أخر الاخبار

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل السابع عشر

العفاريت 

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل السابع عشر

 رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل السابع عشر 
       *الـلـصـة الـصـغـيـرة*   


" بعد مرور شهر.. "


مَن الذي اخترع جملة أن الأيام تمُر سريعٍ.! مَن الذي شعر بسرعتها من قبل.! بالتأكيد كان شخصٍ لم يزوره الحزن من قبل.. لذلك اخترع ذلك المصطلح السخيف.. لم يأبه بغير من الذين تحاوطهم الأحزان من كل حدبٍ وصوبٍ.. عندما تشعر بالحِزن تشعر أن كل شيءٍ توقف من حولك.. الآلام تجعلك بلا روح.. وكأن روحك غادرت جسدك لكنك لم تموت.. أنت فقط تقف خارجٍ تشاهد ما يحدث من حولك ببطءً مؤلمٍ.. ولزيادة عذابك وقتك لم ولن ينتهي قريبًا.. 


" دار آل عفريت "


أشرقت أشعة الشمس بنورها الوهاجٍ.. وداعبت الشمس وجنتيَّ الأرض بدلالٍ حتى أصابتها حُمرة الخجل.. فأبتسمت لها الشمس بجمال ونشرت دفئها بالأرض لعل وعسى أن يُصيب دفئها أصحاب القلوب الباردة بعد أن هرب منها دفء الحُب..


 في تمام الساعة السابعة صباحٍ بأول أيام الأسبوع اجتمعت جميع العائلة على طاولة السفرة بشقة العائلة بالطابق الأول بالمنزل يتناولون وجبة الأفطار بصمتٍ تام.. وكأن خيمة الحُزن أبت ألا تُفارق منزلهم.. بينما السيدة " لطيفة " وشقيقتها السيدة " سعاد " لا يعجبهن الوضع الحالي لأبنائهم.. الجميع في حالة من الشرود غارقين بآلامهم ولا يتحدثون.. لقد تحولوا إلى ماكينات آلية تعمل فقط ثُم تستريح قليلًا وتعاود العمل من جديد.. 


غمزت السيدة " لطيفة " شقيقتها لتتحدث بما اتفقن عليه فغمزت لها السيدة " سعاد " في الخفاء بمعنى حسنًا ثُم تطلعت نحو الجميع وتنحنحت لتلفت أنتباهم ثُم هتفت قائلة بنبرة تبدوا بريئة:- بقولك إيه يا " زين " ياحبيبي، ممكن أطلب منك طلب.؟ 


نظر إليها " زين " سريعٍ قائلًا بإحترام:- طبعًا إنتِ تؤمري يا ماما. 


أبتسمت لهُ والدته بحنانٍ قائلة:- ميؤمرش عليك عدو يا حبيبي، كان ولاد طنط " هدى " صاحبتي راجعين من إيطاليا النهاردة وهي طلبت مني حد يوصلهم من المطار لبيتها، ينفع يا حبيبي تروح تجيبهم. 


أطرق " زين " برأسه لثوانٍ يُفكر ثُم نظر إليها قائلًا بأسف:- صعب والله النهاردة أروح في حتة بس ممكن أبعتلهم عربية بسواق. 


عبست والدته قائلة بنبرة مسكينة حزينة:- سواق إيه يا " زين " اللي هخليه يستقبل عيال صاحبتي، بقولك عايزة إبني اللي يستقبلهم.! 


تنهد الشاب يدعوا الله أن يلهمه صبرًا لا يملكه حقيقة ثُم هدر قائلًا بصبر:- مانا عندي كمان ساعة أجتماع مهم جدًا مع الوفد الروسي، وبقالي شهور برتب للمُقابلة دي، لو لاغيتها فيها شهور تانية ودة معناه إني هخسر ملايين لو الصفقة اللي بينا دي محصلتش، ليه مقولتيش من وقت ما قالتلك حتى يكون في فرصة إني أأجل المعاد كام ساعة لكن دلوقتي الناس زمانهم على وصول. 


عبست والدته بحُزن زائف لم ينتبه إليه أحد سوى شقيقتها التي تتحكم في ضحكتها بصعوبة لكنها هدرت قائلة بنبرة تبدوا عادية وكأنها تؤازِر شقيقتها:- خلاص يا " سعاد " متزعليش نفسك، " ليال " هتروح تجيبهم. 


رفعت المعنية رأسها سريعٍ كالطلقة تنظر إلى والدتها التي قامت بتوريطها بأمرٍ لا يعنيها للتو.. بينما أنتهزت السيدة " سعاد " الفرصة قائلة بلهفة:- بجد يا " ليال " ياحبيبتي هتروحي، شكرًا ياحبيبة خالتك ومعلش هتعبك معايا. 


