أخر الاخبار

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ١٤

 العفاريت 

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ١٤

رواية العفاريت بقلم ايه صبري 
الفصل ١٤
     *نـحـنُ أنـتـهـيـنـا*


كانت " شهد " بداخل واحدًا من المولات الكُبرى ببلدتها تبتاع بعض الأغراض الخاصة لها.. كانت تنتقي كل شيء بعجلة فهي لديها الكثير من العمل اليوم وبالتأكيد سيقتُلها " زين " إذا أكتشف هروبها.. لكن ماذا تفعل.! فهي بحاجة إلى عدة أغراض وكان يجب أن تشتريها اليوم.. لذلك لم تجد بد من أن تهرب من العمل اليوم لساعتين فقط ثُم تعود.. 


خرجت من المحل وهي تتفحص أغراضها للمرة الأخيرة ثُم رفعت رأسها وهي تبتسم برضا وياليتها ما فعلت.. تجمدت البسمة على شفتيها.. ونخر الألم أعماق قلبها.. هي ترى الأن واحدًا من أحلامها تحققه وتعيشه أخرى غيرها.. لقد رأته.. " أسعد " يسير هُناك على بُعد عدة أمتار قليلة منها.. يسير برفقة إبنته و.. وزوجته.. 


يسير بجانب وزوجته بجانب بينما الطفلة الصغيرة تتوسطهما.. تمسك بكف كلًا منهما وتلهو بينهما.. وأبتسامة سعيدة ترتسم على وجوههم.. 


لا تعلم أي حظ هذا الذي جعلها تتذكر كلماته لها من قبل وبهذه اللحظة بالتحديد.. 


=مقدرش أبعد عنك يا " شهد ". 


=إنتِ البنت الوحيدة اللي خطفت قلبي ومش عايز أرجعه. 


=تعالي نهرب ونتجوز، ونحط أهلي وأهلك قدام الأمر الواقع. 


=مش هتجوزها يا " شهد "، عمري ما هبقا سعيد معاها، سعادتي معاكِ إنتِ. 


أرتسمت أبتسامة واسعة ساخرة على شفتيها.. تحولت تدريجيًا إلى ضحكة خشنة تفتقر إلى الحياة وهي تراه يفعل كُل ما قال لن يفعله. لقد وجد سعادته مع أخرى.. لم يُحارب من أجلهما كما يُحارب الأن لينجح زواجه.. ها هو رجُل سعيد متزوج من امرأة جميلة وناجحة وبينهما طفلة غاية في الروعة.. ماذا تنتظر إذًا..! هل هُناك شخصٍ عاقل يتخلى عن كل هذا من أجل بقايا باهتة لحُب قديم لم يعُد لديه وجود إلا بقلبها فقط... 


-------------------------------------


كثيرًا ما تخوننا أعيننا فلا نرى الصورة كاملة.. تخدعنا المظاهر فنغفل عن الباطن.. خلف كل ضحكة دموع.. وأيضًا خلف كل نبضة قلب طبيعية أخرى حزينة.. هذا هو حال " أسعد " بتلك اللحظة.. كان يفتعل السعادة.. يتصنع الضحك.. كل هذا إرضاءًا لإبنته البريئة التي لا ذنب لها حتى ترى تعاسة والديها معًا.. لا ذنب لها لتدفع ثمن أخطاءهما.. يكفي هو سيعيش المُتبقي من عمره يدفع ثمن لحظة غضب واحدة كلفته الكثير.. حــيــاتــه.. 


أقترح " أسعد " أن يستريحوا بذلك المطعم اللطيف بعد أن شعر بتعب " تولين " لكنها كالعادة لا تستطيع أن تُعبر عن ما يعتمل بداخلها.. سواء كان فرح.. حزن.. ضيق.. خوف.. كل شيء يظهر على ملامحها البريئة دون أن تستطع أن تتفوه بهِ.. 


فور جلوسهم أتى النادل ليأخذ طلباتهم.. وبعد أن رحل التقطت " أيتن " هاتفها تعبث بهِ كعاداتها وتُتابع أعمالها اليومية.. كانت ككل يوم مُتأنقة بطريقة تُثير شيءٍ ما بغيض في نفسه.. هيئتها ليست كهيئة أم تصطحب إبنتها الصغيرة إلى الملاهي أو شيئًا كهذا.. بل وكأنها ذاهبة إلى واحدًا من أجتماعاتها الهامة.. أو ستظهر على التلفاز خلال دقائق ككل يوم.. لم تُحاول أن تجعل هيئتها تبدوا بسيطة من أجل إبنتها حتى.. 


لاحظ هو ضيقها وتأففها كل دقيقة حتى " تولين " لكن شاكسها " أسعد " وأضحكها حتى لا تنتبه إلى ضيق أمها من خروجها معها.. وأثناء لعبه معها هتف قائلًا بنبرة حادة دون أن يفقد إبتسامته:- مش لازم كل اللي حوالينا يحسوا إنك مغصوبة تخرجي مع بنتك، تعالي على نفسك شوية وأعملي نفسك فرحانة عشان خاطرها على الأقل.. 


وبيما هو يتحدث معها كان يتحدث مع إبنته بلغة الإشارة.. " تولين " صاحبة الثلاثة سنوات كانت من أصحاب الصُم والبُكم.. دار بها على جميع الأطباء بمصر وخارجها بلا فائدة.. ينتظر أن تتم عامها الرابع وسيقوم بتركيب سماعة الأذُن لها حتى تستطيع أن تسمع على الأقل.. 


نظرت إليه " أيتن " قائلة ببرود:- والله أنا قولتلك إني مش فاضية النهاردة وأنت اللي صممت نخرج. 


أبتسم بسخرية قائلًا:- هي الهانم بتفضى أصلًا، بعدين أنا مش خارج معاكِ عشان أحب فيكِ، أنا خارج عشان بنتي. 


وعلى الرُغم من أنها لا تحبه ولا تكن لهُ أية مشاعر لكن رفضه لها يقتلها.. وهي التي لم تعتاد الرفض.. هي التي يترمى أسفل قدميها أغنى وأشهر رجال البلدة يرفُضها زوجها وإبن عمها.. تعلم أنهُ لا يُحبها أيضًا لكنها لا تهتم بالحب.. يكفي أنها من حصلت عليه في النهاية.. ويكفي مُتعتها وهي ترى قهرته بسبب خسارته لحبه الوحيد.. 


