العفاريت
رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل السادس *قُــبــلــة أم رصــاصــة *
ليلة اجتمعت بها النجوم واصطفت جنبٍ إلى جنب.. تلمع النجمات بالسماء الداكنة وكأنها ثوبٍ رقيق لملكة هاربة من أحد الأساطير الخاصة بالعِشق.. وتتناثر النجوم على أطراف الثوب برقة وجاذبية مُلفتة للنظر.. ما أجمل الليل بظلماته.. بدكنة سمائِه.. بضياء نجومه.. وبهاء قمره.. وقفت " روان " بشرفة غرفتها تتأمل النجوم بشغفٍ غير قادرة على كبحه.. لطالما عشقت النجوم والكواكب وقرأت عنهم الكثير.. كان واحدًا من أحلامها أن تكون عالمة فلك لكن أحلامها كانت مُعارضة لأحلام جدها " مُختار العفريت " الذي كان يحلم بأن تكون مثلها مثل " ليال وزين ".. تتولى أعمال الشركة برفقة شقيقيها وإبنتيّ خالاتها.. وهي وكعادة جميع العائلة رضخت لأوامر الجد.. وتناست حلمها لتُصبح كما يرغب هو.. أصبحت " روان العفريت ".. قوية.. صلبة.. لا تهتز مهما مرت عليها مصائب.. لا تعلم كيف كان يُفكر " مختار العفريت " فيما مضى عندما تولى تربيتها مع باقية أحفاده..!! لماذا أراد أن يصنع تلك الشخصيات جميعًا..!! هل لو كان تركها على فطرتها التي خلقها بها الله كأُنثى طبيعية رقيقة لم تكُن لتستطع أن تتولى أمور العمل..!! وبالطبع تلك إجابة لن تحصل عليها أبدًا.. لأنها لا تفكر في مواجهة جدها بيومٍ ما وسؤاله عما ارتكبه بحقهن كإناث..
تذكرت " ليال " وما أصابها بتلك اللحظة.. " ليال " حفيدة " آل عفريت " الكُبرى والتي بيومٍ ما تحولت إلى كتلة من الجليد بعد أن كانت تُمثل الشمس بدفئها بتلك العائلة.. لا تعرف ما الذي حدث لها لتقوم بجرح الشخص الوحيد الذي أحبته بتلك الطريقة.. ولا كيف هو استطاع إيلامها كما فعل سابقٍ.. أين ذهب الحُب..!!
أخرجت تنهيدة ثقيلة نظرًا لما تشعر بهِ من تعب وثُقل بقلبها.. ثُم قررت أن تذهب إلى المشفى لتطمئن على " ليال وشهد ".. تعلم أن الوقت تأخر كثيرًا لكن منذُ متى وهي تهتم بمثل تلك الأمور.. أرتدت ملابس ثقيلة ثُم خرجت من غرفتها بهدوء حتى لا يستيقظ أحدًا ما بالمنزل بالأخص أشقائها الشباب.. فهي وللأسف فتاة وحيدة على ثلاث صبيان.. وعلى الرُغم من ذكوريتها الظاهرة وقوتها لكنهم لا يتركوها بحالها.. ودائمًا ما يحاولون تقييدها بحجة حمايتها والخوف عليها.. لكن هيهات فهي تناطحهم رأسٍ برأس ولا تتركهم ينتصرون عليها أبدًا..
خرجت من باب البناية وتوجهت نحو الجراچ المُلحق بها لتستقل سيارتها لترحل بهدوء وهي تدعوا الله أن لايشعِر بها أحد..
قررت أن تمُر على أحد المحال لشراء بعض الأطعمة السريعة والحلويات لها ولهن.. وبطريقها تفاجأت بشيءٍ ما جعلها تتوقف على جانب الطريق تُراقب ما يحدث بترقب وذهول..
-------------------
لقد انتهى عمله بتلك البقعة قبل قليل.. لكنه أراد أن يتوقف ليرى صُنع يداه.. يرى نتيجة أعماله.. تحفته الفنية كما يُحب تسميتها دائمًا.. ولما لا يفعل..! أليس لقبه الفنان..!! لقد حصل على ذلك اللقب بعد مدة قصيرة من دخوله ذلك المجال وتثبيت أقدامه بهِ.. لم يكُن يعرف أن الضريبة التي سيدفعها ليست بالهينة.. ضريبة دفع ثمنها بالدم.. وياليتها دمائه بل دماء الأغلى والأعز على قلبه..
عاد من شروده على صوت انفجار زلزل الأرض أسفل قدميه.. أنفجار قوي أفزع الأحياء وهز الأرض أسفل الأموات.. لمعت عيناه الزرقاء بلهيب مشتعل وهو يُنفث دخان سيجارته ويطلقه في الهواء بينما يُراقب ألسنة اللهب وهي تأكل الأخضر واليابس بعينان خاويتان باردتان.. يرتدي الأسود كسواد قلبه وروحه بتلك اللحظة.. وبعد أن شعر ببعض الراحة من هذا المنظر المُبدع الذي رأه قرر أن يرحل.. يختفي كما يُحب أن يفعل..
استقل الدراجة النارية خاصته ونهب الأرض بأقصى سرعة يمتلكها.. الهواء البارد يلفح وجهه وصدره ويضرب جسده كالبرق لكنهُ لا يُبالي.. لعل برودة الجو تُطفيء بعضٍ من لهيب حقده وغضبه..
