أخر الاخبار

رواية عندما يلتقي الطين بالصلصال الفصول ١ ، ٢، ٣، ٤

 عندما يلتقي الطين بالصلصال 

رواية عندما يلتقي الطين بالصلصال   الفصول ١ ، ٢، ٣، ٤

رواية عندما يلتقي الطين بالصلصال

بقلم فهد محمود
 الفصول ١ ، ٢، ٣، ٤
البارت الاول 

كانت الشمس قد بدأت تغرب على البلدة الصغيرة التي نشأت فيها ياسمين، ممسكة بيدها بعض الأدوات الصغيرة التي تستخدمها في نحت الرمل. جلست أمام البحر الذي كانت أمواجه المتهادية تعكس أشعة الشمس الأخيرة. كان المكان بالنسبة لها أشبه بملاذ هادئ، تخرج فيه كل ما يدور في عقلها من أفكار.


"يا ياسمين، كل ده شغلك؟" جاء صوت سلمى، صديقتها المقربة منذ الطفولة، وهي تنظر باندهاش إلى ما كانت تعمل عليه.


نظرت ياسمين إلى منحوتتها الرملية التي كانت قد بدأت تتلاشى بفعل الرياح، وابتسمت ابتسامة حزينة.

"آه يا سلمى، زي ما انتي شايفة، مفيش حاجة بتفضل، كله بيروح مع أول نسمة هوا."


جلست سلمى بجوارها وهي تحاول فهم السبب وراء إصرار ياسمين على هذا النوع من الفن الذي لم يكن يدوم.

"طيب ليه متحاوليش تعملي حاجة تفضل؟ يعني الناس كلها بتحب تشوف شغل يفضل فترة، إنما ده كده مش هياخد حقه أبداً."


نظرت ياسمين إلى سلمى وهي تبتسم بإصرار.

"الفن مش بس حاجة تعيش يا سلمى، الفن رسالة، إحساس، مش مهم يعيش قد إيه، المهم إن اللحظة اللي بيتشاف فيها، يبقى كل حاجة واضحة. يعني، الحياة نفسها مش دائمة، إزاي يبقى الفن دايم؟"


أخذت سلمى نفسًا عميقًا وهي تحاول استيعاب تلك الفلسفة.

"طيب وناوية تفضلي هنا؟ يعني، البلدة الصغيرة دي مش بتدعم الفنون اللي زي اللي انتي بتعمليه. مفيش معارض، ولا في ناس بتفهم الشغل ده."


أشاحت ياسمين بوجهها نحو البحر مرة أخرى، تتأمل الأمواج وكأنها تبحث عن إجابة.

"فكرت كتير في الموضوع ده، يمكن يكون الوقت إني أسيب البلدة وأروح المدينة الكبيرة. سمعت إن هناك فيه معارض وأماكن ممكن تقدّر اللي بعمله."


تغيرت نبرة سلمى إلى القلق.

"المدينة؟ ده قرار كبير، وانتي هنا متعوده على الناس والهدوء. هناك الدنيا هتبقى زحمة وصعبة. إزاي هتتعاملين مع كل ده؟"


ابتسمت ياسمين بثقة مفاجئة.

"مش هخاف، مش هي دي أول مرة أواجه تحدي. من وأنا صغيرة وكنت بواجه اعتراضات على اللي بعمله. حتى بابا الله يرحمه كان شايف إني بضيع وقتي في الشغل ده. لكن دلوقتي... مش هسيب حلمي."


صمتت سلمى لوهلة وهي تتذكر والد ياسمين، الرجل الذي كان دائماً يعبر عن حبه لفن النحت، لكنه لم يفهم أبدًا لماذا فضّلت ابنته هذا الأسلوب غير التقليدي.


"طيب... إنتي متأكدة؟ مش خايفة من الفشل؟" قالت سلمى بنبرة مليئة بالقلق.


هزّت ياسمين رأسها بإصرار.

"الفشل؟ كل تجربة هي خطوة أقرب للنجاح. ولو مكنتش هقدر أثبت نفسي في مكان واحد، هحاول في مكان تاني. الأهم إني مش هقف."


تنهّدت سلمى وهي تدرك أن ياسمين قد اتخذت قرارها.

"ربنا يوفقك يا ياسمين، بس إياك تخسري نفسك وسط المدينة الكبيرة دي."


ابتسمت ياسمين بخفة.

"ما تخافيش عليّ. المدينة مش هتغيّرني، أنا اللي هقدر أغيّر فيها."


في هذه اللحظة، كانت السماء قد بدأت تظلم، والبحر أصبح أكثر هدوءًا. نظرت ياسمين إلى الأفق وهي تتخيل حياتها القادمة في المدينة. كانت تعلم أن الطريق لن يكون سهلًا، لكن شغفها وحبها لفنها كانا دائمًا دافعًا لها للاستمرار.


"خلاص، هسافر قريب. هبدأ حياة جديدة، وهنحت التاريخ بتاعي زي ما بنحت كل منحوتة، حتى لو كانت لحظية."


ابتسمت سلمى وهي تحاول إخفاء قلقها.

"طب، يعني انتي قررتي خلاص؟ مش هترجعي في كلامك؟"


هزّت ياسمين رأسها بحزم.

"خلاص، قررت. أول ما أقدر أخلص شوية حاجات هنا، هبدأ في تجهيز سفري."


تنهدت سلمى وهي تحاول التخفيف من حدة الموقف.

"طيب، لو احتجتي أي حاجة، أنا موجودة. بس بلاش تنسينا في المدينة الكبيرة دي، فاهمة؟"


ابتسمت ياسمين.

"ازاي أنساكي؟ انتي أكتر حد دعمني طول حياتي. وصدقيني، مفيش حاجة هتبعدني عن اللي بحبه. المدينة مش هتنسيني مين أنا."


نظرت سلمى إليها بحزن مكتوم وهي تدرك أن الأمور قد تغيرت فعلاً.

"طب، هتوحشيني. بجد، البلدة من غيرك مش هتبقى زي ما هي."


ضحكت ياسمين بخفة وهي تمسك بيد سلمى.

"إيه ده؟! مش كده يا سلمى! ده انتي اللي هتوحشيني أكتر. وكل ما الدنيا تزنق عليا هناك، هبقى أفتكر البحر ده وجلساتنا هنا."


أخذت سلمى نفسًا عميقًا وكأنها تحاول أن تسيطر على مشاعرها.

"خلاص يا ستي، مش عايزة أكون عائق قدامك. روحي وحققي اللي بتحلمي بيه."


ردّت ياسمين بصوت هادئ.

"ده مش معناه إني مش هحتاجلك. دايمًا انتي جنب قلبي مهما كنتي بعيدة."


في تلك اللحظة، كان البحر قد بدأ يهدأ تمامًا، وكأن الطبيعة كانت تعلن نهاية اليوم وبداية لشيء جديد. وقفت ياسمين، وبدأت تجمع أدواتها بهدوء.


قالت سلمى بابتسامة حزينة.

"خلاص؟ آخر جلسة هنا؟"


هزّت ياسمين رأسها.

"آه، يمكن تكون آخر جلسة، بس مش هتكون آخر ذكرى. كل لحظة هنا كانت بداية لحاجة أكبر. وحسافر وأنا شايلة كل ده معايا."


وقفت سلمى بجوارها وهي تراقب الأمواج.

"انتي شجاعة بجد يا ياسمين. يا رب تحققي كل اللي بتحلمي بيه."


ابتسمت ياسمين بثقة، وهي تنظر إلى الأمام وكأنها ترى المستقبل بوضوح.

"إن شاء الله. مش هسيب حلمي مهما كانت الصعوبات. المدينة هتكون مجرد مرحلة جديدة في طريقي."


