أخر الاخبار

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ٢٤

 العفاريت 

رواية العفاريت بقلم ايه صبري الفصل ٢٤

العفاريت بقلم ايه صبري 
الفصل ٢٤
 *قـلـبـي يـهـفـوا إلـيـک*


ارتج جسده بصدمة قوية كالصاعقة الكهربائية التي تمس الجسد تُصيبه ولا تقتله.. وتوسعت نظراته بعدم إستيعاب أن الشخص الذي أنقذه قبل لحظاتٍ.. ويعلوه بجسده للتو هو خطيبته المصون " فــــلــــك ".... 


كانت كل خلية بجسدها تئن بألمٍ إثر السقطة القوية.. وعلى الرُغم من أن " زين " تلقى أغلب تأثيرها إلا أنها تألمت أيضًا.. يكفي أنهُ بكل ثقله يعلوها الأن ولا يبدوا عليه النية أن يتزحزح عنها حتى لو قليلًا.. 


_" فلك "!. 


رفعت حدقتيها الزيتونية إليه تنظر إليه بخوفٍ.. ولم تستطع أن تنطق حرفٍ واحدًا.. ماذا ستقول لهُ.. كيف ستُبرر موقفها الأن..! لقد أمسكها بجرمها.. 


لكن الشيطان وسوس لها بفكرةً ما.. أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم.. 


وبدون ذرة تردد كانت تهدر قائلة بثباتٍ واهي:- أنت ناوي تفضل عندك كدة كتير، قوم دغدغت عضمي يابعيد.! 


كانت ملامحه مصدومة.. مذهولٍ من وجودها بمثل هذا المكان.. والذي يعتبر واحدًا من أشهر الأماكن بمصر للسباقات الغير قانونية.. لطالما فاجأتهم سيارات الشرطة وطاردتهم من أجل القبض عليهم لكن هو ورفاقه لم يقعوا بيد الشرطة يومٍ.. وبنهاية كل مطاردة يتحول الأمر إلى مزاحٍ مرح بينهم.. والأن يجد خطيبته المصون قبل يومين من ليلة زفافهما تتسابق..! 


وجد نفسه يردد الحديث قائلًا بذهول واجم:- إنتِ بتعملي إيه هنا.! 


حقًا..! ألا نية لديه ليبتعد عنها..! كان بثقل جسده يطبق على أنفاسها حتى كانت على وشك أن تختنق بجدية.. 


هدرت قائلة بأنفاسٍ لاهثة:- " زين " قوم بجد روحي بتروح، أنت بتاكل أيه عشان التُقل دة كله.! 


أنتفض " زين " مُبتعدًا عنها أخيرًا.. وهب واقفًا ثُم أنتشلها من على الأرض لتهب واقفة وهي تحاول إلتقاط أنفاسها.. 


نقل " قُصي " نظراته بينهما بريبة.. لا يعرف ما علاقة هذه الفتاة بصديقه لكنه أثر الصمت وأبتعد عنهما قليلًا ليمنحهما بعض الخصوصية.. 


كانت تُهندم ثيابها وهي تتحاشى النظر إليه.. تُفكر في ماذا ستقول لهُ الأن.. كيف ستخبره أن تلك السِباقات ما هي إلا هواية أكتسبتها قبل عدة سنواتٍ ولم تستطع التخلي عنها..! 


كيف ستخبره أن هنا كانت تجد نفسها بحق.. هُنا تجد " فلك " الحقيقية.. " فلك " الحُرة..! 


_مش ناوية تقوليلي بتعملي إيه هنا.! 


هدر بجملته بنبرة باردة عكس نيران الغضب المُشتعل بقلبه وجسده معًا.. بينما هي استأنفت خطتها وقررت أن تُهاجم.. فهدرت قائلة بسخرية:- واحدة سايقة مو تسيكل في حلبة سباق هكون بعمل إيه يعني، بقمع بامية، هو البعيد أعمى ولا حاجة.! 


اخطأت.. وخطأها فادح.. وأدركت هذا عندما رأت نظراته تتوسع بذهول ثُم بأقل من الثانية تحولت إلى أخرى نارية.. وكأنه ينظر إليها من خلال الجحيم بذاته.. عيناه مظلمتان.. بينما ملامحه رواية أخرى..  تُقسم أنها ترى الأن وجه " زين العفريت " الحقيقي.. وليس ذاك الوجه المُنمق الراقي الذي لطالما كان يرتديه.. 


أخرجها من شرودها شعورها بالألم عندما قبض على ذراعيها يقربها منه حتى ألتصقت بهِ بشدة.. لكنها أطلقت صرخة صغيرة مُتألمة لم يعبأ بها وهو يهدر قائلًا بنبرة شرسة بطيئة:- إنتِ ليه مُصرة تستفزيني، ليه عايزة تطلعي اسوأ ما فيا.! 


اشتعل جحيم الغضب بداخلها.. وبشراستها المعهودة وبدون خوف أو تردد هدرت قائلة بصلابة:- والله مفتكرش إني قولت لحضرتك قبل كدة إن حياتك معايا هتكون بمبي مسخسخ، أنا قولتلك مش هتشوف معايا غير أيام سودة، وأنت اللي صممت تكمل في اللعبة السخيفة دي، أشرب بقا. 


_أنا عايز أشرب من دمك يا شيخة، إنتِ إيه مش بتحسي، مش حاسة بخطورة السباقات دي، مش حاسة إن كان ممكن تموتي دلوقتي، أو الحكومة تقبض عليكِ في يوم، هتعملي إيه بقا وقتها ياست ياجامدة ياقوية.! 


أنتفضت من بين قبضتيه تحاول أن تحرر نفسها من آسره لكنه أبى أن يحررها وكأنه استلذ بهذا القرب بينهما رُغمٍ عن جنون الموقف.. 


هدرت قائلة بصراخ جنوني شرس:- أنت اللي بتحذرني لخطورة السِباقات، دة على أساس إننا دلوقتي واقفين مع بعض في ممر فرحك، ما اللي بيته من إزاز ميحدفش الناس بالطوب بقا يا صاحبي.! 


عقد حاجبيه قائلًا بصدمة:- صاحبك، وبيتي من إزاز، أنا بيتي من إزاز يا " فلك ".! 


