أخر الاخبار

رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي الفصل السابع عشر

رواية عداء الدم 

رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي


 رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي

الفصل السابع عشر

ـ أسامحك بشرط؟؟

جفل لوجان فتراجع في مقعده يحاول سبر أغوارها، وبدون وعى طاشت نظرته لتحط على شفتها، حاولت إخفائها بضمها بحركة خرقاء:

ـ أسمعك، ما هو شرطك؟

ـ أن تخبرني لماذا أرى تلك النظرة بعينيك وكأنك تتمنى لو لا أكون هي، رجل في مكانك ربما كانت أمنياته العكس تماماً؟؟ هل قرأتك بشكل صحيح؟؟

صدرت رغماً عنها تأوه كالأنين عندما شعرت بمدى عذابه وهو يتطلع لها بتلك النظرة التي لا تفسر بل تخترق الحواس وتطعن القلب في مقتل:

ـ يا إلهي، هل تسببت بأذيتك لهذا الحد الموجع؟؟

انتفض واقفاً ترتعش أطرافه:

ـ لا، أرغب بالتحدث عن، هذا الموضوع، من فضلك، أي تسوية أخرى أنا على استعداد لـــ... 

ولم تشعر بنفسها وهي تركض حول المكتب وبحركة متهورة لم تصدقها هي نفسها وتركته عاجزاً عن الحركة لفترة هي تضمه بين ذراعيها وتضع رأسه على كتفها تربت عليها بحنان متمتمة بنبرة متقطعة:

ـ أنا آسفة. 

فكر بدفعها فوراً ولكن الدفء الذي انبعث منها أحيا أحاسيس اعتقد أنها ماتت قتيلة منذ سنوات، استمر عناقهما بعض الوقت حتى ابتعد برفق يرمقها بتلك النظرة التي لا تعرف الرد عليها:

ـ لماذا الاعتذار، 

ـ لا أعلم، ربما لأنني ينتابني شعور غامض بالذنب، ولو بشكل غير مباشر فتحت جراحاً قد اندملت. 

مر شبح ابتسامة ساخطة:

ـ هذا ما ظننته أنا أيضاً، ولكن يبدو أنها لم تندمل أبداً، كما هو واضح. 

ـ أعتذر لتجاوزي، بدوت كمن بحاجة لعناق تعاطف. 

ترددت محرجة وهي تعود بخطواتها للخلف هاربة من تحديقه المستمر، وأخيراً وصلت للباب وكانت له الكلمة الأخيرة:

ـ فيولا، شكراً للعناق.

همت بالرد بإيماءة مرحبة عندما التمعت عيناه بإثارة وكأنه يذكرها بمشهد مباغتتها في الحمام وكل المشاعر التي أثيرت في تلك اللحظة، حانقة اندفعت للخروج صافقة الباب خلفها. 

انكسرت ابتسامته بتنهيدة كبيرة، عاد للجلوس خلف مكتبه غارقاً في التفكير، كيف سيحل هذا اللغز، ؟؟؟

منذ ذلك اليوم والعلاقة في تطور رغم استمتاعها به ولكنها كانت تزداد رعباً في كل لحظة، اعتذر زاك عن لقائها في يوم إجازتها الأسبوعي، فطلبت من لوجان أن يسمح لها أن تقضيه مع جمانا، خاصة وأن ألكسيس لم يعد بعد، لم يحاول هذه المرة الضغط عليها وقبل بقاءها على شرط أن يعطيها ضعف راتبها في هذا اليوم، فأجابته وهي تضم جمانا في عناق قوي:

ـ يكفيني أنني لن أفارق صغيرتي الحلوة. 

وفاجأها لوجان بالسؤال:

ـ ألم يجد صديقك أوراقك بعد؟؟

ـ ليس بعد يطلب مهلة أخرى، أنا لست في عجلة من أمري. 

تنهد بقلق:

ـ وأنا أيضاً. 

