أخر الاخبار

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل التاسع

 العفاريت 

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل التاسع

رواية العفاريت بقلم ايه صبري
 الفصل التاسع
    *مَــن قَــتــلَ يُــقــتَــل*


الشتاء.. ما أجمل الشتاء.. أجوائه الباردة الساحرة.. رائحة الهواء المُعبقة برائحة الأمطار.. الغيوم التي تدل على أن اليوم سيكون مُمطرًا.. أهاليل الأمطار.. صوت الرعد بالسماء وقت سقوط قطرات المطر.. الرياح الباردة التي لا تخلو من رائحة الغُبار.. الملابس الشتوية الثقيلة ببهائها ورونقها.. هدوء المرء وصفائه بفصل الشتاء بعيدًا عن حرارة فصل الصيف.. 


تفاصيل كثيرة تعشقها " ليال " بفصل الشتاء.. تتمنى لو لا يذهب هذا الفصل الرائع ولا ينتهي.. وعلى الرُغم من أن الحُزن لا يُفارق قلبها لكنها مُمتنة للشتاء كثيرًا.. لأنهُ يُهون عليها الكثير.. كانت تقف بشرفة منزل عائلة والدها السيد " عصام محمد النويري ".. والدها الحبيب الذي يقضي سنوات عمره الأن بدولة أخرى يُدير واحدًا من أفرُع شركات العفريت.. بناءًا على رغبة جدها " مُختار العفريت " ولا يأتي إلا لشهرين فقط خلال العام الواحد.. ليس وحده من يفعل ذلك.. بل زوجيّ خالتيها " سمر وحنان " معهُ بالغُربة.. 


كان شرط " مُختار العفريت " وقت زيجات بناتِه أن من يتزوج ابنته يعمل معهُ.. نظرًا لأنهُ لم يُرزق إلا بصبي واحد.. وتمنى لو لم يكُن قد أنجبه.. لذلك كان يُحاول تعويض ذلك من خلال أزواج بناتِه.. كان والدها شاب بسيط من عائلة بسيطة عندما تقدم للزواج من ابنة العفريت.. كما أنهُ كان بين والديها قصة حُب قبل الزواج.. قصة ملحمية لطالما سمعتها منهما وهما ينظران بعينيّ بعضهما البعض بكُل حُب وهيام.. وافق والدها على جميع شروط جدها في سبيل أن يظفر بمن يُحب.. وكانت هي وشقيقتيها نتاج هذا الزواج.. 


شعرت بمن يضع كفه على كتفها فألتفتت لتنظر إلى جدتها العجوز " نجية " سيدة قصيرة مُمتلئة الجسد.. بسيطة الهيئة بجلبابها المنزلي الصوف الثقيل وذلك الإيشارب الذي يخفي خصلات شعرها البيضاء القصيرة.. ملامح وجهها هادئة تنُم عن بقايا جمال كانت تحمله يومٍ وبدأ في الأختفاء ليحل محله التجاعيد.. الكثير من التجاعيد التي تحكي جميع القصص التي عاشتها هذه العجوز بشبابها حتى الأن.. ملامحها تحمل الطيبة والحنان معًا.. 


نظرت إليها " ليال " بأبتسامة هادئة لتسمعها تهتف بنبرة حنونة:- كدة برضه يا " ليال " معرفش باللي حصلك غير بالصدفة، إزاي تخبي عليا حاجة زي دي.! 


دمعت عيناها بعِبراتٍ أبت أن تَذرفها الأن ثُم همست قائلة بحب:- والله يا تيتة محبتش أقلقك، الموضوع بسيط أصلًا وخلص بسرعة. 


زمت شفتيها قائلة بعتاب:- بسيط! واخدة رصاصة وتقولي بسيط! دة أنا لولا عرفت من " علاء " ابن أُم علاء جارتي مكنتيش قولتيلي صح.! 


ضحكت بخفوت قائلة:- يا تيتة حقك عليا، والله مش هخبي عليكِ حاجة تاني، خلاص بقا. 


مصمصت شفتيها ولم تُجيب مما جعل " ليال " تقترب منها وتحاوطها بذراعيه تُعانقها.. هُنا وضعفت الجدة عندما شعرت بضعف حفيدتها الكُبرى والمُفضلة.. حاوطتها بذراعيها هي الأخرى وربتت على ظهرها برفق قائلة بحنانها المعهود:- متخبيش عني حاجة زي دي يا بنتي، وخلي بالك يا " ليال " من نفسك إنتِ وأخواتك، أنا أموت لو حصلكم حاجة. 


شددت " ليال " من ضمتها لها قائلة بخفوت:- بعد الشر عليكِ يا تيتة، أنا مقدرش أستغنى عنِك، ربنا يحفظك ياحبيبتي. 


