أرض المنهاوا
رواية ارض المنهاوا بقلم جاسر شريف شوقي السحلي
كاملة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول
العبور عبر البوابة
كان الليل في القاهرة مختلفًا هذه الليلة. ثقيلًا، خانقًا، كأن الهواء نفسه مُحمل بشيء غير مرئي، لكنه محسوس. في حي شبرا، حيث الشوارع تضيق بأهلها، وحيث الضوضاء لا تنام أبدًا، كان يامن جالسًا في شقته الصغيرة، يحدّق عبر النافذة بشرود.
كوب الشاي أمامه برد منذ فترة، لكنه لم يلمسه. كانت هناك غصة غير مفهومة في صدره، إحساسٌ بالترقب، وكأن شيئًا رهيبًا على وشك الحدوث.
رنّ الهاتف فجأة، فانتفض يامن من أفكاره. نظر إلى الشاشة... سهيلة.
تنهد وهو يرفع الهاتف إلى أذنه:
— "ألو؟"
—جاء صوتها قلقًا: "يامن... انت صاحي؟" .
— "أيوه، في إيه؟"
— "حلمت بحاجة غريبة... حاجة تخوف."
شعر بقشعريرة تسري في جسده. ليست المرة الأولى التي تخبره فيها عن كوابيسها، لكنها هذه المرة كانت مختلفة... كان في صوتها رعبٌ حقيقي.
— "حلمتي بإيه؟"
— "بمنى... شُفتها واقفة في مكان غريب، كله ضلمة... وكان في باب، باب أسود كأنه دخان بيتحرك."
انقبض صدر يامن.
قبل ساعات فقط، رأى نفس الشيء في حلمه. بابٌ أسود، كأنه يتلوّى مثل دخانٍ حيّ، وصوتٌ غامض ينادي اسمًا مألوفًا... "منى". لكنه لم يخبر أحدًا بذلك.
— "يامن... انت سامعني؟"
— "أيوه... كمّلي."
— "الباب ده كان بيتفتح، ومنى كانت داخله... وسمعت صوت حد بيناديها، بس مش صوت بني آدم... كان صوت مرعب، صوت كأنه طالع من جوه الأرض."
ساد الصمت لثوانٍ. شعر يامن بعرقٍ بارد يتجمّع على جبينه. لم يكن الأمر مجرد حلمٍ عابر... كان شيئًا أكثر من ذلك، شيئًا حقيقيًا.
وفجأة، رنّ الهاتف مرة أخرى. هذه المرة، كان اسم المتصل يعقوب، شقيقه الأكبر.
شعر قلبه ينكمش في صدره. ضغط على زر الإجابة بسرعة:
— "ألو؟"
— "يامن... منى اختفت!"
---
كاد الهاتف يسقط من يد يامن.
— "إيه؟ اختفت إزاي؟!"
— "ماكنتش في أوضتها! الباب مقفول، والشبابيك زي ما هي، بس هي مش موجودة!"
كان يسمع صوت يسرى، زوجة يعقوب، تبكي في الخلفية، بينما يحاول يعقوب التماسك. لم يكن الأمر منطقيًا. منى طفلة صغيرة، لم تتجاوز العاشرة، كيف تختفي هكذا من غرفة مغلقة؟
نهض يامن بسرعة وهو يلتقط مفاتيحه.
— "أنا جاي حالًا!"
ألقى نظرة سريعة إلى كوب الشاي البارد، ثم خرج من شقته، قلبه يضرب صدره كطبل حرب.
*******
الطريق إلى منزل يعقوب لم يكن بعيدًا، لكنه شعر وكأنه أطول طريق قطعه في حياته. كل شيء في تلك الليلة كان ثقيلاً... الشوارع، الهواء، حتى الأضواء بدت باهتة أكثر من المعتاد.
عندما وصل، وجد يعقوب واقفًا أمام باب العمارة، وجهه شاحبٌ وعيناه غائرتان، كأنه لم يرمش منذ ساعة.
—سأل يامن مباشرة. "منى فين؟"
لم يرد يعقوب، بل أشار له بالدخول.
كانت غرفة منى كما هي. السرير مرتب، دُماها في أماكنها، النافذة مغلقة... لكن منى لم تكن هناك.
يامن تفحص الغرفة جيدًا. شيءٌ ما لم يكن عاديا. كان هناك إحساسٌ بارد في الجو، إحساس يشبه الوجود في مكان لا ينتمي لهذا العالم بيئه متغيره ليسوا معتادين عليها
ثم لاحظ شيئًا...
على الجدار بجانب السرير، كانت هناك نقوشٌ غريبة محفورة في الحائط. لم تكن موجودة من قبل. رموزٌ غامضة، ملتوية، وكأن يدًا غير مرئية قد حفرتها بمخالب ذئب
—همس يامن وهو يقترب: "إيه ده؟"
يعقوب نظر بدهشة:
— "ده ماكنش هنا الصبح!"
يامن لمس الجدار بأطراف أصابعه، وعندها... شعر بشيءٍ يتحرك!
سحب يده بسرعة، لكن النقوش بدأت تتغير، كأنها تنبض بالحياة.
— "يامن... إذاي ده زي حكيتهولي سهيلة عن الحلم إليشافتو..."
— "عارف، نفس الباب، نفس الرموز."
كان هناك شيءٌ أكبر من مجرد اختفاء يحدث هنا.
وفجأة، دوى صوت خبطات عنيفة على الباب!
نظر يامن ويعقوب إلى بعضهما برعب، قبل أن يندفع يعقوب لفتح الباب.
في الخارج، وقف رجلٌ غريب. كان طويلًا بشكل غير طبيعي، يرتدي معطفًا أسود، وعيناه تلمعان بلونٍ غريب في الظلام.
— سأل يعقوب بأستعجاب وحذر : خير؟
تقدّم الرجل خطوة، ثم قال بصوتٍ منخفض:
— "منى... عندنا."
انقبض قلب يامن، بينما أمسك يعقوب بالرجل من ياقة معطفه:
بتقول إيه؟!"
— "فين بنتي؟!
ابتسم الرجل ابتسامة عريضة وقال بهدوء:
— "البوابة قد فُتحت وبنتك دخلت فيها."
ثم، في لحظة، اختفى الرجل وسط الظلام، كأنه لم يكن موجودًا من الأساس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقف يامن ويعقوب مصدومين، بينما دخلت يسرى في نوبة بكاء هستيري.
البوابة؟ ما الذي يعنيه ذلك الكيان
لكن يامن كان يعرف...
كان يعرف أن هذه ليست مجرد "حالة اختفاء" عادية.
منى لم تختطف بل عبرت إلى عالمٍ آخر عالم مجهول
------------------------------------------------------------------------
وقف يامن في وسط الغرفة، يحدق في الفراغ حيث كان يقف الرجل الغريب قبل أن يتلاشى. كان قلبه يضرب في صدره بعنف، والمشهد لا يزال حياً أمام عينيه.
"منى... عندنا."
