أخر الاخبار

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل الحادي عشر

العفاريت 

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل الحادي عشر


 رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل الحادي عشر     *ظـهـور المـجـهـول*


أشرقت أشعة شمس يوم جديد على الجميع.. أسدلت الشمس ثوبها البرتقالي الوهاج وأرتدت تاج الضياء لتنشر أشعتها الدافئة بيوم مُشمس بفصل الشتاء القارص.. أستيقظت السيدة " نجوى " في الصباح الباكر لتبدأ يومها كالمُعتاد.. وأول ما فعلته هو ذهابها إلى غرفة " حبيبة " لتطمئن عليها.. فهي لم تراها بعد عودتها ليلة أمس.. فبعد خروجها توجهت السيدة " نجوى " إلى غرفتها لتأخذ علاجها والذي يُسقطها غارقة في النوم حتى الصباح التالي.. ولا تستيقظ خلال الليل أبدًا حتى لو هُدِمت البناية فوق روؤس الجميع.. 


فتحت باب الغرفة وهي تُصيح قائلة:- يلا يا " حبيبة " عشان متتأخريش على الجامعة. 


وقعت عينيها على الغُرفة الهادئة الساكنة وكأن صاحبتها لم تنم ليلتها بها.. كان الفراش مُرتب كما هو.. كما أن حقيبة أبنتها ومحفظتها هُنا أيضًا.. انقبض قلب الأُم قلقٍ على فلذة كبدها.. وسريعًا ركضت نحو غرفتها لتلتقط هاتفها وتضغط على عدة أرقام كما علمتها " حبيبة " سابقًا.. وأنتظرت أن يأتيها الرد لكنها تفاجأت بهاتف أبنتها بداخل غرفتها.. لا تعلم هل حبيبة عادت واضطررت إلى الخروج مرة أخرى لكنها نسيت هاتفها أم إنها لم تأخذه معها عند خروجها بالأساس.. إذًا " حبيبة " لم تعود إلى المنزل.. 


عند هذا الأحتمال أنهارت السيدة " نجوى " تبكي وتصرخ بهلعٍ غير مصدقة أنها من المُمكن أن تكون قد فقدت أبنتها.. صدح صوت طرقات على باب المنزل مما دفعها لفتح الباب عسى أن تكون هي.. لكنها تفاجأت بجارتها الحاجة " أُم إبراهيم " التي بمجرد أن دلفت صاحت قائلة بقلقٍ:- خير يا " نجوى " بتصرخي كدة ليه.؟ 


هدرت السيدة " نجوى " قائلة بهلعٍ:- " حبيبة " مرجعتش البيت من إمبارح يا " أم إبراهيم "، البت منامتش في أوضتها ومعرفش راحت فين. 


شهقت الجارة قائلة:- يعني إيه الكلام دة يا " نجوى " وإنتِ إزاي ساكتة من إمبارح ومنطقتيش.؟ 


=أنا وهي شدينا مع بعض إمبارح، كانت الساعة باين 10 بالليل وبعدها هي خرجت قالتلي هتمشى شوية وأنا أخدت علاجي وإنتِ عارفاه بينيمني زي القتيلة مش بحس بحاجة، ولما صحيت دلوقتي ملاقيتهاش وتليفونها هنا وكل حاجتها، البت مرجعتش البيت من إمبارح. 


هتفت بأخر جملتها بصراخ وبكاء هيستيري مما جعل بعض الجارات ينضممن إلى منزلها لفهم ما حدث.. منهن المُشفقة.. ومنهن الحائرة.. وبالتأكيد منهن الشامتة.. لم تنتبه السيدة " نجوى " إلى غمزات وهمزات بعض النسوة وتشاورهُن فيما بينهن بأن الفتاة قد هربت وتركت والدتها.. 


مرت ساعة وأخرى و " حبيبة " لم تظهر بعد.. مما جعل والدتها تنتفض من جلستها والنسوة من حولها ثُم ركضت نحو غرفتها لترتدي عباءتها السوداء الواسعة وحجابها المُماثل ثُم ركضت خارج المنزل ووجهتها قسم الشرطة لتقديم بلاغ... 


--------------------------------


يأتي الإعجاب على مراحل.. إما الحُب يصطدم بكَ مرة واحدة بلا مُقدمات.. 


" دار عائلة آل سُليماني "


أستيقظت جميع العائلة وأجتمعوا حول مائدة الطعام.. الصمت هو رفيق الجميع الدائم حتى قرر الجد قطعه قائلًا بتساؤل جاد:- وأنت أجازتك كام يوم يا " جواد ".؟ 


أجاب " جواد " بهدوء قائلًا:- 20 يوم يا جدي، فات منهم بتاع أسبوع أهو. 


تنهد الجد بتعب قائلًا:- ومش ناوي تسيبك من الشغل دة وتنزل تمسك شغل الشركة مع ولاد أعمامك شوية.؟ 


أبتسم " جواد " قائلًا بنبرة رخيمة:- يا جدي حضرتك عارف أنا بحب شغلي قد إيه، وبعدين ما ولاد أعمامي رجالة أهو وشايلين الشغل ومبسوطين، وفي " چيداء " كمان معاهم، هي صحيح قربت تركب شنب بس أهو شغالة وماشي حالها. 


قهقه الجميع على دعابته بينما شقيقته كانت على وشك قتله.. لكنها أنتبهت على صوت جدها البشوش قائلًا بمهادنة:- متزعليش من الدبش أخوكِ ياروح جدك، هو بس بيهزر معاكِ، وبعدين ميعرفش إنتِ شايلة إيه الله يعينك. 


نظرت " چيداء:- إلى شقيقها بشر لكن نبرتها كانت حنونة وهي تتوجه بحديثها إلى جدها قائلة:- والله يا جدي أنت بس اللي فاهمني وبتحبني في البيت دة. 


شهقت والدتها السيدة " فاطمة " والتي تبدوا نسخة كربونية عن أبنتها وهتفت قائلة بعتاب رقيق:- بقا كدة يا " چيداء "، يعني أنا وبابا مش بنحبك، دة أنا كنت هموت عليكِ لما دخلتي عليا البيت وإنتِ متكسرة كدة.! 


