أخر الاخبار

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل العشرون

العفاريت 

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل العشرون


رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل العشرون 
      *أُريـدِك وكـفـى*


إذا أردتِ الهرب فأنا قلبي لكِ سفينة.. ستحملكِ إلى أبعد شواطيء العالم لتستمتعي بهمسات البحار ودلال الرمال أسفل قدميكِ.. وإذا أردتِ أن تبحثي عن وطنٍ أخر فأنا قلبي لكِ وطنٍ سيحتويكِ.. اهجُري كل الأراضي وأغتربي في قلبي فقط.. فهو لكِ السفينة والوطن والأرض.. 



وصلت إلى مكتب الأمن ودلفت إلى الداخل لتقع عيناها على رجل خمسيني يبدوا عليه الوقار.. أشار لها قائلًا بهدوء:- أتفضلي يا أنسة " فلك " إرتاحي. 


لم تستجيب لهُ بل هدرت قائلة بتوتر:- أنا عايزة أعرف أنا ليه ممنوعة من السفر. 


لم يراوغها بل هتف قائلًا بجدية:- زوج حضرتك هو اللي منعك من السفر. 


عاد لها الدوار من جديد.. عن أيَّ زوجٍ يتحدث هذا الأبله.. هل تزوجت دون أن تعرف.؟ بالطبع لا.. 


أبتسمت ببلاهة قائلة:- لا حضرتك فاهم غلط أنا مش متجوزة، أنا سنجل والله. 


وكأنها لم تتحدث أشار الرجل إلى زاوية ما بالغرفة تقبع خلفها وهو يهدر قائلًا بجدية:- زوج حضرتك أهو ومعاه طلب المنع ومتوافق عليه كمان. 


التفتت سريعٍ تنظر إلى حيثُ أشار لتتجمد بمكانها من الصدمة.. توسعت عيناها على أخرهما بعدم تصديق وتطلعت نحوه ببلاهة مفرطة.. بأقصى أحلامها جموحٍ لم تتوقع أن تعيش هذا الموقف.. 


نظرت إلى هذا الذي يجلس براحة ويضع قدمٍ فوق الأخرى كأنه يجلس بمِلكية والده.. والذي بمجرد أن التفتت لهُ أهداها أكثر إبتسامة مستفزة يملكها.. وغمزة شقية من عينه.. وقد كان " زين العفريت "..


أنتبهت على صوت ضابط الأمن وهو يهدر قائلًا بإحترام:- أنا هسيبكم ١٠ دقايق مع بعض يا " زين " بيه وهرجع لحضرتك تاني. 


أجابه وهو مازال على جلسته بينما عيناه لم تتزحزح من عليها قيد أنملة:- شكرًا يا " شوقي " بيه. 


غادر الرجُل ومعه رجاله وأصبح المكتب خالي إلا منهما.. هي تتطلع نحوه ببلاهة بدأت تتحول إلى غضب عندما بدأت في إستيعاب لعبته القذرة.. لن تسمح لإبن العفاريت أن يُدمر مستقبلها وأحلامها لأنه يُريد أن يعبث معها قليلًا.. 


بينما " زين " كان ينظر إليها بإنتصار وكأنهُ ربح الجائزة الكُبرى.. مازال على جلسته المُسترخية ينتظر منها أن تُبادر وتتحدث وعندما لم تفعل.. 


هدر هو قائلًا بسماجة:- طلعتي قمر في الفواتشيح. 


أنهى حديثه بغمزة وقحة جعلت وجنتيها تتوردان بإحمرار لكن لم يكُن إحمرار الخجل.. بل الغضب.. جزت على أسنانها هادرة بعنف وهي تقترب منه لتلكمه:- يا ابن الـ***، جوز مين يا أبو جوز. 


كانت على وشك لكمه لكنه نهض سريعٍ من مكانه قابضٍ على قبضتها بين كفه الضخمة.. لكنه لم يكتفي بهذا بل ضمها إلى صدره محاوطٍ إياها بين ذراعاه وقبضتيها أصبحتا بين كفيه خلف ظهرها.. 


تشنجت " فلك " بين ذراعيه وهي تشعر بنفسها ملتصقة بهِ.. هدرت قائلة بشراسة:- أبعد عني، إزاي تسمح لنفسك تقربلي كدة، أبعد بدل ما أصرخ وأفضحك. 


أرتسمت إبتسامة واسعة مُتلاعبة على شفتيه وهو يهمس قائلًا بإغواء:- هتصرخي وتقولي ليهم إيه، جوزي حاضني، تؤ مش حلوة يا حبيبتي.! 


كانت حدائق الزيتون بعيناها مُشتعلة بنيران الغضب فلم تتوانى عن الهدر بجنون قائلة:- جوزي، جوز مين أنت صدقت نفسك، الأوراق اللي معاك دي مزورة وأنا هحبسك بيها.! 


ضحك بقوة قائلًا بإستمتاع جم:- وإنتِ فاكرة إن حد هيصدقك، طب إنتِ فاكرة إني هخاطر بإسمي وسُمعتي بشوية أوراق مزورة، كل الأوراق اللي معايا سليمة وعليها إمضتك الصح كمان، يعني مهما عملتي مش هتعرفي تثبتي إننا مش متجوزين. 


سكنت بين ذراعيه وبهتت ملامحها بصدمة أكبر ثُم همست قائلة بذهول:- قصدك إيه، أنا ممضتش على أي ورق جواز. 


على الرُغم من شفقته عليها لكنهُ يجب أن يفعل ذلك.. فهي لا تعرف مصلحتها.. تعتقد أن حل جميع مشاكلها في الهرب لكنها غبية.. لا تعرف أن هروبها سيزيد من مشاكلها.. وأن الغُربة صعبة على أشد الرجال ما بالها هي مجرد فتاة وحيدة.. 


هتف قائلًا بجدية:- ورق الجواز مضيتي عليه في وسط الورق بتاع السفر من غير ما تاخدي بالك، يعني جوازنا رسمي وصح ١٠٠٪. 