وبلحظة غادرة توقفت أمامه سيارة سوداء مما أجبرته أن يتوقف.. أبتسم بسخرية سوداء وهو يرى هؤلاء الحوائط البشرية تترجل من السيارة وتتوجه نحوهه بينما ملامحهم لا تُنذر بالخير أبدًا.. لم يُحاول الهرب.. لقد أصبحت تلك الأمور تُسليه.. وقبل أن يترجل من على الدراجة قام أحدهم بسحبه بعيدًا عنها بخشونة شديدة.. وباللحظة التالية كانت تتوالى عليه اللكمات والصفعات بعنفٍ بالغ.. كان يقوم برد الضربات لكن ليس مثلهم.. فهو مهما كان قوي الجسد والبنيان لكنه بمفرده في مواجهة مجموعة صغيرة من الوحوش الشرسة..
الضربات ازدادت قسوة لكنه يعرف أن هدفهم ليس موته.. هُم لا يرودنه ميتٍ بل حيًا.. لذلك يحرصون على إيلامه دون قتله.. قام أحدهم بمسكه من تلابيب ملابسه وهمس بجانب أذنه بصوتٍ يُشبه فحيح الأفاعي قائلًا:- دي قرصة ودن بسيطة، المرة الجاية هنخليك تحصلهم.
اشتعلت نيران حقده من جديد.. الوغد كيف تجرأ على ذكرهم أمامه.. ألا يكفي نيران الغضب وشرارة الذنب..! شعر بالدماء تفور بعروقه لذلك لم يتواني عن رد الضربات بعنفٍ أشد وقسوة أكبر.. وكأن بكلمات الوغد السامة أخرج الوحش الساكن بقبره.. شراسته المُفاجأة جعلت واحدًا من الرجال يركض نحو السيارة ليُحضر عصاه حديدية ثقيلة وبلحظة كان يهوي بها على رأسه من الخلف..
لحظة واحدة جعلته يترنح بوقفته وهو يشعر بالأضواء تختفي من أمامه ويحل محلها الظلام.. ألم حاد برأسه يعصف بهِ وهو غير قادرًا على المقاومة.. سقط أرضٍ على ركبتيه مُستسلمٍ لما أصابه لكن قبل أن يُغلق عيناه وصل إلى مسامعه صوت طلق ناري يصدح بالأجواء.. وشعر بهؤلاء الرجال يركضون بأتجاه السيارة هاربين من شيءٍ أفزعهم.. بتلك اللحظة رأها.. رأها تركض بأتجاهه وهي تمسك بسلاحٍ ما وتُطلق الرصاص على من أذوه.. وباللحظة التالية كانت تنحني أرضٍ وهي تمسك برأسه الثقيلة وتهتف بكلماتٍ ما لم يستوعب منها شيءٍ.. لم يصل صوتها إلى أذنيه ليخترق عقله بالأساس.. كانت الدماء تسيل من جميع أنحاء وجهه حتى أن ملامحه اختفت أسفلها لكنهُ كان يرى ملامحها بصورة شبه جيدة.. حينها قرر أن يستسلم.. أغلق عيناه وسلم نفسه إلى ظلامه..
----------------------
كيف يُمكن أن يواجه الإنسان مصائبه بقلبٍ مكلوم وعقلٍ معطوب..! قلبٍ جراح الأيام أردته قتيلًا.. وعقلًا لم يعُد يستيطع إستيعاب شيءٍ آخر يحدثُ حوله..
ماذا كان سيحدُث لو كانت الحياة مُبهجة مليئة بالألوان..! سؤالًا يتردد بعقلها منذُ مدة لابأس بها والإجابة واضحة كوضوح الشمس.. لماذا خلق الله عز وجل الحزن..؟!
والإجابة كانت أن الله عز وجل خلق الحِزن لنستطيع الشعور بطعم الفرح والسعادة.. كيف كنا سنشعِر بلذة الفرحة بعد الحُزن.. بلذة الأنتصار بعد الهزيمة.. بلذة الشفاء بعد المرض.. والتفاؤل بعد اليأس.. والكثير من الأشياء تُقاس بنفس المقياس بهذه الحياة.. وما على العَبد إلا الصبر والعمل على طاعة ربه..
هكذا كانت تُفكر " شهد " وهي تسير بحديقة المشفى وحيدة شاردة في الزرع الأخضر والورود الملونة من حولها.. تُفكر في حياتها وأحزانها لكنها راضية وصابرة لترى بنهاية صبرها ماذا ستكون جائزتها..
استمعت لصوت خطوات خلفها فألتفتت لترى من الذي تطفل على خلوتها فلم تجد أحد.. نظرت حولها تتفحص المكان لعلها تلمح صاحب الخطوات وأيضًا نفس النتيجة.. تنهدت بخفة ثُم التفتت لتُكمل سيرها وبمجرد أن فعلت حتى شعرت بمن يقبض على كفها ويسحبها نحو صدره ببقوة.. شهقت بفزعٍ وكانت على وشك أن تصرخ عندما وضع كفه على شفتيها قائلًا بنبرة عابثة:- تؤ تؤ، بقا معقولة " شهد " هانم بنت العفاريت كانت هتاخد رد فعل طبيعي زي البنات وتصرُخ مش هتفتح عليا مطواة مثلًا..!
كانت قد هدأت بمجرد أن وصلت إليها رائحته التي تحفظها عن ظهر قلب.. رفعت نظراتها الغاضبة نحوه لتُقابل نظراته العابثة التي لم تخلو من عشقه لها.. وضعت كفيها على صدره وقامت بدفعه بعيدًا عنها لكنه تحرك بإرادته خطوتين فقط إلى الخلف وعلى شفتيه ترتسم إبتسامة مغوية جعلتها تتوتر لكنها هدرت قائلة بعصبية:- إيه اللي أنت عملته دة خضيتني..!
