العفاريت
رواية العفاريت بقلم ايه صبري
الفصل الثالث
*لـحن الحُب*
تحت تُراب ذلك الوطن فقدَ الكثير من الشُجعان أرواحهِم.. ولأزمانٍ كثيرة تحول الوطن إلى مقبرة تضُم أجساد أبطالًا تعاهدوا على الإخلاص ومواجهة الموت بشجاعة لا مثيل لها.. أبطالًا تعاهدوا على مُحاربة عدو خبيث كالسرطان لا تراه لكنهُ يُهاجمك دون رحمةٍ أو شفقة.. أبطالًا وَارَى أجسادهم الثرى وارتوت الأرض بدمائهم تاركين خلفهم أمهاتٍ ثكالى.. وزوجاتٍ بقلوبٍ مكلومة.. وأبناء سيلقبون بإبن الشهيد فُلان ويالهُ من لقب.. ألا نهاية لبحر الدماء ذاك أم أن هذا قدر وكُتبَ على الأُمم أجمعين..؟!
بنقطة تفتيش تابعة للجيش المصري على إحدى الطرق الصحراوية.. يتخذ عددًا من الجنود أماكنهم لتأمين المكان جيدًا.. يتم توزيعهم ما بين أبراج المُراقبة العلوية وحماية أرض المكان جيدًا.. كانت الشمس على وشك الشروق وتدليل الأرض بضوئها الوهاج.. تنشُر دفئها بين البشر في ذلك الجو القارس البرودة.. يقف الرائد " جواد السُليماني " شاب في الثلاثين من العُمر.. طويل القامة عريض المنكبين بجسد رياضي ممشوق نظرًا لعمله بالقوات المُسلحة المصرية.. بشعر غزير بلونه البُني الداكن وبشرته القمحية التي تُلائم عيناه البُندقية.. يقف " جواد " يرتشف من كوب قهوته الساخن حتى يمده بالدفء في هذا البرد القارس وهو يتأمل الصحراء الواسعة من حوله.. يتأمل الشروق وهو على وشك البزوغ من كبد السماء في منظر مُهيب يجعلك تقول سُبحان الخالق.. يرتدى ملابس الجيش ويعلوها سُترة سوداء ثقيلة لكن ما من شيء قادر على تدفئته حاليًا.. وبالرغم من الجو البارد لكن ملامحه كانت مُسترخية مُستمتعة بذلك الهدوء من حوله.. قطع عليه خلوته أحد الجنود الذي اقترب منه قائلًا بلهجة صعيدية بعد أن أدى التحية العسكرية:- صباح الخير يافندم.
التفت " جواد " يتطلع بالعسكري الشاب الذي ترك بلده وأهله وجاء إلى هنا حتى يؤدي خدمته العسكرية ثُم هتف قائلًا بنبرة هادئة:- صباح الخير يا " إبراهيم "، ها كله تمام..؟
وبنبرة عالية وجسدًا مشدود هدر العسكري قائلًا:- تمام يا فندم.
اومأ " جواد " برأسه قائلًا بجدية:- تمام في حاجة تاني..!
هتف العسكري قائلًا ببعض التردد:- أيوة يافندم، متواخذنيش يعني بس سعاتك عارف إن دة وقت فطور العساكر وهما بصراحة كانوا حابين سعاتك تفطر معانا، دة لو مش هيضايقك طبعًا يافندم.
أبتسم " جواد " بهدوء قائلًا:- مش هيضايقني طبعًا يا " إبراهيم "، أنا أصلًا كنت جعان.
تحرك بجانب العسكري الذي هدر قائلًا بسعادة:- والله يافندم حضرتك من الظُباط القليلة اللي عندها ضمير والعساكر بتحبها، بالذات بعد الواجب اللي عملته مع الواد " إسماعيل " لما سيبته ينزل أچازة عشان يحضر ولادة إبنه.
وبملامحه البشوشة أجاب قائلًا:- أنا معملتش حاجة تستحق، ربنا يسهلكم خدمتكم هنا وترجعوا بيتوكم سالمين.
آمن العسكري على دعائه وتوجه معه نحو تلك الجلسة التي تضم عددًا أخر من العساكر.. جلس " جواد " بينهم يتسامر معهم ويتناول من طعامهم بجوًا يسوده المرح خلال تلك الدقائق القصيرة المسروقة من زمن خدمتهم يتناولون بها بعض الطعام.. هتف واحدًا من العساكر ويُدعى " شريف " قائلًا بمزاح:- هتتجوز يا " بيشوي " يا ابن المحظوظة وتودع حياة السنجلة.
ضحك " بيشوي " قائلًا بمرح:- اهو عينك دي اللي جايباني الارض أقسم بالله.
ضحك الجميع على مزاحهم بينما هتف " بيشوي " قائلًا ببعض الخجل موجهًا حديثه ناحية هذا الصامت:- أنا ليا الشرف إن حضرتك تحضر فرحي طبعًا يا " جواد " بيه.
عقب " جواد على حديثه قائلًا بهدوء:- وعد مني لو عرفت أخد أجازة هكون أول الحاضرين والف مبروك يا " بيشوي ".
أجاب " بيشوي " بسعادة قائلًا:- إن شاء الله تشرفني وتحضر يافندم.
