أخر الاخبار

نبوءة الغفران بقلم فهد محمود الفصل الاول

 نبوءة الغفران 

نبوءة الغفران بقلم فهد محمود الفصل الاول


نبوءة الغفران بقلم فهد محمود
 الفصل الاول 

"العاصفة تقترب" 


كانت السماء رمادية، والشمس تغيب خلف الأفق وكأنها تخجل من مراقبة الدماء التي اعتادت الأرض امتصاصها. في قرية "الرباح"، كان الناس يجلسون خلف أبوابهم المغلقة، يتجنبون الحديث عن الحادثة الأخيرة. مقتل "سيف"، ابن زعيم عشيرة الرباح، أعاد شبح الثأر إلى الواجهة، رغم المحاولات اليائسة لإبقاء النار تحت الرماد. 


في قاعة الاجتماع الكبرى، وقف "راكان"، الابن الأوسط للشيخ "مالك الرباح"، محاطًا برجال عشيرته. كان الحزن والغضب يتنازعان في ملامحه، لكنه كان مصممًا على إبقاء الأمور تحت السيطرة.

"علينا أن نفكر قبل أن نتصرف!" قال بصوت مرتفع بينما وقف أحد الرجال يصرخ: "راكان، هل تريدنا أن نصمت بعد مقتل ابن زعيمنا؟! هذا خنجر الصقور، والدليل واضح."

تدخل الشيخ مالك، رغم ضعفه الواضح، وقال بهدوء لكنه يحمل ثقل السنين:

"الثأر أعمى يا ولدي. إن ضربنا الآن دون دليل قاطع، سنفتح أبواب الجحيم مجددًا."

لكن الكلمات لم تهدئ النفوس. كانت النار تحت الرماد تنتظر شرارة لتندلع.


--- 


في الناحية الأخرى، في قرية عشيرة "الصقور"، كان الوضع مشحونًا بالريبة والغضب. "نورا"، ابنة الشيخ "سلمان الصقور"، جلست في غرفتها الصغيرة، تراقب من نافذتها رجال العشيرة وهم يتحدثون بحماس عن الاستعداد لأي هجوم محتمل.

كانت نورا طبيبة سرية. على الرغم من معارضة والدها، كانت ترى أن إنقاذ الأرواح أهم من أي انتماء عشائري. في ذلك المساء، استدعاها والدها إلى مجلس العشيرة.

"نورا، أريدك أن تكوني عيني في القرية. إذا تحركت الرباح ضدنا، سأحتاج إلى معرفة التفاصيل."

أومأت نورا، لكنها كانت تفكر في شيء مختلف تمامًا. كانت تعرف أن الحرب لن تنتهي أبدًا إذا استمر الكبار في تأجيجها.


--- 


مع حلول الليل، انتشر خبر جديد في القريتين: جريمة أخرى، هذه المرة في أرض عشيرة الصقور. كان القتيل من أبناء العشيرة، والخنجر الذي وُجد بجانبه كان يحمل شعار عشيرة الرباح.

انتشر الذعر والشكوك كالنار في الهشيم. في قاعة مجلس عشيرة الصقور، صرخ أحد الرجال:

"إنهم يريدون إشعال الحرب! يجب أن نتحرك الآن!"

لكن نورا، التي كانت تقف في الظل، قالت بهدوء:

"هذا لا معنى له. لماذا يترك القاتل خنجره بهذه السهولة؟"

الجميع التفت نحوها بدهشة، لكن والدها قاطعها قائلاً:

"ما الذي تحاولين قوله يا نورا؟"

"أحاول القول إننا ربما نتعرض لمؤامرة. الأدلة واضحة جدًا لدرجة أنها مشبوهة."


--- 


في الليلة ذاتها، تسلل راكان إلى أحد الأودية التي تفصل بين القريتين. كان يعلم أن مواجهة مفتوحة ستكون كارثية، لكنه أراد جمع أي دليل قد يثبت أن عشيرة الصقور بريئة أو مذنبة.

