أخر الاخبار

اسكريبت لن اعود بقلم ميمى عوالى الفصل الأول

لن اعود

اسكريبت لن اعود بقلم ميمى عوالى الفصل الأول

اسكريبت لن اعود بقلم ميمى عوالى
 الفصل الأول 

 اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات

،♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️

فى عصارى يوم من ايام مارس ، وكانت الشمس تتوسط السماء و هى تتجه رويدا رويدا الى موعد غروبها و هى تسمح لموج البحر ان يبتلعها و يخفيها خلف عالم مجهول من الظلام  

كانت زينب تجلس على السور الحجرى المحيط بالبحر و هى تراقب الشمس و تحسب السويعات الباقية على اختفائها وراء الحجب و هى تتمتم خفية و تقول : انتى الوحيدة اللى بتغرقى جواه و بتطلعى من تانى ، كل يوم تمشى و تسيبينى من غير ما اعرف راسى من رجلى ، هتمشى لوحدك و همشى لوحدى ، هتستخبى ورا البحر و فى قلبه ، و انا برضة هستخبى .. بس منه مش وراه .. مابقيتش اامنله من بعد اللى خده و مارجعهوش تانى ، بس انا بقى النهاردة اللى همشى الاول و اسيبك .. خلاص مابقاش فى وقت 

لتستدير من حيث كانت تدير ظهرها الى الطريق ، و تلتفت لتنهض من مجلسها لتشهق برجفة اجتاحت جسدها كله و هى تضع يدها على صدرها برهبة قائلة : انت ايه اللى موقفك ورايا بالشكل ده ، و ايه جايبك عندى من اساسه ، هو مش خلاص .. كل واحد فينا راح لحاله ، جاى عندى من تانى ليه يا حودة 

حودة و هو يتفرس بملامحها بغيظ دفين : جاى اشوف اخرة قعدتك يوماتى على البحر دى هتخلص امتى يا زوبة 

زينب بحدة : اسمى زينب ، مابقاش من حقك خلاص انك تقولى زوبة دى تانى 

حودة متحدثا من بين اسنانه و هو يتلفت حوله باحراج : ماشى يا ست زينب ، بس برضة عاوز افهم اخرة قعدتك كل يوم على البحر دى ايه ، مستنية مين .. ها 

زينب بامتعاض حاد : مايخصكش ، و ابعد عن سكتى احسنلك

حودة و هو يمسك ذراعها و يجذبها اليه بع/نف : مش هبعد اللا اما اعرف انتى بتقعدى هنا ليه

زينب و هى تنزع ذراعها بحدة من بين يديه : ليه بقى ان شاء الله ، بصفتك ايه ، كنت على ذمتك و طلقتنى ، و عدتى خلصت من تلت ايام ، يعنى مابقالكش صفة اصلا عشان تحاسبنى و لا تعرف عنى حاجة 

حودة : ماتنسيش انى ابن عمك 

زينب بغصة : ابن عمى اللى رمانى فى الشارع .. و طردنى من ملكى و ملك ابويا .. مش كده ، امشى يا حودة ، و ياريت ماتورينيش طلعتك البهية دى نوبة تانية 

حودة : ممكن تقوليلى انتى ايه اللى مقعدك مع امونة 

زينب بغضب و هى تدفعه بيدها فى احد كتفيه : و انت مالك و مالى يا جدع ، و بعدين كنت عاوزنى اروح فين  ، .. اللا .. ثم مانتش ولى امرى و ماليكش صالح بيا ، و اخفى من قدامى احسنلك بدل ماهلم عليك خلق الله و هوديك تبات على البورش الليلة دى 

حودة بمداهنة : يابت .. يا بت ارجعى بيتكم امك هتتجنن عليكى 

زينب بجمود : اللا هو انت كنت عاوزنى اقعد معاك فى بيت واحد من تانى بعد اللى حصل ، ثم انا قولتلك ماليكش صالح بيا احسنلك ، و اخر نوبة هقولهالك ، و لو حاولت تتعرض لى تانى نوبة هرمى روحى فى البحر .. خلينى احصل اللى راحو و تبقى بجملة 

لتنظر له بتحدى ثم تستدير مبتعدة بخطوات غير متزنة نتيجة عجز بإحدى قدميها ، و لكن غضبها جعلها و كأنها تهرب من الشياطين 

ليستدير حودة هو الاخر و يعبر الطريق بعشوائية جعل قائدى السيارات يسبونه بصياح مزعج ، و لكنه ظل على حاله دون اهتمام حتى وصل الى احد المنازل العتيقة و البعيدة نسبيا عن البحر ، ليدق الباب الخشبى الضخم قائلا بصوت كالصياح : افتحى يا امة فرنسا 