كلماته كانت تطن في أذنيه، بينما كان يعقوب جالس على الأرض، وجهه شاحب وعيناه متجهتان بالفراغ. كانت يسرى تبكي بصمت، بينما سهيلة، التي وصلت منذ دقائق قليلة، تحاول تهدئتها دون فائدة.
لم يكن هناك مجال للشك بعد الآن. منى لم تختطف... بل سُحبت إلى مكان آخر.
لكن أين؟ وكيف يصلون إليها؟
يامن اقترب من الحائط حيث ظهرت الرموز الغريبة، ثم التفت إلى يعقوب:
— "الحلم اللي شُفته واللي شافته سهيلة كان حقيقي."
يعقوب رفع رأسه ببطء، عينيه محمرتان من التوتر:
— "تقصد إيه؟"
— "الباب اللي ظهر في أحلامنا... هو اللي سحب منى."
سهيلة وضعت يدها على فمها، بينما هز يعقوب رأسه بعنف:
— "كلامك مش منطقي! ده كابوس ده لازم يكون مجرد كابوس!"
لكن يامن لم يكن مقتنعًا.
شيء ما في داخله كان يخبره أن كل هذا حقيقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أن يرد، تحركت الرموز المنحوتة على الجدار مرة أخرى. بدأت تلمع بضوء أحمر خافت، ثم فجأة... ظهر الباب.
لم يكن بابًا عاديًا. كان عبارة عن ثقب أسود ملتوي، كأن الدخان نفسه تشكل على هيئة مدخل إلى مكان آخر.
هواء بارد اندفع خارجًا من البوابة، محملاً برائحة ترابٍ قديم، رائحة العفن والرماد.
يسرى أطلقت صرخة خافتة، بينما تراجع يعقوب إلى الخلف.
يامن كان الوحيد الذي تقدم ببطء، عيناه معلقتان بالسواد المتحرك أمامه.
— "ده الباب اللي شوفته في حلمي
صوت سهيلة كان مرتعشًا:
— "أنا كمان..."
يعقوب تمتم:
— "وده... معناه إن منى دخلت منه؟"
لم يكن هناك شك. لكن السؤال كان... كيف يعيدونها وهم لا يعرفون شيئاً عن هذا الباب ؟
القرار الخطير
نظر يامن إلى يعقوب مباشرة:
— "إحنا لازم ندخل."
يعقوب صدمته الكلمات، بينما نظرت سهيلة إليه برعب:
— "انت اتجننت؟!" انت عايز تخوض مغامره مجهول امرها
— "منى هناك، يعقوب! لو فيه فرصة لإنقاذها، يبقى لازم ناخدها."ان منى هي روح قلبي وآميرة عمري
لكن يعقوب لم يتحرك. كان الخوف واضحًا على وجهه.
عندها، تقدم يامن خطوة أخرى، مد يده إلى السواد الملتوي
وفجأة، سُحب بقوة داخل البواب وهو يسقط
إلى المجهول
شعر يامن كأنه يسقط في فراغٍ لا نهائي. كان كل شيء من حوله ظلامًا حالكًا، وبرودةً قارسة، وأصواتًا هامسة غير مفهومة كأنها طلاسم.
لم يكن هناك أرض تحت قدميه، ولا سماء فوقه. مجرد دوامة من العدم.
ثم فجأة، اصطدم بشيء صلب!
فتح عينيه ببطء، يلهث من الألم.
كان مستلقيًا على أرض سوداء، تبدو وكأنها رماد محترق.
رفع رأسه ببطء، ورأى شيئًا جعل الدم يتجمد في عروقه...
سماءٌ بلا شمس، مغطاة بسحب سوداء كثيفة، وأطلال مبانٍ مدمرة، وأشخاص يسيرون ببطء، عيونهم فارغة كأنهم دمى بلا روح.
كانت هذه
أرض المنهاوا.
همس يامن إلى نفسه
ما هو السر الذي تخفيه هذه الأرض الملعونة؟
الفصل الثاني
رواية ارض المنهاوا
للكاتب جاسر شريف شوقي السحلي
الفصل الثاني: أرض المنهاوا
فتحت عيون يامن ببطء، وهو يلهث من لاألم الذي اصابه. شعر بضغط ثقيل على صدره، وكأن الهواء في هذا المكان مختلف، كأنه... ملوث بشيء غير مرئي.
رفع رأسه بصعوبة، ثم وقف مترنحًا، يتأمل الأرض التي سقط عليها. كانت سوداء، جافة، متشققة، كأنها رماد محترق. لا حياة فيها، لا زرع، لا ماء. مجرد أرض جرداء تمتد بلا نهاية.
لكن هذا لم يكن أكثر شيء مخيفًا.
السماء جرداء
نظر إلى الأعلى، فوجدها مغطاة بسحب كثيفة سوداء، لا شمس، لا قمر، فقط ظلامٌ أزلي.
"أين أنا؟"
لكن يامن لم يكن بحاجة لإجابة.
كان يعرف.
لقد دخل أرض المنهاوا الأرض التي لا يرحم فيها احد
أهل الأرض ملعونون
بدأ يامن يتحرك بحذر، يحاول استيعاب المكان. لم يكن وحده.
في الأفق، كان هناك أناس يسيرون ببطء، وجوههم شاحبة، أعينهم فارغة.
اقترب بحذر، محاولًا التحدث إلى أحدهم:
— "لو سمحت... ممكن تساعدني؟"
لكن الرجل لم يرد. فقط استمر في المشي، كأنه لم يسمع شيئًا.
قال يامن في نفسه هل هم موتا ام انا شكلي مختلف
ثم لاحظ شيئًا مخيفًا.
أقدامهم لا تترك أثرًا على الأرض!
كأنهم أشباح، كأنهم مجرد ظلال لأشخاص كانوا هنا يومًا... لكنهم لم يعودوا بشرًا.
شعر بقشعريرة تسري في جسده، فابتعد بسرعة
بينما كان يسير بلا هدف، سمع صوتًا خلفه.
— "أنت... لست من هنا."
التفت بسرعة، فوجد رجلًا يرتدي عباءة سوداء طويلة، بعيون خضراء حادة.
كان يحدق فيه بفضول، كأنه يدرسه.
—سأل يامن بحذر "من أنت؟"
— "أنا مجرد شخص عالق هنا منذ زمن."
تقدم الرجل بخطوات بطيئة، ثم أضاف:
— "لكن السؤال الأهم... كيف دخلت إلى هنا؟"
يامن بلع ريقه، ثم قال:
— "جئت للبحث عن أختي الصغيرة. اختُطفت إلى هنا."
الرجل ضاقت عينيه، ثم قال بصوت منخفض:
— "إذن لقد أخذها حراس البوابة."
أسرار المنهاوا
يامن شعر برعشة تسري في جسده.
— "حراس البوابة؟ من هم وانا سوف اسحق وجوههم
الرجل ابتسم ابتسامة باهتة، ثم أشار إلى أطلال بعيدة في الأفق.
— "هناك... القلعة السوداء، حيث يُحتجز القادمون الجدد. إن كانت أختك هنا، فهي هناك."
