أخر الاخبار

ترويض ادم الفصل ٣٣ و ٣٤

الفصل السابق اضغط هنا

ترويض ادم للكاتبة بتول طه


 الفصل 33


الجزء الثالث الثلاثون


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


ما زالت يده تعتصر ذراعها وهي تشعر بالآلم ولكن خوفها من غضبه الذي فاق حتى يوم ذهابهم للمقبرة لم يدع لها القدرة على الحديث أو التفوه بأي كلمة، خافت أن يتطور الوضع بينهم لجدال عنيف وهم بفندق وليس بمنزله، ظلت تطلع به بخوف ووجل حتى سئم من نظراتها

"سيبك بقا من دور الطارشة ده بقا وفوقيلي هنا، أنتي بتعملي ايه مع وليد عز الدين؟" صرخ بها وهي متأكدة تماماً أن من يمر أمام الغرفة يستمع لهم جيداً، حاولت التفكير بسرعة دون فعل أي شيء قد يعرضها للتشاجر معه ودفع غضبه لحده.


"ممكن بس نتكلم في اي حتة تانية؟" سألته متوسلة


"حالاً يا شيرين هنتكلم هنا!! كنتي بتعملي ايه معاه وايه اللي جابك هنا معاه؟" صاح بها مرة أخرى


"آدم أرجوك صوتك عالي اوي والأوتيل كله هيسمعنا، ممكن بس نروح البيت أو حتى نقعد في العربية ونتكلم" توسلت له مجدداً بنبرة خاضعة


"هنا الكل بيشتغل عندي والأوتيل ده بتاعي وكلهم ولا يفرقوا معايا واللي هيفتح بقه هطرده، انطقي يالا وبلاش تتكي على صبري اكتر من كده" صاح بغضب وبدأ وجهه بالاحمرار بينما وقعت الدهشة عليها مما أخبرها بها للتو


"حاضر هاقولك، ممكن بس تسيب دراعي عشان بيوجعني"


"شيرين!!" صرخ بها وكان صوته أعلى من كل المرات السابقة ولم يدع يدها بل ازدادت قبضته عليها


"حاضر، حاضر، أنت.. أنت جيت مع ريم و... آآآه والله بيوجعني اوي سيبني أرجوك" تقطع حديثها بينما بدأت في ذرف الدموع لتنهمر على وجنتاها دون أن تشعر لينزعج مما تفوهت به وغضب من نفسه لما يفعله فترك يدها فتفقدتها لتجد بها علامات وهي متأكدة أنها ستزداد خلال دقائق فنحبت في صمت


خلل شعره بغضب ونظر لها بحنق ثم صاح بها "اني اجي مع ريم ميدكيش الحق تيجي مع راجل ويمسك يفعص فيكي كده ويحط ايده عليكي قدام الناس"


نظرت له وبكت كثيراً وأخذ جسدها بالارتجاف ثم أوهن جسدها على الأرض من شدة البكاء وهي لا تريد أن تخبره شيئاً يجرحه حتى الآن.


ازداد غضبه وابتعد عنها ليذهب داخل الغرفة وهي لا تراه بعيناها، لا تعلم ماذا يفعل، ليس له الحق من الأساس أن يمنعها بعد كل ما يفعله مع ريم، خاصة وأن وليد بدا لائقاً بالاحترام وشخصيته لا تثير الشكوك وليس هناك غبار على سمعته.


جلست مكانها وحاولت أن تبعد الدموع عن عيناها وبعثت برسالة لوليد تعتذر على غيابها وأنها أضطرت لتغادر لأمر حدث. تركت حقيبتها الصغيرة على الأرض بعد أن أغلقت هاتفها وجففت دموعها وقررت أنها لن تتراجع مثل المرات الفائتة.


"وأنت فاكر نفسك بتعمل ايه يا آدم؟!" صاحت به لتجده مستنداً بجذعه على سرير ضخم وقد تخلص من رابطة عنقه وسترة بزته وأزرار قميصه قد حُلت وأشمر أكمامه وبيده سجائر يدخنها بشراهة.


"سيبك بقا من دور الأطرش وجاوب سؤالي! فاكر نفسك بتعمل ايه؟" صرخت به لتحصل منه على نظرة قد تخيفها ولكن هذا كان منذ دقائق ولكن ليس الآن.


"عايز تتحرش بريم قدامي واقعد أنا اتفرج عليكو وكأن مفيش حاجة بتحصل، لا ومن جبروتك إنك مش عايزني أتعامل مع أي راجل تاني، أياً كان هو مين، لو أمير قرب مني ولا كلمني في الشركة تبتدي بقا تقلب وتتجنن وتفضل تشخط وتنطر وحتى مش عايزني أتكلم خالص مع حد من باب الزمالة أو الصحوبية"


صاحت بغضب ولم تكترث لرد فعله ولم ترتبك أو تتوتر وقد قتلها هدوءه الذي تعلم جيداً أنه يسبق العاصفة، تريد أن تحصل منه على أي تلميح حتى تتأكد أنه مازال لها وحدها، أنه لا يزال يحبها ويكترث لأمرها ولكنه لم يتفوه بحرف وبدأ في تدخين سجائره بهدوء


"الممثل المشهور آدم رأفت ورجل الأعمال المحنك اللي مبيحضرش احتفالات ولا مناسبات عامة ولا حتى خاصة ويوم ما يقرر يروح، يروح مع الإنسانة السافلة الشمال اللي بتجري وراه عشان يلمسها لمسة ولا يتحرش بيها وكل اللي عايزاه تجرك على سريرها، وقدام الناس عايزة تتشعبط في دراعك وتتضحك وتدلع عليك مش كده؟"


صرخت به مجدداً بكل ما أوتيت من قوة وهو لا زال ينظر لها ثم أتكأ على السرير بأريحية ومدد ساقاه لتعاكس أحداهما الأخرى بمنتهى الغرور والتبجح أمام مشاعرها


"جي أنت بقا دلوقتي بعد كل سفالتك دي تقولي أعمل ايه ومعملش ايه؟ أنا مين بالنسبالك يا آدم عشان تتحكم في اللي بعمله وتحرم عليا متعاملش مع راجل تاني؟ أنا رجعت من أكتر من شهرين، حلفتلك مليون مرة إني مش هاقدر اسيبك تاني واتحايلت عليك ترجع كويس معايا، مبقتش بناقشك في قراراتك ولا بقيت برفض أي أي حاجة تقولي عليها، حتى بيتي من ساعة ما رجعت مقعدتش فيه يومين تلاتة على بعض.


عمال تتقل عليا في المواعيد والشغل وبتخليني بدل ما اراجع الحاجة مرة عايزها خمسمية مرة وأنا لا بشتكي ولا بتكلم ولا بفتح بوقي، خليت سمعتي زفت وخلتني نكتة قدام الناس وصوري بقت في كل حتة وأنت بتحضني ومتكلمتش، علاقتك معايا في الشغل وبعدين تيجي تلصق في القذرة اللي اسمها ريم دي في الشركة وأظن الكل لاحظ ده، وأنا لا بينتلك إني مضايقة ولا اشتكيت، فكرت بس إنك عايز تخليني أغير شوية، قولت وماله، اللي عملته معاه مكنش سهل، يمكن يكون ده رده على إني رجعتله متأخرة، عمالة استحمل واستحمل واستحمل من ساعة ما رجعت لكن خلاص بقا أنا فاض بيا، كفاية بقا، أنا مش هاقدر أستحمل أكتر من كده، أنا تعبت بجد من كل اللي بتعمله فيا ده"


وهن صوتها بالنهاية ليصاحب حديثها الدموع وأنتظرت أن يقل شيئاً لدقائق ولكنه لم يتحدث وظل ينظر لها بصمت مهيب.