لما تشعر أنها بالفعل تم توريطها في أمرٍ يفوق طاقتها.. هي بالكاد بدأت تخرُج من المنزل وتعود إلى عملها ثُم تركض لتعود إلى منزلها تعتزل بمنزلها تحديدًا بغرفتها.. تعمل على أن تتعافى سريعٍ من كل ما أصابها.. وأثناء فترة تعافيها لا تُريد أن تختلط بالمزيد من البشر.. يكفي عائلتها الكبيرة.. والناس الذين تتعامل معهم بالعمل.. بتلك اللحظة كانت على وشك أن ترفض لكن وجدت جميع الرؤوس موجهة نحوها تنتظر موافقتها.. حتى جدها يطالعها بهدوء ولا يؤازريها كعاداته.. كما أنها لم ترغب في أن تقوم بإحراج خالتها لذلك همست قائلة بخفوت:- موافقة. 


هكذا القت بموافقتها ثُم عاودت النظر إلى طبقها كما فعل الجميع لكن خالتها نظرت إلى شقيقتها بسعادة بادلتها إياها الأخيرة بأملٍ في أن تتحقق مساعيها.. 


بعد قليل نهض " تيمور " قائلًا بهدوء دون أن ينظر إلى أحد بعينه:- الحمد لله، سُفرة دايمة يا جماعة. 


رد الحاج " مُختار " قائلًا بنبرة فخر:- الف هنا يا ابني، بالمناسبة يا " تيمور " أستاذ " مجدي " كلمني إمبارح وكان بيشكر أوي في شغلك في المخازن وكمان قال عليك إنك أمين. 


أبتسم " تيمور " بخفوت قائلًا بنبرة بسيطة:- أنا اللي مُتشكر يا حاج على كل اللي عملتوا معايا لغاية دلوقتي، لولاكم كان زماني في الشارع ودة أقل حاجة أقدمهالكم. 


تدخلت السيدة " سعاد " قائلة بطيبتها المُعتادة:- إيه اللي بتقوله دة يا " تيمور " ربنا يعلم معزتك عندنا إزاي، أنا بقيت بعتبرك عيل من عيالي. 


أبتسم لها إبتسامة حنونة.. صادقة ولم يجد القدرة على أن يُجيب على هذا الكم الهائل من المشاعر الأمومية الصادقة.. أستأذن منهم ليرحل إلى عمله.. وأثناء خروجه خطف نظرة سريعة نحوها.. كانت تضع وجهها بطبقها لكنها لا تأكل.. فقط شاردة.. آه لو يعرف لماذا تقضي أغلب أوقاتها شاردة هكذا وبماذا تشرد..! رحل إلى عمله بينما " روان العفريت "  لم ترحل عن تفكيره.. 


نهضت " ليال " من مكانها تستأذن لكي ترحل فسمح لها جدها بالذهاب.. نهضت كلًا من " شهد وروان " للذهاب برفقتها.. فهي ستذهب اليوم إلى الشركة من أجل إجتماع هام لجميع أعضاء مجلس الإدارة.. وأثناء ذهابهن وقبل خروجهن من بوابة المنزل صدح صوت السيدة لطيفة من خلفهن تُنادي على " ليال " التي توقفت تنظر لها بحيرة ثُم هتفت قائلة:- في حاجة يا ماما.! 


أجابت السيدة " لطيفة " قائلة بنبرة حماسية:- كنت عايزة أقولك إني هبعتلك أسماء ولاد طنط " هدى " وأوعي تنسي تجبيهم يا " ليال ". 


أجابتها قائلة بنبرة عادية:- لا مش هنسى متقلقيش. 


نظرت " شهد " إلى " روان " قائلة بنبرة خافتة:- اقطع دراعي إن ما كان الحوار دة فيه إنَ. 


أبتسمت " روان " بخفة قائلة بنفس الهمس:- ياخبر دلوقتي بفلوس، النهاردة هيبقا بلاش. 


عادت السيدة " لطيفة " أدراجها بينما الفتيات توجهن نحو سيارتهن يتبعهن أفراد حراستهن الخاصة لكن " جلال " أوقف " ليال " قبل أن تستقل سيارتها قائلًا بجدية بالغة:- صباح الخير يا أنسة " ليال "، الملف دة فيه كل المعلومات اللي حضرتك طلبتيها. 


التقطت منهُ الظرف الكبير ثُم شكرته واستقلت سيارتها بالخلف ليتوجه هو إلى مقعده بجانب السائق وخلال دقائق كانت تلتهم سيارتها الطريق بينما هي قامت بفتح الظرف لتقع عيناها على ما كانت تتوقعه من قبل.. ابن خالتها وشقيقها الصغير " كريم " بين أحضان تلك الراقصة بالملهى الليلي.. أعادت الصور إلى الظرف ثُم نظرت من نافذة السيارة تتأمل الطرقات بلا تعبير محدد يعلو وجهها.. لكن من يعرفها جيدًا يُدرك بأيَّ كارثة أوقع " كريم العفريت " نفسه بها.... 