يامن قبض يده بقوة، ثم قال:
— "لازم أوصل لها."
الرجل رفع حاجبه، ثم قال:
— "مستحيل. لا أحد يدخل القلعة السوداء... إلا إذا كان يملك نقاط الدم."
يامن عقد حاجبيه:
— "نقاط الدم؟" انت بتخرف بتقول ايه
الرجل اقترب منه، ثم قال بصوت منخفض:
— "هنا، لا يوجد مال، لا يوجد ذهب. القوة الوحيدة التي تحكم كل شيء... هي دمك. كلما ارتكبت أفعالًا شريرة، كلما زادت نقاط دمك... وزادت قوتك."
يامن شعر بقشعريرة تسري في جسده.
إذن، هذه الأرض لا تُكافئ الخير... بل تُكافئ الشر.
الخيار الصعب يا فتى
— "هل تقصد... أن عليّ قتل أحدهم حتى أتمكن من الدخول؟"
الرجل أومأ برأسه.
— "تمامًا. هنا، كل شيء له ثمن... والثمن دائمًا هو الدم."
يامن شعر بالاشمئزاز.
هل يمكنه فعل ذلك؟ هل يمكنه أن يصبح قاتلًا فقط ليجد منى؟
لكن قبل أن يتخذ قراره، سمع صوتًا مألوفًا خلفه.
— "يامن؟!"
التفت بسرعة، وعيناه اتسعتا في صدمة.
يعقوب كان هناك... ومعه سهيله وكانو خائفون
------------------------------------
الفصل الرابع: لعنة الدم
وقف يامن في مكانه، مصدومًا وهو يحدق في يعقوب وسهيلة. كيف وصلا إلى هنا؟ هل سقطا عبر البوابة مثله؟ أم أن هناك طريقًا آخر؟
هرع إليهما، وعيناه تجولان حول المكان بقلق.
— "إزاي جيتوا هنا؟!"
يعقوب كان يلهث، وجهه شاحب وعيناه مليئتان بالخوف.
— "مش عارف... آخر حاجة فكرتها إننا كنا بندوّر على منى... وبعدين الأرض اتفتحت تحتنا!"
سهيلة أمسكت بيد يامن، صوتها مهتز:
— "يامن، إحنا فين؟ المكان دا... مش طبيعي!"
نظر إليهما الرجل ذو العباءة السوداء، ثم قال بهدوء:
— "أصدقاؤك محظوظون، لم ينتهي بهم الأمر في القلعة السوداء مثل أختك الصغيرة."
يامن التفت إليه بسرعة، قبضته مشدودة.
— "مين أنت؟ وليه بتساعدني؟" ماذا تريد؟
الرجل تنهد، ثم نظر إلى الأفق، حيث كانت القلعة السوداء تلوح في الظلام مثل ظل عملاق يراقبهم.
— "اسمي نور الدين. كنتُ يومًا ما ساحرًا، لكنني رفضت قوانين المنهاوا... فحُكم عليّ بالبقاء هنا للأبد."
يامن لم يفهم تمامًا، لكن لم يكن لديه وقت للأسئلة.
— "قلت إنهم محتجزينها هناك... إزاي نقدر نوصل لها؟"
نور الدين نظر إليه بعينين حادتين، ثم قال بصوت منخفض:
— "إما أن تحصل على نقاط الدم... أو تجد طريقة أخرى للدخول دون أن يلاحظك الحراس."
يعقوب تدخل بغضب:
— "يعني لازم نقتل حد عشان نقدر نتحرك هنا؟ دا جنون!"
نور الدين هز رأسه:
— "هذه قوانين المنهاوا
إما أن تتبعها، أو تصبح فريسة."
فجأة، دوّى صوت غريب في الأجواء.
"وووووووووششششششش!"
ريح سوداء بدأت تهب، والغبار ارتفع في الهواء.
نور الدين اتسعت عيناه، ثم قال بسرعة:
— "حراس القلعة قادمون! يجب أن نتحرك!"
يامن، يعقوب، وسهيلة تبادلوا نظرات قلقة، لكنهم لم يعترضوا لعدم وجود حل آخر امامهم
بدأوا يركضون خلف نور الدين، بينما الريح السوداء كانت تزداد قوة.
فجأة، ظهر أربعة أشخاص يقفون في طريقهم.
لكنهم لم يكونوا طبيعيين.
كانت أعينهم حمراء متوهجة، وأجسادهم مغطاة بوشوم سوداء غريبة. كانوا يبتسمون، لكن ابتسامتهم لم تكن بشرية.
أحدهم تقدم خطوة، ثم قال بصوت بارد:
— "أنتم لستم من أهل المنهاوا... لكنكم ستصبحون قريبًا."
هههههههههههه
نور الدين تمتم بشتيمة، ثم همس ليامن:
— "هؤلاء هم حراس الدم... أقوى جنود القلعة. لا يمكننا هزيمتهم، يجب أن نهرب!"
يامن كان يريد القتال، لكنه لم يكن يملك أي قوة.
نور الدين أشار لهم بالجري، فانطلقوا بأقصى سرعة، بينما كان الحراس يطاردونهم كذئاب جائعة.
ركضوا وسط الأزقة المظلمة، لكن الحراس كانوا أسرع.
نور الدين قادهم إلى زقاق ضيق، ثم فجأة ضرب الأرض بعصاه الخشبية، ففتح ممر سري في الحائط.
— "ادخلوا بسرعة!"
يامن، يعقوب، وسهيلة قفزوا إلى الداخل، بينما نور الدين أغلق الممر خلفهم بلحظة قبل أن يصل الحراس.
وقفوا يلهثون، أجسادهم ترتعش من التوتر.
يعقوب نظر إلى نور الدين، وقال بغضب:
— "ما كانش لازم نهرب! كان لازم نحاربهم!"
نور الدين نظر إليه بهدوء، ثم قال:
— "لو كنتَ حاربتهم، لكنت الآن مجرد ظل بلا روح."
وبدأ يحكي عن سر ظلال قائلا هنا في المنهاوا احياء او ظلال
نظر يامن إلى نور الدين بقلق وقطع كلامه
— "إيه معنى الكلام دا؟"
نور الدين جلس على حجر في الزاوية، ثم قال ببطء:
— "أهل المنهاوا ينقسمون إلى نوعين: الأحياء، والظلال."
— "الأحياء هم من يملكون نقاط الدم، يستطيعون القتل، السرقة، والخداع."
— "أما الظلال... فهم من خسروا أرواحهم. مجرد أشباح تتجول في هذه الأرض، بلا هدف... بلا أمل."
سهيلة وضعت يدها على فمها برعب:
— "يعني لو خسرنا هنا... هنفضل محبوسين للأبد؟"
نور الدين أومأ برأسه.
— "لهذا يجب أن تتحركوا بحذر... لأن كل خطوة في المنهاوا قد تكون خطوتكم الأخيرة."
