أخر الاخبار

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ١٣

العفاريت 

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ١٣


رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ١٣

   *لا تـقُـل لـي أنـنـا أنـتـهـيـنـا*



كيف أنسى وكُل ما يحوم حولي يُذكرني.. أي أيامٍ تلك التي أحياها بعيدًا عن أحضانك الدافئة.. وإذا أردت أنا أن أنساك بنظرة واحدة منكَ أعود سريعًا غارقة في هواك.. 


أستيقظت " ليال " في موعدها المعتاد لتستعد إلى بداية يوم جديد ممتليء بالأعمال.. اليوم سيكون مرهقًا كثيرًا عليها لكنها لابد أن تُنجز الكثير.. فهي ترغب في أن تتفرغ لأنتقامها من الوغد " حمدان " الذي تجرأ وحاول قتلها.. 


كانت تشعر ببعض الخمول بجسدها.. يبدوا أن حمى الشتاء لن تُفارقها.. على الرُغم من أنها عاشقة للشتاء وللجو الثلجي لكنها دائمًا ما تكون مريضة بهذه الأجواء الباردة.. 


تنهدت بتعب ثُم رفعت غطاءها عن جسدها لتنهض عن فراشها.. لكنها تفاجأت بعُلبة كرتونية مربعة الشكل بجانبها.. كان جهاز الحاسوب الذي تشاجرت مع " زين " البارحة بسببه لكنه ماركة أعلى أيضًا.. أبتسمت بإمتنان لشقيقها وإبن خالتها الحبيب الذي لم يتأخر عن طلبها وأحضره لها.. 


قررت أن تشكره عندما تراه اليوم.. نهضت من فراشها وأتجهت نحو المرحاض لتحصل على حمام دافيء ينشط خلايا جسدها الخاملة.. وبعد أن أنتهت وقفت أمام مرآتها تتأكد من هندامها.. كانت ترتدي بدلة رياضية من خامة الميلتون بلون البني الفاتح.. عِبارة عن سويت شيرت واسع وبنطال ضيق قليلًا حتى الركبة ثُم ينزل بإتساع.. وضعت حول رقبتها شال عريض باللون السُكري.. وأرتدت حذاء أبيض رياضي.. بينما خصلات شعرها تركتها تنساب على ظهرها حتى وصلت إلى نهايته.. وضعت مرطب للوجه بالإضافة إلى واقي شمس مع القليل من مورِد للوجنتين.. ثِم قامت بتمشيط حاجبيها مع مرطب شفاه وردي وأنتهت.. نظرت إلى نفسها برضا فهي للمرة الأولى منذُ زمنٍ تهتم بمظهرها إلى هذا الحد.. أو ترتدي شيءٍ بلونٍ فاتح لكنها ترغب في أن تفعل ذلك اليوم وفعلته.. هكذا فقط.. 


خرجت من غرفتها تبحث في المنزل عن والدتها لكنها لم تجدها فأدركت أنها بالتأكيد بالأسفل مع خالتيها.. وجدت " رجوى " تخرج من غرفتها وهي عابسة الملامح ثُم مرت بجانبها دون أن تلقي تحية الصباح أو حتى تطالعها بنظرة عابرة.. عقدت " ليال " حاجبيها بتعجب ثُم تحدثت قائلة:-إيه البوز دة على الصبح، مين مضايقك.! 


نفخت " رجوى " أوداجها غضبًا ثُم هدرت قائلة بغيظ:- دكتور رخم عندنا في الجامعة، كل يوم والتاني أمتحان، دة لو عطس في المحاضرة هيجي في اللي بعدها يمتحنا في عطسته برضه. 


أبتسمت " ليال " بهدوء قائلة:- معلش هوني على نفسك، هانت خلاص وهتتخرجي أهو. 


تنهدت شقيقتها بتعب قائلة:-يارب بقا. 


نظرت إليها " رجوى " وكادت أن تستكمل حديثها لكن توقف الحديث بحلقها عندما رأت هيئة شقيقتها والتي كانت حتى البارحة حزينة.. بائسة.. إذا ماذا حدث لها بظلام الليل ليسطع بها ذلك الوهج الجميل لتتحول فجأة من مجرد فتات لفتاة منطفئة إلى فتاة مُشعة.. 


لاحظت " ليال " صمتها وتحديقها بها فعقدت حاجبيها قائلة بحيرة:- في إيه يا " رجوى " بتبصيلي كدة ليه.! 


وقبل أن تُجيبها خرجت " شهد " من غرفتها لتتفاجأ بشقيقتيها أمامها.. لكن تركزت نظراتها على شقيقتها الكبرى تتفحصها بنظرة سريعة ثُم أخرجت صفيرًا معجبًا من بين شفتيها قائلة بمشاكسة:- أوووبا، أوعى يا واد يا ولعة، إيش هذا الجمر يا بنوتة.! 


ضحكت " ليال " بعذوبة قائلة:- والله إنتِ اللي عينيك حلوة يا " شوشو ". 


زمت " شهد " شفتيها قائلة بتبرم:- بلاش " شوشو " دي بحس إني رقاصة. 


ضحكت شقيقتها بينما تدخلت " رجوى " قائلة بإعجاب:- بس بجد يا " ليال " شكلك حلو أوي النهاردة. 


تنحنحت بإحراج قائلة:- هو أنا كان شكلي وحش أوي كدة قبل كدة ولا إيه.! 


نظرت إليها شقيقتها قائلة بنبرة ذات مغزى:- لا، كنتِ مطفية، بس دلوقتي حساكِ رجعتِ منورة تاني. 


كانت جُملة رُغم بساطتها لكنها أصابت هدفها جيدًا.. أجل كانت منطفئة على مدار الثلاث سنوات الماضية.. كانت كئيبة الروح والمظهر.. لقد تحمل أهلها كثيرًا معها.. لذلك ولأجلهم فقط ستعود " ليال " إلى سابق عهدها.. 


أبتسمت قائلة بهدوء:- إن شاء الله مفيش إنطفاء تاني. 


وعلى أساس هذا التصريح أبتسمتا لها شقيقتيها بحُب.. ثُم ترجلن ثلاثتهن إلى الأسفل لتناول الأفطار مع باقية العائلة.... 


-----------------------------


لم تقتصر فقط ملاحظة وهجهها الساطع الجديد عليها على شقيقتيها فقط بل أن جميع العائلة لاحظت ذلك.. منهم من أمطرها بالكلمات الجميلة ومنهم من أكتفى بإبتسامة إعجاب ورضا.. ومنهم من قام بغمزها بمشاكسة مثل " مالك " إبن خالتها " حنان " والذي كان سعيدًا لرؤية تغييرها اليوم.. 