لتطل عليه امرأة فى العقد الخامس يبدو على محياها اثر حسن ولى مع سنوات عمرها المنصرمة و تقول بحزم : اصبر يا ولا اما انزل افتحلك 

لتنصرم بضع دقائق قبل ان يسمع صوت المزلاج و ينفتح الباب ليدخل قائلا : انا شفت زوبة

فرنسا بلهفة : لقيتها فين 

حودة : لقيتها قاعدة على البحر مكان ما عمى الله يرحمه كان بيربط مركبه و يصلح الشبك بتاعه و ينشره

فرنسا : الف رحمة و نور عليه ، و ما جيبتهاش معاك ليه ، ماقلتلهاش انى بدور عليها 

حودة بامتعاض : ده على اساس انك مش عارفة مطرحها يا فرنسا 

فرنسا : انت عاوزنى اروحلها عند امونة ، ده لو اخر يوم فى عمرى و عمرها ، مش هروح انا برجلى لضرتى ابدا 

حودة : و هى كمان شكلها قاعدة و مبلطة عندها 

فرنسا بفضول : طب انت ماجيبتهاش معاك ليه 

حودة : هى رضيت تتكلم معايا من اصله ، دى بهدلتنى و قالتلى انت صفتك ايه اصلا عشان تكلمنى 

فرنسا باستغراب : لا هو انت ماقلتلهاش ان قعدتها هناك دى هنتعاير بيها بعدين 

حودة بامتعاض : لا

فرنسا بحدة : ليه ياخايب ، كنت عرفها و هاتها فى ايدك و لو حتى غصب عنها 

حودة بعتاب : مابكفياكى غصب بقى يا امة 

فرنسا : يا ولا اسمع الكلام ، لاهو انت هتفهم اكتر منى 

حودة : و هو كل اللى حصل ده مش من تحت راس سمعانى لكلامك يا امة 

فرنسا : انت كنت عاوزنى اتفرج عليها و هى عند ضرتى و بتاخد معاها عزا عمك 

حودة : و هو يعنى عمى الله يرحمه لو كنا عملناله العزا بتاعه هنا بس مش هناك كان هيصحى تانى ، ماخلاص اللى بياخده البحر عمره مابيرجع تانى ، يا امه .. يا امه انتى اللى مربيانى طول عمرى ، و رغم انك مراة عمى بس انتى امى ، و عز عليا لما زعلتوا سوا ، و زعلك منها خلانى انا كمان زعلت

زعلت على موت عمى و زعلت على زعلك بزيادة ، و نرفزتى خلتنى عملت اللى عملته ، تقومى انتى بدل ما تهديها و نلم الليلة تقومى انتى كمان تطرديها و تقوليلها روحى لمراة ابوكى خليها تنفعك 

فرنسا بحدة : لا هو انت هترمى بلاك عليا و اطلع انا السبب فى الاخر ، روح يا معدل هات مراتك من مكان ماهى قاعدة و عرفها ان مالهاش غيرنا ، بدل ما تلاقيها شافت لها شوفة بعيد عنك و انت مش دريان 

حودة بزعل : مراتى مين بقى .. ما خلاص

كانت زينب قد وصلت الى منزل زوجة ابيها و دقت الباب ، لتفتح لها امرأة اخرى اربعينية و هى تقول : جيتى بدرى يعنى النهاردة يا زوبة 

زينب : لقيت النوة هتبتدى تمطر ، فقلت ابدر احسن ماخد المطر على دماغى  

امونة : عملتى طيب 

زينب : اومال حسن و حسين فين 

امونة و هى تتجه الى المطبخ : لسه ماطلعوش من الورشة ، زمانهم طالعين اكون خلصت الاكل 

فذهبت زينب خلفها و هى تشمر عن ساعديها قائلة : اصلى ماشفتهمش وانا طالعة فكرتهم طلعوا هم كمان ، طب انا هغسل المواعين على ما يطلعوا 

كانت امونة قاربت على الانتهاء من اعداد الطعام و كانت تسترق النظر بين لحظة و اخرى الى زينب و التى كانت تبدو غارقة فى افكارها الخاصة ، فقالت لها امونة : ايه يا زوبة 

زينب بانتباه : خير 

امونة : مالك .. شكلك متغيرة .. فى حاجة و اللا ايه 

زينب : ابدا .. هيبقى فى ايه 

امونة : اوعى تكون امك متضابقة من قعادك معايا طول الوقت ده ، و لا يكون جوزك كمان زهق من قعدته لحاله 

زينب : ليه بتقولى كده ، و بعدين مانا قلتلك انى قلت لامى و لحودة انى هقعد معاكى انتى و اخواتى على ماعدتك تقرب تخلص عشان لو احتاجتى حاجة ابقى معاكى