كانت تشعر بالقهر لضياع حلمها بسببه لكنها أبدًا لن تجعله ينتصر عليها.. صرخت قائلة بشراسة:- لا مش صح، أنا مضيت من غير علمي، ومش موافقة يعني مش صح. 


أبتسم إبتسامة جانبية قائلًا:- حاولي تثبتي بقا الكلام دة وشوفي هياخد وقت قد إيه. 


للمرة الأولى بحياتها تشعر بمثل هذا القهر.. لمعت عيناها بعِبراتها لكنها أبت أن تحررهم من آسرهم.. وبلحظة كانت تدفعه بأقصى قوة تملكها حتى تحررت منهُ.. عادت بجسدها إلى الخلف ثُم سقطت على الأريكة تنظر حولها بضياع.. همست قائلة بخفوت حزين:- ليه عملت كدة، ليه دمرت كل اللي أنا بقالي سنين ببنيه، أنت متعرفش السفرية دي إيه بالنسبالي، ضيعت كل حاجة، وقتي ومجهودي وفلوسي. 


كان حزينٍ لأجلها لكنهُ لن يظهر لها هذا.. هو قام بالفعل الصحيح عندما منعها من الهجرة خارج البلاد.. وليس نادمٍ.. 


إقترب منها ثُم أنحنى أمامها جالسٍ على ركبتيه يستند بكفيه على ركبتيها ثُم هتف قائلًا بوعد ونبرة قوية:- هعوضك عن كل دة، هعوضك عن كل حاجة شوفتيها قبل كدة، وهعوضك عن كل الفلوس اللي تعبتي وشقيتي فيها السنين اللي فاتت وزيادة كمان، نتجوز وأنا هعملك كل اللي إنتِ عايزاه. 


كانت تنظر أرضٍ بنظراتٍ حزينة لكن فور أن أنهى حديثه رفعت رأسها إليه تتطلع بهِ بنظراتٍ حارقة ثُم هدرت قائلة بخوفت شرس:- وأنت فاكرني هقولك لا مش هاخد منك حاجة، تؤ تبقا غلطان، أنا هاخد منك كل جنيه صرفته في السفرية دي وضيعته عليا ومش عايزة أشوف وشك تاني، أبعد عني. 


ضحك بخفوت قائلًا بنبرة خبيثة:- وهتعملي إيه في الفضيحة طيب.! 


عقدت حاجباها بعدم فهم وهدرت قائلة بتوجس:- فضيحة إيه.! 


غمزها بشقاوة قائلًا:- فضيحة جوازنا، لما عقد الجواز دة يطلع في الحارة والبلد كلها تعرف إننا متجوزين بس محدش عارف، شكلك هيبقا إيه وقتها.! 


فغرت فاهها بعدم تصديق.. كلما تحدثت معه يصدمها بالاسوأ دائمًا.. همست قائلة بذهول متوجس:- لا، أنت مش هتعمل كدة. 


تأمل ملامحها الفاتنة.. وجمالها الطبيعي الذي أخيرًا أظهرته بعيدًا عن ثوب الرجولة الذي كانت ترتديه بالحارة والعمل.. كان مفتونٍ بها.. أجابها قائلًا بصدق:- هعمل كدة، صدقيني يا " فلك " إنتِ بالنسبالي معركة وهكسبها حتى لو هلعب لعب مش نضيف، لو مخرجناش من هنا وإنتِ موافقة على جوازنا، قبل ما توصلي بيتك هيكون عقد الجواز دة في إيد كل البلد، ووقتها هتبقي مضطررة تتجوزيني عشان الفضيحة. 


حركت رأسها بمعنى لا دون حديث، فحرك هو رأسه بمعنى نعم ليؤكد لها قدرته على فعل كل شيءٍ فقط ليظفر بها.. 


اشتعل الغضب بملامحها مرة أخرى وبدون شعور منها قبضت على تلابيب ملابسه بقبضتيها ثُم أقتربت من وجهه بوجهها قائلة بهمس شرس متوعد:- أقسم بالله إنك هتشوف أيام أسود من شعر راسك، هتندم على الثانية اللي حشرت نفسك فيها في حياتي. 


كانت أنفاسها قريبة منهُ للغاية.. سخونتها جعلته يتشتت بينما شفتيها الورديتين أمامه مباشرةً مما جعله في واديٍ أخر لكنهُ تماسك باللحظة الأخيرة وهمس قائلًا بضحكة عابثة:- هنشوف، أنا وإنتِ والأيام طويلة. 


بعد ساعة كان يقف بسيارته عند الشارع الرئيسي لمدخل الحارة وهي تجلس معه بسيارته لكنها كانت شاردة فلم تنتبه إلى وصولهما وهو تركها على حريتها.. يجلس بجانبها يتأملها فقط.. أنتبهت إلى توقف السيارة فنظرت إليه بتيه للحظاتٍ ثُم استعادت وعيها قائلة بضيق:- مقولتليش ليه إننا وصلنا. 


وبنبرة خبيثة أجاب قائلًا:- كنت قاعد بتأمل جمالك. 


زفرت بضيق ولم تُجيب بينما هو هتف قائلًا بجدية:- شنطك زمانها وصلت البيت، وبكرة هاجي أنا وأهلي عشان أتقدملك ونقرأ الفاتحة، وأخر الأسبوع دة هيكون كتب الكتاب والفرح، الشيخ " جمال " ومراته عندهم عِلم بكل حاجة. 


نظرت إليه بغضب بالغ ثُم هدرت قائلة بجمود:- متفرحش أوي كدة وتعمل نفسك عريس، أنت مش هتشوف معايا غير النكد وبس. 


القت بكلماتها بوجهه وترجلت من السيارة تاركة إياه يضحك بقوة على حديثها اللذيذ من وجهة نظرِه.. 


فتحت باب شقتها بقلبٍ مُثقل بالهموم.. عندما غادرت صباحٍ كانت في غاية الحماس لتهرب.. لم تكُن تعرف أنها ستعود خلال سويعات قليلة مُحملة بهموم الهزيمة.. تندم ندم عُمرها الأن لأنها بيومٍ ما أخبرته بسرها الصغير الذي لم يكُن يعرفه أحد.. كانت ذلة لسانٍ وها هي تدفع ثمنها.. 