انتهت الجلسة، لكن داخل ياسمين، كانت هناك بداية جديدة تتشكل.


كانت ياسمين تسير في الطريق الترابي المؤدي إلى منزلها، تتأمل الأشجار المتناثرة على جانبي الطريق وكأنها تودع كل زاوية في البلدة. السماء بدأت تظلم، والرياح الخفيفة تهز أوراق الشجر برفق. فجأة، سمعت صوتًا مألوفًا يناديها من بعيد.


"يا ياسمين! استني!" صاح عماد، جارهما الذي كان يركض نحوها وهو يلهث.


توقفت ياسمين والتفتت إليه مبتسمة.

"إيه يا عماد؟ إيه اللي خلاك تجري ورايا كده؟"


اقترب منها عماد وهو يمسح عرقه.

"سمعت إنك هتسيبي البلدة وتسافري؟ ده الكلام صح؟"


ابتسمت ياسمين بهدوء.

"أيوه، غالبًا هسافر قريب."


نظر إليها عماد بدهشة، ثم قال بحزن.

"مش مصدق إنك فعلاً هتسيبينا... انتي من الناس اللي وجودها هنا ليه معنى."


ضحكت ياسمين بخفة وهي تحاول أن تهدئ من قلقه.

"يا عماد، البلدة مش هتتغير كتير بعدي. وأنا مش هروح في مكان بعيد أوي. لسه هنفضل نتواصل."


أخذ عماد نفسًا عميقًا وهو يحاول أن يخفي حزنه.

"عارف إنك لازم تروحي عشان تحققّي حلمك، بس كان نفسي تفضلي هنا وسطنا. هتوحشينا."


وضعت ياسمين يدها على كتف عماد بلطف.

"اللي بيننا مش هيتغير يا عماد. وأنا أكيد هفضل أرجع أزوركم من وقت للتاني. يعني مش هختفي للأبد."


بينما كانوا يتحدثون، مرت سيارة صغيرة على الطريق الترابي، وكان يقودها أبو خالد، الرجل الكبير في السن الذي يملك المزرعة القريبة. توقف بجانبهم ونزل من السيارة بابتسامة دافئة.


"يا بنتي، سمعت إنك ناوية تسيبي البلدة. ده صحيح؟" قال أبو خالد بصوت هادئ.


أومأت ياسمين برأسها.

"أيوه، يا عم أبو خالد. خلاص، قررت أسافر للمدينة الكبيرة."


أبو خالد هز رأسه بتفهم.

"قرار كبير، بس أنا متأكد إنك هتنجحي. دايمًا كنتي شاطرة وفنّانة بمعنى الكلمة. خليكي واثقة في اللي بتعمليه."


ابتسمت ياسمين وهي تشعر بالدعم من جميع من حولها.

"شكرًا يا عم أبو خالد. إن شاء الله هحاول أرفع راسكم."


بينما استمرت ياسمين في السير، كانت تسمع أصوات الناس من البيوت القريبة، كلهم يعرفون عن قرارها. بعضهم كان يشجعها، والبعض الآخر كان يشعر بالحزن لفراقها. لكنها كانت متأكدة من قرارها، رغم كل المخاوف والقلق الذي قد يواجهها.


وصلت إلى باب بيتها، وكان الهواء باردًا الآن. فتحت الباب ودخلت، لتجد والدتها جالسة في غرفة المعيشة، تطرز بقطعة قماش قديمة.


"اتأخرتي يا ياسمين، كنتِ فين؟" سألتها والدتها دون أن ترفع عينيها عن التطريز.


ابتسمت ياسمين وهي تخلع حذاءها وتقترب من والدتها.

"كنت مع سلمى شوية وبعدين قابلت عماد وعم أبو خالد في الطريق."


نظرت الأم إلى ابنتها بنظرة ملؤها الحنان.

"كلهم عارفين إنك هتسافري. أنا برضه عارفة إن القرار ده صعب عليكي، لكن إنتي قوية وهتقدري تتغلبي على أي حاجة."


جلست ياسمين بجوار والدتها، وشعرت بيدها الدافئة وهي تمسك بيدها.

"ماما، أنا عارفة إن السفر هيكون تحدي، بس أنا لازم أخوضه. ده الحلم اللي أنا عايشة عشانه."


هزت والدتها رأسها بتفهم.

"أيوه يا حبيبتي، وأنا معاكِ. أهم حاجة إنك تفضلي قوية وما تسيبيش أي حاجة توقفك."


تنهّدت ياسمين وهي تشعر بمزيج من الحماس والخوف.

"إن شاء الله يا ماما. هعمل كل اللي أقدر عليه."


في تلك اللحظة، كانت ياسمين تدرك أن قرارها بالسفر لم يكن مجرد مغامرة لتحقيق حلمها الفني، بل كان أيضًا رحلة لتكتشف ذاتها وتثبت لنفسها أنها قادرة على مواجهة العالم الكبير خارج حدود البلدة الصغيرة.


كانت ياسمين تتجول في غرفتها تلك الليلة، عيناها تتنقل بين أشيائها القديمة، من تماثيل صغيرة نحتتها منذ سنوات، إلى صور معلقة على الجدران تحمل ذكريات طفولتها. كان كل شيء في الغرفة يروي قصة، وكل قصة كانت تتعلق بشيء عزيز على قلبها. صوت هاتفها قطع حبل أفكارها.


"يا ياسمين، إيه الأخبار؟ كنتي فين طول اليوم؟" صوت مروة، صديقتها المقربة، ملأ الغرفة.


أجابت ياسمين وهي تحاول إخفاء تعبها.

"كنت بلف في البلدة، كان لازم أودع الأماكن اللي بحبها قبل ما أسافر."


صمتت مروة قليلاً، ثم قالت بصوت متردد.

"أنتِ فعلاً قررتي تسيبي البلدة؟ ده قرار نهائي؟"


أغمضت ياسمين عينيها، وهي تحاول أن تجمع شجاعتها.

"أيوه، مروة. لازم أخوض التجربة دي. ده الحلم اللي كان دايمًا في بالي."


تنهدت مروة بحزن.

"هتوحشينا بجد يا ياسمين. البلدة من غيرك هتبقى ناقصة."


ابتسمت ياسمين وهي تنظر من النافذة إلى السماء المرصعة بالنجوم.

"انتي أكتر حد فاهمني يا مروة. بس ده مش وداع للأبد. هنتواصل دايمًا، وهترجعوا تشوفوني كل فترة."


سمعت مروة تنهيدة أخرى على الطرف الآخر من الهاتف، ثم قالت بشيء من الحماس.

"خلاص، طالما ده قرارك، يبقى لازم نحتفل! بكرة بالليل، تعالي على الكافيه اللي بنحب نقعد فيه. هنودعك بطريقة تليق بيكي."


ضحكت ياسمين.

"ماشي، بس متعمليش مفاجآت مجنونة!"


"مش بوعدك!" قالت مروة وهي تضحك قبل أن تقفل المكالمة.


في اليوم التالي، استيقظت ياسمين على صوت أمها وهي تحضر الفطور في المطبخ. نزلت بسرعة إلى الطابق السفلي، حيث وجدت أمها ترتب السفرة بابتسامة خفيفة.


"صباح الخير يا ماما." قالت ياسمين وهي تجلس إلى الطاولة.


"صباح النور يا حبيبتي. إيه؟ فكرتي في كل حاجة؟" سألتها والدتها وهي تضع الشاي على الطاولة.


أخذت ياسمين قطعة من الخبز وبدأت تأكل ببطء.

"أيوه، فكرت في كل حاجة. أنا جاهزة."


نظرت الأم إلى ابنتها بتفحص، ثم قالت بنبرة حانية.