أبتعدت عنها جدتها قائلة بأبتسامة واسعة وهي تسحبها خلفها:- تعالي بقا نخلص على شوية الساندوتشات والشاي بلبن اللي عملتهم دول. 


سارت معها " ليال " وهي تشهق قائلة بذهول:- يا تيتة أحنا لسة قايمين من على الأكل من ساعة، وزغطتيني زي البطة، شاي بلبن وساندوتشات إيه دلوقتي.! 


كانت جدتها قد وصلت بها إلى طاولة السُفرة قائلة بتبرُم:- إنتِ مش شايفة نفسك خاسة إزاي، ووشك أصفر زي اللمونة، هي " لطيفة " مش بتأكلك ولا إيه.! 


ضحكت الفتاة عليها قائلة بمرح:- " لطيفة " بتحشر الأكل حشر يا حبيبتي متقلقيش. 



=طب أسحبي كرسي بقا وأقعدي كُلي، ووإنتِ بتاكلي أحكيلي عنك وعن أخواتك، أخر أخباركم إيه.! 


فعلت " ليال " ما أمرتها بهِ وجلست لتقص عليها أخبارها هي وشقيقتيها.. وبعد أن أنتهت نهضت جدتها قائلة بنبرة أمومية بحتة:- هحضر العشا. عشان جدك زمانه جاي، وإنتِ عارفاه دقة قديمة يحب يتعشا بدري وينام زي الفراخ. 


نظرت لها بصدمة.. من الذي سيتناول العشاء الأن.. هي بالكاد تستطيع أن تتنفس.. 


-----------------------------------


فـي مـوقـد الـنـار فـي الـسـادسـة صـبـاحًـا.. 

صـورتـک وكُـل الـذكـريـات عـنكِ تـحـتـرق.. 


فـي مـوقـد الـنـار فـي الـسـادسـة صـبـاحًـا.. 

هُـنـاك روح مـكـسـورة.. 


وكُـل وعـودكِ كـانـت فـارغـة.. 


إنسابت كلمات الأُغنية الروسية عبر هاتف " ليال " الذي تضعه أمامها على السور القصير لسطح منزل جدتها التي تجلس فوقه حاليًا.. بعد أن عاد جدها من زيارة لأحد الأقارب وتناولوا طعام العشاء سويًا.. خلد الجد والجدة للنوم.. لتنسحب هي بهدوء دون أن يشعرا بها تخرج من المنزل حيثُ شقة جدتها بالدور الرابع ثُم صعدت إلى الدور الخامس والأخير.. لتجد سلم حديدي ملتصق بالحائط.. تسلقته " ليال " بخفة حتى ظهر لها فتحة مُربعة الشكل متوسطة الحجم تكفي لتمُر من خلالها.. لتجد نفسها بالسطح المُظلم إلا من إنارة خافتة تأتي من تلك العشة الخشبية التي قامت جارة جدتها ببناءها قبل سنوات لتربية بعض الطيور بداخلها.. 


أقتربت من السور القصير ووقفت تراقب الحي الهاديء الذي أمامها.. مُربع سكني بمنطقة قديمة ليست شعبية وليست بالراقية أيضًا لكن وجودها بداخل ذلك الحي يبعث الراحة إلى نفسها.. لا يوجد مخلوق واحد بالشارع الأن.. فمن عادة أهل الحي النوم مبكرًا ليعُم الهدوء الأرجاء.. بفصل الصيف يبقى بعض الشباب يسهرون  يستامرون ليلًا بالأزقة.. كما تجد بعض النساء اللاتي يسهرن أمام بنايتهن مع باقية الجارات ولا تخلو الجلسة بالطبع من حلقات النميمة على جميع خلق الله.. لكن بما أن الأجواء شتوية قارصة البرودة أختفى الجميع داخل منازلهم من أجل الدفء وعدم الأصابة بالأمراض.. 


فتحت هاتفها وعبثت بهِ قليلًا لتصدح بعدها أغنيتها الروسية المُفضلة.. كانت ترتدي بذلة رياضية واسعة للغاية عليها باللون الرمادي الفاتح.. خصلات شعرها السوداء الطويلة تسترسل على ظهرها ببعض الفوضى المُحببة.. وجهها خالي تمامٍ من أية مساحيق تجميلية.. عينيها بلون الزيتون الأخضر هادئتين صافيتين على الرُغم من توترها الداخلي.. 


أخرجت علبة سجائرها بالفراولة من جيب السويت شيرت التي ترتديه ثُم أشعلت سيجارتها لتسحب أكبر جرعة مُمكنة من النيكوتين داخل صدرها.. 


مَـنـارتـكِ أعـطـتـنـي ألـمٍ.. 

تـعـبـتُ مِـن الـعـيـش.. 

كُـل الإهـانـات ذابـت.. 