صمتت ولم تُجيب فهي تعلم أنها إن نطقت ستُزيد من الطين إبتلالًا.. بينما هو هدر قائلًا من بين أسنانه:- أنا راجل، أنا راجل وعادي أعمل حاجات خطر، عادي الحكومة تطلع تجري ورايا، إنما إنتِ بنت، فين الأنوثة والرقة اللي المفروض يكون عندك.! 


ضغط على جرح حساسٍ للغاية لديها.. جرح لم يندمل حتى الأن.. لطالما كان عُقدتها كونها فتاة.. لذلك قررت أن تقتحم مجالات الرجال وتنافسهم بل وتتفوق عليهم أيضًا.. 


جن جنونها واشتعلت حدائق الزيتون بحدقتيها ثُم همست قائلة بغلٍ:- بلاش النبرة المُقرفة دي بتاعت أنا راجل وإنتِ ست، أنا طول عمري لوحدي، طول عمري أنا راجل نفسي، أنت متعرفش حاجة عني، متعرفش أنا شوفت إيه وعملت إيه في حياتي عشان أقف قدامك دلوقتي على رجلي وأثبت لكل الناس إني بنت بس بألف راجل. 


لا يعلم أيغضب منها أم يُشفق عليها أم.. يحتضنها ويُقبلها مثلما يُريد.. يعلم جيدًا أن طريقه طويل معها.. طويل ومُرهِق.. " فلك " قتلت الأنثى بداخلها ووقفت تتلقى عزائها.. والأموات بالطبع لا يعودون.. لكنهُ سيعمل على خلق أنثى جديدة.. أنثى تعرف معنى أن تكون أنثى بحضرة رجلها الوحيد.. 


قربها منهُ أكثر حتى شعرت بنفسها تتنفس أنفاسه.. أنفاسه ساخنة تلفح وجهها ورقبتها بلهيبٍ اشعل بداخلها مشاعر لم تكُن تعلم بوجودها من قبل.. هل هكذا يكون إحساس المرأة عندما يقترب منها رجُل..! 


رفعت نظراتها إليه بتوتر عندما همس قائلًا بنبرة خافتة مُثيرة كادت أن تجعلها تذوب وهي المُعتادة على الصلابة والخشونة:- كل دة هتنسيه، هتنسى الأسطى " فلك "، ومش هيكون ليها وجود، يتقفل علينا باب واحد وهعلمك إزاي الست بتكون ست، والراجل بيكون راجل. 


ارتعشت بين ذراعيه برهبة.. وهو شعر برعشتها تلك وكم أسعده هذا.. رعشتها تعني أنه يملك تأثير عليها وهذا ما يريده.. 


غافلها عندما وضع كفه على خصره وضغط عليه برفق قائلًا بنبرة خافتة خطيرة:- هنا اللي بيوجعك.! 


شهقت بصدمة من ملامسته لها بكل هذه الحميمية.. جسدها بأكمله ينتفض الأن.. ومشاعر عديدة تختبرها.. وبتلك اللحظة كانت بقمة ضعفها فلم تجروء على دفعه بعيدًا عنها.. منذُ ليلة خطبتهما وهي تشعر بنفسها ضعيفة على غير العادة.. كل تلك المشاعر التي عاشتها تلك الليلة جعلتها مُشتتة.. تائهة.. خائفة.. ومشتاقة لها.. 


همست قائلة بضعف وهي تشعر بلمساته تزداد جراءة على خصرها:- " زين " إبعد عني، ميصحش كدة. 


أبتسم إبتسامة ناعمة وهو قريبٍ منها للغاية ثُم همس قائلًا بنبرة مغوية:- تاني مرة تقولي " زين " في ليلة واحدة، طالعة من بين شفايفك السكر دي زي السكر بجد. 


وبمنتهى اليأس والتعب همست قائلة وهي تستند عليه بجسدها وكم أثرت بهِ فعلتها تلك:- أنت عاوز مني إيه.! 


حاوطها بقوة أكبر حتى أصبحت بين ذراعيه تستند بجسدها الصغير اللين على جسده القوي الصلب كليًا ثُم هدر قائلًا بنبرة تفوح منها رائحة رغبته بهِ ومشاعر أخرى لم يهتم بتفسيرها بتلك اللحظة:- عاوزك. 


ولأول مرة بحياتها.. وقد تكون المرة الأخيرة تشعر بنفسها ترغب في أن تستند على أحد.. تُعانق أحدهم.. تختبر أبسط المشاعر الإنسانية التي حُرِمت منها منذُ جاءت إلى هذه الحياة وهي العِناق.. كانت تستمع إلى زميلاتها بالمدرسة والجامعة عندما يتحدثون عنه.. فتاة ما تراها تحتضن والدتها صباحِ أمام باب المدرسة.. أو أخرى تحكي لصديقاتها عن حبيبها الذي عانقها.. وغيرهن كثيرات كانت تستمع إليهن بصمتٍ وببرود وكانت تلغي تمامٍ من عقلها هذه الأمور.. 


وببعض التردد الطفيف كانت تستند برأسها على صدره وتغمض عيناها بلا تفكير في أي شيءٍ أخر سوى شعورها بالراحة بتلك اللحظة.. 


بينما هو تصلب جسده إثر فعلتها.. وازدادت ضربات قلبه إنتفاضٍ.. تلك المضخة التي بين أضلعه تنتفض تأثرًا من حركة بسيطة كتلك.. وبلحظة كان يعانقها بشدة ويدفن وجهه بعنقها.. يستنشق عبيرها المُسكر.. 


كانت لحظة مسروقة من الزمن.. لم يُرتب لها أحدهما.. وعلى الطريق الصحراوي الشِبه مُضيء.. أسفل السماء الواسعة بنجومها اللامعة.. حاوط الذئب غزالته.. وأحكم عليها قبضته.. وللحديث باقية.. 


-----------------------------


عندما أبصرتك عينايّ.. وقع قلبي بهواكِ.. غافلني بلحظة لم أحسُب لها حساب.. فوجدتني عبدًا في مِحراب عِشقك.. أنتظر لحظة الوصال.. 


صباح اليوم التالي.. يومٍ جميل مُشمس قرر " أنس " استغلاله وقام بإختطاف " تالين " من قصرها العاجي ثُم اصطحبها إلى شاطيء البحر.. وها هي تركض بمرح وتلعب بالمياه الصافية كطفلة صغيرة.. بينما هو خلفها يتأملها بسعادة.. وضربات قلب تخفق بحُب.. 