"طب أنت بتعمل كل ده فيا ليه؟ عشان رفضت اسيبك تكمل اللي كنت عايزه يوم ما فاطمة خبطت علينا؟ أصل من ساعتها وأنت متغير اوي معايا!!" سألته بعد أن فكرت قليلاً بمبرر لتصرفاته وبحثت عن شبح إجابة بوجهه لكنها لم تحصل إلا على ابتسامة مليئة بالإستهزاء والغرور


"ماشي يا آدم متجاوبنيش، بس يكون في علمك من النهاردة أنا هاعمل اللي عايزاه، أصاحب اللي أصاحبه ولا احب واحد بقا، راجل ولا اتنين ولا عشرين، سواء محترمين ولا حتى اسيبهم يتحرشوا بيا وبمزاجي بقا أنا حرة، كده ولا كده عملتها من كام يوم، وفي المطبخ كمان! مستنتش حتى ابقا في اوضة"


أخبرته بإستفزاز شديد بينما جففت دموعها دون أي أكتراث ماذا ستفعل كلاماتها به وكيف سيكون رد فعله على ما تفوهت به. توجهت نحو الباب فتبعها في صمت وما إن أمسكت بمقبض الباب وجدت يده تمتد ليوصد الباب تماماً بشفرة لم تلحق أن تحفظ أي منها فلم يفتح الباب فالتفت لتجده ينظر لها بهدوء.


"سيبني بقا امشي وسيبني في حالي وكفاية خناق لغاية كده" أخبرته بحنق ولكنه ظل ينظر لها ليسمعها تتأفف "آدم!! قولتلك سيبني امشي!!" صاحت به بغضب


"قولتيلي بقا مين الراجل ولا العشرين اللي هتسبيهم يتحرشوا بيكي؟" سألها بمنتهى الهدوء الذي تعجبت له بشدة.


"مالكش دعوة واتفضل سيبني امشي" صاحت به بسأم ونفاذ صبر


"متأكدة من اللي بتقوليه؟" سألها بهدوء مجدداً


"آه متأكدة، ودلوقتي سيبني في حالي" أطلقت زفرة بإنزعاج لتجده يتبسم ساخراً مما جعلها تعقد حاجباها


"تمام" أخبرها وسط ابتسامته بمنتهى السخرية ثم وجدته يعبث بسبابته على شفته السفلى وتحولت عيناه تماماً لإنسان آخر لم تعرفه يوماً


"اعتبريني بقا راجل من العشرين، تعالي بقا لما اتحرش بيكي، مش ده اللي قولتيه، وريني بقا قد كلمتك ولا لأ" أخبرها متهكماً فحاولت الحفظ على هدوئها


"أنا قولت اللي على مزاجي، وأنت مش على مزاجي يا آدم!"


"لا بجد؟!" صاح مستنكراً


"آه أنت بتحب فتيات الليل بتوعك الشمال دول وأنا مش زيهم"


"طب ما تقوليلي كده اللي عايزة رجالة يعملوا حاجات وسخة معاها.. نقول عليها ايه؟ شـ**** ولا شمال؟!" سألها بإستهزاء


"واضح إنك هتليقي اوي باللي عايز أعمله" ابتسم بشر ليقترب منها ولكنها حاولت صفعه ولكنه أعتصر يدها ووجدت يده الأخرى تحاوط فكها وقد عاد غضبه ثانية ليتملكها الخوف من شدته ومنظره المبعثر بعث بقلبها الرعب.


"عايزة تفرحي بالرجالة حواليكي؟" همس بأذنها بينما أعتصر فكها تحت قبضته "ولا عايزاني اعمل معاكي زي ما بعمل مع ريم؟" أخبرها بخبث لترى أن آدم القديم قد عاد


"آآه.. سيبني امشي بقا وابعد عني" تأوهت تحت قبضتاه


"تعالي بقا اعمل معاكي اكتر من اللي بعمله مع ريم ولو عايزة عشرين راجل أنا أقدر أعوضك عنهم كلهم" همس لها مرة أخرى بشر ثم قبّلها رغماً عنها ولكنها أختلفت عن كل مرة سابقة، شعرت بالانتقام الخالص، شعرت كيف آلمها حتى تذوقت طعم الدماء بشفتاها ثم ابتعد عنها ونظر بتبجح ووقاحة إليها فحاولت بكل قوتها أن تفر من تحت يداه


"ابعد عني يا حيوان" صرخت به ونجحت في الابتعاد عنه ليعطيها نظرة إستهزاء أخيرة ثم التف ليدعها خلفه ثم أختفى بداخل تلك الغرفة.


سأمت من الوقوف وصممت على موقفها فتبعته وصاحت فهي حتى لم تلاحظ أين ذهب "لآخر مرة بقولك سيبني امشي يا آدم" بعدها سكتت ونظرت لتجد شرفة مفتوحة فعلمت أنه بالداخل فظلت تنظر لبرهة ثم ظهر لينظر لها بغرور ويداه في بنطاله بمنتهى الزهو


"عايزة ايه؟"


"قولتلك سيبني امشي"


"مش هايحصل" اجابها بإقتضاب وهدوء مجدداً


"ليه؟"


"مش قولتلك يا حبيبتي اني هاعمل معاكي اللي أنتي عايزاه؟ هتمشي ليه بقا؟ ده احنا حتى لسه في اول الليلة! تحبي بقا فين، ما دام أنتي مش مستنية سرير، على الأرض؟ ولا الكنبة؟ ولا البلكونة ولا الحمام؟" نظر لها باستهزاء مجدداً


"بطل تتكلم بسفالة وقلة ادب وكفاياك بجاحة واتفضل قوم افتحلي الباب" صاحت به بنفاذ صبر


"بردو عايزة تمشي؟ ايه خايفة بعد ما تجربي معايا متعرفيش تاخدي على راجل تاني غيري؟ مرعوبة وخايفة أقرب منك لأنك هتدمنيني، صح؟! مش هاتستحملي بعدي بعد اللي هاعمله فيكي؟ رجولتي اللي هوريهالك مش هتقدري تعيشي من غيرها مش كده؟" سألها بخبث ممزجاً بالتهكم وفرط ثقة بالنفس


"مش ممكن!!" هزت كتفيها وضحكت بإستهزاء "أنت بجد مصدق نفسك ومصدق اللي بتقوله؟!" تبسمت مجدداً ثم فرغ صبرها ولا تعلم من أين آتى هذا الكلام بعقلها


"فاكر بعد كل عمايلك فيا دي إنك راجل من الأساس؟!" وما إن نطقت بتلك الحروف وكونت بهم أسوء جملة قد سمعها آدم على مر تاريخ علاقاته النسائية حتى رآته غاضباً وتكاد تمسع صوت انفجار عروقة من شدة اندفاع الدماء الغاضبة بها


"طب تعالي بقا اوريكي أنا راجل ولا لأ" صاح بمنتهى الهدوء ووجدته يجذبها من شعرها بمنتهى القوة ليلقى بها على السريرلتخف منه مثلما لم تفعل من قبل.


أقترب منها ثم ثم دفعها ليعتليها بمنتهى العنف والقسوة التي لم تعهدها من قبل "أنت أجننت؟! ابعد عني حالاً" صرخت به بدهشة وعندما نظر لها دون أن يجيبها رآت بعيناه شر خالص، ليست لديها فكرة ماذا فعلت كلماتها به وكيف كان تأثيرها عليه، حاولت جاهدة أن تدفعه بعيداً وأن تتخلص من ثقل جسده ولكنها لم تتمكن من ذلك.


لم يتوقف وثبت يداها التي حاولت دفعه فوق رأسها وبيده الأخرى مزق أعلى ثوبها "آآدم أنت بتعمل ايه؟" صرخت به وجلة مما يوشك على القيام به فهي لم تتوقع في أسوء كوابيسها أن يفعل بها ما يفعله الآن "لا.. آدم.. أرجــ ــوك ابــ ـعد" صاحت به باكية ولكنها لا يكترث لشيء مما تقوله.


نظر لها وعيناه ينهال منهما شراً ممزوجاً برغبة، مزق ثوبها ليراها هكذا أول مرة، هي ملكاً له وحده، لا يحق لأي أحد آخر أن يقترب منها، أن يستمتع بضحكاتها، أن يتلمسها مثلما يفعل هو..


تثاقلت أنفاسه وهو يتطلع بتفاصيلها، لم تعلم كم أثارت غيرته الليلة، لو فقط تعلم كيف كانت كلماتها مثل الخناجر الحادة التي تركتها تطعنه بقسوة مرة وراء الأخرى، هل حتى تدرك كيف حاول أن يسيطر على نفسه طوال الفترة الماضية وحاول جاهداً ألا يُحدق بها حتى لا يقترب منها مرة أخرى دون إرادتها ولكنه قد سئم هذا، سئم ما تُفكر به وسئم كيف تراه، لو تعلم أنه لا يقترب من ريم إلا أمامها ليأجج غيرتها، لو تعلم أنه لم يُقبل غيرها منذ الكثير من الوقت، فكيف له أن يفعل وكل ما تحمله المعانٍ من الأنوثة والإثارة والبراءة في آن واحد تتمثل في شيرين، لا يرى غيرها ولا يأجج عقله غيرها.