وبعد أن انتهت الدقائق المُخصصة لأفطار العساكر توجه كل واحدًا منهم إلى موقعه لمراقبة وحماية النقطة التفتيشية.. كان " بيشوي " يقف بجانب " شريف " الذي هتف قائلًا بمرحه المعهود:- واد يا " بيشوي " اوعدني لو خرجت من الجيش عايش تجوزني البت اللي شوفتها في خطوبتك.
نظر " بيشوي " إلى صديقه بذهول ضاحك قائلًا:- أنت لسة فاكرها، يابني دي تلاقيها أتجوزت وبقا عندها عيال دلوقتي..!
نظر إليه شزرًا قائلًا:- ياباي على النبر بتاعك، ياعم ساعدني وخلاص، هو أنا يعني مليش نفس اتجوز.
ضحك الأخر قائلًا:- ياسطا أنت جاي تشقط من خطوبة واحد مسيحي، ما البنات المُسلمة كتير، فكرتني بأيام جامعتي كل ما كنت أكراش على واحدة تطلع مسلمة لغاية ما قطعت الأمل إني أتجوز أصلًا.
انفجر " شريف " ضاحكًا ثُم هدر قائلًا:- يا عم مُسلم ولا مسيحي ما كلنا واحد، يحيا الهلال مع الصليب.
ضحك الصديقان سويًا وعلى بُعد عدة خطوات منهم اقتربت سيارة نصف نقل مُحملة بالبضائع.. أشار عسكري يُدعى " علي " نحو زميله قائلًا بجدية:- روح يا " محمود " شوف العربية دي.
توجه العسكري نحو تلك السيارة التي توقف بمكانها قبل الحاجز المروري بينما اقترب منها " محمود " قائلًا:- ورقك ياريس وأنزل عشان نفتش.
نظر إليه السائق بصمتٍ مُريب وفي خلال ثوانٍ خرج من أسفل غطاء السيارة الخلفي عددًا من الرجال المُلثمين بأسلحتهم التي توجهت نحو نقطة التفتيش وكان أول الغارقين في دمائهم جُندي مُجند " محمود عبدالفتاح " الذي تلقى رصاص الغدر بجسده وسقط صريعٍ غارقٍ في دمائه..
انتبه الجميع الى ما يحدث بعد أن صدح صوت الطلقات النارية تدوي بالسماء.. اتخذ الجميع مواقعهم يتبادلون إطلاق النار مع مجموعة العناصر التكفيرية وعلى رأسهم " جواد " الذي كان بمكتبه ينهي بعض الأعمال وفور أن أدرك ما يحدث تلقى سلاحه وأنضم إلى جنوده يُعيد ترتيب صفوفهم ويُقاتل بجانبهم وشعارهم واحد " النصر أو الموت ببسالة "
كان القتال على أشده بعد أن أنضم مجموعة أخرى من الجبناء لهؤلاء العناصر بعددًا أخر من الأسلحة الثقيلة لكن لم يزيد كل ذلك هؤلاء الأبطال إلا إصرارًا لتحقيق النصر..
وبعد مرور الكثير من الوقت لم يتوقف القتال من كلا الطرفين وصلت مجموعة من التعزيزات إلى القوات المُحاصرة بنقطة القتال حتى أصبح النصر قاب قوسين أو أدنى من نصيب قوات الجيش المصري.. أثناء ذلك كان هُناك عُنصر تكفيري بالقُرب من " بيشوي " الذي كان يُقاتل دون أن ينتبه إلى ذلك الغادر الذي يُريد ضربه بالظهر لكن " شريف " صديق " بيشوي " المُقرب أنتبه لهُ وبلحظة كان يقف بظهر صديقه يحميه ويتلقى الرصاصة مكانه والتي أخترقت صدره مباشرةً وقبل أن يسقط كان يوجه رصاصته أيضًا إلى رأس ذاك الغادر ليسقط صريعٍ.. صُدم " بيشوي " مما حدث لصديقه وأمام عيناه أيضًا.. ترك سلاحه وجثى على رُكبتيه يحتضن رأسه وهو يبكي قائلًا بجنون:- ليه يا " شريف " عملت كدة، ليه..!
زفر " شريف " نفسٍ خرج بصعوبة مُغلف بدمائه قائلًا بأنفاسٍ لاهثة وهو يمزح:- مهانش عليا أبوظ فرحتك يا صاحبي، وبعدين أنا كدة كدة سنجل بائس.
بكى " بيشوي " بهيستيرية قائلًا:- قوم يا " شريف " بالله عليك، متموتش وتسيبني يا صاحبي، أنا مش هعمل فرحي من غيرك.
ضحك " شريف " بصعوبة قائلًا بصوتٍ ضعيف:- طب لو عيشت هتجوزني البت اللي شوفتها في خطوبتك..؟
بكى صديقه أكثر لكنهُ هز رأسه بجنون قائلًا بلهفة:- أيوة هجوزهالك غصب عن عينها وعين أمها.
تلك المرة لم يستطع " شريف " أن يضحك أكتفى ببسمة واسعة شقت ثغره وهمس قائلًا بأنفاسٍ ضائعة:- اوعى تنساني يا صاحبي، وطمن أمي، قولها إني في مكان أحسن.