أنهت جُملتها ثُم بدأت في البُكاء من جديد وهي تتخيل أبنتها تصاب بحادث سير وتبقى وحيدة دون أن يعرف أحد منهم شيءٍ لأن أبنتها العنيدة رفضت إخبار أحد من العائلة وتولت الأمر بمفردها.. رفعت " چيداء " نظراتها نحو الأعلى بضجر من طفولية والدتها لكنها لم تستطع إلا أن تتحدث بحنو وهي تنظر إليها قائلة:- يا حبيبتي الحادثة كانت بسيطة أوي، وأنا محبتش أخوف حد منكم على الفاضي، وبعدين أنا بهزر بس وبنكش أبنك الرخم اللي كل شوية يضايقني. 


=مقبولة منك يا روحي. 


=أخرس خالص. 


كان المزاح بين الشقيقين شيءٍ يُبهج القلوب لكن بالطبع هُناك قلوب مُغلفة بالحقد.. ومُتشبعة بالكره.. كالسيدة " بهيجة " التي كانت تتطلع نحو الجميع بنظرات غير راضية.. حاقدة لكنها لم تملك إلا الصمت.. متأملة أن تكون هي الآمر الناهي بتلك العائلة بيومٍ ما.. 


تدخل " عاصي " في الحوار قائلًا بتساؤل:- وراك حاجة النهاردة يا " جواد ".؟ 


أجاب " جواد " قائلًا بهدوء:- أيوة، رايح مشوار لغاية القسم عشان معايا أمانة هوصلها لحد هناك، وبعدها هروح أشتري شوية حاجات ليا وهرجع. 


هتف " عاصي " قائلًا بهدوء:- هاجي معاك، عشان أنا كمان عايزك معايا في مشوار. 


عقد " جواد " حاجباه بعدم فهم لكنه لمح الغموض في نظرات ابن عمه لذلك أحترم خصوصيته ولم يتحدث.. 


------------------------------ 


" دار آل عفريت.. "



في منزل السيدة " حنان " وهي أصغر بنات " مختار العفريت " تبلغ من العُمر السابعة والثلاثين.. طويلة بيضاء البشرة بوجه مستدير.. امرأة كاملة الأنوثة.. كل اهتمامتها في الحياة تنصب على طفليها " مالك و طاهر ".. ترعاهما وتصُب كل اهتمامها عليهما.. فبعد سفر زوجها مع زوجيّ شقيقتيها أصبحت حياتها فارغة وهادئة.. حتى بدأ أطفالها يكبران ويملأن حياتها بالضحكات والمرح.. 


كانت تقف في المطبخ تقوم بجلي الأطباق غافلة عن الشيطان الصغير التي أنجبته.. وهو يقف خارج المطبخ في الردهة يحمل بين يديه الصغيرتين قارورة مسحوق غسيل الملابس السائل يعبث بها.. وبعد أن طفح الكيل قام بإفراغها بأكملها على الأرضية الناعمة.. ثُم دلف إلى غرفته وهو يزفر بضيق لشعوره بالملل في هذا المنزل الكبير.. 


خرجت السيدة " حنان"  من المطبخ وهي تقوم بتجفيف يدها في المنشفة متوجهة نحو غرفة أبنها الأكبر " مالك " لتوقظه حتى يذهب إلى مدرسته.. لم تنتبه إلى السائل الموجود على الأرض وبمجرد أن لامسته بقدميها حتى شعرت بالأرض تدور من أسفلها.. صرخت برُعب وهي تشعر بنفسها غير قادرة على التوازن ثُم سقطت أرضٍ وهي تئن بألم.. 


وضعت كفها على ظهرها وهي تعتدل بتروي وتئن وجعٍ لكن بمجرد أن وقعت نظراتها على المسحوق المهدور على الأرضية حتى اشتعل فتيل غضبها.. هو الوحيد الذي يُمكن أن يقوم بهذه الحركة.. 


صرخت السيدة " حنان " بغضب هادر قائلة:-  " طــاهــر ".!! 


كانت صرخة غاضبة أفزعت الطيور من على الأشجار.. استيقظ"  مالك " من نومته مفزوعٍ على صوت صراخ والدته فركض مسرعٍ نحو المطبخ.. بينما " طاهر " بعد أن أرتكب تلك الجريمة تناساها تمامًا وجلس على جهاز البلايستشين يلعب بلا هم لكنهُ انتفض على صرخة والدته هو الأخر وركض نحو مكان تواجدها.. 


وصلا الشقيقان سويًا بنفس اللحظة ليتفاجئا بمنظر والدتهما المزري.. هتف " مالك " بذهول وهو يقترب منها:- مين اللي عمل فيكِ كدة يا ماما.! 


=أوقف مكانك متقربش عشان متتزحلقش. 


كانت نظراتها الزاجرة موجهة نحو الشيطان الصغير الذي يقف أمامها يتطلع نحو ببراءة كأنه يسألها لماذا وقعتِ ببركتي ولم تسيري بطريق أخر.! 


خلعت خُفها المنزلي وقامت بإلقاءه عليه صارخة بغضب:- والله لهربيك من أول وجديد يا قليل الرباية. 


تفادى " طاهر " الخُف وصرخ برُعب وهو يراها تنجح بالنهوض وتبدأ في الركض نحوه لضربه بالتأكيد.. ركض الطفل بين أروقة المنزل وهو يستنجد بشقيقه الذي فشل في حمايته من بطش والدته.. حتى إنهُ تعرض لبعض الضربات الطائشة منها أثناء ذلك... 


-----------------------------------


ولــو كُــل الــكــلام أتــقــال..

عــيــنــيــكِ فــي غُــربــتــي مــوال..


بعض الأزهار الشتوية أنبتت في حديقة منزل " آل عفريت " رائحة الزهور الفواحة أخترقت حاسة الشم لدى " روان " التي استيقظت كعاداتها مبكرًا بعد أذان الفجر.. وبمجرد أن بدأت شمس الصباح بالشروق حتى بدأت تستعد لبداية يومها.. أنتهت من أرتداء ملابسها المكونة من بنطال من الميلتون الأسود وسويت شيرت ثقيل باللون الأبيض مع حذاء رياضي بنفس اللون.. تركت خصلات شعرها القصيرة حرة تحتضن وجهها وخرجت من غرفتها ثُم منها إلى خارج الشقة بأكملها في طريقها إلى الحديقة لتجمع بعض الأزهار.. 