"أرجـ ــ ـوك" نحبت بطريقة هيستيرية وبدأت تشعر بالآلم مكان قبضته ولكن ما زالت نظراته الغاضبة تتفحص جسدها ولأول مرة تشعر بالخزي هكذا، لم تتصور أنه سيتحول لما عليه الآن.


"كنتي ناوية تروحي فين يا شيرين؟ كنتي عايزة تمشي وتسيبيني مش كده؟" تطلع وجهها ثم صاح بها غاضباً فلم تجيبة وأستمرت في البكاء، ظنت أن لن يردعه شيء ولن يكبحه أي كلام عما سينوي فعله "جاوبي وردي عليا وكفياكي بقا عند وقرف" صرخ بينما أقترب من وجهها لتشعر برائحة الشراب الممزوجة بأنفاسه فبدأت أن تدرك أنه مخموراً وربما لا يشعر بما يفعله


"كنت هاروح بيتي" أجابت وسط بكائها


"وبعد ما تتزفتي وتروحي بيتك كنتي هتروحي فين؟ هتسافري ولا هتختفي المرة دي؟" بدأت نبرته تأخذ لحناً آخر، شعرت بخوفه مع كل حرف نطق به


"والله العظيم ما كنت هاختفي ولا هسافر، كنت هاكمل معاك في كل حاجة زي ما أنا، من ساعة ما رجعت مخطرش أصلاً في بالي إني اسيبك أو ابعد عنك" بكت مجدداً لا تعلم هل مما يفعله أم من خوفه أم من شعورها بالآلم الذي يحاوط معصميها.


نظر لها نظرات غريبة ثم أرخى قبضته حول معصميها وخلل شعره غاضباً "بكرهك يا شيرين!! بكرهك" همس بالقرب من وجهها ثم نهض مبتعداً للشرفة، لتأخذ هي أقرب الشراشف وتحاوط جسدها لتحتمي بها فثوبها أصبح ممزقاً ومجرد لمح ملابسها هكذا تبعث الرعب لقلبها.


نحبت في صمت بينما بدأت في الهدوء قليلاً ولكنها تشعر بالآلم في عيناها من كثرة البكاء، نظرت ليداها لترى مكان قبضتاه التي تركت علامات واضحة فذرفت دموعاً في صمت وتكورت بأحدى جوانب السرير جالسة دون أن تقوى على المغادرة، تشعر أنها ستفقد وعيها ما إن نهضت، ظلت شاردة وسط بكائها لا تعلم كيف تفكر أو من أين تبدأ.


أشعل أحدى سجائره للمرة الألف الليلة فهو لا يكترث لأي شيء غيرها، جلس في شرود وترك نسيم الليل يداعب شعره المبعثر دون إهتمام، يغضب من نفسه لما فعله، لا يدري كيف وصل لهذا الحد معها هي بالذات.


يعرف جيداً من أنه ليس بقسٍ وليس بناسك، لكنه بحياته لم يجبر إمرأة على فعل أي شيء بل هم من يرتمين أسفل قدمه ويتوسلن له لقضاء ليلة معه.


لا يُصدق أنه أوشك منذ قليل على أن يتحول لمثل ذلك الوحش ويهدم كل ما جمعهما من مشاعر فقط لأنه لم يسيطر على نفسه..


رمى بأحدى سجائره بعيداً ثم دفن وجهه بيديه مُناجياً ذاته "أنا وجعتها وجرحتها اوي ويوم ما جت وانفجرت قدامي اتجننت ومعرفتش امسك أعصابي!يا ريتني كنت مت ولا كانت ايدي اتشلت ولا كنت أعمل اللي هببته معاها ده!"


صرخ عقله نادماً على ما فعله بها، يعرف جيداً أنها استفزته بتلك الكلمات وبمرافقتها لرجل آخر أمامه حتى أخرجت أسوأ شياطينه التي لم يتصور أنها بداخله أصلاً


"من ساعة ما قفلت الباب ده، كنت بحاول على قد ما أقدر إني مخليهاش تمشي؟ مش ممكن خوفي أنها تسيبني تاني بقا مسيطر عليا كده؟ أنا مش عارف أنا وصلت لكده ازاي معاها!!" خرج نفسه المتثاقل من رئتيه ثم خلل شعره بعنف كمن يريد أن يقتلعه بيديه ولم يمقت ذاته من قبل مثل تلك اللحظة.


"طب هعتذرلها أنا ازاي دلوقتي؟ ويا ترى هتسامحني أصلاً؟ زمانها بقت بتكرهني ومش طايقة تبص في وشي، أففف!! هاعمل ايه ولا هاتصرف ازاي؟ وفعلاً كانت هتسبني ولا ردت عليا بمجرد إجابة ذكية عشان تخدعني تاني؟" ارتبك بينما تخبطت أفكاره بها وأوشكت يداه أن تقتلع شعره بمؤخرة رأسه


"لازم اتكلم معاها، لازم تعرف اللي جوايا ليها، لازم تستوعب ازاي أعصابي فلتت مني وكلامها استفزني ازاي" قرر بداخل رأسه ثم تمتم بحُرقة "قال عشرين راجل قال.. ورحمة ابويا ادبحها!"


توجه للداخل ليجدها نائمة مستندة على أعلى ساقيها ويبدو عليها الإجهاد، وجهها يحمل مظاهر الآلم وأسفل عيناها يرتسم على وجنتيها مجريان من الدموع التي قد جفت، كم كره نفسه ليرها بذلك المنظر وتلك الصورة التي أصبحت بها بسببه.


شعرها المبعثر من أثر قبضته عليه، جسدها الذي حاوطته بالشراشف تريد أن تخبئه عن أعين الجميع، جلستها التي تبدو خائفة ويداها الملتفة على جسدها كمن تحتمي بهما، أثر الكدمات عليها دفعه ليمقت نفسه أكثر


"يا غبي يا متخلف!! أنا ازاي عملت اللي عملته فيها ده؟ّ" صاح عقله متسائلاً بينما خفق قلبه مهشماً لما يرى أمامه.


توجه بالقرب منها ليجعلها تستلقي كي تنم بأريحية ولكن بدأ ما كان يتوقعه، مع أول لمسة لها وسعت عيناها برعب وصرخت به "ابعد"


"متخافيش.. أنا بس كنـ.."


"ابعد عني وإلا أقسم بالله هارمي نفسي من البلكونة عشان أخلص منك ومن وشك" صاحت به برعب ينهال من نظرات عيناها وهي تحكم ذراعيها حولها وتتكور على نفسها أكثر وتتأكد أنها مغطاة بالكامل ولا يظهر منها شيء


جلس أمامها رغما عنها ومسك بيدها بإجبار ولكن بلطف ليجده كالثلج وهناك رجفة بها "أنا.. آسـ.."


"مش عايزة أسمع صوتك ولا أبص في وشك.. قولتلك ابعد" قاطعته صارخة لتسمعه يطلق أنفاساً مُرهقة


"أنا آسف يا شيرين" لم يكترث لما قالته وصمم على ألا يتركها "أنا غصب عني كنـ.."