أبتسمت بإستهزاء قائلة بقسوة:- طب ياريت تخليك في بنتك بقا وملكش دعوة بيا، ولا أنت مبتعرفش تمثل.! 


لمعت عيناه بقسوة أشد من قسوتها ثُم همس قائلًا بنبرة بطيئة.. فاقدة للحياة:- دة أنا من يوم ما أتجوزتك مبعملش حاجة غير إني بمثل، لدرجة إني أكتشفت أن كنت أنفع ممثل أكتر من كوني ظابط. 


امتقع وجهها من قساوة حديثه.. وصمتت وصمت هو أيضًا.. بالأصل الحديث بينهما لا يُجدي نفعٍ.. لقد فُرض عليهما أمرًا واقعٍ وسيستمر حتى مماتهما.... 


---------------------------------


كانت " شهد " تجلس بمكتبها بشركة " آل عفريت " تتابع عملها وتقرأ بعض الأوراق الهامة الخاصة ببعض الصفقات لكن قطع تركيزها صوت وصول إشعار برسالة جاءت على تطبيق " الواتساب ".. فتحت هاتفها لتتطلع إلى ذلك الرابط التي أرسلته " روان " للتو مُرفق برسالة أخرى محتواها أقلقها " هنتصرف في المصيبة دي إزاي. "! 


فتحت الرابط لتتفاجأ بعدة صور تجمع بين شقيقتها "  رجوى " وشخصٍ أخر لا تعلم من هو.. ومع الصور كان الحديث التالي " خبر حصري؛ 

فضيحة ابنة عائلة العفريت، بين أحضان أستاذها الجامعي، والصور مُرفقة بالخبر "


شهقت " شهد " بصدمة بالغة.. أي مُصيبة حلت عليهم للتو.. إذا وصل هذا الأمر إلى جدها سينال شقيقتها عقاب قاسي لن تتحمله.. مرت دقيقة قبل أن يصدح صوت رنين هاتفها برقم " روان ".. أجابت أتصالها لتهتف إبنة خالتها قائلة بإرتباك:- هنعمل إيه يا " شهد "، دي أكيد مش " رجوى " والصور دي فيك.! 


أجابت قائلة بحيرة:- مش عارفة يا " روان "، بس الصور مش باين إنهم فيك أو ملعوب فيهم، شكلهم حقيقي أوي. 


زفرت " روان " قائلة بضيق:- خلاص أنا هقفل معاكِ دلوقتي وإنتِ أتصلي على " رجوى " شوفيها فين ونروحلها، أكيد هي  عندها تفسير للي بيحصل دة. 


=ماشي، هكلمها دلوقتي. 


=5 دقايق وقابليني على باب الشركة. 


أغلقت معها الهاتف ثُم قامت بالأتصال على رقم شقيقتها والتي لم تُجيب من المرة الأولى.. لكنها لم تيأس.. جددت الأتصال وأنتظرت بصبر حتى أتاها الرد بصوت شقيقتها المُرتبك.. حينها هدرت هي قائلة بصرامة:-إنتِ فين.؟ 


صمتت لثوانٍ تستمع إلى ردها ثُم هدرت قائلة بعصبية:- لما اسألك إنتِ فين يبقا ترودي عليا من غير اسئلة، إنتِ فين يا " رجوى "؟ 


وخلال لحظات أتاها الرد بمكان وجودها.. أغلقت معها الهاتف ثُم حملت هاتفها وسلسلة مفاتيحها وغادرت مكتبها.. خرجت من بوابة الشركة الرئيسية لتجد " روان " تقف بزاوية ما تنتظرها.. استقلت السيارة بجانبها قائلة ببساطة:- مرضتش استناكِ جوة و " زين " يشوفنا خارجين في نص وقت الشغل كدة مع بعض، أكيد هيفهم إن في حاجة. 


اومأت لها " شهد " وهي تشق طريقها بشوارع بلدتها بسيارتها التي نادرًا ما تستخدمها.. فهي دائمًا ما تُحب قيادة الدراجة النارية خاصتها لكن بتلك اللحظة لم تكن بمزاج رائق لتقودها.. هتفت " روان " مجددًا قائلة بحذر:- بس أنا متأكدة إن " رجوى " متعملش حاجة غلط، أكيد في سوء تفاهم مش أكتر. 


أجابت قائلة بنبرة غامضة:- أهو رايحين ليها وهنشوف إيه اللي حصل.... 


------------------------------------


أمام بوابة الجامعة كانت تقف تتطلع نحوه بلا تعبير.. تناظره كأنهُ كائن فضائي.. لا تعلم أي هراء تفوه بهِ لتوه.. هل قال زواج.. سيتزوجها هي..! من قال لهُ هذا المعتوه أنها ترغب في الزواج منهُ.. هي لا تتحمل محاضراته التي لا تزيد عن الساعة.. هل يتخيل أن تتحمله هو لباقي عمرها..! 


همست قائلة بدهشة:- معلش هو أنت قولت إيه.! 


لا يعلم كيف تهور ونطق بعرضه الغبي هذا.. لكن أليس بمثل هذه المواقف يأتي عرض الزواج..! هل تهوره الأن بسبب توتره أم أنهُ قرر أن يستغل الفرصة ليحصل على الفتاة التي شغلت عقله لليال طوال..! لكن هل يُحبها ليعرض عليها الزواج..! الإجابة لا.. لا يُحبها بالمعنى الحرفي للحب لكنهُ لا يستبعد حدوث هذا وقريبًا جدًا.. خاصة إن استمرت على الظهور بتفكيره دائمًا كما تفعل مؤخرًا.. 


تنحنح ثُم هتف قائلًا بجدية:- قولت هتجوزك.


لم تتمالك نفسها وهي تهدر قائلة بجنون:- لا دة أنت مجنون بقا.! 


لفت صراخها بعض الأنظار حولهما مما جعله ينظر حوله بحرج.. ثُم نظر إليها بعينين قاسيتين قائلًا بصرامة:- وطي صوتك وإلزمي حدوك في الكلام، متنسيش إني الدكتور بتاعك. 