بالفترة الماضية أقترب منها كثيرًا.. خرجا سويًا بكل مرة كانت تهرب من القصر.. كلما حاولت وجدته أمامها.. في البداية كانت تقاوم فكرة وجوده معها لكن عندما اطمأنت لهُ.. وصدقت أنه لن يؤذيها أصبحت تبتسم بمجرد أن تراه أمام الباب السري للقصر الذي تهرب منهُ.. وهو كل مرة يسقط في غرام إبتسامتها كالأبله.. 


ضحكت " تالين " بقوة قائلة بنبرة عالية مرحة:- أنا مبسوطة أوي يا " أنس ". 


أبتسم بسعادة لسعادتها قائلًا بنبرة حنونة:- كنت عارف إن البحر هيفرحك. 


ضحكت بقوة وهي تضرب المياه بقدميها الصغيرتين كالأطفال.. بينما هو يتأمل لهوها بعينان تخرجان القلوب والفراشات معًا.. 


كيف ومتى وقع بحبها إلى هذا الحد..! كيف لا يعلم.. ومتى فمنذُ اللحظة الأولى التي وقعت بين أحضانه يُنقذها من محاولة قتل فشلت بسببه بعد الله وهو ذاب بجمال عيناها الخضراء وخصلات شعرها الشقراء.. 


بالأيام الماضية عندما أقترب منها أدرك كم هي إنسانة رقيقة.. هادئة.. بسيطة.. طفولية وتبكي من أقل فعل يضايقها.. لذلك أقسم أن لا يُضايقها أو يتسبب في حزنها أبدًا.. 


رأها تركض نحوه ثُم وقفت أمامه تبتسم بكرزتيها قائلة بسعادة جمة:- عارف يا " أنس " قبل كدة لما كنت بهرب كنت ببقا خايفة أوي، وبخاف أكتر أحسن أتمسك، بس من ساعة ما أنت ظهرت بحياتي وبدأت تاخدني على الأماكن الحلوة دي وأنا بقيت عايزة أهرب كل يوم. 


أنتهت من حديثها بضحكة رقيقة تشبه زقزقة العصافير في الصباح الباكر.. بينما هو تطلع بها بعينان لامعتان قائلًا بنبرة شغوفة بها:- إهربي براحتك يا " تالين " وعيشي حياتك، بس إوعي تهربي لوحدك، خديني دايمًا معاكِ. 


ضحكت برقة قائلة بنبرة خجولة:- أنا أخدك فين إزاي، أنت اللي على طول بتاخدني لأماكن عمري ما روحتها قبل كدة وبتفرحني. 


أقترب منها خطوة وحيدة ثُم وقف قائلًا بتنهيدة حارة:- وهفضل أعمل كدة لأخر نفس فيا. 


تقلصت البسمة من على شفتيها ورفعت نظراتها لهُ تتأمله بتيه.. سعيدة برفقته لكن خائفة.. ولا تعلم لماذا.. لم تُصدق أحدًا من قبل وتخشى أن تفعل الأن فتتعرض لجرحٍ غائر لا يلتئم إلا بشق الأنفس.. 


بينما هو كان يتأمل وقفتها أمامه.. وأمام البحر الصافي.. خصلاتها الشقراء الطويلة جدًا تتطاير من حولها بنعومة أهلكته.. بينما وجنتيها متوردتين بفعل ركضها قبل قليل.. هي أمامه والبحر خلفها.. كانت كصورة حيية للجمال.. جميلة إلى درجة مؤلمة.. 


لقد سقط أمير " آل وزان " بسحر أميرة " آل سُليماني ".. 


--------------------------------


أين كنت وأنا أبحث عنك بين الوجوه.. أين كنت وأنا هائمة بين الدروب.. ولماذا الأن أصبحت عبءٍ على قلبي المعطوب.. 


أشرقت أشعة شمس الصباح الشتوية الدافئة على منزل " آل عفريت ".. وعلى الرُغم من جمال الأجواء لكن البعض استيقظ بمزاجٍ عكِر مثل " كريم " الذي خرج من البوابة الداخلية للمنزل وهو يتشاجر مع نفسه حرفيًا.. لقد أصبحت حياته أكثر شقاءًا بسبب مضايقات " ليال " لهُ بالعمل.. بالإضافة إلى علاقته بـ " لولا " التي توترت مؤخرًا ومطالبته بالأموال التي استدانها منها بالفترة الماضية.. 


وأثناء سيره بإتجاه بوابة المنزل الكبيرة عابس الوجه.. رأى " بتول " تدخل من البوابة وهي تتحدث بالهاتف وتبتسم.. تجمد بمكانه وهو يتذكر غضبه الكبير منها.. غضبٍ يعلم سببه لكنهُ ينكره.. 


أغلقت الهاتف عندما أوشكت على أن تصل إليه.. ولم يكُن في نيتها أن تُلقي عليه السلام حتى.. هي ستمر دون أن تنظر نحوه.. بينما هو أدرك أنها ستتجاهله لذلك هتف قائلًا بإبتسامة غاضبة:- مبسوطة أوي وإنتِ بتكلميه.! 


وقفت " بتول " تنظر إليه بريبة قائلة بتساؤل:- مين دة اللي بكلمه.؟ 


ضحك بخشونة قائلًا بنبرة حادة:- حبيب القلب اللي أتقدملك، فرحانة طبعًا، بس ياترى هتعرفي تحافظي على سمعته وإسمه ولا هتفضل علاقتك بـ " أنس " زي ما هي.! 


توسعت نظراتها بغضب من تلميحاته القذرة.. وقررت أن تضع لها حدًا والأن.. لذلك هدرت قائلة بشراسة:- لأخر مرة بنبهك يا " كريم " إنك تلزم حدودك معايا ومتتخطهاش، وأوعى تفكر تكلمني بالطريقة دي تاني، سامع.! 


وبنفس إبتسامته المستفزة هدر قائلًا بقسوة:- أنا بس اللي ألزم حدودي وغيري يخطيها عادي. 


_أنت عاوز إيه مني يا بني أدم، عايز توصلنا لإيه من اللي بتعمله دة، ما تسيبني في حالي وتخليك في حالك.! 