الفصل الثالث
رواية ارض المنهاوا
للكاتب جاسر شريف شوقي السحلي
الفصل الثالث: طريق الدم
ظلّ يامن، يعقوب، وسهيلة في المخبأ المظلم، يتنفسون بصعوبة بعد مطاردة حراس القلعة لهم. كان الهواء في المكان خانقًا، تفوح منه رائحة العفن والرطوبة، بينما جلس نور الدين في الزاوية متأملًا الأرض.
—تمتم يامن، وهو يمرر يده في شعره المتعرق. "لازم نخرج من هنا بسرعة..."
نور الدين نظر إليه بعينين حادتين، ثم قال:
— "الخروج مش هو المشكلة... المشكلة هي إلى أين ستذهبون."
نظروا إليه باستغراب، قبل أن يكمل بصوت منخفض:
— "أنتم عالقون في المنهاوا، والقلعة محمية بالسحر الأسود. ما تملكونه الآن لا يكفي لمواجهة الحراس أو حتى الاقتراب من أبوابها."
يعقوب قبض على يده بغضب:
— "يعني مافيش أي طريقة لإنقاذ أختي؟!"
نور الدين لم يرد فورًا، لكنه وقف وبدأ يرسم بيده على الأرض الرمادية، وكأنه يخطط لشيء.
— "هناك طريقة... لكنها محفوفة بالمخاطر أما النجاه أو الموت.
يامن اقترب منه، وجهه يحمل مزيجًا من القلق والأمل:
— "قل لي، سأفعل أي شيء."
نور الدين رفع نظره إليه ببطء، ثم قال:
— "نقاط الدم."
تعجب يامن ويعقوب وسهيله
طريق الدم
جلس الجميع في صمت بينما بدأ نور الدين يشرح لهم القوانين الملعونة التي تحكم أرض المنهاوا.
— "نقاط الدم هي العملة هنا وهي الطريقة الوحيدة لشراء طريقكم إلى القلعة."
— "كل نقطة تُكسب عبر إعدام روح وإزهاقها، أو سرقة من شخص آخر، أو حتى تنفيذ طقوس خاصة لاستدعاء قوى الظلام التى هى سبب الضياع
سهيلة ارتجف صوتها وهي تقول:
— "يعني لازم نقتل حد؟!"
نور الدين أومأ برأسه ببطء:
للأسف
— "أو تخدعوا شخصًا آخر ليقتل بدلكم."
يعقوب قفز واقفًا بغضب:
— "أنا مش قاتل! ومش هكون واحد منهم!"
نور الدين لم يظهر أي انفعال، لكنه رد بهدوء:
— "إذن استعدوا للبقاء هنا للأبد ومنى كذلك."
ساد الصمت في المكان، بينما كانت كلمات نور الدين تقطعهم كالسكاكين الحاده
يامن نظر إلى الأرض، قلبه ينبض بسرعة. هل يمكنه فعلها؟ هل يمكنه التضحية بشخص آخر لإنقاذ أخته؟
— سأل أخيرًا بصوت مبحوح .مافيش طريقة تانية؟" .
نور الدين ضاقت عيناه، وكأنه كان يتوقع هذا السؤال.
— "هناك طريقة لكنها أخطر بكثير."
لعنة القاتل
يامن ماذا تقول
فتح نور الدين كفّه، فظهر عليها وشم غامض بلون أحمر متوهج.
— "يمكنكم تحدي أحد محاربي المنهاوا في قتال الفائز يحصل على نقاط الخاسر."
يامن استقام ببطء، يحدّق في العلامة المضيئة على يد نور الدين.
— "هذا يعني أننا لا نحتاج لقتل الأبرياء؟"
نور الدين ابتسم ابتسامة ساخرة:
— "لا يوجد أبرياء في المنهاوا، يا فتى. كل شخص هنا قتل أو خدع أو خان ليبقى على قيد الحياة."
يعقوب شد قبضته، ثم قال بصوت حازم:
— "إذن، أين نجد هذا المحارب؟"
نور الدين نظر إليه بإعجاب خفي، ثم استدار نحو الحائط، ووضع يده عليه.
— "هناك سوق تحت الأرض، يُقام كل ليلة... حيث يبيعون كل شيء، بما في ذلك الموت نفسه."
سوق الظلام هو بمثابة مخزن لسكان المنهاوا
------------------------------------
شقّت المجموعة طريقها عبر الأزقة الضيقة، حتى وصلوا إلى ممر حجري يؤدي إلى الأسفل. كان المكان أشبه بسرداب قديم، حيث توجد مشاعل مشتعلة بنيران زرقاء على الجدران، وتملأ الرائحة المكان بمزيج من البخور والدم المتجلط
عندما خرجوا إلى الساحة، اتسعت أعينهم.
كان السوق مزدحمًا بمخلوقات غريبة وأشخاص بملامح مخيفة، بعضهم يحمل أسلحة مشؤومة، والبعض الآخر يتهامسون في الظلام.
في المنتصف، كانت هناك حلبة دائرية، حيث رجلان يتقاتلان بضراوة، والسكان يحيطون بهم وهم يهتفون بحماس.
نور الدين أشار إلى الحلبة، وقال:
— "هذه فرصتك، يامن. إذا استطعت هزيمة أحد المقاتلين، ستحصل على نقاطه."
يامن بلع ريقه، وهو يشعر برجفة تسري في جسده. لم يسبق له أن خاض قتالًا حقيقيًا، فكيف سينجو هنا؟
لكن قبل أن يستطيع التفكير أكثر، دوّى صوتٌ أجشّ خلفه:
— "أنت أريد قتالك."
استدار يامن ببطء، ليجد أمامه رجلًا ضخم الجثة، بعينين سوداويتان وندبة طويلة تمتد عبر وجهه.
نور الدين همس ليامن:
— "إنه راغور سفاح مشهور هنا، لديه خمسين نقطة دم."
يامن شعر بالدم يتجمد في عروقه، لكن لم يكن هناك تراجع.
تنفس بعمق، ثم تقدم إلى الحلبة.
— "موافق."
وقف يامن داخل الحلبة، يواجه راغور الذي كان يبتسم بثقة قاتلة.
— "لا تقلق، سأجعل موتك سريعًا."
يامن لم يرد، لكنه قبض على يديه، محاولًا كتمان خوفه.
ثم دقّ الجرس.
واندفع راغور نحوه بسرعة!
------------------—-----------------
انطلق راغور نحو يامن بسرعة مذهلة، وذراعه الضخمة مرفوعة لتسديد ضربة ساحقة. بالكاد تمكن يامن من تفاديها، فتراجع للخلف وهو يشعر بالهواء يصفع وجهه بقوة. لو أصابته تلك الضربة، لكانت نهايته.
— "أوه سريع، هذا ممتع!" ضحك راغور بصوت أجش، بينما استدار ليهاجم مجددًا.
هذه المرة، لم يكن أمام يامن أي مجال للهروب.
رفع يديه لصد الضربة، لكن قوة راغور كانت أشبه بصاروخ انتلق عليه. ارتطم بالأرض بعنف، وتدفق الدم من زاوية فمه.
