أخر الاخبار

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ١٦

العفاريت 

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ١٦

رواية العفاريت بقلم ايه صبري 
الفصل ١٦

                              *وِلادة جـديـدة*


هل يجب أن تُصدق أخيرًا أن الحُب خِدعة.. فخ كبير وسقطت هي بهِ بمُنتهى السذاجة.. وبضحكة كانت تصل إلى أذنيها حينها.. هل حُبهما كان فيلمٍ سينيمائيًا وهُما مُجرد مؤديان قاما بتأدية دورهما ببراعة تستحق التصفيق..! 


حسنًا، إذا كان الحُب خِدعة فهي كبيرة المُخادعيين.. 


وإذا كان فخٍ فهي تعلمت كيف تصنع الأفخاخ لأعدائها ليسقطوا بها كالذُباب وبمهارة.. 


وإذا كان مُجرد فيلم سينيمائي فهي حاصلة على الأوسكار.. 


" دار آل عفريت "


مر أسبوع على الأحداث الأخيرة لكن تغيير الكثير بالنفوس.. استردت " ليال " بعضٍ من صحتها وقد استيقظت بعد يومين من مُعالجة الجلطة الصدرية التي أصابتها.. توقع الجميع إنهيارها أو حتى اخبارهم بما حدث لتتعرض لمثل هذه الإصابة لكن الاسوأ ما حدث وهو هدوئها.. فور أن فتحت عيناها بالمشفى كان الأطباء حولها يُراقبون مؤشراتها الحيوية.. وبعد الكثير من الفحوصات والإطمئنان على استقرار حالتها الصحية سمحوا إلى عائلتها لتراها.. كانت هادئة.. صامتة.. تبتسم إبتسامة باهتة.. مُتعبة.. لا ترُد إلا بقليل الحديث.. وعندما سألوها عن سبب ما حدث لم تُجيبهم.. 


كانت تجلس بشرفة غُرفتها.. ترتدي واحدًا من بذلاتها الرياضية الشتوية الثقيلة وتضع الكاب الخاص بها على رأسها ليحميها من البرد.. بينما خصلات شعرها السوداء الطويلة تسترسل على ظهرها وتحاوط وجهها بفوضوية مُحببة.. ملامحها هادئة.. فقدت شحوبها قليلًا لكنها لم تعود إلى توردها الطبيعي.. عيناها شاخصتان شاردتان في البعيد.. لا تُحاول أن تتذكر شيءٍ يؤلم قلبها قبل عقلها.. كل ما تشعر بهِ هو فراغ.. فقط فراغ كبيرة سقطت بهِ وتتمنى لو تبقى هكذا طوال حياتها المُتبقية والتي تتمنى أن تكون قصيرة.. 


تجلس بشرفة غرفتها تتأمل حديقة منزلها الكبيرة بملامح هادئة.. وعينان خاويتان.. بتلك اللحظة شعرت بمن يسحب المقعد الخشبي الأخر ويجلس بجانبها.. لم تحتاج إلى كثير من الوقت لتدرك هويته.. 


لقد كان " زين " والذي بمجرد أن جلس حتى نظر إليها قائلًا بجدية:- عاملة إيه النهاردة.؟ 


حركت رأسها تنظر إليه بلا تعبير ثُم ابتسمت إبتسامة باهتة قائلة:- بخير، أنت إيه أخبارك، بقالي يومين مش بشوفك.؟ 


تنهد بتعب قائلًا:- والله ضغط الشغل بس مش أكتر، برجع متأخر فمش بحب أطلعلك وأنا عارف إن البيت كله هيبقا نايم. 


تحدثت قائلة بأسف:- أكيد الضغط دة بسببي، أنا يومين كدة وهنزل الشغل. 


ربت على كفها برفق قائلًا بنبرة حازمة:- بطلي عبط، وخدي وقتك، إحنا عايزينك بكامل صحتك. 


أبتسمت نفس إبتسامتها الباهتة ولم تُجيب.. بينما هو أردف قائلًا بتساؤل ذات مغزى:- حاسة بإيه دلوقتي.؟ 


كانت تعرف مغزى سؤاله.. وتعرف أنها ستُسأل ذلك السؤال منهُ منذُ اللحظة الأولى التي جلس بجانبها بها.. لذلك لم تتصنع الغباء.. وبملامح هادئة.. وعينان باردتان.. وبنبرة جافة لكن عميقة:- حاسة إني اتولدت من جديد. 


عقد حاجبيه بعدم فهم قائلًا:- مش فاهم. 


نظرت إليه بطرف عيناها قائلة ببساطة:- ولا أنا فاهمة، بس حاسة إن الأفكار في دماغي سكتت مرة واحدة، وإني خفيفة، وفاضية من جوايا، والغريب إني مش متضايقة من الفراغ دة، بالعكس، حاسة إني مرتاحة وهادية. 


صمتت لثوانٍ تلتقط أنفاسها وتستجمع نفسها ثُم هدرت قائلة بهمس خافت وكأنهُ قادم من بعيد:- عارف لما تكون بقالك سنين بتحارب ومش فاهم بتحارب مين ولا حتى بتحارب ليه.! أنا أخر ٣ سنين استنزفوا كل طاقتي، حاسة إني تعبت ومحتاجة أرتاح، ومش مصدقة إن بعد الوقعة الأخيرة دي إني قومت بكل الهدوء والثبات دة، حاسة أنها فرصة جديدة ربنا بعتهالي، وأنا مش ناوية أضيعها. 


تألم قلبه من أجلها.. يعلم كم المُعاناة التي عاشتها من قبل.. وهو أيضًا لا يصدق ثباتها وهدوئها بعد الأزمة الأخيرة.. كان يتوقع فترات إنهيار.. وأيامٍ طويلة من البُكاء والصراخ.. لكنها ليست ذلك النوع من الفتيات.. هي ليست كأيّ فتاة بل هي " ليال العفريت ".. 