---------------------------------------


إذا أردت السعادة فاسعى لتحصل عليها.. لا تقف كالأبله تنتظر أن تأتي هي إليك لأنها لن تفعل.. اقتنص فرصتك.. 


لا تفلح الحياة الروتينية مع الكثير من الشخصيات.. الهدوء والرتابة ليسا من صفاتها.. في بعض الأحيان تحتاج أن تتمرد لتتنفس.. كالأن وهي تتسلل من باب صغير يقع بالحديقة الخلفية لمنزلها في ذلك الصباح الباكر.. بعد أن رحل الجميع إلى أعماله وأنشغلت والدتها مع زوجتيَّ عميها قررت أن تقوم بجولة صباحية.. بعد حادثة إطلاق النار عليها يليها حادثة الشاب الذي تحرش بها بذلك الزفاف المشؤوم أمر جدها أن تستكمل عامها الأخير بالثانوية بالمنزل.. خوفٍ عليها من الخروج والإصابة بشيءٍ ما.. فهي مدللة " آل سُليماني " ويجب حمايتها حتى من بضعة ذراتٍ من الهواء قد تضايقها.. 


تسللت بهدوء وخفة دون أن ينتبه إليها أحد من الحراس.. خرجت من الباب الصغير ثُم أغلقته خلفها بحذر ولكنها لم تحسب حساب إلى تلك القبضة القوية التي قبضت على معصمها ثُم صوت الهمس الخافت المألوف الذي صدح في أذنيها قائلًا:- روبانزل هربانة على فين بدري كدة.! 


كادت أن تصرخ لكنها باللحظة الأخيرة تذكرت صوته الذي لم يفارقها لليالٍ كثيرة ماضية.. كان معصمها بقبضته وجانب جسدها مُلتصق بجسده بينما الوشاح الخفيف الذي كان يحاوط خصلاتها الشقراء الطويلة المجنونة سقط على كتفيها.. رفعت أنظارها إليه ليتصنم أمام غابات الزيتون الأخضر بعيناها.. كانت مصدومة.. متوترة.. لذلك أول ما همست بهِ كان:- أنت..! 


أبتسم " أنس " ولم يُجيبها بينما هي شعرت بالتوتر في وجوده وقربه منها إلى هذا الحد.. وأول ما فكرت بهِ هو الهرب.. ودون تردد كانت على وشك أن تطلق ساقيها إلى الرياح لتركض..


 لكنه أدركها سريعٍ قبل أن تفعل وقربها منهُ أكثر قائلًا بنبرة مُتلاعبة:- تؤتؤ يعني يرضيكِ أنقذك مرتين وتهربي مني في المرتين ودلوقتي كمان، هو كل ما هتشوفيني هتهربي، هو أنا بُعبُع.! 


أبتلعت ريقها بتوتر محاولة ألا تقع تحت سحر نظراته المغوية ثُم همست قائلة بخفوت:- أنت عرفت بيتي إزاي، وبعدين ماسكني كدة ليه، أبعد عني.! 


ضحك بخفة قائلًا بتلقائية:- قعدت أسبوعين بعد الفرح بسيرش على كل اللي كانوا في الفرح لغاية ما عرفت إنتِ دخلتي مع مين وطبعًا بعدها كان سهل أعرف عنوانك، وبقالي أسبوعين بستناكِ قدام باب بيتك يمكن تطلعي حتى من البلكونة بس ملمحتكيش حتى، إنتِ عليكِ طار وخايفة تطلعي حد ينشك عيارين.! 


لم يكُن هناك مجال للضحك الأن.. فهي خائفة منهُ وبشدة.. عبست قائلة بتلقائية مماثلة:- أسبوعين بتدوار عليا وأسبوعين زيهم بتستناني قدام بيتي، هو أنت سيريال كيلر " قاتل مُتسلسل ".! 


ضحك " أنس " بنبرة عالية فلتفتت هي حولها تدعوا الله أن لا يأتي أحد من الحُراس إلى هذه المنطقة الأن وإلا لن يحدث خيرًا أبدًا.. نظرت إليه قائلة بخوف:- وطي صوتك هتفضحنا، وأوعى بقولك سيبني. 


توقف عن الضحك ثُم نظر إليها بنظراتٍ عميقة تخترق أعماقها قائلًا بنبرة رخيمة:- هسيبك بس تيجي معايا. 