"أرجوك متتكلمش" شردت بمجرد تذكرها ما فعل منذ قليل وانهمرت دمعة منها دون أن تدري


"أنا زودتها حقك عليا، نسيت نفسي ومشوفتش قدامي، أنا آسف" تحدث لها ثم شرد بعيداً "مش بس اللي حصل من شوية، من ساعة ما رجعتي وأنا مزودها أنا عارف، زودتها في تصرفاتي وأوامري اللي مبتخلصش، زودتها لما قربت من ريم بس والله أني حتى مبوستهاش ، أنا بس كنت عايزك تغيري.." ابتلع ريقه ثم أكمل


"أنتي عارفة إني زمان حاولت أقرب من ستات تانية بس معرفتش عشان مبقتش شايف غيرك؟ أنا مش فارق معايا سواء ريم ولا غيرها، أنا بس كل اللي كنت عايزه إني اضايقك واخليكي تتجنني زي ما عملتي فيا وأنتي بعيد عني وأشوفك بتعاني زي ما كنت بعاني وأنا بعيد عنك.. بس كنت عايز كل ده يحصل وأنتي تحت عنيا وقدامي" تبسم قليلاً


"تعرفي إني من يوم ما كنتي معايا في أوضتي لما فاطمة خبطت علينا بقيت زي ما أكون بربط ايديا الاتنين عشان مقربش منك عشان لو حصل تاني استحالة ابطل أو امنع نفسي ولو بس بوسة هتجر وراها بلاوي وأنا مش عايز أعمل حاجة غير برضاكي.. أنا عمري ما عايز أغصبك على حاجة أو أعمل حاجة وأنتي مش راضية"


نظرت له شيرين في حيرة وبالكاد تُصدق ما يقوله وفجأة توقف عن الشرود وبادلها النظرات "إني أشوفك مع حد أو أن أشوف نظرات الرجالة ليكي بحس إن بتضرب بسكاكين في قلبي، ما بالك بقا براجل حاطط دراعه على وسطك وشايفك كده قدام عيني، ساعتها اتجننت لما شوفت المنظر ده بعنيا، عايزاني متجننش من اللي شوفته ولا أتعصب؟"


"وأنت مش عايزني أتجنن لما أشوفك بتقرب من ريم بكل سفالة كده" أخبرته مسرعة بوهن ولا تدري من أين لها بالكلمات بعد أن شعرت بخوفها منه منذ قليل


"ألا ترى أن مبالغتك تلك تدفعني بعيداً عنك وتجعلني أُفكر بأسوء الاحتمالات.. لقد ظننت أنك.. أنني.. أقصد" تلعثمت رغماً عنها ثم أخبرته "ظننت أنك لا تريدني بعد الآن وتريد أن تبعدني عنك" جاء صوتها مكسوراً مُصاحباً لدموع لا تتوقف كالشلالات.


"أنتي اتجننتي؟!" صاح بها ثم أحاط وجهها بكفاه وحدق بعيناها "شيرين أنتي متعرفيش أنا بحبك قد ايه، أنتي متتصوريش وأنتي بعيد عني أنا ببقا عامل ازاي، لو بس شوفتيني وانا بدور عليكي في الفترة اللي كنتي فيها في لندن، كنت زي المجنون ومبطلتش ادور عليكي لغاية ما فشلت في كل حاجة ويأست من إني الاقيكي، وبقيت عامل زي اللي روحه خرجت من جسمه، لغاية ما لقيت أمل جديد يمكن يدلني عليكي ردت فيا الروح تاني.. أنا بحبك.. بحبك اوي يا شيرين وعمري ما اقدر أأذيكي ولا أبعد عنك لثانية واحدة"


ظل ينظر بعيناها وبادلته النظرات في صمت ولا يدري أي منهما أين ذهبت تلك القسوة والمشاحنات والحديث الصاخب، أين أختفى الوحش بداخل آدم ليحل محله هذا الكائن الهادئ أمامها، وأين هربت لذة الإنتقام لإثارة غيرته منذ سويعات، لم يشعرا بالوقت يمر حولهما، فقط أرادا بعضهم البعض أكثر من أي شيء.


"آدم" همست له بعد دقائق وهي تحاول أن تتلمس ذقنه بلطف "لأمتى هنفضل زي توم وجيري ده؟ لأمتى هتفضل تعصبني وأعصبك واجي امشي تجري تاني ورايا وترجعني؟ لغاية امتى هنفضل نغير على بعض بالجنان ده ونستفز في بعض كل ما حد مننا يقرب من حد غريب؟ ولأمتى هتفضل مبتعرفش تتحكم في اعصابك وتعمل بلاوي وبعدين تيجي تعتذرلي؟ امتى هنخلص من كل ده؟"


أمطرته بالأسئلة ليحدق بوجهها بخوف لا تعلم ما هو سببه ثم نهض مبتعداً عنها وآخذ يخلل يداه في شعره بعنف متجولاً بالغرفة حولها وهو بداخله يعلم الإجابة لكنه ينتظر شيئاً ما، يخف أن يخبرها وترفضه مرة أخرى وستكون قد أطاحت بكل ذرة مشاعر باقية بداخله.


"أرجوك يا آدم جاوبني وبلاش تتحاشى أسألتي.. أنا فعلاً زهقت من عصبيتك وطرقك اللي بتخوفني بيها اللي عمرها ما هتخلص، اللي حصل ما بيننا من شوية شبه نفس اللي حصل لما جيتلي الجامعة وودتني الشاليه بتاعك، في المرتين كنت خلاص قربت تغتصبني أو تقريباًعايزني أخاف منك، وبردو زمان حاولت تتباهى قدامي بحركاتك مع الستات، فاكر يوم الحادثة الصبح؟! أهو ده نفس اللي بتعمله مع ريم دلوقتي.. بتحاول تعاملني بطريقة رسمية اوي وبتخلي علاقتنا تبقا شغل وبس، عملت كده بردو زمان.. لإمتى هندور في نفس الدواير دى؟ دلوقتي بقا الدور على ايه؟ امشي واسيبك وتيجي ورايا ترجعني؟ آخرة الجنان ده كله ايه يا آدم؟!" بدأت في الصياح بعد إدراكها لتكرار نفس الأحداث مرة أخرى وإدراكها أنه لابد من أن يتحدد كل شيء الآن وإلا أبداً!


"عايزاني ارد عليكي واقولك ايه؟" أخبرها وقد أقترب منها لينظر لها "عايزاني أعترفلك إني فشلت في إن أكون إنسان طبيعي وإني مش عارف أتعامل زي باقي الناس.. تمام.. أنا فاشل يا شيرين" تثاقلت أنفاسه وأكمل


"عايزة تتأكدي إنك بتقدري تتحكمي فيا وفي ضعفي وبتخليني زي الخاتم في صباعك، أنا اللي بأكدلك إن هي دي الحقيقة" قبض يدها ثم أراحها على صدره


"عايزاني اعترفلك إنك روضتي كل وحوشي اللي جوايا اللي كانت بتدافع عن قلبي قدام أي حب جديد يشوفه أو يحس بيه أو يستجيب لواحدة ست، أنا بعترفلك بده كله" حاول أن ينظر بعيداً عنها "عايزة ايه كمان؟" شعرت بمعاناته بعدما قال ما أخبرها به وحاولت أن تجذب طرف ذقنه لتبادله النظرات


"أنا مبحبش أتخانق معاك ولا ابعد عنك، كل اللي عملته ده عشان كنت فاكرة إننا هنكون احسن لما تشوفني مع غيرك وتبعد عن ريم إنما أنا كنت غلطانة.." دمعت عيناها ثم أقتربت منه وأحتضنته وهي من كانت لا تريد أن يلمسها منذ دقائق مرت "كفايانا يا آدم، أرجوك كفايانا، والله العظيم ما هسيبك تاني ومن حقك تعمل اللي أنت عايزه عشان تتأكد من كلامي ده" أخبرته بعد أن دفنت وجهها بصدره وطوقت ظهره بذراعيها


"أنتي متأكدة؟" سألها لتشعر بخفقات قلبه تزداد ليشعر بإماءتها على صدره فآخذ يمسد ظهرها ولم يستطع أن يخبرها بما يجول بخاطره وهي لا تجد أي كلام حتى تتحدث به، لقد تصارحا بكل الأمور ولم يتبقى شيئاً حتى يتحدثا به.


أبعدها قليلاً عنه ثم حدق بعيناها "تعالي ننام يا شيرين ونخلي كل حاجة لبكرة، ساعتها بس هتأكد من اللي بتقوليه" بادلته نظرات عيناه لتتأكد أنه يفكر شيء ما وسيضعها تحت إختبار آخر فلن يلين أبداً ولو حتى بعد ألف عام.


نهضت بعيداً عنه ومازالت ملتفة بتلك الشراشف ثم نظرت له "هو أنت عندك هدوم هنا؟" سألته ليشير لها على الخزانة فأخرجت منها أحدى قمصانه القطنية وذهبت للحمام وبعد عشر دقائق خرجت ويبدو مظهرها أفضل مما كانت عليه منذ قليل.


