ايفلين
رواية ايفلين بقلم اسماء ندا الفصل الثامن عشر
الفصل الثامن عشر
ما كانش فيه داعي تتعب نفسك وتوصلني لحد البيت، حطيت إيدي على باب العربية، ونزلت بالراحة، وكاتمة وجع خفيف مسك في بطني.
"أنا اللي كنت عايز كده،" رد كورماك، ومد لي دراعه في ساعتها.
"دي طريقتك عشان تكفر عن اللي حصل؟"
لفيت إيدي حوالين دراعه ومسكت فيه جامد، حسيت بقوة ماشية في عضلاته مع أي حركة بسيطة منه، ادتني إحساس دافي بالأمان، يمكن كان معايا لما اتطعنت، بس ما كانش جنبي بالظبط، وجوده فوق راسي وإحنا طالعين السلم لحد باب شقتي، مطمني إن لو حصل أي حاجة تانية، هيحميني.
"يمكن." وطى راسه، ولما عيننا جت في عين بعض، رفع حاجبه. "برضه لسه نفسي تكوني في شقتي."
"لأ، شكراً." أنا محتاجة سريري أنا بالذات بعد المحاولة دي، وفشلي إني أنام في الليالي اللي فاتت في المستشفى ده، عرضه كان لطيف ومغري أوي، بس أنا كنت مهدودة، آخر حاجة عايزها إني أتعافى في مكان بيفكرني باللي حصل لي لما اتخطفت.
"المكان مش آمن،" كورماك أصر تاني، مع إنه ما اعترضش لما فتحت بابي ودخلنا.
"أنت هنا،" قلت ببساطة"حاسة بأمان أوي."
"مش هقدر أبقى هنا طول الوقت،" كورماك رد.
"آه، يعني كنت بتهزر لما قلت إنك مش عارف تبطل تفكير فيا،"
هزرت معاه بالراحة وأنا برخي قبضتي من على دراعه
"كنت عارفة إن ده كله كلام."
"ما كنتش بهزر،" رد بجدية كأننا لسه بنتخانق على تفاصيل الطعنة. "بس هما عارفين عنوان بيتك."
وصلت للمطبخ بتاعي، وحطيت الكيس الورق الصغير اللي فيه دوايا على جنب، ورحت عشان أصب لنفسي كوباية مية. "هما عارفين عنوان بيتك أنت؟"
"أيوه." كورماك اتنهد.
"بالظبط، هنا بقى أنا اللي بستفيد من سريري ومخدتي، فكده أنا اللي كسبت، آسفة "
أنا ما شفتش كورماك من النوع اللي بيبين تعابير وشه، بس طريقة رفرفة حواجبه بتقول إنه كان هيعمل كده لو كان أصغر بعشر سنين.
"منطقك ده بيعصب"
"بس خليك شاكر إني باخد مسكنات للألم"
أول ما خلصت صب المية لنفسي، إيده ظهرت فوق إيدي على الحنفية، وقفلها "هكون معاكي الليلة دي على قد ما أقدر، وبعدين دييل هيتولى الموضوع."
"دييل؟" بصيت من إيدينا المتشابكة لوش كورماك. "الراجل اللي كان ماشي ورايا من ساعة ما سبتني؟" بص لي بثبات، ولا كأنه عامل حاجة غلط. "أيوه."
"أنت مش ناوي تشرحلي ده بجد؟"
"إيه؟"
"كان فيه حد بيتتبعني."
"أيوه."
"ايوة ؟!" حسيت بضيقة خفيفة، زقيت إيده بعيد عني وبصيت على الدوا بتاعي. "مفيش أي تفسير؟"
"أنا وضحتلك كل حاجة،" كورماك رد. "ما كنتش عارف أبطل تفكير فيكي، فبدأت أراقبك لحد ما الرغبة اللي جوايا ناحيتك دي تخف."
"وخفت؟" تلات حبات وقعوا على لساني، شربت وراهم بق مية، وبعدين لفيت عشان أبصله. "رغبتك دي خفت؟"
كورماك فضل باصص لي وبعدين قال "لأ أبداً."