هتف قائلًا بنبرة متوعدة غاضبة:- حبيت بس أثبتلك إن زيك زي غيرك، إمبارح بتحبيني والنهاردة هتتخطبي لواحد تاني، وبكرة الله أعلم مع مين. 


وعلى العكس تمامٍ لم يضايقها حديثه.. بل ضحكت ضحكة ساخرة قائلة:- هو دة بقا اللي أنت عايز توصله، بتتكلم عن حبي ليك، مممم طيب يا " كريم " وأنا هريحك. 


صمت بريبة ينتظر حديثها الذي يعلم أنه لن يعجبه أبدًا.. بينما هي أقتربت منهُ خطوتين ثُم وقفت أمامها تطالعه بإبتسامة باردة كالثلج ثُم همست قائلة بنبرة ثابتة:- طيب أنا كنت معجبة بيك في يوم من الأيام يا " كريم "، مش هو دة اللي عايز تسمعه.! 


بس أسمعك حاجة أحلى، أنا كنت معجبة بـ " كريم " إبن خالتي الراجل المحترم، اللي متربي معايا ومكنش بيهون عليه يشوف دمعة واحدة من عيني بتنزل، اللي كان بيشيلني بين إيديه وأنا عيلة صغيرة وياخدني لمحل الحلويات ويشتري ليا كل اللي بحبه عشان بس أبطل عياط، دة " كريم " اللي أنا حبيته لكن " كريم " بتاع دلوقتي دة معرفهوش، من اللحظة اللي شكيت فيها في أخلاقي وأتكلمت عني بطريقة حتى الغريب ميقدرش يتكلم عني بيها، وأنا شيلت حبك دة من قلبي، ومبقتش فارقلي، وأوعى تفتكر إن حياتي هتوقف عليك، تؤتؤ تبقا غلطان، مش أنا اللي أوقف حياتي على واحد زيك، لإنك متستاهلنيش، أنا خسارة فيك. 


كانت عيناه كالجمر المُتقد.. تطلقان شراراتٍ حارقة لو كانت حية لكانت قتلتها بتلك اللحظة.. كم يرغب في خنقها الأن عقابٍ لها على تطاولها عليه.. 


وقبل أن ينطق بحرفٍ ما ظهر " زين " بجانبهما وهو ينقل نظراته بينهنا بريبة قائلًا:- واقفين كدة ليه، خير.! 


أشاحت " بتول " بنظراتها بعيدًا عن " كريم " المُستشيط غضبًا ونظرت إلى " زين " بثبات قائلة بإبتسامة هادئة رزينة:- ولا حاجة، أنا كنت داخلة وأخوك خارج فكنا بنسلم على بعض. 


لم يتحدث " زين " وأستمرت نظراته المُرتابة نحوهما.. بينما هي قررت أن قوم بالضربة الأخيرة.. بنفس النبرة والإبتسامة هتفت قائلة:- صح يا " زين " أنت كنت مستني ردي على موضوع العريس اللي قولت عليه، أنا موافقة، شوف المعاد المناسب ليك عشان يجي هو وأهله وبلغني عشان أجهز نفسي، عن إذنكم. 


رحلت بخطواتٍ واثقة دون أن تنظر إليه بطرف عيناها حتى.. رحلت وتركته شاحب الملامح.. مهموم القلب.. زائغ العينان.. والأدهى لا يعلم لماذا يشعر بمثل هذه المشاعر الكريهة بتلك اللحظة.. أليس هو من رفضها قبلًا.. وقبل أن يرفضها نبذها من حياته وكأنها لا شيءٍ..! 


عاد من شروده على صوت شقيقه الذي هتف قائلًا بتساؤل جاد بينما عيناه تتفحص كل ردة فعل تُصدر منهُ:- مالك في إيه.؟ 


انتفض " كريم " على صوت شقيقه ثُم نظر إليه بإنتباه قائلًا بنبرة مُتحشرجة:- ها لا أبدًا مفيش حاجة. 


نظر " زين " إلى حيثُ أختفت " بتول " للتو ثُم نظر إلى شقيقه قائلًا بتساؤل مرتاب:- متأكد إنك كويس.؟ 


اومأ لهُ الشاب قائلًا:- أنا لازم أمشي عشان متأخرش على الشغل، سلام. 


فر هاربٍ من أمام شقيقه وهو يُحاول أن يطرد من داخله ذلك الإحساس الموحش.. ماذا يعني إن كانت ستُخطب لشخصٍ أخر.. لا يعنيه ذلك بتاتًا.. هو سيهتم بنفسه وحياته.. سيطردها من تفكيره كما طردها من حياته قبلًا.. 


------------------------------


يلحق بي حُبك أينما ذهبت.. لا أرى مهرب منك إلا إليك.. استبد بي الشوق والحنين إليك.. وها أنا أُقدم روحي فِداءٍ لحُبي.. 


خرجت " شهد " من تلك البناية الفخمة بذلك الحي الراقي حيثُ كانت تتعاقد مع واحدة من الشركات الكُبرى.. وفور أن أنتهى الأجتماع استأذنت من أصحاب الشركة لترحل.. وها هي تسير بخطواتها الواثقة تطرق الأرض بثباتٍ تُحسد عليه.. يتبعها رجال حراستها ويقومون بتأمين الطريق جيدًا لها.. 


كان يسير خلفها بخطوتين فقط رئيس حراستها " عزام " وهو يتحدث قائلًا بجدية:- هنروح على الشركة دلوقتي با أنسة " شهد " عشان أجتماع الوفد الكوري كمان ساعة بالظبط. 


نظرت " شهد " إلى ساعة يدها قائلة بجدية:- تمام يدوبك نوصل قبل الأجتماع بدقايق. 


_الملف في العربية يافندم، تقدري تراجعيه في الطريق على ما نوصل، وقهوة حضرتك مع الملف. 


لهذا هي تُحِب " عزام ".. شخصٍ جاد.. مُنضبط بعمله.. يفهم عليها قبل حتى أن تتحدث.. فهو منذُ سنواتٍ يعمل معها كرئيس حراستها وأحيانًا مساعدها الشخصي.. 