بعد أن أنتهت وجبة الأفطار وبدأ الجمع ينفض خرج " زين " لمتابعة أعماله بينما لحقت بهِ " ليال " فتوقف ليرى ما بها.. توقفت أمامه قائلة بإبتسامة مُمتنة:- شكرًا يا " زين " على اللاب، أنا فعلًا كنت محتجاه ومكنش عندي وقت أنزل اشتري واحد. 


تصنم مكانه بجمود وتحولت ملامحه إلى أخرى مشتعلة لكن بغموض ثُم هدر قائلًا بنبرة قاتمة:- لاب إيه، أنا مجبتش حاجة.! 


تلاشت البسمة من على وجهها.. والتمعت نظراتها بالحيرة ثُم همست قائلة:- يعني إيه، هو مش أنت اللي جبته.! 


رأته كيف يجز على أسنانه حتى كاد أن يحطمهم ثُم هتف قائلًا بعصبية:-قولتلك لا، مش أنا. 


توسعت نظراتها بصدمة.. لماذا يصرخ عليها.. ماذا فعلت هي..! 


تحولت ملامحها إلى أخرى شرسة وهدرت قائلة بأنفعال:- " زين " متزعقليش كدة، أنا معملتش حاجة، ولو مش أنت يا سيدي اللي جبته خلاص مش مهم أكيد واحدة من البنات، عن إذنك. 


تحركت من أمامه سريعًا.. كانت تسير بأتجاه بوابة المنزل بغضب عندما صدح صوته من خلفها قائلًا بنبرة سوداء:- " عاصي " اللي جابه. 


توقفت خطواتها عن السير.. وتجمدت الدماء بعروقها.. فلتت نبضة مُتلهفة إلى صاحب الإسم عندما سمعته.. بينما إحساس خائن بالإشتياق حاوطها.. تشتاقه وتتمناه حبيبًا وزوجٍ لكن ما بينهما كثير.. تبددت الغيمة الوردية من فوق رأسها عندما أدركت أن الوغد أقتحم منزلها بل وغرفتها أيضًا.. رأها وهي نائمة.. اللعنة لقد كانت ترتدي منامتها القصيرة.. القصيرة جدًا والتي تظهر جسدها بسخاءً.... 


---------------------------------


الحُب مُرهِق لمن يُحِب.. الرغبة مؤلمة.. ولكن الإشتياق قاتلًا لصاحبه.. عندما تُحِب ولا تنال من تُحِب.. عندما تشتاقه ولا تجده بجانبه.. ترغبه ولا تشعر بالإحتراق معه.. حينها تشعر وكأنك مُعلق بين السماء والأرض.. ولكن ليس جسدك فقط هو العالق بل حتى روحك.. 


لم ينم ليلته.. وكيف يفعل وهو رأها بتلك المنامة اللعينة.. منامة قصيرة جدًا.. تكشف عن جسدها المرمري بسخاء كاد أن يُصيبه بذبحة صدرية وهو يقف أمامها يتأملها في الظلام على ضوء القمر القادم من شُرفتها.. لم يستطع أن يقترب منها.. أن يلمسها كما يُحب ويرغب.. لو لم يحدث بينهما كل ما حدث قبل سنوات لكانت الأن نائمة بين أحضانه بتلك المنامة الجميلة أو حتى بدونها لا يهم.. يكفي أن تكون هي فقط بين ذراعيه.. لو لم يفترقا لكانت الأن حامل بطفلهما الثاني على الأقل.. لقد كان يُخطط أن يُنجب منها الكثير من الأطفال.. لكن بتلك اللحظة وقف يراقبها بالظلام من بعيد دون أن يجرؤ على أن يقترب منها.. إن لمسها الأن لن يتركها حتى تُصبح لهُ.. وهو يعلم أنها لن تقاوم.. بل ستستسلم لهُ كما سيستسلم هو لها.. لكن ماذا بعد إستسلامهما..! ماذا سيحدث بعد أن تنتهي فورة العشق والرغبة..! سيعودان إلى واقعهما المؤلم من جديد لكن بندوب أكبر.. لكنهُ بذات الوقت لا يستطيع أن يتركها.. أن يُطلقها وتختفي من حياته.. أن يعرف عن حاجتها إلى شيءٍ ما ولا يجلبه لها.. بوقتٍ ما كان يشتري لها كل شيء تريده ولا تريده.. كان يشتري لها حتى أغراضها الخاصة.. الخاصة جدًا.. لم يستطع أن يتجاهل أمر حاجتها للحاسوب ولا يجلبه لها.. لقد ابتاع ماركتها المفضلة في الأجهزة الإلكترونية ولونها المفضل.. الأحمر.. 


لم يشعر بنفسه إلا وهو بغرفتها.. بعد أن دخلها مُتسللًا كالماضي.. يقف يتأملها من بعيد.. كنجمة يخشى أن يحاول لمسها فتختفي.. 


كان يجلس بمكتبه بداخل شركة عائلته مجموعة " آل سُليماني "والذي يعمل هو بها مديرًا تنفيذيًا وعضو مجلس إدارة.. نهض من مقعده ثُم سار نحو الشرفة الزجاجية الكبيرة المُطلة على الشارع الرئيسي يتأمل الطريق بذلك الوقت.. 


كانت الأجواء غائمة والسماء غير صافية.. يبدوا أنها ستمطر الأن.. أبتسم بخفوت وهو يتذكر أن " ليال " تعشق هذه الأجواء الباردة كثيرًا.. من المؤكد أنها الأن تقف بشرفتها تتأمل السماء الشاحبة بسعادة.. 


تلاشت البسمة من على وجهه عندما أبصرها تقف بسيارتها بطريقة متهورة رعناء أمام شركته.... مهلًا هل هي هنا حقًا أم يُهييء لهُ..! لكنها هي.. والله هي.. لن يغفل عنها ما حيا.. هي بخصلاتها السوداء الطويلة التي تطير خلفها.. بجنونها وشراستها.. هي ببهائها.. 


وضع كفيه على الزجاج بلهفة للمسها.. وأبتسامة واسعة سعيدة أرتسمت على شفتيه متذكرًا بالماضي عندما كانت تأتي لهُ هنا يوميًا.. تساعده بأعماله.. تمازحه.. تخفف من ضغط العمل عليه.. وكان هو ينهل منها سعادته.. 