تلاعب بحاجبيه قائلًا بأستفزاز:- سلامتك من الخضة يا.. يا بطة.
ارتعش قلبها عِند ذِكر لقبها التحبُبِ القديم.. الذي لم يكُن يُناديها سوا بهِ.. لكنها أبت أن تُظهر لهُ ذلك.. فهدرت قائلة بعصبية أشد:- يوووه، إيه اللي جابك يا " أسعد "..؟
رُغم العبث والإشتياق اللذان يحتلان ملامحه لكنه أجابها بهدوء قائلًا:- جاي عشان اتطمن على أختك، وإنتِ عارفة إني مكنتش هسيبك في وقت زي دة.
أبتسمت بسخرية رُغمٍ عن ألم قلبها بسببه قائلة:- تتطمن على أُختي ولا تقطعلي الخلف وتخضني..!
تلاعب بحاجباه قائلًا بنبرة وقحة:- لا بعد الشر دة أنا عايز منك 6 عيال.
توردت وجنتيها بخجلًا جعلها شهية للغاية أمامه.. كم أراد أن يحتضنها بتلك اللحظة ويبثها عِشقه وأشواقه.. لكنها عنيدة برأس يابس لا يلين.. هدرت هي قائلة ببعض التوتر:- بقولك إيه أتلم، ويلا من هنا، أمشي.
ضحك قائلًا بغمزة عابثة:- في دراسة بتقول إن لما البنت تقولك أتلم يبقا متتلمش.
سخرت منهُ قائلة:- ودة مين اللي عمل النظرية دي إن شاء الله..؟!
أشار على نفسه بفخرًا ذكوري بحت قائلًا بنبرة مُتلاعبة:- أنا وبلا فخر.
مصمصت شفتيها قائلة بإستفزاز:- بلا نيلة قال يعني أخترعت الذرة..!
لم يُجيبها فهدرت بعصبية مُفتعلة:- أوف، أنت فايق ورايق يا " أسعد " وأنا فيا اللي مكفيني.
لم يغفل عن نظرات الحزن بعينيها ولا عن ملامحها المُرهقة الشاحبة.. كأنها كانت تُعاني لفترة طويلة ولم تجد راحتها حتى الأن.. تحولت ملامحه بلحظة إلى أُخرى حنونة ثُم هدر قائلًا بنبرة أجشة:- عارف اللي إنتِ مريتي بيه، وإن مكنش سهل عليكِ تشوفي " ليال " في الموقف دة، بس خلينا نبُص لنُص الكوباية المليان إنها سليمة والحمد لله بتتعافى وهتبقا كويسة، صح..!
دمعت عيناها بضعفٍ قليلًا ما ينتابها أمام أحد ولم تكُن تُريد أن يظهر أمامه.. لكنها بشر بالنهاية وما مرت بهِ منذُ البارحة ليس سهلًا أبدًا.. اومأت لهُ بضعف دون رد مما جعله يفقد سيطرته على نفسه ويقطع الخطوتين الفاصلتين بينهما.. وبدون تردد رفع كفه يغطي بها وجنتها يربت عليها بحنانٍ وهو يهمس قائلًا بنبرة رقيقة:- " شهد " مش عيب الإنسان يبان ضعيف ولو لمرة كل فترة، مفيش إنسان في الدنيا قوي طول الوقت، ربنا زي ما خلق القوة خلق الضعف، واللي أتعرضتي ليه من إمبارح للنهاردة أكيد آثر عليكِ فمفيش مشكلة لو عيطتي عشان ترتاحي، وأنا موجود عيطي معايا لو تحبِ.
كان يُرمقها بنظراتٍ حنونة للغاية جعلتها ترتعش داخليًا.. لطالما كرهت هذا الأمر بهِ وأحبته أيضًا.. تكرهه لأنه يتعمد إظهار ضعفها.. إظهار أنوثتها المُختبئة خلف قناع الذكورة التي ترتديه.. وتحبه لأن رغم كُل شيء هي أُنثى.. أُنثى ترغب في أن تتحرر من سجن ذكوريتها المزعومة لكن ماذا تفعل بعائلة كاملة حولتها إلى -ذاك الرجُل- التي أصبحت عليه.. وإذا أرادت أن تخلع ثوبه لا تعرف هل سيقبل جدها بذلك أم لا..!
نظراته جعلتها تتوتر.. تضعف.. تليّن.. أرتعشت شفتيها دليلًا على رغبتها في البُكاء.. رغبة تُحاول كبحها لكن لم يستمر ذلك طويلًا وانفجرت باكية.. سقطت رأسها أعلى صدرها وبكت.. بكت بقوة أجفلته هو الذي حثها على البُكاء لكنهُ لم يتوقع أن تُطيعه بتلك السهولة..
اللعنة.. لقد طاوعته " شهد " وبكت لترتاح كما أخبرها.. أظهرت ضعفها أمامه دون خجل.. دون تردد.. وبالرُغم من سعادته بذلك الحدث لكن ألم قلبه بتلك اللحظة يفوق الوصف.. آلامها يقتله حيًا.. لم يتردد لحظة وهو يسحبها نحوه لترتمي بين ذراعيه على صدره تبكي وتشهق بقوة وكأنها كانت تختزن ذلك البُكاء منذُ زمنٍ طويل.. تركها تبكي وكل ما فعله فقط التربيت على ظهرها بحنو وأعتصارها بين ذراعيه..