أشاحت بكفها قائلة بإستهزاء:- ياشيخ أنت خليت فيها دكتور، دة أنت خليتها خل خالص. 


كتم بداخله رغبة مُلحة في الضحك.. من أسباب إنجذابه إليها كلماتها العفوية البسيطة التي تخرج منها بطريقة لذيذة مُمتعة تجعله يريد أن ينفجر ضاحكًا.. يعلم أن الحياة معها ستكون رائعة.. 


نظر إليها قائلًا بدهشة مُفتعلة:- " رجوى " إيه اللي حصلك، إنتِ مكنتيش كدة، كنتِ عاقلة.! 


لمعت عسليتيها بشرارة مُغتاظة ثُم هدرت قائلة بغيظ:- هو مين هيبقا عنده عقل في الموقف دة، أنا سُمعتي بقت في الأرض وأختي جاية هنا دلوقتي، عارف ليه.! عشان أكيد الصور وصلت ليها هي كمان والله أعلم لمين تاني. 


أشفق عليها بشدة.. موقفها لا تُحسد عليه.. " رجوى العفريت " لا تسمح بأن تُهان كرامتها.. أو تضيع سُمعتها بأتهام حقير كهذا.. يعلم مدى عِزة نفسها وإحترامها لذاتها وكبريائها.. 


تنهد قائلًا بنبرة حنونة تحمل بعض الحزم:- بصي بقا عشان أنا مش بتاع لف ودوران، وبحب السكك الدوغري، الصور دي أنا مليش علاقة بيها، أنا راجل محترم وحُر، ومقبلش إن أعمل كدة مع أي واحدة، بالذات لو الواحدة دي البنت اللي أنا مُعجب بيها. 


بعض الكلمات تنفجر كالقنابل بوجه من يقف أمامها.. وكلماته الأن كانت كالقنابل.. ماذا يقول.. مُعجب بها هي..! أين.. وكيف.. ولماذا..! توترت بشدة وغزت الحمرة وجنتيها فأصبحت كحبتين فراولة طازجتين قابلتين للأكل الأن.. 


زاغت عينيها العسليتين شبيهتيّ القطط وهمست قائلة بإرتباك مزهول:- إيه اللي بتقوله دة، إعجاب إيه، يستحيل تكون مُعجب بيا.! 


أبتسم " إسلام " بهدوء ثُم هتف قائلًا بنبرة رخيمة:- ليه يستحيل، إنتِ بنت حلوة، مجتهدة، بنت ناس، والأهم من دة كله إنك.. إنك عجباني.! 


فغرت شفتيها بصدمة.. حديثه الجريء أذهلها وزاد من حدة توترها.. من يقف أمامها الأن " إسلام الحشاش " كبير عائلته.. وأستاذها الجامعي الذي لطالما تذمرت من كثرة أختباراته وتضيقه الخناق عليهم بالمحاضرات.. الرجُل الذي لم تُعطيه مجال لحدوث أمرًا كهذا بيومٍ ما.. ترك جميع الفتيات بالجامعة وأُعجب بها هي.. 


وقبل أن تُجيبه توقفت سيارة بطريقة متهورة أمامهما لفتت أنظار الجميع.. نظرت " رجوى " إلى شقيقتها الغاضبة وهي تترجل من سيارتها بصحبة " روان " الهادئة.. توقفتا أمامهما وبعد أن القت الأخيرة السلام تحدثت " شهد " قائلة بنبرة قاتمة:- إيه اللي حصل.؟ 


تحدثت " رجوى " قائلة بثبات وشجاعة:- الصور حقيقية بس مش زي ما مصورة للكل، في سوء تفاهم. 


كانت " شهد " صامتة لكن صمتها مُريب.. غامض بينما هدرت " روان " قائلة بتساؤل:- سوء تفاهم إيه يا " رجوى "، فهمينا.؟ 


قصت عليهما كل ما حدث بذلك اليوم بالكافيه مع تغيير تفصيل أنها رأت " إسلام " بالصدفة بالحديقة وهي تتمشى قليلًا.. ولم تذكُر مكالمته لها.. تفاجأ هو من تغييرها للأحداث لكن فطن أنها لم تُريد أن تضعه بموضع المُتهم أمام أهلها.. رفرف قلبه بسعادة لكنه لم يظهر شيءٍ على ملامح وجهه الحادة حتى الأن.. 


أنتهت " رجوى " من سرد ما حدث معها قائلة بهدوء:- هو دة اللي حصل. 


أبتسمت " روان " بتفهم قائلة:- حبيبتي أحنا مش بنتهمك بس محتاجين نفهم عشان نجيبلك حقك ونصحح الوضع دة. 


هدرت " شهد " قائلة بحدة:- مين كان يعرف إنك رايحة الكافيه دة غير الشلة اللي كانت معاكِ..؟ 


عبست بحيرة قائلة:- محدش تاني أعتقد، أحنا أصلًا مكناش مرتبين اللي حصل، قررنا فجأة وروحنا. 


نظرت " شهد " إلى " إسلام "  الصامت من لحظة وصولهما ثُم هدرت قائلة بغلظة:- وأنت..! 


أجفل " إسلام " من حدتها معه.. ورمش بأهدابه عدة مرات يستوعب أن تلك القصيرة التي بالكاد تتعدى مرفقه تتحدث معه هو بهذه الطريق الفجة.. ثُم هتف قائلًا بعدم إستيعاب:- إنتِ بتكلميني أنا..؟ 


ألتسمت بسخرية قائلة:- لا بكلم خيالك، أكيد بكلمك أنت، مين تاني كان يعرف إنك رايح المكان دة غير اللي كانوا معاك.؟ 


على الرُغم من ضيقه من وقاحتها معه لكنه عذرها فالموقف ليس هين.. هتف قائلًا بجدية:- محدش على ما أظن. 


ساد صمت ثقيل على الجميع.. هُناك من يرغب في أن يشوه سُمعة عائلتهن والأمر واضح وضوح الشمس أن " رجوى " المقصودة من هذه الفعلة المُشينة.. 


هتفت " رجوى " قائلة بتوتر موجهة حديثها لشقيقتيها:- هنعمل إيه دلوقتي.! 


