصداع الذي الم بها من وقت عودتها من زيارة المحامي الخاص بزوجها وابنها والذي صارحها بالموقف الصعب للأثنان في القضايا التي عليهم، لتفاجأ بالفرح المنعقد بمنزل ياسين لأحفاده المتسببين في ذلك، ومع كل اطلاق للنار تسمعه تشعر به على وشك الإنفجار
- اااااه .. ااه .. سامعة يا بت سامعة؟ هما يفرحوا ويتهنوا وانا ولدى ضنايا، نايم على البرش هو وابوه فى السجن مع السوابج والمجرمييين .
فوقية التي كانت جالسة على الأرض أسفلها، تظهر التأثر، وعينيها منشغلة بصوت الاساور الذهبية وهي تتحرك في إيــ دي انتصار:
- معلش يا ست هانم، بكرة ربنا يفك حبسهم .
- بكرة!، اه، دا المحامى اللى هابش منى شئ وشويات بيجولى، إنه هيحاول يخفف الحكم عليهم والبرائه تنسيها، بيجولي البرائة تنسيها يا ختي .
انتفضت فجأة صارخة مع صوت إطلاق النار التي وصلها من الخارج، لتصرخ مرددة:
- ساااامعة؟ سامعة ضرب النار من ياسين وعيال عياله اللي فرحانين؟ اعمل ايه يا ناس؟ نار جايدة فى جسمى ولازم اطفيها الليله دى.
باجفال ودهشة سألتها فوقية:
- ازاى يعنى يا ست هانم، هاتطفيها كيف ؟!
بكفيها كانت تضرب على فخذيها مرددة بغيظ وغل:
- مش عارفة، مش عاااارفة، بس انا لازم احرج جلب ياسين زى ما حرج جلبي، وانكد عليهم ليلتهم، بس اعملها ازى دي؟ لو متولي جاعد دلوك كان ساعدنى؟ جبيصى المخبل ده ما يعرفش يتصرف .
- طب واللى يساعدك يا هانم تديلوا كام؟
قالتها فجأة فوقية وعينيها تزوغ كل دقيقة على الذهب الذي يلمع بكف انتصار، والتي ردت على الفور:
- اللى هو عايزه يا بت، حتى لو الآفات .
❈-❈-❈
جاعده ما مشتش، والنعمة يا شيخ جامدة!
قالتها زهرة بمشاكسة لشقيقها الذي كان جالس بجوارها، هي ووالدتها، وانظاره في الناحية الأخرى تتابعها وقد تقف وتتسامر صديقاتها، فرد بعدم تركيز
- مين هى اللى جاعدة!!
بغمزة بطرف عيناها، قالت زهرة:
- حبيبة الجلب اللى عينك رايحة جاية عليها، حتى وهي مع صاحباتها، إيه يا عم ما وحشتكش اختك الغلبانة؟ دا انا بجعد بالشهور ما بشوفكش .
بمنكافة استجاب لها رد مقارعًا:
- إيه يا ست زهرة؟! دا انتى من الصبح جاعدة معايا فى بيت ابوكي، ضحك وحكاوي ما بتخلصش كل ده مشبعتيش مني؟
تدخلت راضية في الحديث ملطفة:
- معلش يا ولدى، اختك وبتهزر معاك بتناغشك، هو انت معرفهاش يعني ولا عارف غلاستها؟
تبسم قائلًا:
- وانا مش زعلان منها، على جلبي زي العسل، بس اللى مزعلنى صح انها مجبتيش العيال معاها.
بوجه متجعد ردت زهرة بقرف:
- يا عم افتكر لنا حاجة عدلة، دا انا ما صدجت حماتى وافجت انهم يجعدوا معاها واجى بطولى، هو انا فيا حيل للمناهتة معاهم؟ المهم خلينا فى فرحتك انت، ربنا يتمملك بخير ونشوف عوضك.
أممم من خلفها وعينيه ذهبت نحو مقصدها مرة أخرى :
- اللهم امين يارب
❈-❈-❈
وفي جهة الفتيات فقد كانت الأسئلة الفضولية من بثينة ونهى نحو صديقتهن التي فاجئتهم الأمس بخبر خطبتها وشقيقتها اليوم ليتفاجئن عقب حضورهن بعقد قرانها، وليست خطبة عادية ومحدودة كما كانت تقول.
بثينة بلهفة:
- قرى واعترفي وقولى انك كنت مخبية علينا يا خاينة قولى.
- اصل .......