بمجرد أن أغلقت الباب ورفعت رأسها تتأمل منزلها الذي تركته صباحٍ حتى توسعت عيناها بصدمة.. كانت هي شقتها لكنهُ ليس نفس الأثاث ولا ألوان الجدران التي تركتها صباحٍ.. 


كان هناك أثاث جديد وغاية في الرُقي يدُل على ذوقٍ رفيع لصاحبه.. بينما الجدران ألوانها هادئة مريحة للعين.. حتى الأجهزة الكهربائية تبدلت للأحدث.. تفحصت المنزل بأكمله وكان كل شيءٍ بداخله جديد.. حتى غرفتها تحولت إلى غرفة شابة في مقتبل عمرها بها كل ما تحتاج إليه بحياتها.. ألوانها ما بين الوردي والأبيض.. تحتوي على فراش واسع وكبير وخزانة ملابس بها الكثير من الملابس الفاخرة.. وتسريحة عريضة بمرآة تعلوها.. والسجاد من الفرو الناعم باللون الوردي.. حتى ثلاجتها الصغيرة لا تعرف أين هي لكن يوجد مكانها واحدة حديثة وبحجم أكبر قليلًا وبها العديد من الأطعمة والمُعلبات والشيكولاتة حتى كانزات الصودا موجودة.. سارت قليلًا حتى وصلت إلى الفراش وسقطت عليه تحاول أن تستوعب الصدمات التي تعيشها من بداية هذا اليوم لكنها أنتبهت إلى صندوق أبيض كبير بجانب الفراش.. التقطت الصندوق ووضعته بجانبها على الفراش ثُم قامت بفتحه لتصيبها الدهشة مما ترى.. لم تنتهي مُفاجأت " زين العفريت " لليوم كما ترى.. الصندوق كان يحتوي على فستان طويل باللون الأبيض من القماش الناعم بينما الأكمام طويلة من خامة الچوبير ومطرزة بنهايتها بفصوص من اللؤلؤ الأبيض.. ومن عند الصدر نفس خامة الأكمام والأزرار أيضًا من اللؤلؤ الأبيض..كان الفستان ضيق حتى بعد الصدر بقليل ثُم ينزل بإتساع بسيط مع بعض الكسرات إلى الأسفل.. وجدت أيضًا حذاء عِبارة عن صندل بكعب عالي قليلًا باللون الأبيض الرقيق.. وعلبة زرقاء مخملية تحتوي على طقم من الذهب الأبيض الرقيق مكون من سلسال وخاتم وأنسيال وقرطان برسمة فراشة.. ومعها ورقة صغيرة مكتوب بها بخط يده " يارب يكون ذوقي عجبك، بقالي أسابيع برتب لكل حاجة، عايز طلتك بكرة تكون طلة أميرات، شـبـهـِك

إبن العفاريت ".. 


أغلقت العلبة وتركت كل شيءٍ لتتنفس بسرعة عالية غير مصدقة ما تعيشه.. بأقصى خيالاتها وأحلامها جموحٍ لم يأتي على ذهنها أنها ستعيش هذا اليوم.. هل شبهها بالأميرات.. هل هي أميرة حقًا..! 


همست قائلة بذهول وهي تشعر بدوار يلفحها من هول ما مرت بهِ على مدار اليوم:- دة واخد الموضوع بجد بقا.! 


----------------------------------


وصل " زين " إلى واحدًا من مخازن آل عفريت كما أخبره رجاله.. وفور وصوله وجد السيد " مجدي " يقف بإنتظاره خارجٍ والذي بمجرد أن رأه أقترب منهُ سريعٍ قائلًا:-؛ حمد لله على سلامتك يا " زين " بيه. 


هدر الشاب قائلًا بجمود:- عايزة أشوف اللي لاقيته يا ريس " مجدي ". 


أخرج السيد " مجدي " هاتفه ثُم عبث بهِ قليلًا وعندما وجد مُبتغاه أعطاه لهُ كما أمر.. التقط " زين " الهاتف منه لتقع أنظاره على العامل " سيد " وهو يتسلل إلى المخزن الذي وقعت بهِ الحادثة ثُم غاب قليلًا بالداخل حتى ظهر مرة أخرى وهو يخرج من المخزن ويلتفت حوله خوفٍ من أن يراه أحد.. ولسوء حظه لم يدخل أحد إلى هذا المخزن بالتحديد قبل الحادثة بأكثر من يوم حتى وصلت " روان " للتفتيش المُعتاد وحدث ما حدث.. أغلق الهاتف ثُم أعطاه لهُ وهتف قائلًا بتساؤل:- هو فين.؟ 


أجابه قائلًا بجدية:- جوة في المخزن، الرجالة جابوه وقاموا معاه بالواجب. 


اومأ لهُ وكاد أن يتحرك إلى الداخل لكن أوقفه السيد " مجدي " قائلًا برجاء:- " زين " بيه أنا عارف إن هو غلط بس هو عنده كوم لحم ومن غيره هيضيعوا. 


لم تبدوا على " زين " مظاهر التأثر حتى أنهُ لم يُجيب عليه بل سار بخطواتٍ واثقة إلى الداخل.. وبمنتصف المخزن يجلس " سيد " تعيس الحظ على مقعد خشبي ومُكبل بأحبال غليظة تلتف حول جسده بينما ملامح وجهه مختفية خلف الكدمات والدماء التي تنزف منهُ.. 


وقف " زين " أمامه بطوله الفارع وهيبته المُرعبة بينما نظر إليه هو بتشوش من بين عيناه المتورمة وعندما تعرف عليه هدر قائلًا ببكاء كالنساء:- " زين " بيه أنا في عرضك سامحني، والله ما كنت أقصد، أنا أسف يا باشا سامحني. 


أرتسمت إبتسامة تسلية على شفتيَّ " زين " ثُم هدر قائلًا بجمود:- كنت هتموت أختي وتقولي أسف سامحني، أصرف منين كلمة أسف دي يا " سيد ".! 