تفحصها هو ليرى كيف تبدو وكم تبدو شهية للغاية وهي ترتدي ملابسه هكذا ليُفكر "لأ أنا كده مش هاقدر امسك نفسي، لو موافقتش على اللي محضرهولها أنا ممكن أتجنن ومش ضامن أنا ممكن فعلاً أغصبها تنام معايا!" تحدث عقله وعيناه تتابعها حتى استلقت على السرير وجذبت الغطاء عليها وبعدها بقليل وجدته يفعل المثل بعد أن أرتدى بنطالاً قطنياً أسود وقميصاً أبيض ثم جذبها لتتوسد ذراعه اليمنى وأعلى صدره وبقى يُمسد شعرها حتى تأكد من نومها.


"بحبك اوي يا شيرين" همس بها دون أن تستمع له ثم أحتضنها بكلتا ذراعيه لينال بعض الراحة بالقرب من أفقدته عقله وأستولت على قلبه، وحتى يستعد لذلك اليوم الذي سيتوقف عليه كل شيء أراد أن يحظيا بقدر من السلام..

الفصل 34

الجزء الرابع الثلاثون


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


أستيقظ وتفقد الوقت ليجد الساعة قد قاربت على السادسة صباحاً ثم أنتقلت عيناه للملاك المتشبث به، رآى كيف تحتمي به بعد مبالغته الليلة الماضية وكأنها تستجير بقاتلها، تذكر كم كانت بريئة بكلامها وحتى غضبها وكلماتها اللاذعة التي دفعت بشياطينه للظهور كانت تحمل الغيرة واللوم والعتاب ومحاولة إيجاد حلول لهما.


نظر لمعصميها ليشعر بالذنب وتأنيب الضمير عندما ظهرت العلامات الزرقاء المصحوبة بالحمرة من قبضتاه ليقطب جبينه وابتلع ريقه بصعوبة متنهداً بحنق لقسوته التي لم يكن لها داع.


شرد عقله بالقرار الذي أستحوذ عليه مؤخراً، لم يُفكر بها من قبل مع إمرأة، هل ستقبل أم سترفض لتتحجج بغضبه وتحكماته وما إلي ذلك، هل هذه الخطوة الصحيحة الآن أم يجب عليه أن ينتظر قليلاً، تشتت أفكاره بينما نظر لها في حيرة.


لم يدري إلي متى ظل يُحدق بها وبتفاصيلها، شعرها المنثور حولها كوسادة إلهية لن يستطيع أن يجد مثلها ولو جاب الكون بأكمله، كيف تغلق جفونها لتتصادم رموشها الكثيفة معاً لينعكس ظلاً منهم على وجنتاها الممتلئتان، وشفتاها تلك المرسومة بعناية تأجج كل ذرة مشاعر به كلما تحركتا، مزمومتان، غاضبتان، ينهال منهما أبشع الكلمات التي تثير جنونه، قبلاتها الحانية، قُبلاتها عندما تبادله تبدد أي منطق وتعبث بكل جوارحه، أياً كانت الحركة أو الفعل الواقع بتلك الشفتان تخلبا عقله دون تفكير.


قرر أن يبتعد عنها قليلاً فلا يستحوذ على تفكيره إلا أن يقبلها ويقبلها حتى يرتو من رحيق شفتاها ولن ينتهي هذا على خير. نهض بهدوء محاولاً ألا يزعجها ثم توجه للشرفة حتى لا تسمع صوته وتستيقظ.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"لا مش ممكن!! Unbelievable !! بجد اللي بتقوله ده؟" صرخت حتى تعجب آدم وخاف أن تستيقظ شيرين من شدة الصراخ المنبعث من الهاتف


"بطلي يا زينة!!" تمتم مبتسماً على جنونها "كنت بفكر بس مش أكتر، وبردو مش شايف إن ده الوقت المناسب عشـ.."


"أسكت يا آدم Please" قاطعته "this is absolutely the right time، مستني ايه عشان تتجوزها، بجد مش فهماك؟ هي رجعت وانتو بتحبوا بعد و everything is perfect، أنت فعلاً هتكون مجنون لو متجوزتهاش، اظن إن الرجالة هي الي بتطلب تتجوز ولا أنت مستني proposal منها مثلاً؟"


"أكيد لأ.. بس يا زينة الفكرة إني متردد شوية" أجابها بإرتباك


"ده normal جداً عشان عمرك ما فكرت في الجواز قبل كده، حاجة جديدة خالص و بتخليك طبعا out of comfort zone وعمرها ما خطرت في بالك، طبيعي ومنطقي جداً بالذات أنت اتعودت تكون مع بنات وستات ميربـ.."


"خلاص.. خلاص" قاطعها مُسرعا حتى لا يتذكر أي شيء يخص الماضي "اللي بفكر فيه، أو يعني اللي أقصد إني عايز أعمله هو.. أنا شايف أنه المفروض .. يعني.. أن.." تلعثم كثيراً لتنفجر زينة بالضحك


"واو!! بجد مكنتش متوقعة إن فيه حد يقدر يخليك متلخبط كده في الكلام" أخبرته وسط ضحكاتها التي لا تنتهي


"طب متخلنيش أندم بجد إني قولتلك!" صاح بحنق


"خلاص I'm sorry.. بس وأنا شايفاك كده.. Well..اللي بسمعه منك بالطريقة دي مخليني مبسوطة اوي عشانك، أنت اتغيرت كتير يا آدم بسببها، اللخبطة والتردد والخوف وتصرفاتك الجديدة، همري ما توقعت اني اشوفك كده ابدا.. بس خليناً نقول Congrats in advance" أخبرته بود والفرحة تغمر صوتها من أجله


"تفتكري هتقبل؟" سألها بإرتباك حتى أنه لاحظ رجفة بيده


"أنت بتهزر مش كده؟!" صاحت به مندهشة "of course هتقبل!! دي بتحبك اوي يا آدم! وإن كان عندك شك في ده فهيبقا ليه هي رجعت أصلا؟وليه خليتك تغير عليها؟؟ وليه اضايقت من ريم؟ Don't be silly please" اندفعت منها الإجابات ليشرد آدم بكل شيء وبهذا الشعور الجديد عليه ولم حتى يلاحظ أن توقف عن الكلام "آدم، أنت معايا؟" نادته زينة حتى فاق من شروده


"آه معاكي" أجابها ثم حاول ألا يتلعثم مجدداً "أنا عايز اخليه يوم حلو اوي متنساهوش، تعرفي المفروض أعمل ايه؟؟"


"أووو آدم!!" صاحت بظرافة "بجد you look so cute وأنت بتتكلم كده"


"تصدقي أنا غلطان!! أنا هاقفل احسن" أخبرها مسرعاً عاقداً حاجباه


"لا، لا، لا متقفلش.. I'm so sorry" ابتسمت ثم أكملت "أنا بجد مبسوطة ومش مصدقة وداني بس when it comes to these special moments لازم أنت اللي تختار وتقرر، فمهما كانت معرفتي عن كل حاجة بينكم بس حاجة زي دي هتبقا ذكرى ما بينكم Forever أنت الوحيد اللي تقدر تخلي حاجة زي دي special ليك وليها" أخبرته ثم استمعت لصوت أنفاسه


"أف! هو ليه الحاجات دي صعبة كده!" تحدث دون تفكير بمجرد محاولة استيعاب ما أخبرته به زينة


"الدنيا كده يا آدم!!" ضحكت ثم أكملت "وبعدين بقا لازم تبتدي تتصرف زي الرجالة المتجوزين من الأول عشان متضايقهاش وإلا هتقابلك مشاكل مالهاش أول من آخر"


تنهد بعمق "طيب أنا هاقفل معاكي عشان أصحيها، هاكلمك تاني"


"أوكى، بس متتأخرش كده عليا تاني.. أنا سامحتك المرة دي عشان الأخبار الحلوة اللي قولتهالي.. باي"


أنهى آدم المكالمة بعدما غرق مفكراً بخطوته القادمة، حديثه مع زينة أراحه قليلاً ولكنه بدأ يشعر بالقلق مما عليه أن يفعل ولأول مرة يشعر بالتردد الهائل تجاه شيئاً ما هكذا وتوجه ليدخل الغرفة ثم أستلقى بجانبها وآخذ ينظر لها حتى ثقلت جفونه وراح في النوم.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"شيرين" همس بخفوت وسط نومه بعدما شعر بتلك الأصابع الرقيقة تداعب بعض الخصلات على جبينه


"نعم" اجابته وهي تطلع تفاصيله منذ أن أستيقظت بين ذراعيه لم تستطع أن تتحرك وتغادره، حدقت بجميع ملامحه، كيف أختلفت عن قبل، تذكرت كيف كانت تقاسيم وجهه عندما ينم حملت الآلم والقسوة عندما ذهب للنوم ولكن الآن أختلف كل شيء.