صرخ " بيشوي " وبكى بهيتسيرية وهو يُنادي على صديقه حتى لا يتركه بينما الأخر همس قائلًا من بين أنفاسه الضائعة:- اشهد أن لا إله ألا الله وأن مُحمدًا رسول الله..
كانت تلك أخر كلمات " شريف " الذي أسبل عيناه وتوقفت أنفاسه وأسلمت روحه إلى بارئها.. شهيدًا تلقى رصاص الغدر وهو يحمي وطنه وصديقه..
كان القتال قد توقف قبل دقائق وتوقف الجميع يستمعون إلى حديث " شريف " وبكاء " بيشوي " الذي لم يتوقف للحظة وهو يهز جسد صديقه رافضٍ أمر موته.. حزن " جواد " كثيرًا وتوقف بمنتصف أرض المعركة يُشاهد العديد من الجنود اللذين لقوا حتفهم برصاص العدو الغادر.. وعلى الرُغم من أن هذه هي طبيعة حياته وليست المرة الأولى التي يتعرض بها لتلك المواقف لكنهُ لا يملك إلا أن يحزن على هؤلاء الشباب اللذين يموتون غدرًا يتمنى لو يلحق بهم شهيدًا بيومٍ ما..
بعد دقائق قليلة حضرت سيارة الإسعاف لنقل المُصابين والموتى إلى المشفى الموجود بقلب المدينة القريبة منهم...
-----------------------------------
ندور وندور وتدور معنا أفلاكنا لــكــن ما يتلقانا أخيرًا بصدرٍ رحب فــلــك الــحُــب..
قضت ليلتها بالقسم بداخل حجز النساء.. تُدرك أن لا أحد من أهلها يعلم بما حدث لها حتى الأن.. لأنها وببساطة لم تُخبر أحد عن قدومها.. فهي من المفترض أنها الأن بذلك الميناء برفقة " روان " ابنة خالتها سيقضيان بهِ ثلاثة ليالي من أجل إنهاء بعض الأعمال المُتعلقة بالشُحنة الأخيرة.. إلا أنها اضطررت إلى العودة باليوم التالي لتسليم ذلك التقرير الهام إلى " زين ".. ولزيادة درجة أهمالها وخروجها سريعٍ من الميناء لم تتذكر أن تأخُذ حقيبتها الصغيرة الوجودم بها متعلقتها الشخصية كبطاقة هويتها وهاتفها.. بالتأكيد جميع العائلة تعتقد أنها بالميناء برفقة " روان " والأخيرة تعتقد أنها بالمنزل برفقة العائلة وستعود باليوم التالي لإستكمال باقية الأعمال..
جلست " شهد " بين النساء المُتهمات بمُختلف الجرائم شاردة في اللاشيء تُفكر في حل سريع للخروج من هذه الورطة قبل أن يدري جدها " مُختار العفريت " ويُقيم عليها الحد..
وبزاوية أخرى بالزنزانة تجتمع مجموعة من النساء اللاتي يبدوا على وجوههن الإجرام والخُبث ينظرن إلى " شهد " بنظراتٍ غير مُريحة.. همست واحدة منهُن بأذن رفيقتها والتي تبدوا أنها زعميتهن قائلة بمكر:- أهي من ساعة ما وصلت إمبارح وهي ساكتة ومش بتكلم حد، ولما حاولت أتكلم معاها عشان أعرفها نظام الزنزانة وأفهمها أنها لازم تقدملك فروض الولاء والطاعة يا ريسة كشمتلي.
زفرت رفيقتها نفسٍ من سيجارتها رخيصة الثمن قائلة وهي تطلع بـ " شهد " بمكر:- مممممم، قولتيلي بقا.
صمتت لثوانٍ ثُم هدرت قائلة بحدة:- طب تروحي ليها دلوقتي يا " مستكة " وتبلغيها إن المعلمة " هنومة " كبيرة الزنزانة مستنياها تيجي تقدملها فروض الولاء والطاعة وبسرعة، ولو عصلجت معاكِ إغمزيلي.
قفزت " مستكة " من مكانها بحماس وتوجهت نحو تلك التي تجلس شاردة بأسترخاء وتوقفت أمامها وهي تهتف قائلة بتشفي ونظرات خبيثة:- المعلمة "هنومة " بتمسي وبتقولك وجب تقدميلها فروض الولاء والطاعة.
نظرت إليها " شهد " بالامُبالاة ثُم تنهدت قائلة ببرود:- ولو مقومتش هتعمل إيه ست " هنومة "..!
نطقت إسم الأخيرة بسخرية لاذعة جعلت جميع الأعين تتوسع داخل الزنزانة الضيقة.. الكُل هُنا يُهاب تلك " الهنومة " والتطاول عليها كأنك تطلُب الموت السريع.. بينما الأخيرة عندما استشعرت سُخريتها وأهانتها بين السجينات انتفضت من مكانها بقوة وكأن لدغتها عقربة ثُم توجهت نحو " شهد " التي نظرت إلى أقترابها ببرود ثلجي وملامح مُسترخية حتى وقفت أمامها تطالعها بشرٍ بالغ ثُم هدرت قائلة:- لما المعلمة " هنومة " تؤمر الكُل ينفذ، فزي قومي من مكانك يا بت وبوسي الأيادي لأجل ما ارضى عنك.
