العفاريت
رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل الثاني *مواجهة غير محسوبة*
ماذا كان وماذا أصبح..؟!
سؤال يسألهُ لنفسه صباح كُل يومٍ جديد.. أيكذب على نفسه إذا قال أن طبيعته لم تختلف كثيرًا بعدما مر بهِ..! كان وحشًا وأضحى شيطانٍ.. الفارق الوحيد نظرته لنفسه ونظرة الناس لهُ..
وقبل أن يغرق ببحر أفكاره صدح صوت رنين هاتفه وكان المُتصل واحدًا من رجاله الذي أخبره بأن المَهمة تمت بنجاح..
أبتسامة مُنتشية ارتسمت على شفتيه وهو يتخيل وضعها حاليًا.. يعلم أنها ليست خائفة أو ما شابه بل بالتأكيد تشعُر بالملل وهو سيجعلها تمِل أكثر وأكثر حتى تحترق أعصابها.. و
على إثر تفكيره صدحت صوت ضحكاته حتى تردد صداها بجميع خلاياه مُنتشيًا بإحساس وهمي بالأنتصار..
ما بين مشاعر مختلطة عديدة تنتابه كالرغبة في الأنتقام.. الحماس.. الغضب.. طار بخطواته ليصل إليها.. إلى المكان الذي وضعها بهِ رجاله.. لقد أمرهم بعدم الأقتراب منها حتى يصل هو.. إحساس عارم بالنشوة ينتابه وهو يقف أمام باب الغرفة الذي يفصلها عنهُ.. يحترق شوقٍ ليراها مذلولة أمامه تترجاه أن يرحمها..
أرتسمت أبتسامة قاسية على شفتيه عندما فتح الباب ودلف إلى الغرفة ليراها تجلس أرضٍ مُقيدة بإحكام ومعصوبة العينين.. لاحظ تحفز جسدها عندما شعرت بوجود أحدهم معها تترقب الخطوة التالية..
لم يكُن الأمر مُخيف بالنسبة لها بقدر ما كان مُمل.. فهي لم تعتاد السكون بحياتها.. حياتها صاخبة لدرجة مُرعبة.. وأثناء تفكيرها شعرت بخطوات أحدهم تقترب منها ثُم توقفت.. شدت كتفيها وتحفزت جميع خلايها لقــ-تل من يتجرأ ويقترب منها بسوء.. عندما طال الصمت هدرت قائلة بنبرة بطيئة هادئة:- مين هنا..؟
مرت دقائق قليلة من الصمت بعدها صدح صوت أخر شخصٍ تتوقع وجوده هنا.. شعرت بهِ يقطع الخطوتين بينهما وينحني بجسده نحوها ثُم يقترب برأسه من أذنها حتى أصبحت شفتيه مُقابلها هامسٍ بنبرة مُرعبة جعلتها ترغب في حرقه حيًا قائلًا:- أنــا الــلــي هــاخــد روحِــک الــنــهــاردة زي مــا رجــعــتــهــالــک زمــان.
انتفض جسدها وتراجعت عدة إنشات إلى الخلف بعيدًا عنهُ.. ليس خوفٍ منهُ ولكن نفورًا.. لم يأتي بمُخيلتها يومٍ أن تشعر بالنفور من الرجُل الذي لطالما حلمت بالزواج منه.. وهو لاحظ حركتها تلك.. لاحظ نفورها منهُ لتشتعل نيران غضبه العارم منها.. تنفر منهُ وكأنها ملاك في حضرة شيطان.. وكأنها ضحية في حضرة جلاد.. سجينة في حضرة سجانها.. أوليست هي أيضًا شيطانة.. جلادة.. سجانة..!
كانت رأسه مازالت قريبة من رأسها عندما حل عُصبة عينيها ليصطدم بحدائق الزيتون بعينيها مُشتعلتين بنيران الغضب.. غضبها أثلج صدره قليلًا لكن هل هو يُريدها غاضبة فقط..! لا، هو يُريدها غاضبة.. مُتألمة.. حزينة..
كانت تُحدق بنظراته الحاقدة نحوها.. تعلم بحجم الكُره المتقد بداخله تجاهها.. أوليست هي أيضًا تكرهه..! لقد كرهته بحجم الحُب الذي أحبتهُ لهُ قبل سنواتٍ.. عندما كانت بريئة ترى الحياة بلونها الوردي ولم تتوقع أن ترى لونها الأسود يومٍ وعلى يد من تُحب..
همسة خافتة فلتت من ببن شفتيها بنبرة مصدومة وكارهة بذات الوقت:- " عاصي "..!
لم تتوقع ذلك الهجوم المُفاجيء نحوها إلا عندما اصطدمت قبضته الضخمة بشفتيها بقوة ألمتها لكن لم تُظهر آلامها لهُ.. فقط ليمنعها من الكلام.. أم ليمنعها من نطق إسمه من بين شفتيها..؟
كانت رأسه قريبة جدًا من رأسها.. عيناه تحتضن عيناها.. أنفاسه تلفح وجهها.. وأنفاسها يبتلعها بجوفه فتكون نارًا حارقة تكوي صدره وتُلهب قلبه الذي عشقها يومٍ.. همس قائلًا بنبرة أشبه بفحيح الأفاعي:- أوعى تنطقي إسمي تاني على لسانك دة، سامعة..!