إنساب كلمات الأغنية التي تحفظها عن ظهر قلب بداخلها.. وكأنها تُمثل واقعها بالتفصيل.. لقد أحرقت ذكرياتهما وحبهما معًا.. بعد أن ذابت جميع الإهانات بينهما.. 


رفعت أنظارها إلى السماء التي أصدرت صوتٍ قويًا للتو وأبتسمت.. أبتسمت لأنها على وشك أن تُمطر.. ستُمطر السماء وتغسل روحها.. سحبت نفسٍ أخر من سيجارتها وهي مُستمتعة كثيرًا بالأجواء والأغنية والسيجارة.. و.. وأمطرت السماء.. و.. وأنطفأت السيجارة.. و.. وسقطت أسفل قدميها.. 


لم تمحو بسمتها وهي تنظر إلى السماء تستقبل أولى أهاليل المطر الذي إنسال سريعًا كالشلالات عليها وهي تقف بلا حراك.. فقط تفتح  ذراعيها.. رأسها مرفوعة للسماء.. تبتسم بهدوء ولامُبالاة.. كأنها صاحبة هذا الكون.. ولا يوجد سواها.. 


إذهـب بـعـيـدًا.. أنـا أغـلـقتُ مـا بَـعـدك.. 

مـهـمـا طـلـبـت.. حـسـنًـا أنـتَ تـعـلـم بـالـفـعـل مـا خـسـرتُـه.. 


لقد خسرت الكثير بلحظة.. خسرت حُبها.. وسنوات عُمرها.. وروحها.. إما عن قلبها فهذا خسارة لن تُعوض لأنها ببساطة لن تُحب بعده.. 


تمايل جسدها بخفة.. لم تكُن رقصة بالمعنى المعروف.. بدت وكأنها تتمايل لأنها تتألم.. وهي بالفعل كانت تشعر بالألم ينخُر قلبها المكلوم.. أغمضت عينيها وتركت عِبراتها تنسال على وجنتيها.. أختلطت العِبرات بمياه الأمطار.. و " ليال " مازالت تتمايل وتتألم.. 


بلحظة تتمايل وباللحظة الأُخرى تشعر بدفء غريب يغمرها بذلك البرد القارص.. توقفت وهي تنظر أمامها بصدمة.. صدرها يعلو ويهبط نتيجة مجهودها الذي بذلته منذُ دقائق قليلة وهي التي لم تتعافى بعد من إصابتها.. شفتيها الورديتين تحولتا إلى اللون الأزرق بسبب البرد.. خصلات شعرها السوداء تلتصق بوجنتيها وجبهتها.. أنظارها شاخصة للأمام تخشى أن تلتفت تجد ما تشعر بهِ مجرد وهم.. وتخشى أن لا تجد الوهم حقيقة.. استجمعت رباطة جأشها والتفتت ببطءً مهلك لأعصابها.. 


وصدق حدسها عندما وجدت نظراتها تحتضن صدرِه العريض.. رفعت حدائق الزيتون الأخضر نحوه تتطلع نحو سوداويته بوجل.. كان يقف أمامها بالضبط.. جسده يُلامس جسدها.. أنفاسه تلفح جبهتها وأنفاسها تلفح صدره.. يتطلع نحوها بملامح غير مقروءة.. لا تستطيع أن تُخمن حالته المزاجية بتلك اللحظة.. يرتدي الأسود كعاداته.. بذلة رياضية سوداء تُشبه خاصتها.. 


أبتسمت " ليال " بسخرية داخلية دون أن يظهر على وجهها شيءٍ.. فهو بالتأكيد في مزاج غير رائق لمجرد أن رأها.. لم تسأل نفسها لماذا أتى.. فهي تعلم تمام العلم سبب زيارته الليلية تلك.. 


كان " عاصي " يتطلع نحوها بلا تعبير يصل إلى البرود لكن بداخله كان مفتونٍ بها.. ليس لأنها مُثيرة وهي تتمايل أسفل المطر وخصلات شعرها الطويلة -جدًا- تتراقص معها وتنساب على ظهرها بنعومة أهلكت قلبه.. لكنه فُتن بحزنها.. كانت بتلك اللحظة تُمثل المعنى الحقيقي للألم.. لم يخفى عليه عِبراتها.. وجفنيها المتورمين الأن خير دليل على ذلك.. وجهها شاحب.. مُتعب.. حزين.. وجسدها متراخي.. ضعيف.. هزيل.. كل ما أدركه بتلك اللحظة أن " ليال " تُعاني.. تُعاني حد الألم.. 


وكوضع طبيعي بينهما رفع كفيه يُحاوط خصرها لعله يبثها دفء جسده و.. وقلبه.. لكن بمجرد أن لامسها حتى أنتفضت هي كمن لدغتها عقربة وأبتعدت خطوتين إلى الخلف.. تتطلع نحوه بغضب.. نفور.. عتاب.. 