كان لازم أقول له يمشي، عقلي بيقول كده، بس قلبي مش راضي، يمكن عشان الدفا اللي بحسه وأنا معاه، ولا يمكن عشان مطبخي الصغير اللي واخد أغلب الشقة، عايزاه هنا طول ما أنا قادرة أخليه، يمكن الليلة دي بس، وبكرة الصبح أصحى وأنا واعية أكتر، بس دلوقتي لسه مشتاقة له، كان فيه حاجة دافية في قلبي، من ساعة ما حضني عشان أنام في المستشفى في أول ليلة، وكل ليلة بعدها لحد ما خرجت.
"طيب،" قلت، وكحيت كحة خفيفة والضيق مسك في زوري بعد الحبوب دي. "طيب، اعمل اللي لازم عشان تحمي نفسك، وأنا... أنا هروح أستحمى."
خرجت من المطبخ، ومشيت في شقتي الصغيرة ناحية حمامي كورماك مشي ورايا.
"أنا مش محتاجة مساعدة في الاستحمام،" قلت وأنا بولع النور.
كورماك مسك معصمي بالراحة وإيدي سابت المفتاح، لفني عشان أبصله. "يمكن لأ، بس هتحتاجي مساعدة تلفي الضمادات بتاعتك عشان المية ما تبوظهاش."
كان عنده حق في كلامه، بس مش عارفة ليه طريقته الحادة دي ضايقتني شوية، في النور الساطع بتاع لمبة حمامي القديمة، مسكت طرف القميص بتاعي وشدته فوق راسي، وحسيت بوخزة ألم خفيفة بس، بطني من فوق وصدري متلففين بضمادات بيضا تخينة عشان تحمي جرح الطعنة وفتحة العملية.
كورماك يا دوب بيرمش، وعينه ما نزلتش من على عيني.
"لفني أنت بقى،" طلبت.
راح جايب البلاستيك اللي كان باقي من المطبخ، وغطى كل الضمادات بتاعتي بالراحة لدرجة إني كنت متأكدة إن ولا نقطة عرق هتبوظها، كل لمسة من أطراف صوابعه على جلدي العريان بتبعت رعشة كهربا في جسمي كله، زي الصاعقة، كان لطيف أوي وهو بيقولي ألف وأرفع دراعي، ده غير خالص آخر مرة لمسني فيها لما عملنا كده في العربية، وجزء مني نفسه نرجع للوقت ده، دي هتبقى أسرع طريقة أطرد بيها الإحساس التقيل بالضعف اللي سكن قلبي من ساعة ما صحيت في المستشفى.
"أهو كده تمام." كورماك رجع لورا أخيرًا. "دلوقتي بقيتي في أمان من المية."
"شكراً،" رديت، وقلبي بيدق جامد. لو ما كنتش عارفة أكتر من كده، كنت هقول إن كورماك وشه احمر شوية، بس صعب أعرف في النور الأبيض الساطع ده.
"استحمام سعيد." كورماك خرج من الأوضة، وبعدين وقف عند الباب وظهره ليا. هو واخد موضوع الحماية ده بجد أوي، وأنا أصلاً مش متضايقة خالص، وأنا واقفة تحت رشاش الدش الفاتر والضعيف بتاعي، أخيرًا جات لي فرصة أراجع كل اللي حصل. من الفندق لحد دلوقتي، كل حاجة عاملة زي الحلم الغريب، أنا راكبة قطر مجنون بيجرني بعيد عن حياتي الطبيعية، ونفسي أرجع لها، بس في نفس الوقت، جزء جوايا بيكبر وبيستمتع بالوضع ده، دي أكتر لحظات إثارة عشتها من سنين، وبطريقة ما، ديوني اتسدت - عملياً. مش عارفة إيه اللي هيحصل بعد كده، ولازم أسأل كورماك عن هاري والفلوس، بس تقريباً مش عايزة أعرف - مش دلوقتي على الأقل. دلوقتي، هستمتع بوجود حد بيهتم بيا لأول مرة في حياتي.
خلصت الاستحمام واتخلصت من الريحة الوحشة بتاعة المستشفى، وخرجت من الحمام ريحتي فانيليا وتوت، وأخيرًا بدأت أحس إني رجعت زي ما كنت، متلفة بفوطة، قلبي اتقلب لما فتحت الباب، ولقيت كورماك واقف في نفس المكان اللي سبته فيه، واقف حارس صامت وما بصش غير لما لمست ظهره بالراحة.