حركت رأسها يمينًا ويسارًا لتبتعد عن قبضته فأبتعد عنها بالفعل وتراجع عدة خطوات إلى الخلف.. نظرت إليه بسخط قائلة:- هو أنت بعت رجالتك ورايا وخطفوني وجايبني مخزن مهجور من بتوعكم وعامل كل الأكشن دة عشان في الأخر تقولي متنطقيش إسمي..!
ازدادت نيران صدره اشتعالًا بعد حديثها وشعر بالقليل من الندم على محاولة خطفها ومواجهتها الأن لكن إلى متى سيهرب! هدر قائلًا بنبرة صلبة:- عايزة إيه يا " ليال "..؟
عقدت حاجبيها بعدم فهم ثُم مالت برأسها قليلًا ناحية اليمين تتطلع نحوه وكأنه كائن فضائي ثُم أبتسمت قائلة بسخرية:- أنا اللي عاوزة إيه.. أنت الي خطفني وبتسألني كمان عاوزة إيه..!
ضم قبضته بشدة حتى ابيضت مفاصله ثُم هدر قائلًا بنبرة قاسية:- ضربتي " رامز " إبن عمي أمبارح ليه يا " ليال ".. عايزة من عيلتي إيه تاني..!
ألقت برأسها إلى الخلف وهي تنفجر ضاحكة بشدة واستمر ضحكها لبرهة بينما هو يقف أمامها يكاد يُخرج نيرانٍ من ثُقبيّ أُذنيه من برودها وطريقة تعاملها مع الموقف.. ألم تنتبه أنها مخطوفة حتى الأن أم ماذا..!
توقفت عن الضحك ونظرت إليه قائلة بأنفاسٍ لاهثة:- خير اللهم اجعله خير.. مش تقول من الأول إن ننوس عين أمه راح دبدب برجليه في الأرض وعيطلك وقالك " ليال " الوحشة ضربتني وساوت وشي بالأسفلت.
لم يتحمل أكثر من ذلك ليهدر بنبرة أجفلتها قليلًا لكن لم تُظهر لهُ ذلك:- " لــيــال "..!
توقفت عن السخرية وتأففت بضيقٍ قائلة:- يعني أنت خطفتني عشان تسألني ضربت النُغة بتاعتكم ليه.. طب وهو بيحكيلك إني ضربته مقالكش إن هو وواحد من المقاطيع اللي بيصاحبهم كانوا مثبتين بنت إمبارح بالليل في شوارعنا وكانوا بيسرقوها وبيتحرشوا بيها.. وإن لو مكنتش أنا لحقتها الله أعلم كانوا هيعملوا فيها إيه..!
توترت ملامحه لبرهة قبل أن يعود لجموده من جديد.. يعلم أن إبن عمه فاسد وطائش لكن لم يكن متوقع أن الحال وصل بهِ لذلك.. هل غرق بمستنقع القذارة بالفعل وذهب دون عودة..! لكن هل يمكن أنها تكذب عليه لتشويه صورة إبن عمها أمامه..! أيصدقها مرة أخرى وماذا سيناله هذه المرة..! توحشت نظراته وهو يهمس قائلًا:- وأنا إيه اللي هيخليني أصدقك.." رامز " مش محتاج عشان يسرق أو يتحرش بواحدة..!
ودون أن تتحكم بنفسها أرتسمت أبتسامة مريرة على شفتيها قائلة:- وعمرك ما هتصدقني عشان أنت عاوز متصدقنيش.. بس لو فاكر إن عيلتك غلابة تبقا أهبل..
=أحترمي نفسك..!
تأففت قائلة وهي تُشيح بوجهها بعيدًا عنه:- أنا قولتلك اللي عندي وعايز تصدق أو لا براحتك.. المهم دلوقتي تسيبني أمشي لأنك عارف إنك مش هتقدر تحبسني هنا كتير.. ساعتين زمن كمان والبلد هتتقلب عليا وأنت عارف اللي هيحصل بعدها..
جز على أسنانه قائلًا بشراسة:- إنتِ بتهدديني..!
تأففت للمرة التي لا تعلم عددها ولم تُجيب.. تنظر نحو كل شيءٍ عداه وتنتظر بصبرٍ لا تملكه حقًا أن تنتهي نوبة غضبه بسلام لترحل من هنا.. لكن ما لم تتوقعه ثورته المُفاجئة حيثُ بدأ في تحطيم كل شيءٍ حوله.. كان المخزن يضُم عددًا من البضائع الخاصة بتجارة عائلته وبعض الخردوات الأخرى ولم يسلم شيءٍ من يده.. كان يُطيح بكل ما تلمسه يداه حتى أنها كادت أن تُصاب عدة مرات لكنها تتفادى الأصابة باللحظة الأخيرة.. توسعت حدقتيها بصدمة وهي ترى جنونه الذي تراه للمرة الأولى.. لم يكُن الجنون من طباعه.. لم تكُن الشراسة من صفاته.. كان هاديء.. عاقل.. رزين.. لكن من يقف أمامها الأن ليس " عاصي " الذي تعرفه بل شخصٍ أكثر وكأنهُ خرج من كتاب تاريخ تحدث عن همجية الإنسان البدائي..