تنحنح قائلًا بنبرة جادة:- على فكرة"  عـاصـ... " 


قاطعت حديثه قائلة بنبرة حازمة لم تخلو من هدوئها الجديد:- لو سمحت يا " زين " أنا مش عايزة أسمع إسم الشخص دة تاني، مش عايزة أسمع أي حاجة تضايقني أو توجعني. 


صمتت لثوانٍ تلتقط أنفاسها ثُم همست قائلة وهي تنظر بعيدًا عنهُ:- أنا كنت هموت، ليه وعشان مين.! من النهاردة مش هفكر غير في نفسي، نفسي وبس، واللي بيني وبين الشخص دة مجرد وقت وهينتهي كل شيء بينا. 


تصدمه كل مرة بقوتها.. حتى وإن كانت ظاهرية فقط لكنها بالنهاية لا تستسلم للضعف.. لا تسمح لنفسها بالإنهيار.. تقف بوجه أوجاعها تجابههم بشموخ لا يليق إلا بـ " ليال العفريت ".. 


كان على وشك أن يتحدث لكنه لاحظ شرودها بنقطة ما.. نظر إلى ما تنظر لهُ ليجدها تتطلع ببوابة المنزل الخارجية.. تنظر إلى شخصٍ ما يبدوا كموظف حكومي يقف بين حراسهم الخاصين يقومون بتفتيشه وسؤاله عما يريده.. 


شعور بالريبة ظهر بداخله وقبل أن يتحدث كانت هي تنهض من مكانها بقوة وتمضي في طريقها إلى قدرٍ محتوم.. ومصيرٍ معروف.. ذهب خلفها " زين " سريعٍ.. كانت تنزل درجات الدرج بسرعة حتى خرجت من البناية.. توجهت بخطوات مُتعجلة نحو الرجُل وعندما وقعت نظرات الحُراس عليها أخفضوا رؤوسهم بإحترام.. وقفت أمامهم بكل قوتها تتطلع نحو الرجل بنظراتٍ فارغة.. حتى تحدث واحدًا من الحُراس قائلًا بأدب:- في مُحضر من المحكمة عايز حضرتك يا " ليال " هانم. 


لم تتبدل ملامحها بل استمرت على ثباتها وقوتها.. أشار لهُ " زين " ليقترب وحينها صدح صوت المُحضر قائلًا بعملية:- الأنسة " ليال النويري ".؟ 


اومأت لهُ فهتف قائلًا:- ممكن أشوف بطاقتك.؟ 


لحسن حظها كان هاتفها معها وهي دائمًا ما تضع هويتها الشخصية بعطاء الهاتف.. بعد أن تفحص الموظف هويتها هدر قائلًا ببساطة:- ممكن حضرتك توقعي هنا هلى ورقة طلاقك من السيد " عاصي السُليماني ". 


-----------------------------------


يشعر الإنسان في بعض الأوقات أنهُ عاش لعدة قرونٍ.. عاصر الكثير من الأحداث التي استنزفت ما بداخله.. حتى بدأ يشعر بأنهُ مجرد حطام.. عاش ورأى الكثير حتى هلك.. 


"  دار آل سُليماني "


بالوقت الذي كانت هي تعمل على بناء نفسها من جديد.. كان هو يُعاني بغرفته وحيدًا.. حالة من الغضب.. الحُزن.. اليأس.. أصابته من بعد عودته من المشفى بتلك الليلة.. عندما تركته " ليال " يوم زفافهما وأمام جميع المدعويين لم يُصاب بالإكتئاب أو إنعزل عن الجميع.. كان فقط يشعر بالغضب.. ثائر.. يُريد أم يسألها لماذا.. لكن عندما رأى الحالة التي وصلت إليها بسببه هو تمنى لو كان مات قبل أن يجرحها.. 


كيف وصلا إلى هُنا.. كيف فعلها وطلب منها أن تقضي ليلة معه.. كيف كان وغدًا إلى تلك الدرجة..!


" ليال " لن تسامحه ما حيَّت.. وهو يعلم ذلك.. ويخشى أن يُحاول لأنهُ يعلم أنها لن تُسامح.. كيف وصل بهِ الحال إلى هنا.! قبل عدة أيام كان هو الذي لن يُسامحها على جرحها لهُ مُتعمدة.. لماذا انقلبت الأدوار إذًا..! 


كان يقف خلف نافذة شرفة غرفته.. يتأمل السماء أمامه.. كانت هادئة.. صافية.. وبالرُغم من ذلك لا يوجد أثر للشمس.. فقط ضوء الله عز وجل الطبيعي.. كل شيءٍ هاديء بعكسه.. هو الثائر الوحيد.. الغاضب الوحيد.. الحزين الوحيد.. 


شعر بكف حانية لكن قوية تُربت على كتفه.. التفت ليرى والده يقف خلفه مُباشرة.. ينظر إليه بعينين قلقتين قائلًا:- بقالي كتير بخبط عليك يا " عاصي "، قلقتني عليك.! 


كان يقف أمامه بعينين غائرتين.. حمراوتين كالدماء.. بينما وجهه أسود اللون وكأنهُ فقد عزيزٍ للتو.. أليست هي عزيزته وحبيبته..! يُقسم أنهُ سيبقى حزينٍ عليها حتى بعد مماته.. مثلها امرأة لا تُنسى حتى وإن مات المرء.. 


أجلى صوته قائلًا بهمس هاديء:- معلش يا بابا كنت سرحان ومسمعتش. 


أشفق الأب كثيرًا على حال ولد.. " عاصي " ابنه البكر والذي كان شُعلة مُتقدة تنبض بالحياة أضحى مُنطفيء.. حزين.. وحيد.. لقد أصابته لعنة العِشق وأنتهى الأمر.. 


