أخر الاخبار

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ١٢

 العفاريت 

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ١٢

رواية العفاريت بقلم ايه صبري 
الفصل الثاني عشر 
    *أكـثـر مِـن حُـب*


عندما تقع في الحُب ستشعُر حينها بكُل خدشٍ يُصاب بهِ حبيبك.. قلبك سيهمس لك يخبرك بآلامه.. وكل ما عليكَ فعله هو أن تُصغي إلى قلبك بأهتمام.. سيكون هو مرشدك خلال رحلتك القادمة.. 


ضربات قلبه تتواثب برُعب.. يخشى كثيرًا أن يفشل في إنقاذها.. لطالما نجح في إنقاذ عشرات الرهائن والأسرى من مختلف أنواع المجرمين.. هل سيفشل في إنقاذ حبيبته..! 


هل قال حبيبته..! هل ما يشعر بهِ تجاه " حبيبة " هو الحُب..! لكن متى أحبها.. وأين.. وكيف..! هو لم يتبادل معها الحديث إلا مرة واحدة لا تتعدى الدقائق إذًا متى حدث هذا..! 


الإجابة لقد أحبها منذُ المرة الأولى التي وقعت عيناه عليها.. للمرة الأولى يلتفت قلبه إلى إحداهن كانت هي.. وأدرك حبه لها فور أن شعر بالخطر يُحيطها.. لكن الأدهى من كل ذلك أن " حبيبة " لا تعرف بهذا الحُب.. ولا يعرف كيف سيكسب قلبها.. 


كان يقود سيارته بأقصى سرعة يأكل الطريق أكلًا أملًا في أن يصل سريعًا لها.. يتمنى لو كان يملك أجنحة بتلك اللحظة.. لكان طار إليها وكان أول الواصلين.. عقله يدور في جميع الإتجاهات.. وقلبه ينتفض بخوف من فكرة خسارتها وهو بالكاد وجدها.. 


بجانبه يجلس " عاصي " صامتٍ غارقٍ في حزنه هو الآخر.. يتذكر عندما وصل إليه خبر أن أحدهم يُخطط لقتل " ليال ".. لم يهتم بشيءٍ سواها.. لم يخشى شيءٍ إلا فقدانها.. كان ثائرًا.. هائجًا.. يرغب في تمزيقهم إربًا إربًا قبل أن يمسها أحد.. بينما في الخلف يجلس " زين " يتأمل حالة صديقه بشرود..  " جواد " يبدوا عليه الوقوع في الحُب بوضوح.. في الواقع لا يوجد رجل سيثور هكذا ويرتعب من اجل فقدان امرأة كما أنهُ يُعرض حياته إلى الخطر هكذا من أجلها إلا إذا كان واقعٍ لها.. وهو يبدوا واقعٍ وبشدة.. شرد " زين " في شيءٍ آخر عندما تذكر ليلة أصيبت شقيقته " ليال " وعرف أن من أنقذها هو زوجها.. حبيبها وعدوها بذات الوقت..  " عاصي ".. بالتأكيد الأخير كان يمر بنفس الحالة أيضّا.. الخوف من فقدان الحبيب أمر طبيعي يمُر بهِ الجميع.. لكن السؤال الذي يدور بعقله الأن.. هل سيقع هو أيضًا بالحُب.. هل سيخشى فقدانها.. هل سيفديها بحياته إن لزم الأمر..! وأين هي الآن..! 


عاد الجميع إلى وعيهم عندما توقفت سيارة " جواد " بمنطقة شِبه مهجورة.. لا يوجد بها إلا عددًا قليل من الورش والمصانع والتي يبدوا أن جميعها فارغة منذُ فترة لابأس بها.. 


نظر " زين " حوله قائلًا بجدية وتركيز:- دة العنوان اللي قال عليه المُخبر بتاعي، البت موجودة في مصنع غزل ونسيج هنا. 


تجهمت ملامح " جواد " قائلًا بنبرة قاتمة:- إسمها الأنسة " حبيبة ". 


=نعم.! 


هدر " عاصي " بتلك الكلمة مُستفهمٍ بينما أكد الرجُل الغاضب بنبرة أشد قوة قائلًا:- إسمها الأنسة " حبيبة ". 


نظر إليه " زين " كأنهُ مُختل عقليًا وتساءل بداخل عقله هل هذا الوقت المُلائم لإجراء هذه المُحادثة الشيقة.. ثُم إنهُ بماذا اخطأ بقوله -بت- أهي ليست -بت- في النهاية أم ماذا..! 


لم يرغب في مجادلته لذلك أعاد ما قاله مجددًا بجدية وأدب لا يليق بهِ:- دة العنوان اللي موجودة فيه الأنسة " حبيبة "، تمام كدة.! 


اومأ لهُ " جواد " برضا بينما " عاصي " يُتابع الحديث بحدقتين متسعتين بذهول وتعجب.. هل فقد ابن عمه عقله أم ماذا.! 


صدح صوت رنين هاتف " جواد " فأجاب سريعًا وكان واحدًا من رجاله الذين كلفهم بتمشيط المنطقة والتأكُد من وجود " حبيبة " بها.. وبالفعل جاء التأكيد لهُ.. لذلك لم يتردد وهو يترجل من السيارة يخلع سترته الجلدية غالية الثمن ثُم يلقيها بالسيارة ويسحب سلاحه من خصره مُلقمٍ إياه استعدادًا للأشتباك بأي لحظة.. 


فعل " عاصي " و " زين " المثل.. وقف الرجلان بجانب بعضهما بأجسادهما الضخمة العضلية يتواجهان في تحدي صامت.. وهناك لمعة فخر ذكوري بقوتهما الجسدية تلمع بعيناهما.. بينما سلاح كلًا منهما بين قبضته.. 


تحرك الجميع بحذر يتوغلون بالمنطقة وكانوا كالجيش الصغير.. " جواد " ورجاله.. " عاصي " ورجاله.. " زين " ورجاله.. بالإضافة إلى رجال الشرطة اللذين يحاوطون المكان وتأمينه لهُم.. 


----------------------------------


تعلم أن مهما بلغت درجة شراستها.. قوتها.. إلا أنها بالنهاية مجرد فتاة.. فتاة قوتها الجسدية ليست مثل هذان الرجلان الأشداء اللذان يقفان أمامها بتلك اللحظة.. لا تعلم هل إذا صرخت سينقذها أحد.. هي لا تعرف أين هي بالأصل.. 