ركض نحو باب المكتب سريعًا ذاهبٍ لأستقبالها.. توقفت يده على مقبض الباب عندما عاد عقله إلى العمل.. هل سيذهب إليها بكل لهفة العالم.. ماذا لو لم تكُن قادمة لأجله.. ماذا لو رأت لهفته عليها واستغلتها كنقطة ضعف في صفها.. وهل سيجعل من نفسه أبله ملهوف أمام موظفيه..! الجميع هنا يعرف قصتهما معًا.. بالكاد تخطى نظرات وهمسات الجميع عليه بعد أن تركته " ليال " بليلة زفافهما كالكلب الضال.. 


أغمض عيناه بقهر ممزوج بالألم.. لقد جاء اليوم الذي يقف يفكر بهِ هل يذهب إليها أم لا.. بعد أن كانت وجهته و.. ووطنه.. ملجأه و.. وسكنه.. 


لكن لماذا أتت.. ومن الذي جاءت لأجله.. أشتعلت عيناه بنيران الغيرة والغضب.. سيقتل أيًا كان الذي أتت لأجله.. وسيقتلها هي أيضًا.. 


وأثناء تفكيره في طريقة مناسبة لقتلهما فُتح باب مكتبه بقوة.. و.. وظهرت هي.. ظهرت بجمالها الخلاب.. بعنفوانها الجذاب.. 


نبض قلبه بعنف وهو يتأملها من خصلات شعرها السوداء المرتاحة على ظهرها وبعضٍ منها حول وجهها المتورد بحُمرة لذيذة.. مرورًا بشفتيها المطليتين بماذا..!! آآآه أحمر شفاه لامع..!! نزولًا إلى جسدها المخفي خلف ملابسها الواسعة بلونها الفاتح والذي كان يليق على بشرتها البيضاء بشدة.. 


كانت كتلة من الجمال.. أميرة هاربة من قصة أسطورية.. ويشاء القدر أن يقع كالأبله في عِشق هذه الأميرة قاسية القلب.. 


عاد من شروده على صوت سكرتيرته الخاصة التي كانت تهتف بنزق واضح:- أنا أسفة يا " عاصي " بيه بس هي موافقتش تستنى لغاية ما أبلغ حضرتك.


لم يُحيد بنظراته عنها وهو يهتف قائلًا بأمر:- أطلعي برة. 


أبتسمت السكرتيرة بتشفي معتقدة أنهُ يقوم بطرد " ليال " لكنها تفاجأت بهِ ينظر إليها بعينين مشتعلتين بغضب وهو يصرخ بها أن تخرج.. ففعلت على الفور تجنبًا لنوبة جنونية منهُ لن تتحملها.. أصبح المكتب خاليًا لهُما.. وبدأت الحرب.... 


------------------------------------


كلما كنت نظيفًا كلما ازدادت القذارة من حولك.. الغارق بالوحل لا يرغب في رؤية الورد يزهر من حوله.. 


توقفت " رجوى " بسيارتها أمام بوابة الجامعة.. ثُم ترجلت منها سريعًا وبدأت بالركض إلى الداخل.. تُريد أن تصل إلى المدرج قبله.. لا تريد أن تراه الأن.. أو أن يجمع بينهما موقف واحد حتى.. بعد تلك الكهرباء التي شعرت بها البارحة فور أن وقعت بين أحضانه.. وبعد رؤيته لنظراته المشتعلة لها.. قررت أن تتجنبه إلى أبعد حد حتى تنتهي من هذا العام الدراسي وتتخرج وحينها لن تراه مجددًا.. أجل هكذا ببساطة.. ستتجنبه طوال العام.. ولن يجمع بينهما شيءٍ.. ثُم تنتهي الدراسة ولا تراه مجددًا المُتبقي من حياتها.. هكذا حفزت نفسها وهي تتقدم من قاعة المحاضرات.. هنئت نفسها لوصولها قبله لكن تلاشت أبتسامتها تدريجيًا.. وتطلعت نحو الجميع بريبة عندما رأتهم ينظرون إليها بنظراتٍ غريبة.. كانت هناك الكثير من النظرات والهمسات الموجهة نحوها.. نظرات لم تفهم فحواها لكنها لم تُعجبها.. جلست بمكانها المعتاد وهي تنظر إلى الجميع بصمت وعدم فهم.. حينها اقتربت منها فتاة وهي واحدة من صديقاتها تُسمى " رزان " وجلست بجانبها قائلة بخفوت مُرتعب:- شوفتِ اللي حصل يا " رجوى ".؟ 


أشاحت بنظراتها عن الجميع ثُم نظرت إلى صديقتها قائلة بتساؤل:- إيه اللي حصل، في إيه.؟ 


هتفت " رزان "قائلة بتوتر:- في.. في صور منتشرة ليكِ إنتِ ودكتور " إسلام "، وإنتِ في حضنه. 


برقت عيناها بلمعة إجرامية خطيرة وهي تهدر قائلة بنبرة عالية:- نعم ياختي.! 


انتفضت صديقتها بخوف من صراخها ولم تملك إلا أن تُعطيها هاتفها لتتفقد الصور.. توسعت عسليتيها بصدمة عندما رأت تلك الصور.. نعم هي.. ونعم هو.. ونعم الصور حقيقية لكن الموقف ليس هكذا.. لقد كانت على وشك أن تسقط فحال هو دون ذلك.. لكن من التقط الصور قام بتحريفها جيدًا.. فبدت وكأنها حميمية للغاية.. وكأنهما.. كأنهما عاشقان غارقان في بحور العِشق والغرام.. اللعنة.. 


وقبل أن تتحدث صدح صوت أنثوي خبيث من خلفها قائلًا:- بقا كل دة يطلع منك إنتِ يا ست " رجوى "، يابنت الحسب والنسب والعيلة الكبيرة اللي على طول شايفة نفسك علينا بسببهم، صحيح ياما تحت السواهي دواهي.! 


التفتت " رجوى " تنظر إلى الفتاة المُتحدثة والتي لم تكن سوى " ناريمان " عدوتها اللدودة.. الفتاة الوحيدة بالجامعة التي تكرهها تقريبًا.. ولا تعلم لماذا خُلقت بينهما هذه العداوة من الأساس.. لكنها دائمًا ما تتنمر عليها وعندما ترود لها " رجوى " الصاع صاعين تثور " ناريمان " وتشتعل الحرب بينهما..


 تحولت ملامح الأولى إلى أخرى شرسة وهي تهدر قائلة بغضب:- أخرسي أنا أنضف وأشرف منك ومسمحش لأي حد هنا يجيب سيرتي بنص كلمة. 


ضحكت " ناريمان " بسخرية قائلة:- أنضف وأشرف.! أيوة ما النضافة والشرف واضحين وإنتِ في حضن الدكتور " إسلام "، والله أعلم في غيره ولالا.! 