كان خوفها يزداد فامتنعت عن الالتقاء بعينيه، وتجنبت أن يكونا وحدهما، في كل مرة كانت جمانة عامل مشترك يحميها، وبعد عودة ألكسيس حرصت ألا يغيب عن عينيها أبداً في وجود والده، كانت تخاف نفسها أكثر من خوفها منه ومما تحمله لهم الأيام القادمة، وكانت على حق، ولكن سؤالاً ظل يؤرقها ويمنعها من الراحة، ماذا فعلت به لتسبب له كل هذا الألم؟؟ 


دخل لوجان غرفتها ذات الباب الموارب وسأل بقلق وعيناه تتجاوزانها لتصل لابنته النائمة على فراشها:

ـ كيف حالها؟؟

همست كي لا تقلق الطفلة:

ـ بخير لا تقلق لقد انخفضت درجة الحرارة، بدأ جسدها يستجيب للعلاج.

ـ حمداً لله، لم تمر بمثل هذه الوعكة من قبل، لست أدري ما كنا سنفعل بدونك؟


وضعت إصبعها على فمها وهي تقترب منه مختلسة نظرات خاطفة على جمان ثم دفعته خارج الغرفة وأغلقت الباب بهدوء:

ـ دعنا لا نزعجها، أتحرق لكوب من القهوة وشطيرة جبن

ـ لقد أتعبتك تلك المحتالة كثيراً

زجرته بلطف:

ـ لا تلقبها بالمحتالة، تحاول الحصول على اهتمام خاص بطريقتها

ـ أنتِ الوحيدة في هذا البيت التي تدافعين عنها

ـ ربما لأنني الأنثى الوحيدة معها ضد طوفان من الرجال

كانا قد وصلا للمطبخ، التفت ليسألها ولم تنتبه أنه توقف لتجد نفسها بين ذراعيها جراء حادث تصادم مروع. 

لفها بذراعيه ليمنعها من الارتداد للخلف ولم يبدو متعجلاً للابتعاد، وضعت يداها على صدره لاهثة:

ـ سيد سيرادور أنا.... 

لاحظت تفاحة آدم في أسفل حلقه والتى انتفخت لتسترخي وهو ينحني فوقها محطماً الحاجز الذي بناه بنفسه كلما تمنى تدنيس براءة تلك الشفاه المتوحشة الشهية.

  أغمضت عيناها مستسلمة أخيراً لقبلة زارت أحلامها كثيراً ولكنها لم تصل لنصف روعتها أبداً، ابتعد عنها أخيراً لالتقاط الأنفاس وهمهم معتذراً وهو يبعدها عنه بارتباك:

ـ آسف، لم. 

وضعت يدها على فمه:

ـ لا تعتذر، أنا أتفهمك، ربما تشتاق لزوجتك كثيراً

اعترض بإصرار:

ـ لم أتمنى يوماً أن تكوني هي! 

أعادت سؤالها الذي رفضه من قبل:

ـ لماذا، ربما لا يحق لي السؤال، أنا مجرد مربية لأولادك.

أهداها نظرة عذاب:

ـ أنت تعلمين أنك أكبر من مجرد مربية منذ تلك اللحظة التي وطأت فيها عتبة مكتبي، كلانا يشعر ويتعذب بالكيمياء التي تجمع بيننا، وكل المصادفات التي تحدث.

 ربما تكون إحدى ألاعيب القدر، يتلاعب بنا كالدمى، تريدين معرفة ما فعلته شيارا بي، ببساطة لا يمكنني، لن تتوقعي وأخشى أن أحطم خيالاتك التي بنيتها حولي، ما زلت أصاب بالكوابيس في بعض الليالي مما حدث معي منها.

 

وضعت يدها على يده عبر المائدة:

ـ لا أعرف ماذا أقول لك، صعب التفكير في كل ما تحملته طوال هذه السنوات، ويبدو أنها كانت تعاني بدورها أكثر بكثير من معاناتك، خاصة عندما اضطرت للهروب بعد كل هذه السنوات؟؟

ـ تقولين اضطرت..أنتِ أيضاً تعتقدين مثل ألكسيس أنها لم تهرب باختيارها؟

ـ أؤكد لك أن هذا لا يمكن أن يحدث، لابد أن دافعاً فوق احتمالها دفعها لهذا التصرف.

 

ـ آخر ما توقعته أن تتعاطفي معها، حتى قبل أن تعرفي ما فعلت؟؟

ـ أنا امرأة أيضاً وما لم تخبرني به عنها يبدو مرعباً، صعب على أي امرأة العيش مع إحساس كهذا، وهي كابدته وتعايشت معه وأذنبت به ذنب لم تغفره لنفسها أبداً، حتى وإن غفرته أنت.

