أخر الاخبار

رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي الفصل الثامن عشر

 رواية عداء الدم

رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي



رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي

الفصل الثامن عشر

نظرت فيولا في ساعتها بقلق وتمنت لو كانت استمعت للوجان الذي ألح عليها كثيراً لتحمل هاتفها المحمول معها، ولكن كبريائها أبى أن تقبل منه هديته وأخبرته بدون أي تواضع أنها ستشتري واحداً من مالها الخاص عندما يتاح لها الوقت.

 كم تعض على أناملها ندماً في هذه اللحظة وهي تقف في غرفة بالكاد يضيئها مصباح شحيح ولكن المكان يصرخ بالفخامة والثراء، لولا أنهم أبعدوا زاك عنها لكانت ظنت نفسها ضيفة، بالإضافة طبعاً للطريقة التي دفعتها بها تلك الثيران الآدمية رغماً عنهما.

 تنهدت بصبر متخيلة جمانا تستيقظ من النوم ولا تجدها، وألكسيس سيساوره القلق، وبالطبع لوجان، ربما يظنها في رحلة مع زاك، أو الأسوأ!!


انتفضت واقفة عندما فتح الباب ليدخل رجلاً متأنقاً ببذلته السوداء السينيه، فكرت بقلق .."كيف عرفت أنها سينيه"

لم تعرف أنها كانت تفكر بصوت عال، التفت لها الرجل الغريب وقد استشعرت رهبة من تلك الندبة الطولية في صدغه وتمتد حتى تختفي في شعره:

ـ هل قلت شيئاً؟؟

تحدته بخوف مستتر:

ـ هل أنت مجرم عتيد الإجرام ؟؟

ـ أنا لا أظن؟؟

ـ إذن لماذا جلبنا رجالك هنا رغماً عنا. 

ضاقت عيناه ليبدو اكثر وسامة:

ـ رغماً عنكما، لم تكن هذه تعليماتي، سأحاسب المسؤول، ثقي أنني سأفعل، ولكن لننظر للجانب المشرق، أنت هنا. 

ـ ماذا فعلتم بزاك؟

قهقه بطريقة ودودة خففت قليلاً من تشنجها:

ـ ما زلت تعتقدين أنني مجرم عتيد الإجرام، اطمئني..السيد فيرونون بخير وهو في هذه اللحظة في طريقه لبيته

تخشبت مكانها:

ـ ذهب، من دوني..!!

ـ لو كان هذا سيطمئنك، لم يكن يملك الخيار. 

ـ أتعني أنك أرغمته، كما ترغمني على البقاء هنا لسبب لا أعلمه

اتجه عائداً للباب الذي دخله للتو يعرج واضح رغم ارتكازه على عصا الماهوجني التي يتمسك بمقبضها بضغط واضح:

ـ بالتأكيد لست مرغمة وهذا هو الباب تستطيعين الخروج في أي وقت، ولكنني أستسمحك في دقيقتين من وقتك..

كتفت ذراعيها على صدرها مرددة بعناد:

ـ وإن لم أسمح..

أخرج تنهيدة إحباط:

ـ في هذه الحالة، سأودعك وأنا في غاية الأسف..

ازدردت لعابها بصعوبة ووقفت مترددة:

ـ هل، هل أنت السيد الغامض؟؟

ضاقت عيناه في شبه ضحكة:

ـ مرة تطلقين علي لقب عتيد الإجرام والآن، السيد الغامض، تروقين لي كثيراً يا فيولا، لطالما أعجبت بجسارتك

ـ سأمنحك خمس دقائق لتخبرني بما أرغب بمعرفته..

ـ وما هو؟؟

ـ من أنا؟ 

ـ فيولا أليسندرو 

بدأت تهدئ من روعها:

ـ ولماذا أشبه زوجة لوجان سيرادور

تظاهر بالتفكير العميق وهو يسير نحو مكتبه حتى جلس خلفه:

ـ سيرادور، لم ألتق بهذا الاسم من قبل، من يكون؟ 

ارتبكت فتحركت بحذر نحو المكتب:

ـ كيف تعرفني؟؟  

ـ أنا من حملتك للمشفى بعد إصابتك في الحادث، وتكفلت بعلاجك، 

ـ أنت؟؟

ـ أعرف، ولكنك فجأة اختفيت..