كان " إسلام " يشعر بالغضب لأجلها.. لم يرد أن يعترف بإعجابه بها بهذه الطريقة.. أراد أن يُهييء لها الأمر أولًا ثُم يتقدم لطلب يدها رسميًا لكن ماحدث اليوم غير مخططه.. 


هتفت " شهد " قائلة بغموض:- يلا بينا نرجع البيت وهناك هنفكر في حل. 


أراد أن يتحدث ليخبرهن برغبته في طلب يدها رسميًا لكن " رجوى " أشارت إليه أن يصمت فصمت دون أن يفهم لماذا.. لكنهُ لم يرغب في أن يورطها في أمرًا ما أخر.. 


=طب وعربيتي.؟ 


=سبيها وهبعت حد ياخدها. 


وهكذا تحركت مع شقيقتيها بعد أن رمقته بنظرة سريعة بطرف عيناها.. وبقى هو واقفًا يُراقب طيفها الراحل بقلب ينبض بعنف... وعقل مشوش.... 


------------------------------------


يُصعب على المرء تصديق أن من قتلهُ من يعتبره نبض قلبه.. من أوقف هذا القلب الخافق هو سبب خفقانه بالأساس.. لقد قبض على قلبك بقبضته القوية وأعتصره حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.. وأصبحت أنت هائمٍ على وجهك تعيش بلا قلب.. لا أنت ميت ولا حتى حي.. تتمنى لو يأتي الخلاص بالقريب العاجل.. 


تسير بشوارع المدينة بقدميها هائمة على وجهها.. بشرتها شاحبة كالأموات وكل التورد الذي كان يُحيطها صباحٍ اختفى وحل محله الشحوب.. بريق عينيها اللامع ذهب مع الريح.. بسمة شفتيها ذهبت ولم تعود.. الأن هي باكية.. متألمة.. مُنهكة.. لقد قتلها.. تُقسم أنها استمعت إلى صوت حطام قلبها باللحظة التي تلقت بها ضربته المُهينة.. لو كان صفعها كان أهون عليها من طلبه المُهين لها.. 


نزف قلبها دمٍ.. ولم تتوقف عِبراتها.. ماذا فعلت لكي يُشعرها بمثل هذا الرُخص..! لقد اعترفت لهُ بما حدث قبل ثلاث سنوات.. ليلة زفافهما المشؤومة التي تحولت إلى ساحة حرب فور ظهورها.. لقد رأته بين أحضان أخرى.. يلامسها هي.. رأت ملامح الاستمتاع على وجهه كما كان يستمتع عندما يُقبلها هي.. لم تستطع أن تتحمل الأمر.. كان مؤلمٍ حد الموت على قلبها.. " عاصي " حبيب قلبها.. تؤام روحها.. حُب العُمر بأكمله.. لقد فتحت عيناها على هذه الحياة وجدت نفسها بين ذراعيه.. ولم يتركها منذُ هذا الحين.. أيفعل بها ذلك.. يخونها.. يخون حُبهما.. يُلقي بعشقهما بالبحر ليموت غرقٍ..! 


وجدت نفسها أمام البحر.. كان هائجٍ وكأنه يؤازرها بمحنتها.. غاضب مثلها.. صوت أمواجه التي ترتطم برمال الشاطيء يُشبه صوت بُكاء قلبها بتلك اللحظة.. تساءل نفسها أين كانت صباحٍ وماذا أصبحت قبل أن ينتصف النهار حتى.! كان يجب أن تعلم أن الفرحة لن تعود لزيارتها من جديد.. وكُتِبَ عليها التعاسة.. 


= " لـيـال "..! 


صوت لشخص ما اخترق عزلتها.. أحدهم سيرى ضعفها الأن وكم تكره هذا.. التفتت تناظر صاحب الصوت والذي لم تتوقع وجوده هو بالتحديد هُنا وأمامها الأن.. ومن بين روحها المعطوبة.. وأنفاسها المسلوبة.. عقدت حاجباها بدهشة هامسة:- " كارم "..! 


كان يقف أمامها بطوله الفارع وجسده الضخم الذي يشبه تمامٍ جسد مُعذب قلبها.. تذكرته وهي التي لم تكد تحاول أن تنساه.. أقترب منها حتى توقف على بُعد خطوتين فقط.. يناظرها بعينين هادئتين وملامح بلا تعبير محدد ثُم هتف قائلًا بنبرة بدت عادية:- شوفتك بالصدفة وإنتِ خارجة بتجري من شركتنا، قولت الحقك وأشوفك مالك. 


بعينين غائرتين ونبرة ضعيفة مُتعبة همست قائلة:- كنت مستعجلة. 


وبلهفة لم يقصدها خرجت رُغمٍ عنه هدر قائلًا:- إنتِ كويسة.! 


نظرت إليه بتشوش.. لكن بعض مشاهد من ماضٍ بعيد تراودها الأن.. " كارم " كان صديقها بوقتٍ ما.. تلعب معهُ وتضحك معه.. حتى يأتي " عاصي " فيختفي الجميع من حولهما ولا يبقى سواهما.. حتى وصلا إلى مرحلة عُمرية مُعينة وأصبحت غيرة " عاصي " غير قابلة للسيطرة.. يُغار عليها من الهواء.. وأصدر قرارًا بعدم مرافقتها لأي ذكرًا كان ومن بينهم شقيقه.. كان اندفاع شبابي أهوج.. وهي طاوعته لأنها لم يكُن يُهمها سواه هو.. ومن بعدها أقتصرت علاقتها بـ " كارم " بإلقاء التحيات في اللقاءات العائلية والتهنئات بالمناسبات فقط.. لم تكن تعلم أن ذلك الأمر قتلهُ لكن لم يُبين لأحد ما بداخله... 


اومأت برأسها قائلة بلا تركيز:- أيوة كويسة. 


تقدم خطوة منها قائلًا:- تحبي أوصلك البيت.؟ 


أشاحت بنظراتها بعيدًا عنهُ قائلة بغصة مؤلمة تشعر بها تكاد توشك على أن تشطر حلقها نصفين:- لا، شكرًا، أنا هروح لوحدي، وكمان عشان محدش يشوفنا مع بعض. 


هدر قائلًا بسوداويتين مشتعلتين ونبرة قوية:- اللي يشوفني يشوفني، أنا مش بخاف من حد، وإنتِ عارفة. 