امونة بتردد : ماتزعليش منى يا زوبة ، بس امك و جوزك اولى منى ، على الاقل انا اخواتك معايا ، لكن امك مهما ان كان لوحدها 

زينب : ابويا مطلق امى من سنين ، يعنى مالهاش عدة تمنعها انها تخرج و تروح و تيجى ، لكن انتى ليكى 

امونة : بس امك زعلت هى كمان على موت ابوكى الله يرحمه ، ده انا حتى سمعت انها عملت عزا عندها هى كمان

زينب : العشرة ماتهونش الا على ولاد الحرام يا مراة ابويا ، و بعدين ما ادينى اهو كل يوم بروح اطل عليهم و اشوف طلباتهم و برجعلك من تانى 

اجل .. فزينب لم تصرح لزوجة ابيها عما حدث بينها و بين امها .. ليلة غرق ابيها و مركبه فى غياهب البحر ، حين ابتلعتهم احدى نوات البحر و اقساها على الاطلاق .. نوة راس السنة 

ليأتيها خبر غرق ابيها لتهرع الى منزل ضرة امها و هى تنتحب و تولول على ما حدث دون حتى ان تتذكر ابلاغ زوجها او امها القاطنة معها بنفس المنزل بما حدث ، لتلتهى بالاحداث الجارية من حولها ، حتى انتهت ايام العزاء الثلاث ، لتودع زوجة ابيها و إخوتها الذكور عائدة تجر ذيول يتمها و حزنها الى منزلها ، لتتفاجئ بما حدث فور ان وقع بصرها على وجه امها 

فلاش باك 

دلفت زينب الى المنزل و قبل ان تمد يدها لتغلق الباب وقع بصرها على امها و هى تهرول نزولا على الدرج و كأنها مازالت فى ريعان شبابها و قالت لزينب بغضب : توك ما افتكرتى ان ليكى بيت و ام يا ست زينب 

لتجفل زينب على اثر صوت امها الغاضب و تقول : جرى ايه يا امه خضتينى

فرنسا بصياح : ولا يا حودة .. هات للمعدلة مراتك طاسة الخضة 

زينب بامتعاض : جرى ايه يا امة ، فى ايه

فرنسا و هى تجذبها من ذراعها و تهزها بعنف : انتى لسه بتسألى جرى ايه ، بقى ابوكى يموت و تجرى ترمحى بالمشوار على بيت مراة ابوكى و تسيبينى هنا لوحدى 

زينب باستنكار : لاهو انتى كنتى عاوزانى اعزمك يا امة ،  و اللا انتى كنتى عاوزانى افضل جنبك هنا و ما اخدش عزا ابويا 

فرنسا بحدة : و ماتاخديش عزاه هنا فى بيته ليه ان شاء الله ، هو مش ده بيته و انتى بنته ، و راجلك ده يبقى ابن اخوه

زينب بتنهيدة : انتى عارفة كويس ان المفروض العزا يبقى عند اخواتى .. ولاده الرجالة 

فرنسا بسخرية : انهى رجالة دول ، دول حتى لسه شنبهم ماخطش

زينب : لأ خط يا امة ، اسم الله عليهم شبوا و بقوا جدعان زى الورد 

فرنسا بغيظ : انتى بتكيدينى يا بت

زينب : و هكيدك ليه بس يا امة ، انا بس برد عليكى ، ابويا خلاص مات و راح ، انسى بقى يا امة

فرنسا : انسى ايه ان شاء الله

زينب و هى تتجه ناحية الدرج الذى كان يقف حوده بمنتصفه و هو ينتظر ما سيؤول اليه نقاشهن فى صحن المنزل : انسى انه طلقك عشان يتجوز امونة 

لتلتفت فرنسا اليها بحدة قائلة : انتى بتعايرينى يا بنت بطنى ، اخص عليكى و على ربايتك 

زينب و عيونها ممتلئة بالدموع : لو انتى فاكرة انى بنت بطنك بصحيح كنتى على الاقل خدتينى فى حضنك و عزيتينى فى موت ابويا ، كنتى خدتى بخاطرى على يتمى بدل ما انتى كل اللى همك انى وقفت فى عزا ابويا مع اخواتى الجدعان 

فرنسا بغيظ : انتى بتعيديها تانى قدامى باقليلة الفهم و الرباية ، بس هقول ايه ، مانتى تربية موافى 

زينب بغضب : بقولك ايه يا امة ، ياريت ماتجيبيش سيرة ابويا على لسانك ، ابويا خلاص رجع للى خلقه ، و انتى اصلا لا ليكى دعوة بيه و لا على زمته عشان اقعد معاكى و اسيب عزاه 

ليهرول حودة من على الدرج متجها الى زينب ليسحبها من امام امها بشدة صائحا : و بعدها لك يا زوبة ماتلمى لسانك ده شوية 