— "يامن!" صرخت سهيلة من بين الحشود، بينما كان يعقوب يقبض على سيفه بقوة، غير قادر على التدخل.
نور الدين راقب بهدوء، لكن في عينيه كان هناك توتر خفي.
يامن سعل، ثم رفع رأسه بصعوبة. الألم كان يمزق جسده، لكن كان عليه النهوض. لا يمكنه أن يخسر.
ـــ همس يامن في نفسه ليس الآن."منى تحتاجني..."
جمع قوته، واستند على يديه للنهوض، بينما كان راغور يتقدم نحوه بخطوات ثقيلة.
— "أعجبتني شجاعتك، لكن لا جدوى من المقاومة."
رفع يامن نظره إليه، ثم لمح شيئًا في يده اليمنى—خنجر صغير، نصفه مغروس في حزام راغور.
لم يفكر، بل قفز فجأة إلى الأمام، مدّ يده وانتزع الخنجر في لحظة خاطفة!
— صاح راغور بغضب،"ماذاتفعل يا وغ......" ،
لكن يامن لم يمنحه وقتًا للرد.
غرس الخنجر في فخذ العملاق بكل قوته.
صرخ راغور متألمًا، بينما استغل يامن الفرصة وسدد لكمة مباشرة إلى وجهه، جعلته يترنح للخلف.
الحشد صاح بجنون، بعضهم يهتف ليامن، والبعض الآخر يطالب راغور بتمزيقه.
نور الدين ابتسم للمرة الأولى.
— "هذا الفتى قد يكون لديه فرصة فعلًا"
بسبب ذكائه الفتاك تحولت الكفة
راغور كان غاضبًا، وهذا ما جعله أضعف. الغضب يعمي العقل، ويجعل صاحبه مندفعًا بغباء
يامن كان يعلم أنه لا يستطيع الاعتماد على قوته البدنية، لذلك استخدم سرعته وذكاءه. كان يتفادى ضربات راغور في اللحظة الأخيرة، يجعل العملاق يستهلك طاقته.
"فقط... اصمد قليلًا."
لكن المشكلة أن جسده لم يكن يحتمل أكثر. أنفاسه أصبحت ثقيلة، ورأسه يدور.
راغور، رغم الجروح، كان لا يزال أقوى بكثير.
—زأر راغور "لقد سئمت منك!" ، ثم قفز في الهواء، رافعًا قبضته الهائلة لتسديد ضربة نهائية.
لم يكن هناك مفر.
أغمض يامن عينيه للحظة، ثم فكر في كل شيء. منى... يعقوب... سهيلة...
ثم، كما لو أن الزمن تباطأ، تذكر كلمات نور الدين:
"كل شخص هنا قتل أو خدع أو خان ليبقى على قيد الحياة."
عينيه اتسعتا. فهم الآن.
وفي اللحظة التي سقطت فيها قبضة راغور، انزلق يامن بسرعة بين قدميه، ثم طعن الخنجر في ركبته بقوة مره أخرى
انهار راغور على الأرض وهو يصرخ، والدماء تتدفق منه بغزارة.
لكن يامن لم يتوقف.
استدار بسرعة، ووجه ضربة أخرى إلى عنق العملاق باستخدام مقبض الخنجر.
راغور شهق، ثم عينيه انقلبتا، وسقط وجهه على الأرض، بلا حراك.
صمت تام خيّم على المكان.
ثم دوّى صوت الجرس.
— "الفائز: يامن الشبح.
لقد سموه بهذا الاسم لطريقة قتاله الغريبه
الحشد انفجر بالهتاف، لكن يامن لم يكن يسمع شيئًا. كان يلهث، بالكاد يستطيع الوقوف.
نور الدين اقترب منه، ووضع يده على كتفه:
— "لقد فعلتها، يا أخي اني فخور بك
قبل أن يستطيع يامن الرد، شعر بحرارة غريبة تنتشر في جسده. نظر إلى يده، ليجد وشمًا أحمر صغيرًا يظهر على معصمه.
— "تهانينا..." قال نور الدين بابتسامة. "لقد حصلت على خمسين نقطة دم."
نظر يامن إليه بصدمة، ثم إلى يده، حيث كانت النقاط تتوهج بلون دموي.
لم يشعر بأي شيء سوى الفراغ.
لقد فاز. لكنه لم يشعر بالنصر.
لان النصر الحقيقي هو عودت منى
الطريق إلى القلعة كان غريبا
بعد ساعات، كانت المجموعة تسير في طريق مهجور، بعيدًا عن سوق الظلام.
نور الدين كان يتقدمهم، يقودهم إلى حيث يمكنهم استخدام نقاط الدم لشراء تذكرة إلى القلعة.
لكن يامن لم يكن يتحدث. كان غارقًا في أفكاره الدفينه
"هل هذا هو الطريق الذي يجب أن أسلكه؟ هل علي أن أقتل لأحمي من أحب؟" ولكن هو كان سفاح يصفق الدماء!؟
يعقوب وضع يده على كتفه، مقاطعًا أفكاره:
— "لقد كنت رائعًا، يا يامن. أنا فخور بك."
نظر إليه يامن، ثم أومأ بصمت
------------------------------------
عتبة الجحيم
تقدمت المجموعة في الطريق المظلم، محاطين بصمت ثقيل. كل خطوة كانوا يخطونها نحو القلعة جعلت الهواء أكثر برودة، والظلام أكثر كثافة. حتى نور الدين، الذي بدا دائمًا مسيطرًا على الوضع، كان يمشي بحذر.
كان يامن لا يزال يشعر بألم المعركة السابقة، لكنه لم يستطع التوقف. لقد حصل على خمسين نقطة دم، لكنه لم يفهم بعد معناها الحقيقي.
—سأل يعقوب، مقاطعًا الصمت
إلى أين نذهب بالضبط؟".
أجاب نور الدين بصوت هادئ:
— "إلى بوابة القلعة، حيث يتم قياس نقاط الدم."
سهيلة التفتت إليه بقلق:
— "يعني لو ما معاناش نقاط كفاية... مش هيدخلونا؟"
ابتسم نور الدين ابتسامة خفيفة، لكنها كانت تحمل وراءها شيئًا مرعبًا:
— "بل سيتم التخلص منا."
صمت الجميع. لم يكن لديهم خيار آخر.
بوابة القلعة
بعد ساعات من السير، ظهرت أمامهم بوابة ضخمة من الحديد الأسود، ترتفع لعدة أمتار، وكأنها جزء من جبل داكن. على جانبيها، وقفت تماثيل حجرية ذات وجوه مشوهة، وأعين فارغة تحدق بهم.
أمام البوابة، وقف رجل ضخم الجثة، بشرته شاحبة كالأموات، وعيناه سوداوين بالكامل.
عندما اقتربت المجموعة، تحدث بصوت أجش:
— "أظهروا نقاط الدم يا أيها الغرباء وانت ايضا يا نور الدين
نور الدين مدّ يده، حيث تألقت علامة حمراء تحتوي على 300 نقطة دم.