شعرت بالذعر يتملكها وهدرت قائلة:- أجي معاك فين.؟ 


هز كتفيه بلامُبالاة قائلًا:- إي مكان تختاريه، كدة كدة إنتِ هربانة معرفش ليه ومن إيه، فإيه رأيك نفطر سوا على ما نشوف هتروحي فين بعد كدة. 


الغبي يعتقد أنها هاربة إلى الأبد.. هل هذا مظهر فتاة تهرب من بيتها إلى الأبد.. بجدية.! أنها حتى لا تمسك حقيبة يد صغيرة.. فقط هاتفها وبداخل غطاءه عدة ورقيات نقدية.. 


تنهدت بضيق قائلة:- أروح معاك فين يا بني أدم أنت هو أنا أعرفك.؟ 


تلاعب بحاجباه قائلًا بمشاكسة:- هنتعرف وأحنا بنفطر في المكان اللي تختاريه، ويكون في علمك مش هقبل لأ كجواب، وخلينا قاعدين كدة لغاية ما يطُب علينا الحُراس ويرجعوكِ القلعة تاني يا روبانزل. 


عقدت حاجباها بعدم فهم.. لماذا أطلق عليها إسم روبانزل هذا.. ألا تملك إسمٍ حقيقيًا..! لم تجد بد من الموافقة فهي ليست بحاجة إلى أن يتم القبض عليها ويعرف جميع من بالبيت سرها الصغير..


هدرت قائلة بعبوس:- ماشي هاجي معاك، وسع كدة. 


أزاحته بعيدًا عنها وتوجهت نحو سيارته الواقفة بجانبهما ثُم استقلتها سريعًا وهي تحاوط وجهها وخصلاتها مجددًا بالوشاح خوفٍ من أن يتعرف عليها أحد.. بينما هو توجه نحو مكانه بجانبها وهو يضحك عليها.. نظرات إليه شزرٍ وهي تفكر في طريقة للتخلص منهُ والهرب سريعٍ... 


----------------------------------


التعافي مُجرد وهمٍ توهم بهِ ذاتك.. ما دِمت لم تتخطى الذكرة ومازالت تترك غصة بحلقك فأنت لم تتعافى.. أنت فقط واهم عزيزي.. 


كانت " شهد " بطريقها نحو الشركة لتباشر بعملها كالمُعتاد.. وأثناء ما كانت تقود سيارتها البيضاء الفارهة قطعت عليها سيارة أخرى الطريق برعونة.. مما جعلها تتوقف على حين غرة وكادت رأسها تصطدم بالمقود.. لعنت تحت أنفاسها الوغد الذي قطع طريقها ثُم ترجلت من السيارة سريعٍ لتتشاجر معه لكنها تصنمت بمكانها عندما وجدت " أسعد " يترجل من سيارته هو الأخر بملامح غاضبة لا تُنبيء بالخير.. يتوجه نحوها بخطوات سريعة.. فلم تتردد هي الأخرى في الهرولة نحوه وهي تصرخ قائلة بعصبية:- إيه اللي بتعمله دة يا " أسعد " كنت هتموتنا.! 


توقف على بُعد خطوة نحوها ثُم هدر قائلًا بنبرة المُفترض أن تسبب لها الرُعب:- مش بترودي على مكالماتي ليه يا " شهد ".؟ 


توسعت نظراتها بصدمة تحولت سريعٍ إلى غضب هادر وهدرت قائلة بجنون:- نعم.! أنت قطعت عليا الطريق بكل الهمجية دي عشان تقولي كدة، أنت أتجننت صح.! 


كانوا أفراد حراستها الخاصة على وشك أن يقتربوا منهُ عندما رفعت صوتها بصراخٍ عالي لكنها أوقفتهم بإشارة من كفها وهي تنظر إليه تنتظر إجابة تُهديء من جنونها بينما هو هدر قائلًا بغضب:- أيوة أتجننت وبسببك، فيها إيه لما ترودي عليا وتريحيني.! 


جزت على أسنانها قائلة بنبرة بطيئة:- وأنا إيه اللي يخليني أرود على واحد متجوز.! 


كان صدره يرتفع وينخفض بغضب وعند ذِكر سيرة زواجه المشؤوم زاد غضبه فهدر قائلًا بنبرة قاسية:- ومين السبب في الجوازة دي يا ترى.! 


توسعت نظراتها بجنون أشد وعدم إستيعاب.. هل يُحملها خطيئة زواجه.. هل يُحملها سبب جُبنه..! همست قائلة بنبرة خافتة لكنها تفوح منها رائحة الشر:- هو أنت بتحملني غلطة جوازك.؟ 


صرخ بها بغضب يأس هادرٍ:- أنا قولتلك وقتها وطلبت منك نهرب ونتجوز ونحط أهلي قدام الأمر الواقع إنتِ اللي رفضتي وكانت النتيجة إني دلوقتي متجوز واحدة تانية مش قادر حتى أبُص في وشها ولو بصيت بشوفك إنتِ. 