بكى بقوة أكبر وهو يهدر قائلًا برجاء:- والله يا بيه ما كنت أقصد الهانم، أنا خدامكم بقالي سنين وعمري ما أقدر اتجرأ على حد منكم، أنا رقبتي فداكم. 


=واللي كنت قاصد تموته دة يبقا ضيف في بيت العفاريت، يعني حمايته واجبة يا " سيد "، شوف أنت كنت عايز تعمل فيه إيه وتحط راس العفاريت في الأرض ويتقال إن معرفوش يحموا ضيف في بيتهم. 


صرخ برُعب قائلًا:- والله ما كنت عايز أموته، سامحني يا بيه اللي يخليك أنا عندي عيال. 


هدر " زين " بخبث قائلًا:- عشان خاطر عيالك بس أنا هعمل معاك الواجب دة. 


أبتسم الرجل من بين ملامح وجهه المشوهة أبتسامة مشوهة مثله ينتظر الخلاص.. حينها هدر " زين " قائلًا بشر:- روقوه مرة تانية يا رجالة ولو لسة عايش سلموه للشرطة. 


صرخ الرجُل برُعب وبكى بشدة.. كانت صرخاته متوسلة إلى " زين " ليرحمه.. لكن الأخير لم يكن ليفعلها بعد أن كان هذا الوغد على وشك أن يقتل شقيقته حتى لو لم تكُن هي المقصودة.. أقترب من السيد " مجدي " قائلًا ببراءة زائفة:- ريس " مجدي " مش هوصيك على عياله، كل مصاريفهم توصلهم وزيادة، إحنا مش كُفار برضه. 


زم السيد " مجدي " شفتاه بعدم رضا لكنهُ لم يملك إلا أن يُطيع الأمر.. 


خرج " زين " من المخزن يتبعه رجاله لكنه توقف عندما صدح صوت من خلفه قائلًا بتأثر مصطنع:- طول عمر قلبك طيب ورُهيف. 


نظر الجميع إلى مصدر الصوت حتى أن رجاله أوشكوا على إخراج أسلحتهم وحماية رب عملهم لكن صاحبة الصوت كانت " شهد " التي تجلس أعلى سور المخزن تشاهد كل ما يحدث بالداخل من خلال فتحة بالزجاج الخاص بهِ.. 


هتف " زين " قائلًا بذهول:- بتعملي إيه عندك وطلعتي فوق إزاي.! 


وصلته الإجابة عندما رأها تتسلق عمود حديدي أمام السور القصير الذي تجلس فوقه ثُم قفزت إلى مجموعة من الصناديق المتينة ومنها إلى الأرض مباشرةً.. هدرت قائلة ببساطة:- طلعت زي ما نزلت كدة، وكنت بتفرج عليك من فوق، حقيقي طيبتك قشعرتني. 


زم الشاب شفتيه قائلًا بسخرية:- بتعلم منك يا حنينة. 


ضحكت " شهد " بقوة ثُم توقفت قائلة بإبتسامة خبيثة:- مبروك يا عريس. 


ضرب كفٍ بالأخر قائلًا بمزاح:- مفيش حاجة بتستخبى في البلد دي خالص كدة. 


غمزته قائلة بشقاوة:- وهو في حاجة تستخبى على " شوشو " برضه.! 


ضحك " زين " عليها بينما هي تساءلت بنبرة لئيمة:- بس هي مين تعيسة الحظ اللي وقعت في طريقك دي.؟ 


أجابها الشاب بسماجة قائلًا:- مش هقولك. 


رفعت كتفيها إلى الأعلى وأنزلتهما قائلى بالامُبالاة:- أنا كدة كدة عارفة. 


=عارفة منين.؟ 


تلاعبت بحاجباها قائلة بمشاكسة:- عشان أنت مفضوح أوي، مش هي برضه البت اللي جاتلك الشركة، والله كنت عارفة إن هي دي اللي هتعرف تشكمك. 


ضحك " زين " بقوة وهو يشعر بسعادة كبيرة تتغلغل روحه ثُم هدر قائلًا:- تشكمني مين، عيب عليكِ أنا مسيطر مش أي كلام. 


ربتت " شهد " على كتفه قائلة بحُب أخوي صادق:- على العموم الف مبروك يا " زين "، أنت مش متخيل كلنا فرحنا إزاي لما جدك بلغنا بالخبر الصبح، حتى"  رجوى وبتول " بيختاروا فساتين الفرح دلوقتي، وأمك بتختار مدارس عيالك. 


عاد للضحك من جديد ولكن قبل أن يُجيبها صدح صوت رنين هاتفه وكان الإتصال من الشركة.. فتح المكالمة وأستمع إلى حديث الطرف الأخر وفور أن أنتهى زم شفتيه قائلًا بعدم رضا:- مقالش عايزني في إيه.؟ 


أنتظر إجابة الطرف الأخر ثُم هدر قائلًا بضيق:- ماشي أنا نص ساعة وهكون في الشركة. 


أغلق الهاتف وهو يزفر بضيق.. لاحظت " شهد " التغيير الذي طرأ عليه وهدرت قائلة بتساؤل:- في حاجة حصلت.؟ 


زم شفتيه بضيق قائلًا:- تعالي معايا الشركة وإنتِ تعرفي. 


اصطحبها معه بسيارته وتحرك بإتجاه الشركة يتبعه رجال حراسته.. وبداخله سؤال يتردد بضيق ما الذي يريده منهُ " إسلام الحشاش "..؟ 


--------------------------------------


الحياة فُرص وإذا لم تقتنص فرصتك في السعادة فتأكد إنكَ لن تتذوق طعمها يومٍ.. 


يجلس في غرفة صغيرة بجانب غرفة مكتب " زين العفريت " ينتظر وصوله.. لقد أتى دون موعد سابق والأخير لم يكن موجودًا لذلك اضطرر إلى الجلوس والإنتظار.. وأثناء جلوسه تذكرها.. ضحكاتها.. مرحها.. شقاوتها.. ألفاظها التي تبهره بكل مرة يتحدث معها.. خصلات شعرها البندقية.. عيناها القططية.. ودون أن يدري ارتسمت إبتسامة خفيفة على شفتاه وهو يتخيل ردة فعلها عندما تعرف سبب زيارته اليوم.. بالتأكيد ستجن.. لكن ماذا كان يجب أن يفعل.. منذُ حادثة الصور قبل شهر وأكثر وهي لم تأتي إلى الجامعة إلا مرة واحدة ولسوء حظه لم يكن موجودًا بذلك اليوم.. 