تجمد " عاصي " بمكانه عندما رأى ردة فعلها على لمسته.. وأدرك أن هناك حاجز جديد خُلِقَ بينه وبينها.. " ليال " لن تسمح له بلمسها مجددًا.. 


أبتسم بسخرية قائلًا:- مكنتش أعرف إنك عيلة صغيرة مُجرد ما حد يزعلك بكلمتين تجري تعيطي لجدو عشان ياخدلك حقك.! 


لم تتأثر ملامحها الجامدة الحجرية وهي تتطلع نحوه.. ولم تتنازل وتُجيبه.. أصلًا هي لا تملك شيءٍ لتقوله لهُ.. لقد أنهى " عاصي " ما بينهما فعليًا بكلماته الأخيرة وأنتهى الأمر.. 


كانت الأمطار قد توقفت عندما همس هو بنبرة صلبة:- لما أكلمك ترودي عليا. 


أشاحت بوجهها بعيدًا عنهُ قائلة بنبرة قاتمة:- مفيش حاجة عندي أقولهالك، الكلام بينا خلص. 


باللحظة التالية لم يتحمل " عاصي " أن تكون " ليال " أمامه ولا يلمسها.. لطالما كانت بين ذراعيه.. قبل أن تُصبح زوجته.. وبعد أن أصبحت لم يهنأ بلمسها.. لقد سُلبت من بين يديه فور أن أعلن المأذون زواجهما.. أول تقارب حقيقي بعد زواجهما كان يوم المشفى فقط.. 


عبس بوجهه بضيق لأنها بعيدة عن مرمى يديه لذلك لم يتوانى عن الأقتراب منها ومحاوطة خصرها بين ذراعيه الفولاذيتين.. 


كانت تُشيح بوجهها بعيدًا عنه ولم تتوقع حركته المُفاجئة تلك.. ألتفتت بوجهها وهي تشهق بصدمة.. وبحركة تلقائية وضعت كفيها على صدره لتصنع مسافة بينهما.. لكن هيهات لا يوجد بقاموس " عاصي " شيءٍ يُسمى مسافة.. 


حركتها تلك جعلته يُقربها منهُ أكثر حتى أصبحت مُلتصقة بهِ تمامٍ.. همست " ليال " بتوتر وهي تُحاول الفرار من بين ذراعيه:- إيه اللي بتعمله دة، أبعد عني.! 


كان وجهه قريبًا جدًا من وجهها.. أنفاسهما مختلطة.. شفتيهما شِبه مُتلاصقة.. أجابها بهمسٍ خافت قائلًا:- بعمل إيه، مراتي وأنا حُر فيها.! 


أدركت مقصده فسكنت مقاومتها لكن نظراتها أشتعلت بنيران الغضب.. فهدرت قائلة بشراسة:- اللي أنت بتعمله دة مبقاش يأثر فيا، وبالنسبة لموضوع مراتك فصدقني الصفة دي مش هتدوم لوقت طويل. 


وردًا على الشق الأول من حديثها أقتنص شفتيها بين شفتيه.. قُبلة أقل ما يُقال عنها ناعمة.. شغوفة.. حنونة.. وأستمرت قبلته لدقائق قليلة قبل أن يبتعد عنها ليراها مغمضة العينين.. متوردة الوجنتين.. مُرتعشة الشفتين..


 أبتسم هو بأنتصار قائلًا بنفس الهمس الخافت:- بجد مبقتش بأثر فيكِ.! 


فتحت عينيها على وسعهما غير مُصدقة استسلامها المُخزي لهُ.. لكنها لم تقاوم.. كانت أضعف من أن تفعل.. هي مُتعبة.. مُرهقة.. لذلك تنهدت بضيق من نفسها وأشاحت بنظراتها بعيدًا عنهُ دون أن تُجيب.. 


كان يُراقب ملامحها حبيبته بنهمٍ.. القلب يُحبها والعقل يرفضها.. العين تعشق النظر إليها واللسان يُبعدها.. 


وأخيرًا همس هو قائلًا بنبرة لائمة:- ليه مُصممة تطعنيني في ضهري، ليه عايزة تطلعي اسوأ شخصية جوايا.! 


نظرت نحوه وهي تفهم مغزى حديثه.. بالطبع زيارته بسبب دعوى الطلاق الذي قام جدها برفعها قبل عدة أيام.. أبتلعت غصة بحلقها وهمست قائلة بمرارة:- أحنا عملنا في بعض كتير أوي، كنا هنخسر أرواحنا وأرواح ناس بنحبها في سبيل إننا نأذي بعض، أيًا كان مين فينا الغلطان بس كفاية لغاية كدة، جيه الوقت اللي نفترق فيه. 