عندما يتصرف الإنسان عكس سجيّته التي خلقهُ الله عز وجل بها تكون النتيجة عدم الراحة.. الشعور بأنك مُكبل غير قادرًا على الحراك.. وشعور العجز قاتل.. لقد خلق الله الإناث إناثٍ والذكور ذكورًا.. فلا داعي للعب دورًا ليس لنا.. الأنثى خُلِقَت رقيقة ناعمة.. قوية حازمة عِند اللزوم ليس أكثر.. فلا داعي للتشبُه بالرجال وتقليد أفعالهم..
بعد وقت ليس بطويل أنتهت " شهد " من بُكائها ورفعت رأسها عن صدره تتطلع نحو بعينين دامعتين.. وشفتين مزمومتين.. لم تكُن تجروء على الحديث أو جتى النظر إليه.. بينما هو أبتسم بحُبً بالغ وكان على وشك أن يتحدث قبل أن تُصدر ضجة قادمة من بوابة المشفى الداخلية.. أبتعدت عنهُ على الفور وهي تلتفت لتتابع ما يحدث عندما شهقت بصدمة وهي ترى " روان " تترجل من سيارتها وتركض نحو سيارة الإسعاف التي توقفت بتلك اللحظة وخرج منها إثنين من المُمرضين يحملون شخصٍ ما غارقٍ في دمائه.. وابنة خالتها تتبعهم بملامح قلقة دون أن تنتبه لها.. لحقت بها " شهد " سريعًا لتفهم ما يحدث.. بينما " أسعد " زم شفتيه بضيق من تخريب جميع لحظاته معها بسبب عائلتها دائمًا.. ولم يملك إلا أن يتبعها ويطمئن عليها..
--------------------
بقديم الزمان ظهرت حورية بحر رائعة الجمال على أحد الشواطيء الساحلية لمدينة شهيرة.. كانت مدينة صغيرة مشهورة بقصص العِشق والهيام.. وأشعار الغرام.. كانت تظهر وتختفي سريعًا مما لفت أنظار أهل القرية وبالأخص الصيادين.. جمالها كان رائعٍ يُسلب الأنفاس.. وأنتشر خبر ظهورها بالقرية كالنار بالهشيم.. حتى وصل إلى صياد شاب.. جميل الهيئة وقوي البنيان.. خرج الصياد للبحث عنها وأقسم أن يعود بها.. واستطاع القبض عليها وإخراجها من الماء عنوةً.. سُلبت قلب الصياد بجمالها وسريعًا كان صريع غرامها.. إما هي لقد آسرها بكرمه وحنانه ونظرات عِشقه لها.. وسُرعان ما اشتعل الحُب في القلوب.. وتحول الحُب إلى قصة ملحمية.. لكن القرية لم تكُن تخلو من أصحاب القلوب السوداء.. ممن يكرهون الخير للغير.. وباللحظة التي كان الصياد ينعم بحُب الحورية ويتنعم بأحضانها كانت المكائد تُحاك من خلف الظهور للتفرقة بينهما.
= " عاصي "..!!
خرج إسمه من بين شفتيها همسٍ خافتٍ ضعيفٍ.. لكنهُ أبتلعه سريعًا بين شفتيه ليعود لتقبيلها من جديد.. لا يكل ولا يمل.. لقد مرت دقائق طويلة وهما هكذا.. يُقبل شفتيها بعُنف وقسوة تتحول سريعًا إلى حنانٍ حازم.. ثُم يترك شفتيها ليُقبل كل إنش بوجهها ورقبتها وعندما يتأكد من أنها استعادت بعضٍ من أنفاسها الهاربة يعود لشفتيها من جديد مُطالبًا بها.. وهي لم تكُن أقل منهُ عِشقٍ أو شغفٍ لذلك لم تُحاول إبعاده بل كانت تحاوطه بذراعيها لتُقربه منها أكثر..
واستمر الوضع هكذا حتى شعر بها تلهث بتعب وليست مُستمتعة كما كانت في بداية الأمر.. مما جعله يبتعد عنها ويتركها على مضض.. لكنهُ لم يُفلتها من بين ذراعيه بل ترك شفتيها واستند بجبهته على جبهتها يلهثان سويًا بتعب.. غير مُصدقان ما حدث بينهما.. ولا يجروء أحدًا منهما أن يفتح عيناه بتلك اللحظة ليتأكد..
بعد قليل كان هو من استعاد رباطة جأشه عندما شعر بها تضع رأسها على صدره.. فتح عيناه ونظر إلى رأسها بشعرها الأسود الغزير المُسترسل على ظهرها بجمالًا يسلب قلبه بكل مرة يراها بها.. ودون أن يدري كان يُربت على ظهرها بحنو وهو شاردًا بها..
بعد دقائق قليلة تحركت " ليال " بين أحضانه ورفعت رأسها عن صدره تنظر نحوه.. أخفض أنظاره قليلًا نحوها ليتطلع بها هو الأخر.. وهاله كم المشاعر التي تفور بعيناها.. أهو عِشق لا يقل عن عِشقه أم رغبة لا تقل عن رغبته.. أم ألمٍ لا يقل عن ألمه..!! أهي تتألم مثله.. تتألم وهي القاتلة هُنا..!!