وصلته الإجابة سريعٍ عندما أقتربت منهُ خطوة واحدة وهي تصرخ قائلة بقوة:- وأنا قولتلك إن مش أنا اللي أهرب مع واحد وأتجوزه من ورا أهلي وأفضحهم، مش أنا اللي لما أترفض من أهل الراجل الوحيد اللي حبيته أجري أهرب معاه وأتجوزه عشان أحطهم قدام الأمر الواقع، قولتلك أنا يوم ما أتجوز هخرج من باب بيتي معززة مكرمة في وسط أهلي والكل فرحان بيا والأهم إني أكون فرحانة بنفسي، مش " شهد العفريت " اللي تهرب وتتجوز في السر واحد جبان مقدرش يدافع عني وعن حُبنا ويحارب عشانا. 


شحبت ملامحه عندما صفعته بمرارة الحقيقة القاسية بينهما والتي لم تقولها علانية من قبل لكن عيناها كثيرًا ما نطقتها لكنهُ كان يُكذب نفسه إما الأن فها هي تصفعه بحقيقة جُبنه.. 


عندما أصر والديه على زواجه من إبنة عمه الوحيدة حاول أن يقنعهما بزواجه من " شهد " لأنه يحبها لكن ازداد رفضهما.. حينها ركض إليها وأخبرها بالوضع ثُم طلب منها أن يهربا سويًا ويتزوجا ثُم يعودان وبذلك يكون الجميع أمام الأمر الواقع.. وبالطبع رفضت اقتراحه لتثور ثائرته ويتهمها أنها لا تحبه ولا تريده.. أخبرها أن الهرب هو الحل الأمثل والحرب لن تُفيد.. فليتزوجا وبعد ذلك يحاولان تصليح الأمور مع العائلتين وينتهي الأمر.. وأمام إصرارها غضب وعندما يغضب " أسعد " لا يرى أمامه.. وبلحظة تهور وافق على زواجه من " أيتن الشهاوي " إبنة عمه وخلال عدة أشهر تزوج بها.. لكن من ليلة زواجه وهو أدرك فداحة فعلته.. عندما حاول أن يُتمم زواجه منها لكنه لم يرى إلا " شهد " أمامه.. والأخيرة بدورها لم تُقصر.. فور أن وصل إليها خبر موافقته على الزواج أختفت نهائيًا من حياته.. حاول كثيرًا أن يُقابلها حتى لو صدفة لكنه فشل.. والأن يُريد تصليح الأمور معها لكنها لم تعطيه حتى فرصة واحدة.. 


همس قائلًا بنبرة باهتة:- قصدك إني جبان.؟ 


لم تكُن تُريد أن تجرحه على الرُغم من جرحها الكبير منهُ لكنها همست قائلة بغصة مريرة:- أنت اللي اضطررتني أقول كدة، ياريت تفهم إن كل اللي بينا أنتهى، حاول تقرب من مراتك يمكن تحبها، أكيد هي مش بالسوء دة، كل ما هتستوعب بسرعة إن إحنا طريقنا مش واحد كل ما هترتاح أسرع. 


هدر قائلًا بلهفة لا يُريد تلك النهاية:- طب أنا ممكن أتقدملك ونتجوز يا " شهد "، وصدقيني وجودها مش هيأثر على حياتنا، كأنها مش موجودة. 


لا تعلم تشفق عليه أم تكرهه لأنها بتلك اللحظة مشاعرها مضطربة كثيرًا.. همست قائلة بنفاذ صبر:- أنا أسفة يا " أسعد " بس وضع زي دة ميعجبنيش، ومش دة اللي يليق بيا، أنا مش هاخد واحد من على مراته ويتقال عليا خرابة بيوت، حتى لو كانت روحي فيك، لغاية هنا وطريقنا خلص، عن إذنك. 


توجهت نحو سيارتها تستقلها يتبعها أفراد حراستها في سيارة أخرى ثُم قادتها سريعٍ ورحلت دون حتى أن تنظر إليه.. بينما هو وقف يتطلع في موجة الغبار التي خلفتها سيارتها بنظرة مريرة.. لكنه يُقسم أن تلك ليست نهايتهما.... 