وبحركة خاطفة رفعت " رجوى " كفها عاليًا ثُم هوت بها على وجهها بقوة.. صفعة تردد صداها في القاعة الكبيرة وجعلت الجميع يشهق بذهول.. بينما هي تحدثت قائلة بنبرة ذات بأس:- تاني مرة تقولي عليا الكلام القذر دة صدقيني هتلاقي تصرف أعنف من دة كمان، أظن الجامعة كلها عارفة مين فينا اللي مش بتقوم من حضن الطلبة والدكاترة عشان تنجح كل سنة بتقدير. 


توسعت نظرات " ناريمان " بغضب عاصف.. بينما " رجوى " تواجهها بصلابة رُغم إنهيارها الداخلي لكن مهلًا..  ستسترد حقها ثُم ستبكي بمنزلها كما تشاء... 


بتلك اللحظة دلف " إسلام " إلى القاعة بجاذبيته المُهلكة ليتفاجأ بذلك التجمع.. عقد حاجباه بصرامة ثُم هدر قائلًا:- كله على مكانه عشان الأمتحان هيبدأ. 


بدأ الجمع ينفض لكن لم يتوقف الجميع عن رمقه بنظراتٍ مصدومة.. متعجبة.. مشمئزة.. لم يفطن لتلك النظرات لكنها أثارت ريبته.. وقعت نظراته عليها هي.. تجلس بمكانها ملامحها جامدة كأنها نُحتت من رُخام.. عسليتيها مشتعلتين بنيرانٍ إن تحررت ستحرق الجامعة بهم.. لكن نظراتها بهما شيءٍ ما غير مُريح.. تنظر إليه بعتاب.. صُدم بداخله.. فهو لا يعرف لماذا تُعاتبه..! 


صدح صوت شاب عابث بالقاعة قائلًا بنبرة خبيثة:-هو إيه رأي حضرتك يا دكتور في دكتور بيعمل غراميات مع طالبة عنده.؟ 


عقد " إسلام " حاجبيه من وقاحة السؤال.. وهنا تأكدت ظنونه أن هناك شيءٍ سيء حدث يخصه.. وتلقائيًا دارت عيناه نحوها.. ليرى نفس النظرات الغاضبة والعاتبة.. أعاد أنظاره نحو الشاب الوقح صاحب السؤال.. والذي ضبطه " إسلام " من قبل بوضع مُخل داحل الحرم الجامعي.. ولعدم إثارة فضيحة للفتاة التي كانت معه أكتفى بتعنيفهما بالكلام فقط ونصحهما بعدم تكرار الفعل مجددًا.. هدر بقوة قائلًا:- إيه اللي بتقوله دة، وضح كلامك.! 


ضحك الشاب بإستهزاء قائلًا:- قصدي إن مش حلوة في حقك يا دكتور يكون في بينك وبين طالبة عندك غراميات وأحضان وبتاع وفي نفس الوقت بتنصح وترشد، طب أنصح نفسك الأول. 


لم يتمالك " إسلام " غضبه وأقترب سريعًا من الشاب قابضٍ على تلابيب ملابسه حتى نهض معه ثُم هدر قائلًا بشراسة أفزعت الجميع:- إيه اللي بتقوله دة، أنت أتجننت وبتخرف ولا شارب حاجة على الصبح.! 


صاح الشاب صارخٍ برعونة:- لا مش بخرف أنا بقول بس إن غرامياتك مع الست " رجوى " أتكشفت خلاص، وصوركم مالية الجامعة من الصبح. 


تجمدت أصابعه على ملابس الشاب.. لا يُصدق ما اخترق مسامعه الأن.. عن أي صور يتحدث هذا الوغد.. صرخ " إسلام " مجددًا بنبرة جنونية:- صور إيه دي.؟


أخرج الشاب هاتفه ثُم فتحه وأعطاه لهُ.. ألتقط منهُ الهاتف ليصطدم بصور لهُ مع " رجوى ".. نعم الصور حقيقية ولكن ليس بالمعنى الحقيقي لها.. هو فقط كان يحول دون وقوعها على الأرض ليس إلا.. 


ألقى بالهاتف أرضٍ بغضب ثُم هدر قائلًا بعُنف:-  الصور دي مش حقيقية، في سوء تفاهم، وأنا هعرف مين اللي عملها وهحاسبه. 


=الصور حقيقية يا دكتور، وكلنا اتأكدنا منها. 


=أيوة يا دكتور الصور حقيقية مش فيك. 


توالت تعليقات الطُلاب عليه كالمطر.. الجميع يؤيد أن تلك الصور حقيقية مما لاشك فيه.. الجميع يُصدق ما رأوه بأُم عيونهم. ماذا سيُخبرهم الأن.. وقعت نظراته عليها.. ليرى وجهها تحول إلى اللون الأحمر من شدة الغضب وهو لم يكُن أقل غضبًا منها.. لكن هناك نظرات عاتبة أخرى ترمقه بها.. لماذا العتاب.. ماذا فعل هو..! 


عاد من شروده عليها وهي تقف وتسحب حقيبتها ثُم ركضت خارج القاعة بل خارج الجامعة بأكملها.. لحق بها " إسلام " سريعًا وأخيرًا استطاع أن يوقفها أمام سيارتها بجراچ الجامعة.. قبض على ذراعها لكي تتوقف فالتفتت إليه هادرة بجنون:- أبعد عني، جاي ورايا ليه.؟ 


صرخ بها " إسلام " بالمُقابل بجنون أشد قائلًا:- أهدي في إيه، عايزين نلاقي حل للمصيبة دي. 


كانت نظرات العتاب بعيناها تقتله فهدرت قائلة بقسوة:-  نلاقي حل.! تعمل المصيبة وفي الأخر تيجي تقولي نلاقي حل.! يعني مش أنت اللي سربت الصور دي.! 


توسعت نظراته بغضب واشتعلت بشراسة.. لا يصدق اتهامها الدنيء لهُ.. هدر قائلة بصدمة تشوبها الغضب:- إنتِ مجنونة، بتقولي إيه، هفضحك وأفضح نفسي، ليه.! 


أبتسمت بقسوة قائلة بنبرة قاتمة:- أنا ملاحظة تصرفاتك معايا في الفترة الأخيرة، أنت متقصدني بشكل واضح، كأنك بتكرهني معرفش ليه، تنكر إنك أنت اللي شوفتني إمبارح في الكافيه، وأنت اللي كلمتني عشان أجيلك المكان الزفت دة، كان ممكن تقولي ملاحظتك ليا في التليفون أو حتى رسالة وخلاص بس أنت سحبتني للمكان دة عشان تنفذ اللي في دماغك. 