اشتعلت حدقتيه بنيران الغضب.. والوجع.. لا يتخيل للحظة أن " ليال " ستفترق عنهُ.. ضغط على خصرها بكفيه مما جعلها تتأوه بخفوت ثُم همس قائلًا بقسوة:- مش هنفترق يا " ليال "، سمعاني! مش هنفترق، الحالة الوحيدة اللي ممكن أسمحلك بيها تفارقيني هي.. الــمــوت.


أخذت نفسٍ عميقٍ وهمست قائلة بشفتين مرتعشتين:- يبقا موتني وأخلص، أقتلني وريحني، أنا تعبت، الوجع اللي جوايا بيموتني وأنا حية، أقتلني يا " عاصي " وطفي نار حقدك عليا يمكن ترتاح وأنا كمان أرتاح. 


بكت أثناء حديثها.. ليس البكاء المعروف لكنها كانت ترتجف بين ذراعيه.. تشهق بألم وكأن قلبها يؤلمها.. ضربات قلبها سريعة وتلتقط أنفاسها بصعوبة.. وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة.. أرتعب عليها وعلى الفور بدأ يُربت على ظهرها بكف والأخر يفرُك صدرها لتستطيع أن تتنفس.. همس قائلًا بلهفة:- أهدي يا " ليال "، خدي نفسك وأهدي. 


حركت رأسها يمينًا ويسارًا قائلة ببكاء أشد:- أنا مش قادرة أنسى خيانتك، وأنت مش هتقدر تنسى اللي أنا عملته فيك، يبقا الحل الوحيد نفترق، وأنا مش هقدر أفترق عنك فموتني أحسن، أبوس إيدك أقتلني وريحني. 


أحكم ذراعيه على جسدها لكي لا تسقط أرضٍ ولم يغفل عن كلمة الخيانة التي تفوهت بها للمرة الثانية من بعد الحادث لكن ما يهُم الأن هو صحتها المتدهورة التي يراها عليها.. 


عانقها بقوة وربت على ظهرها بهدوء حتى تهدأ قليلًا.. طبع قُبلة على شعرها ثُم همس قائلًا بألم:- أنا أسف. 


كانت تعلم علام يعتذر.. على حديثه الجارح لها بيوم المشفى.. لقد تعبت.. تُقسم أنها تشعر بتعب لا مثيل لهُ الأن.. خفتت حدة بكائها بعد عدة دقائق وهو مازال يحملها بين ذراعيه يُربت على ظهرها بحنو حتى تهدأ.. شعر بها تحاوط جسده بذراعيها وتدفن رأسها في صدره ثُم.. نامت.. 


شعر بأنفاسها تنتظم فأدرك أنها سقطت في بئر النوم.. حملها بين ذراعيه وجلس أرضٍ يستند بظهره على حائط السور من خلفه وهي بين أحضانه نائمة.. غافلة عن جسده الذي ينتفض تأثرًا بقربها المُهلك.. نظر إلى ملامحها الباكية أثناء نومها وعزم أمره على معرفة أمر الخيانة الذي يلوح في الأفق.. 


وحــيــنــهــا ســقــطــت الــنــجــوم بــســلام.. 

كــمــا لــو كــانــت مــلــكــي.. 

تــمــنــيــتُ فــي كُــل مــرة ألا أخــســركِ.. 

ولــكــن لا يُــمــكــنــنــي بــعــد الأن.. 

أنــا فــقــط أُعــذب نــفــســي.. 

فــأنــتِ لــســتِ مــلــكــي بــعــد الأن.. 


---------------------------


لطالما قاومت.. وستقاوم.. لم تعرف الأستسلام أو الأختباء يومٍ.. هي قوية بمفردها دون الحاجة لأحد.. تعلم أن نجاتها الوحيدة في الخروج من شرنقة والدها الوغد.. كتمت " فلك " أحزانها بقلبها كعاداتها.. لم تُعطي لنفسها الوقت الكافي لتحزن أو تبكي.. هي تعلم أن اليوم الذي ستختفي فيه من منزلها وعملها سيكون اليوم الذي ستُحلق فيه بعيدًا عن ذلك البلد.. لتبدأ حياة جديدة.. 


وها هي تقود " التوك توك " خاصتها بعد أن قامت بتوصيل طلبة المدارس الصغار إلى أماكنهم لتذهب إلى الموقف ككل يوم.. 