زينب ببكاء : انا برضة .. بقى هى دى البقية فى حياتك و اللا شدى حيلك ، و انا اللى كنت فاكراكم هتجونى هناك تقفوا جارى و تسندونى قدام الخلق ، الاقيكم انتم الجوز ولا حس و لا خبر 

فرنسا : عشان البعيدة عامية 

زينب : انا مش عامية يا امة ، انا بس بفهم فى الاصول 

فرنسا بترصد : انتى تقصدى ان احنا مابنفهمش فى الاصول يا بت ، اتفضل شوف مراتك الحلوة يا سى حودة ، بتقول اننا ما بنعرفش الاصول 

حودة : مابكفياكى بقى يا زوبة 

زينب و هى تزيحه من جانبها و تتجه الى الدرج : زوبة فايتهالكم خالص عشان تنبسطوا ببعض

لتصعد الى غرفتها تاركة اياهم ، لترتمى بفراشها منتحبة على اب حنون ذهب دون عودة ، و ام قاسية تحملها وحدها سبب زواج ابيها بامرأة اخرى 

فعند ولادة فرنسا لزينب .. كانت ولادة متعسرة صعبة فى زمن لم يكن من السهولة ان تلد المرأة تحت الرعاية الطبية كما الآن ، و كانت القابلة القائمة على ولادتها تحاول باستماتة مساعدتها ، و لكن وضع الجنين كان معكوسا بالكامل ، فقد اطل عليهم الجنين باحدى قدميه ، لتحاول القابلة دفع القدم مرة اخرى بداخل الرحم وسط صراخ فرنسا و استغاثتها ، لتصيح القابلة بخوف و هى تفتح باب الغرفة : الحقنا يا موافى .. العيل جاى برجله ، لازم ننقلها المستشفى بسرعة لا تروح مننا 

ليتم نقلها على الفور للمشفى و بعد جهد و عناء من طاقم الاطباء يتم إنقاذ فرنسا بعد تضرر رحمها ليخبرهم الاطباء خطورة حملها مرة اخرى ، و انقاذ زينب بعد ان تركت القابلة بصمتها على قدمها من عنف و هى تحاول اعادتها الى رحم امها مرة اخرى ، لتتسبب فى عرج لا شفاء منه طوال عمرها 

ليتزوج ابيها مرة اخرى رغبة فى انجاب الذكور ، و تصر فرنسا على الفراق ، فيطلقها موافى و يتركها بابنتها تحيا فى منزله برفقة حودة ابن اخيه الذى ابتلع البحر والداه منذ نعومة اظفاره ، لتحتضنه فرنسا و تقوم على رعايته ، حتى شب عن الطوق و هو لا يعرف لنفسه اما غيرها ، فزوجته ابنتها و هى تعلم انها لن تجد لها زوجا غيره لعرج قدمها 

فقالتها لزينب صريحة واضحة و قاسية ايضا عندما حاولت التمرد على الزواج .. ليس لعلة فى حودة ، و لكن اعتراضا على عدم رضا فرنسا عن اقامتها لعرس كبقية الزيجات عندما قالت لها : انتى هتشطحى و اللا ايه ، انا ماصدقت انه رضى بيكى و برجلك العارجة دى و كمان عشان خاطر ربايتى ليه مش حبا فى سواد عيونك ، تقومى تقولى فرح و معازيم ، مانتى عارفة انه حاله على اده ، ده لولا انه عارف انه اما يتجوزك مش هيغرم ابيض و لا اسود يمكن ماكانش رضى يعبرك 

لتبتلع غصتها فى صمت موجع ، و ترضخ لما تريده امها ، لولا بعض من بهجة قدمها لها ابيها فشعرت بانها عروس 

و لكنها لم تكد تمضى بزواجها الا و علمت بخبر غرق ابيها لتستيقظ على فقدان اليد التى كانت تربت على قلبها 

و من وسط ذكرياتها غفت عينيها و هى كما هى فى مكانها لتفتح عينيها مرة اخرى على صباح جديد ، لتجد نفسها وحيدة بفراشها لتستقيم باستغراب ، و تنهض باجهاد ، و بعد ان غسلت اثر النوم من اعلى وجهها و قامت بتغيير ملابسها ، خرجت من غرفتها لتسمع صوت امها و زوجها بالاسفل ، و امها تقول بغضب : تشوفلك معاها صرفة و اللا انت مانتش راجل و ليك حق تظبط و تربط عليها 

حودة : حاضر يا امة ، اهدى انتى بس 

لتهبط الدرج و هى تحاول معرفة ما بجعبتهم ، لتجدهم بجلسون بصحن المنزل و هم يتناولون الافطار و الشاى ، فقالت : صباح الخير 