اللعنة.. في الوقت الذي كان يتابعها بنظراته أعتقدت هي أن شغفه بها في الأونة الأخيرة مجرد كُره لها.. لماذا سيكرهها بالأساس.! هو يسهر الليالي يُفكر بها وهي تعتقد أنه مجرد مطارد مريض نفسي يكرهها ويدبر لها المكائد..! أي حظًا هذا الذي أوقعه مع غبية العقل وعديمة النظر تلك.! 


جز على أسنانه قائلًا بقسوة:- يعني إنتِ كل اللي جيه في بالك إني بكرهك وبدبرلك مصايب ومؤمرات عشان اسوء سُمعتك.! 


وبعناد البغال عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلة بتأكيد:- أيوة. 


=طب أنا عندي حل لـدة. 


نظرت إليه بتوجس قائلة بشك:- حل إيه.! 


صمت " إسلام " لدقيقة كاملة يناظرها بلا تعبير حتى يثير أعصابها كما تفعل معهُ.. ثُم لمعت عيناه بتعبير خطير كالذئاب أو مصاصي الدماء وهتف قائلًا بإبتسامة شريرة:- هتجوزك. 


-------------------------------------


أمام قسم الشُرطة وقفت " حبيبة " بجانب والدتها السيدة " نجوى " والتي تطلعت نحو " جواد " قائلة بإمتنان:- ربنا يسترها معاك يابني، والله جميلك دة على راسي لأخر عُمري. 


أشاح " جواد " بنظره عن " حبيبة " التي لم تتطلع نحوه من بعد خروجهم من بوابة قسم الشرطة ثُم نظر إلى السيدة التي تخاطبه ورد قائلًا بإبتسامة رزينة:- أنا معملتش غير الواجب يا حاجة، مفيش بينا جمايل. 


هتفت المرأة بلهفة أُم قائلة:- إزاي بس يابني، دة أنت أنقذت بنتي من قطاعين الطرق وخطافين البنات دول، منهم لله. 


تذكرت " حبيبة " أقوالها التي القت بها أمام المحقق قبل قليل.. لم تخبرهم بأن الفاعل هو خالها وأن هو من قتل والدها أيضًا.. لن يصدقها أحد.. فهو رجُل ذو سُمعة طيبة كما أنهُ واحدًا من السياسيين بالبلد ولهُ منصب تهتز لهُ الأبدان.. كما أنها يُمكن أن تخسر والدتها إن القت تلك الحقيقة القاسية بوجهها.. عادت من شرودها على صوت والدتها وهي تهتف قائلة بحبور:- خلاص ماشي موافقة ياحبيبي. 


حبيبي.! لماذا تتعامل معه والدتها بهذا العشم.! وعلى ماذا وافقت بالضبط.! هتفت قائلة بتعجُب:- موافقة على إيه يا ماما.! 


أجابتها والدتها قائلة بسعادة:- أصل " جواد " بيه عازمنا على عصير في أي مكان دلوقتي. 


فتحت فمها بدهشة وإستنكار وقبل أن تتحدث رافضة عرضه الكريم سبقها هو بالحديث قائلًا بمرح:- بيه إيه بس يا حاجة أنا زي إبنك برضه، قوليلي يا " جواد ". 


ضحكت السيدة " نجوى " بطيبة قائلة:- خلاص وأنت بلاش حاجة دي قولي يا " نوجا ". 


ضحك هو بقوة ثُم اصطحبها نحو سيارته وهما يتضاحكان سويًا بمرح وسعادة بينما " حبيبة " خلفهما يكاد يلمس فاهها الأرض وهي ترى والدتها تتعامل معه كإبنها حقًا بينما هو يُمازحها ويُضحكها كأنهُ يعرفها منذُ سنوات.. ما الذي يحدث..! 


بعد مرور بعض الوقت كانت " حبيبة " تجلس على طاولة لطيفة بمطعم راقي أمام شاطيء البحر مباشرة.. وعلى الرغم من الغيوم التي تطوف فوقهم إلا أن الجو دافيء بشكل جميل.. منذُ زمن لم تأخذ فاصل من حياتها المُرهقة وتذهب إلى مكان جميل كهذا.. لا تعلم أن تشكر هذا المدعو  " جواد " أم تضربه هو وأُمها لأن بسبب ضحكاتهما سويًا آلام رأسها على وشك أن تقسمها لنصفين.. 


بعد قليل استأذنت والدتها للذهاب إلى غرفة السيدات وتركتهما سويًا.. تنفس هو الصعداء لأنهُ أخيرًا حصل على فرصة ليتحدث معها على إنفراد.. كانت هي تنظر إلى البحر بإبتسامة خافتة.. خصلات شعرها البُنية اللولبية تطير من حولها وبعض الخصلات تحتضن وجهها بنعومة أهلكت قلبه.. متى وقع لها إلى هذه الدرجة..! منذُ أن وقعت عيناه عليها بالمرة الأولى بالمشفى وهو فُتن بها.. والأن يُحبها.. بل ويُريد أن يتزوجها أيضًا.. يُريد أن يقضي المُتبقي من حياته معها.. تحدث بهمسٍ خافت حتى لا يُعكر صفوها قائلًا:- عجبك المكان.؟ 


نظرت إليه بحدقتين بندقيتين لامعتين ببريقٍ خطف لبُه ثُم همست قائلة بزفرة راحة:- أوي، أنا من زمان مروحتش مكان  جميل زي دة. 


لمعت عيناه بلهيب حارق إثر مشاعره المكبوتة بداخله نحوها ثُم هتف قائلًا بنبرة بطيئة:- طالما عجبك ممكن أجيبك كل يوم. 


أبتسمت بتوتر قائلة بخفوت:- أنت غريب أوي. 


كان يتفحصها بعيناه بشغفٍ حار.. يتأمل تفاصيل وجهها بإنبهار.. لا يكل ولا يمل.. عقد حاجبيه قائلًا بعدم فهم:- غريب إزاي.! 


عقدت ذراعيها أمام صدرها تناظره بحيرة ثُم هتفت قائلة بصراحة:- يعني مستغرباك، مش عارفة بتعمل معايا كدة ليه، بتساعدني ليه من أول ما شوفتني، غريبة إن تساعدني في الأتوبيس مع إن شكلك ميقولش عليك إن عمرك ركبت أتوبيسات، طبعًا بعيدًا كمان عن عربيتك، ويوم ما حصل اللي حصل دة ماما حكتلي إنك قلبت القسم حرفيًا عشان يوصلوا لمكاني، ودلوقتي وقوفك معانا في القسم وإصرارك إنك تحضر معايا التحقيقات، وغيرهم تفاصيل كتير مخلياني مستغرباك ومش قادرة أفهم أنت بتعمل كدة ليه.! 