وعلى ذِكر القتل تذكر كيف قتلته قبل سنوات بليلة زفافهما التي لم تكتمل بسببها.. لقد ذبحته ووقفت تُشاهد خروج روحه ببرود وقسوة.. لذلك ارتدى قناع قسوته بلحظة وهمس قائلًا بنبرة خرجت ثلجية وكأنه ملك المُحيط من يتحدث:- متفتكريش إن اللي حصل دلوقتي دة هيغير أي حاجة بينا، إنتِ هتفضلي عدوتي اللي لغاية ما أموت هفضل بنتقم منها وبدمرلها حياتها.
وعلى عكس نبرته القاسية وحديثه الكريه.. كانت كفه تُربت على ظهرها بحنانٍ لا مثيل لهُ.. وذراعيه يحيطان بها ويعتصران جسدها بقوة لكي لا تهرب وتتركه وحيدًا دونها من جديد.. وكأن جسده لا يُطاوع لسانه.. كما أن قلبه لا يُطاوع عقله.. وهو يتمزق بينهم ولا يعرف ماذا يفعل.. فلا يمتلك إلا أن يؤلمها..
بينما هي كانت أضعف في تلك اللحظة من أن ترتدي قناع قسوتها هي الأخرى.. كان ذراعيها تحاوطانه بقوة وأصابعها تتشبث بسترة بذلته السوداء من الخلف لكي لا يتركها.. تألمت من حديثه.. أرادت أن تبكي وبالفعل سقطت عِبراتها واحدة تلو الأخرى.. وهي تتطلع نحوه تناجيه.. بينما هو شعر بغصة بقلبه عندما رأى دموعها.. عيناه تحتضن عيناها.. جسده يحتضن جسدها.. وأنفاسه تبتلع أنفاسها.. ماذا يفعل..!! لا يستطيع السماح والبدء من جديد كأن شيءٍ لم يكُن ولا يستطيع التغاضي عن آلامها..
وهي كل ما فعلته همست بإسمه قائلة بنبرة مبحوحة:- " عاصي ".!
وبلحظة قبض بكفه على فكها قائلًا بهمس خفيض من بين أسنانه:- متقوليش " عاصي " تاني، أنا مش نفس الشخص اللي دبحتيه من 3 سنين ببرود ومشيتِ من غير ما تبصي وراكِ تاني.
شهقت بألم قائلة من بين بُكائها:- وأنت مدبحتنيش، مخونتنيش، مأخدتش مني كل حاجة..! أنا كنت أتوقع الغدر من أي حد حواليا إلا أنت.. بس الغدر مجاش غير منك أنت.
عقد حاجباه بعدم فهم.. لم يفهم إلى ماذا ترمي.. لكنهُ اعتقد أن تلك ما هي إلا لعبة منها للتأثير عليه وتكون هي بصورة الملاك بينما هو بصورة الشيطان.. لذلك سخر قائلًا بهمسٍ:- هو دة اللي بتقنعي نفسك بيه السنين اللي فاتت دي كلها عشان تبرري لنفسك اللي عملتيه فيا، ولا دي لعبة جديدة منك عشان أرجع أتهبل بحُبك من جديد..!
هزت رأسها يمينًا ويسارًا مما جعل خصلاتها تهتز معها وتلك الحركة جعلته يتشتت قليلًا لكنهُ أنتبه إلى حديثها عندما همست قائلة بألم:- لأ، أنا مش بلعب عليك، وأنت بطل تحاول تطلعني الشيطانة الوحيدة اللي في اللعبة، أنت اللي خونتني، ضربتني في ضهري في الوقت اللي كنت متوقعة منك الأمان، في الوقت اللي كنت هسلملك فيه نفسي وأبقا مراتك وأعيش معاك تحت سقف واحد، في اللحظة اللي كنت برتب فيها لحياتنا الجديدة كنت أنت بترتب إزاي تطعني.
بماذا تهذي تلك المُختلة..! لا يفهم عن ماذا تتحدث لكن ملامحه الغاضبة وأفكاره العاصفة جعلته يهدر بها بقسوة قائلًا:- بطلي بقا، بطلي تطلعي نفسك ملاك، إنتِ شيطانة، دمرتيني بعد ما وثقت فيكِ، كل حاجة تخصني كانت بين إيديكِ بما فيهم قلبي اللي إنتِ دوستي عليه ومشيتِ كأنك معملتيش حاجة.
اشتعل غضبها هي الأخرى ولم تستطع أن لا تلكمه بصدره قائلة بصراخ:- ولما أنا شيطانة سيبتني على ذمتك السنين دي كلها ليه، مطلقتنيش ليه، أنقذتني إمبارح ليه، وجيت النهاردة وحصل بينا اللي حصل دة ليه.!
كانت تلكمه بقسوة وهي تُحاول أن تتملص من بين أحضانه لكنهُ لم يفلتها.. ليس مُستعدًا بعد لتركها.. الدفء اللعين الذي يسري بجسده الأن بسبب قربه منها يجعله مُنتشي.. إذا ابتعدت الأن وفقد دفئها سيموت.. لذلك تشبث بها أكثر وقربها منهُ أكثر حتى عادت تلتصق بهِ من جديد ثُم هدر قائلًا بنبرة مجنونة وهو يتعمق بالنظر إلى حدائق الزيتون خاصتها المُشتعلة بنيران الغضب:- ومش هطلقك يا " ليال "، هتفضلي على ذمتي لغاية ما حد فينا يموت، ومش هسيب ورقة واحدة غير لما ألعب بيها معاكِ، هخليكِ تمشي تلفي حوالين نفسك وتقولي ياريتني ما أذيت أكتر راجل حبني في الدنيا دي، وأنقذتك ليه.! عشان موتك بقهرتك يبقا على إيدي أنا، واللي حصل بينا دة مش أكتر من شوية مُتعة لينا أحنا الأتنين، على الأقل حصل بينا دلوقتي وإنتِ مراتي، زمان كان بيحصل بمنتهى السهولة ومن غير حاجة.