كانت " شهد " تجلس أرضٍ وتُمدد ساقيها إلى الأمام وظهرها إلى الخلف تجلس بأسترخاء تستمع إلى صياحها بملامح استفزازية باردة لكن " هنومة " فور أن انهت كلامها لكزت قدم الأولى بقدمها مما جعلها تهب واقفة وقد تحولت ملامحها إلى أخرى شيطانية بينما حدقتيها توسعتا بصورة مُخيفة دبت الذُعر في قلب " هنومة " ورفاقها لكن لم تُظهر إحداهُن ذلك.. همست " شهد " بنبرة خافتة مُخيفة قائلة:- أنا كنت ناوية أقضي الكام ساعة اللي هقعدهم هنا في سلام وأمشي بس الظاهر الأشكال دي لازم يتعلم عليها عشان متنساش نفسها.
وفور أن انهت حديثها وجهت صفعة مدوية لوجه " هنومة " جعلتها تسقط أرضٍ من شدة قوتها.. وباللحظة التالية سادت حالة من الهرج والمرج بأرجاء الزنزانة...
-------------------------
" دار عائلة العفريت "
استيقظ " زين " من نومته وبدأ يستعد لبداية يومه بروتينه المُعتاد.. كان يقف أمام مرآته ليُهندم ملابسه عندما صدح رنين هاتفه الموجود على الكومود بجانب فراشه.. توجه نحو الهاتف والتقطه ليرى من المُتصل.. عقد حاجبيه بتعجُب عندما وجده أحد المُخبرين المُجندين لحسابه واللذين يخبروه ببعض المعلومات التي يحتاجها بعمله.. فتح الأتصال قائلًا بنبرة خشنة:- أيوة يا " فتحي خير..!
أجاب المدعو " فتحي " قائلًا بصوتٍ هامس:- أيوة يا " زين " باشا، أنا بكلمك من القسم دلوقتي وقولت أقولك إن الأنسة " شهد " مقبوض عليها في القسم هنا من أمبارح.
توسعت نظراته بصدمة غير مُصدقٍ ما سمعه.. هل قال للتو أن " شهد العفريت " تم القبض عليها وتجلس الأن بين المُجرمين و الخارجين عن القانون..! همس قائلًا بنبرة مُخيفة:- أنت قولت إيه دلوقتي..!
----------------------------------
بعد ساعة أمام قسم الشرطة يترجل " زين " من سيارته الفارهة وهو يزفر بضيق غير مصدقٍ فعلة ابنة خالته الحمقاء.. دلف إلى داخل القسم وهو ينظر حوله حتى لمحه " فتحي " واقترب منهُ قائلًا بحفاوة:- يادي النور يادي النور، نورت القسم يا " زين " باشا.
=ياعم هو أنا داخل بيتكوا، دة قسم شرطة، أخلص إيه اللي حصل..!
أجاب فتحي قائلًا بنبرة هامسة وهو يقترب برأسه من " زين " الذي يُطالعه بريبة:- الأنسة " شهد " مقبوض عليها.
تصنع " زين " الصدمة قائلًا:- لا يا راجل، مقبوض عليها..!
اومأ لهُ " فتحي " بصمت حتى انفجر " زين " قائلًا بغيظ:- يا " فتحي " أنت عبيط ما أنت متنيل قايلي في التليفون إن هي مقبوض عليها، مقبوض عليها ليه بقا..!
=دخلت بالتروسيكل " الموتوسيكل " بتاعها في كمين الشرطة اللي على أول البلد لامؤاخذة.
الصدمة هنا كانت حقيقية هذه المرة.. الغبية لا تستطيع أن تُمرر يومٍ واحدًا بدون مشاكل حتى الشُرطة لم تسلم منها..
-----------------------------
= " زين العفريت " رجُل أعمال.
تفوه بتلك الكلمات وهو يقدم نفسه إلى الضابط الذي قام بالقبض على أبنة خالته " شهد " وهو يبتسم بهدوء زائف.. هتف الأخير قائلًا بأحترام وهو يحثه على الجلوس:- غني عن التعريف طبعًا يا " زين " باشا، خير أؤمر..!
تنحنح " زين " قائلًا بهدوء:- كان في مشكلة كدة حاصلة مع حد يخصني وجيه القسم عندكم إمبارح.
الضابط بحماس فهو يعلم ما سيناله بمساعدته أحدًا من العفاريت:- مين دة يا " زين " باشا، واعتبر حواره خلصان.
تنحنح " زين " مرة أخرى قائلًا بجدية:- الله يخليك، الجماعة اللي دخلوا في كمين الشرطة إمبارح، فيهم حد يخصني.
هتف الضابط قائلًا بحفاوة وهو يرفع سماعة هاتفه على أذنه:- قولي إسمه وهبعت أجيبه يا باشا.
أبتسم " زين " بسماجة قائلًا:- " شهد العفريت ".
توسعت نظرات الضابط بصدمة.. أيّ كارثة حلت عليه ليقوم بالقبض على واحدة من نساء العفاريت.. ترك السماعة ببطءً وهو يبتلع ريقه بصعوبة ثُم هتف قائلًا:- هي البنت اللي دخلت في الكمين إمبارح دي وساحبة وراها عربية شباب تبقا قريبتك..!