ابتلع ريقه بصعوبة.. الحديث يقف بحلقه كالغصة المؤلمة.. هو رجُل واضح.. إعتاد الصراحة بحياته.. يُريد أن يُصارحها بمشاعره ويأخُذ خطوة جدية بتلك العلاقة لكنه يعلم أن الصراحة الأن ليست في صالحه.. " حبيبة " ستُصدم منها ويُمكن أن تفر منهُ.. لذلك سيتروى معها قليلًا حتى تطمئن معهُ على الأقل.. 


أخفى كل مشاعره وتلبس قناع البراءة قائلًا بأبتسامة هادئة:- وليه متقوليش إني عايز أساعد بس، كدة من غير مقابل أو مصلحة.! 


تلاشت بسمتها وأحتدت ملامحها قائلة بنبرة فاترة:- عشان محدش في الزمن دة بيساعد كدة ببلاش، دة القريب بيدوس عليك أمال الغريب هيعمل إيه.! 


أدرك " جواد " بفطنته من تقصد.. أستغل تطرقها لهذا الأمر والتقط طرف الخيط قائلًا بجدية:- بالمناسبة، ليه كدبتِ في التحقيق وقولتي إنك مش عارفة مين اللي خطفك.؟ 


انتفضت برُعب.. شحبت ملامحها بخوف من أن يكون على علم بشيءٍ ويتحدث أمام والدتها.. ابتلعت ريقها بتوتر قائلة:- مين قال كدة، أنا قولت الحقيقة، معرفش مين اللي عمل كدة. 

تفحصها قليلًا بنظراتٍ أربكتها ثُم هتف قائلًا بنبرة ذات مغزى:- تمام، هعمل نفسي مصدقك، بس بتمنى متتصرفيش أي تصرف يوقعك في المشاكل، عشان خاطر والدتك على الأقل. 



نظرت إليه بشرود حزين.. إذا كان هُناك شيءٍ يمنعها من الحديث أو الأنتقام وقتل اللعين خالها حاليًا هو والدتها.. لذلك ليس عليه أن يقلق بهذا الشأن، ستنتقم لكن ليس الأن... 


----------------------------------


أصبح المكتب خاليًا لهما.. وبدأت الحرب بينهما.. حرب نظراتٍ لم يجروء أحدهما أن يقطعها.. هي تتطلع نحوه بحدقتين بلون الزيتون الأخضر مشتعلتين كبركتين من نار يشوبهما الخجل والألم.. لا تصدق كيف فعلها وأقتحم منزلها بل وشاهدها وهي نائمة أيضًا.. كيف تجرأ..! 


بينما هو يناظرها بعينين مشتعلتين بنيران الرغبة والشوق.. أشواقه تعصف بهِ في تلك اللحظة وصور المنامة القصيرة لا تترك مخيلته.. لم يكن عليه أن يراها الأن.. 


قطعت هي الصمت وهي تُلقي بشيءٍ ما أرضٍ حتى وقع بينهما.. أسفل قدماه تحديدًا.. نظر إلى الحاسوب باهظ الثمن الذي أبتاعه لها في لحظة حنين لماضٍ ولىّ بينهما.. وها هي تقف الأن غاضبة.. قاسية.. تُثبت لهُ أنهُ الأبله الوحيد بالقصة.. هو الوحيد الذي لم يتخطى الماضي ومازال عالقٍ بين ذكرياته.. كانت نظراتها قاسية.. غير لينة كما أعتاد منها.. نظرات امرأة لرجُل لا تريده.. وكم ألمه قلبه عند هذا الإستنتاج.. شعر بشيءٍ ما حاد يخترق قلبه.. " ليال " لم تعُد تُريد " عاصي ".. 


همست قائلة بنبرة قاتمة:- إزاي سمحت لنفسك تدخل بيتِ وأوضة نومي، فاكر نفسك مين.! 


أخفى آلام قلبه النازف بتلك اللحظة.. وأرتدى قناع الجمود ثُم هتف قائلًا بنبرة خفيضة مُستفزة:- جوزك. 


أبتسمت بسخرية مريرة قائلة:- جوزي.! أتطمن الحجة السخيفة دي مش هتطول كتير، كلها أيام ومش هيبقا ليك وجود في حياتي. 


اللعنة على قلبه الذي يُحب أن يتألم ولا يتعلم.. قبل قليل لم يكن يُفكر في طلاقهما.. لم يأتي بباله الفراق بالأساس.. كان يُفكر بها تجلس بشرفتها بذلك الوقت تستمتع بالغيوم كما تحبها.. وأمامها الحاسوب الجديد تشاهد فيلمها المُفضل.. لكن كل ذلك كان فقط وهم بعقله ليس إلا.. وها هي تقف أمامه ترفض هديته.. وتخبره أن أمر تحررها منهُ مسألة وقت لا أكثر.. 


وللمرة الثانية يخفي ما يعتمل بصدره من آلام ويتحدث قائلًا بنبرة ثلجية:- إيه مشكلتك دلوقتي، جاية تطلعي جنانك عليا ليه، عشان شوفتك وإنتِ نايمة، طب مانا ياما شوفتك وإنتِ نايمة، ولا عشان شوفتك بقميص النوم اللي ظاهر أكتر ما المفروض يخفي.! 


قال جملته الأخيرة بوقاحة جعلت وجهها يحتقن غيظًا وخجلًا.. لم تسيطر على نفسها قبل أن تقترب منهُ وهي تصرخ قائلة بغضب:- أنت شخص عديم الأخلاق. 


لكمته بصدره بقبضتيها لكنهُ لم يتحرك إنشٍ واحدًا حتى وبدا كالجبل لا يتأثر.. قبض على قبضتيها بين كفيه وضحك بلا مرح.. ضحكة مخيفة لم تصل إلى عيناه.. ثُم سحبها نحوه بشدة حتى التصقت بهِ.. وأصبح وجهه قريبًا بشدة من وجهها ثُم همس قائلًا بنبرة قانطة:- زعلانة ليه يا " ليال "، عشان شوفتك بقميص نوم، وفيها إيه حتى لو شوفتك عريانة، إنتِ ناسية إني جوزك، ولو عايز دلوقتي أخدك من وسط أهلك وتبقي في بيتي هعملها لو العالم كله بما فيهم إنتِ وقف في وشي، فوقي يا " ليال " انا " عاصي ".! 