نظراتهما تجاهها مريضة.. ليست مجرد نظرات رغبة أو شهوة لا.. نظرات مريضة خبيثة.. يُدركان أنهما سيقومان بإغتيال براءتها الأن.. سينتهكان عذرية جسدها.. سيستبيحانها بكل تجبُر دون خوف من الله.. 


ظهر الرُعب واضحٍ على معالم وجهها.. صوت دقات قلبها المُرتعبة تشُك أن بإمكانهما سماعها.. خطواتهما بطيئة نحوها وكأنهما يتلذذان أولًا بخوفها قبل ذبحها.. 


هدرت قائلة بنبرة شرسة لكنها خرجت مُرتجفة رُغمٍ عنها:- أبعدوا عني، لو حد فيكم قربلي هموته. 


تبادل الرجلان النظرات سويًا بإبتسامة خبيثة واستمتاع مريض وهما مازالا يقتربان منها.. بتلك اللحظة لم تجد بد من الصراخ.. لذلك وبأعلى نبرة تملكها صرخت.. صرخت برُعب.. بهلع.. تصرخ بكلماتٍ متقطعة تطلب النجدة وتتمنى لو يسمعها أحد.. 


واستجابت أُمنيتها سريعًا لأن باللحظة التي وصل إليها الرجُل الأول وكان على وشك أن يقبض على وجهها بكفه القذر كانت هُناك رصاصة تخترقه بفضل سلاح " جواد ".. أسقطته أرضٍ وهو يمسك بكفه صارخٍ بألم.. بينما صديقه التفت وهو يلتقط سلاحه من خصره لكن سبقته رصاصة " زين " التي استقرت بساقه لينضم إلى الأخر صارخٍ بألم أشد.. 


كان " جواد " يقف على باب الغرفة المحتجزة بها هي.. شاهرًا سلاحه بعد أن أصاب الرجُل.. يتأملها من على بُعد خطوات قليلة.. يتأكد من سلامتها قبل أن يقترب منها أكثر.. نظرات عيناه المُرتعبة تشي بالكثير.. يتطلع نحوها وكأن الزمان توقف من حوله ولم يبقى سواهما.. تعبير مُبهم بالنسبة لها يطوف بملامحه بتلك اللحظة لكنهُ بالنسبة لهُ شديد الصراحة.. كان تعبير رجُل كاد أن يموت هلعٍ وخوفًا بسبب الفتاة التي وقع لها.. 


بينما " حبيبة " كانت فاغرة فاهها بصدمة.. بندقيتيها تلمعان بذهول.. صدرها يعلو ويهبط بتوتر وعدم تصديق أنها أُنقِذَت للتو.. لقد أنقذها أحدهم.. سمعها ثُم لبى أمنيتها.. ولم يكُن سواه.. مُنقذها الذي أنقذها للمرة الثانية.. لماذا دائمًا يظهر بكل مرة تقع بكارثة ما.. تأملته يقف شامخٍ كالجبل.. يُشهر سلاحه بوجه هذان الوغدان بعد أن أصاب أحدهم.. بريق عيناه بتلك اللحظة يُشبه لحظة مرور شهاب بالسماء في لحظة خاطفة.. لقد رأت عيناه تتفحصانها بقلق.. تمر على كل إنش بجسدها ليس رغبة أو غيره ولكن فقط من باب الإطمئنان.. نظراته طردت نظرات زوجيّ الشياطين هذان وحلت محلها لتبث الهدوء والإطمئنان بقلبها الصغير.. لا تعلم كيف أو لماذا اطمئنت بمجرد أن أبصرته.. ولا تهتم الأن بتفسير أية مشاعر.. 


راقبته وهو يقترب منها بخطوات متلهفة ثُم توقف أمامها مباشرةً.. رفعت رأسها لتتطلع بهِ.. فهي كانت جالسة على المقعد الخشبي مُقييدة و.. قصيرة أيضًا.. التف حول المقعد وقام بحل وثاقها ليتراخى جسدها المُتشنج قليلًا وتتنفس براحة.. لقد كان يؤلمها الحبل بشدة.. عاد ليقف أمامها من جديد.. لكن هذه المرة وقفت هي أيضًا.. يتواجهان بهذا القُرب للمرة الأولى.. يكاد يتنفس أنفاسها.. وكم يرغب في لمسها للتأكد من إنها بخير.. لكن لا يريد أن يُخيفها.. أو الاسوأ أن تنفر منه.. فهو على ما يبدوا أمامه طريق طويل معها ليجعلها تقع بهواه مثلما وقع هو بهواها.. 


همس هو بنبرة أجشة قائلًا بتساؤل:- إنتِ كويسة، حد عملك حاجة.؟ 


كانت مشدوهة بهِ.. لا تصدق إنها رأته من جديد.. لقد شغل تفكيرها لأيامٍ طوال بعد حادثة الأتوبيس.. والتي كانت تعتقد أنها مجرد صُدفة لكن يبدوا الأمر الأن ليس كذلك.. لم تُجيب سؤاله بل همست هي قائلة بنبرة ضعيفة:- إنت عرفت مكاني منين.؟ 


وبتلك اللحظة لم يملك السيطرة على لسانه الذي اندفع هادرًا بقوة أجفلتها:- إنتِ لو تحت في سابع أرض هجيبك برضه. 


شهقت " حبيبة " بدون صوت.. شهقة خفيفة تشبه الهمسة لكنها كانت كافية لتصل إلى مسامعه هو.. نبرته كانت رخيمة.. قوية.. متوعدة.. وهي كانت أضعف من أن تُفسر كل ما يصدر منه.. يكفي وجوده المُربك لها.. 


انتبها على صوت " عاصي " الذي تنحنح قائلًا من خلفه بنبرة تبدوا جادة لكن ابن عمه استطاع أن يلتقط العبث بها:- الرجالة خلصت شغلها يا حضرة الظابط، لو مش واخد بالك يعني.! 