قالتها لتقاطعها نهى بقولها.
- اصل ايه وفصل ايه ؟! دا انتى سنتك مش معدية معانا.
قالتها لتطلق نهال ضحكتها المعروفة، قبل ان تجفل على النظرة النارية التي حدجها بها مدحت من مقعده بجوار شقيقته ووالدته، فعقبت بثينة:
- يا نهار اسود، دا عينه بطق شرار .
ردت نهال وقد اربكتها نظرته القوية نحوها:
- هو فعلا اسود ومنيل بستين نيله كمان، ربنا يستر ، انا لازم اخد بالي من هنا ورايح يا جدعان، دا خلاص بجى كلمته عليا رسمي.
اضافت نهى هي الأخرى:
- وشكله كدة هينفوخك عليها دي، لا احنا نمشى بجى، عشان شكلنا كده عكينا معاكى يا اختى وانتى الى هاتشيلى الليله .
بجدية خالية من العبث ردت نهال:
- ليه بس يا بنتي؟ هو انتو لحجتوا ؟! .
ردت نهى:
- لحجنا ايه ؟ دا احنا اتأخرنا كمان، انا يدوبك نزلت البلد سلمت على اهلى وجيتلك على طول عشان اللحج اروح بدرى ومتأخرش بكرة عن الكلية.
بثينة ايضًا:
- اَه صحيح يا نهال، انتى فايتك محاضرات كتير، امتى هتخلصيهم ؟ .
بنتهيدة قوية مع رفرفرة بأهدابها ردت تجيبها:
- اه ما انا واخدة بالي منها دي، بس مدحت جالى انه هايساعدنى .
بابتسامة استجابت بثينة تشاكسها:
- اه يا ختي قولي كدة، يا بخت من كان الدكتور جو زو .
بتصنع الجدية قال نهال:
- لا لا يا ست بثينة انا مسمحلكيش، انا ملتزمة ومش في حاجة للدكتور ولا لأي أحد.
عقبت بثينة ضاحكة:
- انتي هتقوليلي؟ دا انتي ملتزمة اوي .
شاركنها الفتيات الضحك حتى قالت نهى مستأذنة بعملية:
- انتي الجعدة والهزار معاكي ميتشبعش منها، بجولك ايه ؟ احنا نكمل بعيدين لأننا يدوبك نمشى عشان نحصل ميعاد الجطر، ياللا بجى سلام والف مبروك مره تانيه .
امسكت نهال بالاثنتان قائلة:
- طب استنوا اخلى حد يوصلكم المحطة.
ردت بثينة:
- يا بنتى مفيش داعى، ثم كمان مين دا اللى هايسيب الفرح ويطلع معانا ؟! .
❈-❈-❈
رائف، يا رائف، تعالى هنا.
هتف بها مدحت وهو يخرج بالفتيات من منزل العائلة، فقالت نهى بإحراج:
- يا دكتور مالوش لزوم والله.
بألية وهو يسير معهن رد برزانة وانظاره في الأمام نحو شقيقه :
" : لا ازاى مايصحش طبعاً .. رائف يا رائف .
التف الاَخير برأسه إليه، وقد كان واقفًا مع مجموعة من اصدقائه يتحدث ويتسامر معهم، استئذن يتركهم ليقابل شقيقه في وسط الطريق، وقد انتبه إلى الفتيات من خلفه، بأعين متسائلة خطف نظرة نحوهن قبل ان يجيبه:
- ايوة يا خوي، نعم عايزنى فى حاجة! .
رد مدحت بجدية اَمرًا
- تاخد البنات وتوصلهم للمحطة.
تدخلت بثينة بحرج لتثنيه:
- يا جماعة احنا مش عايزين نتعبكوا .
- مفيش تعب ولا حاجة.
قالها مدحت وعقب رائف بتفكه وانظاره ارتكزت على نهى التي كانت مطرقة رأسها بخجل:
- لا طبعا بالعكس، دا انتو حتى تعبكم راحة
❈-❈-❈
الصلاة ع الصلاة، دا انتى عندك حق ما تعبريناش بقى، مدام قاعده فى العز دا كله يا فوفتى .
- لم نفسك يا زكى، انا طلبتك عشان مصلحة تعملها من سكات، مش عايزه نصايب فاهم !
- امرك يا فوفتى !
- هو دا يا بت!