أرتعش قلبها تأثرًا من حلاوة الفكرة.. في خضم الحرب الدائرة بينهما الأن لم تستطع أن تمنع نفسها من أن تتخيلها بمنزله.. تنعم بدفء أحضانه.. تنام على صدره.. تُنجب أطفاله.. ضعفت.. وظهر ضعفها على نبرة صوتها المُرتعشة حيثُ هتفت قائلة:- لا، أنت مش هو، أنت واحد تاني أنا معرفهوش، واحد غير اللي حبيته، واحد بيتلذذ بوجعي. 


هو أيضًا شعر بالضعف.. أو الأصح هو منذُ ليلة البارحة وصورها المُهلكة لم تُفارق عقله وهو في أضعف حالاته.. لذلك لم يكُن يُفكر في أن يراها الأن.. قرب وجهه منها بشدة حتى أصبح يتنفس أنفاسها ثُم همس قائلًا بنبرة حنونة.. راغبة:- هو والله هو، أنا نفس الشخص بس موجوع منك أوي، وبوجع نفسي قبل ما بوجعك أضعاف. 


وبدون ذرة تردد كان يلتقط شفتيها في قبلة هادئة.. حنونة.. شغوفة.. وكأنهُ يُثبت لها أنهُ " عاصي " حبيبها القديم وليس ذلك المتوحش القاسي الذي كلما رأها أوجعها.. وهي وكعاداتها الضعيفة معه لم تظهر شخصيتها الضعيفة إلا أمامه.. ضعفت ولم تشعر بنفسها إلا وهي ترفع ذراعيها تضم رقبته بين أحضانها.. تُقبله وتضمه نحوها أكثر.. كانت قُبلة تُشبه رفرفة الفراشات.. رقيقة إلى أبعد حد.. لم يُحاول حتى أن يؤذيها.. شعرت معها وكأنهما عادا إلى الماضي.. عندما كان يخشى عليها من رفرفة الهواء من حولها.. 


فقد " عاصي " السيطرة على نفسه وبلحظة غفلة منهما حملها من خصرها مما جعل ساقيها يلتفان حول خصره.. ثُم سار بها متوجهًا نحو غرفة صغيرة بمكتبه يرتاح بها أحيانًا من ضغط العمل.. وبطريقه إلى هناك كان قد خلع عنها الشال الأبيض المُلتف حول رقبتها.. ثُم فتح الباب ودلف بها وهو مازال يُقبلها.. 


كان يعرف أن عليه الأبتعاد عليه أن يبتعد عنها الأن قبل أن يحدث مالا يحمد عقابه.. الطريق الذي يسير بهِ بتلك اللحظة ليس سهلًا.. وإن استمر لدقائق أخرى لن يكون هُناك وقت للرجوع.. بينما هي بمجرد أن لمس جسدها الفراش من أسفلها حتى استيقظت من دوامة مشاعره العنيفة التي سُحِبَت بداخلها بعقل مُغيب.. توالت على مخيلتها العديد من الصور.. صور لم تنساها من ثلاث سنوات.. صور لهُ وهو بين أحضان أُخرى.. عاريان بفراش ما.. يُقبلها بتلذذ.. والمرأة تضحك بغنج مُقزز.. لقد رأته.. وكانت خيانته كالسكين بمنتصف قلبها.. 


كان " عاصي " قد خلع قميصه للتو.. بتلك اللحظة التي لمست أصابعها جلد صدره الصلب المُشتعل شعرت وكأنها قبضت على جمرة من نار.. فتحت عينيها سريعًا وقد عاد إليها وعيها.. شهقت بألم.. تحاول أن تلتقط أنفاسها وتستجمع أعصابها لتستطيع أن تُفلت من بين قبضته.. لم ترحمها الذكريات وهي تُذكرها بهِ بين أحضان أخرى غيرها.. حاولت أن تدفعه بعيدًا عنها لكنهُ كان كالمُغيب.. يقبلها فقط وكفيه يعيثان بجسدها فسادًا.. صرخت " ليال " بغضب وهي تبكي حتى أنتبه هو عليها.. فتح عيناه بصدمة من نفسه.. لا يصدق أنهُ كاد أن يفعل ذلك بها.. لقد أراد أن يقبلها فقط ليشعر بها.. لكن الأمر خرج عن سيطرته.. ويحمد ربه أنها استفاقت سريعًا قبل أن يغرقا معًا.. على الرُغم من أنهُ يُحبذ فكرة الغرق معها وبها.. ابتعد عنها وأعتدل جالسًا ثُم التقطها بخفة من خصرها لتجلس على ركبتيه بين أحضانه يُحاول تهدئتها وهو يهتف قائلًا بلهفة:- ششششش أنا أسف يا حبيبتي، أسف معرفش عملت كدة إزاي، إهدي خلاص. 


كانت منهارة بطريقة هيستيرية لم يراها بها من قبل.. تدفعه بعيدًا عنها وهو أعتقد أنها تخاف منهُ أن يتهور مجددًا حتى التقطت أذناه همسها وهي تهزي قائلة بلاوعي:- لا، أنا مش زيها، خونتني معاها، شوفتك، أنا مش زيها. 


عقد حاجبيه بصدمة بالغة.. عن أي خيانة تتحدث.! من تلك التي رأته معها يُقسم أنهُ لم يلمح طيف امرأة سواها بحياته.. 


قبض على ذراعيها يهزها قليلًا حتى تستيقظ من تلك الهيستيرية ثُم صرخ قائلًا بلهفة:- إنتِ بتقولي إيه يا " ليال "، أنا مش فاهم حاجة.! 


صرخت بالمقابل قائلة بإنهيار:- لا فاهم، أنا شوفت الفيديو، يوم فرحنا الصبح، شوفتك في حضنها. 


يُقسم أنهُ لم يتلقى صدمة بحياته كتلك.. هل تعتقد أنهُ خائن لها..! لكن شيطانه صور لهُ أنها كاذبة.. تُريد أن تظهر بدور البريئة الضحية بعد فعلتها الغادرة معه.. لقد غدرت بهِ قبل زفافهما بساعة واحدة.. والأن تتقمص هذا الدور ليعيش هو بإحساس قاتل بالذنب.. ويعود للهث خلفها من جديد.. 