كانت تقود وهي شادرة.. صحيح أنها لم تُظهر حزنها.. وباليوم التالي من الفضيحة المدوية التي حدثت كانت متواجدة بعملها كالمُعتاد لكن بداخلها شيءٍ ما قد انطفأ.. لن تخدع نفسها هي لم تتوقع تلك الحركة القذرة من والدها.. الرجُل الذي أنجبها.. بدلًا من أن يكون سندها ظهرها بهذه الحياة هو من يُريد أن يلوثها بالوحل.. كيف أستطاع أن يُراهن على أبنته.. شرفه.. عرضه.. أبتسمت بسخرية مريرة وهي تتذكر أن والدها بلا شرف.. ولا يهمه أمر العرض كثيرًا.. فوالدتها العزيزة كانت راقصة وفتاة ليل بذلك الملهى الليلي الذي رأها فيه لأول مرة.. وبليلة مشؤومة كما يُسميها استيقظ بيومٍ ما ليجد نفسه متزوجٍ من تلك الراقصة.. وكانت والدتها تزاول عملها كفتاة ليل وراقصة على فترات دون علم والدها.. لأن الأخير لم يكُن يُعطيها قرشٍ واحدًا.. حتى أنجبتها.. في البداية لم يكُن يُصدق أنها أبنته.. حتى اصطحبها لإجراء تحليل النسب.. لم يفرح كثيرًا لأنها أبنته بل كأنه كان يتمنى لو لم تكُن ليتملص من مسؤوليتها.. وبعد عدة سنوات هربت والدتها مع عشيقها.. 


عادت من شرودها على صوت بوق سيارة بجانبها تحثها على التوقف.. فلم تملك إلا أن تتوقف.. سحبت سلاحها من أسفل قدميها وترجلت من التوك توك خاصتها وهي تهدر قائلة بشراسة:- إيه ياعم الأعمى مش تفتح.! 


توقفت الكلمات بحلقها فور أن أبصرت الشخص الذي ترجل من السيارة ويقترب منها.. والذي لم يكُن سوى " زين العفريت ".. تجهمت ملامحها بغضب.. واشتعلت نظراتها بالقسوة.. لا تعلم تحديدًا سر الكراهية التي تشعر بها تجاه هذا الرجُل لكنها لا تُحبذ فكرة دفاعه عنها المرة الماضية.. 


وقف " زين " أمامها بطوله الفارع وملامحه الشرقية الصلبة و.. ونظراته الدافئة.. كانت تحدق مباشرة بعيناه بلونهما الأسود المائل للبُني.. ملامحها عابسة.. عاقدة حاجبيها بتفكير وكأن أمامها معضلة رياضية وتحاول حلها.. لكن شُعاع الدفء الذي يطُل من عيناه وترها بشدة.. على مدار سنوات حياتها الأربعة والعشرون لم ترى رجُل يملك نظرات من يقف أمامها الأن.. 


أنتبهت على شرودها بهِ عندما لمحت أبتسامته العابثة التي أرتسمت على شفتيه.. هدرت قائلة بعصبية:- في حد يعمل اللي أنت عملته دة، إيه داخلة چاكي شان دي.! 


توسعت أبتسامته مما جعلها تعتقد أنهُ مخبول لكنهُ أجابها قائلًا بمشاكسة وغمزة شقية:- عجبتك الداخلة، أنا عارفك بتموتي في الأكشن. 


توترت بشدة من غمزته لكنها لم تُحب تباسطه معها في الحديث.. وهي التي لم تسمح لشخصٍ من قبل أن يتجاوز حده معها.. لذلك كشرت عن أنيابها وهدرت قائلة بتحدي:- عايز إيه يا ابن العفاريت.؟ 


= " زين ". 


=نعم.! 


=إسمي " زين " جربي كدة تنطقيه من غير لقب العيلة هتلاقيه طلع والله. 


جزت " فلك " على أسنانها قائلة:- اللهم طولك يا روح، أسمع يا ابن الناس، الحركة اللي عملتها دي مش حلوة، ولو حد شاف وقفتنا دي شكلنا مش هيبقا احلى، لو أنت مش همك شكلك وسُمعتك فمعلش اعذرني أنا يهمني. 


كعاداتها صريحة وحازمة.. لا تلف ولا تدور.. وكعاداته قوي ولا يخشى شيءٍ.. لذلك أختفى العبث من على ملامحه وهدر قائلًا بقسوة:- خلي حد يجيب سيرتك بكلمة وأنا هدفنه مكانه. 


هل ما تسمعه الأن هو هدير قلبها..! تواثبت دقات قلبها بعنفٍ غير مصدقة أن هناك من يقف ويتحدث عنها بل ويدافع أيضًا بتلك القوة.. وهي التي لطالما واجهت مصائب الحياة بمفردها.. تعلم ن رحلتها بتلك الحياة فردية وستبقى كذلك للأبد.. ولا مانع لديها.. 


أرادت أن تُنهي الحوار العقيم ذلك وترحل.. فهدرت قائلة بنبرة ساخرة:- أنت مش خايف عشان عارف إن مفيش حد هيقدر يقول عليك كلمة، لكن أنا الناس مش هترحمني وهيتكلموا عليا قدامي وورايا، عن إذنك. 