وقف أمامها بهيئته المُشعثة المُخيفة ثُم سقط على رُكبتيه أرضٍ ليُصبح في مستواها.. رفع كفيه ببطءٍ بجروحهما وآثار دمائه تلوثهما ليُحيط وجهها النظيف بهما.. تلوث وجهها بفعل يداه لكنها لم تنطق بحرفٍ حتى لا تُثير جنونه مجددًا وتركته يفعل ما يشاء.. حدقتيه غارقتين في بركتين من الدماء.. مشتعلتين بنيران غضبه الذي يبتلعها منذُ سنواتٍ والأن حان الوقت للتنفيث عن تلك النيران لتحرق الجميع.. وهــي أول المُــحــتــرقــيــن..
همس قائلًا بنبرة خافتة مُخيفة لكن ليس لها وهو يتأكد بأن لا تبتعد بحدقتيها عن خاصتيه وهي لم تكُن ستفعل:- وحياة الحُب اللي كُنت بحبه ليکِ.. ووحياة كُرهي ليکِ دلوقتي لهحرقك بناري ومفيش حد هيتجرأ ويطفيکِ.. يا.. يا خــايــنــة..
الوغد.. أينعتها بالخائنة أيضًا.. لماذا يرتدي ثوب الملاك وهو الشيطان بذاته.. حتى أن الشيطان يخجل من أفعاله.. وإذا كان هو نارًا حارقة فهي خُلقت من الرماد.. إذا كان هو يحترق الأن فهي قد أحترقت بالفعل من قبل وعادت من جديد من رمادها.. اشتعلت حدقتيها بشراستها المعهودة وبلحظة كانت تُطلق صيحة كصيحات الجنود وقت الحروب قديمٍ ثُم عادت برأسها عدة إنشات إلى الخلف لترتد مُجددًا وتصطدم برأسه بقوة جعلتها تتألم ويتألم هو أيضًا لكنها هدرت بعصبية قائلة:- خرجني من هنا حالًا...
-------------------------------
خُلقت حواء للدلال والرجال للشقاء لكن بقصة أُخرى لم تُخلق تلك الحواء للدلال بل خُلقت لحمل الهموم والأحمال.. ليست كل حواء تتدلل.. هناك الكثيرات من خُلقن لتحمُل المسؤوليات خاصةٍ إذا كانت حواء وحيدة أتت لهذه الحياة نتيجة لزواج فاشل بين أبٍ سكير وأمٍ راقصة بملهى ليلي.. أصبحت الخطأ والخطيئة وبمُجتمع لا يرحم أرادت الذئاب البشرية أن تنهشها فأرتدت ثوب الرجال قبل أن تلمح حتى ثوب الأنوثة..
دلفت إلى منزلها الصغير البسيط بخطواتٍ بطيئة مُرهقة تُعبر عن مدى تعبها اليوم.. كل عظمة بجسدها تأن وجعٍ فهي تعمل منذُ الساعة السادسة صباحٍ حتى الثانية عشر منتصف الليل.. لا تعود إلى منزلها قبل ذلك الوقت.. تعمل سائقة لإحدى وسائل المواصلات السريعة " التوك توك ".. ولكي تستطيع الصرف على نفسها وعلى والدها " إجبارًا " تعمل كل تلك الساعات الطويلة حتى تصرخ عظام جسدها تعبٍ فتعود إلى منزلها بالكاد تستطيع أكل لُقيمات صغيرة تسد جوعها وتنام سريعٍ لتستيقظ في اليوم التالي تُعيد نفس ذات الروتين..
القت بنفسها على الأريكة المُتهالكة وهي تتأوه قائلة:- آآه ياني ياما.. ياعضمك يا رضا.
=مال عضم الاسطا " فلك " بعد الشر..!
كانت على وشك أن تُغمض عينيها لترتاح قليلًا من عناء اليوم عندما وصل إليها سبب مجيئها إلى الحياة وسبب شقائها بها أيضًا.. والدها سبب كل كارثة تحدُث بحياتها.. أجابت قائلة بتهكم دون أن تفتح عينيها أو حتى تعتدل:- أبدًا كنت في الچيم بمرن إيدي شوية، أنت عارف بقا إيدي ناعمة ومش واخدة على الشقى.
زفر " صالح " بضيق قائلًا بنبرة خشنة:- أوووف، أهو لسانك دة اللي جايبلك الكافية ياختي، يلا قومي حضري لُقمة ناكلها، أنا مأكلتش من الصبح.
انتفضت من جلستها لتهب واقفة قائلة بعصبية وعينيها الزيتونية تلتمع بشرارة الغضب:- قصدك إنك معملتش أكل، هو أحنا مش متفقين أنا اصرف وأنت تطبخ..!
جلس " صالح "على مقعد متهالك على مقربة منها ثُم اخرج سيجارة من جيب قميصه المُهتريء قائلًا ببرود وهو يُشعلها:- واطبخ ليه وأنا مخلف بغلة زيك، ولا إنتِ على إيديك نقش الحنة يا ست " فلك "..!