وقفت " روان " أمام الورود تنتقي بعضها ولم تكن تشعر بمن يقف خلفها على بُعد عدة خطوات يتأملها بملامح غير مقروءة.. وفور أن أنتهت من مهمتها أبتسمت برضا.. وألتفتت لترحل لكنها تصنمت بمكانها وهي تتفاجأ بعينان بلون السماء الزرقاء تتفحصها بجدية بالغة.. لم يظهر عليها أية تعابير غير عادية بل قطعت الصمت قائلة بنبرة هادئة:- صباح الخير يا أستاذ " تيمور ". 


مرت دقيقة صمت قبل أن يُجيب قائلًا بنبرة رخيمة:- صباح الخير يا أنسة " روان ". 


في الحقيقة أن " روان " فاشلة في تكوين العلاقات.. أو فتح الموضوعات.. أو أشياءًا من هذا القبيل.. لذلك بعد إلقاء تحية الصباح لم تعرف بماذا يجب أن تتحدث مرة أخرى.. أو ترحل.. لكنها فكرت أن رحيلها ليس من الذوقيات خاصة وأن الرجل الذي أمامها ضيف بمنزلها.. كما أن لديه ظروفًا خاصة جدًا.. 


وكأنهُ أدرك حيرتها فرحمها قائلًا بنبرة عادية:- جميل الورد اللي إنتِ جمعتيه. 


نظرت إلى الطبق الخوصي المتوسط الحجم الذي بين يديها ثُم أبتسمت بهدوء قائلة وهي تُجيبه:- شكرًا. 


هكذا فقط " شكرًا " ولا تعرف بماذا تتحدث مرة أخرى.. لكنها لم تجد بد من الرحيل طالما أنها لن تتحدث مجددًا.. لذلك هتفت قائلة ببساطة:- هطلع أنا بقا، عن إذنك. 


رحلت قبل أن تسمع رده حتى بينما هو وقف يتأمل رحيلها الهاديء بغموض غريب.. وأخر صورة أتت إلى مخيلته.. صورتها وهي تمسك بسلاحٍ ما وتطلق رصاصتها على أشخاصٍ أخرين لا يعرف من هُم.. ومن بعدها سقط في غيبوبته الإجبارية فاقدًا الذاكرة وكل شيءٍ... 


---------------------------------


فتحت " روان " باب شقتها ودلفت إلى الداخل وهي تتأمل طبق الورود بأبتسامة مُعجبة.. لكن تلاشت أبتسامتها فور أن أُغلق الباب وتفاجأت بشقيقها " زين " يظهر أمامها من اللامكان بملامح متجهمة غير راضية.. عقدت حاجبيها بعدم فهم قائلة:- في إيه، مالك.! 


وبنفس التجهم هدر قائلًا:- كُنتِ بترغي معاه في إيه.! 



في البداية لم تستوعب " روان " مقصده.. نظرًا لأن الموقف بالنسبةٍ لها عابرًا تلقائيًا لا يحتاج أن تتذكره مرة أخرى.. لكن فور أن فهمت توسعت نظراتها بإدراك ثُم هدرت قائلة بتشنج:- هرغي معاه في إيه يعني، مجرد ضيف عندنا لاقيته في وشي بعد ما خلصت تجميع الورد، قولتله صباح الخير ورد عليا وخلصنا، هيكون في إيه يعني يا " زين ".! 


ولأن"  زين " ذكي ويفهم طبيعة شخصية شقيقته جيدًا.. ويدرك أنها لن تأتي بالعِناد.. كما أنهُ لا يتهمها بشيءٍ ما.. هو فقط قلق من وجود شخص غريب بمنزلهم.. لم يعتاد أن يترك الغرباء حوله أو حول عائلته.. خاصة إذا كان ذاك الغريب بلا هوية.. أو ماضي.. مجرد مجهول لا يعرف ماذا يضمر بداخله.. 


تبدلت ملامحه إلى أُخرى هادئة ثُم همس قائلًا بنبرة رزينة:- قبل ما تفكيرك يروح لحتة مش كويسة، أنا مش بتهمك بحاجة، أنا بس عايزك تفتكري دايمًا ومتنسيش إن دة مجرد راجل غريب عننا، مش بس غريب لأ دة مجهول كمان، أحنا منعرفش عنه حاجة ولا عن ماضيه، اللي أنا شبه متأكد إن لو عرفناه مش هيعجبنا. 


عقدت " روان " حاجبيها بحيرة وعلى الرُغم من قلقها هي أيضًا والذي ازداد بعد حديث شقيقها الأن إلا أنها تراه يبالغ قليلًا.. لذلك هتفت قائلة بتساؤل:- أنا معاك إننا لازم ناخد بالنا بس مش شايف إنك مأڤور أوي، يعني ممكن يكون مجرد شخص عادي وأتعرض للحادثة دي وخلاص.؟ 


أجابها قائلًا بنبرة ذات مغزى:- اللي إنتِ حكتيه يوم ما شوفتي الحادثة ميقولش إن دي مجرد حادثة سرقة عادية يا " روان "، واللي أنا أعرفه إنك مش غبية عشان تغفلي عن حقيقة زي دي، الرجالة دي تعرفه والحادثة كلها مقصودة. 


جفلت من تلك الحقيقة التي تحاول أن تتناساها.. ليس لشيءٍ سوى أنها لا ترغب أن تكون قد ورطت عائلتها في مشاكل هُم في غنى عنها.. أخذت نفسٍ عميقٍ وهي تدعوا ربها بداخلها أن يمُر الأمر مرور الكرام. 


---------------------------------


بعد قليل وبغرفة الطعام أجتمع " مُختار العفريت " مع عائلته الكبيرة حول مائدة الطعام.. على يمينه بناتِه الثلاثة وبجانبهن الأربعة أطفال الصغار.. بينما على يساره أحفاده السبعة بداية من " زين " ونهاية بـ " بتول ".. لكن بعد الأخيرة جلس الضيف الجديد برفقة العائلة بعد إصرار من الجد كبير العائلة عليه لمشاركتهم الطعام بدلًا من الجلوس وحيدًا بغرفته.. 