ثم تبعه يامن، الذي رفع يده ليكشف عن وشمه الجديد، والذي أظهر 50 نقطة.
يعقوب وسهيلة لم يكن لديهما أي نقاط، مما جعل الرجل العملاق يحدّق بهما ببرود.
— "لا نقاط؟"
شعر يامن بقبضة باردة تعتصر قلبه. هل هذا يعني أنهم لن يدخلوا؟
قبل أن يتكلم، تدخل نور الدين بسرعة:
— "سأدفع عنهم."
رفع يده مرة أخرى، واختفت 100 نقطة من وشمه.
أومأ الحارس العملاق، ثم التفت إلى البوابة، ورفع يده.
في لحظة، بدأت البوابة تصدر صوتًا مخيفًا، وكأنها تفتح إلى هاوية لا نهاية لها.
— "ادخلوا."
عبروا البوابة إلى عالم مختلف تمامًا.
كانت القلعة ضخمة، جدرانها مصنوعة من حجر أسود ينبض وكأنه حي. المشاعل التي أضاءت الممرات لم تكن عادية، بل كانت ألسنة لهب بلون أزرق بارد، تتراقص بشكل غير طبيعي.
لكن أكثر ما لفت انتباههم هو الأشخاص هناك.
كانوا يسيرون بين الممرات، يرتدون ملابس مختلفة، بعضهم يشبه البشر العاديين، بينما آخرون كانت لديهم علامات غريبة على وجوههم وأجسادهم.
—همست سهيلة. "من هؤلاء؟"
نور الدين ردّ دون أن ينظر إليها:
— "محاربو المنهاوا. كل شخص هنا إما قاتل، أو مسحور، أو هارب من العالم الحقيقي."
يامن شعر بقشعريرة. كل هؤلاء الأشخاص، كل هذه الأرواح الضائعة... هل هذا هو المصير الذي ينتظرهم؟
لكن لم يكن لديه وقت للتفكير، لأن أمامهم ظهر شخص آخر...
رجل يرتدي رداءً احمر داكن يشبه الدماء، بعيون غريبة تحمل بريقًا لم يكن بشريًا.
— "أخيرًا... لقد وصلتم."
توقفوا جميعًا عند رؤية الرجل. كان يقف بثقة، يديه مخبأتين داخل ردائه الطويل، وابتسامة غامضة تزيّن وجهه.
— سأل يعقوب بحذر"من أنت؟"
ابتسم الرجل بهدوء، ثم قال:
— "أنا ساحر من عالم المنهاوا... ولكني لست مثل البقية."
نور الدين حدّق فيه بتمعن، ثم قال بصوت منخفض:
— "لقد سمعت عنك... أنت الساحر الطيب."
الساحر أومأ برأسه ببطء.
— "جئت لأساعدكم... ولأكشف لكم الحقيقة عن هذه الأرض."
يامن تقدم خطوة إلى الأمام، قلبه ينبض بسرعة:
— "الحقيقة؟ عن ماذا؟"
نظر الساحر إليهم جميعًا، ثم قال بكلمات بطيئة سوف
احكي
— "عن تاريخ المنهاوا... وعن الأخوين اللذين تسببا في نشآتها
الفصل الرابع
رواية ارض المنهاوا
للكاتب جاسر شريف شوقي السحلي
الفصل الرابع: الحقيقة و العوده
وقف يامن وبقية المجموعة أمام الساحر، الذي كان ينظر إليهم بهدوء غريب. كان هناك شيء في عينيه، خليط من الحزن والتحذير.
—قال الساحر، "قبل أن أخبركم بالحقيقة، عليكم أن تفهموا شيئًا مهمًا...
ثم أضاف بصوت منخفض:
— "المعرفة هنا ليست نعمة... بل لعنة."
سادت لحظة من الصمت، قبل أن يقطعها يعقوب بنبرة حادة:
— "إذا كانت لعنة، لماذا تريد إخبارنا بها؟"
تنهد الساحر، ثم رفع يده، وبحركة بسيطة، بدأت الجدران المحيطة تهتز، قبل أن تتلاشى وكأنها دخان، لتكشف عن مشهد لم يكن من هذا العالم.
أرض المنهاوا كما كانت في الماضي أرض المُنى والتمني.
الماضي السحيق للمنهاوا هاهو
ظهرت أمامهم مدينة لم تكن تشبه القلعة المظلمة التي رأوها قبل لحظات. كانت أرضًا مضيئة، بسماء ذهبية، وأنهار تتدفق بلون الفضة. الأشجار كانت تنمو بارتفاع لا يُصدق، وأوراقها تشع بنور خافت. كان الناس هناك يعيشون في سلام، وجوههم تحمل الرضا، وكأنهم في جنة حقيقية.
الساحر تابع بصوت هادئ:
— "هذه كانت أرض المُنى والتمني. أرضٌ وُجدت لتمنح الراغبين فرصة تحقيق أحلامهم."
نظر يامن إلى المشهد الساحر، ثم سأل بصوت منخفض:
— "ماذا حدث؟"
الساحر أشار إلى شخصين يقفان وسط المدينة. كانا شابين، أحدهما طويل ذو شعر فضي وملامح هادئة، والآخر أقصر قليلًا، ذو عينين مليئتين بالغضب.
— "كانا أخوين... الساحر واللساني
التفت الجميع إلى المشهد، حيث كان الأخوان يتحدثان في ساحة واسعة. بدا الأخ الأكبر، ذو الشعر الفضي، هادئًا، بينما كان الأصغر ممتلئًا بالغضب.
— "هذه الأرض كانت تمنح كل من يعيش فيها قدرة خاصة، لكن الساحر كان الأقوى. كان يستطيع تشكيل العالم كما يريد، بينما أخوه، اللساني، لم يكن يمتلك سوى القدرة على التلاعب بالكلمات."
نور الدين رفع حاجبه:
— "التلاعب بالكلمات؟ كيف يمكن أن تكون هذه قوة؟"
ابتسم الساحر بمرارة:
— "كلماته لم تكن عادية. كان يستطيع تحويل أي كلمة يقولها إلى حقيقة... لكن بحدود. لم يكن يستطيع خلق شيء من العدم، بل فقط التغيير في الواقع."
يامن فهم فجأة:
— "وهذا جعله يشعر بالضعف مقارنة بأخيه."
أومأ الساحر برأسه:
— "تمامًا. بدأ الغضب يملأ قلبه، وبدأ يشعر بأنه مظلوم. لماذا يجب أن يكون أخوه هو الأقوى؟ لماذا لا يستطيع هو أن يخلق العالم كما يريد؟"
ثم، بدأ المشهد يتغير.
ظهر الأخ الأصغر في مكان مظلم، يتحدث إلى كيان غريب، كيان بلا ملامح، مجرد ظل يتحرك.
— "هنا، التقى اللساني بقوة أخرى... قوة لم يكن من المفترض أن توجد في أرض المنى والتمني."