سبهُ " جواد " بسره لأن صوته الذي يُشبه صوت الثور قد أجفلها واستطاع أن يلمح إرتجافها.. التفت ليزجره لكي يرحل لكنهُ تفاجأ أيضًا بـ " زين " يقف خلف " عاصي " يستند بكتفه على باب الغرفة الصديء.. يكتف ذراعيه نحو صدره وهو يمسك بسلاحه بكفه يحركه يمينًا ويسارًا بتسلية.. وعلى الرُغم من جمود ملامحه لكن كانت هناك إبتسامة شقية ترتسم على شفتيه وتصل إلى عيناه.. زم شفتيه بضيق.. يبدوا أن الوقت الجاد قد إنتهى وحان وقت التسلية.. سيكون كالعلكة بين أفواهما.. هو يعرف صديقه وابن عمه.. لن يمررا لهفته عليها وثورته مرور الكرام.. 


نظر إليهما بتحذير لكي لا يتحدثا أمامها بشيءٍ خارج.. ثُم التفت إليها لتتحول نظراته بلحظة إلى ينابيع من الحنان قائلًا بنبرة دافئة أسقطت فكي الرجلان من خلفه:- يلا عشان ترجعي بيتك، والدتك قلقانة عليكِ أوي. 


رفعت رأسها تنظر نحوه بصدمة.. وكأنها تذكرت والدتها للتو ثُم هدرت قائلة وهي تقترب منه حتى كادت أن تلمسه بنبرة خائفة:- هي كويسة، حصلها حاجة.! 


أبتسم لها قائلًا بنبرة أشد دفءً:- هي كويسة، بس قلقانة عليكِ، يلا عشان ترواحي. 


تحركت أمامه لكنها تفاجأت بـ " عاصي وزين " يقفان أمام الباب بأجسادهما الضخمة وملامحهما الصلبة.. مما جعلها ترتبك وتخاف.. وبحركة عفوية منها عادت لتقف خلف " جواد " تحتمي بهِ وهي تتشبث بظهره بدون قصد.. أجفل هو من حركتها الغير متوقعة.. أصابعها الصغيرة الطرية تتشبث بقميصه الخفيف وكأنها تلمس بشرته.. قشعريرة أصابته عندما تخيلها تلمس بشرته مباشرةً.. نفض رأسه بقوة ليُنحي أفكاره المنحرفة جانبًا الأن.. ثُم نظر إلى رفيقيه وهما يتحركان بعيدًا عن الباب قبل أن يغمزه " زين " بشقاوة وشفتيه تهمس بكلمة -العفو-... 


-----------------------------


" دار آل عفريت.. "


=ياللهووي، يا ميلة بختك في ولادك يا " سُعاد "، بتشرب سجاير يا " كريم "، دي أخرتها، أقول لأبوك إيه اللي سايبكم ليا أمانة ومتبهدل في الغُربة عشانكم.! 


كان الشاب يقف فاغرًا فاهه ينظر نحو والدته بصدمة.. لقد أمسكت بسيجارة عادية بجيب سترته فقط.. وماذا إذا كان يُدخن.. هو رجل على أعتاب عامه الثالث وعشرون..! لماذا تقوم بتكبير الأمور إلى هذه الدرجة.! 


هدر الشاب قائلًا بصدمة:- في إيه يا أُمي، دي سيجارة عادية، هو إنتِ قافشة معايا سيجارة حشيش لاسمح الله.! 


ضربت والدته على صدرها بكفيها المُمتلئين.. كما أصدرت صوت أساورها الذهبية الرنانة طنينًا مزعجٍ بعض الشيء.. ثُم هدرت قائلة بولولة:- حشيش، كمان حشيش.! يا فضيحتي، يا فضيحتي، أقول إيه للناس.! 


هدر " كريم " قائلًا بذهول وكأنهُ يتحدث مع مجنونة:- والناس مالها ومال سجايري، يا أُمي متكبريش المواضيع الله يرضى عليكِ. 


التقطت خف المنزل خاصتها الثقيل ثُم القته نحوه صارخة بجنون:- اخرس يا قليل التربية، أنا هبعت لأبوك وأقوله، لازم ينزل ويشوف صرفة معاك. 


تفادى " كريم " الخف صارخٍ بجنون أشد:- هتجيبي الراجل من الجزء التاني من الكوكب وتنزليه على ملا وشه عشان أنا شربت سيجارة بريئة، طب استني لما اتجوز عرفي. 


وضعت كفها على صدرها قائلة بأنفاس لاهثة:- تتجوز عرفي.! آآآه، إلحقوني هموت. 


اقترب منها سريعًا بنية صافية ليتفقدها لكن لم يكن يتوقع حركة الغدر التالية.. حيثُ أمسكت برسغه بقوة وانحنت لتلتقط الخف الأخر قائلة بشراسة:- قفشتك، بقا أنت بتشرب سجاير وعايز تتجوز عرفي.! أنا هربيك من أول وجديد. 


حاول الشاب أن يتفادى ضرباتها وهو يصرخ قائلًا بذهول وألم:- ينهار أزرق، إنتِ لسة فيكِ العادة دي.! تعالى ياحبيبي مش هضربك وفي الأخر كنتِ بتكربجينا.! إنتِ أُم مش جدعة على فكرة. 


حاوطت رأسه بكفيها ثُم أحكمت قبضتيها حولها وقربتها من فمها لتقبض بأسنانها على وجنته قائلة بشراسة:- بقا أنا مش جدعة، طب تعالى أواريك جدعنتي بقا. 


صرخ " كريم " بقوة وهو يُحاول دفعها دون أن تتأذى.. نجح في الإفلات منها بصعوبة وركض خارج المنزل وهو يحمد ربه لأنه حيًا يرزق حتى الأن.. 


وأثناء ركضه اصطدم جسده الضخم بجسد صغير لين يعرفه جيدًا.. صرخت " بتول " بهلع عندما شعرت بنفسها تتراجع إلى الخلف وستقع على السلالم من خلفها بعد أن اصطدمت بشيءٍ ما.. لكن هو كان أسرع عندما التقط ذراعها ساحبًا إياها نحوه حتى ارتطمت بصدره الصلب.. 


شهقت بصدمة عندما وجدت نفسها بين أحضانه.. يحاوط جسدها الصغير بذراعيه ويبدوا أن لا نية لهُ لإفلاتها.. وضعت كفيها الصغيرين على صدره تحاول إبعاده دون جدوى وهي تهتف قائلة بضيق وتوتر:- أوعى، قولتلك قبل كدة متمسكنيش بالطريقة دي. 


ضحك " كريم " بشقاوة قائلًا وهو يُلصقها بهِ أكثر:- أمال عايزاني أمسكك إزاي، قولي يا " بيتو " متتكسفيش.! 