تحدث"  مختار العفريت " قائلًا بتساؤل:- وانت يا " تيمور " يابني، ناوي تعمل إيه في أجازتك اللي هتقضيها هنا، أنا سمعت من " زين " إنك مش راجع دلوقتي خالص.؟ 


تنحنح " تيمور " قائلًا بجدية:- أيوة في الحقيقة أنا أجازتي طويلة شوية، وأول حاجة هعملها هشوف شغل لإني مش بعرف أقعد من غير ما أشتغل وبعدها ممكن أبقا أتفسح أو أشوف أي نشاطات تانية أعملها. 


بالطبع هو يُدرك أن كذبته مكشوفة لكلًا من " زين و روان " لكنها مكشوفة أيضًا لـ " ليال وشهد " اللتان عرفتا كل شيءٍ من أبنة خالتهن.. تحدث الجد قائلًا بعتاب:- الله، يعني تبقا صاحب " زين العفريت " وتشوف شغل برة، طب ما تشتغل مع " زين " في الشركة. 


شعر " تيمور " ببعض الإحراج من فكرة تطفله أيضًا على الشاب بعمله.. فهو ليس غافلًا عن نظراته المُرتابة نحوه.. لذلك هتف قائلًا بأمتنان:- شكرًا يا حاج بس أنا إن شاء الله هبدأ أشوف من النهاردة وأكيد هلاقي يعني. 


على الرُغم من رفض " زين " للفكرة لكنهُ لا يملك إلا أن يقبل حتى لا يُثير شك جده.. فهتف قائلًا بمرح مفتعل:- ياعم هتعمل فيها مكسوف، البيت بيتك والشركة شركتك، وأنا هشوفلك حاجة تشتغلها متقلقش. 


وبعد القليل من الأحاديث الجانبية نهض " زين " من مكانه قائلًا بجدية:- هستأذن أنا بقا عشان ورايا مشوار مهم. 


رحل الشاب ومن بعدها أنفضت الطاولة ورحل كل شخصٍ على أشغاله.. 



---------------------------------


لطالما كنتُ اتساءل عن متى يشعر المرء إنهُ وقع في الحب..! 

هل مثلًا يقع المرء في الحُب من النظرة الأولى.. أم من الثانية.! 

أم بعد مرور عدة أسابيع أو سنوات..! 

متى يُدرك المرء أن ماهية مشاعره هي الحُب..! 

وفي حقيقة الأمر لم أجد إجابة وافية.. البعض قال أحببتُ من النظرة الأولى.. وآخرين قالوا أحببنا عند حدوث موقف مُعين.. وآخرين قالوا أحببنا عندما كنا على وشكِ الفُراق.. وهُناك من قال عندما عندما شعرت بالخطر والخوف من الفقد.. 


توقفت سيارة " جواد " أمام قسم الشرطة.. نظر إلى الجالس بجانبه والذي كان " عاصي " قائلًا بتساؤل:- هتيجي معايا ولا هتستنى هنا.؟ 


نظر " عاصي " إليه قائلًا بنبرة غامضة:- لا هنزل معاك. 


تعجب " جواد " قائلًا:- هو أنت جاي ليه.! 


تصنع اللامُبالاة وهو يُجيب قائلًا:- جاي أشوف أخرة التحقيقات في موضوع " ليال " إيه. 


لم يكن ينظر إلى ابن عمه وبعد أن أنتهى من حديثه لم يقابله إلا الصمت.. لذلك حرك رأسه تجاهه ليجده يتطلع إليه بملامح وجه هادئة لكن غامضة.. فهتف قائلًا بتعجب:- بتبصلي كدة ليه.! 


مط " جواد " شفتيه قائلًا بنبرة العاقل:- أمرك عجيب، ولا قادر تنسى وتسامح، ولا قادر تتمسك بيها وتخطفها ليك تاني. 


اشتدت ملامح " عاصي " بغضب.. لا يُحب أن يفتح أحدًا معهُ أمر قصته معها.. كما أنهُ لا يستطيع نسيان الضربة التي أخذها بمنتصف قلبه ومنها هي.. أشتعلت رماديته بالنار.. نار توشك على إحراق الأخضر واليابس.. ماذا يفعل بقلبه.. لن يستطيع أن يترك ثأرها.. لم يعتاد أن يمسها أحدهم بسوء ويبقى هو ليُشاهد.. لطالما خاض معارك بالشارع بسببها.. كان كلما نظر أحدهم لها حتى لو نظرة عابرة يقتلع عيناه.. فماذا سيفعل إذًا عندما يصل الأمر إلى من كان على وشك أن يخطفها منه ويُلقي بها بين أحضان الموت.. 


نظر إلى " جواد " قائلًا بنبرة قاتمة:- متنساش إن هي لسة مراتي، وكانت هتموت، طبيعي أدافع عنها وطبيعي أخد حقها، وبالنسبة للي بيني وبينها عمري ما هسامح فيه أو أرحمها حتى، اللي بيني وبين " ليال " مش هينهيه غير الموت. 


أرتعش قلب ابن عمه تأثرًا لحديثه الذي لم يصدقه.. إذا كان هُناك موت فستموت " ليال " بين أحضان حبيبها " عاصي ".. ستموت حُبًا بهِ.. وهو ستكون نهايته أبًا لأطفالها.. أليس كذلك.! 


تمنى " جواد " لو تتحقق تلك الأحلام لكنها بالنهاية مازالت أحلام.. تنهد قائلًا بهدوء:- يلا بينا عشان اتأخرنا. 


ترجل الشابان من السيارة يتبعهما عددًا من الرجال الأشداء لحراستهما بأوامر من " عبدالرحيم السُليماني " بذاته.. فهو لا يعرف من الذي يتربص بأحفاده ولن يتوقف عن حمايتهم.. 


وقبل أن يتحركا خطوة واحدة توقفت سيارة " زين العفريت " أمام القسم مباشرة وترجل من سيارته يتبعه عددًا من حراسته الخاصة هو كذلك.. وقف أمامهما بطوله الفارع وصلابة جسده وملامحه على حدًا سواء.. من يراهم من بعيد يعتقد أن باحة القسم ستتحول إلى ساحة حرب الأن.. لكن بالحقيقة أن العلاقة بين " جواد " و " زين " لا يشوبها ضغينة.. على العكس فالأخير يتذكر في وقت كانت الحرب مشتعلة بين العائلتين كان الأول يعمل على تهدئة الأمور.. نقطة تُحتسب في صف " جواد ".. 