------------------------------------


" مدارس الـنور الخاصة.. "


دلف " مالك " إلى فصله برفقة " عبدالرحمن " إبن خالته وصديقه المُقرب.. جلسا بمكانهما المُعتاد وبدأ الأول بتنظيم أغراضه على المكتب الصغير الذي يجلس عليه بينما الأستاذ الخاص بالمادة يدون بعض المُلاحظات على اللوح الإلكتروني.. في تلك الأثناء وقع نظره عليها.. تجلس بالصف الذي بجانبه بالمكتب الأول تضحك بحماس وبراءة مع صديقتها التي تجلس بجانبها.. ملامحها الرقيقة الناعمة.. وخصلاتها الشقراء والتي دائمًا ما تقوم بتجديلهم على هيئة جديلتين فوضويتين يتدليان على كتفيها بدلالٍ.. رأها تتوقف عن الضحك عندما نظر إليها الأستاذ لتصمت فوضعت أصابعها الصغيرة على فمها الرقيق تمنع نفسها عن الضحك والحديث.. 


صدح صوت الأستاذ قائلًا بتساؤل:- عايز إتنين يقولولي مين العشرة المُبشريين بالجنة.؟ 


رفع الكثير من الطُلاب والطالبات وكان " مالك " وهي من بينهم والأستاذ اختارها هي " ساندي " والتي أبتسمت برقتها المعهودة قائلة بنبرة تشبه زقزقة العصافير:- " الزُبير بن العوام، سعد بن أبي وقاص، علي بن أبي طالب، أبي بكر الصديق، عثمان بن عفان ". 


شكرها المُعلم وأمر الجميع بالتصفيق لها بينما اختار " مالك " ليُكمل الخمسة المُتبقية فأجاب قائلًا بثبات:- " طلحة بن عبدلله، عمر بن الخطاب، سعيد بن زيد، أبو عبيدة بن الجراح،  عبدالرحمن بن عوف "


صفق لهُ الجميع أيضًا وتوالت الأسئلة وكان السؤال التالي هو:- من هو سيف الله المسلول.؟ 


كانت الإجابة من نصيب " عبدالرحمن " الذي أجاب قائلًا:- " خالد بن الوليد ". 


=كم عدد آيات سور البقرة.؟ 


_٢٨٦ آية. 


=في أيَّ سورة ذكرت غزوة بدر.؟ 


_سورة الأنفال. 


توالت الاسئلة وتحمس الطُلاب كثيرًا للإجابة وكانوا يتسابقون فيما بينهم.. بعد أن أنتهت تلك الحصة كان وقت الإستراحة القصيرة.. بينما " مالك " يقف وحيدًا ينتظر عودة " عبد الرحمن " من مكانٍ ما وجد " ساندي " تقف أمامه بملامحها الخجولة دون أن تستطيع أن تنظر إليه فعليًا.. اعتدل بوقفته وأحمرت وجنتيه حياءًا ثُم هتف قائلًا بتساؤل:- عايزة حاجة يا " ساندي ".؟ 


أبتسمت برقة قائلة:- هو أنت مش بتيجي المدرسة كتير.؟ 


هز رأسه بمعنى لا قائلًا بثبات:- لا، بستفيد بالوقت دة في المذاكرة في البيت أحسن. 


وبنفس النعومة هتفت قائلة:- أنا كمان بعمل كدة، بس كنت عايزة أقولك إني مبسوطة إني شوفتك النهاردة. 


على الرُغم من خجله وحياءه منها وخجلها هي أيضًا لكنه أبتسم بحلاوة قائلًا بحنو:- أنا كمان أتبسطت إني شوفتك. 


رفعت بندقيتيها نحوه ببراءة وأبتسامة خجولة تُزين ثغرها الوردي دون أن تُجيب.. لحظاتٍ مرت في صمت ثُم أستأذنت هي لترحل لكن قبل أن تتحرك هتف هو بتساؤل:- هو إنتِ بتلعبي ببچي.؟ 


اومأت إليه بحماس قائلة:- أيوة، أوقات بلعب في وقت الفراغ اللي بين المذاكرة. 


هتف قائلًا بنبرة هادئة:- ممكن أبعتلك النهاردة وندخل جيم مع بعض.؟ 


اومأت لهُ موافقة ثُم استأذنت لترحل.. فور رحيلها ظهر"  عبدالرحمن ومحمد " الذي هتف قائلًا بمشاكسة:- إيه الأخبار، شقطها ولا لسة.؟ 


نظر إليه " مالك " شزرٍ ثُم هتف قائلًا بضيق:- احترم نفسك يا " محمد " ومتتكلمش عنها كدة، متنساش أنها بنت ومؤدبة وكمان أنا مش بتاع الكلام دة. 


هتف " عبدالرحمن قائلًا بحيرة:- بس يا " مالك " هي معانا من التمهيدي وكانت أقرب صاحبة ليك، وأنت بتحبها ليه مش بتكلمها حتى لو صحاب وبس.! 