تنهد بداخله لأنه لم يكن يعرف أنهُ سيشتاق إليها إلى هذه الدرجة.. يعرفها من اليوم الأول لها بالجامعة لكنها لم تلفت أنظاره إلا قبل فترة بسيطة.. ولا يعرف كيف تعلق قلبه بها هكذا.. يُمكن أن تكون حركت بهِ جزء الرجُل بداخله.. الرجُل الذي يرغب أن يُحِب وتبادله امرأته الحُب.. لكنهُ كان مُتجاهلًا هذه الأمور وكل تركيزه مُنصب على الدراسة والعمل وأعمال العائلة فقط.. حتى جمعه بها عدة مواقف جعلت قلبه الصخري يتحرك قليلًا من مكانه.. وبما أنه رجُل صريح لا يعرف كيف يلف ويدور قرر أن يأتي لطلب يدها من عائلتها.. يتساءل بداخله هل لو لم يحدث وتنتشر لهما صور معًا هل كان سيأتي أيضًا ليتقدم لخطبتها.؟ والإجابة كانت نعم، كان سيأتي لكن متأخرًا قليلًا.. ما حدث جعله يتشجع ويأتي إلى هنا اليوم.. 


بعد دقائق قليلة وجد شاب طويل القامة ذو هيبة وشموخٍ يدلف إلى الغرفة يتبعه " شهد " شقيقة " رجوى " والتي بمجرد أن رأته زمت شفتيها بعدم رضا لكنها كانت صامتة.. أشاح بنظراته عنها عندما قام الشاب بمصافحته قائلًا بجدية:- أهلًا يا أستاذ " إسلام "، أنا " زين العفريت ". 


صافحه " إسلام " قائلًا بإبتسامة خفيفة:- غني عن التعريف يا " زين " بيه، أتشرفت بمعرفتك. 


=بعتذرلك طبعًا على التأخير. 


=ولا يهمك، أنا اللي جيت من غير ميعاد. 


ربت " زين " على كتفه قائلًا ببساطة:- أتفضل معايا في مكتبي ونتكلم هناك براحتنا. 


اصطحبه معه إلى مكتبه وبالطبع " شهد " تتبعهما.. جلس الجميع بمكتب " زين " وبعد تقديم الضيافة والقليل من الأحاديث الجانبية المُعتادة هدر الأخير قائلًا بتساؤل بريء:- يا ترى أقدر أعرف إيه سبب الزيارة دي.؟ 


ألقى نظرة سريعة بطرف عيناه إلى " شهد " التي تجلس من بداية الجلسة صامتة ولم تتدخل مطلقٍ بالحوار ثُم نظر إلى الرجُل الذي أمامه ويننظر إليه هو الأخر ثُم هدر قائلًا بجدية:- أنا عايز أطلب إيد الأنسة " رجوى ". 


صمت ساد في الغرفة من قِبل ثلاثتهم.. بينما " زين " تراجع إلى الخلف قليلًا يستند بظهره على المقعد خلفه وهو ينظر إليه بلا تعبير ثُم هدر قائلًا بهدوء:- أستاذ " إسلام " أنا عندي عِلم بالمشكلة اللي حصلت لأختي، وقريب أوي هوصل للي عمل كدة، فلو حضرتك جاي تقدم عرضك الكريم دة عشان تحل المشكلة فأنا بقولك مفيش داعي، ومشكلة أختي أنا هعرف أحلها وأجيب حقها. 


صمت " إسلام " لثوانٍ يُرتب كلماته التالية جيدًا.. وأثناء تفكيره أدرك من أين أتت " رجوى " بقوتها وشموخها.. لو كانت فتاة أخرى لكان شقيقها الأن يبذل أقصى ما بوسعه لتزويجهما بعد الفضيحة التي حدثت.. وهنا أدرك أن شخصيتها السوية نفسيًا تشَّكلت أولًا بفضل عائلتها.. 


عاد من شروده هادرٍ بنبرة جادة رزينة ليربح الحرب الكلامية مع إبن العفاريت:- زي ما أنت كنت صريح معايا أنا كمان هكون صريح معاك، أنا مش جاي أطلب إيد الأنسة " رجوى " عشان اللي حصل، لأ، في الحقيقة أنا أعرفها بقالي أربع سنين، من أول ما دخلت الجامعة، والشهادة لله عمري ما شوفت عليها شيء مُشين، ومؤخرًا بدأت أحس بإنجذاب ليها، وكنت ناوي أفاتحها في الموضوع دة قبل ما أتقدم منعٍ للإحراج، بس حصل موضوع الصور دة وأنت عارف الباقي. 


مرة أخرى يسود الصمت من جديد بالغرفة..ثلاثة أوجه بلا أيَّ تعبيرات محددة.. وكأنهم أصنامٍ جامدة لاروح بها.. 


تنهد " زين " قائلًا بتساؤل جاد:- بفرض إن كلامك دة صادق، أُعذرني طبعًا لو في شوية شك تجاهك، أنا معرفكش، بس هنفترض إن كلامك صح هل " رجوى " ممكن توافق عليك بعد اللي حصل، دة غير فرق السن اللي بينكم.؟ 


الساحرة الصغيرة بالتأكيد سترفضه لأن كبريائها اللعين سيمنعها من الموافقة مُعتقدة أن أمر خطبته لها فقط لإنقاذها من فضيحة لا تهتم بها فعليًا.. لأنها ببساطة لا تخشى شيءٍ مادامت لم تُخطيء.. 


هدر قائلًا بثبات:- ممكن تاخد رأيها ولو وافقت هجيب أهلى ونيجي نتقدم، ولو رفضت يبقا كل شيء قسمة ونصيب ومقدرش أجبركم أكيد، وبالنسبة لموضوع السن دة أنا عندي ٢٨ سنة و " رجوى " ٢٠، يعني الفرق مش كبير أوي زي ما أنت متخيل. 