رفعت رأسها لهُ والتي بالكاد تحملها فوق كتفيها قائلة بمرارة:- بعد كل اللي بينا وبينكم دة، أنا مش عايزة حرب جديدة تقوم، كفاية اللي حصل قبل كدة. 


لم يرد أن يُجادلها وهي في هذه الحالة المُنهكة.. قبض على معصمها برفق ثُم هتف قائلًا بهدوء:- تعالي هوقفلك تاكسي وهمشي وراكِ لغاية البيت، وهبعت حد ياخد عربيتك ويوصلها لغاية عندك. 


لم تكُن في حالة تسمح لها بالمجادلة أو الرفض.. هي تشعر بنفسها على وشك السقوط.. قلبها تتسارع نبضاته بعنف.. جسدها ينتفض بداخلها.. روحها تحترق من شدة الألم.. وبتلك اللحظة هي تُجزم أنها أضعف أهل الأرض.. حتى الصوص الصغير أقوى منها الأن.. 


قادها " كارم " إلى الطريق الرئيسي والذي لم يكن بعيدًا عن الشاطيء.. ثُم أوقف سيارة أجرة لتستقلها.. أخرج عدة ورقيات مالية وأعطاهم للسائق مُمليًا عليه العنوان.. تحركت السيارة وهو خلفها و " ليال " بعالمها الخاص غارقة في بحر أحزانها وآلامها.... 


----------------------------------


" دار آل عفريت "


=ياحزني الأسود، يا بختك المهبب في عيالك يا " لطيفة "، عيالك فضحوكِ وجابوا ليكِ العار. 


كانت الأجواء بداخل منزل السيدة " لطيفة " صاخبة للغاية.. غضب.. صراخ.. وثورة قائمة بسبب صور " رجوى " التي انتشرت بين الجميع ماعدا الجد.. والذي كان بمزرعة صديقٍ لهُ يزوره فلم يعلم بالأحداث الأخيرة.. فور وصول الأخيرة إلى منزلها برفقة " روان وشهد " حتى تفاجأت بـ " زين " أمامها يسألها عن الصور ولم يكُن الغضب بعيدًا عنهُ.. كما رأت والدتها تجلس بجوار شقيقتيها تُصيح بها غاضبة على الرُغم من علمها أنها بريئة لكنها عادة الأمهات بالمواقف الكارثية.. حينها اضطررت أن تقص ما حدث معها بذلك اليوم مرة ثانية وأمام الجميع.. حديثها الواثق.. عدم اهتزازها أثناء سردها للحدث.. بالأضافة إلى تربيتها وثقتهم بها جعلتهم يصدقون ما حدث.. لكن بالنهاية لا يمكن أن يغفل أحد عن أمر كونها فضيحة وأصابت العائلة.. وإذا صدقت عائلتها أمرها ماذا عن باقية الناس.. أهل بلدتها لن يرحموها وقد سبق وتناولت الألسُن الحديث السام عن شقيقتها " ليال ".. وهي بالتأكيد لا ترغب في أن تُعيد الأمر نفسه معها... 


صاح " زين " قائلًا بعصبية:- عار إيه بس يا خالتو، هي راجعة حامل.! 


ضربت والدتها على صدرها قائلة بشهقة فزعة:- فال الله ولا فالك يا واد أنت، تف من بوقك. 


كان " طاهر " إبن السيدة  " حنان " يجلس بجانب خالته يتابع ما يحدث بصمت بريء حتى سمع ما هدرت بهِ الأخيرة حينها وضع أصابعه الصغيرة أسفل ذقنها ليجعلها تلتفت لهُ ثُم هتف قائلًا بنبرة بريئة مُضحكة:- مينفعش يتف في الأرض يا خالتو، دة قرف. 


حاولت والدته أن تكتم ضحكتها على تصرفات طفلها الحمقاء لكنها نظرت إليه شزرًا ليصمت أثناء حديث الأكبر منهُ سنًا.. بينما تدخل السيدة " سعاد " قائلة بطيبتها المعهودة عنها:- ياولاد استهدوا بالله وكل حاجة ليها حل، قوليلي يا " رجوى " المُعيد دة يعني ابن ناس كدة وقمور.؟ 


كان " زين " على وشك أن يصدم رأسه بأقرب حائط ليموت منتحرًا ويرتاح من هذه العائلة الهزلية التي على وشك إصابته بجلطة بالقلب لكنهُ تماسك عندما صرخت " شهد " قائلة بضجر:- ياناس إحنا في إيه ولا في إيه، قمور إيه بس يا خالتو.! 


تبرمت السيدة " سعاد " قائلة:- الله مش بتطمن، مش يمكن يبقا عريس كويس ويتجوزها وأهي رُب ضارة نافعة. 


ضحكت " بتول " ببلاهة على حديث خالتها مما جعل نظرات  " كريم " تتركز عليها أكثر منذُ بداية الجلسة.. نظرت " رجوى " إلى الجميع وهي تقرص على شفتيها بتوتر ولم تجد مفر من أن تخبر الجميع بالأمر والأن لأنها الفرصة الوحيدة المناسبة كما أنهُ الحل الوحيد لأزمتها بالفعل.. تنفست بعمق ثُم بصقت الحديث دفعة واحدة قائلة:- هو فعلًا عايز يتجوزني. 


كان المشهد كالآتي.. " زين و شهد " ينظران نحوها بعينين غاضبتين.. " كريم " يرغب في أن يتهور ويسبب لها عاهة ما.. " روان و بتول " يتابعان ما يحدث بتسلية.. الأمر أصبح شيق ومُسلي بالفعل.. بينما الثلاثة شقيقات توقفن عن النواح والتذمر ونظرن إليها بسعادة بلهاء.. حتى هتفت والدتها قائلة بلهفة:- بجد يا " رجوى " عايز يتقدملك، هو قالك.! 


اومأت لها بهدوء وعينين بريئتين بينما خالتها " سعاد " هتفت قائلة بلهفة لا تقل عن لهفة شقيقتها:- طب هو قمور كدة ووسيم زي بتوع السيما، ولا عجوز ومكحكح، أوعي يابت يا " رجوى " يكون كدة، أزعل والله. 