نظر " زين " إليه قائلًا بهدوء:- أهلًا يا " جواد "، عاش من شافك. 


أبتسم " جواد " بهدوء قائلًا:- الشغل بقا أنت عارف. 


اومأ له بينما نظر إلى الرجل الغاضب بجوار ابن عمه وهدر قائلًا ببرود:- أهلًا يا " عاصي ". 


وبنبرة أشد برودًا أجاب قائلًا:- أهلًا يا"  زين ". 


أراد " جواد " أن يُخفف من حدة الأجواء بين الرجلين فهتف قائلًا بتساؤل:- وأنت بتعمل إيه هنا يا " زين ".؟ 


تنهد " زين " قائلًا بغضب مكتوم:- جاي أشوف أخرة التحقيقات في موضوع " ليال " إيه. 


وكأنهُ سَّب الواقف أمامه ففور أن أنهى حديثه حتى اشتعل " عاصي " غضبًا وهدر قائلًا:- وأنت تتابع ليه الموضوع دة، أنا جوزها وأنا اللي هتابعه. 


نظر إليه " زين " بسخرية قائلًا:- معتقدتش إنك هتفضل جوزها كتير، وأي حاجة تخصها فأنا اللي هتابعها لإني ببساطة أخوها. 


تحرك " عاصي " خطوة إلى الأمام ليلكمه لكن ابن عمه حال دون ذلك وهدر قائلًا بنبرة قوية:- أهدى يا " عاصي " مينفعش اللي بتعمله دة، الأمور مش بتتحل بالطريقة دي يا أخي، وأنت يا " زين " متنساش إن هو جوزها لسة، لما يبقوا يتطلقوا وقتها حقك تقولوا متدخلش، تمام.! 


أنهى حديثه لتقع عيناه على شيءٍ جعله يعقد حاجبيه بحيرة.. هو يعرف تلك المرأة الباكية المُتشحة بالسواد والتي في طريقها إلى الدخول إلى القسم.. هي نفسها المرأة الموجودة صورتها بالملف الذي كلف رجاله بجمعه ويحتوي على معلومات عن " حبيبة " كاملة.. إنها والدتها.. 


كان غافلًا عن الحرب الكلامية المُشتعلة بين الشابين بجانبه لكن همسة خافتة خرجت من بين شفتيه بقلق قائلًا:- " حبيبة ".! 


توقف الشابين عن الحديث عندما لاحظا حالة الجمود التي أصابت الرجُل ومن تلك الـ " حبيبة " التي يهتف بإسمها.. هتف " عاصي " قائلًا بجدية:- في حاجة يا " جواد ".؟ 


تحرك الأخير نحو قسم الشرطة يتبع المرأة بخطوات متعجلة.. يتبعه"  زين و عاصي " المُتعجبان لحالته لكن لم يتحدثا حتى الأن.. 


بحث عنها بعيناه حتى وجدها تقف مع واحدًا من الأمُناء المسؤولين عن تقديم البلاغات.. اقترب أكثر حتى وقف خلفها مباشرة.. وهناك سمعها تهتف بما جعل قلبه يسقط بين قدميه.. حيثُ هتفت السيدة قائلة بنبرة باكية ملهوفة:- يابني الله يباركلك عايزة أبلغ إن بنتي مخطوفة، البت مختفية من بالليل ومظهرتش لغاية دلوقتي. 


صاح بها الأمين بضجر قائلًا:- ياست بقولك لازم يعدي أربعة وعشرين ساعة، قبل كدة متقدريش تعملي محضر. 


شهقت السيدة " نجوى " بلوعة قائلة:- يعني أستنى تعدي أربعة وعشرين ساعة تكون بنتي ماتت ولا حصلها أي حاجة وحشة فيهم، حرام عليك يابني حس بالنار اللي فيا. 


وقبل أن يزجرها بعيدًا لاحظ وقوف " جواد " من خلفها لكنه لم ينتبه لملامحه الشاحبة.. انتفض الأمين وأدى التحية العسكرية قائلًا بأحترام:- " جواد " باشا، " مراد " باشا مستني سعاتك جوة. 


لم ينظر حتى نحوه بل نظر إلى السيدة التي تقف تبكي وتتطلع نحو الأمين بإستعطاف.. لم يتحمل أكثر من ذلك.. اقترب منها سريعًا ثُم قبض على ذراعها لتستدير لهُ وهدر قائلًا بنبرة نارية:- مين دي اللي مختفية ولسة مظهرتش.؟ 


شهقت المرأة بصدمة من هجومه المُفاجيء لكنها شعرت كأنهُ طوق النجاة الذي مُمكن أن ينجدها.. بكت مرة أخرى قائلة بلوعة قلب أم:- بنتي يا بيه نزلت إمبارح تحت البيت شوية ومرجعتش، صحيت ملقيتهاش في البيت وموبايلها وكل حاجتها موجودة. 


حاول " جواد " أن يتروى ولا ينفعل قبل أن يصدر منهُ أية ردة فعل.. لذلك تنهد وهدر قائلًا بهدوء مُفتعل:- طب ما جايز عند حد من صحابها أو قرايبكم.؟ 


هزت رأسها نفيًا وهي تهتف قائلة ببكاء أشد:- بنتي ملهاش غير صاحبة واحدة ويستحيل تبات عندها عشان أخواتها شباب، وملناش قرايب غير أخويا منه لله ودة يستحيل " حبيبة " تروح ليه، دة يطيق العمى ولا يطيقها. 


تذكر مكالمتها يوم المشفى.. كانت تتحدث مع شخص ما يتمنى موتها.. لقد استمع إلى المكالمة لكنهُ كان مشدوهًا بها فلم ينتبه لما يحدث.. بتلك اللحظة خرج المدعو " مراد " من غرفة مكتبه وعندما أبصر " جواد " هدر قائلًا بترحاب:- " جواد " باشا هنا، يا مرحب يا مرحب، نورت يا راجل. 


نظر إليه " جواد " قائلًا بنبرة قوية زلزلت جميع من حوله وأثارت صدمتهم:- " مراد " أنا عايز دلوقتي تفرغ الكاميرات كلها اللي موجودة في شارع "....". 