هدرت قائلة بجنون:- لا على إيدي شقى ومرار طافح، بطفح الكوتة من 6 الصُبح لنص الليل وفي الأخر برجع بيتي بدل ما الاقي لُقمة اسد جوعي بيها لا لسة كمان ورايا شقى تاني، لحد امتى بقا يابا..؟
نظر إليها والدها شزرًا قائلًا بغضب:- إنتِ بتعلي صوتك على أبوكِ يابت..!
لم يكُن غضبها أقل من غضبه حيثُ هدرت قائلة بنبرة عالية غاضبة:- مش لما تبقا أب الأول، أنا خلاص طهقت من العيشة دي وأنت عمال تعصُر فيا بس أنا جبت أخرى ها..!
أبتسم بسخرية قائلًا بالامُبالاة:- ما إنتِ اللي خايبة، ومضيعة عمرك في الشقى بدل ما تحاولي توقعي أي واحد من كُبارات البلد ولا حد من عيالهم في حُبك ويتجوزك، يمكن ينشلوني وينشلوكِ من الفقر دة..!
تحول الغضب إلى صدمة احتلت وجهها ثُم اخفضت رأسها قليلًا إلى الأسفل تتأمل نفسها بعدم استيعاب بداية من جسدها الضئيل النحيف المُفتقد لمعالم الأنوثة التي تُعتبر من أهم عوامل جذب الرجُل للمرأة ثُم ملابسها الرجولية الواسعة التي تبتلعها بداخلها حتى لا تُجذب رجُلًا من أصحاب النفوس المريضة انتهاءًا ببشرتها الباهتة التي أكتسبت سُمرة بفعل تعرضها لحرارة الشمس لساعاتٍ طوال تدور بالشوارع ولن ننسى غطاء رأسها الدائم الذي يخفي خصلاتها البُنية المائلة للشُقرة.. رفعت أنظارها لهُ قائلة ببلاهة:- واحد يوقع في حُبي أنا.. يابا أنت شايفني ولا بتتكلم عن حد تاني..!
نظر إليها بسخرية يشوبها الضيق ولم يُجيب بينما هي تجدد غضبها أقوى من ذي قبل.. هدرت قائلة بعصبية وهي تتوجه إلى غرفتها بخطواتٍ سريعة:- طب أنا مش عايزة أطفح وأنت صرف نفسك بقا.
وقبل أن تُغلق باب غرفتها لمحته ينتفض ويركض بأتجاهها فأغلقت الباب سريعٍ بالمفتاح ثُم قامت بتحريك خزانتها المتوسطة الحجم نحو الباب حتى لا يُحاول كسره..
صدح صوت والدها مُجلجلًا بالأجواء وهو يصرخ بها لكي تخرج وتُعِد الطعام وتُعطيه نقودًا أيضًا.. هتفت هي من الداخل قائلة بتشفي:- ولا في أكل ولا في فلوس، وروح للصيع اللي بتضيع شقايا وتعبي عليهم وعلى مزاجك وخليهم يأكلوك.. وبالمرة لو حد عايز يتبناك يبقا عمل فيا خدمة مش هنسهاله عمري كله.
سمعت صوته يسُب ويلعن بها لكنها لم تهتز بل استلقت على فراشها براحة تتمنى لو تحصل عليها بتلك اللحظة.. وبعد مرور ما يُقارب النصف ساعة سمعت صوت والدها وهو يتوعدها غدًا بعقاب قاسي ثُم رحل لتتنفس الصعداء أخيرًا..
كانت ستغفو لكن صوت صراخ معدتها التي تُطالبها بالقليل من الطعام بعد يومٍ شاق جعلها تستيقظ.. نهضت من مكانها ثُم تحركت بأتجاه رُكن بزاوية الغرفة لتجد مقعد متوسط الحجم عليه الكثير من الأغراض العشوائية.. قامت بتحريك المقعد ليلتصق بالخزانة وتظهر تلك الثلاجة القديمة صغيرة الحجم.. أبتسمت " فلك " بسعادة وهي تفتحها وتنظر إلى ذلك الطبق الكرتوني الذي يحتوي على عدة قطع من الدجاج المُقرمش وأسفلهم كمية جيدة من الأرز بالكاري الشهي بلونه الأصفر وبعُلبة أخرى متوسطة الحجم بجانبه سلطة الكلو سلو اللذيذة.. التقطت طعامها مع عبوة من الصودا وتوجهت نحو فراشها بسعادة وحماس.. هتفت " فلك " قائلة بأبتسامة واسعة:- أنتوا عايزين تتسخنوا بس والله ما قادرة، ولسة كمان هزوق الدولاب، وعلى إيه يعني ما الناس قبل اختراع البوتجاز كانوا عايشين زي الفُل، إحنا بس اللي التكنولوچيا جابتنا ورا.
انقضت على الطعام تلتهمه بشراسة وجوع حتى أنتهت لتلتقط عبوة الصودا تفتحها لتُطلق صوتها المُعتاد.. وضعتها على فمها وتجرعت كمية لا بأس بها ثُم أنزلتها قائلة بإنتشاء:- طب والله حلوة، أحلى من البيبسي كمان اللي بيصنعها اللي ما يتسموش، أنا مش عارفة المُقاطعة دي ليه مجاتش من زمان.