ضغط السيد " رزق " على كتف ابنه قائلًا بحنو:- بقالك كتير حابس نفسك في الأوضة ومحدش بيشوفك، وجدك سأل عليك أكتر من مرة، مش ناوي تنزل النهاردة.؟ 


تنهد " عاصي " بتعب ثُم هدر قائلًا:- هنزل بإذن الله، أنت بس كنت مريح عشان الجرح. 


كان يتهرب بعيناه بعيدًا عن عينيّ والده.. لكن الأخير يعلم سبب حزنه وإنعزاله.. لم يرد أن يفتح الأمر من جديد لكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من أن يهتف قائلًا برزانة:- هون على نفسك، متعرفش ربك كاتبلك إيه بكرة وهتشوفه، وبعدين أنا سمعت إنها خرجت من المستشفى بقالها يومين تلاتة وصحتها بتتحسن. 


انتفض قلبه على ذِكر سيرتها.. لكنهُ كان يعلم كل هذه الأخبار.. أخبارها تصله يوميًا وبالتفصيل.. يعلم أنها تجلس بشرفة غرفتها كثيرًا تتأمل كل شيءٍ حولها.. مثله بالضبط.. أهي حزينه مثله.. يائسة.. غاضبة..! 


لاحظ والده انتفاضته فنظر إليه بعدم فهم حينها لم يتحمل " عاصي " وهدر قائلًا بنبرة مُختنقة.. فاقدة للحياة:- أنا طلقت " ليال " من يومين يا بابا. 


توسعت نظرات الأب بصدمة.. وعدم تصديق.. وشعر بحزن إبنه يتسلل إليه بتلك اللحظة.. لم يعرف ماذا يفعل أو ماذا يقول لكنهُ لم يفعل سوى معانقته.. ضمه إلى صدره فبادله " عاصي " العناق ودفن رأسه في كتف والده.. كأنهُ يستند عليه بعد أن أرهقته الحياة وأوجعت قلبه.. 


يعرف الأب جيدًا ماذا تعني " ليال " إلى " عاصي ".. ما بينهما أكبر من كل قوانين الحُب وقواعده.. يُقسم أن من مد ابنه بالصبر السنوات الماضية هو فكرة أنها زوجته.. لكن الأن بعد أن قام بتطليقها لا يعرف ماذا سيحدث.. 


ربت على ظهره قائلًا بحُب:- الحُب شقى يابني، اختبار قوي وربنا أراد إنك تمُر بيه، بس ليه مفكرتش تسامح يا " عاصي "، مش يمكن لو سامحتها ترتاح وتقدر تبدأ معاها من جديد.! 


أبتعد عنهُ ينظر إليه بعينين حمراوتين غاضبتين ثُم هدر قائلًا بضياع:- حاولت، والله حاولت، لما بتكون قدامي بنسى اللي حصل بينا ومش بكون مركز غير في قُربها مني بس، بس فجأة بفتكر كل حاجة وبلاقي نفسي بجرحها بالكلام، أنا السبب في اللي حصلها، قولتلها حاجات مينفعش أقولها وخرجت من عندي مُنهارة، وبعدها وصلي خبر إنها في المُستشفى عندها جلطة، أنا مش قادر أصدق اللي وصلنا ليه، إزاي كنت هكون سبب في موتها.! 


هدر والده قائلًا بقوة:- قوة الحُب في إننا نقدر نسامح، لو مسامحناش نبقا محبيناش. 


أغمض عيناه بقهر ثُم فتحهما يُطالعه قائلًا بمرارة:- وهي عمرها ما هتسامحني حتى لو بتحبني، بالذات وهي مقتنعة إني خونتها. 


عقد السيد " رزق " حاجباه قائلًا بحيرة:- خونت مين، وخونتها إزاي.! 


تنهد قائلًا بغصب لا يعلم من نفسه أم منها:- اليوم دة قالتلي إنها سابتني يوم فرحنا عشان شافت فيديو ليا الصبح إني بخونها مع واحدة، بس أنا مصدقتهاش وقولتلها كلام وصلها للي حصل دة. 


أطرق والده رأسه يُفكر قليلًا صامتٍ لبعض الوقت.. ثُم نظر إلى ابنه قائلًا بتساؤل جاد:- وأنت مش ناوي تشوف الموضوع دة، مش جايز كلامها حقيقي، بالذات إن " ليال " مش معروف عنها أنها كذابة. 


هدر قائلًا بعصبية:- فكرت كذا مرة بالذات أنها لمحت بالموضوع دة كتير بس مش عارف ابدأ منين. 


أجابه والده سريعٍ قائلًا بجدية:- يعني إيه مش عارف تبدأ منين، إيه الحجة الهبلة دي، هتبدأ من حد من عيلتها طبعًا، وعلى الأغلب هيكون " زين " لأنه أقرب حد ليها.


هتف قائلًا بتوتر:- معتقدش هو أو غيره هيساعدوني، بالذات بعد اللي حصل. 


= حاول أنت بس تتكلم معاه بهدوء وبالعقل وصدقني هيساعدك. 


اومأ لهُ بهدوء وصمت شاردًا يُفكر في حديث والده.. وسؤال مُرعب قفز إلى عقله.. ماذا لو كانت " ليال " مُحقة.. هل يعني هذا أن هُناك من أوقع بينهما..! 



------------------------------------


الجميع بهذه الحياة يحركهم شيءٍ ما.. قد يكون الغضب.. الحُب.. الشغف.. لكن أكثر إنسان سيء بهذه الحياة هو من تحركه شهواته.. أطماعه.. أحقاده.. 