هناك، تحت ضوء القمر، وجد راكان نفسه وجهًا لوجه مع نورا. كانت هي الأخرى قد خرجت للتحقق من الأمر بنفسها.

"أنتِ؟ ماذا تفعلين هنا؟" سألها راكان بصدمة.

"وأنت؟ هل جئت لتلقي اللوم علينا مجددًا؟" ردت نورا بحدة.

لكن قبل أن يكمل أي منهما حديثه، ظهرت مجموعة من الرجال المقنعين، مسلحين بسيوف وخناجر. لم يكونوا من أي من العشيرتين.

"من أنتم؟!" صرخ راكان وهو يستعد للقتال، لكن أحد الرجال قال بضحكة ساخرة:

"نحن الظل... ولسنا هنا لنأخذ جانب أحد. نحن هنا لنستفيد من كل شيء." 


اندلعت معركة شرسة، حيث قاتل راكان ونورا جنبًا إلى جنب. رغم العداء بين عشيرتيهما، لم يكن أمامهما خيار سوى التعاون. عندما انسحب الرجال الغامضون، تركوا وراءهم رسالة محفورة على قطعة خشب:

"النبوءة تتحقق، والدماء لن تتوقف حتى ينكشف السر."


--- 


عاد كل من راكان ونورا إلى قريتيهما، لكن اللقاء بينهما غيّر كل شيء. كانا يعلمان أن هناك قوة أكبر تعمل في الخفاء لإشعال الفتنة بين العشيرتين.

في اليوم التالي، وقف راكان أمام مجلس عشيرته وقال بحزم:

"علينا أن نوقف هذه الحرب قبل أن تبتلعنا جميعًا. هناك عدو في الظل يستغلنا، ولن يرحم أحدًا."

وفي الوقت نفسه، أخبرت نورا والدها بما حدث، لكن رد فعله كان متوقعًا:

"لن أثق بكلام الرباح أبدًا."


حلَّ الصباح على القريتين وكأن الليل لم يمرّ. كانت السماء هادئة، لكن القلوب تضجّ بالعواصف. في مجلس عشيرة الرباح، اجتمع الشيوخ والأبناء تحت سقفٍ واحد، تُظللهم مشاعر القلق والغضب المتزايد. وقف "راكان" يتحدث بثقة، صوته يحمل الحزم والخوف معًا:

"علينا أن نفكر أبعد من الثأر. ما رأيته بأم عيني لا يترك مجالاً للشك: هناك من يتلاعب بنا جميعًا." 


لكن المجلس لم يكن مستعدًا لسماع مثل هذه الأفكار. أحد الرجال قال بصوت مرتفع:

"راكان، أنت تتحدث عن مؤامرة غامضة، بينما الحقيقة أمامنا واضحة. الصقور هم عدونا الوحيد، ولا يمكننا الوثوق بهم." 


راكان، الذي كان يكتم غضبه بصعوبة، قال بهدوء:

"وهل أعداؤنا سيتركون أدلة ضد أنفسهم بهذه السذاجة؟ فكروا، لو أرادوا قتلنا، لما تركوا خنجرًا يحمل شعارهم. هذا فخ، وأنا لن أقع فيه."


--- 


على الجانب الآخر، كانت "نورا" تحاول إقناع والدها بموقفها. في غرفة الاجتماع داخل قصر "الصقور"، كانت تحاول أن تضع الحقائق أمام الشيخ سلمان:

"رأيتهم بنفسي يا أبي. إنهم ليسوا من عشيرة الرباح، وليسوا منا. هؤلاء رجال الظل. يتلاعبون بنا ليدفعوا بنا إلى حرب لا نهاية لها." 