أنهى حديثه وهو يرمقها بإزدراء.. نظراته المُستحقرة نحوها جعلتها تهدأ وتسكين بين يديه.. أو بمعنى أصح تتجمد.. جسدها تصلب فجأة.. وملامح وجهها كانت شاحبة وكأنها لم تعُد من الأحياء.. الدموع على وجهها تجمدت وتوقفت عن الهطول من عينيها.. بينما أنفاسها كانت بطيئة وكأن روحها تُفارق جسدها الأن.. لقد خاف عليها كثيرًا بعد أن رأى حالتها.. ولعن نفسه بداخله لأنه قال ما قال.. لم يكن يجب أن يؤلمها وهي بحالتها تلك.. وقبل أن يتحدث دفعته هي بعيدًا عنها بقوتها الضئيلة بتلك اللحظة فتراجع خطوتين إلى الخلف.. بينما هي استندت إلى السور الرخامي بكفها لكي لا تسقط أرضٍ من شدة تعبها.. ونظرت إليه بعينين خاويتين ثُم همست قائلة بنبرة خافتة.. بطيئة.. حزينة:- اللي أنت قولته دلوقتي واجعني أكتر من اللي عملناه في بعض قبل كدة أو اللي ممكن نعمله بعد كدة، أفتكر اليوم دة كويس وأفتكر جملتك الأخيرة اللي قولتلهالي عشان هيجي يوم تطلُب سماحي وصدقني عمرك ما هتنوله.
كان يتطلع نحوها بلهفة.. يراقبها وهي تنحني ببطءً لتلتقط شالها الصوفي الذي كان مُستقرًا أسفل قدميها ثُم وقفت لترتديه وتبدأ في التحرك بعيدًا عنهُ دون أن تتعطف عليه حتى بنظرة واحدة.. كانت تسير ببطءً.. وتعب جمٍ.. رأسها ساقطة أعلى صدرها وتتطلع على الأرض بشرود.. تسير وكأنها مُحاربة عادت من حربًا مهزومة للتو.. وبالفعل هي خسرت حربها معه الأن..
تفحصها ورأها صغيرة.. صغيرة جدًا وهزيلة.. مُتعبة وضعيفة.. وهو لم يرحمها بل قضى عليها بحديثه السام الذي لم يعرف كيف خرج منه بتلك القسوة.. لم يرحمها بأوقات. مرضها وضربها دون أن يُدرك أنه يضرب في ميت..
ما اللعنة التي تفوه بها..! كيف استطاع أن يُهينها بتلك الطريقة القاسية..! البارحة كان سيموت خوفٍ عليها.. خوفٍ من أن يفقدها.. واليوم فقدها.. نعم فقدها وللأبد تلك المرة.. ولم يُفرق بينهما الموت.. هو من فرق بينهما الأن..
-------------------
" دار عائلة السُليماني "
صباح اليوم التالي وفي تمام الساعة السابعة صباحٍ استيقظت مُدللة آل سُليماني.. " تالين السُليماني ".. أصغر أحفاد " عبدالرحيم السُليماني " والذي يخشى عليها من الهواء الطائر من حولها.. لذلك لا يتركها تخرج من الدار كثيرًا وإن خرجت يتبعها جيش صغير من أفراد الحراسة الأشداء..
أنتشرت أشعة الشمس بنورها الوهاج بغرفة أميرتنا مما جعلها تعبس بضيق أثناء نومها.. وبدأت تؤنب نفسها لأنها لم تُغلق الستائر الثقيلة قبل أن تنام كعادتها..
فتحت ذهبيتيها ببطءً وهي تُرفرف بأهدابها الثقيلة لتعتاد الضوء القادم من شُرفتها.. تثاءبت ثُم اعتدلت من نومتها وهي تتمطأ وتفرد ذراعيها بالهواء وتحركهما بهدوء وتستعيد نشاطها وطاقتها.. نهضت من على الفراش وتحركت بأتجاه شرفتها حافية القدمين بقميص نومها القطني القصير الذي يُناسب تمامٍ بشرتها شديدة البياض.. بينما خصلات شعرها الشقراء التي تصل إلى ما بعد أسفل ظهرها تطير من حولها بفعل هواء الشتاء القادم من الشُرفة..
كانت فتاة صغيرة في الثامنة عشر من عُمرها.. خلابة الجمال وتخطف أنظار كل من يتطلع نحوها.. كما أن براءتها ونقاءها يجعل جميع العائلة يحاوطونها طوال الوقت خوفٍ عليها.. مما يجعلها في بعض الأحيان ناقمة ومتهورة فقط لتتحرر من آسر " آل سُليماني "..
استندت بكفها على باب الشُرفة ثُم أبتسمت بدلال وهي تهمس قائلة بنبرة ناعمة:- يوم شتوي مُشمس جميل، ممممم، لا كدة لازم نعمل حاجة جديدة.
بعد ساعة كانت تقف أمام مرآتها تهندم خصلات شعرها الشقراء الطويلة.. ثُم تضع القليل من مساحيق التجميل كمورد الوجنتين وملمع الشفاه.. بالأضافة إلى كحل أسود جعل من عينيها البريئة قبلة للنظر.. تأملت هيئتها وملابسها للمرة الأخيرة برضا.. فهي كانت ترتدي بنطال من الچينز الضيق الثلجي يعلوه كنزة صوفية سوداء وضعتها بداخل البنطال ثُم سُترة جلدية سوداء.. وارتدت حذاء أبيض رياضي.. أبتسمت بحلاوة ثُم أرسلت لنفسها قُبلة بالهواء قائلة بمرح:- قمر يا" توتي " قمر والله، يا بخته اللي هيتجوزك.