نور الدين شعر بشيء من التوتر:
— "قوة من أين؟"
الساحر نظر إليه بجدية:
— "من عالم آخر. من مكان مظلم، حيث لا يوجد إلا الخراب. أقنعه هذا الكيان أن القوة الحقيقية لا تأتي من تحقيق الأمنيات، بل من السيطرة على الآخرين."
منى، التي كانت تستمع بصمت طوال الوقت، همست بخوف:
— "وماذا فعل؟"
الساحر تنهد:
— "أعطى روحه لهذا الكيان، مقابل أن يمنحه القوة ليواجه أخاه."
نهاية أرض المُنى والتمني لم تكن هينه يا فتاه
المشهد تغيّر مرة أخرى، وهذه المرة كان مختلفًا تمامًا.
الأرض الجميلة تحولت إلى خراب. الأشجار احترقت، السماء أصبحت سوداء، والأنهار الفضية تحولت إلى دماء. الناس كانوا يصرخون، يفرون، لكن لم يكن هناك مهرب.
وقف الأخوان في مواجهة بعضهما البعض، والظلام يحيط بهما.
— "المعركة الأخيرة بين الأخوين كانت مدمرة. اللساني، الذي أصبح أقوى، حاول تدمير أخيه، لكن الساحر كان لا يزال يحمل القوة الأصلية للأرض."
ثم، ظهر المشهد الأخير:
الأخ الأكبر، الساحر، كان يقف فوق أنقاض المدينة، ينظر إلى أخيه الذي كان على وشك الموت.
— "لكنه لم يقتله. بدلاً من ذلك، ألقى عليه لعنة جعلته يهرب إلى عالمكم
رد يامن : وانا الذي أسئل عن سبب فساد عالمي
ـــــــــــ ـــــــــــــ ـــــــــــــ ـــــــــــــ ـــــــــــــ ـــــــــــــ ــــ
وقف الجميع مهوشين أمام المشهد الذي عرضه الساحر. كان المشهد يتغير بسرعة، كأنه يعيد إحياء ذكرى قديمة محفورة في أعماق أرض المنهاوا.
رأوا الأخ الأكبر، الساحر، وهو يرفع يده في الهواء، بينما كان الأخ الأصغر، اللساني، يتراجع، جسده يتحلل وكأنه دخان أسود يتلاشى في الفراغ. كانت المدينة بأكملها تنهار، وصرخات سكانها تتردد في الأفق.
— "لقد كانت النهاية... أو هكذا ظننتُ."
صوت الساحر كان يحمل مرارة عميقة.
يامن، الذي كان يراقب المشهد بعينين متسعتين، سأل بقلق:
— "لكن كيف استطاع اللساني الهروب؟"
الساحر أدار رأسه إليه ببطء، ثم قال:
— "بالكلمات."
— "ماذا تعني؟"
— "لقد نطق بكلمة واحدة... كلمة لم يكن من المفترض أن تُقال أبدًا."
الجميع انتظر بفارغ الصبر، بينما تابع الساحر بصوت خافت:
— "البوابة."
---
فتح البوابة
رأوا المشهد مرة أخرى، هذه المرة كان اللساني يرفع يديه، والهواء من حوله يتكثف، كأنه يُجبر الواقع نفسه على الطاعة. صرخ بكلمة واحدة، وتحت قدميه، انشقّت الأرض، ليظهر باب أسود، يلتوي كالدخان، تمامًا مثل الذي حلم به يامن وسهيلة.
— "لقد فتح اللساني بوابة إلى عالمكم، وهرب."
منى، التي كانت صامتة طوال الوقت، همست:
— "لكن... إذا هرب، لماذا لم يدمر العالم الذي دخل إليه؟"
نظر إليها الساحر بعينين باردتين:
— "لأنه لم يكن قوياً بما يكفي. كان ضعيفًا بعد القتال، ولم يستطع التأقلم مع قوانين عالمكم فورًا. لكنه لم يستسلم... بدأ يعمل في الخفاء، بدأ يجمع الأتباع، وبدأ ينقل جزءًا من ظلامه إلى البشر."
ساد الصمت.
ثم، فجأة، دوّى صوت قعقعة في الغرفة. التفت الجميع بسرعة، ليجدوا الجدران التي كانت تعرض الماضي بدأت تتشقق، وكأنها لا تحتمل هذه الذكريات.
الساحر قال بسرعة:
— "علينا الرحيل! ليس لدينا وقت!"
لكن قبل أن يتحركوا، انبعث صوت جديد، صوت منخفض، خبيث، كأن الظلام نفسه يتحدث:
— "لقد تأخرتَ كثيرًا، أيها الساحر."
ظهر ظل أسود من العدم، ملامحه غير واضحة، لكن صوته كان يملأ المكان.
يعقوب وضع يده على كتف ابنته منى، يحاول حمايتها، بينما يامن تقدم خطوة إلى الأمام.
— "من أنت؟!"
ضحك الصوت بخفوت:
— "ألم تعرفني بعد؟ أنا من هربتُ من هنا منذ زمن... أنا من دمرتُ أرض المُنى والتمني... أنا من سأجعل عالمكم يركع لي!"
ثم، انبعثت أعين حمراء من الظلام.
اللساني قد عاد
الفصل الخامس
رواية ارض المنهاوا
للكاتب جاسر شريف السحلي
الفصل الأخير مفتاح الخلاص
ساد الصمت للحظات، لم يقطعه سوى صوت الرياح الباردة التي تتسلل عبر الشقوق العتيقة للمكان. حدّق الجميع في الساحر وكأنهم لم يفهموا كلماته بعد.
منى... هي المفتاح؟!
بدت الطفلة الصغيرة شاحبة أكثر من أي وقت مضى، وعيناها الواسعتان امتلأتا بالخوف وعدم التصديق.
— همست بصوت مرتعش"أنا كيف وكأنها تتمنى أن يكون هذا مجرد كابوس آخر ستستيقظ منه قريبًا.
أومأ الساحر ببطء، ثم قال:
— "دمها يحمل نقاءً لم تفسده المنهاوا بعد. إنها آخر رابط بين أرض المُنى والتمني وبين هذا العالم... دمها هو ما يمكنه فتح البوابة المؤدية إلى الجزء المخفي."
هتف يعقوب بغضب:
— "مستحيل! لن أسمح لأحد بأن يمس شعرة واحدة من ابنتي!"
—أضاف "ولن نتركها تواجه هذا المصير وحدها!" وهو يمسك يد منى بإحكام
ابتسم الساحر بحزن، وقال بهدوء:
— "أعلم أنكم تحبونها، وأنا لا أطلب منكم التضحية بها. لكن اعلموا... إذا لم نتحرك الآن، لن يبقى أي عالمٍ ننقذه."
نظر إليهم يامن، ثم قال بحزم:
— "إذا كانت منى هي المفتاح فماذا علينا أن نفعل؟"
رد الساحر :سوف تعرفون ولكن عليكم اتباعي
بدأت المجموعة رحلتها عبر المنهاوا، متبعين الساحر الذي كان يسير بخطوات واثقة وسط الظلام الحالك. كانت الطرق متعرجة، والجدران تنبض وكأنها حية، تتهامس بأصوات غير مفهومة.