اشتعلت عسليتيها بنيران الغضب وهدرت قائلة وهي مازالت تحاول التحرر منهُ:- متلمسنيش خالص يابني أدم، قولتلك إبعد عني. 


=كُنتِ فين.؟ 


تصنمت مكانها تنظر نحوه بذهول قائلة:- ها.! 


عقد حاجباه بعبوس قائلًا:- هو إيه اللي ها، بقولك كُنتِ فين كل دة.؟ 


حاولت أن لا تصرخ وتثير فضيحة لذلك هدرت قائلة بشراسة:- وأنت مالك، هو أنت وليّ أمري.! 


ضغط على خصرها بكفيه بقوة ألمتها قائلًا بشر:- كُنتِ مع " وليد " ولا مع " أنس ".؟ 


شهقت بقوة وغضب من تلميحاته القذرة نحوها ولم تملك إلا أن تتحدث بغضب جم هادرة:- قولتلك إلزم حدودك معايا يا " كريم "، أنا مش واحدة من الزبالة اللي أنت بتعرفهم. 


ثُم وبحركة خاطفة كانت تقوم بلكمه ببطنه وأخرى بوجهه ليبتعد عنها.. لكنها تفاجأت بهِ بضحك بقوة.. عقدت حاجبيها بحيرة.. أليس من المفترض أن يصرخ ألمٍ الأن.. بينما هو انتصب بوقفته قائلًا بأنفاس لاهثة ونبرة وقحة:- بتطبقي عليا اللي بتعلمهولك " ليال ".! بس إنتِ محتاجة تقوي عضلاتك شوية يا " بيتو "، ضربتك كإني بخبط في حتة ملبن. 

صمت لثانيتين يترقب عيناها الواسعتين بدهشة ثُم شهق قائلًا ببراءة مُصطنعة:- وأنا أقول إمبارح فتحت علبة حلاوة المولد ومكنتيش موجودة يا ملبن وسط الحلويات ليه، طلعتِ هربانة منها يا لئيمة.! 


كان فاهها على وشك أن يسقط أرضٍ.. مصدومة.. مشدوهة.. مأخوذة.. من الذي يقف أمامها.. أهو " كريم " حقًا.! لا بالتأكيد ليس هو.. وعند تلك الخاطرة شعرت بالرعب.. لذلك دون تردد أطلقت قدميها للرياح وأسرعت بالركض نحو منزلها تحتمي بهِ من الوحش الوقح الذي على وشك إلتهامها الأن.... 


----------------------------


بـتـلـومـونـي لـيـه..! 

بـتـلـومـونـي لـيـه..! 


لـو شـوفـتُـم عـيـنـيـه.. 

حـلـويـن قـد إيـه.. 


هـتـقـولـوا إنـشـغـالـي.. 

وسـهـد الـلـيـالـي.. 

مِـش كـتـيـر عـلـيـه.. 


لـيـه بـتـلـومـوني..! 


كانت كلمات أغنية " بتلوموني ليه " للمطرب " عبدالحليم حافظ " تصدح بالأجواء بداخل سيارة " جواد " الذي كان يقود سيارته وهو مُبتسم بهدوء.. وبجانبه " حبيبة " التي تجلس تفرك كفيها ببعضهما البعض بتوتر من نظراته التي يُلقيها عليها كل فترة.. كانت متوترة وخجلة.. على الرُغم من الكارثة التي كانت واقعة بها قبل قليل.. إلا أنها تشعر بالراحة لأنه أنقذها.. وبالسعادة لأنها رأته مرة ثانية.. تقصد ثالثة.. 


كانا طائري الحُب يجلسان بالأمام بعالمهما الخاص بينما في الخلف يجلس " عاصي و زين " يشاهدان ما يحدث بصدمة.. بينما فاههما على وشك أن يصطدمان بأرضية السيارة.. ذراعيهما مضمومان نحو صدريهما يُتابعان ما يحدث بأعين جاحظة.. هل وقعا بفيلم قديم لعبدالحليم حافظ وشادية أم ماذا..!! 


همس " زين " قائلًا بدهشة وصوت خفيض حتى لا يصل إلى الأمام:- هو بجد مشغل " عبدالحليم حافظ "، يعني بيشقطها بالطريقة دي.؟ 


زم " عاصي " شفتيه هامسًا بضجر:- دمر سُمعتنا ابن الكلب، فاكر نفسه واقع في فيلم قديم، الواد دة شكله محتاج دروس تقوية في الشقط. 


سخر " زين " قائلًا بهمس:- قال بعد ما شاب أخدوه الكُتاب. 


فلتت ضحكة من بين شفتيّ " عاصي " ثُم همس قائلًا:- مش أحسن من الفضيحة دي.! 


ضحك " زين " وبلحظة عفوية تصافحا بالأيدي كالأيام الخوالي.. عندما كانا أصدقاء لا يفترقان.. قبل أن تحولهما الأيام إلى أعداء.. 


تصنما مكانهما فجأة بإدراك لما حدث.. حررا كفيهما سريعًا من بعض وعادت ملامحهما إلى التجهم مرة أخرى.. حتى إنهما فقدا الشغف في متابعة " جواد وحبيبة ".. 


بدد توتر الأجواء رنين هاتف " زين ".. نظر إلى المُتصلة ثُم أغلق الأتصال سريعًا لكن كان " عاصي " قد التقط إسمها على الشاشة.. فهدر قائلًا بحزم:- ما ترود عليها. 


لم ينظر إليه " زين " لكنهُ هتف قائلًا ببرود:- خليك في حالك. 


التمعت نظرات " عاصي " بالشر وصاح قائلًا بنبرة أجفلت الجميع:- يعني إيه خليني في حالي، أفرض محتاجة حاجة ولا واقعة في مشكلة ما ترود عليها.! 


وبنفس البرود أجابه قائلًا:- لو واقعة في مشكلة هتعرف تخلص نفسها وفي باقية إخواتها، متقلقش أنت وخليك في حالك برضه. 


قبض " عاصي " على تلابيب ملابسه هادرًا بعصبية:- يابني أدم مش عايز أضربك، بقولك رود عليها لاتكون حصلها حاجة. 