"أنا عارفة إنك دايمًا كنتي قوية، بس فاكرة، المدينة مش زي هنا. لازم تكوني مستعدة لكل حاجة."


ابتسمت ياسمين وهي تنظر إلى أمها.

"عارفة يا ماما. وأنا مش خايفة. كل يوم هنا كان تدريب على الحياة اللي جاية."


في تلك اللحظة، كان الباب يطرق. ذهبت ياسمين لتفتحه، ووجدت أحمد، أخوها الأصغر، واقفًا أمامها بوجه يحمل تعابير مختلطة بين الحزن والقلق.


"إيه؟ انتي خلاص هتسيبينا؟" قال أحمد بنبرة تخفي ألم الفراق.


احتضنت ياسمين أخاها.

"أيوه، بس هتكون فترة وهارجع. ومش هبعد أوي. هنفضل نتكلم كل يوم."


أحمد جلس على الكرسي بجانب السفرة وقال بنبرة أكثر جدية.

"بس أنا مش عايزك تروحي لوحدك. إيه اللي يضمن إن الدنيا هتبقى كويسة معاكي هناك؟"


ضحكت ياسمين وهي تمسك بيده.

"متقلقش يا أحمد. الدنيا مش هتكون سهلة، بس أنا مستعدة أواجهها. دايمًا هفضل أكون اللي انتوا بتعرفوه."


بعد الظهر، قررت ياسمين أن تقوم بجولة أخيرة في البلدة. تجولت في السوق الصغير الذي كان يعج بالحركة، رائحة الخبز الطازج وأصوات الباعة يملأون الأجواء. توقفت عند بائع التمر، عم رمضان، الذي كان يعرفها منذ صغرها.


"يا بنتي، سمعت إنك ناوية تسافري؟" قال وهو ينظر إليها بعينين مشبعتين بالحنين.


أومأت برأسها وقالت بلطف.

"أيوه يا عم رمضان، هنطلق على رحلة جديدة."


"ربنا يوفقك، يا ياسمين. دايمًا كنتي مختلفة، وعندي إحساس إنك هتكوني حاجة كبيرة." قال وهو يعطيها كيسًا صغيرًا من التمر.


أخذت ياسمين الكيس بابتسامة.

"شكرًا يا عم رمضان، دايمًا كنت بتدعمني."


تركت السوق وتوجهت نحو الشاطئ الذي كانت دائمًا تلجأ إليه عندما تحتاج للتفكير. جلست على الرمال، وأخذت نفسًا عميقًا وهي تستمع لصوت الأمواج. شعرت بلمسة خفيفة على كتفها، والتفتت لتجد سلمى واقفة بجانبها.


"عرفت إني هلاقيكي هنا." قالت سلمى وهي تجلس بجانبها.


"مش قادرة أبعد عن المكان ده." قالت ياسمين وهي تتابع الأمواج بعينيها.


نظرت سلمى إلى البحر وقالت بهدوء.

"مفيش حاجة هتبعدك عن اللي بتحبيه، يا ياسمين. حتى لو بعدتي جسديًا، روحك هتفضل هنا."


"عارفة. وهنا هيبقى دايمًا البيت اللي برجعله." قالت ياسمين بنبرة تجمع بين الحزن والتفاؤل.


نظرتا معًا إلى الأفق، وكأنهما تشتركان في لحظة وداع صامتة.


الفصل الثاني 

مع بزوغ فجر اليوم الجديد، كانت المدينة الكبرى تستعد لاستقبال يوم مزدحم. ضجيج السيارات، وزحام الشوارع، وصوت الأبواب تُفتح وتُغلق على عجل؛ كل شيء في هذه المدينة ينبض بالحركة. في وسط كل ذلك، كانت ياسمين تقف على باب المبنى السكني الذي استأجرت فيه شقة صغيرة، تحمل حقيبتها الثقيلة، وتحدق في السماء المرتفعة أمامها.


"ده بداية جديدة، يا ياسمين. خلي بالك، المدينة دي مش هينة." قالت ياسمين لنفسها وهي تلتقط نفسًا عميقًا قبل أن تخطو نحو باب المبنى.


أثناء صعودها الدرج، سمعت صوتًا من ورائها.


"إنتي الجديدة اللي سكنت في الدور التالت؟" سأل رجل بنبرة ودودة.


استدارت لتجد أمامها رجلًا في منتصف العمر، يرتدي زيًا رسميًا يحمل شعار شركة الأمن الخاصة بالمبنى.


"أيوه، لسه واصلة." أجابت ياسمين بابتسامة خفيفة.


"أنا عماد، حارس المبنى. لو احتاجتي أي حاجة، ما تتردديش." قال وهو يميل قليلاً للأمام ليحمل جزءًا من حقيبتها.


"متشكرة أوي يا أستاذ عماد. ده لطف منك." ردت ياسمين وهي تسير بجانبه نحو شقتها.


فتح عماد الباب بمهارة، ووضع الحقيبة في الداخل قبل أن يقول وهو يبتسم.

"هتلاقي المدينة هنا مختلفة عن البلدة، بس أكيد هتتأقلمي بسرعة. المهم إنك تبقي قوية."


أومأت ياسمين وهي تودعه، ثم أغلقت الباب خلفه بهدوء. نظرت حولها؛ الشقة صغيرة لكنها دافئة. النوافذ تطل على شوارع المدينة المزدحمة، وكان بوسعها سماع أصوات الحياة تملأ المكان. جلست على الأريكة وأخذت نفسًا عميقًا، وهي تتساءل: "يا ترى المدينة دي هتحتويني ولا هتبقى أصعب من اللي كنت متخيلة؟"


في المساء، قررت ياسمين الذهاب إلى أول اجتماع لها مع أحد منظمي المعارض الفنية. دخلت إلى مقهى صغير حيث تم تحديد اللقاء، وتوجهت نحو الطاولة في الزاوية. كان يجلس هناك رجل بشعر أشقر ونظارات دقيقة، يقرأ من جهاز لوحي.


"مساء الخير، حضرتك الأستاذ خالد؟" سألت ياسمين بنبرة رسمية.


رفع الرجل رأسه بابتسامة باردة.

"أيوه، حضرتك الفنانة ياسمين اللي اتكلمنا عنها؟"


جلست ياسمين وهي تحاول أن تضبط توترها.

"أيوه، أنا ياسمين. حابة أتكلم مع حضرتك عن المعرض المقترح وأفكاري للفن الزائل."


نظر خالد إليها نظرة تفحص، ثم قال ببطء.

"الفن الزائل؟ سمعنا عن الأسلوب ده، بس في المدينة هنا، الناس بتفضل حاجة تدوم. التماثيل الكبيرة، الأعمال اللي بتفضل مئات السنين. مش عارف إذا كان هيكون ليكي مكان بيننا."


تغيرت ملامح وجه ياسمين للحظة، لكنها تمالكت نفسها بسرعة وقالت بثقة.

"الفن مش لازم يكون دائم عشان يكون مؤثر. اللحظات الزائلة هي اللي بتسيب أكبر أثر في النفس."


أمال خالد رأسه قليلاً وكأنه يزن كلماتها.

"هديكي فرصة. هتعرضي حاجة صغيرة في المعرض اللي جاي، ونشوف رد فعل الجمهور. بس ما تعلقي آمال كبيرة."


في تلك اللحظة، ابتسمت ياسمين بهدوء رغم شعورها بالتوتر.


ياسمين، بثقة ولكن بنبرة خافتة: "متشكرة على الفرصة، الأستاذ خالد. أنا واثقة إن الجمهور هيلاقي في الفن الزائل حاجة مختلفة تستحق النظر."