صمت " زين " يُفكر في حديثه ثُم بعد دقيقة كاملة هدر قائلًا بجدية:- والله هاخد رأيها ورأي كبير العيلة وهبلغك بردنا النهائي بإذن الله قريب. 


ودعه " إسلام " ورحل وشيءٍ واحد يشغل باله.. كيف يجعل الساحرة الصغيرة توافق على الزواج منه دون أن يتدخل عقلها في الحُسبان.. 


------------------------------------


أجمل ما بالقدر المُفاجأة.. وأجمل المُفاجأت أسعدها.. 


صدح صوت رنين جرس منزل " حبيبة " التي كانت تقف بالمطبخ تقوم بإعداد وجبة الغذاء لها ولوالدتها.. كانت تفكر بذلك الوقت بالحالة الصحية لوالدتها بالفترة الأخيرة.. تبدوا متوعكة قليلًا لكنها تتصنع أمامها العكس حتى لا تُقلقها.. لكنها خيرًا من يعلم أن والدتها حتى لو كانت مريضة بشدة لن تشكو.. هي بالأساس لم تكن مهتمة بمرضها من قبل ولولا أهتمامها هي بعلاجها وخلافه لكانت أسلمت روحها إلى بارئها منذُ زمنٍ.. وبعد حادثة إختطافها أصبح خوف والدتها عليها مرضي.. لا تتركها طوال وقت وجودها بالمنزل.. حتى أنها تنام معها بغرفتها مؤخرًا.. وكثيرًا ما تُهاتفها أثناء عملها تطمئن عليها.. لا تعلم أتحزن أم تفرح بتلك الحالة الجديدة كليًا على والدتها.. 


أنتبهت إلى صوت جرس المنزل فتركت ما بيدها وذهبت لتفتح الباب لكنها تصنمت مكانها بصدمة عندما وقعت عينيها الجميلتين عليه.. يقف بطوله الفارع وجسده الضخم أمام باب شقتها المتواضعة بكامل أناقته وفخامته.. يمسك بين يديه باقة من الورد غاية في الروعة وعلبة أخرى من الشيكولاتة الفاخرة.. 


كان يتطلع نحوها بكل حنان العالم وشغفه.. ينظر إليها بحُب تغفل عنه عيناها ولا يستشعره قلبها.. قلبها الذي أرهقته الأيام.. وطحنته الآلام.. قلبها الذي لم يعُد يرغب بشيءٍ أخر من هذه الحياة سوى الثأر.. ولن ترتاح حتى تفعلها.. 


همست قائلة بوجوم:- أنت.! 


أبتسم " جواد " بإتساع قائلًا:- مساء الخير يا أنسة " حبيبة "، في ميعاد بيني وبين والدتك، ممكن أدخُل.؟ 


زمت شفتيها بتبرُم غير مصدقة نبرة الأدب والأخلاق التي يتحدث بها.. فهي أصبحت تعرفه جيدًا وتحفظه عن ظهر قلب.. 


هدرت قائلة بسخرية:- تصدق قشعرت من أدبك واخلاقك، معرفتكش أنا كدة. 


أطلق " جواد " ضحكة قوية جعلتها ترتجف تأثرًا لكنها خشت أن تصل إلى الجيران فتكون فضيحة هي في غنى عنها الأن.. 


تراجعت من أمام الباب عدة خطوات إلى الخلف لتفسح لهُ المجال ليدلف قائلة بهدوء خادع:- أتفضل. 


دلف " جواد " إلى المنزل بخطوات هادئة وأثناء مروره من جانبها كاد أن يلمسها لكنه تراجع باللحظة الأخيرة حتى لا يجعلها تشمئز منه.. أو يوسوس لها شيطانها أنهُ يُريد بها السوء.. وهو يعرفها ويعرف شيطانها وبماذا يُمكن أن يصور لها.. 


توجه معها إلى غرفة الصالون البسيطة وجلس بمنتهى التواضع وهو يرسم نفس الإبتسامة المُهذبة والتي أثارت ريبتها بشدة.. لكنها على كل حال تحدثت بأدب مُماثل قائلة:- تشرب إيه.؟! 


أجابها سريعٍ قائلًا:- ولا أي حاجة، نادي بس على والدتك عشان أنا مستعجل. 


مطت شفتيها للأمام بعدم أهتمام لكن ريبتها ازدادت نحوه، وقبل أن تتحرك من مكانها أقتحمت والدتها الجلسة قائلة بحفاوة:- يا أهلًا وسهلًا يا " جواد " يابني، نورت البيت. 

نهض الشاب من مكانه بإحترام لهذه السيدة العجوز والتي وبالرغم من محاولاتها لإخفاء ذلك لكنها يبدوا عليها المرض وبشدة.. وقد تأكد من حدسه عندما لاحظ نظرات " حبيبة " القلقة نحو والدتها.. 


هدرت السيدة " نجوى " قائلة بإبتسامة واسعة:- تشرب إيه يابني.؟ 


أبتسم لها " جواد " بهدوء قائلًا بنبرة رخيمة:- متشكر يا حجة، الأنسة " حبيبة " لسة سألاني بس أنا مش جاي أشرب، جاي أتكلم مع حضرتك في موضوع. 


نظرت إليه المرأة بهدوء قائلة:- على ما " حبيبة " تعمل القهوة نكون دردشنا شوية أنا وأنت. 


نظرت إلى إبنتها التي كانت تتابع ما يحدث بتبرُم لكنها بالنهاية نهضت لتُعِد القهوة وتترك عصفوران الكنارية يتحدثان كما يشاءان.. 


بعد رحيلها نظر " جواد " نحو المرأة التي تجلس أمامه قائلًا بتساؤل قلق:- حضرتك شكلك تعبانة، تحبي نروح لدكتور.؟! 


أبتسمت السيدة بخفة قائلة:- لا، دة شوية تعب عادي وهيروح، متشغلش بالك، قولي إيه الموضوع اللي عايزني فيه. 