تأفف " زين " وأبعد أصابعه عن ملابسه ولم يُجيب بينما " ليال " مُستمرة في أتصالها مما دب الرُعب في قلب " عاصي ".. بدأت بينهما مشاجرة وتراشق بالكلمات غير عابئان بأحد.. بينما " جواد " أوقف السيارة على غفلة مما جعلهما يصمتان.. ثُم التفت بجسده نحوهما قائلًا بنبرة بطيئة من المفترض أن تُخيفهما:- ممكن تخرسوا شوية، صوتكم هيقلب بينا العربية، ولو خايف عليها يا " عاصي " اتصل أنت بيها، أكيد معاك رقم مراتك يعني.! 


هدر " زين " قائلًا بقوة:- لا ميتصلش عليها. 


هدر " جواد " بقوة أشد وحزم:- يبقا ترود عليها عشان هو كمان من حقه يتطمن على مراته. 


وعلى مضض فتح الأتصال ووضع الهاتف على أذنه هادرًا بعصبية أجفلتها:- عايزة إيه يا " ليال ".! 


قبض " عاصي " على قبضته يحاول أن يتحكم بأعصابه حتى لا يقتله بسبب عنفه معها بالحديث لكنه تنفس الصعداء عندما سمعه يهتف قائلًا بضجر:- أيوة أخدت اللاب معايا ، كنت محتاجه، مش قولتلك 100 مرة يا تصلحي بتاعك يا تشتري واحد جديد. 


صمتت لثوانٍ حتى وصل إليه ردها فهتف قائلًا برفض قاطع:- إنسي، أنا مش فاضي النهاردة عشان أجيبلك حاجة، بكرة أبقي أنزلي اشتري إنتِ. 


وبدون لحظة تردد أغلق الهاتف بوجهها ناظرًا إلى الرجُل الغاضب بجانبه والذي يتطلع نحوه بشرًا لم يُخيفه.. حينها نظر " جواد " إلى الفتاة الخائفة بجانبه قائلًا بنبرة ناعمة:- قربنا نوصل يا أنسة " حبيبة "، هو أنا مُمكن أقولك " حبيبة " من غير ألقاب.! 


كانا الرجلان الغاضبان بالخلف على وشك أن يصدما رأسيهما بالزجاج من شدة ضجرهما من الموقف المائع أمامهما.. بينما " جواد " عاد للقيادة والأبتسامة الواسعة مازالت على شفتيه... 


-------------------------------------


يسوقك قدرك إلى حيثُ يُريد قلبك.. 


لا يعلم لماذا يذهب تفكيره إليها بالفترة الأخيرة.. بالصباح يراها بالجامعة.. وبمحاضراته عيناه تحاصرها بكل مكان.. وفي الليل تزور أحلامه.. وفي الغالب تكون أحلام خارجة عن حدود الأدب.. لماذا يُفكر بها بتلك الطريقة لا يعلم.. يراها منذُ سنوات عندما التحقت بالجامعة في سنتها الأولى.. لكنها لم تُشغل تفكيره إلا منذُ فترة قريبة جدًا.. أيُعقل أن عينيها العسليتين شبيه القطط السبب بما يشعر بهِ.. يعترف أن لعيناها وهجٍ ساحر.. جذاب.. من يتعمق بهما لا يملك إلا أن يقع صريعٍ لهما.. 


دلف إلى ذلك المقهى الراقي برفقة مجموعة من أصدقائه.. كان يسير بخيلاء وكأنهُ أمير من زمنٍ قديمٍ.. شيءٍ ما بهِ يجعلك تراه بالمرة الأولى كالطاووس المغرور مُنتفش الريش.. يُمكن أن تربيته الأرستقراطية الراقية لها دخل بذلك.. فهو " إسلام الحشاش ".. 


بعد أن جلس مع أصدقائه وبدأت وصلة الأحاديث والمرح لفت إنتباهه صوت ضوضاء يأتي من طاولة بجانبه.. نظر إلى تلك الطاولة ليتفاجأ بها.. تجلس هناك برفقة صديقاتها.. تضحك وتتحدث.. تحرك كفيها في الهواء وهي تشرح شيءٍ ما بحماس شديد خطف قلبه.. ضحكتها.. بريق عينيها.. حركات كفيها العشوائية.. خصلات شعرها اللولبية البنية القصيرة تتحرك معها بفتنة.. كل هذه الأشياء فتنته حقًا.. ولم يعُد قادرًا على اشاحة عيناه عنها.. 


" رجوى العفريت " طالبته النجيبة والمتميزة.. والتي مؤخرًا أصبحت تشغل حيز كبير من تفكيره.. كان صوت ضحكاتها تصدح بأجواء المقهى جاذبًا الأنظار نحوها.. مما جعله يعبس ويستيقظ من دوامة فتنتها.. عقد حاجباه قليلًا دليلًا عن عدم رضاه لكن يبدوا أنها لم تنتبه إلى ذلك.. 


وفي لحظة تهور منهُ استأذن من أصدقائه وخرج من المقهى متوجهًا نحو حديقته الخلفية يقف بها.. أخرج هاتفه وضغط على عدة أزرار ثُم وضعه على أذنه في أنتظار الرد.. وأنتظر لدقيقتين كاملتين قبل أن تُجيبه بصوتها المغوي دون قصد قائلة بأدب لم يخلو من الدهشة:- دكتور إسلام، خير في حاجة.! 


=تعالي في جنينة الكافيه دلوقتي. 


القى جملته ببرود جعلها تتصنم بصدمة وتوتر.. وتتساءل كيف عرف بمكان وجودها.. ولماذا تلك الطريقة المريبة ليراها.. لكنها لم تجد بد إلا أن تنهض وتذهب لهُ.. 


كان يقف أمام حوض جميل لمجموعة من الزهور الرقيقة يتأملها لكنهُ شعر بها تقترب منهُ بخطوات مترددة حتى توقفت خلفه قائلة بهمسٍ خافت قلق:- إحم، خير يا دكتور في حاجة، حضرتك طلبتني هنا ليه.! 


انتظر لثوانٍ قليلة قبل أن يلتفت لها ويقف أمامها مباشرةً.. وعلى الرغم من أنا ليست من الفتيات القصيرات لكن بالنسبة له كانت قصيرة.. رأسها يصل إلى صدره وكم أغراه هذا.. 


كانت تعبيرات وجهه مبهمة لا تُعبر عما يدور في خلده لكن عندما تحدث هدر قائلًا بنبرة صارمة:- صوتك عالي وإنتِ بتضحكي وجايب لأخر الشارع، وواجبي إني أنبهك ولا إيه.! 