خالد، وهو ينظر إليها بنظرة متفحصة: "الفرصة متاحة، لكن لازم تجهزي نفسك لأي رد فعل. الناس هنا مش بتحب الخروج عن المألوف."


ياسمين، بعد لحظة من التردد: "أنا مستعدة. دايمًا مؤمنة إن الفن مش لازم يكون حاجة ملموسة عشان يقدر الناس يحسوا بيه."


خالد، بابتسامة خفيفة وكأنه يختبر إصرارها: "نشوف. هبعتلك التفاصيل قريب، خليكي على استعداد."


بعد انتهاء الحديث، استأذنت ياسمين وانصرفت. الجو في الخارج كان باردًا، وشعرت بأنفاسها تتكثف أمامها وهي تسير ببطء نحو شقتها. لم تكن تتوقع أن يكون اللقاء بهذه البرودة، ولكنها لم تتخلَ عن أملها. ما زال لديها الفرصة.


---


في مكان آخر، وفي نفس المدينة، كان ليث يجلس في مكتبه الواسع، يتصفح ملفات مشروعه الضخم. برفقة فريقه الهندسي، كانوا يناقشون التصميمات التي تحتاج إلى اللمسة الأخيرة.


ليث، بنبرة جادة وهو يتحدث إلى فريقه: "مش كفاية نبني حاجة شكلها حلو. محتاجين حاجة تبهر الناس وتغير مفهومهم عن المتاحف. أنا عايز تصميم يخلي الناس يفتكروا المتحف ده طول حياتهم."


المهندس الأول، بحماس وهو يشير إلى تصميم ثلاثي الأبعاد على الشاشة: "فكرنا نعمل حاجة بتدمج بين العمارة الحديثة والتصاميم التراثية، بحيث نحافظ على الهوية بس نضيف لمسة مستقبلية."


ليث، بعد لحظة تفكير وهو ينظر إلى الشاشة: "حلو، لكن مش كفاية. محتاجين عنصر فني يجذب الناس من أول لحظة يدخلوا فيها المكان."


المهندسة الثانية، بتردد: "فيه فكرة إننا نضيف أعمال فنية تفاعلية، أو يمكن نعرض أعمال فنانين غير تقليديين. الناس بتحب الحاجات الجديدة والمختلفة."


ليث، وهو يميل على كرسيه ويفكر بعمق: "يمكن. محتاج أبحث أكتر عن فنانين مختلفين. عايز حاجة غير مألوفة تمامًا."


---


في نفس الوقت، كانت ياسمين تجلس في شقتها الصغيرة، تتأمل الأفكار التي قدمتها لخالد. شعرت بالقلق والخوف من ردة فعل الجمهور، لكنها كانت مؤمنة بفنها. فجأة، رن هاتفها، وكانت صديقتها من البلدة.


الصديقة، بحماس عبر الهاتف: "إيه الأخبار يا ياسمين؟ عملتي إيه النهارده؟"


ياسمين، وهي تنظر من النافذة وتبتسم: "قابلت خالد، منظم المعارض. هيديني فرصة أشارك في معرض قريب."


الصديقة، بانفعال: "إيه؟ ده خبر هايل! أنا واثقة إن الناس هيحبوا شغلك. مفيش زيه!"


ياسمين، وهي تنظر إلى السماء المظلمة: "مش عارفة. كان متردد قوي في البداية، بس أنا مؤمنة إن ده خطوة في الاتجاه الصح."


الصديقة، بتفاؤل: "خليكي واثقة. المدينة كبيرة وكل يوم فيها فرصة جديدة. المهم إنك ما تستسلميش."


أغلقت ياسمين الهاتف وهي تشعر بمزيج من الحماس والخوف. المستقبل أمامها مليء بالتحديات، لكن كان لديها إيمان بأن شيئًا كبيرًا ينتظرها.


---

في اليوم التالي، وبينما كانت الشمس ترتفع ببطء، شعرت ياسمين بنوع من القلق والتوتر، كما لو أن شيئًا كبيرًا على وشك الحدوث. قررت الخروج لاستكشاف المدينة أكثر، وكانت قد سمعت عن مهرجان فني في ساحة كبيرة في وسط المدينة. كان المهرجان يجمع فنونًا متنوعة، وربما كان هذا المكان الأنسب لتجد إلهامًا جديدًا.


---


في الساحة، كان الحشد يزداد، واللوحات والنحت والعروض الحية تملأ المكان. شعرت ياسمين بالانبهار، لكن كان هناك شيء مميز جذب انتباهها؛ ركن صغير في نهاية الساحة، حيث كان بعض الفنانين يعرضون أعمالهم في الهواء الطلق. اقتربت لتجد شابًا يتحدث بحماسة عن عمله.


الفنان الشاب، بفخر وهو يعرض تمثالًا زجاجيًا: "أنا باستخدم الزجاج المعاد تدويره في كل تماثيلي، بحب أوري الناس إن الفن ممكن يكون صديق للبيئة."


ياسمين، بإعجاب وهي تلمس التمثال برفق: "ده جميل جدًا... بس ليه اخترت الزجاج؟"


الفنان الشاب، بابتسامة واسعة: "لأنه زي الحياة، هش وقابل للكسر، بس في نفس الوقت، لو تعاملتي معاه بحذر ممكن يتحول لحاجة رائعة."


هزت ياسمين رأسها متأملة، وكأنها وجدت إجابة عما كان يشغل تفكيرها. استدارت لتكمل جولتها، لكن فجأة، دوى صوت انفجار عالٍ في السماء، وتطايرت الألعاب النارية لتغطي السماء بالألوان.


---


في مكان آخر، كان ليث يسير برفقة فريقه الهندسي نحو ساحة المهرجان. كان اليوم مميزًا بالنسبة له؛ سيحضر اجتماعًا مهمًا مع مجموعة من المستثمرين الذين قد يدعمون مشروعه. أثناء سيرهم بين الحشود، توقف ليث فجأة عندما رأى الفنان الشاب يتحدث عن أعماله الزجاجية.


ليث، بفضول وهو يتحدث إلى مهندسته: "الفن الزجاجي ده غريب جدًا، بس فيه حاجة بتجذبني في الطريقة اللي بيتكلم بيها عن هشاشة الحياة."


المهندسة، بابتسامة خفيفة: "يمكن يكون ده العنصر اللي كنت بتدور عليه لمشروع المتحف."


ليث، وهو يحدق في التمثال الزجاجي: "ممكن... بس لسه محتاجين حاجة أكبر، حاجة تهز الناس وتخليهم يفكروا."


---


بينما كانت ياسمين تواصل جولتها، لاحظت حشدًا يتجمع حول عرض حي لفرقة موسيقية محلية. وقفت تشاهد من بعيد، تتأمل كيف أن المدينة، رغم ضجيجها، يمكن أن تكون مليئة بالفن والإبداع. لكن فجأة، اشتد الحشد، وبدأ الناس يتدافعون.


ياسمين، بخوف وهي تنظر حولها: "إيه اللي بيحصل؟ ليه الناس بتجري كده؟"


في تلك اللحظة، اصطدمت بأحد الأشخاص الذي كان يركض في الاتجاه المعاكس. قبل أن تفهم ما يحدث، وجدت نفسها تسقط على الأرض، وبدأت ترى بعض الفوضى تنتشر في المكان. صوت سيارات الشرطة والإسعاف بدأ يملأ الأجواء.


---


في مكان آخر، كان ليث يتلقى اتصالًا عاجلًا.


ليث، بغضب وهو يرد على الهاتف: "إيه اللي بيحصل؟ ليه في فوضى في المهرجان؟!"


المتصل، بتوتر: "فيه شغب صغير، مجموعة من الناس اتخانقوا، والموقف خرج عن السيطرة."