بدا مسالماً، رآت على تعابير وجهه الراحة والإطمئنان، لاحظت أنه ينام كمن ينعم بالهدوء والسكينة، ذكرها بتلك الأيام التي كان معها بالكوخ الذي أهداد لها بإسكتلندا ولم تستطع أن تمنع نفسها من الإبتسام وكأن البسمة رد فعل تلقائي لمجرد رؤيته.


"صحيتي امتى؟" سألها ومازال مغمضاً عيناه ولم يوقفها عما تفعل، أستمتع بمداعبة أصابعها لتقاسيم وجهه بدءاً من جبهته حتى ذقنه


"مش عارفة" همست مجيبه سؤاله


"لا بجد.. بتهزري معايا ولا ايه؟" سألها وقد بدت رنة صوته مختلفة عن كل المرات التي أستيقظ معها بنفس السرير، ليترك عقلها متسائلاً ما الذي تغير الآن!


"لا.. بس مخدتش بالي من الوقت" أجابته بصدق وأستمرت يدها إلي أن قاربت تلمس شفتاه، فلم تمتنع عن فعلها ولم يعارض هو بل بقي يتلذذ بتلك اللمسات.


"وده ليه يا ترى؟"


"أنا صحيت ولقيتك جنبي كده و.. يعني ..معرفش محسيتش بالوقت ازاي" اجابته بعد أن تلعثمت قليلاً


"تقصدي أنك مقدرتيش تقومي من جنبي وأنا Sexy اوي، مش كده؟" سألها مرة أخرى وهو متأكد من خجلها الآن بعد أن أبعدت يدها عنه ولكنها لم تتحرك بعد ففتح رماديتاه الصافيتان ليتفحصها وأبتسم أكثر عندما لاحظ تلك الحمرة التي كست وجنتاها


"لا مش كده.." أجابته مسرعة ثم أكملت "أنا بس كنت.. مممـ.. أنا لاحظت.." أعتصرت عيناها لتلعثمها ليصرخ عقلها مشتتاً، اللعنة!!


"ايوة.. اتلخبطي اتلخبطي" ضحك ثم أقترب أكثر وقبل جبينها "تعرفي.. بحبك اوي كده لما تتلخبطي في الكلام لما بتتكسفي" أخبرها لتنظر له ببراءة


"أنا؟!" تعجبت لما سمعته للتو "امتى حصل ده؟" سألته بدهشة ليحدق بتلك العسليتان اللتان سلبتا عقله


"من أول يوم شوفتك فيه" أجابها بثقة ورماديتان ينهال منهما الصدق الخالص


"لا، لا، الكلام ده مش صح ومحصلش" حاولت الإنكار بسرعة


"طب هقولك، لما لفيتي وراكي في المكتب عشان تفتحي الباب، أظنك كنتي عايزة تمشي لما ملقيتينيش، وساعتها مديتي ايدك وخبطت فيا واتكسفتي وابتديتي تتلخبطي" اجابها ثم حدق بعيناها جيداً "افتكرتي كده؟" سألها بعد أن عادت تلك الحُمرة لوجهها لتومأ له بإبتسامة خجولة ولكنها حاولت الدفاع عن خجلها


"يمكن عشان دي اول مرة، بس بعد كده أنا مكنتش بتلخبط ولا حاجة"


"ممم.. متحاوليش يا حبيبتي تنكري، ولا تحبي أفكرك بحاجة كمان؟" تحدث لها بمكر ليضيق عيناه


"مش هتلاقي أصلاً حاجة غير المرة دي أصلاً" قالت بتحدي


"طب تمام!! فاكرة تالت مرة لما كنـ.."


"أنت فعلاً بتعدلي المرات اللي بتكسف فيها يا مجنون؟!" تعجبت بإندهاش


"أكيد يعني، وهو أنا بفكر في مين غيرك عشان الاحظ كل اللي بتعمليه؟!" أجابها سائلاً ليحصل منه على ابتسامة لم يرها من قبل ثم أكمل


"فاكرة لما ندهتك وأنا في اوضتي أول مرة وكنت لسه خارج من الحمام، بصراحة كنت عاملها قاصد، ولما شوفتيني وأنا من غير هدوم، يالا اعترفي إنك كنتي تايهة ساعتها ومقدرتيش تقاوميني!" أخبرها مبتسماً لتتذكر وانفجرت الدماء بوجهها ثم دفنت رأسها بصدره من كثرة الخجل فقبل رأسها


"أنا لسه فاكر لما عضيتي شفتك يومها وأنتي بتحاولي تسيطري على احساسك لما شوفتيني، أنا ساعتها كان خلاص ناقص دقيقة وكنت هـ.."


"خلاص يا آدم متكملش" صاحت به ثم لفت ظهرها كي تحاول النهوض فجذبها من خصرها بسرعة ثم أحتضنها وآخذ يُمسد كتفها


"ليه مش عايزة تعترفي؟" همس بأذنها "ما كفاية عند بقا" همس مرة أخرى ودفن وجهه بشعرها الفحمي


"ما خلاص بقا، اه الممثل المشهور آدم رأفت جذاب و sexy اوي، اديني اعترفت، مبسوط دلوقتي؟" تنهدت بعد أن أخبرته


"مبسوط اوي" همس بأذنها لتشعر بأنفاسه التي تثير جنونها "ياما نفسي أفضل جنبك كده ومسيبكيش لحظة" تنهد ثم أكمل


"بس أنا مش ضامن بصراحة لو فضلنا كده ممكن الموضوع يقلب بحاجة تانية خالص غير الحضن البريء ده" ما إن انتهى حتى نهضت بسرعة ثم رمته بوسادة


"سافل" صاحت به ليضحك عالياً


"ما براحة شوية عليا ولا عايزاني اخسر وسامتي والستات تبطل تحبني؟" سألها مازحاً


"جتك القرف أنت وهما" صاحت به بحنق ثم توجهت للحمام حتى تستحم وكالعادة لم تجد إلا رداءاً له فلفت نفسها به وأحكمت رباطه عليها ثم خرجت لتجده جالساً أمام طاولة معد عليها طعام فجلست بجانبه بعدما تبادلون نظرات عدة تحمل الكثير من المشاعر التي لا يستطيع أحد منهما أن يُفسرها وبدءا في تناول الطعام في صمت حتى تحدث آدم


"احنا أجازة عشر أيام" أخبرها ثم نظر لها ليرى تأثير ما قاله وتابع تناول الطعام


"بجد؟" أندهشت سائلة وتوقفت عن الطعام "اشمعنى يعني اجازة مرة واحدة كده؟" سألته مجدداً


"بصي.." تريث ثم أكمل "أنا شايف إن علاقتنا ببعض كانت دايماً وسط جو الشغل والجدال والنقاشات الحادة وإما بتهري مني يا إما بجري وراكي ففكرت أننا نبعد شوية سوا عن الجو ده" تنهد بعدها ببطء عاقداً حاجبا ليرى ما رد فعلها ولكنها لم تقل شيئاً فقط ابتسمت له ونظرت أمامها في صمت بملامح تغمرها الفرحة، لم تستطع أن تُكمل طعامها وأرادت أن تسئل الكثير من الأسئلة وتعرف ما الذي يدور برأسه ولكنها شعرت بالحرج وفجأة تذكرت أن ليس لديها ملابس كي ترتديها لتغادر إلي أي مكان


"آدم!! أنامش معايا اي هدوم و.." سكتت عندما طرق الباب فذهب آدم ليتفقده ثم سمعت بعدها صوت إغلاق الباب وتوجه إليها حاملاً حقيبة