"استحمامك كان حلو؟" سأل كورماك، والمرة دي ما كانش بيحاول يخفي طريقة بصته على جسمي اللي لسه فيه مية.
"يهبل،" رديت. "أو على الأقل، يهبل زي الدش ده ما يكون."
"الضغط في بيتي أحسن،" جاوب.
لفيت عيني ومشيت من جنبه على أوضة النوم "زي ما قلتلك، سريري أحسن من أي حاجة في بيتك."
"أخدت بالي." كورماك وقف عند الباب وسند على الحلق، وأنا رحت على سريري ونمت على المرتبة اللي عاملة زي المراجيح، بالنسبة لسرير، هو مش قد كده، بس فيه بطانيتي اللي متخيطة وريحتي اللي فيه، ده المكان الوحيد اللي بحس فيه بالدفا والأمان، وكأن البطاطين دي ممكن تبقى سور بيني وبين العالم كله.
"هتفضل باصص لي طول ما أنا بنشف نفسي؟" سألت، وحسيت بخجل فجأة وأنا بقلع الفوطة،
كورماك قال: "أنا محتاج أفك لك اللفافة والبلاستك دي، لو سمحتِي"
"أكيد. طيب ممكن أنام بقى؟"
"أكيد." كورماك مشي ناحيتي، وهو بيتني أكمام قميصه بالراحة.
"أكيد." وكل ما دراعاته المتينة كانت بتبان أكتر، أنا كنت مشغولة بالوشم الحلو والمعقد اللي على دراعه، بالنسبة لراجل كئيب وساكت زي ده، كمية الألوان دي غريبة على شخصيته، بس التفاصيل بتقول إنه قضى ساعات عشان يعمله، وده معناه إنه حاجة مهمة.
"ممكن؟" كورماك قعد جنبي ولمس طرف فوطتي المبلولة. هزيت راسي، ونفسي اتحبس في زوري وهو بيسحب القطن بالراحة بعيد عن جسمي العريان، قبل الاستحمام، كنت متوترة من التعب والوجع الخفيف، بس المسكنات شغالة دلوقتي كويس أوي، ودفا المية وريحة شاور الجيل مهديني.
فجأة، وجود كورماك خد كل تركيزي، وهو باصص لتحت وبيحاول يشيل البلاستيك من على الضمادات بتاعتي، أنا بصيت عليه. بصيت عليه بجد، شعره الكستنائي التخين بقى مموج شوية في الأيام اللي فاتت دي، وكأنه ما لحقش يسرحه كويس. دقنه كمان تقلت شوية، وزوايا شفايفه اللي نازلة لتحت دي بتكشف عن الحزن العميق اللي جواه.
في الأيام اللي فاتت دي، كان مشغول بمراقبتي في المستشفى وماسك التليفون طول الوقت، يا ترى آخر مرة عمل حاجة لنفسه كانت إمتى؟
يا ترى راجل زي كورماك ده بيعمل حاجات لنفسه؟ يا ترى عنده هوايات غير الخناق والخطف؟ أكيد كان عنده رغبات إنسانية عادية بره حياة المافيا دي، باصة على التجاعيد اللي في جبينه، وكل مرة بيقرب مني بحركاته، بشم ريحة النعناع اللاذعة من برفانه، قلبي بدأ يدق بسرعة وأنا مركزة على رقبته التخينة ومنحنى عظمة الترقوة اللي يجنن، أول كام زرار من قميصه مفتوحين، فبقدر أشوف شوية من عضلاته الجامدة ولمسة من شعر صدره الكستنائي المجعد، لما عملنا كده في العربية، ما كانتش عندي فرصة أستكشف جسمه.
فجأة، حسيت بوجع. "خلاص كده،" كورماك قال فجأة، وصوته رجعني من سرحاني، رفعت عيني وكورماك لسه قريب، على بعد كام سنتي بس مني، ميل شفايفه اللي لتحت بيناديني، وحاجة دافية مشيت جوايا، كورماك قال بالراحة "تعرفي، لما وقعتي الفوطة، كنتي قاصدة توقعيها كلها؟"
"همم؟" بصيت على نفسي، وأنا مشغولة إني أدخل كورماك جوا، نسيت إني، عكس الحمام لما قلعت القميص، كنت عريانة خالص، وما حاولتش أغطي نفسي أوه.