أغلق ليث الهاتف بسرعة وبدأ يتحرك نحو الساحة الكبيرة حيث يتجمع الناس. كان يشعر بأن الموقف قد يتحول إلى كارثة لو لم يتم تداركه بسرعة.


---


في الساحة، كانت ياسمين تحاول النهوض بين الحشود المتدافعة، وفجأة، ظهر أمامها رجل يرتدي سترة سوداء، ينظر إليها بتردد.


الرجل الغريب، بصوت قلق: "إنتِ كويسة؟ شوفتك بتقعي من بعيد، محتاجة مساعدة؟"


ياسمين، وهي تلتقط أنفاسها وتحدق في وجهه الغريب: "أنا بخير، بس في إيه؟ ليه الناس بتهرب؟"


الرجل الغريب، وهو يشير بإصبعه نحو جهة الشرطة: "في شغب حصل بسبب الفرقة الموسيقية، بس مش عارف إيه التفاصيل."


---


في تلك اللحظة، اقتربت سيارات الشرطة وبدأت الأمور تتوتر أكثر. ياسمين لم تستطع أن تقف طويلاً؛ المكان أصبح مزدحمًا للغاية، والخوف بدأ يسيطر عليها.


الفصل الثالث 

مع حلول الليل وهدوء المدينة، جلست ياسمين على كرسي بجوار نافذة شقتها الصغيرة، تحدق في أضواء الشوارع المتلألئة. على الرغم من الفوضى التي شهدتها في الساحة اليوم، كانت لا تزال تحاول استيعاب تجربتها الأولى في المدينة الكبرى. كان داخلها خليط من الإثارة والخوف؛ المدينة هذه تحمل فرصًا، ولكنها أيضًا مليئة بالمفاجآت غير المتوقعة.


---


ياسمين، بهمس وهي تتحدث لنفسها: "كل حاجة هنا سريعة، محدش بيديك فرصة تتنفس، بس لازم أكون مستعدة لأي حاجة."


فجأة، رن هاتفها. لم تكن تتوقع اتصالاً في هذا الوقت المتأخر. نظرت إلى الشاشة لتجد رقمًا مجهولاً. ترددت قليلاً قبل أن ترد.


ياسمين، بحذر وهي تجيب: "ألو، مين معايا؟"


الصوت الغامض على الطرف الآخر، بهدوء: "مساء الخير يا ياسمين، أنا خالد، افتكرتيني؟"


شعرت ياسمين بالدهشة، فقد كان خالد هو من التقت به في المقهى لمناقشة المعرض الفني.


ياسمين، بصوت مرتبك: "آه، طبعًا افتكرتك. في حاجة؟"


خالد، بنبرة جادة: "عايزك تيجي بكرة عندي المكتب. عندي عرض ليكي ما ينفعش يتفوت."


---


في اليوم التالي، وقفت ياسمين أمام مبنى الشركة الذي يعمل فيه خالد. كانت متوترة، ولكن الفضول دفعها للتقدم. عند دخولها المكتب، كان خالد جالسًا خلف مكتبه، يرتب بعض الأوراق.


خالد، وهو يرفع رأسه بابتسامة باردة: "اتفضلي، يا ياسمين. كنت مستنيكي."


جلست ياسمين أمامه وهي تشعر ببرودة في أطرافها، لم تكن تعرف السبب، ولكن هناك شيء في هذا اللقاء لم يكن يبدو طبيعيًا.


ياسمين، بهدوء وحذر: "إيه العرض اللي حضرتك عايز تكلمني عنه؟"


---


بينما كان خالد يستعد للحديث، سُمع صوت طَرْق قوي على الباب، ودخل رجل في الأربعينات يرتدي بدلة رسمية داكنة. وقف بجانب خالد ونظر إلى ياسمين بنظرة حادة.


الرجل الغريب، بنبرة صارمة: "أنا حسام، مدير الأمن هنا. محتاج منك شوية معلومات عن اللي حصل في الساحة امبارح."


---


ارتبكت ياسمين، لم تتوقع أن يكون هناك تحقيق حول الأحداث التي شهدتها.


ياسمين، بتوتر وهي تنظر إلى خالد: "بس أنا كنت مجرد مشاهد، ما أعرفش إيه اللي حصل بالظبط."


حسام، بنظرة غير مُبالية: "الموضوع مش متعلق بيكي شخصيًا، بس إحنا عايزين نفهم كل تفاصيل اللي شوفتيه. الناس دي مش بتهزر."


---


بعد خروج حسام من المكتب، التفت خالد إليها مرة أخرى.


خالد، بصوت منخفض ومشوب بالجدية: "ياسمين، لازم تعرفي إن اللي حصل في الساحة مش كان مجرد شغب عادي. فيه حاجة أكبر بتحصل، واللي حصل مبارح كان رسالة."


---


شعرت ياسمين بارتباك أكبر.


ياسمين، بتردد: "رسالة؟ رسالة لمين؟"


خالد، بنظرة حادة: "فيه ناس عايزة تستفيد من الفن والمدينة دي بقت مسرح لألعاب خطيرة. لازم تقرري: يا إما تبقي جزء من اللعبة، يا إما تخرجي منها من غير خسائر."


---


خرجت ياسمين من المكتب وعقلها يغلي بالأسئلة. كل شيء بدا أكثر تعقيدًا مما توقعت. الآن، المدينة لم تعد مجرد مكان للعمل أو الفن؛ أصبحت ساحة معركة خفية، والمواجهة كانت أقرب مما تخيلت.


غادرت ياسمين المكتب وهي تشعر بتيار من القلق يكتسحها، أفكارها تتصارع. كانت تمشي بخطوات متسارعة نحو الشارع، تحاول استيعاب كل ما قيل لها للتو.


ياسمين، تحدث نفسها بصوت خافت: "أنا إيه اللي دخلني في كل ده؟ فن إيه ورسالة إيه؟ دي مجرد مدينة جديدة... ولا أنا غلطانة؟"


أثناء سيرها، رن هاتفها مرة أخرى. هذه المرة كان الرقم غير مسجل ولكن بدا مألوفًا.


ياسمين، تلتقط الهاتف بتوتر: "ألو، مين؟"


الصوت الغريب، ببرود وثقة: "مساء الخير يا ياسمين. سمعت إنك كنت في اجتماع مع خالد النهارده."


تجمدت ياسمين في مكانها. من الذي يتابع خطواتها؟ وكيف يعرف تفاصيل يومها؟


ياسمين، بغضب وقلق: "إنت مين وعايز إيه؟"


الصوت، بنبرة تحدٍ: "مش مهم مين أنا، المهم إنك تكوني واعية إنك دلوقتي تحت الأنظار. المدينة دي مش بس فن وزحمة، ده عالم معقد، وعينيك فتحت على حاجات ما كانش لازم تشوفيها."


---


أغلقت ياسمين الهاتف بسرعة، قلبها ينبض بسرعة غير معتادة. تشعر بأنها محاصرة في شبكة من الغموض، ولم تعد تعرف من تثق به. مشت بسرعة باتجاه المقهى الذي عادة ما تزوره لتهدئة أعصابها.


---


دخلت إلى المقهى وجلست في زاوية بعيدة، تحاول استرجاع أنفاسها. فجأة، لمحت من بعيد رجلًا يجلس بالقرب من النافذة، عيونه تتابعها بتركيز. لم تستطع تجاهل الإحساس بأن هذا الرجل يعرف شيئًا عن الموقف الذي وجدت نفسها فيه.


ياسمين، تتحدث إلى النادل وهي تحاول إخفاء توترها: "قهوة سادة لو سمحت."


بينما تنتظر القهوة، كانت عيناها تتنقلان بين الوجوه في المقهى. حاولت استجماع أفكارها، لكن كل شيء كان غير واضح. رن هاتفها مجددًا، هذه المرة كان الرقم لعماد، حارس المبنى.