جز " زين " على اسنانه قائلًا بنبرة صارمة:- أولًا البنت دي أسمها " شهد "، ثانيًا هي كانت بتحاول تفلت من شوية الجرابيع دول اللي حاولوا يتعرضولها على الطريق وحصل اللي حصل بعد كدة، ثالثًا كان المفروض تمييز وتعرف الظالم من المظلوم مش تاخد كله على بعضه.
هدر الضابط قائلًا بهلعٍ وهو يرى مستقبله ينهار من حوله:- يا باشا أقسم بالله ما كنت أعرف، وهي كمان مش معاها أي إثبات شخصية، ولا حتى نطقت بكلمة من أول ما اتقبض عليها.
أخفى " زين " غيظه من الغبية الأخرى وهتف قائلًا بنبرة حادة:- خلينا نختصر أنا عايز اتطمن على بنت خالتي دلوقتي اللي مرمية من إمبارح في الحجز والله أعلم حصل فيها إيه، وصدقني لو " شهد " بنت خالتي اللي مفيش في رقتها ولا تقدر تستحمل قاعدة الحبس أتخدشت خدش واحد أنا مش هسكت.
---------------------------------
=ما تنشفي إيديك شوية يا ولية، مالك إيديك طرية كدة ليه، واخدة على العز وأكل الوز..!
هدرت " شهد " بتلك الجملة وهي تجلس مُتربعة على أحد المصاطب الأسمنتية بينما " هنومة " تقوم بتدليك كتفيها كما أمرتها الاولى.. خاضا الأثنتين عراكًا سويًا أنتهى بفوز " شهد " الساحق، وبقانون السجون الأقوى هو الآمر الناهي..
أجابت " هنومة " قائلة بخوف:- لامؤاخذة يا معلمة، بس أصلي بقالي زمن متشالة على كفوف الراحة.
تصنعت " شهد " التأثُر قائلة:- تؤتؤ لا حول ولا قوة إلا بالله، تراني تأثرت، معلش بقا يا حبيبتي هو الزمن كدة، قلاب، يوم ليك ويوم عليك.
اقتربت " مستكة " بقدح الشاي الساخن قائلة بحماس:- الشاي يا معلمة " شهد ".
التقطت منها الكوب وتجرعت منهُ القليل لكن لم تمُر لحظة حتى بصقته بوجه" مستكة " المسكينة ثُم هدرت قائلة بغيظ:- إيه يا ولية الشاي دة، كل دي مرارة ليا لوحدي، ياختي حُطي شوية سكر يحلو مرارة الأيام دي شوية.
ارتعبت " مستكة " وركضت حتى تفعل ما أمرتها بهِ سيدتها الجديدة، بتلك اللحظة فُتح باب الزنزانة ودلف العسكري هادرًا بنبرة عالية:- " شهد العفريت ".!
تعجبت " شهد " لكنها أجابت قائلة:- أيوة أنا يا ريس.
=تعالي حضرة الظابط عايزك.
زفرت بضيق قائلة بهمس خافت:- وبعدين بقا في قلة الراحة دي، دة أنا كنت لسة هغفل شوية.
نهضت من مكانها بكسل قائلة بنبرة عالية:- سُكي على الشاي يابت يا " مستكة " على ما أشوف حظابط عايز إيه وأرجع.
سارت برفقة العسكري متجهة نحو غرفة مكتب الضابط وهي تنظر حولها ببرود غير مُهتمة بمسألة القبض عليها.. وبمجرد أن دلفت إلى الغُرفة المنشودة توسعت نظراتها بصدمة.. وابتلعت ريقها بتوتر، ولسان حالها يقول جاءك الموت يا تارك الصلاة..
----------------------------
بعد قليل من الوقت خرجت " شهد " من قسم الشرطة بعد أن قام " زين " بحل الأمر.. فهي قامت بتدمير مُمتلكات الدولة لكنهُ انهى الأمر سريعٍ وها هو يقوم بتوبيخها منذُ اللحظة التي خرجت فيها من غُرفة الضابط.. هدرت قائلة بضيق:- ياعم خلاص بقا مسحت بكرامتي الأرض.
هدر هو الأخر بعصبية قائلًا:- هو أنا لحقت، وبعدين إنتِ مش هتبطلي الأستهتار اللي إنتِ فيه دة، دخلتي في كمين شرطة وماشية من غير إثبات شخصية، تخيلي لو كان جدك عرف دلوقتي.
زفرت بضيق قائلة:- يوووه بقا، هو أنا عملت كدة بمزاجي يعني، شنطتي نسيتها لما خرجت من المينا بسرعة عشان الحق اسلمك التقرير النحس دة، وبالنسبة للكمين هو اللي طلع قدامي فجأة.
كان على وشك الأصابة بذبحة صدرية وهو يهدر قائلًا بجنون:- الكمين هو اللي طلع فجأة، يعني مش إنتِ اللي حولة ولبستي فيه.! وبعدين فين " روان " وليه مش هي اللي جات سلمت التقرير، دة أنا قولت طالما هي معاكِ هتعرف تسيطر شوية على جنانك، أنا عارف إن " روان " أعقل منك ولا يمكن تتهور أبدًا.
= " روان ".!