اشتعلت نظراته بغضب وتحولت إلى أخرى شيطانية ثُم ضغط على ذراعيها بشدة ليؤلمها حتى صرخت هي بألم بينما سمعته يهمس قائلًا بنبرة قاتمة.. قاسية:- إنتِ واحدة كذابة، فاكرة إن بالدور البريء دة هتخدعيني تاني، والمفروض أفضل عايش بالذنب وأشوف بقا أنا غلطت في إيه خلى الأمير " ليال العفريت " تخاف مني وتبوظ فرحنا قبل ما يبدأ بساعة، لا يا " ليال " إنتِ هتفضلي برضه الخاينة، الغدارة اللي غدرت بيا وضحكت الناس عليا، ومهما عملتي عمري ما هسامحك. 


كانت تبكي بلا توقف.. جسدها ينتفض بعنف.. أنفاسها تلتقطها بصعوبة.. تلك الحالة أصابتها خلال أيام كثيرة بعد تخريب زفافهما وتلك الفضيحة التي دوت بالبلدة بأكملها.. وها هي تعود إليها من جديد.. لم يرحمها وهو يهمس قائلًا بشيطنة:- وأوعي تفتكري إن لو رفعتِ مليون قضية هطلقك، تؤتؤ، عايزة تطلقي يبقا تشتري نفسك. 


لم يتوقف بكائها لكنها نظرت إليه من بين أهدابها المُبللة بعدم فهم حتى سمعته يستأنف حديثه بنفس النبرة قائلًا:- قضي معايا ليلة، وتاني يوم ورقتك هتوصلك، هو دة تمن حريتك مني. 


هُنا توقف بكائها.. وتعتقد أنهُ سيتوقف للأبد.. لأن من أمامها الأن ليس إلا مجرد حيوان شهواني لا يُفكر إلا في رغباته وفقط.. لا تصدق أنها أحبته بيومٍ ما.. لا تصدق أنها كادت أن تذوب بين ذراعيه قبل قليل.. ضاربة بكل شيء عرض الحائط.. شهقت بصدمة وهي تتخيل لو كان هذا حدث.. لو لم تستيقظ قبل فوات الأوان.. هل كان سينتهي منها ثُم يُلقي بها عارية أمام بابه ويُطلقها.. هل كان هذا مُخططه من البداية..! 


نظراتها إليه الأن نظرات امرأة قتلها من تُحِب.. قتلها ووقف يضحك على رفات جثمانها.. وهي ماذا تفعل.. تجلس بين أحضانه.. وكأن عقربة قد لدغتها أنتفضت مبتعدة عنه.. تقف أمامه فاغرة الفاه.. متسعة النظرات.. مضطربة الملامح.. مكسورة القلب.. وبدون حرفًا واحدًا خرجت راكضة من الغرفة بل من الشركة بأكملها.. 


راقب رحيلها بقلب مرتجف.. يعلم أنها بداية النهاية بينهما.. لكنهُ لا يملك سيطرة على نفسه.. بمجرد أن يراها تشتعل مشاعر الرغبة بينهما وفور أن يستيقظا يبدأا في إيلام بعضهما.. لكنهُ يعلم أن ضربته هذه المرة في مقتل.. قد يكون قتلها الأن حقًا.. يعلم أن اليوم سيكون فارقٍ بقصتهما بعد ذلك.. 


انتفض واقفًا يلهث بعنف ثُم بدأ في تحطيم الغرفة بأكملها.. كان فاقدًا للسيطرة تمامٍ ويرغب في تحطيم كل شيء وأي شيء.. لم يتبقى شيءٍ سليم بالغرفة ليحطمه.. جلس أرضٍ يلتقط أنفاسه الهاربة وهو يتذكر كل تفصيلة بلقاءهما قبل قليل.. 


ضربة بمنتصف عقله أصابته وهو يتذكر جملتها التي القت بها في وجه قبل قليل..  " أنا شوفت الفيديو، يوم فرحنا الصبح "


يليها تفصيلة لذكرى بعيدة قليلًا حدثت قبل ثلاثة سنوات.. يوم زفافهما صباحٍ كان يتحدث معها في الهاتف.. يُغازلها بوقاحة كعاداته معها وهي تضحك بخجل ودلال.. كانت سعيدة.. مشرقة.. كانت كأي عروس طبيعية لم يبدوا عليها أنها ستغدر بعريسها بأهم ليلة بحياتهما.. وأثناء تلك المكالمة التي جمعتهما صرخت هي بحماس وسعادة قائلة:- إيه دة البنات شكلهم جمعوا فيديوهات الحنة بسرعة، سابولي الفلاشة على مكتبي، أقفل هشوفهم وأكلمك. 


تنهد هو بلهفة قائلًا بأبتسامة واسعة:- وأهون عليكِ تسبيني عشان تتفرجي على شوية فيديوهات أنا حتى مش فيها.! 


ضحكت بمرح قائلة بنبرة مُتدللة:- يا " عاصي " ما أنت كلها كام ساعة وهتشوفني وهبقا معاك على طول. 


أطلق زفرة حارة أخجلتها ثُم هدر قائلة بوعد ووعيد:- على طول يا " ليال "، على طول صدقيني، مش هسيبك لحظة واحدة بعد كدة. 


ضحكت برقة أذابته ثُم أغلقت معهُ على وعد أن تشاهد القليل من المقاطع الخاصة بحنة الفتيات ثُم ستعاود الأتصال بهِ.. 


تذكر أنها لم تتصل بهِ مجددًا على مدار اليوم.. وهو أعتقد أنها مشغولة بالتجهيزات النهائية.. حتى حل الليل وبدأ الضيوف بالتوافد.. وعندما ظهرت " ليال " كان ظهورها كالقنبلة التي أنفجرت بالمكان..  وأخر شيء كان يتوقعه أن تتحول ليلة زفافه إلى ما يشبه المذبحة.. 


تُرى ماذا رأت لتتركه...!


----------------------------------------


كانت " شهد " تجلس بمكتبها بشركة " آل عفريت " تتابع عملها وتقرأ بعض الأوراق الهامة الخاصة ببعض الصفقات لكن قطع تركيزها صوت وصول إشعار برسالة جاءت على تطبيق " الواتساب ".. فتحت هاتفها لتتطلع إلى ذلك الرابط التي أرسلته " روان "للتو مُرفق برسالة أخرى محتواها أقلقها " هنتصرف في المصيبة دي إزاي. "! 


فتحت الرابط لتتفاجأ بعدة صور تجمع بين شقيقتها "  رجوى " وشخصٍ أخر لا تعلم من هو.. ومع الصور كان الحديث التالي " خبر حصري؛ 

فضيحة ابنة عائلة العفريت، بين أحضان أستاذها الجامعي، والصور مُرفقة بالخبر "


----------—----------يُتبع---------------

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-