بداخل واحدًا من أكبر الجبال وأعلاها بالمدينة.. تشتعل بقعة من نيرانٍ قوية ويجلس حولها عددًا من الرجال يرتدون ملابس مُشابهة.. جلباب صعيدي يعلوه سُترة قُماشية أو صوفية حسب أذواقهم.. يحملون أسلحة على أكتافهم وبين ملابسهم وكأنهم جنود بالجيش ينتظرون الأوامر لبدء الحرب.. 


المكان مُحاط بعددًا قليلًا من المباني القصيرة المكونة من طابق أو أثنان على الأكثر.. وحولهم عددًا من الخيام.. يسكنها مجموعة من القبائل البدوية لكن بالحقيقة هؤلاء ليسوا البدو الحقيقيين.. هؤلاء مجرد مجموعة من المجرميين يختبئون في الجبال ويدعمون عصابات الجبل الهاربة من القانون.. 


قبل عدة سنوات اتحدت أقوى عائلات المدينة لطردهم منها.. وعملوا على منعهم من القدوم إلى المدينة حفاظًا على الأمن والأمان بها.. فسكنوا الجبال منبوذيين.. 


بداخل خيمة ما كان " حمدان " يجلس على أرضية الخيمة المفروشة بالعديد من الوسائد والفرش الدافيء.. يجلس على أحر من الجمر.. ينتظر الخبر الذي سيعوض خسارته بالأسابيع الماضية.. 


دلف واحدًا من رجاله قائلًا بجدية:- الحكومة قبضت على الشحنة الجديد يا ريس. 


انتفض " حمدان " غاضبٍ.. لا يصدق كم الخسارة التي يخسرها هذه الأيام.. لكنهُ هو من اختار أن يلعب مع ابنة العفاريت.. يعلم أنها خلف كل ما يحدث لهُ.. ويقسم لو كانت أمامه الأن لكانت من الموتى.. ثارت ثائرته وهدر قائلًا بجنون:- عملتها بنت العفاريت. 


------------------------------------


بعض الفُرص تأتي بالأوقات الخطأ.. الوقت عامل مُهم كثيرًا خاصة عندما يتعلق الأمر بأحلامك.. 


أوقفت " فلك " التوك توك خاصتها أمام منزل الشيخ " جمال " الموجود بحارتها.. لقد هاتفها الرجُل قبل عدة ساعات وأخبرها أنهُ يرغبُ في رؤيتها اليوم لأمر هام.. وهي بمجرد أن حصلت على فترة راحة حتى قررت أن تذهب إليه بمنزله لتراه.. 


صعت الدرج المُتهالك بخطوات سريعة... ثُم قامت بطرق الباب الخشبي القديم عدة طرقات.. فتحت لها زوجة الشيخ العجوز بوجهها البشوش وأبتسامتها الرائعة على الدوام.. 


هللت المرأة قائلة بسعادة:- إيه النور دة، الأسطا " فلك " بتزورني في بيتي مرة واحدة، دة النهاردة عيد. 


دلفت إلى المنزل وهي تبتسم بحبور ثُم هتفت قائلة:- عاملة إيه يا  خالتي " توحيدة ".؟ 


ربتت السيدة " توحيدة " على كتفها قائلة بحنو:- بخير يابنتي والحمد لله، أدخلي الشيخ " جمال " مستنيكِ في أوضة الضيوف. 


أبتسمت لها بهدوء ثُم دلفت إلى المنزل الذي تحفظه كإسمها.. فهي كانت تقضي أغلب أيام طفولتها هُنا.. بعد هروب والدتها مع عشيقها لم يهتم بها والدها بل ازداد سخطه عليها.. كما أنهُ كان يَشُك في كونها إبنته حتى قام بإجراء تحليل لإثبات النسب وبالفعل كانت إبنته.. لكن حتى ذلك الأمر لم يشفع لها عنده بل وكأنه كان يتمنى لو لم تكُن إبنته ليلقي بها في الشارع ليرتاح من مسؤوليتها.. أبتسمت " فلك " بداخلها بسخرية وهي تقف أمام باب غرفة الضيوف بمنزل الشيخ " جمال " وذكرياتها المريرة لا تتركها.. تتذكر كيف عاملها الشيخ وزوجته كإبنة لهما.. لم يرزقهما الله بأطفال فكانت هي نِعم العوض لهما.. لكنها كانت صاحبة كرامة ودماء حارة عكس من أنجبها.. فور أن أنتهت من الإبتدائية بدأت بالعمل على الفور.. رُغم رفض الشيخ وزوجته لذلك لكنها أصرت.. وبالفعل عملت بالكثير من المجالات.. بائعة في محل.. بائعة مناديل في الإشارات.. تُنظف السيارات لأصحابها.. تقوم بمسح المحال وتنظيفها لأصحابها بمرتب شهري.. وعندما أنتهت من السنة الأولى لها بالثانوية كانت جمعت مبلغ لابأس بهِ من المال بعد أن قامت بتوفيره بصعوبة.. كانت لا تأكل إلا مرة واحدة باليوم.. ولا تشتري شيءٍ خاص لها كالفتيات.. عاشت حياة مريرة حتى أنتهت من سنتها الأولى بالثانوية وبعدها قررت العودة إلى منزل أبيها.. وقامت بدفع المبلغ الذي معها كعربون لمعرض مُتخصص في بيع وشراء التكاتك وبدأت العمل عليه.. 


عادت من شرودها على صوت الشيخ " جمال " يقف أمامها بعد أن فتح باب الغرفة ووجدها أمامه شاردة وملامحها حزينة.. همس قائلًا بحيرة:- " فلك " واقفة كدة ليه يابنتي.! 