همست سهيلة ليامن:
— "كل شيء هنا... كأنه يراقبنا."
— "لأنهم يفعلون." أجاب الساحر بصوت منخفض.
وصلوا إلى ساحة مفتوحة، تتوسطها بوابة ضخمة مصنوعة من ضوءٍ غريب، يتلوى كالدخان لكنه لا يحترق.
—قال الساحر "هذه هي البوابة لكنها مغلقة
اقتربت منى بخطوات مترددة، بينما همس لها الساحر:
— "مدّي يدك، ودعي الأرض تعرفك."
نظرت الطفلة إلى والديها، فهز يعقوب رأسه مشجعًا رغم القلق الذي يملأ قلبه. مدت منى يدها الصغيرة إلى البوابة.
وفجأة، انفتح المكان كله في ومضة من النور، وابتلعتهم الظلمة.
وجدوا أنفسهم في عالم مختلف تمامًا. السماء هنا لم تكن سوداء، بل زرقاء صافية، والأرض كانت مغطاة بالعشب الأخضر، والهواء مشبع بعطر الأزهار النادرة.
تنهد الساحر براحة:
— "هذا هو ما تبقى من أرض المُنى والتمني... وهذا هو المكان الذي يجب أن نحميه بأي ثمن."
لكن قبل أن يتمكنوا من التقاط أنفاسهم، دوّى صوت عميق من الخلف.
التفتوا بسرعة...
ورأوا اللساني واقفًا أمامهم، عيونه تتوهج بشرّ مطلق، وعلى شفتيه ابتسامة مليئة بالظلام.
— "أخيرًا... أتيتم إليّ بأنفسكم يا أيها الغباء
وقف الجميع في ذهول أمام اللساني، الذي بدا وكأنه جزء من هذا المكان، قوته تنبض في الهواء حوله، وظلاله تتحرك كأنها كائنات حية. ابتسم ابتسامة باردة وهو يخطو نحوهم ببطء.
— "لقد استغرقتم وقتًا طويلًا لتصلوا إلى هنا."
قبض يعقوب يده بقوة، بينما وقفت يسرى خلف منى، تحيطها بذراعيها بحماية. أما يامن، فتقدم إلى جانب الساحر الطيب، عينيه مليئتان بالإصرار.
—." قال يامن بصوت حازم. "لن ندعك تدمر ما تبقى من هذا العالم
قهقه اللساني، ثم رفع يده، فاهتزت الأرض تحتهم، وبدأت السماء الصافية تظلم ببطء.
— "وهل تعتقد أنك قادر على إيقافي؟"
لم يمنحه الساحر الفرصة للحديث أكثر، بل رفع عصاه، فانطلقت موجة من النور تجاه اللساني، لكن اللساني اكتفى برفع يده، فاختفت الطاقة كأنها لم تكن.
— "لقد تأخرت كثيرًا، أخي. قوتي الآن ليست كما كانت من قبل."
بينما كان القتال بين الساحرين يشتد، شعرت منى بشيء ما يناديها. كان هناك صوتٌ خافت يتردد في عقلها، يشبه الهمس، لكنه كان واضحًا بما يكفي.
"اقتربي من البوابة... أنت المفتاح."
نظرت إلى البوابة التي ما زالت متوهجة خلفها، ثم إلى والديها. كان يعقوب مشغولًا بمحاولة حماية يسرى، بينما كان يامن يصرخ باسمها.
لكنها عرفت ما يجب عليها فعله.
ركضت بسرعة نحو البوابة، بينما حاول اللساني إيقافها، لكن الساحر الطيب استجمع قوته ودفعه بعيدًا للحظات، مما منح منى الفرصة.
وضعت يديها على البوابة، وشعرت بقوة دافئة تتدفق من داخلها. ثم، فجأة، انطلقت موجة من النور، غمرت كل شيء.
بدأت المنهاوا تهتز، كأنها تحتضر. الأرض التي كانت سوداء بدأت تضيء، والسماء تشققت، ليظهر خلفها نورٌ ساطع.
صرخ اللساني بغضب:
— "لاااااا!"
حاول الهروب، لكن قوته بدأت تنهار، وبدأ جسده ينهار معه. نظر إلى أخيه بعينين غاضبتين، ثم همس:
— "هذه ليست النهاية أنتم لا تفهمون شيئًا بعد."
ثم اختفى وسط الظلام، وكأن الأرض ابتلعته.
أما منى، فقد انهارت على الأرض، بينما ركض الجميع نحوها. كانت تتنفس بصعوبة، لكن النور من حولها بدأ يتلاشى.
نظر الساحر إلى البوابة، ثم قال:
— "لقد فعلتها، لقد أعدت التوازن... لكن علينا الرحيل الآن، فالمنهاوا لن تبقى كما هي."
وجدوا أنفسهم فجأة في عالمهم، داخل غرفة منى كما لو أن شيئًا لم يحدث.
لكنهم كانوا يعلمون أن كل شيء قد تغير.
كانت سهيلة تمسك بيد يامن بقوة، بينما نظر يعقوب إلى زوجته ومنى، وكأنهما كنز لا يريد فقدانه مرة أخرى.
تنهد الجميع براحة، لكن الساحر، الذي عاد معهم، كان لا يزال يحمل نظرة غامضة.
—سأل يامن. "هل انتهى كل شيء؟" .
ابتسم الساحر ابتسامة حزينة، ثم قال:
— "ليس تمامًا... المنهاوا كانت مجرد بداية."
نظر إليه الجميع بصدمة، فتابع بهدوء:
— "هناك عوالم أخرى... أراضٍ مثل المنهاوا، بعضها أقوى، وبعضها أقرب إلى عالمكم أكثر مما تتخيلون."
—سألت سهيلة بقلق. "ماذا تعني؟"
— "أعني أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد."
ثم، قبل أن يتمكنوا من سؤاله المزيد، اختفى في ومضة من الضوء، تاركًا الجميع في حيرة.
بعد مرور أشهر، عاد الجميع إلى حياتهم الطبيعية، لكن شيئًا ما كان مختلفًا.
يامن وسهيلة قررا أخيرًا الزواج، بعد كل ما مرا به معًا. كانت الحفلة بسيطة، لكنها مليئة بالفرح.
أما منى، فقد أصبحت أكثر هدوءًا، وأكثر وعيًا بما حدث. كانت تشعر أحيانًا وكأن شيئًا ما لا يزال يراقبها، لكن لم تخبر أحدًا بذلك.
وفي ليلة زفاف يامن وسهيلة، بينما كان الجميع يحتفلون، ظهر في السماء قمر غريب، لم يكن هناك من قبل.
نظر إليه يعقوب بقلق، ثم همس لنفسه:
— "ماذا لو لم يكن هذه هي النهاية؟"
وبعيدًا، في مكان آخر، فتحت بوابة أخرى
وتُركت العالم ينتظر ما سيأتي لاحقًا.
تمت بحمد الله