ـ لذلك أرسلت زاك ليبحث عني، لماذا هذا الاهتمام بي، وكيف تعرف اسمي..

ـ كل هذه الأسئلة ترغبين أن أجيب عليها..

ترددت قليلاً قبل أن تجيب:

ـ نعم..

ـ اجلسي وسنطلب غداء وبعده. 

لوحت بيدها باعتراض:

ـ أنا لن أبقى هنا أكثر من الخمس دقائق التي حددتها والتي قاربت على النفاذ، إن لم تجيب عن أسئلتي سأجد زاك وهو سيخبرني..

مط شفتيه محاولاً التحكم في انفعالاته:

ـ حسناً سأجيبك، كلا السؤالين لهما إجابة واحدة، أنتِ زوجتي. 

شهقت مصدومة وركبتاها تتهاويان لتجد نفسها تنهار على المقعد القريب تحاول استجماع شظاياها المبعثرة، تحدق بوجهه تارة، وتارة تحدق في الفراغ، ثم صرخت:

ـ مستحيل، أنت تكذب..

فتح أحد الأدراج دون أن تهتز شعرة واحدة في رأسه وأخرج لها ألبوم صور، ألقاه أمامها:

ـ هذا هو الدليل. 

لحظات طويلة مرت كسنوات يتبادلان فيها التحديق ترغب بشدة أن تستيقظ من هذا الكابوس، لا يمكن أن يكون هذا الرجل زوجها، ولكن....

 

مدت يدها والتقطت الألبوم، فتحته بأنامل مرتجفة وأخذت تطالع الصور، العديد منها في أماكن مختلفة ووضعيات مختلفة، ضاحكة، ساهمة، حزينة ورومانسية، كانت تهز رأسها وهي تقلب الصفحات وكأنها لا تصدق حتى ما تراه، ألقته بوجهه وقفة واضعة يديها على المكتب:

ـ كل هذا كذب، يمكن أن تكون الصور مفبركة. 

أومأ باتزان:

ـ نعم، ربما، ربما وضعت نفسي معك في كل الصور، ولكن هذا يعني أن رجلاً آخر كان مكاني، أقى نظرة على الصور بتنهيدة حسرة:

ـ كنت وسيماً، بل شديد الوسامة، اللعنة أنظري ماذا فعلت بي..

فتحت فاها ببلاهة وكأنها تحاول استيعاب ما يقول! 

قلب شفتيه باستهانة مشيراً للصور مرة أخرى:

ـ بإمكانك عرضها على خبير متخصص، سيؤكد لك أنه صحيحة مائة بالمائة، أنت زوجتي فيولا، هذه معلومة أيضاً صحيحة مائة بالمائة

ـ لو كنت فعلاً زو، لما لم تلحق بي، لم كل هذا اللف والدوران، لماذا تركتني في الشارع وأنت تعلم مكاني

ـ تركتك تحاولين استجماع قواكِ، لطالما كنتِ عنيدة وتقومين بكل شيء بطريقتك الخاصة، أردتك أن تتذكري وتعودي لي وحدك، لليو حبيبك.

 

رددت حروف اسمه بين شفتيها ولكنها لم تحدث أي صدى في نفسها. 

ـ أنا، أنا لا أستطيع، لا أتذكرك، لا يمكنك أن ترغمني على البقاء.

ـ لن أفعل، يمكنك الذهاب الآن ولكن لا تعتمدي كثيراً على كرمي، أنتِ زوجتي يا فيولا ومكانك هنا معي، اشتياقي لك فاق كل الحدود، ولأنني أحبك سأترك لك مساحة من الوقت لتتذكري وتعتادي الفكرة، ربما عندها ستتذكرين عشقك لي وتعودين لي فور.

 

كانت بانتظارها سيارة فارهة أمام بوابة القصر الضخم، والسائق يفتح لها الباب الخلفي منحنياً باحترام:

ـ أوصانا السيد أن نوصلك لأي مكان.، 

كم رغبت أن تلقي بعرض السيد وأوامره عرض الحائط ..ولكن ذرة من التعقل تخللت جنونها وهي تفكر في جمانا التي لابد أنها تبكي الآن، وألكسيس ربما ما يزال يجلس في النافذة بانتظارها والقلق يفتك به، ولوجان. 