ضحكت بسخافة ثُم ترجلت خارج الغُرفة متوجهة نحو غُرفة الطعام حيثُ تجتمع العائلة لتناول وجبة الإفطار ككل صباح.. اقتحمت الغُرفة بمرحها المُعتاد قائلة بأبتسامة واسعة:- صباح الخير على أهل الدار.
تحولت الرؤوس نحوها واختلف ردود الأفعال ما بين مُبتسم.. لامُبالي.. وكان أول المُهتمين جدها " عبدالرحيم السُليماني " الذي ابتسم بتوسع قائلًا:- يا صباح الجمال والدلال على أميرة السُليماني.
ضحكت بمرح ثُم توجهت نحوه لتقبله على وجنته ثُم جلست بمقعدها بجانب والدتها لتتناول طعامها.. مالت على والدتها الواجمة قائلة بهمس خافت:- " رامز " أخباره إيه يا ماما دلوقتي.؟
نظرت إليها والدتها بحُزن قائلة وهي تُمصمص شفتيها بعدم رضا:- هيكون عامل إي وهو محبوس يا حبة عيني زي المُجرمين كدة ،واللي يغيظ أكتر إن هو محبوس في ملكه، بس هقول إيه ما باليد حيلة.
تعمدت أن يصل صوتها إلى جميع من بالغرفة.. وعلى الرُغم من غياب " عاصي " عن الطاولة إلا أنها تحدثت ولم تهتم بمن سيسمع.. وكان من أجابها هو الجد الذي هتف قائلًا بنبرة ساخرة:- معاكِ حق فعلًا يا " بهيجة " إزاي يتحبس وهو في ملكه، لكن عادي يشرب الهباب اللي بيطفحه، وعادي يبقا حرامي ويجيب لينا العار، اللي مضايقك بس إن هو محبوس وكمان لمصلحته، مش حزينة على ابنك واللي هو فيه، مفكرتيش إن بسبب دلعك ليه باظ منك، أمال لو كنت أخدته مصحة ورميته فيها كام سنة لأجل ما يتربي ويتعلم الأدب كنتِ عملتي إيه..! لو بس حطيتي جزء من طاقتك اللي بتضيعيها في الغل والحسرة على تربية ابنك مكنش دة بقا حاله.
شهقت السيدة " بهيجة " وهي تضرب صدرها بكفها لترن أصوات أساورها الذهبية التي تصل إلى مرفقها ثُم هتفت قائلة بصدمة:- غل..! بقا أنا غلاوية يا حاج، مكنش العشم.
رمقها ببرود دون أن يُجيب وعندما هدأت الأجواء قليلًا -ظاهريًا- تنحنحت " تالين " قائلة بهدوء:- بعد إذنك يا جدو أنت وبابا، أنا كنت عايزة استأذن إني أخرُج النهاردة مع " داليا " صاحبتي.
أبتسم لها الجد بحنان ثُم هتف قائلًا:- مفيش مشكلة يا حبيبتي، هبعت للحراسة خبر عشان يجهزوا ويجهزوا العربية.
زمت شفتيها بضيق ورسمت ملامح طفولية حزينة على وجهها قائلة:- هو مينفعش أخرج من غير حراسة، أنا بتكسف منهم وهما حواليا كدة.!
تحدث والدها بصرامة قائلًا:- اسمعي كلام جدك يابنت، هو أدرى بمصلحتك.
رمقت والدها بحزن على جفائه معها عكس شقيقها المُدلل " رامز " الذي يحصل على كل الأهتمام والحب.. بينما جدها نظر إلى ابنه بضيق لمعاملته لابنته بتلك الطريقة ولم يتحدث معه لكنه نظر إليها قائلًا بأبتسامة حانية:- حبيبة جدو عارفة أنا بخاف عليكِ قد إيه، أنا مش ببعت الحراسة معاكِ عشان يراقبوكِ أو يضايقوكِ بس إنتِ عارفة وضعنا في البلد، وصحييح ملناش أعداء بس متعرفيش مين أصحاب النفوس المريضة اللي ممكن يأذونا في أعز ما لينا.
أبتسمت لهُ بتفهم ثُم أرسلت لهُ قبلة في الهواء بمرح جعلته يقهقه برزانته المعهودة ثُم أكمل طعامه وسط صمت الباقية.. حتى تحدث بعد قليل قائلًا بتساؤل:- امال " جواد " منزلش يفطر معانا ليه..؟
تحدث السيد " رجب " والده قائلًا بهدوء:- نايم يا بابا، حضرتك عارف ما بيصدق ينزل أجازة عشان ينام.
اومأ الجد ثُم هتف قائلًا وهو يتطلع نحو طبقه:- ربنا يحفظه.
----------------------------------
بعض اللقاءات غير مُرتب لها.. على حين غرة تخطفك الصدفة..
على طريق سريع يقود درجاته النارية أحدث موديل بسرعة كالبرق.. دون أن يعبأ بالمخاطر أو لكم الحوادث التي من المُمكن أن تحدث لهُ.. المُخاطرة بالنسبةً لهُ أروع ما في الحياة.. ولا حياة لمن لا يُخاطر.. توقف بالدراجة بجانب الرصيف ثُم أخرج هاتفه من جيب سترته الجلدية السوداء ليرى من المتصل.. والذي بمجرد أن عرفه حتى فتح الخط قائلًا بمرح:- أهلًا بأكتر بنت عم عرة في الدنيا.