نظر إليه قائلًا بجدية:- أولًا إحنا صغيرين أوي على الكلام دة، ثانيًا أهو أنت قولت التمهيدي يعني كنا أطفال أوي وقتها لكن دلوقتي جيه الوقت اللي لازم نعمل حدود في الكلام مع أي بنت ونغض بصرنا، إحنا كلها كام شهر وهنبقا في ثانوي وبعده الجامعة يعني لازم يكون في حدود بينا وبينهم، وبعدين " ساندي " محترمة ومعرفة لينا من زمان مينفعش أبصلها بصة وحشة أو اتجاوز معاها في الكلام. 


ربت " محمد " على كتف إبن خالته قائلًا بثبات:- كلامك صح، أصلًا السنين بتجري بسرعة أوي، ممكن لما نكبر ولاقيت نفسك لسة بتحبها تبقا تخطبها وأنت في الجامعة. 


لم يُجيب " مالك " فهو يرى أن هناك الكثير من الوقت للحديث عن أمور العشق والغرام.. فهو رافض تمامٍ لكل ما يحدث بين أبناء جيله من أمور إرتباطات عاطفية وأشياء أخرى ليس بوقتها الصحيح.. كما أنه يُفضل أن يتبع ما أمره بهِ دينه في مثل هذه الأمور.. 


هتف " عبدالرحمن " قائلًا بتساؤل:- هو الواد " طاهر " فين.؟ 


وفور أن أنتهى من سؤاله وجد العديد من التلاميذ يركضون في أتجاه مُعين.. أوقف " محمد " تلميذًا ما قائلًا بتساؤل:- هو في إيه.؟ 


أجابه قائلًا:- بيقولوا في خناقة في الجنينة القديمة. 


ركض الثلاث فتيان إلى هناك لكنهم تصنموا عندما وجدوا " طاهر " الصغير صاحب العشر سنوات يتشاجر مع ثلاثة من تلاميذ الصف الأول الثانوي ويقومون بضربه هو وطفل أخر زميلًا لهُ.. كانوا أكبر منهما في الحجم والسن مما جعلها معركة غير متكافئة.. لكن بتلك اللحظة صرخ " مالك " بإسم شقيقه بهلع.. ولم يتردد الثلاث أشقاء في أقتحام المشاجرة دفاعٍ عن شقيقهم الصغير.. بدأت مشاجرة عنيفة بين الفتيان حتى " مالك " الرزين خلع عنهُ ثوب الرزانة وأرتدى ثوب واحدًا من أبناء العفريت.. توالت الضربات واللكمات بينهم وكان أشرسهم " محمد " لكنهم كانوا سندًا لبعضهم البعض في تلك الدقائق العصيبة حتى وصل أفراد الأمن وقاموا بفض المشاجرة.. حينها ركض الشباب الصغار نحو " طاهر " الذي يجلس أرضٍ يبكي بخوف لكنهم أقتربوا منهُ وحاوطوه يقدمون لهُ الدعم الكافي بالرُغم من ملامح وجههم المكدومة وملابسهم الممزقة وخصلاتهم المُشعثة.. بتلك اللحظة صدح صوت واحدًا من أفراد الأمن قائلًا بصرامة:- يلا على مكتب المدير. 


------------------------------------


إذا كان هُناك من يكرهك هكذا دون سبب فتأكد أنك تسير على الدرب الصحيح.. 


كان يقف " تيمور " بين مجموعة من العُمال يُملي عليهم بعض التعليمات بملامح جادة ونبرة صارمة.. بينما على بُعد عدة أمتار يقف شخصٍ بملامح بغيضة يُراقب ما يحدث أمامه بعدم رضا.. يقف بجانبه شخصٍ أخر يُتابع نظرات صديقه نحو " تيمور " ثُم هتف قائلًا بضيق:- ما خلاص يا عم " سيد " بقا، شيل الراجل من دماغك. 


هدر المدعو " سيد " قائلًا بشر:- دة مش هيحصل لو على جثتي، أنا بعد الخدمة والسنين دي كلها في الأخر يجي حتت عيل بقاله يومين في الشغلانة ياخد مكاني مني.! 


زفر صديقه بضيق أشد قائلًا:- فين دة بس، الراجل شغال المساعد بتاعك، يعني تحت إيدك، يعني أنت اللي عالي عليه مش العكس، أنت بس شايل منه عشان شغله عجب الريس " مجدي " وشكر فيه عند المعلم " مختار " مش أكتر، فوق يا " سيد " أنت بتكره " مجدي " مش " تيمور ". 


هدر قائلًا بغضب أعمى:- وأنا كنت ظابط"  مجدي " لغاية ما الواد دة جيه ودخل بالحنجل والمنجل وكَل الجو مني. 


هدر صديقه بيأس قائلًا:- بقولك إيه أنت شيطانك سايقك واللي في دماغك في دماغك، أنا هروح أشوف أكل عيشي ياعم بدل ما يتخصملنا على الوقفة دي، أنا عندي عيال عايز أربيهم. 