كانت على وشك أن تستقل سيارتها لكنها تصنمت بمكانها عندما وقعت عيناها على البناية المُقابلة.. لقد كانت دار حضانة للأطفال.. وتذكرت حينها أن "  تولين " إبنة " أسعد " تلتحق بهذه الحضانة.. 


وقفت تتطلع حوللها لعل وعسى أن يكون قد جاء ليصطحب إبنته فتراه لكن لم يكُن لهُ وجود.. 


أنتبهت على صوت " عزام " قائلًا بتساؤل:- في حاجة يا أنسة " شهد ".؟ 


رمشت بأهدابها عدة مرات ثُم هدرت قائلة بهدوء:- لا مفيش حاجة، يلا بينا. 


وقبل أن تستقل سيارتها وقعت عيناها على البناية مرة أخرى.. لكنها تفاجأت بخروج " تولين " برفقة المُربية الخاصة بها.. 


وقفت تُتابع الطفلة الهادئة البريئة وهي تسير بهدوء برفقة مُربيتها نحو سيارتهما التي تنتظرهما على الجانب الأخر من الطريق.. أبتسمت " شهد " بحنان وشفقة على هذه الأميرة الصغيرة للتي حُرمت من أبسط حقوقها كطفلة.. لكنها تؤمن أن الله عز وجل لهُ حِكمة في ذلك.. وأنهُ بالتأكيد سيمِن عليها بالشفاء العاجل.. 


ما حدث تاليًا جمد الدماء بعروقها.. أنتفض قلبها بهلعٍ وهي ترى سيارة سوداء يترجل منها شخصان يبدوا عليهما الإجرام.. يقتربان من الطفلة والمُربية.. ثُم بلحظة خاطفة قام أحدهما بضرب المِربية على رأسها بعصاه حديدة.. والأخر حمل الصغيرة نحو السيارة ورحلا بها دون أن يُلاحظ أحد ما حدث.. سواها هي ورجالها.. 


توسعت نظراتها برُعب وصدمة من سرعة ما حدث.. وبدون ذرة تردد أو تفكير كانت تستقل سيارتها وتنطلق خلف تلك السيارة.. يتبعها رجالها الذين استعدوا للإشتباك وفداء سيدتهم بأرواحهم.. 


أمرت رجالها عبر الهاتف بعدم التدخل إلا بإشارة منها حتى لا يؤذي الخاطفين الطفلة.. فور أن أغلقت مع رجالها عبثت بالهاتف لثوانٍ قليلة وهي تتابع الطريق جيدًا حتى لا تضيع منها السيارة وتفقد الطفلة.. أخرجت رقم " أسعد " وضغطت على زر الأتصال وأنتظرت.. دقيقة وأخرى ولم يأتيها رد.. عاودت الأتصال من جديد وهي تهدر قائلة بغيظ:- رُد يا " أسعد " أبوس إيدك. 


مرت دقيقة أخرى حتى وصل إليها صوته قائلًا بلهفة:- " شهد " أنا مش مصدق إنك بتكلميني.! 


هدرت قائلة بنبرة قوية:- مش وقته يا " أسعد " إسمعني كويس، أنا كنت في شغل في مكان عند حضانة " تولين " وشوفتها خارجة مع المُربية بتاعتها، وفجأة ظهر ناس معرفش منين ضربوا المُربية وخطفوا البنت. 


تجمدت الدماء بعروق " أسعد ".. وتواثبت دقات قلبه رعبٍ على صغيرته البريئة التي وقعت بين أيادي الأشرار.. 


همس قائلًا بضياع:- إنتِ بتقولي إيه، بنتِ أنا اتخطفت.! 


_مش وقت صدمة دلوقتي، أنا ورجالتي وراها ومش هنسيبها تضيع مننا، إحنا على طريق "....." تعالى حالًا.


أغلقت الهاتف معهُ لينتفض من مكانه وبدقائق قليلة كانت تخرج معهُ قوة من قسم الشرطة الذي يعمل بهِ متوجهين نحو الطريق الذي أملتهُ عليه " شهد ".. وبالطبع رجاله يقومون باللازم من أجل إنقاذ إبنة زميلهم بالعمل.. 


بينما هو يشعر بدقات قلبه على وشك التوقف من شدة قلقه على صغيرته.. وشدة قلقه على حبيبته أيضًا.. يعلم كم هي متهورة.. ومُضحية.. قد تُفدي إبنته أن تطلب الأمر ذلك.. وهو لن يحتمل أن تؤذى إحداهن.. وهو بالطريق نظر إلى السماء يتضرع إلى رب العالمين أن يحمي إبنته وحبيبته.. لن يحتمل الأذى لأي منهما.. 


على الجانب الأخر وصلت سيارة الخاطفين إلى مخزن قديم بالطريق الصحراوي "....".. طريق يبتعد قليلًا عن الطريق الذي وصفته إلى " أسعد " لذلك ألتقطت هاتفها تُحاول الإتصال بهِ لكن لا يوجد إشارة بالمكان.. لعنت حظها العثر وترجلت من سيارتها لتقف أمام رجالها اللذين أشهروا أسلحتهم استعدادًا للإشتباك إن أمرتهم سيدتهم.. 


خلعت سترتها باهظة الثمن وظلت بتيشرت أبيض خفيف بنص أكمام وبنطال بذلتها الكلاسيكية الأسود.. حمدت ربها أنها أرتدت اليوم حذاء رياضي اليوم ولم ترتدي حذاء بكعب عالي.. لا تتخيل نفسها تخوض تلك المُغامرة بحذاء عالي بكعبٍ حاد وطويل.. ثُم جمعت خصلات شعرها السوداء القصيرة بربطة بسيطة خلف رأسها.. سحبت سلاحها من خصرها ثُم جهزته.. حينها هدر " عزام "قائلًا بتساؤل:- تحبي نتدخل يا أنسة " شهد ".؟ 


نظرت حولها إلى الصحراء التي يقفون بها.. وإلى المخزن القديم الموجود على مرمى بصرها.. وقد رأت الخاطفين يحملون الطفلة إلى الداخل.. لا تعلم هل تتدخل وتُنقذها أم تنتظر " أسعد " أن يأتي برجاله ويقومون بذلك.. 


لكنها لوهلة تخيلت لو كانت تزوجت بهِ.. كانت " تولين " ستكون الأن إبنتها.. وبالتأكيد حينها لم تكُن ستنتظر أن يأتي هو ليُنقذها.. بل كانت ستتدخل هي وتُنقذ إبنتها وتنتشلها من بين أنياب الأسد إن تطلب الأمر.. 