أنتبهت إليه " فلك " وعادت من بحر ذكرياتها على صوت الشيخ الرخيم.. أبتسمت بهدوء قائلة:- إحم، عامل إيه يا شيخ " جمال ".؟ 


أفسح لها المجال لتدلف إلى الغرفة ثُم نادى على زوجته لتُحضر واجب الضيافة وتقوم بتحضير الغذاء.. تبعها إلى الداخل بعد أن ترك الباب مفتوحٍ ثُم جلس على المقعد بجانبها.. وبعد القليل من السلامات والاسئلة المُعتادة هتف الشيخ قائلًا بتساؤل جاد:- وإيه أخبار الشغل في الموقف إيه يا " فلك "، أنا بسمع كل يوم والتاني عن خناقة شكل هناك.؟ 


تنهدت بضيق قائلة:- والله يا شيخ الوضع مهبب، يا بيتخانقوا مع بعض، يا بيتخانقوا معايا، يإما مع الزباين، وكل يوم والتاني رافعين الأُجرة بمزاجهم لغاية ما كرهوا الناس في مواصلة التوك توك. 


=طب ما يمكن إرتفاع سعر البنزين كل شوية هو اللي بيحكمهم يابنتي.؟ 


=أنا معاك إن البنزين بيغلى كل شوية، دة رفع 3 مرات السنادي بس برضه الرحمة حلوة، بيرفعوا بالـ10ج مرة واحدة، الناس دلوقتي أغلبها بتركب الفلوكسات وهو هو نفس المشوار مش بيكمل 5ج. 


أبتسم الشيخ " جمال " بفخر قائلًا بنبرة وقورة:- أكتر حاجة بحبها فيكِ يا " فلك " إنك بتقولي كلمة الحق ومش طماعة. 


أبتسمت بحلاوة ولم تعرف بماذا تُجيب.. رفع هو عنها الحرج قائلًا بنبرة جادة:- طيب أنا عندي حل هيريحك من الهم دة أخيرًا.


نظرت لهُ بإستفهام فهدر هو قائلًا بنبرة حذرة:- جايبلك شُغل وفي شركة محترمة، لسة صغيرة بس إسمها شركة، مجموعة بنات مهندسيين ديكور، فتحوها وبيدوروا على مُحاسبة بنت، وأخو واحدة منهم معرفة وطلب مني أشوف بنت تشتغل معاهم عشان عايزين يبدأوا في أقرب وقت. 


كانت تستمع بملامح هادئة.. لا تعبير مُحدد يعلوها لكن بداخلها كانت تنتفض بغيظ.. تحكمت بغيظها وضيقها فقط من أجل الشيخ الوقور الذي يجلس أمامها.. لكن رائحة إبن العفاريت تفوح بالأمر وهي واثقة من أن عرض العمل المُغري هذا منهُ هو.. 


تحاملت على نفسها وهتفت قائلة بنبرة هادئة هدوء مُريب:- صراحة يا شيخ هو عرض ميتفوتش. 


أبتسم الشيخ براحة لنجاح مخطته لكنها حطمت بسمته في بدايتها عندما استأنفت حديثها قائلة بنبرة حازمة:- بس أنا الصراحة مش هقدر أقبل بيه. 


عبس الشيخ قائلًا ببوادر غضب أبوي:- ومش هتقدري ليه بقا إن شاء الله، بقولك شركة محترمة وكلكم بنات مع بعض، مش أحسن من بهدلتك في الشوارع واللي يسوى وميسواش بيتعرضلك.! 


لم تغضب منه.. على العكس سعيدة بداخلها لأهتمامه بها.. هي مُمتنة لهُ ولزوجته للغاية.. لولا وجودهما بحياتها لكانت الأن تسير بطريقٍ أخر.. لذلك هي تتقبل منهُ كل شيءٍ.. الحُب.. الحنان.. الأهتمام.. الحزم.. حتى الغضب كالأن.. لكنها أيضًا تعرف أن هذا العجوز الماكر الذي يجلس أمامها يعرف عنها كل شيءٍ.. بالتأكيد أن إبن العفاريت أخبره بكل شيء.. تقسم أن حسابه معها سيكون عسيرٍ.. 


تنهدت بهدوء قائلة:- لإني مهاجرة. 


للحظة الأخيرة كان يعتقد أن " زين العفريت " يكذب عليه أو حتى بالغ بفهمه لحديثها لكن الأن تأكد من كل شيءٍ.. إبنته التي رباها على يديه.. منذُ أن كانت فتاة صغيرة بعُمر الثلاث سنوات رماها والدها بالشارع مُتعللًا بأنها ليست إبنته وحتى بعد أن ثُبت نسبها إليه فتلقفها هو وزوجته تعويضٍ لهما من الله بعد أن حرمهما من الإنجاب.. سترحل.. تُريد أن تهرب من بلدتها.. تعيش بمكان أخر بعيدًا عن عيناه وعن رعايته لها.. 


اشتدت عيناه بغضب وهدر قائلًا بعصبية:- إيه التخريف اللي بتقوليه دة يا " فلك "، هجرة إيه وكلام فاضي إيه، هتروحي تعيشي في بلاد غريبة وإنتِ بنت ولوحدك، عايزة كلاب السكك تنهش فيكِ.! 


أبتسمت بسخرية سوداء قائلة:- ليه وهي كلاب السكك في بلدي مش بتنهش فيا، دة أنت أكتر واحد يا شيخ عارف مين بالظبط اللي كان بينهش فيا وفي بيتي. 


استغفر بسره محاولًا تهدئة أعصابه حتى يكسب هذا الجدال ثُم هتف قائلًا بتعقُل:- طب مانا يابنتي جايبلك شُغلانة محترمة، وبإذن الله هتغيير حياتك للأحسن. 