لتدير فرنسا عنها وجهها و يقول حودة بخفوت : صباح الخير 

لتتجه زينب فى صمت الى موقد الغاز القابع على منضدة خشبية الى جوار الحائط و قامت باشعاله و وضعت عليه اناء الماء لتصنع كوبا من الشاى ، حين سمعت بعض الغمزات و اللمزات بين امها و حودة ، و لكنها لم تعط اى اهمية الا حين سمعت صوت حودة و هو يقول لها بتساؤل : انتى لابسة كده و رايحة على فين

زينب دون ان تلتفت اليه : هروح اطل على اخواتى و بعدين اروح السوق اجيب الطلبات

حودة بحمحمة : مافيش مرواح هناك تانى يا زوبة 

زينب بسخرية : يعنى ماعزيتش اخواتى و اللى يبقوا ولاد عمك لو ناسى و كمان هتمنعنى اتطمن عليهم 

فرنسا بحدة : اتلمى يا بت انتى احسنلك ، و اقعدى بقى فى حتة و كنى كده 

لتنظر زينب الى امها دون ان توجه اليها حديث ثم تلتفت الى الموقد مرة اخرى 

فرنسا : و تعملى حسابك انك تروحى الوحدة الصحية ، و تشوفى العطلة بتاعة الخلفة دى من ايه 

لتلتفت اليها زينب مرة اخرى قائلة : انهى عطلة دى اللى بتتكلمى عنها ، ده جوازنا ماعداش عليه كام شهر

فرنسا : مايخصنيش ، تروحى و خلاص 

زينب بغيظ : انا نفسى اعرف هو انتى امى و اللا مراة ابويا و اللا حماتى و اللا ايه بالظبط ، يا شيخة حرام عليكى بقى اللى بتعمليه فيا كل ساعة و التانية ده 

فرنسا بغل : لا هو انتى مش دريانة بعمايلك ، طب ايه قولك  ، لو ما سمعتيش الكلام انا هجوزه واحدة تانية

لتنظر اليها زينب بذهول ثم تقول : الله يرحمك يا ابة ، لو ماكنتش اتجوزت و طلقتها كان زمانك مت من القهرة من زمان 

و قبل ان تصب فرنسا عليها جام غضبها كالعادة ، نهض حودة بحدة ناهرا اياها قائلا : و بعدها لك بقى يا بت انتى ، ما تلمى لسانك ده شوية 

زينب : انا برضة اللى الم لسانى ، اشحال ان ماكنتش سامعاها بودنى و هى بتسلطك و بتقويك عليا من شوية

حودة بحدة : و هو انا طرطور و اللا شخليلة عشان حد يسلطنى ، ماتوزنى كلامك اومال ، بس امك بتتكلم صح ، اقعدى بقى فى حتة و كنى روحك شوية ، و المفروض تعرفينى قبل ما تروحى و لا تيجى فى حتة ، و اللا انا مش مالى عينك 

زينب : لا ازاى ، مالى عينى طبعا ، و ماتزعلش يا سيدى ادينى بقولك اهو ، انا هروح اطل على اخواتى قبل ما اروح السوق 

فرنسا بحدة : طب ابقى ورينى كده هتروحى ازاى و انا ما اخلكيش تعتبى عتبة البيت ده تانى نوبة 

زينب : لا هو انتى هتطردينى من بيت ابويا و اللا ايه 

فرنسا : ابوكى مات ، و البيت دلوقتى بيت جوزك ، و لو ماسمعتيش الكلام هخليه يرميكى رمية الكلا.ب 

زينب بسخرية و هى تنظر بامتعاض لزوجها : ايه رايك يا سيد الرجالة ، هتطردنى من بيت ابويا زى ما امى قالت و اللا هتبقى راجل بصحيح و تقول بنت عمى ماتخرجش من بيت ابوها 

لتقول فرنسا بغيظ : هو انتى يا بت انتى ممروعة على ايه ، لا تكونى فاكرة ان امونة هتنسى انها مرأة ابوكى و هتاخدك بالحضن 

زينب بحيرة : انتى عاوزة ايه بالظبط يا امة ، بقى كل ده عشان روحت حضرت العزا مع اخواتى 

فرنسا بحقد : اخوات السخام على دماغك ، اخواتك دول اللى هييجوا يحطوا ايدهم على البيت و يقولولك بيت ابونا 

زينب : و افرضى 

لتهب فرنسا من مجلسها قائلة بصراخ : ادى اللى كنت عاملة حسابه ، لكن لا يا بنت موافى ، ولاد امونة مايعتبوش بيتى ابدا 

زينب : لا هو بمزاجى و لا بمزاجك يا امة ، و لو حقهم ييجوا ياخدوه و ……. 