عماد، بنبرة ودية قليلاً: "يا أستاذة ياسمين، في ناس بتسأل عنك في المبنى. حد مهم تقابليه؟"


---


تجمدت ياسمين في مكانها. من هؤلاء الناس الذين يسألون عنها؟


ياسمين، بقلق: "إيه الناس دي، عماد؟ حد قالك اسمهم؟"


عماد، بصوت هادئ لكن حذر: "مش قالوا اسم، بس واضح إنهم ناس من النوع اللي مش بتقابليه كل يوم. خلي بالك."


---


وضعت ياسمين الهاتف ببطء وهي تشعر بأن العالم من حولها يتقلص. الموقف يتعقد بسرعة شديدة، وهي لا تعرف إن كان بإمكانها أن تثق بأحد.


---


فجأة، اقترب منها الرجل الذي كان يراقبها من النافذة. جلس بجانبها دون أن يطلب الإذن، وابتسم ابتسامة باردة.


الرجل، بصوت منخفض مليء بالغموض: "ياسمين، المدينة دي أكبر من مجرد معارض فن. كنتي فاكرة إنك جايه تعملي فن زائل؟ الحقيقة إن اللي بتعمليه هو اللي ممكن يخليكي تزول."


---


اتسعت عينا ياسمين بصدمة.


تراجعت ياسمين قليلًا في مقعدها، تشعر بضغط هائل في صدرها. من هو هذا الرجل؟ ولماذا يتحدث معها بهذا الغموض؟ شعرت بأن العالم يضيق من حولها، وأنها تتورط في شيء لا تفهمه.


ياسمين، بصوت متوتر ومحاولة للاحتفاظ بهدوئها: "إنت مين؟ وعايز مني إيه؟"


الرجل، بابتسامة باردة وثقة غامضة: "أنا مجرد وسيط، جاي أوصل رسالة. مش كل اللي بتشوفيه قدامك هو الحقيقة. اللي ورا الكواليس أكبر من كده بكتير."


---


تسلل الخوف إلى قلبها. تحاول أن تجد كلمات ترد بها عليه، لكنها تشعر بأن كل شيء ينهار من حولها.


ياسمين، تحاول استجماع شجاعتها: "أنا مش فاهمة حاجة، بس اللي عارفاه كويس إني مش هسكت ولا هخاف. لو حد بيحاول يهددني، فده مش هينفع."


الرجل، ببرود وهو يقف مغادرًا الطاولة: "الوقت كفيل يوضح لك كل حاجة. بس خلي بالك، فيه عيون كتير بترقبك."


---


تراقبه وهو يغادر المقهى، لم تستطع الحركة لدقائق. يدها كانت ترتجف وهي تلتقط فنجان القهوة وتحاول أن تهدئ نفسها. الوضع يتطور بشكل سريع وغير متوقع، ولم تعد تعرف إلى من تلجأ.


---


في هذه اللحظة، دخلت فتاة إلى المقهى، بدت أنها في منتصف العشرينات، وبدون تردد توجهت إلى طاولة ياسمين.


الفتاة، بلهفة وهي تقترب منها: "إنت ياسمين؟"


رفعت ياسمين رأسها لترى الفتاة واقفة أمامها، علامات القلق واضحة على وجهها.


ياسمين، بنبرة دفاعية: "أيوه، أنا مين حضرتك؟"


الفتاة، بصوت متسرع: "أنا سارة، بشتغل في المعرض اللي كلمتي خالد عنه. لازم أقولك حاجة مهمة، فيه حاجة غلط بتحصل حوالين المعرض، ولازم تبقي حذرة."


---


تراجع القلق لياسمين إلى الخلف للحظة، حل محله فضول وخوف أكبر.


ياسمين، بتوتر وهي تميل نحو سارة: "إيه اللي بتقولي ده؟ هو في إيه؟"


سارة، بصوت منخفض وهي تنظر حولها بحذر: "أنا مش عارفة التفاصيل كلها، بس فيه حاجة مش سليمة في الطريقة اللي بيتعامل بيها خالد والناس اللي معاه. فيه حاجة أكبر بتحصل في الكواليس، مش مجرد معرض فن."


---


شعرت ياسمين بأن الأمور بدأت تأخذ منعطفًا أكثر خطورة، ولم تعد تعرف من تثق به. نظرت حولها وهي تتساءل إذا كان كل هذا مجرد تخيلات أم أن هناك مؤامرة حقيقية تحاك ضدها.


ياسمين، بصوت حائر ومحاولة لفهم الموقف: "طب أعمل إيه؟ أبدأ منين؟"


سارة، بجدية وهي تحاول أن تهدئها: "أول حاجة، ابعدي عن خالد لحد ما تتأكدي من اللي بيحصل. وأنا هحاول أجيب معلومات أكتر وأبقى على تواصل معاكي."


---


غادرت سارة المقهى بسرعة، تاركة ياسمين وحدها تواجه دوامة من التساؤلات والمخاوف.


جلست ياسمين بمفردها على الطاولة، تمسكت بكوب القهوة بيديها وكأنها تحاول أن تجد فيه شيئًا من الدفء أو الطمأنينة.


ياسمين، تحدث نفسها بصوت منخفض: "إيه اللي دخلني في الموضوع ده؟ أنا جايه هنا عشان الفن والحياة الجديدة، مش عشان مؤامرات وغموض."


---


تنهّدت بعمق، لكنها شعرت بأنها محاصرة. كانت بحاجة إلى فِعل شيء، ولكنها لم تعرف من أين تبدأ. فجأة، رن هاتفها المحمول.


ياسمين، ترد بصوت متردد: "ألو؟"


---


على الطرف الآخر، جاء صوت مألوف.


عماد، بصوت هادئ لكن يحمل قلقًا: "مساء الخير يا آنسة ياسمين، إنتِ بخير؟ سمعت إن فيه مشاكل بتحصل."


---


تجمدت ياسمين في مكانها. كيف علم عماد بالأمر؟


ياسمين، بلهجة مشدودة: "إزاي عرفت؟ أنا مش حكيت لحد حاجة."


عماد، بصوت هادئ ومطمئن: "أنا شغلتي ألاحظ وأتابع. كنت شايف الرجل اللي خرج من عندك في المقهى. حاجة فيه مش عجبتني، بس بصي، لو احتاجتي مساعدة أنا هنا."


---


شعرت ياسمين براحة بسيطة، على الأقل هناك شخص يعرض مساعدته.


ياسمين، بتردد وهي تفكر في كلماتها: "متشكرة يا عماد، بس أنا مش عايزة أتورط حد. الأمور لسه مش واضحة."


عماد، بلهجة مطمئنة: "ولا يهمك، أنا موجود. لو احتاجتي حاجة أو شعرتي بأي خطر، بس اتصلي عليا."


---


أنهت المكالمة وهي تشعر بثقل أقل على صدرها، لكنها لا تزال في قلب العاصفة. كانت هناك أسئلة كثيرة تدور في ذهنها، وعليها إيجاد الإجابات بسرعة.


---


مع حلول المساء، قررت ياسمين العودة إلى شقتها. الطريق كان مزدحمًا بالناس والسيارات، وكأن المدينة تعيش في حالة دائمة من الفوضى. وبينما كانت تخطو نحو المبنى، رأت من بعيد رجلاً يقف في ظل أحد الأعمدة.


---


ياسمين، تحدث نفسها بخوف: "مين ده؟ هو بيراقبني؟"


---


تسارعت خطواتها نحو المبنى، لكن الرجل تبعها بعينيه. كان الشعور بالخوف يتزايد بداخلها مع كل خطوة. عندما وصلت إلى باب المبنى، تسارعت أنفاسها وهي تحاول أن تدخله بسرعة، ولكنها شعرت بيد ثقيلة على كتفها.