وبنفس سخريتها السوداء همست قائلة بمرارة:-  صدقني يا شيخ لو المشكلة في الشغل فهتلاقيني قبلت بالعرض دة وأبوس إيدي وش وضهر وأحمد ربنا ألف مرة بس المشكلة مش في الشغل، المشكلة فيا أنا، أنا خايفة في بيتي، بنام وأنا لابسة لبسي كله، كل يوم بيعدي عليا و " صالح " لسة مظهرش بموت، سكوته عاملي رُعب، أنت متخيل إني في بيتي بنام بهدومي كاملة وقافلة عليا كل الأبواب وجمبي سلاحي وبرضه مرعوبة، مش عارفة لو ظهر مرة تانية ولاقيته في وشي فجأة هيكون ناوي ليا على إيه، عشان كدة لازم أبعد، أنا وهو مبقاش ينفع يجمعنا حاجة. 


استغفر للمرة الثانية وحاول أن يتأنى في الحديث ولا يُظهر شفقته عليها لها.. يعلم أن أكثر ما تكرهه هي الشفقة.. لذلك هتف قائلًا برزانة:- والحل إنك تسافري وتعيشي متغربة في بلد تانية، بعيد عني وعن خالتك " توحيدة "، طب أنا هبقا متطمن عليكِ إزاي.! 


أبتسمت بحُب لهذا الرجُل الرائع والذي كانت تتمنى ومازالت لو أنهُ والدها الحقيقي.. بالتأكيد كانت حياتها ستختلف كثيرًا عن الأن.. كانت ستكون"  فلك " الأنثى الطبيعية.. وليست " فلك " سائقة التوك توك.. لكنها أقدار وهي راضية.. 


هتفت قائلة بحنان:- متقلقش يا شيخ أنا مش مسافرة بلد أجنبي، دي بلد عربية برضه وأهلها مُسلمين وموحديين بالله، وهتصل عليك كل شوية، وبعدين أنا مرتبة كل حاجة متقلقش. 


بعض الأقدار لا يُمكن الهرب منها.. لكنها ستهرب.. سترحل من هُنا بلا عودة.. لا حياة لها هنا وأنتهى الأمر.... 


-------------------------------------


بعد ما يُقارب الساعة كانت تقف أمام بوابة مجموعة " آل عفريت " تهدر بأعلى نبرة تملكها قائلة:- بقولك عايزة أقابل اللي مشغلك. 


زفر فرد الأمن الشاب قائلًا بضيق:- يابت أتكلمي عدل أحسنلك، وبقولك أهو مش هتقابليه مهما عملتي، هو أي من هب ودب يجي يقولي عايز أقابل " زين " بيه هندخله ولا إيه.! 


كانت على وشك أن تسحب سلاحها وتهوي بهِ على رأسه لكنها بدلًا من ذلك صرخت قائلة بشراسة:- بقولك قوله إن " فلك " هنا وعايزة تقابله وهو هيوافق. 


لا تعلم من أين كل تلك الثقة التي تتحدث بها وتملكها لكن شيءٍ ما بداخلها يُخبرها أن إبن العفاريت سيسمح لها بالدخول وإن عرف بوجودها هنا سينزل هو بنفسه لإستقبالها حتى.. 


نظر إليها الحارس بسخرية من مظهرها البسيط قائلًا:- عايزاني أقوله مين يا حلوة، " فلك ".! طب يلا ياختي من هنا ومتخربيش بيتنا.


 الكثير من الغضب يتملكها بتلك اللحظة لكن قبل أن تُجيب صدح صوت صارم من خلفها هادرٍ:- في إيه بيحصل هنا.؟ 


التفتت سريعٍ لتقع عيناها على شابتين بنفس عُمرها تقريبًا لكن الثراء ظاهر عليهما وبشدة.. ملامحهما صارمة لكنها راقية أيضًا.. يتطلعان نحوها بتساؤل عن هويتها وسبب الجلبة التي تُصدر عنها.. 


صدح صوت الحارس قائلًا بتوتر:- أنا أسف يا هوانم، هنمشيها حالًا. 


اخطأ خطأ عمره عندما أقترب منها وظهرها لهُ ثُم قام بالقبض على ذراعها بقسوة يُحركها لتبتعد.. باللحظة التي لمسها بها كانت اللحظة التي التفتت بها لهُ وبحركة مُفاجئة لكمته بقوة في أنفه مما جعلها تنزف الدماء.. شهقت كلًا من " روان وشهد " من شراسة الفتاة المُفاجئة لكن الأخيرة هدرت بجنون قائلة:- مين سمحلك تلمسني يا و***.! 


كان الحارس على وشك أن يصفعها عندما هدرت " شهد " قائلة بقوة:- خلاص يا " محمود "، روح شوف شُغلك بس عالج جرحك الأول. 


صمت الحارس على مضض وابتعد عنهن بعد أن رمق " فلك " بغضب  وتجاهلت هي نظراته لها.. اقتربت منها " روان " قائلة بتساؤل:- إنتِ مين وعايزة إيه.؟ 


زفرت للمرة الألف اليوم وهدرت قائلة من بين أسنانها:- أنا " فلك " وعايزة أقابل ابن العفاريت. 


عقدت " روان " حاجباها بحيرة بينما " شهد " أبتسمت بتلاعب قائلة:- بس هنا في عفاريت كتير حددي إنتِ عايزة مين فيهم. 


نظرت إليها قائلة بضيق:- عايزة " زين العفريت "، إرتاحتي كدة.! 


كانت " روان " تُتابع الموقف بصدمة بينما " شهد " بتسلية لكنها هتفت قائلة بذهول ضاحك:- " زين العفريت " مرة واحدة.! 


أبتسمت بسخرية قائلة:- لا على قطع، لو ينفع تطلعيه شرايح أنا معنديش مانع. 


ضحكت " شهد " بقوة.. لم تضحك هكذا منذُ أيامٍ.. لكن هذه الفتاة رائعة.. ستُشَّكل هي وابن خالتها ثُنائي رائع.. 


فور أن أنتهت من ضحكها هدرت قائلة:- تعالي معايا أنا هوصلك ليه بنفسي. 