لذلك نظرت إلى رجالها تتفحصهم وقد كانوا ثمانية رجال أشداء.. لطالما خاضوا معها مواقف صعبة.. حيثُ أنهم من اكفأ رجال العفاريت.. أشارت إلى واحدًا منهم قائلة بجدية:- أنت هتفضل هنا وتحاول تلقط أي إشارة في التليفونات عشان تعرف " أسعد " بيه بمكانا، والباقي يجوا معايا. 


أستعد الرجال بثوانٍ من أجل إشتباك قادمٍ لا محالة وتبعوا سيدتهم بدون جدال.. 


أشار لها " عزام " بضرورة دراسة المكان أولًا ثُم محاوطته من جميع الإتجاهات يليه الهجوم المُفاجيء حتى يُشتت صفوف الخاطفين.. وافقته وبالفعل تقدم واحدًا من الرجال يفحص المكان دون أن يُلفت الأنظار إليه.. 


دقائق قليلة مرت وعاد يُخبرهم أن بالمكان خمسة رجال فقط.. حمدت ربها أن الغلبة لهم وتركت إلى " عزام " مهمة توزيعهم.. لكنها أصرت أن تقتحم معهم الباب الأمامي ووافقها الشاب على مضض.. 


بعد قليل حاوطت " شهد " ورجالها المخزن القديم.. وأستطاعت أن ترى " تولين " الغافية على الأرض وعلى ما يبدوا أن الخاطفين لم يبذلوا بعض الجُهد ويقوموا بتكبيلها لعدم خطورتها.. أشفقت بشدة عليها وتضرعت إلى ربها أن يُساعدها بإنقاذها.. 


بتلك اللحظة لمح واحدًا من الخاطفين واحدًا من رجال " شهد " فصرخ قائلًا بهلعٍ:- حكومة يالا. 


سحب الخاطفين أسلحتهم ولم تجد " شهد " ورجالها بد من الإشتباك.. وبعد دقيقتين فقط أستيقظت " تولين " وبمجرد أن نظرت حولها بدأت في البُكاء دون صوتٍ.. 


لم يتحمل قلب " شهد " أن تتركها بين هذه الفوضى ولكن قبل أن تتحرك نحوها لمحت واحدًا من الخاطفين يوجه سلاحه نحو الصغيرة.. توسعت نظراتها برعبٍ عليها.. وتواثبت دقات قلبها بهلعٍ من أن يُصيبها أذى.. 


لذلك وجهت سلاحها نحوه لكنه كان خالي من الرصاص.. تركت السلاح أرضٍ وبدون تردد أقتحمت المخزن تركض بين النيران لتُنقذ الصغيرة.. وصلت بالوقت المُناسب وحينها رفعت ساقها عاليًا لتضرب كف الخاطف بكل قوتها حتى سقط السلاح منهُ.. حينها تولى " عزام " الذي كان خلفها تمامٍ هذا الشخص.. لكنها هدرت قائلة بصلابة وهي تحتضن الصغيرة وتحملها بين ذراعيها لترحل بها:- سيبوا عايش. 


ركضت بالصغيرة خارج المخزن وهي تُحاوطها بحمائية حتى لا يُصيبها أذى.. كانت على وشك أن تخرج من باب المخزن عندما شعرت بنفسها تسقط بين أحضان شخصٍ ما.. لم تحتاج الكثير من الوقت حتى تتعرف عليه.. لقد كان هو بالفعل.. لقد أتى لينقذ إبنته أخيرًا.. رفعت " شهد " أنظارها إليه لترى تعبيرًا على وجه تُقسم أنها لم تراه من قبل.. لقد كان مُرتعبٍ.. خائفٍ بشدة.. ملامح خوف ترتسم على وجه طفل صغير وليس رجلًا كبير وضابطٍ بالشرطة أيضًا.. كانت بين أحضانه فعليًا بينما هو همس قائلًا بلهفة بالغة:- إنتوا كويسين، حد فيكم حصله حاجة.! 


كان خائفٍ عليها.. تستطيع أن ترى ذلك.. وهي أيضًا كانت خائفة عليه بشدة.. لذلك قررت أن ترمي بنفسها هي بين النار قبل أن يأتي هو ويتدخل.. تفكير سخيف من المُفترض ألا تُفكر بهِ بعد أن تركها بالماضي وذهب ليتزوج ويعيش حياته.. لكن ماذا تفعل بقلبها اللعين.. مازال غارقٍ في وهم الحب ولا خلاص منهُ.. 


وضعت الصغيرة بين أحضانه والتي عانقت والدها سريعٍ تبكي هلعٍ بلا صوتٍ.. بدأ يتفحصها جيدًا وعندما أطمأن لسلامة إبنته نظر إلى " شهد " التي كانت تتابعه بسكون ثُم همست قائلة بهدوء:- سيبتلك واحد من الخاطفين عايش عشان تقدر تعرف منه مين اللي عمل كدة. 


نظر إليها بلهفة عاشقة.. يرغب الأن في أن يُعانقها وبقوة.. ولا يجعلها تخرج من بين أحضانه للأبد.. لكن بددلًا من ذلك شدد من عِناق إبنته التي هدأت قليلًا ثُم هتف قائلًا بتساؤل جاد:- إيه اللي خلاكِ تخاطري وتدخلي، إفرضي كان حصلك حاجة.؟! 


لم ترغب في أن تخبره بأسبابها لذلك أبتسمت ببرود قائلة:- العفو يا " أسعد " بيه، أنا معملتش غير الواجب. 


كظم غيظه منها بشق الأنفس.. وقرر أن الحديث هنا لن ينفع.. لكنها أشارت إلى رجالها ليستعدوا للرحيل.. ثُم نظرت إليه نظرة أخيرة وتحركت لترحل من أمامه.. لكن قبل أن تتخطاه همس هو قائلًا بنبرة أجشة مُتحشرجة:- شكرًا يا " شهد "، إنتِ أنقذتي حياتي النهاردة. 