زفر بضيق قائلًا:- أيوة " روان " اللي زمانها دلوقتي معكوكة في الشغل كله وفاكرة إن الهانم سلمت التقرير وهترجعلها تشيل معاها شوية، ياحبيبتي يا " رورو ".
= " روان ".!
هدر قائلًا بعصبية:- أيوة زفتة، إنتِ علقتي ولا إيه..!
لم تُجيب فأنتبه إلى نظراتها التي تُشير إلى شيءٍ ما خلفه.. التفت ببطءً وهو يشعر بنغزة ما بالحانب الأيسر من جسده، يتمنى أن ما يراه الأن " فوتوشوب " فها هو يرى " روان " شقيقته تترجل من سيارة الشرطة والأساور الفضية تُزين معصميها.. وبمجرد أن رأتهما الأخيرة اقتربت منهما قائلة بملامح هادئة ونبرة أكثر هدوءًا:- سلامو عليكو، متجمعين عند النبي إن شاء الله، بتعملوا إيه هنا..!
هتف شقيقها قائلًا بصدمة:- بتعملي إيه هنا..!
رفعت كتفيها وأنزلتهما قائلة بنبرة لامُبالية:- مفيش حاجة، أنا بس ضربت أستاذ " صبحي " مشرف الجُمرك اللي في المينا بكوباية المياة في دماغه، قام بلغ عني وجابوني على هنا.
تحولت نظرات " زين " إلى أخرى جنونية وهو يهدر بصدمة مُصطنعة قائلًا:- لا ملوش حق.
بتلك اللحظة انفجرت " شهد " ضاحكة بقوة حتى كادت أن تسقط أرضٍ من شدة الضحك.. بينما هو على وشك قتلهما معًا...
-----------------------------
هُناك امرأة تعلق روحك معها منذُ اللحظة الأولى.. امرأة بمُجرد أن تقع عيناك عليها تجد نفسك تلهث خلفها باحثٍ عن طيفها حتى تجده.. تتبع شذى عطرها بلهفة رغبةٍ منك في الغرق بين شذاها.. امرأة واحدة تأتي في عُمر الرجُل ومن بعدها ماتت في عيناه جميع النساء..
وصل " جواد " إلى المشفى العام بمدينته.. كان بداخل سيارة الإسعاف التي تقوم بنقل ضحايا الغدر اللذين لقوا حتفهم وهُم يُدافعون عن وطنهم.. التُراب والدماء اختلطوا سويًا بداية من خصلات شعره حتى أخمص قدميه.. بينما ملابسه لا تقل كارثة عن جسده.. ساعدهم طاقم التمريض في أصطحاب الضحايا إلى الداخل ولكثرتهم اضطرروا إلى توزيعهم على بعض العنابر العامة مع مراعاة عدم إثارة فزع المرضى الآخرين.. رفض " جواد " أن يقوم الطبيب بفحصه حتى يطمئن على باقية الجنود المُصابين إصابة أكثر خطورة منهُ أولًا.. ووقف هو بجانب فراش واحدًا من الجنود المُصابين يُتابع بصمت ما يحدث والحُزن بعيناه يتوغل إلى ملامحه.. حتى ظهرت هــــي...
-------------------------------
قبل ذلك الوقت بقليل وصلت سيارة أجرة تحمل بداخلها فتاة شابة في الثانية وعشرون من عمرها.. بشرتها البيضاء شاحبة وكأنها من الأموات.. شعرها البندقي الحلزوني الذي يصل إلى ما بعد كتفيها بقليل يتحرك حول وجهها بفوضى مُحببة.. لكن عيناها أغلقتهما بعدما فقدت الوعي أمام عربة الطعام بالشارع قبل قليل.. ترجلت من الجانب الأخر للسيارة فتاة أخرى وهي تصيح قائلة بهلعٍ:- ساعدونا يا عالم البت بتموت.
ركضت نحو المُمرضات وساعدوها على نقل صديقتها إلى الداخل وبعد الكشف أثبتت أنها حالة تسمم بسبب أطعمة الشارع الملوثة.. جلست الفتاة بجانب صديقتها التي لم تستيقظ حتى الأن قائلة بنواح:- عيني عليكِ ياصاحبتي، حتى اللُقمة مش متهنية عليها.
اقتربت منها المُمرضة قائلة بهدوء:- لو سمحتِ يا أنسة، عايزينك في الحسابات.
هب واقفة وهي تهتف قائلة:- حسابات ليه إن شاء الله، هي مش دي مستشفى حكومة من أبو بلاش..!
أجابت المُمرضة بضجر:- هي حكومة بس بيتدفع فيها مبالغ بسيطة وبعدين صاحبتك.. هي صحيح أسمها إيه..؟
=إسمها " حبيبة الجمال "، عندها 22 سنة، وفي أخر سنة في معهد سياحة وفنادق و..
قاطعتها المُمرضة قائلة بذهول:-بس بس إنتِ هتحكيلي قصة حياتها، أتفضلي على الحسابات.
زمت الفتاة شفتيها بضيق قائلة وهي تتحرك خارج العنبر:- هو إيه اللي كل شوية يلا ع الحسابات، هو أحنا هنهرب يعني.