"حاسة إني المفروض أتكسف،" قلت، وأنا باصة في عينيه الزرقا العميقة دي "بس أنا مش كده."
"أكيد ده من الدوا،" كورماك قال بهدوء.
الحكاية شكلها فيها "يمكن" مني، وأنا بغرز سناني في شفتي اللي تحت.
"زي إيه؟" "يمكن حاسس بخدر." راح كورماك مقرب مني بتاع شبروقال
"تفتكري إنك متخدرة؟"
"هممم. مش حاسه بحاجة."
"ولا أي حاجة خالص؟"
وراح مكشر حواجبه التقيلة وقرب مني شبر تاني.
"ولا حاجة،" وهمست، قلبي عمال يدق جامد في صدري، وحسيت بقشعريرة ماشية في جسمي، وجايبة معاها رعشة بتخليني أزقها من كتفي.
"يمكن لازم نجرب الأول، قبل ما نجيب دكتور."
"نجرب إزاي؟"
نزلت إيد كورماك التقيلة والخشنة جامد على فخدي اللي كان مبلول وعريان، وقلبي نط في زوري.
"هتجبرني بجد إني أقولها؟" وهمست. ده قريب مني أوي لدرجة إن ريحته هي الهوا اللي بتنفسه، وقدرت أشوف كام نقطة خضرا خفيفة في عينيه الحلوين. إيده سخنة ومستنية على فخدي، ومش متأكدة حتى أنا طالبة إيه بالظبط بالسرعة دي. ريقي جري وأفكاري متأخرة أوي.
"أيوه،" رد كورماك بهدوء. "أنتِ عايزة كده، أنتِ اللي بتطلبي مني."
"مش عارفة عايزة إيه،" رديت بصراحة
بعد ما كورماك اتطمن على غرزي انها لم تفك والماء لم يصل، نمت نوم عميق، بسلام تام لأول مرة من شهور، وما صحيتش إلا متأخر تاني يوم، كورماك كان موجود بالفطار والدوا، وبعدين فضل معايا طول اليوم، كنت نايمة أغلب الوقت، وسايبة المسكنات تعمل شغلها، وكل ما كنت بصحى، كورماك كان موجود بوجبة جاهزة ليا وكام كلمة خفيفة يا عن الأخبار يا عن معلومة عشوائية عايز يشاركها معايا. حاجة غريبة على واحد كبير وخطير كده، بس هو قصده اللي بيقوله لما بيقول إنه هيخلي باله مني. الموضوع فضل لحد آخر الليل لما كورماك صحاني بالراحة وباس وشي. قال بصوت واطي
"لازم أمشي ، بس دييل هنا وعندي ناس متمركزة برا."
سألته بنعاس، وأنا بحاول أجمع أفكاري اللي المسكنات مخليها مشوشة: "هترجع؟"
كورماك قال: "أيوة"، وبعدين دقنه وشفايفه لمست جبيني.
"نامي."
نم، وحلمت إني أنا وكورماك عايشين في بيت حلو في مكان ما، بحديقة وكلب بيلعب فيها، أحلامي فضلت لحد ما وجع جرح العملية صحاني متأخر تاني يوم الصبح. ما كانش فيه فطار ليا المرة دي، بس دييل موجود ومعاه كنكة قهوة سخنة، وهتسد.
سألته وأنا باخد الكوباية السخنة من دييل: "فين كورماك؟"
"مشغول." "قال إنه هيرجع."
الشغل لسه ما خلصتش! ديل رد وقالي: "لسه مخلصش. بس عنده ليكي رساله."
"أوه؟" رفعت حاجبي سنة بسيطة. "إيه هي؟"
"لمي حاجتك."
"نعم؟"
"هياخدك مكان آمن عشان تخفي."
"أنا قولتله مش رايحة حتة."
ديل ابتسم ابتسامة فيها خبث. "صدقيني. هتحبي تلمي شنطتك. وهاتي معاكي مخدتك."