رحل الرجُل بينما وقف " سيد " يتابع " تيمور " وهو يعمل بجهد ونشاط كما أنهُ يتباسط مع الجميع فأحبوه بشدة على عكسه هو صاحب الشخصية المُنفرة التي لا يُحبها أحد.. ازداد حقده عليه وكما قال صديقه فإن شيطانه يقوده.. أوحى إليه بفكرة خبيثة وحاك خيوطها برأسه.. ولأن " سيد " شخصٍ ضعيف الإيمان بالله كان فريسة سهلة للشيطان.. 


بعد قليل دلف إلى واحدًا من المخازن الذي يعمل بها " تيمور " وكان مخزن الخردوات.. تأمل المكان من حوله لدقائق ثُم شق طريقه نحو مجموعة من الصناديق الحديدية الثقيلة من الخُردة وعبث بها قليلًا ثُم تركها وهو يبتسم بشر.. ولزيادة الحبكة لخطته الشيطانية التقط قارورة من الزيت الخاص بالماكينات وقام بسكبها أرضٍ في نفس الموقع.. 


خرج من المخزن وهو يبتسم بفخر لنجاح الجزء الأول من خطته.. فهو متأكدًا من أن " تيمور " فقط من سيعمل بذلك المخزن بمفرده اليوم.. لكن لم يحسب حساب لوصول " روان العفريت " بتلك اللحظة يتبعها عددًا من أفراد حراستها وعددًا أخر من العاملين بالشركة.. 


ابتلع ريقه بهلعٍ عندما عرف أن سبب زيارتها اليوم هو تفتيش مُفاجيء للمخازن بأكملها وجردها.. لم يحسب حسابٍ لذلك.. وقفت هي أمام " مجدي " رئيس العُمال قائلة بجدية:- إيه أخبار الشغل في المخازن يا ريس " مجدي ".؟ 


أجاب الرجُل قائلًا بجدية مماثلة:- كله تمام يا أنسة " روان "، بنجهز للشحنة الأخيرة أهو. 


اومأت لهُ قائلة بحزم:- أنا هشوف المخازن بنفسي. 


أشار لهُ لتتقدمه بينما هو هدر قائلًا بصرامة:- " سيد وتيمور " تعالوا معايا. 


كان يقف يتابعها وهي تتقدم من الرجال وخلفها حراستها الخاصة.. تسير بكل هيبة وفخامة وكأنها سيدة هذه الأرض.. ملابسها بألوانها الداكنة تُزيد من فخامتها بينما خصلات شعرها القصيرة تتطاير حول وجهها تحتضن وجنتيها بجمال.. 


سار برفقة السيد " مجدي وسيد " وبدأت " روان " تتفقد المخازن واحدًا تلو الآخر.. ولسوء حظ " سيد " كان المخزن المقصود هو أول مخزن قررت هي تفتيشه.. بدأت بجولة تفقدية سريعة وأثناء ذلك هدرت قائلة بجدية:- عايزة أشوف كشوفات الشحنة اللي لسة طالعة. 


اومأ لها " مجدي " ثُم أشار نحو " تيمور " قائلًا بأمر:- " تيمور " روح جيب الكشوفات من على مكتبي. 


ذهب الشاب ليفعل ما طلبه منهُ رئيسه وأنشغل السيد " مجدي " بالحديث مع واحدًا من العاملين.. بينما هي سارت قليلًا بين أرجاء المخزن تتفقد شيءٍ هنا وشيءٍ هناك.. حتى وصلت إلى البقعة التي عبث بها " سيد " من قبل.. لم تنتبه إلى بقعة الزيت التي أمامها مباشرة لذلك بمجرد أن لامستها إنزلقت قدميها بها.. حاولت أن تتوازن لكنها فقدت القدرة على السيطرة على قدميها.. وأثناء ذلك حاولت أن تتمسك بكومة الخردوات بجانبها والتي كانت غير ثابتة هي الأخرى.. سقطت " روان " أرضٍ وهي تصرخ لتصطدم رأسها بالأرض بشدة.. تشوشت الرؤية لديها إثر السقطة القوية لكنها لمحت الصناديق الحديدية تهتز وعلى وشك السقوط عليها، أغمضت عيناها بهلعٍ لكنها بلحظة واحدة شعرت بجسدًا صلب يحاوطها يحول بينها وبين الصناديق الثقيلة.. فتحت عيناها لتصطدم بزرقاوتيه أمامها مباشرة.. ثُم باللحظة التالية سقطت الصناديق عليهما لكن المُصاب والمتضرر كان هو.. حتى فقدا الوعي بين أحضان بعضهما البعض.... 


---------------------يُتبع---------------

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-