سارت " شهد " يتبعها " روان " وهي خلفهما تتأمل الشركة بعينين منبهرتين لكنها جاهدت لتخفي إنبهارها.. فهي هُنا لمهمة محددة وسترحل.. همست " روان " قائلة بتساؤل:- إيه اللي عملتيه دة، أفرضي " زين " ميعرفهاش هيولع فينا.! 


مالت عليها " شهد " قائلة بسخرية مُضحكة:- مين دة اللي ميعرفهاش، أراهنك إن ما كان عارفها ومعرفة جامدة كمان، إنتِ مش شايفة ثقتها وهي بتتكلم وبتنطق إسمه من غير ألقاب كدة.! 


نظرت " روان " إلى " فلك " التي تسير على مقربة منهما بملامحها الجامدة وهي واثقة أن حديث إبنة خالتها صحيح مائة بالمائة.. 


بعد أن صعدن بالمصعد ووصل بهُن إلى الطابق الأخير حيثُ تقع مكاتب أصحاب الشركة.. سارت برفقة الفتاتين نحو مكتب " زين " وهُناك وقفت السكرتيرة إحترامٍ إلى " روان و شهد " ونظرت إليها هي بذهول من وجود فتاة بمثل هيئتها هُنا لكنها لم تتحدث فهي دخلت برفقة إثنتان من نساء العفريت.. 


فتحت " شهد " باب غرفة مكتب " زين " لتراه مُنكب على مجموعة من الأوراق يُراجعها فهدرت قائلة بخُبث:- " زين " في ضيفة هنا وعايزة تقابلك. 


رفع أنظاره سريعٍ عن الأوراق وبأقصى خيالاته جموحٍ لم يتخيل أن تلك الضيفة هي.. " فلك "..! 


انتفض واقفٍ من على مكتبه ثُم سار عدة خطواتٍ نحوها لكنهُ توقف عندما رأها تهرول نحوه كالطلقة حتى وصلت إليه ووقفت أمامه فظهر فرق الطول بينهما واضحٍ كوضوع الشمس.. 


لكنها لم تأتي لتتأمله صامتة بل قامت بلكمه بقبضتيها بصدره هادرة بشراسة وجنون:- مين قالك تساعدني، هو أنا طلبت منك مساعدة، حاشر نفسك ليه في حياتي وفي كل خرابة بتطلعلي زي العفريت، وزي ليه ما أنت عفريت فعلًا، وبعدين رايح تفضحني عند الشيخ " جمال "، دي غلطتي إني استأمنتك على سري.! 


بعد كل جملة يتبعها منها لكمة على صدره.. بينما هو كان ينظر نحوها بذهول.. يعرفها شرسة لكن أن تُحرر شراستها معه والأن أمرٍ أذهله.. 


كل ما حدث كان تحت أنظار " روان وشهد " المصدومتين.. الواقفتين كتمثالين من الشمع يبحلقان في الوضع أمامهما فاغرين أفواههما حتى كادت أن تصل إلى الأرض.. بينما عيناهما على وسعهما.. كان مظهرهما مُضحكًا غير مُصدقين أن هُناك من تجرأت على شقيقهما الجبار هذا.. وأخيرًا.. 


أنتبه هو إليهما فتحرك نحوهما قائلًا بصرامة كادت أن تضحكهما:- بتعملوا إيه هنا، روحوا شوفوا شغلكم. 


هدرت " شهد " قائلة بسماجة:- لا أنا عايزة أتفرج. 


=وأنا كمان عايزة أتفرج، القاعدة هنا حلوة إحنا قاعدين. 


جز على أسنانه قائلًا بغيظ:- يلا يابت إنتِ وهي على شغلكم بدل ما أسفلتكم دلوقتي. 


قبض على ذراع كلًا منهما وتحرك بهما نحو الباب ليلقي بهما خارجٍ بينما تذمرت " شهد " قائلة:- يووووه،، سيبنا ومش هنعمل صوت، إحنا مش كل يوم بنشوف حد بيهزقك. 


جز على أسنانه قائلًا:- مين اللي بيهزقني يا عرة إنتِ، يلا غوروا، أشكال تسد النفس. 


ضحكت بقوة قائلة وهي تراه يتوجه نحو باب مكتبه وعلى وشك غلقه بوجههما:- حوش حوش چوليا روبرتس اللي عندك جوة، دة أنت وقعت في الأرجل مننا. 


ضحكت شقيقته بقوة قائلة:- أيوة والله معاكِ حق، بس تصدقي عجبتني أوي. 


بصق عليهما ثُم أغلق الباب بقوة أجفلت السكرتيرة المسكينة التي تجلس تتابع جنون أبناء العفريت دون فهم لكنها صامتة.. 


------------------------------------


هل أخبر أحد من قبل أنهُ يعشق لعبة الفريسة والصياد معها.. يعرف أنها ليست أيَّ فريسة.. بل فريسة شرسة.. صعبة المنال.. وهو صياد بارع ذو صبرٍ طويل.. لكن بأقصى خيالاته جموحٍ لم يتخيل أن تأتي فريسته بقدميها إلى عرينه.. 


بعد أن أغلق الباب وقف صامتٍ لعدة ثوانٍ يستجمع شتات نفسه المُبعثرة في وجودها.. أخذ نفسٍ عميقٍ ثُم التفت إليها ينظر لها بملامح هادئة لا تُعبر عن ما يجيش بصدره.. بينما هي تقف كأنثى الأسد الثائرة.. تتطلع نحوه بغضب.. واستطاع أن يلمح إرتجافة جسدها.. اقترب منها بخطواتٍ بطيئة قائلًا بنبرة أثارت إستفزازها:- قولتيلي بقا أنا عملتلك إيه.! 