و قبل ان تكمل حديثها تتفاجئ زينب بقبضة حودة و هى تقبض على زمام ملابسها بقوة و هو يصيح بغضب : تصدقى امك كان عندها حق ، انتى عاوزانا نترمى فى الشارع عشان خاطر مراة ابوكى و عيالها 

زينب بصراخ : اوعى سيبنى ، و انت مالك انت لا هو بيتك و اللا بيتك انت كمان 

ليتقدم حودة من باب المنزل و يفتحه و يقذفها الى الخارج بعنف و هو يقول : انا هوريكى هو بيت مين فينا ، و اللا ناسية ان انا كمان متربى قى البيت ده زيى زيك بالظبط

زينب بصدمة : بقى انت راجل انت ، بتستقوى علي

مراتك وبترميها برة بيتها 

حودة بغضب : راجل غصب عنك 

زينب بحدة : لو راجل بصحيح يا حودة ترمى عليا اليمين دلوقتى 

حودة : طب روحى و انتى طالق 

فرنسا بنواح من الداخل : روحى لامونة بقى اترمى فى حضنها و خليها تنفعك يا موكوسة 

زينب بصدمة : ماشى يا امة 

لتجر زينب الباقى من قوتها و تذهب للجلوس امام البحر و هى تراقب امواجه المتناحرة و هى تتسابق لتضر.ب سدود الحجارة بعنف ثم تنسحب لتعود ادراجها قبل ان تستجمع قوتها لتعود لضر.باتها المتتالية مرة بعد مرات و كأنها تجارى دموع زبنب التى لم تتوقف حتى قاربت الشمس على الغوص فى مياه البحر ، لتنهض من مجلسها و تتجه الى منزل امونة التى ما ان رأتها حتى قالت لها : انا قلت اجى اونسك و اخد بحسك على ماشهور العدة بتاعتك تعدى 

امونة باستغراب : و امك يا بنتى و جوزك 

زينب : ماتقلقيش ، هروح كل يوم اطل عليهم و اشوف طلباتهم و ارجع ابات معاكى 

لتستمر على حالها كل يوم ، تخرج من منزل امونة بعد اذان الظهر تذهب الى الصخرة التى كان ينشر اباها شباك صيده فوقها ، لتلقيها بحرفية فى الماء و تنتظر بصبر لبعض الوقت ثم تسحبها لتجمع غنيمتها من الاسماك بحقيبة مصنوعة من الشباك ، ثم تذهب بصيدها الى احد الاسواق و بيعهم ، لتدس النقود بصدرها ثم تذهب لجلستها امام البحر حتى المغيب ، ثم تجر قدميها مرة اخرى الى منزل امونة 

ليمر على نفس المنوال بضعة ايام و هى من صعف لضعف ، حتى شحب لونها و فقدت وزنها و شهيتها ، لتقول لها امونة : اوعى تكونى حامل و مانتيش دارية بروحك با زوبة

زينب بصدمة : حامل 

امونة : ابقى روحى الصحة خليهم يبصوا عليكى ، و يابنتى لو تعبتى من المرواح و المجى .. كفاية عليكى كده و كتر خيرك اوى 

زينب : انتى زهقتى منى و اللا ايه يا خالة امونة 

امونة : ده بيت ابوكى ، انا اقصد انك تعبتى اوى 

زينب بشرود : ماتشيليش هم ، انا كويسة 

لتذهب الى المشفى العمومى و تتأكد ظنون امونة ، و تعلم بانها تحمل باحشائها نطفة صغيرة فى بداية تكوينها ، لتصر على اكمال ما بدأته ، فقد قررت الابتعاد عن الجميع و الاعتماد على نفسها فقط 

فقد زهدت امها و المدعو .. ابن عمها ، طليقها ، حتى امونة و رغم معاملتها الشبه حسنة ، الا انها تريد الابتعاد عنها ايضا ، فهى تخشى ان تظهر لها وجها اخر غير التى رأته من قبل ،  و لكنها لن تبتعد عن أشقائها ، فقد احست بعاطفتهم نحوها كما ابيها 

فقررت استئجار مأوى صغير لها و لطفلها قريبا منهما بعيدا كل البعد عن امها و ابن عمها والد طفلها 

عودة من الفلاش باك 

كان اخوة زينب حسن و حسين البالغان من العمر تسعة عشر عاما ، فهما توأمان ، لم يتلقيا من العلم شيئا ، اللا انهما قد تعلما تصليح و صيانة السيارات و المراكب ايضا و اتقناها جيدا حتى ذاع صيتهما ، و قاما بفتح ورشة خاصة بهما فى غرفة اسفل منزل ابيهم الاخر الذى يقطنون به 

و كان قد انتهيا من عملهما و صعدا الى المنزل ، فتوجهت زينب الى المطبخ لتحضير الطعام ، و ما ان اجتمعا معا ، حتى سمعت حسين يقول : الا هو انتى يا زوبة بتدورى لمين على سكن 