قالتها انتصار بعد أن خرجت من غرفتها لتقابل هذا الشاب الذي ذكرت لها عنه فوقية، بتقيم وتفحص، جالت عينيها عليه من شعر رأسه وهذه القصة العجيبة بها، وبشرة وجهه البيضاء وهذه الندبة في وسط الحاجب الشمال، وبعض الحبوب واثارها التي خلفت بعض الحفر، بنظرة عينيه الوقحة رغم ما يدعيه من أدب، لتنزل على ما يرتديه من تيشيرت باهت اللون في الأعلى، و اسفله بنطال من الجينز القديم، وفي الاخير خف بلاستيكي في قدمه، بادره بالحديث حينما طالت نظرتها:
- نعم يا هانم أؤمري.
لم تعيره انتباهاً والتفت نحو فوقية التي قالت تجيبها:
- ايوه يا ست هانم هو دا زكى، اللي قولتلك عليه، دا هيعجبك جوى .
بتعجرف جلست لتضع قدمًا فوق الأخرى تقول فاردة ظهرها:
- لما نشوف كلامك هيطلع صح عنه، ولا هيبجى مجرد كلام.
قاطعها زكي:.
- لا يا هانم انا معنديش الكلام، انا كل حياتي تنفيذ وبس.
سألته بتعالي:
- يعني انت عرفت كويس انا عايزه ايه منك ؟
- عرفت يا هانم وفوقية، ورتنى البيت كمان بس فاضل بس نتفق على حقى .
سمعته انتصار فقالت بحزم:
- إسمع اما اجولك، انا عايزه المطلوب يتم الليله وفلوسك انا هاديك نصها دلوك، وبعد ما تيجينى البشارة، هابعتلك النص التانى مع فوقية، جريبتك، ها زين كده ومرضى .
بضحكة سمجة اظهرت أسنانه الأمامية:
- طبعا مرضى يا هانم وانت كمان هتنبسطى مني خالص
❈-❈-❈
بعد أن اطمأن على الفتيات، بان أقلهم شقيقه في سيارته لتوصيلهن إلى محطة القطار، دلف عائدًا لداخل منزل العائلة وعينيه تبحث عنها يمينًا ويسارًا، حتى وجد شقيقته نيرة والتي كانت تسير غير منتبهة، حتى أوقفها ليسألها:
- بت يا نيرة، هى نهال راحت فين؟ انا مش شايفها
ردت نيرة وفمها ممتلئ بقطع الشيكولاته التي تتناولها بنهم:
- عمتى صباح خدتها هى وعاصم وبدور على اؤضة السفرة، ونبهت عليا لما اشوفك اجولك انت كمان تدخل عشان تتعشى معاهم .
عبس يرمقها بضيق وهو يردد خلفها:
- يعني هي نبهت عليكي انك لما تشوفيني، تديني خبر، وانتي ما شاء الله عليكي، ما فتكرتيش غير لما انا ندهت عليكي وسألتك.
ردت نيرة بنبرير:
- طب انت مكنتش جاعد، وانا مخدتش بالي منك غير لما ندهت
بغيظ لوح بقبضته امام وجهها قائلًا:
- ولا كنتي هتاخدي بالك، طول ما انتي حاطة همك في الأكل وبس، خفي يا بت من الشيكولاتة دي لتضرك الله يخرب بيتك.
قالها وذهب على الفور، لتغمغم هي في اثره مرددة:
- واخف وكل ولا شيكولاتة ليه يعني؟والخير كتير والحمد لله، ربنا ما يجيب حاجة عفشة.
التفت برأسها لتجد حربي أمامها واقفًا بعلب الحلويات المغلفة، يخاطبها بصوت خشن:
- خدى العلب دى بدل اللى راحت، اهى جديدة ومن افخر الانواع .
بلهفة التقطت العلبة منه لتفحصها بتمعن وكأنها وجدت كنز، قائلة بفرح:
- الله يا حربى، النوع ده كان ناجص عندينا، متشكرين جوي يا واد عمى .
بدهشة تطلع للفرحة التي ارتسمت على وجهها ولهفتها في فتح العلب وتناول القطع الصغيرة منها بتلذذ، فقال مدعي الغيظ
- العفو يا ستي، المهم خفى انتى على اكل الشيكولاتة شوية.
قالها وذهب هو الاَخر، لتظل فاغرة فاهها للحظات قبل ان تتمتم خلفه:
- وه، انت كمان؟!