ردت قائلة بشراسة حادة:- أنت عملت كدة ليه، بتتدخل في حياتي ليه، أنت مالك أسافر ولالا، ليه قولت للشيخ " جمال ".؟ 


أنهت حديثها بصراخ جعله يعبس ثُم هدر قائلًا بضيق:- وإنتِ بتكلميني وطي صوتك، وبعد كدة أخر مرة تكلميني بالطريقة دي قدام حد، لو لوحدنا هحاول أعديهالك غير كدة لا. 


اتسعت عيناها بجنون ثُم صرخت قائلة:- لوحدنا ومش لوحدنا إيه، هو أنت فاكرني مراتك.! 


أبتسم إبتسامة واسعة قائلًا بنبرة بإستفزاز:- طالعة من بوقك زي السكر، طب ما تيجي نتجوز بجد وأهو زيتنا يبقا في دقيقنا. 


ضربت كف بالأخر وهي تنظر إليه كأنهُ كائن فضائي ثُم هدرت قائلة بحدة:-اسمع يا ابن العفاريت، أنا طريقي غير طريقك، ومتفتكرش إني لُقمة طرية هتاكلها من غير ما تاخد بالك، لا يابابا، أنا لحمي مُر، وعضمي ناشف، وصدقني عندي استعداد أقف قدام مليون واحد زيك ولا بيهمني. 


كان هُناك على شفتيه شبه إبتسامة هادئة.. يُراقبها وهي تتحدث بشراستها التي تبهره بكل مرة.. تبهره وتعجبه.. يُشفق عليها كثيرًا.. فبسبب ما رأته بحياتها أصبح لديها فوبيا من جميع البشر.. لا تستطيع تصديق أنهُ أبدًا لن يؤذيها.. هو فقط يُساعدها لتعيش حياة أفضل.. 


هز رأسه بحيرة قائلًا:- إنتِ ليه مُقتنعة إني هأذيكِ، ليه مش عايزة تصدقي إني عايز أساعدك بجد.! 


بتلك اللحظة سكنت ملامحها.. وتحولت إلى شيءٍ أخر يُشبه الجمود.. ثُم وبنبرة باردة كالثلج هدرت قائلة:- وإيه المُقابل.؟ 


لم يكُن يومٍ جبانٍ.. لم يخف من شيءٍ من قبل.. أدرك مقصدها.. وأدرك أنهُ فخٍ للإيقاع بهِ.. وإن أجاب إجابة مثالية ستسخر منهُ لذلك لم يفعل إلا قول الحقيقة.. وبمنتهى الهدوء والحزم أجاب قائلًا:- مش مُقابل كبير، عايز أتجوزك بس. 


أنتفضت بمكانها وكأن أفعى لدغتها.. أيَّ هراءً يتفوه بهِ هذا الواقف أمامها.. هل هذا هو مُقابل مساعدته المزعومة.. يتزوج بها ويأخذ منها غرضه ثُم يلقي بها في الشارع.. هل ستكون نسخة أخرى عن والدتها..! 


لماذا هذا اليوم طويل إلى هذه الدرجة.. لا ينتهي كذكرياتها التي لا تنفك تطاردها.. نظرت إليه بعينين غائمتين ثُم هدرت قائلة بقسوة:- هو دة بقا المُقابل لكل خدماتك اللي بتعملهالي عمال على بطال، طب عارف أحلام العصر.! 


يعرف ما تفكر بهِ.. لكنهُ لا يملك أن يطمئنها الأن.. يخشى أن يقترب منها فيفقد سيطرته ويفعل شيءٍ يُخرِب بهِ الأمور.. 


ضحك على جملتها الأخيرة ثُم هتف قائلًا بتلاعُب:- أها عارفها وبحققها كمان. 


أبتسمت بسخرية قائلة:- طب أنا جاية من المستقبل أبشرك إن أنا هكون حلم من أحلامك اللي مش هتعرف تحققها. 


فور أن أنتهت من حديثها سارت نحو الباب ثُم تخطته عازمة على الرحيل من شركته.. كادت أن تصل إلى الباب.. فقط كادت قبل أن تشعر بمن يحتجزها بينه وبين الباب ثُم جعلها تستدير نحوه في أقل من اللحظة.. وبرد فعل طبيعي كادت أن تلكمه لكنه كان متوقع شيءٍ كهذا.. لذلك قبض على قبضتها بين كفه الكبير ورفعها فوق رأسها ومعه كفها الأخر.. فأصبحت مقييدة ومحاصرة من قِبله.. 


شعرت بالخوف لكنها تصنعت الشراسة وهدرت قائلة:- أبعد عني أنت مجنون.! 


جز على أسنانه قائلًا:- أقسم بالله يا " فلك " هتجوزك، وهتبقي مراتي وهتشوفي هقصلك لسانك اللي عايز قطعه دة إزاي. 


حاولت أن تتملص منهُ قائلة بعصبية:- دة بُعدك، أوعى سيبني. 


أفلتها بلحظة ولم تتردد هي أن تفتح الباب وتفر هاربة من أمامه لكن وصل إليها صوته قائلًا بمشاكسة:- أنا عيني عليكِ مكان ما تروحي يا.. يا عروستي. 


--------------------------------------


حل الليل على البلدة الصغيرة وأحتضن البحر أشعة الشمس ليظهر القمر يُنير بنوره الوهاج الأرض.. وبمكان لا يذهب إليه إلا الشياطين نجد " كريم العفريت " برفقة مجموعة من أصدقاء السوء بداخل ذلك الملهى الليلي.. يشرب دون توقف ثُم ينهض ليرقص بثمالة.. ولا يُقصر مع النساء العاريات من حوله.. كان عالمٍ فاسدًا وغرق هو بهِ.. 


بعد قليل كان يجلس برفقة أصدقائه يشاهدون الراقصة الجديدة بالملهى والتي تُدعى " لولا "..... 


--------------------يُتبع------------------

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-