بعد خروجها بدقائق بدأت " حبيبة " تستيقظ لكن آلام معدتها كانت شديدة.. حاولت أن تفتح عينيها بصعوبة لكن جفنيها ثقيلان بشدة مما جعلها تحاول عدة مرات حتى نجحت.. فتحت عينيها أخيرًا وبدأت تتطلع حولها بتعب لتدرك أنها بمشفى حكومي.. تذكرت أخر شيءٍ حدث لها عندما كانت تقف أمام عربة الكبدة تأكل مع صديقتها المُقربة " تُقى " وبعد أن أنتهت من شطيرة الحواوشي بالجبنة الذائبة شعرت بمعدتها تؤلمها بشدة فبدأت في الصراخ ثُم سقطت فاقدة للوعي..
رفعت كفها تمسح حبات عرقها المُتراصة على جبهتها لتصطدم بالإبرة المغروزة بهِ وموصلة بسلك طويل ينتهي عند ذلك الكيس البلاستيكي وبداخله محلول ما يسري بأوردتها.. مُعلق بعمود معدني طويل.. هتفت قائلة بغيظ:- منك لله يا جحش، حتى أكلك طلع أكل جحش زيك.
بتلك اللحظة صدح صوت رنين هاتفها الموجود بداخل تلك الحقيبة على المقعد بجانبها، تحاملت على نفسها والتقطت الحقيبة لترى من المُتصل.. تحولت ملامحها إلى أُخرى مُمشئزة كارهة ثُم فتحت الخط ووضعت الهاتف على أذنها ليصل إليها صوت أبغض شخصٍ تكرهه بحياتها قائلًا بنبرة أستفزاز:- ربنا خد أمانته ولا لسة..!
جزت على أسنانها قائلة بعصبية:- لا لسة مموتش، مش هموت دلوقتي اتطمن وصدقني محدش هياخد روحك غيري.
انطلقت ضحكات رجولية من الطرف الأخر جعلتها تكرهه أكثر ثُم هدر قائلًا بنبرة أكثر استفزازًا:- تاخدي روحي مرة واحدة..! يابت دة إنتِ حتت ساندوتش حواوشي رقدك في المستشفى.
انفجرت بهِ قائلة بشراسة:- متتغرش في رقدتي دي، أنت فاكرني هموت وأسيبك تلهف ورث أُمي يا راجل يا ناقص تبقا غلطان.
سمعت صوت الصافرة الخاصة بأنهاء المُكالمة فنظرت إلى الهاتف بإشمئزاز ثُم بصقت عليه قائلة:- قال الخال والد قال، اتفو عليك راجل حرامي.
القت الهاتف أمامها على الفراش واسترخت بظهرها إلى الخلف شاردة في اللاشيء.. بينما على الفراش القابع بجانبها تحيط بهِ ستائر المشفى الزرقاء ومن خلال ذلك الشِق الموجود كانت هناك عينان تُتابعان كل شاردة وواردة تُصدر منها.. كان " جواد " يُراقبها بأفتنان.. مبهورًا بجمالها الآخاذ الذي سرقهُ منذُ النظرة الأولى.. بداية من جسدها النحيل إلا في الأماكن الصحيحة.. قُصر قامتها الذي جعلها أشبه بفتاة صغيرة.. وصولًا إلى خصلات شعرها البُندقية الحلزونية التي تتطاير من حولها بفوضوية مُحببة إليه بتلك اللحظة.. إما عن عيناها وآه من عيناها.. يُشبهان حبتان من البُندق وكم يعشقه.. حتى شفتيها ورديتين ناعمتين.. ترى ما ملمسهما..؟!
عند تلك الخاطرة انتفض كالملسوع وهو يرى إلى أين وصلت أفكاره عن فتاة غريبة لم يراها إلا منذُ بضعة دقائق.. غض بصره واستغفر ربه لكن شيءٍ ما جعله يرفع رأسه لتلتقي نظراته بخاصتها.. كانت هي الأُخرى تنظر إليه عبر شِق الستارة بعد أن أحدث جلبة أخرجتها من شرودها لتتفاجأ بحالته التي يُرثى لها.. رأها تنظر نحوه بصدمة ثُم إلى الجندي المُستسلم على فراش الموت.. تنقل نظراتها بينهما ما بين صدمة وشفقة حتى استقرت عيناها بداخل عيناه..
النظرة إلى عينيها كانت لحظة السلام التي حلت على قلبه.. صفاء عيناها جعله كالمُغيب لا يشبع من النظر إليها.. ولتُزيد الطين ابتلالًا.. ابتسمت.. كانت ابتسامتها مُشفقة.. حزينة على حالهما وكأنها أفضل منهما.. فهي تعرضت إلى التسمُم قبل قليل.. لكنها أبتسمت لهُ كنوع من المؤازرة في ذلك الموقف ثُم همست قائلة بنبرة رقيقة يشوبها حزنها:- إن شاء الله تقوموا بالسلامة وربنا ينصركم.
فقد " جواد " النطق في حضرتها ولم يقوى على الحديث بينما هي أشاحت بنظراتها بعيدًا عنه غير شاعرة بما يحدث بداخله بسببها.. عادت مُجددًا إلى شرودها ولم يصل إلى أذنيها لحن الحُب الذي يصدح بالأجواء....
-------------------------------
" دار عائلة السُليمانية.. "
كانت جميع العائلة تجتمع بحديقة الدار.. تبدوا الجلسة للوهلة الأولى أنها عائلية دافئة لكنها أبعد ما يكون عن ذلك..