لكن والدها، الذي اعتاد لسنوات طويلة أن يرى عشيرة الرباح كعدو، لم يكن مستعدًا لتغيير قناعاته بسهولة:

"نورا، ما تقولينه مجرد تخمينات. عشيرة الرباح غدرت بنا لسنوات طويلة. ما الذي تغير الآن؟"

"تغير أن هناك ما هو أخطر من عداوتنا معهم!" صرخت نورا، ثم خفضت صوتها وهي تضيف: "لا يمكننا الاستمرار في تجاهل ما يحدث، وإلا سندفع الثمن غاليًا."


--- 


في تلك الليلة، وبينما كان كل طرف يحاول استيعاب الموقف، قرر "راكان" اتخاذ خطوة جريئة. خرج من قريته سرًا متجهًا إلى الحدود الفاصلة بين القريتين. لم يكن يحمل سلاحًا، فقط إرادة قوية لإنهاء ما بدأ. 


هناك، تحت شجرة قديمة كانت شاهدًا على سنوات الصراع، وجد نورا تنتظره. بدا وكأنها توقعت مجيئه.

"ما الذي تفعله هنا؟" سألته بحدة.

"ما تفعليه أنتِ. أبحث عن الحقيقة." أجابها بهدوء وهو يراقبها بعينين تتفحصان وجهها. 


نورا، التي كانت تحمل في يديها حقيبة صغيرة مليئة بالأدلة التي جمعتها، قالت:

"لقد عثرت على بعض الأشياء. بصمات مختلفة، علامات على الأرض تدل على وجود مجموعة ليست من هنا. كل هذا يثبت أن هناك من يحاول إشعال الحرب بيننا." 


راكان أمسك بالحقيبة، يتفحص محتواها بتمعن، ثم قال:

"هذا يعني أن علينا التحرك معًا. لكن كيف سنقنع عشيرتينا؟ كلاهما يعميه الغضب." 


نورا تنهدت وقالت:

"علينا أن نكشف وجه الظل. إذا استطعنا الإمساك بأحدهم أو كشف هويتهم، فسنُجبر عشيرتينا على الاتحاد ضدهم."


--- 


في الأيام التالية، بدأ راكان ونورا في التحرك بسرية. كان عليهما مواجهة تحديات كثيرة؛ من مراقبة رجال عشيرتيهما الذين كانوا يشكون في تحركاتهما، إلى محاولة تتبع أدلة تقودهم إلى الظل. 


وفي إحدى الليالي، أثناء مراقبتهما لأحد الأماكن المشبوهة في أطراف القريتين، شاهدوا عربة صغيرة محملة بالأسلحة والذخيرة. قاد العربة رجل مقنع، لكن خلفه جلس رجلان بدا أنهما من قريتين مختلفتين. أحدهما يحمل وشمًا يرمز لعشيرة الرباح، والآخر يحمل قلادة تحمل شعار عشيرة الصقور. 


"ما الذي يحدث هنا؟" همست نورا وهي تراقب المشهد من بعيد.

"هذا يعني أن بعض أبناء عشيرتينا يعملون لصالح الظل." أجاب راكان، بينما كان يحاول التقاط صورة للمشهد باستخدام هاتفه. 


لكن قبل أن يتمكنا من الابتعاد، اكتشف الرجال وجودهما. انطلقت صرخة عالية، وتبعتها أصوات أقدام تقترب بسرعة.

"اهربي!" قال راكان وهو يسحبها من يدها. 


ركضا في الظلام، والأرض تضج بصوت مطاردة عنيفة. استطاعا الوصول إلى كهف صغير، حيث اختبآ فيه لالتقاط أنفاسهما. 


"علينا أن نعود بهذه الأدلة، لكنها لن تكون كافية." قال راكان وهو ينظر إلى نورا التي كانت تحاول تهدئة أنفاسها.

"هذا يعني أن الخطوة التالية ستكون أخطر. علينا التسلل إلى داخل شبكة الظل." 


نظرت إليه نورا بعينين تحملان مزيجًا من الخوف والتحدي، وقالت:

"إذا كان هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ الجميع، فسأكون معك، حتى النهاية."


--- 


يتبع..

#بقلم_فهد_محمود

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-