نظرت إليه بهدوء مُميت بطرف عيناها ولم تُجيبه.. رحلت يتبعها رجالها نحو سيارتهم وهي تسير بكل ثبات وقوة.. لكن بداخلها تُريد أن تبكي.. لقد أنقذت للتو إبنة غريمتها.. إبنة المرأة التي خطفت منها حبيبها بالماضي.. وأنجبت منهُ الإبنة التي كانت من المُفترض أن تُنجبها هي.. لكنها إرادة الله ولا أعتراض عليها.. 


---------------------------------


يحدُث أن تفقد قلبك بينما أنت مازلت على قيد الحياة.. تُجبرك أحقادك على القيام بأفعالًا لا تدري أهي من صُنع يداك أم من صُنع شيطانك.. في كلا الحالتين أنت الخاسر الوحيد مهما صنعت.. 


وقفت " ليال " أمام البحر بداخل مُنتجعها الخاص.. تتأمله بهدوء.. لكن خلف ذلك الهدوء عاصفة ترغب في أن تبتلع كل شيءٍ حولها.. لا تعلم كيف لم تثور حتى الأن.. لقد أكتشفت أن كل ما عاشته بالثلاث سنوات الماضية كذبة.. فخٍ خبيث وسقطت هي بهِ بلا تفكير.. فخٍ رسمه شقيقٍ يُغار من شقيقه الأكبر.. والنتيجة أنها خسرت حُب حياتها.. وعلى ذِكر حب حياتها فمنذُ ذلك اليوم الذي كشف لها " عاصي " الحقيقة وهو لم يظهر حتى الأن.. لقد أختفى ولا تعلم أين هو.. لكن ما يُطمئنها قليلًا أن الأجواء بعائلة " السُليماني " هادئة ولا شيءٍ جديد يُذكر.. 


وأثناء شرودها أقتحم عليها " جلال " خلوتها وهو يهتف قائلًا بجدية:- أنسة " ليال " في أخبار مهمة عن " كريم " بيه. 


التفتت تنظر إليه بملامح ساكنة.. ميتة.. فهي لا ينقصها مجون " كريم " الأن.. لكنه بالنهاية شقيقها الصغير وعليها إيقاظه قبل أن يضيع من بينهم.. 


أشارت لهُ ليتحدث فبدأ الحديث وهو يُعطيها ظرفٍ ما يحتوى عددًا من الصور لـ " كريم " برفقة " لولا " الراقصة وبعض الأصدقاء من هم على شاكلتها.. وهتف الشاب قائلًا بجدية'- الحفلة دي كانت إمبارح، علاقتهم أتطورت أوي لدرجة أوقات بيبات عندها، ومش بس كدة دى أستلف منها مبالغ كبيرة الفترة اللي فاتت وللأسف " لولا " مضيته على شيكات ودلوقتي بتطالب بالفلوس وهو مش معاه يدفع. 


أظلمت عيناها بجنون وغضب.. الفاسد.. الغبي يريد أن يلوث سُمعة العائلة بعلاقاته النسائية القذرة تلك.. وهي التي لم تتخيل أن تصل بهِ الأمور إلى هنا ولكنها كانت تراقبه من بعيد فقط.. لكن الأن يبدوا أن عليها التدخل وإنهاء الأمر قبل أن يتطور أكثر.. 


وبملامح رُخامية صلبة توجهت نحو غرفة مكتب " كريم " لتضع حدًا لهذه المهزلة..


---------------------------------


فُتح باب مكتبه على مصرعيه بعنفٍ أجفل هذا الجالس على مكتبه يُتابع عمله بذهنٍ مشوش.. ليلة الأمس كانت صاخبة للغاية ومازالت بعض الأفعال مفقودة بين طيات ذاكرته.. شرب الكثير ورقص أكثر واستمتع أكثر وأكثر.. كم تمنى لو يدوم مزاجه الرائق لنهاية اليوم لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفُن.. أولًا لقاءه مع " بتول " صباحٍ عكر صفو مزاجه.. وثانيًا ها هي أبنة خالته وكبيرة عائلته تقتحم مكتبه بعنفها المعروف عنها.. تطلع نحوها بعينين زائغتين.. يخشاها.. أجل يخشاها كثيرًا ومن الذي لا يخشى " لــيــال الــعــفــريــت ".. عينيها الخضراوين اللتين تتطلع بهما نحوه الأن بنظراتٍ مُبهمة يخفيان عنهُ نيران غضبها منهُ جعلاه على وشك الأغماء خوفٍ منها.. لكنها تقدمت منهُ بملابسها السوداء دائمًا وخصلات شعرها الفحمية الطويلة تتطاير من حولها كالساحرات الشريرات قديمٍ.. يقسم أن كل ما ينقصها الأن فقط مكنسة طائرة وستكون مثلهُن تمامٍ.. توقفت أمامه قائلة بنبرة هادئة هدوء خادع:- كنت فين أمبارح..؟ 


ابتلع ريقه برهبة محاولًا تمالك نفسه أمامها فهو يعرف أن الكذب عليها ليس من مصلحته.. زاغت نظراته بجميع الزوايا عداها ثُم همس قائلًا:- كنت سهران مع صحابي. 


شبه أبتسامة ساخرة أرتسمت على شفتيها الوردية ثُم انحنت قليلًا لتستند بكفيها على حافة المكتب الخشبي وهي تقترب منهُ أكثر قائلة بنبرة سوداء:- سهران مع صحابك ولا سهران مع " لولا " الرقاصة..؟! 


توسعت نظراته برعبٍ.. هو الأن بين عداد الأموات بالتأكيد.. وليس هو فقط بل " لولا " أيضًا.. " ليال " لن تتركها حية بعد أن عرفت بعلاقتهما السرية أو الذي كان يعتقد أنها سرية حتى اللحظات الفائتة.. وقبل أن يُجيب اعتدلت هي بوقفتها قائلة بملامح وجهها الصلبة ونبرتها الجامدة:- لأول وأخر مرة هسألك " لولا " ماسكة عليك حاجة..؟ 


كان على وشك أن يُخبرها الحقيقة لكن لسانه لم يُطاوعه.. ماذا يفعل برعبه منها.. هو رجُل تهتز لهُ شوارب وأبدان أشد رجال مدينته.. لكن " ليال " لم يُخلق بعد من يقف أمامها دون خوف.. في بعض الأحيان ومن شدة قسوتها يشُك بأنها من البشر أو حتى أنثى من النساء الرقيقات.. هي أبعد ما تكون عن كل ذلك.. 