وقبل أن تُجيب " رجوى " هدرت " شهد " قائلة بذهول:- سكت أمك الله يكرمك يا " زين "، دي زمانها بتختار القاعة اللي هيعملوا الفرح فيها. 


ضحك " زين " ضحكة عالية بلا مرح ثُم توقف على حين غرة قائلًا بغيظ:- قاعة.! حبيبتي دي زمانها اختارت مدارس عيالهم. 


نظر إلى والدته بغضب هاديء احترامٍ إلى مكانتها بينما هي هدرت قائلة بصياح:- وانا قولت إيه غلط يعني، بتطمن على عريس بنت أختي.! 


تدخلت " روان " قائلة بضجر:- ياماما قوام عملتيه عريس، دة إنتِ متعرفيش حتى إسمه.! 


هدر " زين " قائلًا بنبرة حادة:- مفيش جواز، أنا مش هجوزها عشان تداري حاجة هي معملتهاش ولا هجوزها لواحد يكون جاي عشان يعملها علينا جمِيلة. 


صاحت السيدة " لطيفة " قائلة بصراخ غاضب:- جمايل إيه دي، ما الواد داخل البيت من بابه أهو، ولا أنت عاوزهم يعنسوا جمبك، ما تشوفي إبنك يا " سعاد ".! 


نظرت إليه والدته غاضبة ثُم هدرث قائلة بإنفعال:- مش عارفة البومة دة عاوز إيه، ياختي خيبة الناس سبت وحد وإحنا خيبتنا في عيالنا ما وردت على حد. 


=أنا قولت اللي عندي، وإنتِ يا " رجوى " متنزليش الجامعة يومين كدة لغاية ما أجيب اللي عمل الصور دي. 


هتفت قائلة بنبرة مطيعة:- حاضر يا " زين " اللي تشوفه. 


سادت دقيقتين من الصمت أخيرًا قبل أن يقطعه صوت المفتاح الذي يدور بباب المنزل وتدلف منهُ " ليال " بهيئتها التي أثارت فزع الجميع عليها.. توقفت الكلمات بحلقهم وهُم يشاهدونها تقف أمام باب المنزل غير قادرة على أن تتقدم خطوة أخرى للداخل.. هيئتها مُزرية أسقطت قلوبهم.. تقدم منها " زين " ليرى ما بها وقبل أن يصل إليها بخطوة واحدة كانت تسقط فاقدة للوعي لكن ذراعيه حالا دون اصطدامها بالأرض.. وأخر ما وصل إليها صراخ الجميع المُرتعب بإسمها.... 


------------------------------------


" دار آل سُليماني "


تقف أمام مرآتها تضع اللمسات الأخيرة على مظهرها المُتأنق.. ترتدي ثوب باللون الأحمر اللامع.. مُرصع بقطع ألماسية صغيرة باللون الذهبي من عند الصدر حتى منطقة الخصر.. الفستان ضيق من الأعلى حتى خصرها ثُم ينزل بإتساع بسيط.. وبأطرافه تنتشر قطعٍ من الماسات صغيرة الحجم كأنها نقاط من عسل النحل سقطت بالخطأ على فستانها فجعلت منهُ لوحة جميلة لفنان مُبدع بأكمام طويلة ضيقة وبنهايتها يوجد أسوارتين ذهبيتين لامعتين لتزين معصمها.. 


وقفت " چيداء " أمام المرآة تضع اللمسة الأخيرة على مظهرها وهو أحمر الشفاه القاني والذي يُلائم تبرجها اليوم.. ثُم جمعت خصلات شعرها العسلية 

الطويلة على كتف واحد ليظهر الحلق الذهبي بأذنها.. ارتدت حذائها العالي بلونه الأحمر ثُم حملت حقيبتها الصغيرة بنفس اللون.. وقبل أن تخرج من غُرفتها القت على نفسها نظرة رضا أخيرة ثُم خرجت من الغُرفة.. 


ببهو المنزل يقف " جواد " يرتدي بذلة سوداء تلائم جسده الممشوق كثيرًا.. كما أنها أظهرت تفاصيل جسده المُتناسق.. بالأضافة إلى تصفيفة شعره الشبابية.. كان مظهره خاطف للأنفاس لكن ما خطف أنفاسه بتلك اللحظة هو مظهر شقيقته المُبهر.. وقف يُراقبها وهي تترجل من على الدرج بخطوات هادئة.. واثقة.. مُتأنية بأعين لامعة بالحب لهذه الصغيرة التي كبرت فجأة ومن المؤكد سيأتي أحدهم ويختطفها منهُ.. وإن لم تكن الليلة سيكون بليلة قريبة للغاية.. 


وصلت إليه " چيداء " ووقفت أمامه قائلة بغرور يليق بها:- إيه رأيك، اللوك حلو صح.! 


على الرُغم من أنبهاره لها لكن عادة الأشقاء الغليظة.. حتى لو كانت شقيقته ملكة جمال الكون لن يعترف بذلك.. أراد مشاكستها فهتف قائلًا لمشاغب:- إيه اللي أنت عامله في نفسك دة يا صندوق.؟ 


توسعت نظراتها بصدمة.. واختفت بسمتها المغرورة.. بينما نظراتها حملت شيءٍ من الشر وهي تهتف قائلة بغيظ:- أنا غلطانة إني باخد رأي واحد زيك معندهوش ذوق في أي حاجة، وغلطانة إني هاخدك معايا فرح صاحبتي. 


ضحك شقيقها بمرح ثُم ضايقها أكثر عندما هدر قلئلًا بغلظة من بين ضحكاته:- قال يعني واخداني عشان سواد عيوني، دة إنتِ واخداني عشان تتمنظري بيا قدام صحابك إكمن إنك سنجل بائسة يائسة. 


نظرت إليه شزرًا ثُم هدرت قائلة بغرور أنثوي لذيذ:- مين العبيط اللي ضحك عليك ومفهمك كدة، أنا الف واحد يتمناني يا بابا، أنا سنجل بإختياري مش عشان مش لاقية حد. 


وقبل أن يُفحمها برد أخر صدح صوت أنثوي رقيق من خلفهما قائلًا بنبرة تشع سعادة وحماس:- أنا جاهزة. 