بعد الأنتهاء من طعامها وشرابها القت بعلب الطعام بجانب الفراش وتمددت عليه وهي تأن براحة ودلال لتغفو بمكانها بملابسها وأبتسامة واسعة تُزين شفتيها....
-------------------------------
الحقير؛ لقد أطلق سراحها أخيرًا بعد مُعاناة وهذا ما كانت تتوقعه لكن ما كان مُفاجيءٍ لها بحق هو أطلاق سراحها بالعراء.. هكذا أمر رجاله بتركها بأي مكانٍ دون أن يهتم بسلامتها.. تركوها وحيدة.. مُتعبة.. تسير بمُفردها في صحراء مُظلمة دون سلاح حتى.. كانت نيران غضبها تُشعل قلبها بالحقد نحوه.. ألم يكفيه عذاب قلبها سابقًا ليُعيد الكرة مرة أخرى.. رُغم جمود ملامحها إلا أنها بالفعل مُتعبة جدًا وتتمنى لو تنعم بفراشها الأن.. تتمنى لو كان هُناك من أخفى أمر غيابها عن المنزل كل تلك الساعات فقط تتمنى.. وأخيرًا بدأت أضواء المدينة تلوح أمامها.. وصلت إلى أقرب منطقة حية وأشارت إلى أول سيارة أجرى قابلتها.. بعد مرور أقل من نصف ساعة كانت تتوقف السيارة أمام منزل " مُختار العفريت ".. أعطت السائق نقوده وحمدت ربها أن الوغد ورجاله لم يسلبوها أموالها أيضًا.. ماذا كانت تتوقع من أبناء " السُليماني"..!
كان منزل " مُختار العفريت " عِبارة عن بناية بها عددًا من الطوابق تضُم شُقق أبنائه وأحفاده بينما الطابق الأرضي كان عِبارة عن صالة كبيرة لا تحتوي على غُرف منفصلة بل فقط مطبخ متوسط وحمام.. قام جدها بإعداد تلك الشقة بذلك التصميم من أجل تجمعاتهم سويًا يوميًا.. وحول المنزل حديقة واسعة تحتوي على أفضل الزهور وذلك بفضل أعتناء " رجوى وبتول " بها.. ويُحيط المنزل سور متوسط الطول وبوابة حديدية كبيرة.. فتحت البوابة بهدوء وهي تتمنى من كُل قلبها ألا يُقابلها أحد من العائلة الأن فهي ليست في حاجة إلى التبرير أو الصراخ في تلك اللحظة.. لم يكُن الحظ يُحالفها حيثُ اصطدمت بإبن خالتها الصغرى " مالك " أمامها يجلس بالحديقة ويقرأ كتابًا كعاداته.. كان صبي بالرابعة عشر من العُمر يتسم بالذكاء والرزانة رُغم صِغر سنه..
رفع " مالك " أنظاره نحوها ليراها تقف أمامه بهيئتها المُزرية.. ترك كتابه وخلع نظارته الطبية وأشار لها بالتقدُم فلبت طلبه بهدوء.. وصلت إليه وجلست على المقعد بجانبه لتطلق تأوه متوجعٍ حينها تحدث الصبي قائلًا بتساؤل:- إيه اللي عمل فيكِ كدة يا " ليال "..؟!
أجابت على سؤاله بسؤال قائلة:- قولي الأول في حد لاحظ غيابي كل الوقت دة..؟
نفى برأسه قائلًا برزانة:- لأ؛ معتقدش إن دة حصل، يعني الدنيا مولعتش والأجواء هادية النهاردة على غير المتوقع في عيلتنا.
أبتسمت" ليال " بخفة رُغم تعبها ولم تُعلق بينما " مالك " أعاد سؤاله قائلًا:- كنتِ فين وإيه اللي حصل..؟
نظرت أمامها بشرود قائلة:- عربيتي عطلت وكنت في مكان بعيد شوية مفيهوش شبكة، ولما تعبت سيبتها مكانها وجيت.
نظر إليها الصبي بعدم تصديق ثُم هتف قائلًا بهدوء:- بالرغم إني مش مصدق بس مش هضغط عليكِ، يلا قومي أطلعي شقتك قبل ما حد تاني يجي ويشوفك.
أبتسمت وهي تنظر إليه بفخرٍ قائلة:- عارف يا " مالك " إن بالرغم من سنك الصُغير بس أنا بحبك وبحسك أعقل واحد في باقي العصابة.
أبتسم الصبي بحُبٍ قائلًا:- وأنا كمان بحبك.
عاد ليلتقط كتابه من جديد فهتفت " ليال " وهي تنهض قائلة:- أنا هطلع بقا وأنت لو عوزت أي حاجة أبعت حد من الحُراس وأوعى تطلع برة البيت.
اومأ لها الصبي وصعدت هي إلى شقتها التي تعيش بها برفقة والديها وشقيقتيها " شهد ورجوى ".. وكأن الحظ السيء تحالف معها اليوم وقرر ألا يتركها.. فور أن دلفت إلى شقتها تفاجأت بوالدتها تقف بوجهها.. تنظر إليها بصدمة يشوبها قلقها عليها.. اقتربت منها قائلة برُعبٍ وهي تتحسس وجهها:- كُنتِ فين كل دة وإيه اللي عامل فيكِ كدة..؟!