توسعت حدقتيها بصدمة وإحراج لكنها هتفت قائلة سريعًا:- أنا مكنتش واخدة بالي، بس الموضوع مش مستاهل تخليني أجيلك هنا، كنت قولتلي في التليفون وخلاص. 


حرك كتفيه بالامُبالاة قائلًا ببرود مصطنع:- أنا أعمل اللي يعجبني وقت ما أحب وحضرتك مش ملزمة تقوليلي أعمل إيه ومعملش إيه. 


للمرة الثانية يصدمها لكن هذه المرة صدمة مصحوبة بالغضب.. من هو حتى يتحدث معها بتلك الطريقة الوقحة.. ولماذا أصبح وقحٍ معها هذه الفترة..! ارادت أن ترُد لهُ إحراجه لها فهدرت قائلة بنبرة حازمة:- ولا أنت كمان ملزم تقولي أعمل إيه ومعملش إيه، وتاني مرة ياريت متتعداش حدودك وتتصل بيا وتخليني أجيلك عشان حاجة تافهة زي دي، عن إذنك يا.. يا دكتور 


كانت تتوقع أن يثور بوجهها ويوبخها لكن ردة فعله كانت صادمة.. لقد ضحك.. حقًا انفجر ضاحكًا بقوة.. نظرت نحوه فاغرة فاهها بذهول.. حتى توقف أخيرًا قائلًا بشقاوة:- قفوشة أوي إنتِ يا " رجوى " بس برضه هتوطي صوتك وإنتِ بتضحكي، وعدي يومك بقا. 


كانت تنظر لهُ كإنه مخبول.. هل هو بالفعل كذلك.. لذلك هدرت بأول ما أتى إلى عقلها قائلة بحزم:- دكتور " إسلام " حضرتك بقالك فترة متقصدني في مواقف كتير وغالبًا في حاجة شخصية بينا وأنا مش عارفة إيه هي، فأنا بقول لحضرتك أهو يا تقولي دلوقتي في إيه، يا من فضلك ياريت تراعي طبيعة العلاقة بينا ومتتخطاش حدودك معايا تاني. 


كان حديثًا عمليًا بحتًا.. لكن رُغمٍ عن ذلك لم يتضايق.. هو يعرف أنها لا تشعر بهِ مثلما يشعر بها.. وهذا ليس ذنبها.. لكن ماذا يفعل في طبيعته الجافة التي لا تساعده على جذبها نحوه.. يحتاج إلى معجزة من السماء لكي يصل إليها.. 


عندما لاحظت " رجوى " شروده وصمته ايقنت أنهُ لن يتحدث مجددًا لذلك التفت لترحل وهي تنظر نحوه شزرًا لكنها لم تكن منتبهة إلى تلك الحفرة الصغيرة بالأرضية الترابية أسفل قدميها.. والتي بمجرد أن لامستها حتى أختل توازنها وكانت على وشك أن تسقط أرضٍ.. صرخة قصيرة صدرت منها وهي ترى نفسها تسقط.. لكن حال دون وقوعها ذراعين قويين.. احتضناها بقوة وحزم.. حاوط خصرها النحيف اللين بذراعيه سريعًا ثُم سحبها نحوه لتقع بين أحضانه.. ظهرها ملتصق بصدره العضلي تستشعر سخونة جسده.. بينما رأسها مُلتفة نحوه تنظر إليه بهلعٍ.. كل شيءٍ حدث بلحظات قليلة لم يستوعبا بها شيء.. كانت فعليًا بين أحضانه.. وهو كان يتطلع نحوها بمشاعر هوجاء.. يشعر بها للمرة الأولى.. شعر بتلك الكهرباء التي سرت بجسده إثر لمسته لها.. بينما هي كانت خجلة ومتوترة كثيرًا.. للمرة الأولى تكون بهذا القرب من رجُل.. وليس أي رجُل بل هو رجُلًا مثل " إسلام الحشاش " وسيم.. خاطف للقلوب والأنظار.. مطمع للكثيرات.. لكن ليس لها فهي ليست بالقليلة.. تعرف قيمة نفسها جيدًا ولا تُقلل منها.. هي " رجوى العفريت ".. 


وعند تلك الخاطرة انتفضت من بين أحضانه ودون أن تتفوه بحرف واحد ركضت خارج المقهى بأكمله دون أن تنظر حتى خلفها لمرة.. تاركة إياه يقف كالأبله يتطلع في طيفها الراحل بإنشداه.. والكثير من الشغف.... 


-----------------------------------


توقفت سيارة " جواد " أمام بناية منزل " حبيبة ".. والتي تنفست الصعداء بمجرد وصولها سالمة.. كانت تعتقد إنها ستموت ولن ترى والدتها مرة أخرى.. وعلى الرُغم من الكارثة التي اكتشفتها بخصوص موت والدها لكنها لا تعرف ماذا ستفعل.. كل ما تعرف أنها بالتأكيد لن تُخبر والدتها بالأمر.. فهي امرأة مريضة ويُمكن أن تخسرها في صدمة كهذه.. 


عادت من شرودها على صوت " جواد " قائلًا بخفوت حاني:- حمد لله على سلامتك، هعدي عليكِ بكرة الصبح بإذن الله عشان أخدك القسم عشان تكملي التحقيق. 


نظرت إليه ببندقيتيها الغائمتين قائلة بنبرة ضعيفة:- شكرًا مفيش داعي تتعب نفسك، أنا هروح مع مامتي. 


أبتسم بإتساع قائلًا بنبرة مرحة:- خلاص يبقا هاجي أخدك إنتِ ومامتك. 


أبتسمت بخجل ولم تُجيب بينما هو سأل قائلًا بنبرة جادة:- إنتِ مشوفتيش حد تاني غير اللي إحنا لاقيناهم هناك دول بس، صح.؟ 


غامت عيناها بتعبير غامض وهتفت قائلة بنبرة مُبهمة:- لا مشوفتش حد، معرفش مين اللي عمل كدة. 


اومأ لها بهدوء وهو غير مصدقٍ لها بينما هي ترجلت من السيارة بإبتسامة مصطنعة تخفي بها توترها من كذبتها.. راقبها حتى أختفت داخل بنايتها وبتلك اللحظة فتح " عاصي " الباب بجانبه وجلس قائلًا بنبرة قاتمة:- بغض النظر عن نحنحتك طول الطريق اللي قلبت معدتي بس البت دي وراها حاجة ومخبياها. 