التفتا بنفس اللحظة لينظرا إلى صاحبة الصوت والتي كانت " تالين ".. تقف أمامها بفستانها الذي يُشبه أميرات ديزني بحق.. فُستان بلون البنفسج الفاتح.. واسع قليلًا من منطقة الصدر مع بعض الكشكشة الرقيقة.. وبحزام بنفس اللون بمنطقة الوسط ثُم ينزل بإتساع مناسب حتى بعد الرُكبة بقليل.. بينما الأكمام كانت واسعة بإسوارتين ضيقتين بنهايتهما.. وارتدت حذاء رياضي أبيض مما أعطاها مظهر أكثر أناقة.. بينما خصلات شعرها جمعت القليل منهم من الجانبين إلى الخلف بمشبك فضي لامع وتركت جميع خصلاتها الشقراء الطويلة جدًا تسترسل على ظهرها بحرية.. ولم تضع من مساحيق التجميل ألا كُحل أسود يُزين عينيها اللامعتين وملمع شفاه بلون وردي هاديء.. 


أصدر " جواد " صفيرًا مُعجبًا ثُم هدر قائلًا وهو يغمزها بعيناه:- لا أنا كدة مش رايح الفرح دة، أنا أخاف على الأميرة دي تتخطف مني. 


أبتسمت " تالين " بخجل بينما توردت وجنتيها بحُمرة طبيعية وهمست قائلة بحماس وهي تدور حول نفسها فيدور معها طبقات فُستانها:- بجد حلوة.؟ 


أبتسمت " چيداء " بحنان قائلة:- زي القمر يا تولا. 


ضحكت " تالين " بسعادة وأرسلت لها قُبلة بالهواء.. تحرك الجميع بسيارة " جواد " نحو حفل الزفاف.. يتبعهم من الخلف عددًا من سيارات الحراسة والتي أصر جدهم على أن يكونوا معهم وإلا لن يُحضر أحد ذلك الزفاف.. فرضخوا للأمر مُتبرمين.. وطوال الطريق لم تتوقف " تالين " عن التعبير عن مدى سعادتها لأنها لأول مرة منذُ زمنٍ تخرج من القصر وتذهب إلى حفلًا ما.. بينما " چيداء " شعرت بالشفقة عليها وهي ترى حماسها الشديد.. وأدركت صحة قرارها عندما طلبت منها أن تُحضِر معها حفل الزفاف ذاك.. فالأميرة الصغيرة سجينة القصر ولم يأتي من يُحررها بعد... 


بعد مرور ما يُقارب الساعة بالزفاف كان الثُلاثي يقفون بجانب بعضهم البعض بأحد أطراف القاعة المُمتلئة بالبشر.. شعر " جواد " بالملل فأخبرهم أنهُ سيتجول قليلًا بالجوار بينما " چيداء " عندما لاحظت أن ابنة عمها لم تحرك ساكنًا منذُ لحظة وصولهم طلبت أن تتجول قليلًا حولها إن أرادت ونفذت " تالين " على الفور.. 


بينما هي شعرت بالأختناق بداخل القاعة لذلك قررت أن تذهب إلى الحديقة تستنشق بعض الهواء النقي.. وقفت بمكانٍ ما هاديء بعيدًا عن الأنظار تتأمل جمال الزهور والورود من حولها.. خالية البال.. بلا أوجاع أو ماضٍ حزين.. كل ما تهتم بهِ أُسرتها الصغيرة.. عملها.. ونفسها فقط.. 


أبتسمت برقة عندما وقعت عسليتيها على وردة حمراء يتخللها بعض الأفرع الذهبية.. لاحظت الشبه بينهما بتلك اللحظة لكن لم تكُن تتوقع الصوت الرجولي الهاديء الذي صدح من خلفها قائلًا:- شبهك على فكرة. 


انتفضت " چيداء " بفزع وهي تلتفت لترى أخر شخصٍ تتوقع رؤيته هُنا.. أو رؤيته مُجددًا بمعنى أصح.. عقدت حاجباها بإستغراب لم يدوم طويلًا عندما هدر هو قائلًا بنبرة هادئة وعيناه يلمعان بالإعجاب:- أنا معزوم هنا في الفرح، مبسوط إني شوفتك بخير. 


أبتسمت " چيداء " بهدوء قائلة بنبرة راقية:- الحمد لله بخير. 


وبنفس ملامحه الهادئة هتف قائلًا بنبرة رخيمة:- أسف لو قطعت عليكِ قعدتك مع الورد لوحدك. 


هزت رأسها بمعنى " لا " وقبل أن تُجيب صدح صوت قادم من خلفهمة قائلًا:- " چيداء " روحتي فين.؟ 


التفت " قُصي " ينظر إلى صاحب الصوت ثُم توسعت عيناه بصدمة قائلًا:- " جواد السُليماني ".! 


وقف " جواد " مصدومٍ هو الأخر ثُم صاح بسعادة قائلّا:-  " قُصي البحيري "، وحشتني يا راجل.! 


تعانق الشابين بقوة سعادة بلقائهما سويًا بعد اختفاء من قِبل " قُصي " دام لعدة سنوات.. بينما هي كانت تُتابع ما يحدث أمامها بهدوء جذاب حتى عندما التفت إليها شقيقها يهدر قائلًا بسعادة:- إنت أتعرفت على " چيداء "، شوفت كبرت إزاي وبطلت زن وعياط زي زمان. 


ضحك بتلقائية غير مُنتبه إلى نظرات صديقه التي توجهت إلى شقيقته بذهول.. لا يصدق أنها هي.. " چيداء "..... 


-----------------------------------


على الجانب الأخر من حفل الزفاف كانت " تالين " عائدة للتو من غرفة السيدات تسير بالرواق المؤدي إلى القاعة وقد كان هاديءٍ خالي من البشر.. صوت الموسيقى الهادئة التي تنبعث من قاعة الزفاف وصل إليها وأعطاها شعورًا من السكينة.. منذِ زمنٍ طويل. لم تشعر بطعم الحُرية هكذا.. الجميع يخشون عليها من نسمة هواء قد تُضايقها مما يجعلهم يفرطون في حمايتها.. عفوًا تقصد الجميع إلا والديها.. حيثُ أنها تعتقد أن والدتها لا تُحبها بينما والدها يكاد لا بتذكر وجودها بهذا العالم الواسع.. لقد نسى أنهُ أنجبها بالأساس.. تتلقى الدلال والحِب من الجميع عداهما.. 