زينب بارتباك : و عرفت منين

حسين : عم نبيل بتاع الكشك اللى على القمة ، عدى علينا تحت و قاللى قول لاختك انى لقيتلها طلبها ، و لما سألته قاللى انك بتدورى على سكن 

زينب بفرحة : طب كويس ، انا برضة قلت ان هو اللى هيعرف يلاقى 

امونة : السكن ده لمين 

زينب و هى تزدرد لعابها بحرج : ليا يا خالتى 

حسن : يبقى اللى سمعته صحيح 

امونة : سمعت ايه

حسن : انها زعلانة مع جوزها 

امونة : اوعى يكون بسببنا يا زينب

زينب و هى بتهرب من عينيهم : انا اتطلقت 

امونة و هى تضرب على صدرها بصدمة : يالهوى ، ليه يا بنتى و امتى حصل الكلام ده 

زينب : مش مهم ، المهم انى اتطلقت ، و مش هينفع اقعد هناك تانى و عشان كده بدور على سكن

حسن : بس ده بيتك .. ازاى تسيبيه كده

زينب : و بيت ابن عمكم برضة ، طول عمره متربى فيه من يوم ما البحر اخد عمى و مراته 

حسين : طب انتى بقى مين قال لك ان احنا هنرضى انك تقعدى لوحدك 

امونة : ثم هتجيبى اجرة الاوضة منين 

زينب : ماتقلقيش انا هعرف اعول روحى 

حسن : مافيش الكلام ده يا زوبة ، ماينفعش نسيبك ابدا تقعدى لحالك 

زينب : مانا مش هبقى لحالى 

حسين : يعنى ايه 

زينب : يعنى انا دلوقتى حامل و كلها كام شهر و هيبقى معايا ابنى و اللا بنتى يونسنى 

امونة : انا برضة كنت حاسة بكده ، بس يا بنتى جوزك عرف و اللا لا

زينب : لا يا خالتى ما يعرفش

امونة : بس مسيره هيعرف

زينب : وقتها يحلها ربنا ، المهم انى لقيت حتة اقعد فيها 

حسن : انسى يا زوبة انك تقعدى لحالك و بيت ابوكى موجود 

زينب : و ماهناك بيت ابويا برضة يا حسن ، بس انا عاوزة اقعد لوحدى ، لا عاوزة اتقل على حد و لا حد يتقل عليا ، و عشان تبقوا عارفين منى .. انا بخرج كل يوم بصطاد بالشبك بتاع ابويا ، و ببيع السمك فى السوق و اجى 

امونة : و انا بقول ريحتك يوماتى بتبقى زفرة ليه و انتى راجعة من برة 

زينب بخجل : معلش بقى .. غصب عنى

امونة : ما اقصدش اكسفك يا بنتى ، و بعدين ماهياش جديدة علينا يعنى ، ما ابوكى كان دايما كده برضة

زينب : مانا عاوزة اسكن لحالى عشان ابقى براحتى برضة 

حسن : خلاص .. خدى الاوضة اللى تحت السلم ، فيها حمام لوحدها و اهو تبقى جنبنا 

زينب : بس هدفع ايجار

حسين : عيب بقى كده ، اولا ده بيت ابوكى ، ثانيا مش الكام جنى دول اللى عاوزة تدفعيهم هم اللى هيعيشونا يعنى

امونة : اخواتك عندهم حق يا زوبة ، و اهو ناخد بحس بعض 

زينب بفرحة : ماشى 

لم تعد زينب بحاجة للجلوس على البحر لتنتظر المغيب قبل ان تعود مرة اخرى لمنزل امونة ، فلا داعى للتظاهر بعد الان بذهابها لمنزل امها و المدعو زوجها 

ولم يعد باستطاعة حودة ان يراها كما السابق و هى تجلس مراقبة ذهاب الشمس لتذهب معها

و لم تتركه فرنسا دون ايعاذ منها ليعيد زينب مرة اخرى الى منزلها ، فما كان منه الا ان اضطر للذهاب الى ورشة اخوتها طالبا ان يراها ، فسأله حسن باستغراب : و انت عاوزها ليه ، مش طلقتها خلاص 

حودة : انا مهما ان كان ابن عمها ، و رايدها و عاوز اردها من تانى 

حسين : طب و افرض بقى انها مش عاوزة ترجعلك تانى 

حودة : مش عاوزة ترجعلى ده ايه ، و بعدين انت بترد مكانها ليه ، هى اللى تيجى تقول ، و زينب عمرها ما هتصدنى 

حسن و هو يشير الى اتجاه ما بأخر الرواق : اهى زوبة جت اهى ، اسألها بنفسك و شوف رايها 