عبس " جواد " قائلًا بضيق:- إسمها الأنسة " حبيبة ". 


نظر إليه ابن عمه بشر ولكن قبل أن يُجيب هدر " زين " من خلفهما بصياح قوي:- الكونتيسة " حبيبة "، السينيورة " حبيبة "، الأميرة " حبيبة " مبسوط كدة،! بنقولك وراها حاجة، وغالبًا كدة هي عارفة مين اللي خطفها، أنت معانا ولا مسافر.! 


اومأ " جواد " برأسه قائلًا بتأكيد:- أنا كمان حسيت كدة. 


هتف " عاصي " قائلًا بتساؤل:- وهتعمل إيه.؟ 


وبنبرة غامضة أجاب وهو ينظر أمامه:- هتجوزها. 


ضرب " زين " كفًا بالآخر بينما " عاصي " نظر إليه شزرًا ولم يُجيب أحدهما بشيءٍ..... 


--------------------------------------


هل يُمكن أن يكون سر سعادتك في وحدتك.! 

أن تعيش وحيدًا.. تُلقي بكل شيء خلف ظهرك بلا أهتمام.. لا تتأثر بوجود أحد من عدمه.. ولا تكن مشاعر لأحد بالأصل.. كل تلك الأشياء هي قمة سعادتك.! 


كانت تمر أيام " فلك " واحدة تلو الأخرى وهي وحيدة بمفردها.. لم يظهر والدها من جديد وكم كان هذا الأمر مريحٍ بالنسبة لها.. المنزل أصبح أكثر هدوء ونظافة.. أعصابها لم تعُد مشدودة دائمًا كالسابق.. تتجول في المنزل بحرية لكن وقت النوم لا تملك إلا أن تُغلق عليها غرفتها كما اعتادت.. فهي تعرف إن عودته إلى المنزل مسألة وقت ليس أكثر.. ولن تخاطر بأن تجده فوق رأسها يُبيعها لمجموعة أخرى من الأوغاد.. تحكم إغلاق غرفتها.. تنام بملابس محتشمة تحسبًا لأي شيء.. سلاحها العزيز بجانبها بمرمى قبضتها.. حتى إنها تدربت أكثر من مرة على الخطوات التي ستفعلها يوم أن تضطر إلى الهروب من هنا بلحظة غدر من المُسمى بالخطأ والدها.. وكم كان هذا الفعل قاسي على قلبها.. أن تتوقع الغدر مِن مَن المُفترض أن يكون ملجأها الآمن.. لكن لا بأس هي لم تعتاد البُكاء.. لم تعتاد التأثُر.. فهي كانت تعلم أن والدها بلا ضمير لكن اتضح بعد فعلته السوداء أنهُ بلا شرف أيضًا.. 


كل ما يُنغص عليها حياتها مشاجراتها اليومية مع الرجال بموقف " التكاتك ".. يريدون أن يبتلعوها لكن هيهات.. ليست هي ولن تكون.. ستبقى كالغصة بحلقهم حتى ترحل من هُناك.. وذلك اليوم أقرب ما يكون.. 


كانت تقف أمام عربة الفول الشهيرة بشارع القريبة من عملها.. تأخذ استراحة سريعة لنفسها قبل أن تعود لصراعها المُعتاد مع أولئك الملاعيين.. هتفت قائلة بنبرة عالية:- الطلب بتاعي ياعم " نصر " بسرعة الله يكرمك وزود الزيت الحار في الفول. 


أجابها الرجُل العجوز قائلًا بمحبة أبوية:- عيوني لأحلى اسطا " فلك " في الدنيا. 


ابتسمت بمحبة مُختلطة بالحزن.. الغريب أكثر حنانٍ عليها من القريب.. لا تتذكر أن والدها دللها يومٍ.. وهي صغيرة دلل جسدها بضرباته.. وعندما كبرت دلل أذنيها بقذوراته.. لم تكره أحدًا مثلما تكرهه ولن تسامحه مطلقًا.. 


كانت تقف بركن جانبي قريب من العربة حيثُ أنها بذلك الوقت من اليوم لا تجد مقعد واحد شاغر لتجلس عليه أو حتى تجد مكان أمام العربة.. لذلك تتخذ ذلك الرُكن البعيد نسبيًا ويأتي إليها طلبها لتأكل وترحل.. وضع الصبي الصغير الطلب أمامها بحماس فربتت على كتفه قائلة بمرح:- عامل إيه في المذاكرة يالا يا حمو.؟ 


أجابها الصبي بأبتسامة واسعة قائلًا:- الحمد لله، الريس " نصر " بيخليني أرواح بدري شوية عشان الحق اذاكر قبل ما انام، وبيظبطني في المرتب بصراحة. 


هدرت قائلة بحنان:- أنا عاوزاك تذاكر وتجتهد عشان تدخل كلية حلوة وتنشل أمك وأختك من الفقر دة. 


أبتسم الصبي بسخرية قائلًا:- ياسطا "  فلك " يعني هما اللي اتخرجوا خدوا إيه، ما إنتِ عارفة بلدنا دي اللي معاه زي اللي مش معاه، كلها محصلة بعضيها. 


وعلى الرُغم من صحة حديثه إلا أنها أجابته قائلة بحزم قاسي:- ملكش دعوة بالبلد واللي فيها، اللي عايز ينجح بينجح، انجح واعمل اللي عليك واتخرج عشان لما تلاقي مصيرك زي اللي بتقول عليهم دول تبقا كفاية إنك حاولت بس. 


اومأ لها الصبي وقبل أن يرحل صدح صوت من خلفهما قائلًا بنبرة لها نغمة سحرية خاصة:- هاتلي طلب زي الأستاذة يا حمو. 


توقف الطعام بحلقها عندما تعرفت على صاحب الصوت " زين العفريت " لماذا هو هنا.! ماذا يفعل أمام عربة طعام بمنطقة شعبية.! اللعنة لم يكُن ينقصها سواه.. 