"في الوقت المناسب.. ادي الهدوم" أخبرها ثم أقترب منها مشيراً للطعام "يالا كملي فطارك والبسي هدومك بسرعة، أنا مبحبش اقعد هنا على فكرة" قطب حاجباه بإنزعاج


"ليه يعني؟! مش الاوتيل بتاعك.. وعلى فكرة القاعدة هنا كويسة" صاحت بإستفسار


"فاكرة اليوم اللي.." توقف مخللاً شعره بإرتباك وفكر أنه يريد أن يبدأ بإخبرها كل شيء بصدق منذ الآن ولكن أجابه عقله بأنه عليه أن يدع كل شيء يذهب للجحيم وليخبرها بما يريد "لما حضنتي يوسف قدامي و.. وأنا اختفيت" همس بخفوت


"كنت هنا؟" تعجبت لتحصل منه على إماءة ثم وجدته يثني ركبتيه ليجلس أمامها وأمسك بيدها


"أنا بكره ابعد عنك يا شيرين وبكره كل حاجة وكل مكان بيفكرني بإني في يوم كنت بعيد عنك" نظر لها محدقاً في عيناها ثم رآت الآلم برماديتاه


"عمري ما هابعد عنك، ولا هاسيبك أنت كمان تبعد عني" أخبرته ثم أحتضنت رأسه بصدرها وتجد يداه يحاوطا خصرها "والله عمرها ما هتحصل تاني" صاحت بخفوت بينما شعرت بأنفاسه لتمتد يدها تلقائياً لتمسد على شعره وبعد قليل أبعدته ثم نظرت له "قولي بقا عندك كام اوتيل تاني واديني عناوينهم عشان لو قررت تختفي فجأة؟" سألته لتراه يضحك


"ده، واللي اتعشينا فيه اول مرة، وتلاتة كمان" سكت ليرى عيناها تتوسع من الصدمة


"أنت بقا من اياهم اللي بيلعبوا بالفلوس" هزت رأسها في سئم لتراه يضحك مرة أخرى


"للأسف اه" أخبرها ليجد أصابعها تمتد بجانب عيناه


"تعرف إن شكلك بيبقا حلو اوي لما بتضحك وبتضحك معاك عينك كده" تفحصت تفاصيل وجهه بحب


"لأنك أنتي اللي بتخليني مبسوط دايماً" أخبرها ثم جذب يدها برقة ليقبلهما ثم نهض "هاخد شاور بسرعة تكوني جهزتي"


"أوك" أماءت له ثم تركها وذهب للحمام.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"أنتوا اتنين مجانين" صاحت حبيبة بعد ما قصت لها شيرين القليل مما حدث "بس شوفتي الغيرة بتجننه ازاي؟ آدم ده مبيجيش غير بالغيرة، رجالة صحيح نقول ايه بقا!!.. زي الشاطرة بقا كل ما تعوزي حاجة مقدامكيش حل غيرها"


"راسك الداهية دي أنا هافصلها عن جسمك في يوم" أخبرتها شيرين في غيظ


"بس صراحة، أنا مبسوطة اوي أنكوا رجعتوا كويسين" تنهدت قليلاً ثم أكملت "أظن هو صعب التعامل معاه شوية بس حب زي حب آدم ليكي بيخليكي كده تحسي أنك ملكتي الدنيا باللي فيها"


"عارفة والله يا حبيبة بس خايفة" همست بتردد


"خوفك خلاص فات أوانه، أنتي دلوقتي بقيتي عارفة هو مين، ازاي بيتصرف وبيتعامل، ومهما بعدت ما بينكم المسافات أو حصل ما بينكم بترجعيله في النهاية، وكمان ياختي يا خايفة أنتي اول ما بتبقي معاه بتنسي الدنيا كلها حواليكي، شيلي بقا موضوع الخوف ده من دماغك خالص، أنا فاهماكي وعرفاكي بس خدي بالك كويس إن آدم مش كريم خالص!"


"طيب.. سلام دلوقتي اصله جاي.. باي"


أنهت المكالمة ثم تذكرت ما قالته حبيبة لترى أنها محقة بكل شيء، وجودها معه أصبح يكفيها عن الجميع، هي بالطبع تريد حياتها الخاصة ولكن ما المانع لتمزج الأمران معاً. لم تلاحظ شرودها التام إلا عندما أفاقها صوته الهامس


"أنا عارف البصة دي كويس.. قوليلي بتفكري في ايه؟؟" تعجب بنبرة لعوب


"مفيش" اجابته لتجد عدم الإقتناع ينهال من رماديتاه


"تمام بس مش مصدقك" أخبرها لتطلق تنهيدة عميقة


"كل اللي بنمر بيه ده، وجودي معاك، تغيراتنا المفآجأة، مش عارفة بس.. حاسة إني خايفة" همست متوترة


"بصيلي" تحدث ثم آخذ وجنتاها ليحاوطهما بين كفيه "بالرغم من كل اللي حصل ما بينا، واثقة فيا ولا لأ؟!" تفحصها متسائلاً باحثاً في عيناها عن شيء ما


"طبعاً يا آدم بس.."


"ده كل اللي عايزه" قاطعها "أوعدك أن كل حاجة هتتغير للأحسن، شيلي بس اي حاجة وحشة من دماغك واوعدك إنك مش هتخافي أبداً من حاجة تانية، اتفقنا؟؟"


أومأت له لتجده يُقبل جبينها برفق ثم جذبها بلطف من يدها وما إن أصبحت بجانبه حاوط خصرها بذراعه ليسيران جنباً لجنب بحديقة منزله بعد عودتهما من الفندق وبعدما أن نظر لها عدة نظرات ثم كسر صمتهما "روحتي التشيك قبل كده؟" تعجب متحمساً


"ايه؟! التشيك!! أكيد لأ، بتسأل ليه؟!" أجابته بإندهاش سائلة


"كنت بفكر، بما إنك متعرفيش حاجة عني، حبيت أبدأ بأول مكان قعدت فيه لوحدي، ها، ايه رأيك بقا؟ تحبي تروحي!"


"أكيد طبعاً أحب اروح.. بس.." سكتت لبرهة "ليه روحت التشيك؟ وامتى حصل ده؟" تعجبت ليقابلها صمته الممزوج بالآلم، ثم جلس أمام المسبح مقابلاً اياها


"فاكرة اليوم اللي دخلتي فيه الأوضة و.." تنهد متألماً "تُقى.. كان عندي تلاتة وعشرين سنة لما.." تريث محاولاً الحصول على قدر من الشجاعة ليخبرها بكل الآمه


"بعتتلي رسالة على الموبيل بتقولي انها مش عايزة تعرفني تاني وانها مش عايزة تكمل" أكمل قابضاً يدها كمن يستمد القوة منها "كنا مبسوطين اوي مع بعض، وقتنا كله قضيناه سوا، حطينا خطط كتيرة لمستقبلنا، كنا لسه صغيرين، كانت معايا وكل حاجة طبيعية وكنت مستنيها قدام باب الجامعة في آخر امتحان ليها وفجأة جت واحدة حضنتني وهي شافتنا.. أنا فعلاً لغاية النهاردة معرفش مين البنت دي.. بس تقى شافت المنظر ويومها بعتتلي الرسالة" تنهد مرة أخرى "روحتلها البيت، وتالا أختها قالتلي إنها رجعت مضايقة ومعيطة ومش عايزة تشوفني تاني وسافرت.. مستنتنيش عشان تسمعني أو تفهم مني حاجة، اللي فهمته منها أنها افتكرت إني بخونها وهي من اليوم ده مشيت وحتى سابت موبيلها مع تالا!"


أمعنت النظر له جيداً وحدقت برماديتاه اللتان لم يتوقفا عن ظرف الآلام فمسحت على وجهه بلطف "آدم مـ.."


"تاني يوم الصبح حد مقالش اسمه بعتلي صور ليها في اوضاع مش كويسة مع حد معرفهوش، الموضوع ده خلاني اكره الستات كلهم ومثقش فيهم" ابتلع بصعوبة وأكمل


"أنا سبت كل حاجة ورايا ورحت وقتها التشيك، براغ بالتحديد" قاطعها مقبلاً باطن كفها وأمسك به ثم استطرد "كنت محتاج اوي اكون لوحدي فترة.. أظن إني كنت بحاو اهرب من كل اللي حصل" سكت ثم نظر كمن يسترجع الذكريات "اتعلمت اعمل اكل، اتعلمت الرقص، زاد حبي للتمثيل، قريت وخلصت كتب كتيرة، روحت اماكن كتيرة اوي في التشيك، بالرغم من أنهم كانوا سنتين أو اكتر شوية بس السفر غيرني جداً.. اتغيرت اوي يا شيرين!!"