❈-❈-❈
على طاولة السفرة التي جمعتها مع شقيقتها وخطيبها من الناحية الأخرى، كانت هي في انتظاره والطعام امامها، دون ان تلمسه، تتلاعب في هاتفها حتى أذا ما حضر، انتبهت ورفعت رأسها اليه، بابتسامة انارت وجهها، لتجعله ينسي الدنيا وكل شيء، تقدم حتى جلس على مقعده أمامها، ليقول غامزًا بعينيه:
- وحشتك يا عسل؟
سمعت منه لتهديه ابتسامة ثم انطلقت بضحكتها العفوية مصدرة صوت يجعل قلبه يتراقص داخله بصخب،
هذه المره ضحكت ضحكتها المميزه ذات الصوت العالي بعض الشيء، زادته ابتهاجًا مهللًا بشقاوة
- ايوه كده .. سمعينى الضحكة
- ما تراعوا يا جدعان ان فى ناس جاعده معاكم ع السفرة
قالها عاصم لينتبه اليه مدحت، وقد كان جالسًا على اخر الطاولة يتناول الطعام مع بدور التي كانت تخبئ وجهها وهي تضحك بصوت مكتوم، ورد الاَخر بضيق:
- يا حبيبي وانت بجى جاعد هنا من امتى ؟! .
بابتسامة متسعة قال عاصم يشاكسه:
انا جاعد هنا من بدري يا حبيبى، جاعد مستنيك عشان اللجمة تحلى .
استجاب مدحت للمزاح ليقول بقرف:
- لا يا حبيبي كل مع نفسك وبص فى طبقك، عيب يا بابا ترمى ودنك معانا، ما تسمعش عنها دي.
ضحك عاصم باندهاش ليوجه انظاره نحو بدور قائلًا:
- اه يا واد عمي صح عندك حج، دا انا نسيت ان انتوا ناس متجوزين. عقبالنا لما نحصلكم.
تبسمت بدور بخجل، كفعل شقيقتها التي همس لها الاخر:
- وانا اللى جولت اخيرا هنجعد لوحدينا؟
❈-❈-❈
في محطة البلدة وبعد ان اوصلهم رائف، حتى جلسوا على مقاعد الانتظار، قام بقطع التذاكر على نفقته رغم اعتراضهن، لم يرحل وفضل بكرم أخلاق منه عدم المغادرة، سوى بعد ان يطمئن عليهن بداخل القطار.
نهى والتي كانت تموت من الاحراج، تكلمت وخرج صوتها اخيرًا بارتباك:
- ااا.. خلاص يا أستاذ رائف، روح انت؟
بانتشاء داخله وقد راقه صوتها ونبرة الخجل به، طالعها بطرف عينيه يقول برزانة غريبة عنه:
- لا طبعًا مينفعش اروح، انا لازم استنى معاكم، لحد اما تركبوا الجطر.
تدخلت بثينة قائلة :
- وليه مينفعش بس يا استاذ رائف؟ احنا فى المحطة و الناس هنا كتير حوالينا .
- برضك لازم استنى معاكم .. انا مش هطمن غير لما تركبوا الجطر جدامى .
بتوتر ازداد اضعاف ردت نهى عله يستمع ويقتنع:
- بس احنا مش عايزين نعطلك اكتر من كدة، وخصوصاً فى يوم زى دا، لاحسن كماه الجطر يتأخر عن ميعاده.
بنظرة جريئة خطفها نحوها قبل أن يلتف نحو جهة القطار مرة أخرى"
- مفيش عطلة ولا حاجة، انا مش ماشي غير بعد ما اطمن عليكم .
بامتنان شديد قالت بثينة:
- بصراحة احنا عاجزين عن الكلام معاك والتعبير عن امتنانًا، حقيقى الف شكر ليك .
- لا شكر على واجب .
❈-❈-❈
في صالة المنزل الواسعة، وبعد أن غادر معظم الحضور، وتبقى فقط افراد العائلة من الأهل، تجمعوا في جلستهم لتبادل النكات والأحاديث الطريقة حول ياسين الذي كان سعيدًا كالعادة بجمعتهم حوله، وقالت صباح:
- الليلة النهاردة على كد ما انها كانت ع الضيج، بس وكتاب الله كانت ليله عسل.
قالت راضية بغبطة تغمر قلبها :
- صدجتي يا حبيبتي، دا كفاية فرحتهم.
تدخل بلال بقوله:
- بس كله كوم ومدحت اللى مشى كلمته وجاب المأذون فجأه كوم تانى، ابن اللذينة مشى كلمته علينا كلنا بجنانه.
عقب راجح بغيظ:
- متفكرنيش يا بلال دا انا اتغظت غيظ لولا ابويا ما هدانى لكنت فركشتها وخلصت.