ثُم نظر إلى السيدة التي تبكي أمامه لكنها صدمت من معرفته عنوان منزلها وهدر قائلًا بجدية:- إنتِ بتشكي في حد مُعين يا حاجة.؟ 


توترت السيدة " نجوى " قليلًا فهي لا تُريد مشاكل مع شقيقها أكثر لكنها لم تجد سواه لتتهمه.. فهو الوحيد الذي يتمنى وفاة أبنتها حتى يستطيع أن يستولى على ميراثها دون عائق.. لكن لا يُمكن أن يختطفها.. ولكن لماذا لا يكون هو.. ألم يُهددها هي شقيقته من قبل بأن يقتلها إذا طالبت بميراثها..! 


لاحظ " جواد " شرودها وتوترها فأدرك صحة شكوكه.. لكنهُ أراد أن يرى تفريغ الكاميرات أولًا وبعدها سيرى ماذا سيفعل لينقذها.... 


----------------------------------


ليس من السهل أن تتوافق أحلامك مع أقدارك.. قد تتمنى شيءٍ ويُفاجئك قدرك بشيءٍ أخر.. بالنهاية هُناك من يتقبل الأمر سريعٍ ويتأقلم.. وهناك تبقى مرارة الذكرى عالقة بحلقه.. 


" ڤيلا اللواء سعد الدين والي "


جناح كبير وواسع.. مُنظم لأبعد حد.. يحتوى أثاث باهظ الثمن وبشدة.. كما أنهُ شديد الفخامة وكأن هناك ملكة أشرفت على تنفيذه وإخراج كل قطعة بهِ بهذه الروعة والفخامة.. بالطبع لم تكن سوى الملكة " أيتن الشهاوي " ابنة عم " أسعد والي " و.. وزوجته.. 


استيقظ " أسعد " من النوم ثُم نظر أمامه ورأى زوجته المصون تجلس أمام المرآة تقوم بتزين وجهها وتصفيف شعرها وخلافه.. ترتدي واحدًا من فساتينها غالية الثمن التي تُفصل تفاصيل جسدها بسخاء شديد.. نثرت شعرها البني القصير حول وجهها وتابعت ما تفعله دون أن تعبأ بمن يتطلع نحوها بعدم رضا من لحظة استيقاظه.. 


نفض الغطاء من عليه ونهض من فراشه متوجهًا نحو المرحاض دون أن يتفوه بحرفًا واحدًا معها.. بينما هي فور أن أُغلق باب المرحاض خلفه حتى أبتسمت بإستحفاف وهي تقوم بتحديد شفتيها بالقلم الخشبي الطويل.. 


بعد مرور القليل من الوقت كان " أسعد " قد أنتهى من تجهيز نفسه بينما هي كانت تضع اللمسات الأخيرة على هيئتها.. وفور أن إنتهت حتى كانت على وشك الخروج من الغرفة لكن استوقفها صوت زوجها الذي صدح قائلًا بنبرة جامدة:- إستني عندك. 


توقفت خطواتها عن التقدم بينما ظهرها مازال لهُ.. تنتظر بصبر أن يصُب عليها واحدة من محاضراته المُعتادة لترحل بسلام.. استمعت إلى صوت خطواته تقترب منها حتى توقف أمامها مباشرة ثُم هدر قائلًا بجمود:- ياريت قبل ما تخرجي تعدي على " تولين " تطمني عليها، وياريت زي ما بتهتمي بشغلك تهتمي ببنتك شوية. 


عقدت حاجبيها قائلة بتساؤل:- هي مش الدادة والممرضة معاها.؟ 


توسعت نظراته بغضب.. ليس فقط الغضب هو ما يشعر بهِ بتلك اللحظة بل أيضًا النفور والأستحقار.. قبض على ذراعها بأصابعه الغليظة مما جعلها تتأوه بألم لكنهُ لم يهتم وهدر قائلًا بشراسة:- يعني إيه معاها الدادة والممرضة، وإنتِ فين يا هانم، إنتِ ناسية إنك أمها وإن بنتك عندها ظروف خاصة وأكيد محتجاكِ أكتر واحدة.! ولا الهانم هتهتم بيها ليه وتسيب شغلها، طبعًا ما الشغل أهم من بنتك.! 


نجحت أخيرًا في أن تتملص منهُ أو هو من تركها عندما شعر بنفوره من لمستها.. فهدرت قائلة بعصبية:- طيب طيب يا " أسعد " هروح أشوفها، ومش لازم كل يوم والتاني تسمعني محاضرة شكل. 


هدر قائلًا بنبرة قوية أفزعتها:- ما إنتِ لو مهتمة ببنتك زي باقي الأمهات ما بتعمل مش هتضطرري تسمعي كل شوية محاضراتي، بس إنتِ مش شايفة غير نفسك وشغلك وبس. 


زفرت بضيق قائلة بنبرة ضجرة منهُ:- كل شوية شغلك شغلك، Calm down " أسعد "، قولتلك هروحلها خلاص. 


نظر إليها بضيق ممزوج بعدم رضاه ثُم تحرك ليخرج من الجناح تاركًا إياها تقوم بتدليك ذراعها مكان قبضته وهي تنظر إلى رحيله بضيق وحقد... 


---------------------------------------


ما اسوأ الإنتظار.. أن تنتظر قبولك بالعمل. ترقيتك.. ولادة أول طفل لكَ.. نتيجة أختباراتك النهائية.. الكثير من الأشياء يجب عليك أن تنتظرها.. لكن أن تنتظر مصيرك المجهول.. أن تنتظر لترى هل ستنتهي حياتك الأن أم خلال الساعة القادمة..! حينها تتمنى أن تُفارقك روحكَ بتلك اللحظة أهون من شعور الإنتظار القاتل.. 


لا تعلم كم مر عليها من وقتٍ وهي هُنا.. أخر ما تتذكره هو أنها كانت تجلس بالحديقة الصغيرة أمام منزلها ثُم شعرت بمن يضع شيءٍ ما على أنفها وفمها لتغرق في ظلامٍ دامس أبتلعها.. وعندما استيقظت من غفوتها الإجبارية وجدت نفسها بمكانٍ ما لا تراه بسبب تلك القماشة اللعينة حول عينيها.. لكن رائحة القذارة من حولها لا تُحتمل.. حاولت أن تصرخ لكن فمها أيضًا مُكمم بقماشة أخرى مما جعلها تصرخ بداخلها قهرًا وغضبًا.. أكثر ما تكرهه هو أن تشعر بنفسها مُقييدة.. لا تستطيع أن تتحرك.. أو تتحدث.. أو تصرخ.. كما ترغب في تلك اللحظة.. 