انتبهت على صوت الصبي وهو يُرحب بهِ بحفاوة ثُم تحرك ليُحضر طلبه.. لم تكن قد التفتت وكأنها لا تهتم برؤيته وكم ضايقه هذا واسعده.. ضايقه لأنه لا يريدها أن تتجاهله ولا يعلم لماذا.. واسعده لأنها ليست كباقي الفتيات اللاتي يَلقين بأنفسهن أمامه في محاولة لجذب أنظاره إليهن.. لكنها ليست مثلهن.. 


ارتسمت ابتسامة مُتسلية على شفتيه واقترب منها بخطوات هادئة.. واثقة كل الثقة.. حتى توقف بجانبها على بعد خطوتين فقط.. نظر إليها بطرف عيناه حتى لا يلفت الأنتباه إليهما.. يراقبها وهي تأكل بهدوء وملامح وجه صلبة.. كيف لأُنثى جميلة مثلها أن تُعاني معاناتها.. لماذا كُتب عليها الشقاء.. ملامحها رُغم جمالها لكنها حزينة.. باهتة.. لا حياة بها.. ماذا رأت هذه الصغيرة الجميلة لتُصبح هكذا.! 


عاد من شروده بها على صوتها الجامد وهي تهتف قائلة ببرود دون أن تنظر إليه:- لو جاي تسأل عن باآآ عن " صالح " فريح نفسك مظهرش لغاية دلوقتي وشكله مش هيظهر. 


لمعت عيناه ببريق رقيق وهو يهمس قائلًا بنرة رخيمة لامستها داخليًا:- مين قال إني جاي اسأل عنه، أنا جاي عشانك.! 


توقف طعامها بحلقها وهذه المرة نظرت إليه بصدمة.. توسعت زيتونيتها بدهشة ثُم همست قائلة ببلاهة وهي تشير على نفسها بإصبعها الرقيق:- جاي عشاني أنا، خير.! 


البريق الرقيق تحول إلى أخر أكثر حنانٍ وهو يُجيبها بإبتسامة شعرت معها بحرارة تغزو جسدها من شدة دفئها:- جاي اتطمن عليكِ، وأشوفك لو محتاجة حاجة. 


تسربت إليها مشاعر غير مفهومة أو مرغوبة بالنسبة لها.. شعور يُشبه الدغدغة.. شيءٍ ما دغدغ قلبها الحزين.. هل تُبالغ إن قالت أن على مدار سنوات حياتها الرابعة وعشرون لم يسألها أحد هل تحتاج إلى شيء.. لم يهتم أحد بسؤالها من قبل أو حتى بها هي شخصيًا.. لكنها لن تنخدع بحديثه المعسول.. هي تعلم نواياه جيدًا.. بالتأكيد رأها فتاة وحيدة بلا سند أو ظهر فظن بها السوء.. يُريد أن يظهر بمظهر المُهتم ثُم يسلبها أعز ما تملك.. الوغد..! 


وعلى إثر تفكيرها تحولت ملامحها إلى أخرى رخامية.. وانطفىء البريق الخجول الذي ظهر للحظة من الزمن.. فقط لحظة.. ثُم هدرت قائلة بشراسة:- وتسأل عليا بتاع إيه، لا يكون في بينا سابق معرفة لاسمح الله، بقولك إيه يا جدع أنت أنا مش واحدة من إياهم، فأظبط نفسك كدة واتعدل بدل ما أعدلك أنا. 


كان ينظر إليها ببلاهة.. الإبتسامة الدافئة اختفت.. اللمعة الحانية ذهبت أدراج الرياح.. الغبية.. المُختلة.. لقد ظنت بهِ السوء.. كيف وصل تفكيرها إلى هذا الحد المريض..! لكن مهلًا  لماذا التعجب..! فتاة بظروفها وطبيعة حياتها وتربيتها من قِبل أب حقير كوالدها بالتأكيد ستكون هكذا.. وعلى هذا الأساس عادت اللمعة الحانية مجددًا.. يُصاحبها أخرى مُشفقة.. لكنهُ هتف قائلًا بذهول مصطنع:- اظبط نفسي واتعدل بدل ما تعدليني.! إنتِ عارفة إن لو راجل هو اللي قالي كدة كان زماني شقيتوا نصين. 


أبتسمت بسخرية قائلة:- اعتبرني راجل وواريني أخرك إيه. 


ضحك " زين " بقوة قائلًا بغمزة شقية:- لا إزاي متقوليش كدة، دة كفاية حبيتين الزيتون النعسانين دول، يستحيل يكونوا على راجل. 


شهقت بصدمة من وقاحته.. ها هو الوغد أثبت نواياه تجاهه.. وهو قد فهم ما آل إليه تفكيرها.. فضحك أكثر.. وقبل أن تلتقط طبق الفول لتزين بهِ وجهه.. اقتحم الصبي " حمو " الأجواء قاطعٍ حوارهما قائلًا:- الطلب يا " زين " باشا. 


نظر إليه بنفس إبتسامته ثُم أخرج عدة ورقيات مالية من جيبه وأعطاها إلى الصبي قائلًا ببساطة:- خد حساب الطلب وخلي الباقي عشانك، وابقى حطه لأي حد غلبان. 


فرح الصبي كثيرًا لكن هو نظر إليها بنفس الدفء قائلًا بنبرة رخيمة:- سلام يا.. يا " حمو ".... 


وهكذا رحل تاركًا إياها خلفه بملامح غاضبة لكن بقلب يرتجف بلذة.. وكانت بداية القصيدة رجفة... 


-----------------------------------


بنفس ذات الصباح استيقظت " ليال " وهي تشعر بكسل شديد يغمرها.. جميع أجزاء جسدها تشعر بها محطمة.. فتحت عينها الخضراوين ليقابلها سقف غرفتها.. تنهدت بأمل أن يكون اليوم أفضل.. أزاحت الفراش لتنهض لكنها تفاجأت بعلبة كرتونية بجانبها.. علبة تعرفها جيدًا.. أبتسمت بحنو وأمتنان.. بالتأكيد " زين " أحضر لها حاسوب جديد بدلًا من خاصتها الذي احترق فجأة.. 


لكن المفاجأة كانت من نصيبها لأنها بنفس اليوم عندما قابلت " زين " بالمنزل وشكرته على الحاسوب.. تصنم مكانه بجمود وتحولت ملامحه إلى أخرى مشتعلة لكن بغموض ثُم هدر قائلًا بنبرة قاتمة:- لاب إيه، أنا مجبتش حاجة.! 



-----------------------يُتبع---------------

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-