و فى تلك اللحظة كانت زينب تأتى من بعيد عائدة كعادتها كل يوم من السوق بعد ان باعت حصيلة صيدها ، و كانت تمشى على مهل ، فقد ثقل وزنها بسبب الحمل الذى ضغط أيضا على ساقها 

و كان حودة يراقبها بذهول و عينه مسلطة على محيط خصرها الذى انتفخ بصورة لطيفة ليقول بخفوت : هى حامل ، طب امتى ، و ليه ماقالتش

لينتبه على حسين و هو يضع مقعدين على مقربة من الورشة و يقول لزينب التى اقتربت منهم : تعالى يا زوبة اقعدى ريحى شوية ، و شوفى ابن عمى عاوزك فى ايه ، و احنا قدامك هنا اهو لو عوزتى حاجة 

لتشعر زينب بانها فى حماية شقيقيها و لكنها لفت ذراعيها حول بطنها و كأنها تخبئها غن اعين حودة : خير يا حودة ، ايه اللى خلاك تيجى لحد هنا 

حودة : اما انتى حامل ، ماقلتيليش ليه ، و ليه قاعدة هنا لحد دلوقتى 

زينب باعتداد : و انت عاوزنى اقوللك انى حامل ليه يا حودة ، عشان امى ماتجوزكش ، لأ خليها تشوفلك عروسة حلوة ماتكونش بتعرج و تجوزهالك فى بيتى اللى طردتونى منه

حودة : يا بت ماتخليش الشيطان يلعب بيكى و ياخدك لبعيد

زينب : انا الشيطان سيبته هناك عندكم ، اصله بيحب قعدتكم 

حودة و هو ينظر الى بطنها : طب قومى بس معايا نروح مع بعض للمأذون عشان اردك و تروحى معايا 

زينب بسخرية : و انت بقى فاكرنى هتحزم و ارقص اما الاقيك عاوز ترجعنى ، انا مش راجعة يا حودة ، فريح دماغك 

حودة من بين اسنانة : ايه .. هتفضلى عالة على اكتاف امونة و عيالها كده طول عمرك 

زينب : انا مش عالة على حد ، انا بشتغل و بصرف على روحى 

حودة : و بتشتغلى ايه بقى ان شاء الله برجلك دى 

زينب : ماليكش فيه 

حودة : مابلاش تنرفزينى عليكى تانى 

زينب : ايه ، هتطردنى من هنا كمان ، مالكش هنا عشم من اصله عشان تتحامى فيه ، اتوكل على الله يا حودة و امشى انت من هنا ، و بلاش تجينى هنا تانى احسنلك

حودة بحدة خفيفة : ماتنسيش ان اللى فى بطنك ده يبقى ابنى 

ليرتفع صوت زينب وهى تقول : لما يبقى يطل على الدنيا ابقى اسأل عنه

ليقترب منها أشقائها و هما ينظران الى حودة بانذار

فجعلاه يهب واقفا و ينصرف دون حتى ان يلتفت ورائه ، فقال حسن : شكلك مارضيتيش ترجعيله 

زينب باصرار : و لا عمرى هرجعله

حسن : بس مهما ان كان ده ابو ابنك برضة

زينب بجمود : ابنى محتاج راجل بجد يربيه معايا ، و حودة ماينفعش ، بس انا هبقى ابوه و امه

حسين : بس انتى رجعتى بدرى النهاردة 

زينب : انا جاية اخد فلوس و راجعة تانى 

حسن : فى حاجة و اللا ايه

زينب بفرحة و تفاؤل : هاخد المحل الصغير اللى على الامة ، هشوى فيه السمك اللى هصطاده و ابيعه

حسين : و انتى معاكى فلوس كفاية 

زينب : يعنى .. اتفقت على اللى يريحنى ، 

حسن : مبروك ياختى ربنا يباركلك ، المهم تكونى مرتاحة 

زينب بابتسامة رضا : ايووووه .. الحمدلله .. الا مرتاحة .. و لسه .. انا حاسة ان اللى جاى هيبقى احلى و احلى بإذن الله 

💪💪💪💪💪💪💪💪

فى بعض الاحيان ينبرى من نعتبرهم كل ما لنا ليتحولوا الى شوكة فى الحلق و الظهر أيضا ، فلا يستقيمون و لا تستقم الحياة دونهم

و قد تكن تلك الشوكة هى كل مانحتاجه للمضى قدما   الى الامام و نحن نتغافل عن دماء جراحنا المسفوكة  

فقد نحتاج الى ضوء احمر قانى ينبهنا الى ضرورة التوقف و التمهل فى اتخاذ قرار قد يعتقد البعض انه نهاية حياة ، و لكنه فى بعض الاوقات قد تكون ميلادا جديدا لحياة اكثر اشراقا 

لن اعود 

اسكريبت بقلمى .. ميمى عوالى

بحبكم فى الله

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-