توتر الشاب قليلًا لكنه أراد أن يُفضي ما بجبعته قبل أن تأتي مجنونته إلى هنا وتُفسِد كل شيءٍ.. 


تنحنح حتى يُجلي حلقه الجاف ثُم هتف قائلًا بجدية ودفعة واحدة:- أنا بصراحة جاي أطلب إيد بنت حضرتك الأنسة " حبيبة ".! 


صدمت الأم بشدة لكن أنتفض قلبها بسعادة لأن حد إبنتها أخيرًا قد ضحك لها.. وها هو واحدًا من أرقى وأشهر عائلات بلدتهم تقدم لخطبتها.. 


همست قائلة بلهفة تحاول أن تسيطر عليها:- والله يابني إحنا نتشرف بيك أكيد بس.. بس. 


صمتت لا تعرف كيف تصيغ حديثها بينما هو عقد حاجبيه بقلق قائلًا:- بس إيه، قولي.! 


تنهدت السيدة " نجوى " قائلة بهدوء يشوبه الحزن:- أنت أكيد شايف حالتنا وعارف وضعنا كويس، وممكن يعني، ممكن أهلك يرفضوا الجوازة دي. 


أجاب " جواد " سريعٍ قائلًا:- حجة " نجوى " حضرتك مش محتاجة تقولي حاجة من دي، أنا عارف كويس أوي أنا جاي على إيه، وصدقيني مش عشان أهلي ناس أغنيا تفتكري إن هما هيرفضوا جوازي من الإنسانة اللي أختارتها عشان شوية فروق متهمنيش، أنا أهلي ناس طيبين وأكيد لما تتعرفوا هتحبيهم. 


أبتسمت السيدة بتفهم قائلة:- أنا فاهمة بس حبيت أنبهك للنقطة دي لأني مش عايزة بنتي تكون في موقف مش كويس قدام حد، أو تدخل عيلة مش حابة وجودها ولا حد يبصلها على إنها قليلة. 


أبتسم الشاب بسعادة قائلًا:- مش هيحصل، أنا هحطها في عيني، وكل اللي هي عايزاه هجيبهولها. 


توسمت السيدة " نجوى " خيرًا في الشاب ولكن أمامها إبنتها العنيدة كعقبة.. تعلم أن " حبيبة " لن توافق على هذه الزيجة.. ولن تقبل أن تتركها خاصة وهي بهذه الحالة المرضية العصيبة.. لكن ما لا تعلمه إبنتها أو تعلمه لكن لا تُريد أن تصدقه أنها بأيامها الأخيرة وهي تشعر بذلك منذُ فترة لا بأس بها.. ولا تُريد أن تفارق هذه الحياة وتتركها وحيدة بلا سندًا.. لذلك ستعمل بكل جهدها حتي يلين رأس " حبيبة " الصلب.. 


بعد عدة دقائق قليلة نهض " جواد " قائلًا بهدوء:- هستأذن أنا وهستنى من حضرتك مكالمة بالموافقة إن شاء الله. 


أبتسمت لهُ السيدة " نجوى " قائلة:- ماشي ليه أنت حتى لسة مشربتش قهوتك.! 


=مرة تانية بإذن الله، عن إذنك يا حجة. 


خرج من غرفة الصالون بعد أن أعترض على أن تنهض من مكانها لإيصاله إلى باب المنزل.. تمنى أن يراها قبل أن يرحل لكن ها هو يصل إلى الباب ولم تظهر بعد.. 


لكن قبل أن يضع يده على مقبض الباب تفاجأ بصوتٍ خفيض يأتي من خلفه لكن بهِ صرامة واضحة كوضوح الشمس قائلًا:- أنا مش موافقة. 


التفت سريعٍ ليراها تقف خلفه على بُعد خطوتين ترفع رأسها لأعلى بسبب قُصر قامتها تناظره بقوة.. تنهد " جواد " بصبر فهو يعلم كم هي عنيدة وحربه معها ليست سهلة لكنه مُحارب ويعرف كيف يجعل عدوه يستسلم لهُ.. 


هتف قائلًا بملامح جادة ونبرة خشنة:- أسبابك.؟! 


جفلت من خشونته الغير متوقعة لكنها هدرت قائلة بصلابة:- عشان أنا قولتلك إني مش للتسلية، ولو شوية الأدب والأخلاق دول دخلوا على أمي الست العجوزة مش هيدخلوا عليا. 


أبتسم إبتسامة جانبية ساخرة قائلًا:- فين التسلية في واحد جلي يطلب إيديك، وهيتجوزك على سنة الله ورسوله قدام الناس كلها. 


جزت على أسنانها قائلة:- بقولك إيه أنا فاهماك كويس، أنت قولت دي ملهاش سكة غير الجواز، خليني أتجوزها وأتسلى بيها شوية وبعدين أرميها، صح.! 


عقد حاجبيه بصدمة ثُم ما لبث حتى ضحك بخفة قائلًا بنبرة مُشاكسة:- بطلي تتفرجي على أفلام عربي كتير يا " حبيبة " وبالذات قصة البنت الفقيرة اللي خدها الشرير الغني ووهمها بحبه وبعدين أتغرغر بيها ورماها في الشارع هي واللي في بطنها عشان الحاجات دي باين كدة لحست مُخك وزودت عِرق الهبل عندك وإنتِ مش ناقصة ياحبيبتي. 


ألجمها بحديثه ولم تستطع الرد لكن وجنتيها المتوردتين فضحتا غضبها منهُ بشدة.. وما زاد الطين إبتلالًا عندما غمزها بشقاوة قائلًا:- يلا زي الشاطرة إدخلي لمامتك ولما تفاتحك في حوار الجواز دة أتكسفي على دمك وحطي وشك في الأرض وقوليلها اللي تشوفيه يا ماما، ولو رفضتي يا " حبيبة " وحياة أمي لهخطفك وأتجوزك غصب عنك. 


كانت على وشك الإنفجار بغضب بوجهه لكنها تخشى أن تسمعها والدتها لذلك هدرت قائلة وهي تلكمه بصدره تدفعه بإتجاه الباب:- أطلع برة، برة. 