أجابت" ليال " بهدوء قائلة:- عربيتي عطلت في مكان مفيهوش شبكة وكنت بعيد شوية، ولما تعبت سيبتها وجيت.
نفس الكذبة وكما لم يُصدقها الطفل الصغير لم تُصدقها الأُم أيضًا.. هتفت السيدة " لطيفة " بعتاب وقهرٍ قائلة:- بتكذبي على أمك ليه يا " ليال "، ليه بقيتي بعيد عني كدة يابنتي، دة أنا أمك يعني محدش هيحبك ويخاف عليكِ قدي.
نظرت إليها أبنتها بحُزنٍ لكنها لم تتحمل فأشاحت بوجهها بعيدًا عنها.. حينها زفرت والدتها بتعب واقتربت منها ثُم أحاطت وجهها بكفيها لتجعلها تنظر إليها قائلة بنبرة حنونة:- أنا أسفة على اللي حصل الصُبح، أنا بس خوفت عليكِ، خوفت ترجعي تدخلي في الدوامة دي تاني وأنا ما صدقت طلعتي منها.
آه يا أُمي ماذا أُخبرك..! أخبرِك بأنني عُدت إلى تلك الدوامة اللعينة من جديد أم بأنني لم أخرُج منها بالأصل..؟!
ربتت على كف والدتها ثُم هتفت قائلة بهدوء:- أنا مش زعلانة، مقدرش أزعل منك وصدقيني أنا كويسة، لو فيا حاجة أكيد هحكيلك.
كانت تعلم أن إبنتها تكذب عليها لكن لم تشأ الضغط عليها الأن لذلك تنهدت قائلة بحنان:- طيب يلا أدخلي خُدي دُش والبسي حاجة مُريحة وأنا هحضرلك لُقمة سُخنة تاكليها.
كادت أن تعترض لكن والدتها هتفت بحزمٍ قائلة:- مفيش أعتراض أنا متأكدة إنك مأكلتيش حاجة من الصبح، يلا روحي وأنا هجيب الأكل وأجيلك أوضتك.
واستسلمت " ليال " لحديثها.. استسلمت كما أصبحت تستلم لكُل شيء وأيّ شيء.. تعيش تلك الحالة منذُ فترة طويلة ولا تعلم متى ستستيقظ منها..!!
----------------------------------
كم من مرةً زين لكَ الشيطان أفعالك.. كم من مرةً القى بكَ في تهلُكة الحياة بعد أن وعدكَ بالكثير..! أتعلم أن باللحظة التي يعدك بها الشيطان بنعيم الجنة لا ينتظرك إلا لهيب النار..!
بمكانٍ أشبه بالحانة لكنهُ اسوأ وأكثر قذارة يجلس " صالح " الذي لم يمتلك من إسمه شيءٍ فهو عكسه تمامٍ.. كان يشرب الخمور ويتجرعها دون حساب.. ينظر إلى من حوله بتشوش والجميع يسخر منهُ بتلك اللحظة.. فهو يجلس على طاولة اللعب منذُ أكثر من أربع ساعات وكل ما يفعله هو الخسارة.. خسر الكثير من الأموال حتى بدأ يستدين مِن مَن حوله.. وبعد خسارته بالجولة الأخيرة هتف الفائز قائلًا بنبرة عالية وضحكة مُتشفية:- تعيش وتاخد غيرها يا أبو الصُلح.
صدحت ضحكات الرجال بالمكان بينما زفر " صالح " قائلًا بضيق:- مكنتش ليلة يعني اللي حظي مش حلو فيها، هتعملوها حكاية ولا إيه..؟
عادت ضحكات الرجال من جديد بينما هو احتقن وجهه بالغضب.. وزادت نقمته على " فلك " فهي من عكرت مزاجه الليلة ولم يستطيع التركيز في اللعب بسببها.. توعدها بداخله وأقسم على تربيتها من جديد..
---------------------------------
مرت الليلة سريعة على البعض وبطيئة على البعض الأخر.. وكالمُعتاد بدورة الحياة.. ولأن لكُل بداية نهاية.. انتهى الليل بظلامه الحالك وحل النهار بنورِه الوهاج.. تلألأت أشعة الشمس وشكلت السُّحب الهشة منظرًا بديعٍ بالسماء.. على الرُغمِ من أنهُ الشتاء لكن اليوم كان مُشمس دافيء وكأن الشمس أرادت بدفئها مُصالحة من يحتل الحُزن قلبه.. استيقظت " بتول " باكرًا كالمُعتاد منها.. تمطأت بفراشها بدلال ثُم بدأت تفتح عينيها العسليتين لتتطلع حولها بسكون للحظات قبل أن تعتدل بنومتها وتُزح غطاءها لتنهض من على الفراش.. جلست نصف جلسة وساقيها يتدليان أرضٍ وسحبت مشبك للشعر من على الكومود بجانب فراشها ثُم بدأت في جمع خصلات شعرها السوداء المائلة للبُني سريعٍ في كعكة ضخمة عالية.. نهضت من على فراشها ثُم توجهت إلى المرحاض المُلحق بغرفتها لتبدأ يومها المُعتاد.. خرجت من المرحاض ثُم بدأت في ترتيب فراشها وغُرفتها وبعد أن أنتهت خرجت من غُرفتها متوجهة إلى غُرفة شقيقها الأصغر " عبدالرحمن ".. وبطريقها قابلت والدها السيد " مِنعم " يجلس بالشُرفة الكبيرة يقرأ آيات الذِكر الحكيم.. اقتربت منه ثُم انحت لتطبع قبلة على وجنته قائلة بمرح:- صباح الفُل يا حجوج.