أثناء سيرها كانت شاردة فلم تنتبه إلى ذلك الجسد الذي ظهر من العدم واصطدم بها.. شهقت " تالين " بفزع وهي تجد نفسها على وشط السقوط أرضٍ قبل أن تحول ذراعين قويتين تحيطان بخصرها الرقيق وتسحبها نحو صدر صلب فلم تسقط.. فور أن تمالكت نفسها أنتفضت مُبتعدة بمسافة مناسبة وهي تعدل من هندامها ثُم همست قائلة بتوتر:- أنا أسفة مكنتش منتبهة. 


وصل إليها نبرة صوت عابثة قائلًا:- ولا يهمك، بعدين هو حد يطول قطة جميلة زيك توقع في حضنه. 


رفعت أنظارها بدهشة من وقاحة الشاب الذي أمامها.. وبترفُع لم تُجيب بل حاولت أن تتخطاه لترحل لكنهُ وقف أمامها بجسده الضخم قائلًا بنبرة وقحة:- رايحة فين بس هو أحنا لحقنا نتعرف. 


تراجعت خطوة إلى الوراء ورُغم التوتر الذي يعصف بها لكنها تظاهرت بالقوة وهي تهدر قائلة:- أنت مجنون ولا شارب حاجة ولا إيه، أبعد عن وشي أحسنلك. 


ضحك الشاب بعدم إتزان وعلى حين غرة مد كفه نحوها يقبض على معصمها ليسحبها نحوه لكنها وبرد فعل تلقائي رفعت كفها الحُر وصفعته صفعة قوية تردد صداها حولهما.. 


ثار الشاب ودفعها بعيدًا عنه لتسقط أرضٍ وتتأوه بألمٍ.. توسعت نظراتها بخوف احتل ملامحها عندما سبها بلفظ بذيء لم تسمعه من قبل.. لكن سقط قلبها بين قدميها عندما رأته يكور قبضته ويوجهها نحوها ليلكمها.. 


أيقنت أنها ستموت الأن بعد اعتداء هذا الهمجي عليها.. حاوطت وجهها بذراعيها وهي تصرخ بهلعٍ فلم ترى ذاك الذي ظهر من العدم وقبض على معصم الشاب أمامها ثُم بحركة سريعة كان يصدم رأسه برأس الشاب مما جعله يسقط أرضٍ مُتكورًا على نفسه وهو يصرخ بألم.. 



سمعت صوت صراخٍ مُتألم لكنها لم تجرؤ على أن تبعد ذراعيها عن وجهها وترى ماذا حدث.. وصل إليها صوت حنون مُراعي قائلًا:- إنتِ كويسة يا أنسة.! 


وبهدوء وتروي كشفت عن وجهها لتصطدم عينيها الدامعتين بعينين ثائرتين.. كانت أعصابها مُتعبة وتركيزها مشوش فلم تفطن لنظرات " أنس " الذي هدر قائلًا بذهول:- إنتِ.! 


وقبل أن تُجيب رأت " چيداء وجواد " يهرولان نحوها وفور وصولهما هدر الأخير قائلًا بصدمة غاضبة:- إيه اللي بيحصل هنا.! 


ولسوء حظ الشاب انتفض غاضبًا ثُم اطلق سبة أخرى نابية موجهة إلى " تالين ".. فطن " جواد " إلى ماحدث لذلك لم يتردد وهو يقترب منهُ يُكيل إليه اللكمات بعنف حتى أدمى وجهه.. تدخلت " چيداء " لتبعده عنه قبل أن يسلم روحه إلى خالقها.. فأبتعد عنه وأقترب من إبنة عمه الصغيرة قابضٍ على معصمها ثُم فعل نفس الشيء مع شقيقته وخرج بهما من المكان بأكمله.. تاركين " أنس " يقف يراقب طيفها الراحل بذهول.. وللمرة الثانية ينقذ ولي عهد " الوزان " أميرة " السُليماني " وتتركه وترحل دون أن تعبأ بهِ.... 



-----------------------------------


أمام دار " آل سُليماني " توقفت سيارة " عاصي " في انتظار أن يفتح الحُراس البوابة الخارجية لكن توقفت أمامه سيارة أخرى على حين غرة ولم تكُن سوى سيارة " زين ".. 


ترجل الأخير من سيارته ثُم سار بخطوات ثابتة نحو سيارة "  عاصي " الذي بمجرد أن رأه سقط قلبه بين قدميه مُعتقدًا أن شيءٍ ما سيء أصاب " ليال ".. لذلك لم يتردد وهو يترجل من سيارته هو الأخر يتبعه رجال حراسته الخاصة يُحاوطونه من كل أتجاه.. وقف الشابين أمام بعضهما البعض وبلحظة لكم " زين " وجه " عاصي " بقوة جعلته يختل توازنه ويتراجع خطوتين إلى الخلف بينما هدر الأول قائلًا بصراخ مُرعب:- عايز منها إيه ها، عايز من أختي إيه، عايز توصلها لإيه تاني، عملت فيها إيه عشان توصل للحالة دي تاني.! 


كان كل كلمة يتبعها لكمة بمكان مُختلف بينما " عاصي " كان مشوشٍ بسبب حديثه وذكره لها.. لكنهُ تمالك نفسه وقام برد اللكمات إلى " زين " بالمقابل حتى أخرج الأخير سلاحه وأشهره بوجه " عاصي ".. بتلك اللحظة أشهر جميع رجاله سلاحهم بوجه الشاب الثائر والذي هدر قائلًا بقسوة مجنونة:- أنا هريحها منك دلوقتي. 


لكن لم يحسب أحد حساب تلك الرصاصة الغادرة التي خرجت من سلاح الحارس الذي يقف خلف " زين " لتستقر رصاصته بجسده دفاعٍ عن رب عمله.. بنفس اللحظة التي خرجت بها رصاصة أخرى من سلاح " زين " لتستقر بجسد " عاصي ".. ليسقطا أرضٍ غارقان بدمائهما..... 


------------------------يُتبع-------------

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-