وللمرة الثانية لم تُعطيه فرصة للرد وهي تلقي عليه نظرة قاتلة وتتحرك خارج المكتب بلحظة كما اقتحمته بلحظة.. 


خرجت من غرفة المكتب لتهدر قائلة بقوة وهي تمر بجانب رئيس الحرس الشخصي لديها:- جهز رجالتك عشان عندنا مشوار دلوقتي.. 


----------------------------


بعد ساعة كانت تصطف عدة سيارات من الدفع الرُباعي أمام أحد البنايات بتلك المنطقة الراقية.. ترجلت هي من السيارة الأولى يتبعها عددًا من رجالها الأشداء.. ملامحهم كالصخر وكأنهم تطبعوا بطباع سيدتهم.. لا يعرفون رحمة ولا شفقة.. وصلت إلى الطابق المنشود وتوقفت أمام شقة " لولا " الراقصة.. دقت الجرس وأنتظرت بصبرٍ لا تملكه في الحقيقة حتى فُتح الباب وأخيرًا طلت عليهم " لولا ".. 


نظرت إليها بنظراتٍ خاوية تتفحصها من قدميها حتى أخمص رأسها.. كانت ترتدي قميص نوم حريري باللون الأخضر الزرعي.. قميصٍ قصير فاضح لا يترك للمخيلة شيءٍ مع المئزر القصير الخاص بهِ وقد تركته مفتوحٍ دون خجل.. خصلات شعرها الحمراء الطويلة تشبه ألسنة اللهب.. تحرق كل من يقترب منها.. نظرت إليها " لولا " قائلة بأبتسامة مائعة:- إيه دة مين.. " ليال العفريت " بنفسها في بيتي المتواضع.. وأنا أقول البيت منور ليه..! 


لم تتغير ملامحها وهي تُزيحها من أمامها وتدلف إلى المنزل بخطواتٍ واثقة كأنها صاحبته.. كانت " لولا " ترتعش رُعبٍ منها لكنها لم ترغب في أن تشعر غريمتها بذلك.. وقبل أن تتحدث أو حتى تتبعها للداخل قام أحد الرجال بتكبيلها بين ذراعيه وحملها بخفة كأنها لا تزن شيءٍ ثُم سار بها للداخل.. بدأت بالصراخ لكن صوت " ليال " القوي جمدها بمكانها وهي تهدر قائلة بنبرة عابثة لامُبالية وهي تتفحص أرجاء المنزل:- حاولي متصرخيش لأن أكيد إنتِ عارفة أن حتى لو الجيران أتلموا وحتى لو الحكومة جات محدش هيقدر ينقذك من بين إيديا.. مش هينوبك بس غير إن ناس كتير هتشوفك وإنتِ بتتهاني. 


ألتفتت تنظر إليها لتستكمل حديثها قائلة بغمزة وقحة:- ولا صحيح إنتِ متعودة على الأهانة كل يوم وإنتِ بتعرضي جسمك للرجالة في الكباريهات.


شحبت ملامح " لولا " حتى أصبحت تُحاكي الأموات وهمست قائلة برُعب وهي تحاول التملص من بين ذراعي الرجل الذي يُكبلها بكل سهولة:- إنتِ عاوزة مني إيه..؟ 


وبدون هدر المزيد من الوقت هتفت الأخرى قائلة بنبرة مُرعبة جعلتها تنتفض فزعٍ:- عايزة الشيكات اللي عندك. 


ابتلعت ريقها قائلة بثبات زائف:- شيكات إيه.. أنا مش فاهمة حاجة..؟ 


أبتسمت " ليال " أبتسامة خفيفة بلا معنى.. نظرت حولها لتجد عددًا من الأرجيلات بزاوية ما بالصالة الكبيرة.. اقتربت من تلك الزاوية ثُم جلست على المقعد المقابل للأرجيلة المُشتعلة وألتقطتها لتضعها بفمها وتسحب دخانها بصدرها ثُم تطلق أنفاسها للهواء.. فتتشكل سحُب الدخان أمام وجهها وتتسرب بالجو كروحها التي تتلاشى من بين يديها كلما مر بها العُمر.. أخيرًا نظرت إلى تلك الحية قائلة بأبتسامة مُميتة:- أنا معنديش وقت أضيعه معاكِ بس ممكن نعمل محاولة صغيرة كدة يمكن تفتكري شيكات إيه.. 


وبغمزة سريعة للرجل الذي يُكبل الحية فهم الرجُل مقصدها وقام برميها أرضٍ.. تأوهت " لولا " بشدة عندما أرتطم جسدها اللين بالأرض الصلبة لكن ما كان يُشغل بالها بتلك اللحظة ماذا ستفعل بها شيطانة آل عفريت.. هي تعرف مدى قسوتها لكن في أبعد خيالاتها لم تتخيل أن تجروء على تلك الفعلة.. رأت رجالها يقتربون منها بهيئتهم المُخيفة ونظراتهم الميتة بينما هي كالصوص المُبتل تزحف بجسدها بعيدًا عنهم وهي تصرخ قائلة:- عايزين مني إيه.. أبعدوا عني..! 


وفور أن أنتهت من جملتها حاوطها الرجال وشرعوا في تمزيق ملابسها الرقيقة ليبدأوا في أغتــ-صــ-ابــ-ها وسط مقاومتها الضعيفة وبكائها العنيف وصرخاتها المُستنجدة.. 


ضحكت " ليال " ضحكة بلا حياة قائلة وهي تبتعد بوجهها عنهم قائلة:- لو مكسوفة مني ياروحي هوادي وشي الناحية التانية أهو.. بالراحة عليها يا رجالة دي برضه " لولا ". 


لم تصمد " لولا " لأكثر من دقيقتين قبل أن يفترسها هؤلاء الذئاب البشرية وصرخت قائلة برعبٍ من بين طيات بُكائها:- أنا معايا الشيكات.. هديهالك بس سيبوني.. سيبوني.. 


أخذت وقتها وهي تسحب النفس الأخير من الأرجيلة ثُم نظرت إليهم قائلة بنبرة قاطعة بينما ملامحها جامدة.. قاسية كما هي:- ســـيـــبـــوهـــا..... 


---------------------يُتبع----------

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-