ضحك والدها قائلًا ببشاشة:- صباح الفُل ياقلب الحجوج، ها نمتي كويس.
التفت " بتول " لتقف أمامه قائلة:- بصراحة مش أوي، كنت سهرانة على كتاب مُهم ونمت متأخر بس صاحية حاسة بنشاط الحمد لله.
=طب الحمد لله، يلا صحي أخوكِ عشان ننزل لجدك.
اومأت لهُ وتوجهت نحو عرفة شقيقها الأصغر.. كان صبي يبلغ من العُمر الرابعة عشر.. بنفس عُمر " مالك " إلا أن الأخير يُكبره بعدة أيام.. لقد حملت بهِ خالتهم الصغرى بعد زواجها بفترة صغيرة ولحقت بها والدة " بتول " بعدة أيام.. حيثُ انتشر خبر حمل الشقيقتين بالبلدة بأكملها.. وبعد عدة سنوات قليلة من ولادة " عبدالرحمن " توفت والدتها ولم يتزوج والدها مرة أخرى حتى الأن.. فتحت الغُرفة لتتفاجأ بكم الفوضى بها.. جزت على أسنانها بغيظ واقتربت بهدوء من فراش شقيقها قائلة بنبرة عالية بعض الشيء:- " عبدالرحمن " يلا قوم.
لم يُجيبها الصبي لتُعيد النداء مرارًا وتكرارًا حتى هدر هو قائلًا بعصبية:- يا " بتول " سبيني عايزة أنام.
=مفيش نوم قوم يلا عشان ننزل لجدك.
هتف الصبس قائلًا بنزقٍ:- يابنتي أنا في أجازة، أُمال هما سموها أجازة ليه مش عشان الواحد ينام فيها براحته.
ضحكت شقيقته قائلة:- لا سموها أجازة عشان تصحى فيها بدري وتنزل تقعد مع جدك.
لكزها في ذراعها قائلًا بضيق:- دمك تقيل، يلا أمشي.
هتفت " بتول " بضجر قائلة:- قدامك رُبع ساعة تجهز نفسك فيها ورُبع ساعة تانية تنضف أوضتك اللي شبه الزريبة دي وإلا أُقسم بالله هقول لـ " ليال " أو لـ " زين " على عمايلك دي، عشان أنا عارفة إن بابا مدلعك يا حيلة ومش هيرضا يزعلك.
خرجت من الغُرفة فور أن أنتهت من حديثها بينما الصبي اعتدل بجلسته وهو يفرك خصلات شعره السوداء قائلًا بجنون:- طب والله لأخلص تعليمي وأهاجر وأسيب البلد وشوفي بقا هتصحيني إزاي يا " بتول ".
-----------------------------
الحُب هو سلاح ذو حدين.. الحُب هو الفخ الأكثر سذاجة الذي يقع فيه الكثير.. حتى وإن أحببت لا تأمن.. إن أحببت أعلم أن هناك الكثير ستدفعه ثمنٍ لهذا الحُب.. قد تكون الكرامة أولًا..
خرجت " بتول " من شقتها ونزلت على الدرج وهي تعبث بهاتفها تبحث عن إسم كتابٍ تحتاجه ببحثٍ جديدًا لها.. أثناء نزولها توقفت أمام شقة خالتها السيدة " سمر ".. دقت جرس المنزل لتفتح لها الأخيرة قائلة ببشاشة:- يا صباح الجمال يا " بتول ".
أبتسمت" بتول " قائلة بهدوء:- صباح النور يا خالتو، لسة منزلتيش لغاية دلوقتي.
أجابت خالتها قائلة وهي تفسح لها المجال لتدلف إلى الشقة:- أيوة هنزل أهو بس أنا بصحي " كريم " ومش راضي يصحى وخايفة أنزل وأسيبه ويكمل نوم، وإنتِ عارفة جدك شرط أساسي عنده نتجمع كلنا على الفطار.
انتفض قلبها الصغير بعشقٍ فور أن استمعت إلى إسم معشوقها.. معشوق لا يدري عن عشقها شيءٍ لأنه ببساطة لا يراها.. " كريم " ذاك الشاب العابث الشقي الذي لا تنفك تسمع عن علاقاته العاطفية ومُغامراته بالبلد بأكملها.. تسمع ويتمزق قلبها بلا شفقة أو رحمة.. لكن ما باليد حيلة..
أخرجتها من شرودها صوت خالتها التي هتفت قائلة برجاء:- بقولك إيه يا " بيتو " أنا لازم أنزل عشان أساعد " لطيفة " و " حنان " في الأكل وإنتِ أدخلي حاولي مع " كريم " يمكن يصحى ولو مصحاش هو حر بقا يتحمل غضب جده.