كانت على وشك أن تلتفت لترحل عندما أوقفها قائلًا بلهفة:- " فلك " أستني أنا بس كنت جاي أتطمن عليكِ. 


لم يكُن يريد أن يُلمح لما حدث حتى لا يحرجها فهو يعرف حساسية الموقف.. لكنها لا تُعطيه فرصة لغير ذلك.. وبالفعل ما توقعه وجده.. تجهمت ملامحها.. واشتدت القسوة بعيناها.. حتى أنهُ يستطيع أن يلحظ تشنُج جسدها بتلك اللحظة.. هدرت قائلة بنبرة قاتمة:- أنا مش محتاجة لا أنت ولا غيرك يتطمن عليا، أنت مش أخدت الأربع كلاب دول، وبالمرة لو لاقيت اللي بعتهم تبقا كسبت فيا ثواب لو قتلته وريحتني منه. 


كانت تقصد والدها.. وهو لم يغفل عن نبرة القسوة والكراهية التي تفوح منها.. ببحث قصير وسريع عن حياتها أدرك أن والدها لعنة بحياتها.. لكن بالنظر إليها الأن أدرك أمرًا أخر وهو أن الأمر يبدوا اسوأ مما يظُن.. هتف قائلًا بهدوء وهو ينظر إليها بعمقٍ:- والدك مُختفي ولسة مظهرش، أكيد أول ما يظهر هقولك. 


أبتسمت بسخرية مريرة قائلة وهو تتوجه إلى التوك توك:- لا متتعبش نفسك، أنا مش عايزة أعرف عنه حاجة، عايز تقتله، عايز تسلمه للشرطة زي ما قولت أنت حُر، سلام يا.. يا " زين " بيه. 


وهكذا رحلت " فلك " من أمامه تاركة إياه يقف مكانه يشعر بقنوط بداخله.. هذه الفتاة معطوبة داخليًا وهو أدرك ذلك جيدًا الأن... 


-----------------------------


أستيقظت لتجد نفسها بفراشها بغُرفتها الموجودة بمنزل أهل والدها.. أنتفضت من نومتها وهي تتذكر أخر حدث عايشته قبل أن تنام.. تنام بين أحضان " عاصي ".. كالماضي..!! 


توردت وجنتيها بغضب منهُ ومن نفسها.. كيف استسلمت لهُ بتلك الطريقة المُخزية.. كيف نامت بين أحضانه كالقطة الوديعة..! ولماذا هو لا ينفك يظهر بأحلك أيام حياتها وأكثرهم ضعفًا..! لم تتعجب من وصولها إلى غرفتها فهو لطالما أقتحم ذلك المنزل خلسة ليراها أو ليختطفها بين ذراعيه ليلًا ويجوبان البلدة تحت الأمطار في الشتاء دون علم أحد.. حينها كانت تضحك بقوة وحُب وهي ترى تصرفاته المجنونة بسببها.. كان مهووسٍ بها.. كما هي مهووسة بهِ ولا تخجل من الأعتراف.. 


استغفرت ربها ونهضت لتستعد لبدأ يومها.. بعد أن أنهت حمامها وأرتدت ملابسها المكونة من قميص أبيض واسع وصل إلى ما قبل ركبتها بقليل يعلوه سُترة من الصوف الثقيل باللون الأزرق الداكن بطول القميص.. وبنطال من الچينز الأزرق ..وحذاء أبيض رياضي.. وقامت بجمع شعرها في كعكة سُفلية فوضوية وتركت بعض خُصلاتها تنساب على وجنتيها برقة.. 


خرجت من الغُرفة لترى جدتها تجلس على مقعدها الخاص بها تقرأ أذكار الصباح.. وجدها يجلس مُقابلها يقرأ بمصحفه.. أبتسم الأخير بمجرد أن رأها وهتف قائلًا بمرح حنون:- أهي بنت الكلب اللي مجوعانا صحيت أهي. 


ضحكت " ليال " بمرح قائلة:- على فكرة قولتلك قبل كدة يا حاج " محمد " أنت بتشتم ابنك مش بتشتمني. 


زم العجوز شفتيه قائلًا بعبوس:- ابني، هو فين ابني دة، الواد بيرفع عليا سماعة التليفون كل شهر مرة، أسفوخس على دي خلفة. 


حاولت أن تكتم ضحكتها وهتفت قائلة تُراضيه:- متزعلش نفسك، والله الشغل فوق راسه، دة حتى معرفش بموضوع تعبي دة. 


تنهد الجد قائلًا بحنان:- ربنا يعينه ويقويه عليكُم. 


حينها تدخلت جدتها قائلة بعبوس طفولي:- عايز إيه من الواد يا حاج، مانا قاعدة معاك أهو ومونساك. 