جسدها يؤلمها من الأحبال المُلتفة حوله تقييده بشدة لكي لا تهرب.. فقط لو تعرف من الذي فعلها.. تُقسم أنها ستقتله.. منذُ أن استيقظت وهي لا تُفكر إلا في والدتها.. يا ترى هل أكتشفت غيابها.. ماذا فعلت.. بماذا تشعر الأن.. تخشى أن يُصيبها أذى أو تنهار.. والدتها امرأة مريضة ولن تتحمل صدمة كتلك.. 


مرت عدة دقائق قبل أن تستمع إلى من يفتح باب الغرفة الموجودة بها.. ثُم توقف الصوت.. أرهفت السمع حتى تستطيع أن تلتقط أي شيء لكن بعد دقيقة أخرى استمعت إلى صوت خطوات تقترب منها.. 


تواثبت دقات قلبها برعب وترقب.. مئات الأفكار والأسئلة تطرح بعقلها الأن أهمهم هل ستموت الأن أم ماذا..!! 


شعرت بأن صاحب الخطوات المجهولة توقف أمامها مباشرة.. بالكاد يفصل بينهما خطوة أخرى واحدة.. وباللحظة التالية كان هناك من يبعد القماشة من حول فمها ثُم عينيها.. 


تألمت عندما ضرب الضوء القوي عينيها على غفلة مما جعلها ترمش عدة مرات حتى بدأت تتوضح الرؤية لديها.. 


نظرت أمامها لتتفاجأ بالشخص الماثل أمامها بتلك اللحظة.. والذي لم يكُن سوى " عابدين الوزان " رأس الأفعى والذراع الأيمن للعين خالها " ماهر المهدي ".. 


همست قائلة بنبرة خافتة مُتعبة:- أنت..! 


كان عابدين شاب يبلغ من العُمر الواحد وثلاثون ربيعًا.. طويل القامة.. عريض المنكبين.. جسد رياضي ممشوق.. أصلع الرأس بالكامل.. يمتلك حاجبان كثيفان.  وملامح حادة.. عيناه بلون الزيتون لكنهما مُفزعتين.. كان من أصحاب النظرات المُخيفة.. عندما تراه تُدرك من الوهلة الأولى أن هذا الشخص مؤذي إلى أبعد حد.. 


لكن " حبيبة " بكل عنفوانها وجراءتها لم تكُن تخشاه.. دائمًا ما كانت تُهينه عندما يتدخل بينها وبين الملعون خالها.. تعلم أنهُ صاحب جميع الأفكار الشيطانية التي يفعلها الأخير.. ليس وكأن خالها بريء على العكس.. خالها شيطانٍ أيضًا لكن بلا عقل.. وها هو عقله يقف أمامها يتطلع نحوها بنظراتٍ خبيثة وأبتسامة مُستخفة بها ترتسم على شفتيه.. 


تحولت ملامحها المُتعبة إلى أخرى شرسة ثُم هدرت قائلة:- أنت أتجننت يا " عابدين "، بتخطفني، إنتوا بقيتوا عصابة ولا إيه.! 


ضحك " عابدين " بقوة مُجلجلًا ثُم هدر قائلًا من بين ضحكاته:- إيه يا " بيبة " دة لسة زي ما إنتِ مش بتتغيري خالص، دة أنا أخر مرة شوفتك من 3 سنين وإنتِ بتتخانقي مع " ماهر " بيه، بس قولت زمانك إتغييرتي. 


كانت تنظر إليه بكرهٍ بالغٍ.. بينما هو يتفحصها بجراءة مُقززة أشعرتها وكأنها عارية أمامه.. استأنف حديثه قائلًا بخُبث:- هو اللي تغيير فيكِ حاجات كتير بعيدًا عن شراستك ولسانك الطويل، بس ياترى إيه المهارات اللي عند اللسان دة غير الشتايم والتهديد.! 


أنهى حديثه بغمزة وقحة جعلتها تشهق بعدم تصديق.. ثُم تحولت ملامحها إلى أخرى مُشمئزة وهدرت قائلة بنبرة قاتمة:- طول عمري عارفة إنك قذر، مش مستغربة أتفاقك مع الشيطان التاني، أنت وهو شبه بعض، بس صدقني مش أنا اللي أخاف أو أتهدد، أنا هفضل وراه والزمن طويل. 


قطع الخطوة الفاصلة بينهما ثُم أنحنى بجسدده قليلًا نحوها حتى أصبحت أنفاسهما مُختلطة.. شعرت بنفسها على وشك أن تتقيأ لأنها قريبة منهُ إلى هذا الحد.. بينما هو همس قائلًا بنبرة مُخيفة تشبه فحيح الأفاعي:- أنا مش هلف وأدور وأضيع وقت كتير، أنا معايا رسالة ليكِ هوصلهالك وأمشي، بس خدي بالك إن نتيجة قرارك إنتِ اللي هتتحمليه لوحدك. 


لم تُجيب ولم تتغير ملامحها الكارهة فتحدث هو مجددًا وهو على نفس وضعيته وبنفس النبرة:- " ماهر " بيه بيقولك أبعدي عنه نهائي، وبطلي تدواري وراه وإلا مصيرك مش هيكون أحسن من مصير أبوكِ. 


صفعة.. ما تلقته الأن بتلك القسوة لم تكُن إلا صفعة.. هل ما فهمته صحيح.. " ماهر المهدي " قتل والدها.. إذًا والدها لم يمُت موتًا طبيعيًا بل مات مقتولًا أو بالأصح مغدورًا.. تجمدت الدماء بعروقها.. وتحولت ملامحها إلى أخرى مصدومة غير مصدقة ذلك الإدعاء.. ترقرقت العِبرات ببندقيتيها وهمست قائلة بخفوت ذاهل:- أنت بتقول إيه، إنتوا قتلتوا أبويا.! 