رجل غريب، بصوت منخفض وغامض: "يا آنسة، دقيقة بس."


---


تجمدت في مكانها، كانت تشعر بالرعب الشديد.


ياسمين، بصوت متلعثم: "عايز إيه؟"


الرجل، وهو يمد لها مغلفًا بنيًا: "فيه حاجة لازم تشوفيها."


---


اختفى الرجل بسرعة قبل أن تتمكن من طرح أي سؤال، وبقيت ياسمين واقفة تحمل المغلف بيد مرتعشة.


الفصل الرابع 


وقفت ياسمين للحظات، قلبها ينبض بقوة وهي تنظر إلى المغلف. شيء ما في داخلها أخبرها أن فتحه سيغير كل شيء. أخذت نفسًا عميقًا، وأدخلت يدها إلى الداخل ببطء.


ياسمين، تحدث نفسها بخوف: "يا ترى إيه اللي جوة ده؟"


فتحت المغلف ووجدت داخله مجموعة من الصور. تجمدت في مكانها عندما رأت الصور. كان والدها يقف مبتسمًا، ومعه رجل غريب، نفس الرجل الذي قابلته في المقهى.


ياسمين، تتحدث بصوت مضطرب: "إزاي؟... إزاي الصور دي هنا؟ و... مين الرجل ده؟"


فجأة، رن هاتفها مرة أخرى. هذه المرة كان الرقم غير معروف. رفعت السماعة بتردد.


ياسمين، بصوت خائف: "ألو؟"


الصوت، بلهجة تهديد: "شوفي الصور كويس يا آنسة ياسمين... اللي حصل زمان مكنش صدفة. ولو فضلتي تدوري، هتلاقي حاجات أكتر مش هتعجبك."


تجمدت ياسمين في مكانها، شعرت بأن قلبها يسقط في بئر لا قاع له.


ياسمين، بصوت مرتعش: "إنت مين؟ عايز مني إيه؟"


الصوت، ببرود مرعب: "ده مش سؤال تسأليه دلوقتي... ركزي على الصور. والأفضل إنك تسيبي الموضوع قبل ما يبقى متأخر."


قبل أن ترد، انتهت المكالمة. بقيت ياسمين في مكانها، الصور بيدها، وعقلها يدور بين الخوف والغموض.


بعد المكالمة، جلست ياسمين على حافة الأريكة، تتأمل الصور وكأنها تحاول فك اللغز الغامض الذي يحيط بها. الخوف كان يتصاعد بداخلها، لكن جزءًا آخر منها كان مصممًا على معرفة الحقيقة.


---


في هذه الأثناء، في مكان آخر من المدينة، جلس عماد في سيارته، يراقب المبنى الذي تسكنه ياسمين. أخرج هاتفه واتصل برقم مألوف.


عماد، بصوت حازم: "الوضع بقى معقد أكتر من المتوقع. لازم نتصرف بسرعة قبل ما توصل لحاجة ماينفعش نتداركها."


على الطرف الآخر، جاء صوت غامض: "إحنا لسه بنراقب. مفيش داعي للاستعجال."


---


بينما كانت ياسمين تفكر في خطوتها القادمة، قررت أن تتواصل مع أقرب صديقة لها، سارة، التي كانت دائمًا مصدر الدعم لها.


ياسمين، تتحدث بتوتر عبر الهاتف: "سارة، أنا محتاجة أشوفك دلوقتي، في حاجات غريبة بتحصل ومش عارفة أعمل إيه."


سارة، بصوت قلق: "إيه اللي حصل يا ياسمين؟ إنتِ كويسة؟"


ياسمين، بصوت خافت: "مش عارفة، حاجات غريبة. فيه حد بيراقبني، وفيه صور لوالدي مع ناس معرفهمش."


---


بعد ساعة، جلست ياسمين وسارة في نفس المقهى الذي بدأت فيه كل هذه الأحداث. نظرات سارة كانت مليئة بالقلق وهي ترى التوتر على وجه صديقتها.


سارة، بصوت مهدئ: "يا ياسمين، لازم نبلغ الشرطة. الموضوع كده بقى خطر."


ياسمين، بحيرة: "لا، مش عايزة أدخل حد تاني. مش عارفة مين ورا الموضوع ولا إيه اللي هيحصل لو عرفوا إني بحاول أوصل لحقيقة حاجة."


---


وفي نفس الوقت، كان هناك رجل آخر يراقبهم من زاوية بعيدة في المقهى، عينيه تتابع كل حركة. أخرج هاتفه وأرسل رسالة نصية بسرعة.


الرجل الغامض، يهمس لنفسه: "الخطوة الجاية هتبقى حاسمة."


---


في لحظة، رن هاتف ياسمين مرة أخرى. هذه المرة كان الرقم مختلفًا.


ياسمين، بتوتر: "ألو؟"


الصوت، بنبرة أكثر حدة هذه المرة: "قلت لك، إبعدي عن الموضوع. المرة الجاية مش هيكون تحذير."


---


أغلقت ياسمين الهاتف، قلبها ينبض بشدة، وعينيها مليئتين بالقلق والخوف. شعرت سارة بالخطر المتزايد، وأمسكت بيد ياسمين محاولة تهدئتها.


سارة، بلهجة صارمة: "يا ياسمين، مش هينفع نسكت. لازم نلاقي حل قبل ما الموضوع يخرج عن السيطرة."


ياسمين، بلهجة ضعيفة: "بس إيه الحل؟ كل مرة بحاول أهرب، بلاقي نفسي أكتر محاصرة."


---


في هذه الأثناء، كان عماد يقف أمام شقته، ينظر من النافذة إلى المدينة المزدحمة. عقله مليء بالتساؤلات. كان يعرف أن الوقت ينفد، وأن الأمور قد تخرج عن السيطرة قريبًا.


عماد، يتحدث لنفسه: "مافيش مجال للخطأ دلوقتي. اللعبة بقت أخطر من الأول."


---


الليل بدأ يسدل ستاره، والمشهد كان مهيبًا في المدينة. ومع كل لحظة تمر، يزداد الغموض ويقترب الخطر أكثر. ياسمين كانت تعلم أن هناك شيئًا كبيرًا في الأفق، لكن لم يكن لديها أي فكرة عن حجم المؤامرة التي تحيط بها.


ظلت ياسمين جالسة في مكانها للحظات، ويدها لا تزال تمسك الهاتف بشدة، وعقلها مليء بالتساؤلات. كيف يمكن أن ينتهي كل هذا؟ ماذا لو كانت الأمور أكبر مما تتخيل؟


سارة، بحزم وهي تنظر إليها: "لازم نتحرك دلوقتي قبل ما الأمور تسوء أكتر. مين الراجل اللي قابلتيه النهاردة؟"


ياسمين، تفكر بعمق: "ما أعرفش، بس اللي حصل النهاردة مش طبيعي. الرسائل اللي وصلتني، والراجل اللي كان بيراقبني… الموضوع كله متشابك."


---


في هذه الأثناء، كان عماد قد غادر سيارته واتجه نحو شقة ياسمين. كان يعلم أن كل دقيقة تضيع قد تجلب المزيد من الخطر. عندما وصل إلى المبنى، لاحظ الرجل الذي كان يقف في الظل من قبل. تجمّدت عيناه عليه للحظة، ثم قرر الاقتراب.


عماد، بصوت حذر: "إنت مين؟"


الرجل الغريب، بابتسامة غامضة: "مش وقت الأسئلة يا باشا. إنت متورط في حاجة مش هتعرف تهرب منها."