أبتسم الجد بحلاوة رُغم التجاعيد التي تملأ وجهه.. والتمعت عيناه الزيتونية التي ورثتهما هي عنهُ ثُم هتف قائلًا بنبرة ناعمة يُراضيها:- يا أم الروم دة إنتِ الحُب كله، وهو أنا ليا بركة غيرك يا حلوة إنتِ. 


أخفضت جدتها نظراتها بخجل وتوردت وجنتيها كأنها أبنة الثالثة عشر حينما تزوجها جدها.. ونهضت قائلة:- أنا هروح أحضر الفطار بقا. 


ضحكت " ليال " بخفوت على غزل جدها وخجل جدتها.. فهتف الأول قائلًا بمشاكسة:- شوفتي أتكسفت ووشها بقا أحمر إزاي، الستات دول هُبل أوي وبيتضحك عليهم بكلمتين. 


نظرت إليه بصدمة لتفكيره ولم تملك إلا أن تضحك من قلبها وبشدة.. وأدركت أن زيارتها لمنزل جدها أتت بثمارها.. 


--------------------------------


" دار آل سُليماني "


يجلس " عبدالرحيم السُليماني " بداخل غُرفة الجلوس الواسعة.. يفكر في ما آل إليه حال حفيده البكري " عاصي ".. حفيده الذي كانت الضحكة تملأ وجهه على الدوام.. كان يشُع بهجة وسعادة.. و.. وحُب.. " ليال " حُب عاصي الأول والوحيد والأخير.. يعلم أن ابنة العفاريت تعشقه كما يعشقها بالرُغم من كل ما حدث.. هو ليس ولدًا غر وساذج لكي لا يعرف.. الشيء الوحيد الذي لا يعرفه لماذا قامت " ليال " بتحطيم قلب حفيده وكسر صورته أمام أهل البلدة بأكملها..! هناك حلقة مفقودة وعليه أن يجدها.. 


شعر بمن يجلس على المقعد المجاور لهُ.. والذي لم يكُن سوى " رزق " ابنه البكري.. هتف الأخير قائلًا بتعجب:- مالك يا حاج قاعد كدة ليه لوحدك، في حاجة تعباك لا سمح الله.! 


تنهد الأب قائلًا بنبرة مهمومة:- محدش تاعبني غير ابنك يا " رزق "، نفسي قلبي يرتاح من ناحيته. 


تنهد السيد " رزق " قائلًا بعبوس:- هو اللي تاعب نفسه، ما يطلقها ويخلص. 


نظر إليه والده بنظرات غامضة قائلًا بنبرة العارف:- القلب وما يريد يا ابني. 


تحدث السيد " رزق " بجدية قائلًا:- بس أخرة الحُب دة إيه، مش بينوبه بس غير وجع القلب وقلة القيمة. 


طرق السيد " عبدالرحيم " الأرض بعصاه بهدوء قائلًا بغموض:- محدش عارف بكرة مخبي إيه. 


انتهى حديثهما غافلين عن هذا الذي يقف أمام باب الغُرفة يستمع إلى كلماتهم التي نفذت إلى قلبه بسهامٍ مسمومة.... 


----------------------------


ترجلت " ﺟيداء " من على درج المنزل وهي تتحدث في الهاتف قائلة بضيق:- على ما أوصل المكتب تكوني لاقيتي الملف دة يا " رنيم "، الاجتماع النهاردة والورق دة مهم. 


أغلقت الهاتف وهي تزفر بضيق وتحاول أن تُلملم بعض الأوراق بين يديها عندما اصطدمت بهذا الشارد أمامها.. رفعت أنظارها لتجد نفسها تقف أمام " عاصي " والغضب يملؤ ملامحه.. انحنت وهي تجمع الأوراق دون أن تتحدث لكنها تفاجأت بهِ ينحني يجمعهم معها.. نظرت إليه قائلة ببسمة هادئة:- متتعبش نفسك، أنا هجمعهم خلاص. 


انتهى من جمعهم ووقف أمامها يُعطيهم لها قائلًا بهدوء:- أسف مكنتش واخد بالي. 


وعلى الرُغم من دهشتها من تفاعله معها.. فهو منذُ ما حدث معه وقد انعزل عن العالم أجمع.. لا يتفاعل مع أحد.. لكنها همست قائلة بنفس الهدوء:- ولا يهمك. 


وبعد قليل كانت " چيداء " تقود سيارتها متوجهة نحو الشركة لحضور الأجتماع الهام الذي لديها.. صدح صوت رنين هاتفها.. التقطته لتُجيب وأثناء ذلك لم ترى تلك السيارة التي توقفت فجأة أمامها.. لتصطدم بسيارتها بها وتفقد وعيها سريعًا إثر اصطدام رأسها بمقود السيارة....... 



-------------------يُتبع--------------

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-