ضحكت " بتول " بخفوت قائلة:- كنت عارفة والله.
عقد حاجباه بعدم فهم قائلًا:- عارفة إيه.
=إنك نايم في العسل ومتعرفش اللي حاصل معانا بقاله يومين.
=لا واحدة واحدة كدة وأحكيلي ياست الكل.
قصت عليه ما حدث مع عائلتها من ناحية والدته رحمها الله باليومين الماضيين وفور أن انتهت هدر قائلًا بحزن وشفقة:- لا حول ولا قوة إلا بالله، والله يا " بتول " ما كنت أعرف، طب هي عاملة إيه دلوقتي.؟
تنهدت " بتول " بحزن قائلة:- أهي الحمد لله أحسن والمفروض تخرج بكرة من المستشفى.
تحدث قائلًا بتأكيد:- بإذن الله هاجي أزورها.
أجابته بإبتسامة قائلة:- تنور يا " أنس "..
تساءل هو قائلًا:- مش هشوفك.؟
أجابت " بتول " قائلة بحزن:- أنا أصلًا مكلماك عشان كدة، أنا محتاجة أشوفك أوي يا " أنس ".
هتف قائلًا بقلق:- مالك يا " بتول " في حاجة.؟
ترقرقت العِبرات بعينيها قائلة بخفوت:- محتاجة اتكلم معاك.
طلب منها أن تأتي للكافيه المُعتاد اللذان يتقابلان بهِ بإستمرار وهي وافقته ثُم أغلق معها على وعد باللقاء بعد ساعة من الأن..
بعد قليل توقف أمام الكافيه المنشود ثُم ترجل من على دراجته لكن قبل أن يدلف تجمدت قدماه بالأرض عندما رأى ما أمامه...
----------------------------
في ذلك الوقت ترجلت " تالين " من سيارتها بعد أن قام الحارس بفتح الباب لها في حين هي كانت تنفخ وجنتيها بضيقٍ كالأطفال ثُم همست قائلة بتبرُم:- زي ما اتفقنا يا " عماد " تكونوا حواليا من بعيد، متقربوش مني خالص، يعني كأنكم مش معايا.
توتر الحارس المسكين ثُم هتف قائلًا بنبرة مهزوزة:- بس يا ست " تالين " لو البيه الكبير عرف بالموضوع دة مش هيعديها على خير.
تبرمت أكثر قائلة بضيق:- وهو جدو هيعرف منين بس، وبعدين مانا قدامك أهو داخلة كافيه عادي هقعد فيه شوية مع صاحبتي وهرجع، إيه اللي مُمكن يحصلي فيه يعني.!
وافقها الرجُل على مضض وتركها تتحرك لتعبر الطريق بمفردها وهم خلفها على مسافة ليست بالقريبة أطلاقًا.. أبتسمت " تالين " بسعادة عندما لمحت صديقتها المُقربة " داليا " تُشير لها.. لم يتبقى إلا عدة خطوات قليلة وتصل إليها لكن لم تحسب حساب لذاك الذي اصطدم بها ويحتضنها ليسقط بها أرضٍ وهو فوقها.. وقبل أن تجد صوتها لتصرخ صدح صوت طلقات نارية تُطلق في الهواء يليها أصوات أخرى تعود لأسلحة الحُراس اللذين معها.. ثُم صراخ جميع من بالشارع بتلك اللحظة.. كانت خائفة بشدة بل مُرتعبة مما جعلها تتشبث بهِ بقوة وتحتضنه دون وعي منها.. بينما هو لم يكن ليُفلتها لتُصاب.. على الرُغم من أنهُ لا يعرفها لكن ذلك لن يُشكل فارقٍ بالنسبةً لهُ.. سيحميها سواء يعرفها أم لا..
دقائق مرت حتى رحل من يريدون قتلها وحينها رفع رأسه التي كان يدفنها بين رقبتها قبل لحظاتٍ.. تطلع بها " أنس " يتأمل ملامحها الهلعة الجميلة رُغم ذلك وقبل أن يتحدث كانت هي تُشرق عليه بذهبيتيها الهلعتين وهي تنظر حولها بإضطراب حتى وقعت عينها عليه.. شاب ضخم الجسد.. بشعر بُني ناعم ولامع مُصفف بطريقة لطيفة.. وبشرة قمحية جذابة.. بلحية خفيفة جدًا.. عيون بلون البُندق وحاجبان كثيفان مُتصلان ببعضهما.. وشفتين غليظتين.. لم ينتبه إلى تصنمها أمامه عندما كان على وشك أن يسألها عن حالها شعر بشخصٍ ما يسحبه بقوة ويُلقيه بعيدًا عنها ثُم شخصٍ أخر يسحبها هي من أسفله ويحاوطها مجموعة من الحُراس الخاصين يركضون بها نحو سيارتها الخاصة على ما يبدوا.. بينما خصلات شعرها الشقراء الطويلة كانت تطير من حولها بنعومة ودلال.. جذبته خصلاتها وقبل أن يُفكر حتى في النهوض والركض خلفها كانت قد اختفت سيارتها بالحراسة وبها.. بينما هو مازال مستلقي أرضٍ يُفكر في من يُريد أن يقتل أميرة هاربة من عالم ديزني -روبانزل-..؟!
------------------------يُتبع--------------