ضحك بقوة عليها وبالفعل رحل بعد أن شاكسها وكم كان ذلك مُمتعٍ لهُ بينما هي بعد رحيله وقفت تتنفس بغضب وهي تستند بكفيها على باب المنزل، حينها صدح صوت والدتها من خلفها قائلة بنبرة مُتبرمة:- عيني فيه وأقول إخيييهه، والله ما حد هيعرف يتعامل مع نشوفية دماغك دي غيره. 


كانت على وشك أن تصطدم برأسها في باب المنزل لكنها تراجعت باللحظة الأخيرة ولا تعلم لماذا.... 


--------------------------------


الحياة ليست عادلة البتة.. قد تُعطيك الكثير لكنها تأخذُ منك الأكثر بالمقابل.. قد تُعطيك الحُب وتأخذُ منكَ السعادة.. تُعطيك الأموال وتأخذُ منكَ الصحة.. وهكذا تدور بتلك الدائرة المُغلقة من الإبتلاءات دون مفر.. لكن أشد ما قد يُبتلى بهِ الإنسان هو نفسه.. قد تُعطيك الحياة كل شيءٍ قد يمنحك السعادة لكن تأخذُ الشيء الأهم.. والذي من دونه تفقد إنسانيتك.. وهو ضميرك.. 


مرحبًا بكُم من داخل وكر الشيطان.. 


غرفة كبيرة شاسعة الوسع تضم عددًا كبيرًا من الأشخاص.. كل شخصٍ منهم يجلس على مكتب صغير وأمامه حاسوب خاص بهِ.. يتراصون بجانب بعضهم البعض بنظامٍ بينما نظراتهم لا تُحيد عم الشاشة وأصابعهم لا تتوقف عن العمل والضغط على الأزرار بلوحة المفاتيح.. 


كان عمل هؤلاء الرجال هو الترويج ونشر أكبر عدد من المقاطع الإباحية بالعالم العربي والغربي.. لقد كان ذلك المكان هو مقر لأكبر شبكة تمارس الأعمال المُخلة بالأداب.. أعمال أختطاف للكثير من النساء بمصر وغيرها من البلدان وتهريبهن إلى دول أخرى لبيعهن وكسب المال.. إبتزاز رجال ونساء وإرغامهم على العمل بالدعارة.. والكثير من الجرائم الأخرى.. 


خارج المبنى الكبير يقف عددًا كبيرًا من رجال الحراسة الأشداء المُسلحين يتأهبون لأي حركة بالمكان.. أقتربت 4 من سيارات الدفع الرُباعي محملين بأكثر من عشرون شخصٍ من الحراسة مكلفين بحراسة شخصٍ واحد فقط.. 


ترجل من سيارته الفارهة السوداء وهو يهندم سترة بذلته غالية الثمن ثُم وقف يتطلع حوله إلى النظام الدقيق الذي أسسهُ قبل سنوات.. يرى مجهوده يُكلل بالنجاح.. لقد رأى الموت بأُم عيناه حتى يصل إلى مكانته الحالية.. لقد أصبح أخيرًا.. الــزعــيــم.. 



-----------------------------------


بداخل دار العفاريت تحديدًا بشقة الجد وكبير العائلة " مُختار العفريت " كان يأخذ قيلولة قصيرة بغرفته قبل أن تنتهي النساء من تحضير الطعام.. 


أنتفض " مختار " من على فراشه وهو يلهث ويسعل بشدة حتى شعر لوهلة أن أنفاسه على وشك أن تُزهق.. لكن باللحظة الأخيرة فتحت " ليال " باب الغرفة سريعٍ وركضت نحو جدها تساعده على الجلوس براحة ثُم أعطته كوب الماء الموجود على الكومود بجانب الفراش.. 


أرتشف الكوب دفعة واحدة ثُم أعطاه لها وهو يتراجع إلى الخلف يستند بظهره على الفراش.. كانت تربت على صدره وهي تناظره بقلق ثُم هتفت قائلة بلهفة'- حضرتك كويس يا جدو.؟ 


اومأ لها الجد وقد شعر بهدوءه يعود تدريجيًا لكن تلك القبضة التي تعتصر قلبه مازالت موجودة.. هتف قائلًا بحذر:- كويس الحمد لله. 


=أنت شوفت كابوس ولا إيه.؟ 


التمعت عيناه الخضراوتين والتي ورثتهما عنه حفيدته " ليال " بتعبير غامض ثُم هدر قائلًا:- أيوة كابوس بس مش مهم. 


عقدت حاجباها من إجابته التي لم ترضي فضولها قائلة بتساؤل:- كابوس إيه يا جدو، إحكيلي.؟ 


سعل الجد مرة أخرى لكنه هدأ سريعٍ ثُم أجاب قائلًا وهو يتهرب من عيناها:- نسيته، لما أفتكره هقولك. 



شعرت بشيءٍ غامض بحديثه لكنها تعلم أن " مختار العفريت " أمكر مما تعتقد ولن يُجيب مادام لا يُريد.. 


تنهدت " ليال " قائلة بهدوء:- أنا كنت طالعة أصحيك عشان الغدا جهز. 


اومأ لها قائلًا بإبتسامة ثابتة ثبات واهي:- ماشي يا حبيبتي، إنزلي وأنا هحصلك. 


فعلت ما أمرها بهِ لكن بداخلها تشعر بالقلق مما حدث.. وبداخلها إحساس يكاد يصل إلى اليقين أن جدها يخفي شيءٍ ما سيُزلزل تلك العائلة.. 


فور أن خرجت من الغرفة فتح " مختار " الدُرج الذي بجانبه ثُم أخرج إطار يُحيط بصورة قديمة تضُم شاب في ريعان الشباب.. ملامحه وسيمة وتُزيد وسامته بسبب تلك الإبتسامة الرائعة التي تُزين ثغره.. لمعت عيناه بالحُزن وهو يتذكر أن الحياة أخذت منهُ عزيزًا من قبل وهو تقبل القدر بصدرٍ رحب ولم يعترض.... 


----------------------يُتبع--------------

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-