همس لها ثم قبل جبينها لتجده يجلس بجانبها ثم استلقى أعلى ساقيها لتتعجب وتندهش مما يفعله آدم، فجأة تحول لطفل صغير كمن يبحث عن أمه وأغمض عيناه ثم آخذت في تمسيد شعره وهي بالكاد تصدق ما يفعله


"رجع آدم رأفت، أو رجعتت النسخة الجديدة مني، لما كنت ببص في المراية وقتها مكنتش ببقا عارف مين ده، سهر وستات وشرب طول الليل واصحى كل يوم بنفس الصداع البشع عشان ابقا الممثل المشهور واللي بابا الله يرحمه كان بيعتمد عليه في الشغل" تغيرت نبرته وأكمل


"كنت شاطر اوي وبتحمل المسئولية، عشان كده كل ما كانوا يشوفوا اللي بعمله طول الليل كانوا بيبصوا للجانب الإيجابي فيا ويسكتوا.. كل حاجة فضلت ماشية على الروتين ده لغاية ما جه يوم وبالصدفة كنت بتفرج على البوم صور لينا مع مرات بابا ولقيت جواب شكله قديم اوي من تقى، أظنك شوفتيه مش كده؟!" رفع نظره ليفتح عيناه ويلاقي بهما عسليتاها


"ايوة.." أومأت له لتجيبه وقد كسى الحزن صوتها لتجده يعود مثلما كان ووصد عيناه


"كان عندي حوالي تلاتين سنة وقتها، واجهت مرات بابا يومها ومكنتش مصدق انها هي اللي خبت مني الجواب وهي بررتلي بأنها مكنتش عايزة تشوفني بعاني تاني ولا تشوفني مضايق وشوية كلام كده مقتنعتش، ساعتها اتجننت وجريت على بيتها لقيت تالا بتقولي أنها أنتحرت من حوالي سنتين بعد ما اخدت جرعة زايدة من المنوم.. ساعتها قلبي اتجرح تاني بعد ما عرفت أنه فات أوان أني أعمل أي حاجة ترجعنا تاني لبعض" تريث محاوطاً خصرها بيده ليدفن وجهه به


"جبت جثتها غصب عن الكل عشان أدفنها جنب والدتي الله يرحمها وساعتها مشوفتش غير إن مرات أبويا هي السبب، قررت أنتقم منها، مكنتش بكلمها بالرغم من انها اللي مربياني وطول عمري كنت بحبها وهي اللي وقفت جنبي في موضوع التمثيل قدام بابا، أتأكدت بنفسي أن فرامل عربيتها مش شغالة وبعدين عملت معاها خناقة تافهة عشان أخليها تنزل تجري تروح لبابا الشركة وتشتكيله مني" تثاقلت أنفاسه متألماً


"في اللحظة الأخيرة رجعت في كل اللي خططله، بعت حد يحاول يوقفها عشان متركبش العربية بتاعتها اللي كانت هتروح بيها، ونجحت، وركبت عربية تانية وخدت السواق معاها بس حصل بالظبط زي اللي خططتله.. كان فيه حاجة في الكاوتش وفرقع وهما على سرعة والعربية اتقلبت وماتت" تنهد مرة أخرى


"مش عارف بس دايماً حاسس إن أنا الذنب في كل اللي حصلها،لو بس.. لو بس مكنتش اتخانقت معاها اليوم ده، كانت هتكون موجودة معايا دلوقتي" صاح بحزن


"لا يا آدم متقولش كده أرجوك" صاحت به شيرين بحزن وضمته أكثر "ده قدرها، مين فينا يعني اللي مبيتخانقش مع أهله، كلنا مرينا بالمواقف دي" ورغماً عنها تساقطت دموعها "متحملش نفسك كل ده.. أنت مالكش ذنب ولا ايد في اللي حصل"


"لو بس.. لو مكنتش اتخانقت معاها كانـ.." جلس لينظر لها في آلم


"يا حبيبي متقولش كده" وضعت يدها على شفتاه لتقاطعه "ده نصيبها يا آدم" أخبرته ليتبادلا النظرات في صمت، لم تتوقع شيرين أنه سيخبرها كل هذا، كيف صارحها بكل شيء بالرغم من أن هذا آلمه ولكنه بالرغم من الآلم أخبرها الكثير، كم أسعدها مشاركته لها أسوء ما مر به في حياته، علمت الآن ما الذي حوله للشخص الذي أصبح عليه، فسرت غضبه وتحكمه وكل ما آل إليه ليُصبح بتلك القسوة والعنف.


لم تدري هي كم أثلج صدره انه أخبرها ما مر به طوال حياته، آلمه تذكر الأحداث ولكن أبرأه حديثه لها، لم يخبر أحد بحياته كل ذلك، لأول مرة يفتح جروحه بيده أمام إنسان آخر ولم يعتقد أنها ستتداوى بمجرد إخراج ما أثقل كاهله لما يقارب خمسة عشر عاماً، الراحة التي شعر بها بالقرب منها الآن كانت لا تقارن بأي شعور آخر.


"هنروح التشيك؟!" سألها متحمساً لتنهض جاذبة يداه


"هنروح التشيك يا Mr آدم" اجابته بإبتسامة متشوقة لترى ماذا يخبأ لها القدر مع آدم.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


منذ زمن بعيد....


"ايوة.. متنساش بقا الحاجة توصله الصبح، والفلوس متقلقش مفيش أكتر منها وهتاخد حقك وزيادة كمان" ابتسمت في راحة شديدة وهي توصد هاتفها وأراحت جسدها على الكرسي خلفها وأغمضت عيناها ليتمتم عقلها


"مين كان يصدق إن كل ده يحصل.. بقا تقى وآدم بالسهولة دي وبين يوم وليلة كل ده يحصل ما بينهم؟! تقى تجري على بابا وتكره آدم كده بالسرعة دي" زفرت بعمق وتوسعت ابتسامتها


"بس بقا خلاص أنا كده طربقتها، بعد الصور اللي آدم هيشوفها هيمسح اسمها بأستيكة من حياته ولا كأنه عرفها أبداً.. بقا بعد كل ده مش شايفني.. أنا بقا هاعرفه ازاي يشوفني وكويس اوي كمان!" آخذت تخطط للأيام القادمة وبداخلها أمل شديد بأن تحصل على آدم لها وحدها!


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"معرفش بس هو أجل كل حاجة وقال إنه هيكون مشغول طول الأسبوع" تحدث صوت أنثوي بالهاتف


"لازم تدوري على اي حاجة مهمة عندك توديه في ستين داهية وطبعاً مش هاوصيكي من غير ما حد ياخد باله" أخبرها صوت نسائي آخر يحمل الضغينة والحقد


"متقلقيش.. أنا معايا كام ملف كده مهمين، تقدري تقولي كل الصفقات والتقارير الخاصة بالصفقات اللي تمت واللي هتم الفترة الجاية، وحزري فزري لقيت ايه بقا؟!"


"يالا يا ريم ما تقولي، متحيرينيش كده"


"مستند تنازلك عن أسهمك لمجموعة شركاته"


"وأخيراً" صاحت بلهفة "أنتي متأكدة أنها النسخة الأصلية؟" صاحت بقليل من التردد


"ايوة طبعاً متأكدة.. الحبرقدامي اهو بخط اديك، هتعوزي ايه تاني؟!"


"بمجرد ما اخده منك هعملك اللي عمرك ما حلمتي بيه في دنيتك" صاحت بفرحة ثم أنهت المكالمة


"أنا هوريك يا آدم يا رأفت ازاي تلعب مع ميار الحسيني!! أنا وعدتك واديني اهو بنفذ وعدي ليك" تمتمت ثم ضحكت بعهر لتجلس مفكرة بالخطوة القادمة وقررت مهاتفة هشام لتزف إليه الخبر السعيد!.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-