أرتسمت أبتسامة شيطانية على شفتيه قائلًا:- مممم، قتلناه، شوية سم غالي شوية عشان يبان إن هو موتة طبيعية وأرتاح وريح، ولو معقلتيش وبعدتي عن " ماهر " بيه صدقيني هتحصليه إنتِ وأمك. 


لم تحتمل.. فجأة وجدت نفسها تصرخ وتسبُه بأبشع الألفاظ التي لم تتخيل أن تنطقها يومٍ.. بينما هو أعتدل بوقفته وأنتشرت ضحكاته بالمكان.. يتردد صداها كضحكات الشيطان.. بعد عدة دقائق أصابها بهُم التعب.. كانت تلهث وهي تحاول أن تلتقط أنفاسها الثائرة ثُم هدرت قائلة بوعيد شرس:- أقسم بالله، ورحمة أبويا في تربته إن نهايتك أنت وهو على إيدي يا ولاد الـ****. 


ألتمعت عيناه بخبثٍ وهتف قائلًا بتساؤل بريء:- يعني دة أخر كلام عندك يا " بيبة ".! 


لم تُجيب ولم تتغير ملامحها المتوعدة الشرسة والكارهة بينما هو فرقع بأصبعيه عدة مرات وبعدها أقتحم الغرفة رجلين يبدوا على ملاحهما الإجرام والشيطنة.. توسعت نظراتها بذهول.. وتواثبت دقات قلبها برعب حتى شعرت بأن روحها ستفارق جسدها الأن عندما سمعته يهمس قائلًا بلؤم:- أنا حاولت أخرجك من هنا سليمة بس إنتِ اللي رافضة تتعاوني، وفي نفس الوقت عندي أوامر بعدم قتلك، بس مين قال إن القتل هو إني أدفنك تحت التُراب وميبقاش ليكِ وجود، تؤ، أنا هقتلك وإنتِ لسة حية، وعلى إيد الرجالة دي. 


لقد فهمت حديثه القذر.. فهمت لعبته.. ثارت مرة أخرى وتوعدته بالقتل عندما رأته يسير بخطواته بخيلاء متوجهًا نحو الخارج تاركًا إياها تواجه مصيرها المشؤوم.. وفور خروجه رأت الرجلين يقتربان منها وعلى ملامحهما تعبيرات الرغبة والجنون.... 


-------------------------------


مرت الساعات وهو يبحث عن مكانها ولم يجدها.. قسم الشرطة بأكمله في حالة استنفار شديدة بسبب فتاة مجهولة يبدوا أنها أختطفت لكن الخبر الأهم بالنسبة لهم أنها تخُص " جواد السُليماني " الذي لم يُسخر فقط رجال الشرطة للتقصي عنها بل رجال حراسته أيضًا.. قام بتسخير كل شخصٍ من المُمكن أن يعثر عليها.. كما أن " عاصي و زين " لم يتركاه.. بعد أن تفاجئا بحالته المجنونة تلك أدركا أن تلك الفتاة هامة بالنسبة لهُ.. لذلك لم يترددا بمساعدته.. وقاما بالبحث عنها أيضًا عن طريق رجالهما.. وكانت تلك المرة الأولى التي يتعاون بها فردًا من عائلة العفريت مع أشخاصٍ من عائلة السُليماني منذُ أكثر من ثلاث سنوات.. 


كان " جواد " يجلس بغرفة مكتب صديقه الذي لم يتواني أيضًا عن مساعدته بعد أن تولى أمر إقناع السيدة " نجوى " بالعودة إلى منزلها وهو سيتابع البحث عن إبنتها وسيعود بها سالمة قريبًا.. كان يجلس معهُ " رامي و زين وعاصي " الذي هتف قائلًا بتساؤل:- طب ما تستدعي خالها دة يا " جواد " طالما شاكك فيه كدة.؟ 


أجابه بنبرة قاتمة وهو يتذكر عندما رأها محمولة بين ذراعين شخصٍ مجهول الملامح في تسجيل كاميرات المراقبة بشارع منزلها:- خالها طلع عضو مجلس شعب وعنده حصانة، يعني مش هينفع نوجه ليه أي تهمة كدة من غير دليل قوي. 


كان " زين " على وشك أن يتحدث عندما صدح صوت رنين هاتفه وكان " فتحي " مخبره الخاص الذي قام بتكليفه بمهمة البحث عن المدعوة " حبيبة الجمال ".. فتح الأتصال قائلًا بجدية:- إيه يا " فتحي " الأخبار.؟ 


= "  زين " باشا، أنا تقريبًا كدة بعد بحث وتنقيب وخبراتي وأتصالاتي قدرت أعرف مكان الأستاذة المخطوفة. 


رفع " زين " عيناه إلى الأعلى بضجر ثُم هدر قائلًا بملل:- وعرفت إزاي يا أبو العُريف.؟! 


أجاب " فتحي "  قائلًا بفخر:- ياباشا أنا مُخبر يعني علاقتي بالمُسجلين وغير المسجلين كمان تخليني أوصل للمعلومة اللي عاوزها في أي وقت. 


=قولي العنوان وأحنا جاين، بس عارف لو طلعت مش هناك هعمل فيك إيه يا أبو خبرة وإتصالات أنت. 


هدر " فتحي " قائلًا بخوف:- لا يا باشا هناك، أنا متأكد إن شا ءالله. 


بعد أن حصل " زين " على العنوان نظر إليهم وحينها تحدث " جواد " بلهفة قائلًا:- حد من رجالتك لاقاها.؟! 


اوميء برأسه قائلًا بجدية:- أيوة ومعايا العنوان. 


انتفض " جواد " واقفًا ثُم ركض نحو الخارج لكن أوقفه " عاصي " عندما أمسك برسغه قائلًا بحزم:- استنى أنت مش هتروح لوحدك أنا هاجي معاك. 


تدخل " رامي " الحديث قائلًا بجدية:- وأنا مجهز القوة اللي هتطلع معانا من القسم وجاهزين نتحرك دلوقتي. 


تدخل " زين " أيضًا قائلًا بنبرة قوية:- وأنا ورجالتي جاهزين نتحرك معاكم. 


تطلع " جواد " إلى الثلاثة رجال الأشداء الواقفين أمامه بصلابة  ولم يجد بد من الموافقة على اصطحابهم معه لإنقاذ " حبيبة ".... 


----------------------يُتبع--------------

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-