عماد، بتوتر لكنه يحاول إخفاءه: "بتتكلم عن إيه؟ أنا مش فاهم."


الرجل الغريب، بصوت منخفض: "هتفهم قريب. ولو كنت مكانك، كنت همشي بعيد قبل ما توصل الحقيقة."


---


داخل المقهى، كانت ياسمين قد بدأت تفكر في الرسالة التي استلمتها. المغلف البني لا يزال في حقيبتها، لكنها لم تتجرأ على فتحه حتى الآن. سارة كانت تنظر إليها بترقب.


سارة، بتوتر: "طيب، افتحي المغلف ده. يمكن نلاقي فيه إجابة لأي حاجة."


ياسمين، وهي تخرج المغلف بتردد: "مش عارفة إذا كان المفروض أعمل كده."


سارة، بإصرار: "افتحيه، ما عندناش خيار تاني."


---


ببطء، فتحت ياسمين المغلف لتجد صورًا قديمة ووثائق غامضة، بينها صورة لرجل لم تعرفه، لكن بجانبه كان والدها في صورة ملتقطة قبل سنوات عديدة.


ياسمين، بتعجب وصدمة: "ده... ده والدي! إيه اللي جابه في الصور دي؟"


سارة، بدهشة: "إنتِ متأكدة؟ إيه العلاقة بينه وبين الناس دول؟"


---


في تلك اللحظة، بدأت الخيوط تتشابك أكثر. ياسمين بدأت تشعر أن والدها كان متورطًا في شيء كبير، وربما هذا هو السبب في كل هذه الملاحقات والتهديدات.


ياسمين، وهي تنظر في الوثائق: "دي وثائق قديمة... مش فاهمة أي حاجة من اللي مكتوب."


سارة، وهي تفحص الوثائق: "اللي واضح إن الموضوع ليه علاقة بحاجة خطيرة. فيه أسماء دول ومؤسسات... دي حاجة دولية."


---


بينما كانت ياسمين تحاول استيعاب الأمر، رن الهاتف مرة أخرى. هذه المرة كان رقمًا مجهولًا.


ياسمين، بتردد: "ألو؟"


الصوت، بنبرة باردة: "مش كان المفروض تفتحي المغلف. دلوقتي كل حاجة هتبقى أصعب عليك."


---


تجمدت ياسمين، ونظرت لسارة بعينين مليئتين بالقلق.


سارة، بلهجة مشدودة: "مين؟"


ياسمين، بصوت خافت: "قال... قال إني ما كانش لازم أفتح المغلف."


---


في هذه اللحظة، قررت ياسمين أنها لم تعد تستطيع الهروب. كل الطرق تؤدي إلى مواجهة الحقيقة مهما كان الثمن.


ياسمين، بلهجة مصممة: "مش ههرب تاني. لازم أعرف إيه اللي بيحصل."


سارة، بقلق: "بس إنتِ لوحدك مش هتقدري. لازم نلاقي حد يساعدنا."


---


عماد كان لا يزال في الخارج يراقب من بعيد، يعلم أن هناك شيئًا كبيرًا على وشك الحدوث، وأن الوقت ينفد.


بينما كانت ياسمين وسارة تحاولان استيعاب ما يحدث، كان عماد قد قرر التدخل بشكل أكبر. توجه نحو الباب الخلفي للمقهى، حيث شعر أن شيئًا ما كان خطأ. بدأ هاتفه يهتز في جيبه، وتردد قبل أن يخرجه ويرد على المكالمة.


عماد، بصوت متوتر: "أيوة، مين معايا؟"


الصوت الغامض، بنبرة منخفضة: "اللي إنت بتدور عليه قريب، بس لازم تبقى مستعد للمواجهة."


عماد، بعصبية: "مواجهة إيه؟ مين إنت؟"


الصوت الغامض: "دي لعبة كبيرة يا باشا، ولو مشيت خطوة غلط هتدفع الثمن غالي. نصيحتي، انسحب قبل ما الأمور تتعقد أكتر."


---


عماد كان يعرف أن المكالمة هذه تعني شيئًا خطيرًا. أوقف السيارة بعيدًا وتوجه نحو الشقة التي تجلس فيها ياسمين وسارة. كان الوقت ضيقًا، وعليه التصرف بسرعة.


---


في الشقة، كانت ياسمين لا تزال تدرس الوثائق والصور. كان هناك اسمٌ مألوف ظهر في إحدى الصفحات: "المؤسسة".


سارة، وهي تقرأ بصوت منخفض: "المؤسسة؟ يعني إيه؟"


ياسمين، بحيرة: "مش عارفة، بس شكله اسم منظمة أو حاجة خطيرة."


---


قبل أن تتحدثا أكثر، سمعن دقات عنيفة على باب الشقة. تجمدت كل من ياسمين وسارة في مكانهما، ونظرتا نحو الباب بخوف.


سارة، بصوت مرتعش: "مين ده؟"


---


عماد، بصوت منخفض وهو يقف خلف الباب: "افتحي، أنا عماد. لازم نتكلم بسرعة."


---


فتحت ياسمين الباب ببطء، وعيناها تحملان تساؤلات عديدة. دخل عماد بسرعة وأغلق الباب خلفه.


عماد، وهو يلتفت بسرعة نحو ياسمين: "فيه تطورات، لازم نتحرك بسرعة. في حد بيراقبك وممكن يحصل حاجة خطيرة."


---


نظرت ياسمين نحوه بدهشة، وأمسكت الوثائق بإحكام.


ياسمين، بتوتر: "طيب، إيه اللي المفروض أعمله؟ أنا مش فاهمة حاجة."


عماد، وهو يلمح الوثائق: "إيه اللي معاك ده؟"


---


قبل أن تجيب، سمعوا صوت إطلاق نار من الشارع. هرعت ياسمين نحو النافذة لترى ما يحدث. كان هناك رجل يقف بجانب سيارة سوداء يحمل مسدسًا ويطلق النار في الهواء.


عماد، وهو يركض نحوها: "ابعِدي عن الشباك! الأمور بتزداد خطورة."


---


سارة، وهي تصرخ بفزع: "إحنا لازم نهرب! الأمور خرجت عن السيطرة!"


عماد، بحزم: "لازم نروح مكان آمن. في حد بيدور عليكم، واللي بيحصل ده مجرد بداية."


---


في تلك اللحظة، تلقى عماد مكالمة أخرى. رفع الهاتف بسرعة، وعيناه تلمعان بتوتر.


عماد، بصوت جدي: "أيوة؟... آه، فاهم... تمام، هنتحرك دلوقتي."


---


أنهى المكالمة، والتفت نحو ياسمين وسارة.


عماد، بحزم: "معانا وقت قليل. في ناس جايين دلوقتي، لو ما تحركناش هيلاقونا هنا."


ياسمين، وهي تحمل حقيبتها: "طيب نروح فين؟"


---


عماد، وهو ينظر نحو الباب: "في مكان مش هيعرفوا يوصلولنا فيه. بس لازم نتحرك دلوقتي."


---


بينما كانوا يستعدون للمغادرة، سمعوا خطوات تتقدم نحو الشقة. تصاعدت التوترات، والجميع تجمد في مكانه.


ياسمين، بصوت خافت: "في حد جاي."


---


فتح الباب ببطء، ودخل شخص غير متوقع.


رجل غريب، بنبرة هادئة وباردة: "أنا مش جاي أؤذيكم... لكن في معلومات لازم تعرفوها قبل ما تتخذوا أي خطوة."


---


نظرت ياسمين نحو عماد وسارة بتوتر. من هو هذا الشخص الجديد؟

يتبع 👇👇

https://firdausnovels.blogspot.com/2025/04/Asmaa_0654599736.html

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-