توسعت نظراتها بصدمة من طلب خالتها وقبل أن ترفض كانت الأخيرة ترحل وتتركها.. هكذا وحيدة بالشقة معه..
أرادت أن تهرب من هذا الموقف ولا تهتم إن كان استيقظ أم لا لكن لم يُطاوعها قلبها العاشق لهُ أن تتركه يتعرض لتوبيخ جدها.. لذلك توجهت إلى غرفته بقلبٍ يخفق بجنون بين أضلعها.. توقفت أمام الباب ثُم القت نظرة سريعة على ثيابها.. فقد كانت ترتدي بنطال من الچينز الواسع " بوي فريند " وتيشرت من الصوف باللون الأبيض.. يعلوه سُترة جلدية سوداء.. بينما خصلات شعرها كانت كما هي منذُ الصباح " كعكة ضخمة وعالية " وجهها خالي تمامٍ من مساحيق التجميل.. تنفست بعُمقٍ ثُم هتفت بنبرة عالية وهي تطرق الباب:- " كريم " يلا اصحى، خالتو بتقولك اصحى.
لم يُجيبها مما جعلها تُكرر النداء عدة مرات دون جدوى.. حينها تشجعت وفتحت باب الغُرفة ودلفت وهي تهتف قائلة بنبرة عالية:- " كريم " بقولك اصحى.
شهقت بصدمة عندما رأته مُمدد بفراشه عاري الصدر يرتدي شورت قصير فقط.. اشاحت بوجهها بعيدًا عنه قائلة بغيظ:- صحيح عديم الإحساس.
اقتربت من الفراش وهي تتعمد ألا تنظر إليه وهي تهدر قائلة:- يا " كريم " اصحى بقا.
أخيرًا استيقظ " كريم " من سباته.. كان شابٍ بالثالثة وعشرون من العُمر.. طويل.. بجسد رياضي وشعر بني مائل للشُقرة وبشرة قمحية اكتسبها بفعل حرارة الشمس نظرًا لأنه دائم السفر مع اصدقائه.. فتح عينيه لتقع نظراته عليها.. يراها تتجنب النظر إليه.. انتفض من نومته ثُم وقف أمامها هادرًا بغضب:- إنتِ بتعملي إيه في أوضتي، أنا قايل لأمي محدش يدخل أوضتي، إنتِ بالذات متدخليهاش أبدًا.
نظرت إليه بصدمة بالغة قائلة:- إيه الطريقة اللي بتكلمني بيها دي، خالتو اللي قالتلي اصحيك وهي نزلت في إيه..!
تحولت ملامحه إلى أكثر غضبٍ وشراسة ثُم صاح قائلًا:- وإنتِ طبعًا ما صدقتي..؟
ألم قلبها بتلك اللحظة يفوق الوصف لكنها تحاملت على نفسها وهدرت قائلة بسخرية:- حيلك حيلك، وأنا ما هصدق أدخل أوضتك ليه يعني..!
قابل سُخريتها بأبتسامة خبيثة قائلًا:- فكراني مش عارف اللي جواكِ، ولا عارف إنتِ بترسمي على إيه..!
تواثبت ضربات قلبها برعبٍ وتوسعت نظراتها بوجلٍ ثُم همست قائلة بخفوت:- قصدك إيه..؟
جز على أسنانه قائلًا بغيظ:- قصدي إني واخد بالي أوي من نظراتك ليا وحُبك الأهبل دة بس ريحي نفسك عشان أنا عُمري ما هحبك، أنا مش هدبس في حتة عيلة من العيلة دي، أنا هسافر ومش هرجع تاني، وإنتِ أخر واحدة ممكن أفكر فيها إنها تشاركني حياتي.
لا تعلم هل الأرض تدور بها وهي ثابتة فوقها أم أنها هي التي تدور.. قلبها يؤلمها.. عينيها تحرقانها من قسوة دموعها التي تحبسهم بداخلها.. شحبت ملامح وجهها وهي تتطلع بملامحه.. ملامح كانت تُحبها قبل دقائق والأن... لا تعلم ولكنها تحتاج أن تبتعد عنهُ قبل أن تفعل أو تقول شيءٍ تندم عليه لاحقًا..
التفتت لترحل وقبل أن تخرج من الغُرفة شعرت بهِ يسحبها من معصمها لتصطدم بصدره الصلب ثُم القاها نحو الجدار خلفها بقوة جعلتها تُطلق تأوه ضعيف.. حاصرها بجسده بينه وبين الحائط ثُم نظر إليها بسخرية قائلًا:- إيه يا " بيتو " هتجري تعيطي وتحبسي نفسك في اوضتك زي العيال.
هتفت قائلة دون أن تنظر لهُ:- لو سمحت سيبني أمشي.
تطلع نحوها يتأملها برماديتيه بنظراتٍ غامضة ثُم ابتعد خطوتين فقط إلى الخلف.. وكأنها سجينٍ وجاء يوم الإفراج عنهُ.. ركضت سريعًا خارج الشقة متوجهة نحو شقتها فهي لن تستطيع بتلك الحالة أن ترى أحد..........
---------------------يُتبع------------