رد عبد الحميد مستنكرًا:
- بعد الشر يا شيخ، ربنا ما يجيب فركشه ولاحاجة عفشه، دا احنا ما صدجنا والله إن ربنا فك عجدته.
عقب ياسين ضاحكًا:
- لا مدحت دا دماغه صعبة جوى لما يحط حاجة فى مخه، ياللا السلامة، جال وانا اللي كنت فرحان فيه امبارح، ابن الفرطوس ردهالي النهاردة، وحطني في مغرز، لا انا جادر ارفض ولا جادر اتبع ولدي اللي كان هيعملها مشكلة، غصب عني اضطريت اهاوده، واهدي راجح، ليعجلوا مع بعض وابوظ الليلة ع الكل، بلوة مسيحة عرف ازاي يمسكني من يدي اللي بتوجعي.
قالها ياسين وانطلقت الضحكات الصاخبة من الجميع، ليستطرد سائلًا بانتباه:
- ألا هو فين صح؟ مش شايفه يعني لا هو ولا عاصم ولا البنتة.
ردت تجيبه صباح من بين ضحكاتها:
- مطلعوش يا بوي من ساعة ما حطتلهم العشا وهما بجالهم ساعه جوا، كانى عجبتهم الجعده ع السفره باين ولا إيه ههه!
بصوت متأثر رغم ضحكاته، قال بلال :
- سيبيهم يا عمتى فرحانين، وعايزين يجعدوا مع بعض ويحكوا ويتحاكوا، ليلتهم بجى، ومصدجوا لجيوا الفرصة.
سأله محسن بانتباه:
- صح يا بلال، انت مش ناوى تجيب عيالك يعرفوا ناسهم يا ولدي؟ خليهم يشوفوا ناسهم، ويأخدوا ع البلد.
رد بلال:
- هجيبهم يا عمى، المرة الجاية ان شاء الله ع الفرح، وهو بالمرة ناخد أجازة زينة وياخدوا ع البلد زي ما جولت.
علق سالم موجهًا خطابه لمحسن:
- يا للا كمان عجبال ما نفرح ب حربى بالمرة، خلاص الدور الجاي عليه.
تمتم محسن بالدعاء، واكتفى حربي بابتسامة، فقد كان عقله مشغول، وعينيه تتنقل من جده إلى نيرة التي كانت تضحك غير مبالية بأي شيء، وصدر صوت هدية بينهم بتمني تردد:
- يارب يسمع منك يارب .
❈-❈-❈
بداخل سيارة شقيقه التي كان يقودها للعودة إلى منزل العائلة، بعد أن اقل الفتيات صديقات نهال، وظل معهم حتى استقلوا القطار، كان يدندن على انغام الأغنيه الدائرة في مذياع السيارة، بانبساط ومرح يغمره، لا يعلم سببه، ولا السبب الذي جعله بتصرف بهذه الشهامة والمروءة المبالغ فيها منذ قليل، مضحيًا بنصف الليلة على محطة القطار، ولكنه فعل بنفس راضية ومتقبلة،
فعل مستمتعًا بملامح الخجل واعتراضها بحرج لفعله، فعل و...... توقف فجأة عن افكاره وعن كل شيء كان يدور برأسه، ليركز بانتباه نحو الجهة التي يخرج من الدخان على مستوى نظره، مع حركة البشر الغير عادية، ليقترب بسيارته ويقترب صوت الصراخ اكثر، مع تصاعد الدخان من الشارع المعروف لديه، ليزيد باختراقه حتى وضحت الصورة جيدًا، ليصعق برؤية مصدر الحريق في المنزل الأقرب إليه منذ الطفولة، والذي قضى به معظمها، بارتياع غير عادي توقف بسيارته، ليتناول الهاتف يتصل بوالده، ليجيئه الرد بعد لحظات:
- ألوو، ايوه يا رائف يا ولدي، انت فين محدش شايفك يعني؟
تغاضى عن الرد يقول بصوت منفعل:
- اللحج يا بوى، بيت عمى والعة فيه النار .
انتفض عبد الحميد لينهض عن كرسيه مفزوعًا، يسأله، حتى اثار الرعب بقلب من حوله:
- عمك مين يا واد؟ وبيت مين اللي تقصده ؟
صدرت الهمهمات والغمغمات من حوله، تجاهل ليسمع جيدًا رد ابنه من الناحية الأخرى:
- بيت عمى راجح يا بوى !!!
.... يتبع