الجميع هُنا يجتمعون بعد أن أمرهم " عاصي " أن ينتظروه فهو لديه شيءٍ هام لهُم.. تأخر الأخير حتى بدأ الجميع يزفر بضيق.. هتف " كارم " قائلًا بضيق:- أنا مش فاهم قالنا نتجمع ليه لما هو هيتأخر.
أجابه والده الحاج " رزق " قائلًا بهدوءه المُعتاد:- الغايب حجته معاه، الله أعلم إيه اللي أخره.
ارتسمت أبتسامة ساخرة على شفتيّ " كارم " الذي يرى والده يُدافع عن شقيقه الأكبر كعادته.. دائمًا " عاصي ".. كل شيءٍ خاص " بعاصي ".. الجميع يفكر بهِ والباقية تأتي بعده..
أخرجه من شروده صوت " رامز " النزق الذي هدر قائلًا:- لا بقا أنا ماشي ومش هستنى البيه لما يجي.
بتلك اللحظة ضرب الجد " عبدالرحيم " الأرض بعصاه قائلًا بنبرة قوية مُجلجلة:- أقعُد ياقليل الرباية استنى أبن عمك، وأوعاك تتكلم عليه كدة تاني أو تعلي صوتك وأنا موجود.
جلس " رامز " على مضض بينما باقية العائلة تُتابع ما يحدث بصمت ما بين مُترقب.. لامُبالي.. قلِق.. حتى وصل " عاصي " وتوقفت سيارته بحديقة الدار تتبعه سيارة حراسته الخاصة.
ترجل من السيارة وتوجه نحوهم بخطوات واثفة تتابعه أعين جده ووالديه بفخرًا وأعيُن أخرى بحقدًا.. وقف أمام عائلته قائلًا بنبرة رخيمة:- السلام عليكم، أسف على التأخير.
أبتسم الجد بحفاوة قائلًا:- ولا يهمك ياحبيبي، اقعد خُد نفسك.
جلس " عاصي " بجانب شقيقه بهدوء ثُم بدأ يوزع نظراته نحو جميع العائلة حينها تحدث عمه الحاج " رجب " قائلًا ببشاشة:- خير يابني موضوع إيه اللي كنت عاوزنا فيه..؟
دار بنظراته ببنهم حتى توقفت عند " رامز " الذي توجس خيفة من نظرات ابن عمه الحادة الموجهة نحوه.. فجر الأخير قنبلته قائلًا بهدوء مُخادع:- " ليال العفريت " ضربتك ليه يا رامز..؟!
توسعت جميع الأعين بصدمة.. الجميع غير مُصدقٍ أن ذلك الإسم عاد يتردد مُجددًا بينهم بعد كل تلك السنوات وعلى لسان " عاصي " بالتحديد.. مشاعر مُختلفة انتابت الجميع لكن لا أحد قادر على التفوه بحرف.. بينما " رامز " ابتلع ريقه بصعوبة وهو يشعر بأن روحه على وشك مغادرة جسده بتلك اللحظة ثُم هتف قائلًا بتوتر:- أنا.. أنا كنت واقف مع واحد صاحبي في شارع "..." وبعدين هي ظهرت فجأة وشديت مع صاحبي فأتدخلت ادافع عنه قامت ضرباني.
لطمت والدته السيدة " بهيجة " بأصابعها السمينة قائلة بلهفة:- قطع إيديها ياحبيب أُمك.
ابتسم " عاصي " بسُخرية قائلًا:- أهدي يا مرات عمي ومتتخضيش على الحيلة أوي كدة.
برمت شفتيها ولم تستطيع أن تُجيب بينما هو نظر إلى وحيد عمه المُدلل وهتف قائلًا بسخرية سوداء:- يعني مضربتكش عشان أنت مثلًا كنت واقف مثبت بنت وبتسرقها أنت والصايع صاحبك.
صدحت شهقات حادة من الجميع.. ما تلك الكارثة التي حلت عليهم.. إذا اكتشف أحدًا فعلة " رامز " الرعناء تلك ستتلطخ سُمعة العائلة بالوحل.. انتفضت السيدة " بهيجة " بغضب هادرة:- حاسب على كلامك يا ابن " فوزية "، ابن مين دة ياحبيبي اللي يسرق، ليه هو محتاج ايه عشان يسرق..!
ابتسم بسخرية قائلًا بنبرة استفزازية:- والله السؤال دة تسأليه للحيلة يا مرات عمي، ولو مش هيجاوبك أحب اقولك انه بيسرق عشان بيشرب مخدرات، وعايز فلوس ليل ونهار.
كانت الصدمات تتوالى على العائلة الواحدة تلو الأُخرى.. وبعد تلك الكارثة الأخيرة التي فجرها " عاصي " سادت حالة من الهرج والمرج ما بين صياح غاضب مُدافع وأخر مُتهم.. حينها هدر الجد " عبدالرحيم " قائلًا بنبرة قوية صارمة:- مش عايز اسمع صوت حد فيكم، والواد دة يتحبس في أوضته ويتاخد منه موبايله وفلوسه ومفاتيح عربيته ومفيش خروج غير لما نشوف حل للمصايب اللي جابهالنا على أخر الزمن..
------------------يُتبع-------------------