أومأ بهزة ألم:

ـ نعم، ربما هذا ما كانت عليه، هي لم تغفر أبداً لنفسها.

حاولت سحب يداها فتمسك بهما:

ـ فيولا، ربما لم يكن القدر يلعب بنا، ربما أرسلك لي تعويضاً استحققته بعد كل ما مررت به، أنا بحاجة لك، 

سحبت يدها منه بعنف أجفله:

ـ أرجوك، لا تكمل، أنا هنا من أجل الأولاد. 

ـ وأنا!! 

هزت رأسها بعينين دامعتين:

ـ أنا آسفة، أنا لا أعلم أي ماض يتعقبني، ولا مستقبل غامض ينتظرني..أنا أعيش يوماً بيوم، وأنت تحمل ما يكفي من جراح، سأجرم بحقك لو وافقتك، كما أنك لا تحبني فعلاً

ـ أنت مخطئة أنا... 

ـ لا تنطقها أرجوك، لن أسمح لك أن تهدم الخيط الوحيد الذي يبقيني هنا، كنت أعيش ضياعاً في دنيا متلاطمة، رسوت عندما أصبحت معهما، جمانا وألكسيس، تصبح على خير، سيد سيرادور.


انسلت بخفة يبتلعها الظلام لتتركه ضائعاً بعد أن كاد يرسو على شاطئ أمانه.

أسرعت للدخول للحمام بعد أن خافت أن تستيقظ جمانا من صوت بكاءها، أخذت تكتم شهقاتها ولكن دموعها لم تجد أي رادع.

 

وقف لأكثر من خمس دقائق يسمع نحيبها المكتوم، وفي كل مرة يمسك مقبض الباب ويهم بفتحه ولكنه يتراجع في آخر لحظة، كل ما يرغب به في هذه اللحظة أن يحتويها على صدره، ولكن لابد من خطوة أخيرة قبل أن يفعل هذا.

 

أجبر نفسه بصعوبة على التراجع وهو يقسم أن هذه المرة الأخيرة التي سيسمح لها فيها بالبكاء.

كان توترها يزداد في كل دقيقة وهي بطريقها للقاء زاك، كانت متأكدة أنه توصل لمعلومات هامة من نبرة صوته، حسناً لم تعد متأكدة تماماً، نظرت لساعتها وقد خيل إليها أن عقارب الساعة لا تتحرك.

 

تأففت وقد بدأت تلفت أنظار رواد الحديقة العامة، وقفت وأخذت تتمشى لعل الوقت يمضي:

ـ ـ أخيراً وجدتك، ألم أقل لك ان تنتظريني في نفس المكان.


حدجت رفيقها بنظرة نارية:

ـ لقد تأخرت..

حك رأسه بارتباك:

ـ عفواً، مر الوقت سريعاً حتى انتبهت للموعد. 

ـ دعك من الاعتذارات هل توصلت لشيء 

ـ ربما..؟؟!!

ـ ماذا تعني بربما هذه؟

ـ لا أعلم إن كانت المعلومات التي حصلت عليها تفيدك أم لا. 

جذبته من ذراعه ليجلسا على أحد مقاعد الحديقة الرخامية وبادرت بسؤاله بلهفة:

ـ لا تضيع الوقت وأخبرني ما الذي توصلت إليه؟؟

ـ حسناً تبدين متلهفة

زمجرت:

ـ زززاك..

ضاحكاً بحبور:

ـ حسناً، لا تغضبي، سأخبرك بكل ما توصلت إليه، اسمعيني جيداً، في البداية. 

ـ هل أنت السيد زاك ..

التفت زاك مدهوشاً للرجل الضخم الذي وضع يده على كتفه وبصحبته اثنان يماثلانه ضخامة..ابتلع لعابه بصعوبة:

ـ ومن يسأل..

ـ لا يهم، تفضل معنا وستعرف كل شيء


ـ لن أذهب لأي مكان، ألا ترى أنني مشغول

ألقى الرجل الضخم نظرة على فيولا التي بدأت تستشعر الخوف من نظرات الرجال الثلاث:

ـ نعم أرى، ولكن الآنسة أيضاً سترافقنا. 

هب زاك واقفاً:

ـ أنت لا يحق لك اصطحابنا بدون رغبتنا.


حدجه الرجل بنظرة متحدية:

ـ هل تراهن؟؟؟

الفصل التالى

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-