ـ سيدتي..

انتبهت لنداء السائق ..فأومأت له بفكر شارد وهي تدخل السيارة بانصياع تام، لتنطلق بها تشيعها تلك النظرات الحادة التي تبرق بانتصار.

 

لم تظن أن الوقت تأخر لهذا الحد حتى وصلت للبيت، كان الليل قد أرخى أستاره منذ ساعات وساد هدوءه الكون، ما عدا دقات قلبها الذي يضج بهمجية في صدرها، رافعاً لافتات احتجاج وعصيان، مهدداً ومندداً وشاجباً.

 

فتح الباب ليقف أمامها، كل الكلمات التي اختزنها طوال اليوم ليفجرها في وجهها ذابت، وكأنها لم تكن. 

كل مشاعره وأحاسيسه الثائرة كحمم بركانية، هدأت عندما وقعت عيناه عليها، 

وضع يده في جيبه ليمنع نفسه من أن يحتويها بقوة حتى تختلط بأضلاعه، وبنبرة حاول جاهداً كي تبدو غير مبالية:

ـ لقد عدتِ؟؟!!!

لم يسمح لها بالدخول بعد، كان متصدراً الباب بعناد..

رفعت عيناها إليه أنزلتهما فوراً عندما أرعبتها أحاسيسها الصارخة، كانت تتوق لعناقه، ذلك العناق الذي تعففت عنه طويلاً، الآن فقط، أصبح ليس اختياراً، لم يكن من حقها ولا من حقه، 

تمتمت برأس منكسة كأعلام الحداد:

ـ آعتذر للتأخير، حصلت.... 

قاطعها بصلف:

ـ لم أطلب منك تقريراً عن غرامياتك في يوم إجازتك، ولكن هذا البيت محترم ..وتعلمين أنه غير مسموح فيه للتأخر..لو أردتِ المبيت بالخارج كان عليكِ أن تطلبي. 

مسحت دموعها بحدة حتى ظنت أنها جرحت وجنتها قائلة وهي تكتم انتحابها:

ـ لن، لن أكررها مرة أخرى، أعدك، هل، هل تسمح لي بالمرور، أرغب بالاطمئنان على الأولاد.

 

بدون ان يتزحزح من مكانه سمحت زفرته الساخرة:

ـ لو كنت تهتمين لأمرهم كما تدعي. 

ثم ابتلع باقي كلماته، وزفر عدة زفرات تنم عن غضبه الشديد قبل أن يتمتم من بين أسنانه:

ـ في حال قرر، أو قررتما أنتِ وهذا الــ، أن تستقلا بحياة خاصة بكما، أرجو أن تبلغيني قبلها بوقت كافِ لأبحث لي عن مربية أخرى

شهقت وهي ترفع رأسها له هذه المرة ليرى عيناها المغرورقتان:

ـ أنا لن أترك الأولاد، أبداً. 

تراجع خطوة وقد أدهشته الحدة التي ردت بها على كلامه، وازداد تعجباً وهي تدفعه بغل أكبر في خطوات شبه راكضة نحو غرف الأولاد.

 

طوال الأيام التالية كانت غريبة تماماً، فالضحكة التي عبقت بها أركان المكان اختفت، وإن لم تقصر في أي شيء يخص الأولاد، ولكنها شيئاً فشيئاً كانت تزداد شبهاً بها، شيارا.

 

ندم على خشونته معها، ولم يجد طريقة جديدة لإخراجها عما هي فيه، أو حتى لمعرفة سببه. 

لم تغادر البيت في عطلة الأسبوع، لم يشجعها ولم تسأله.، 

كان ألكسيس غائب في رحلة تخييم مع أصدقائه، راقبها تلاعب جمانا في حديقة المنزل حتى غفت هذه الأخيرة على كتفها، حملتها بحماية شديدة حتى وضعتها في فراشها. 

سمعت صوت معدتها تقزقز فتذكرت أنه فوتت وجبة الغذاء عندما رفضت مشاركة لوجان مدعية اهتمامها بجمانا، اتخذت طريقها للمطبخ بعد أن ألقت نظرة أخيرة مطمئنة على الصغيرة وتأكدت أن جهاز الأنتركوم يعمل.


 لم تشعر بجوع حقيقي، ولكنهها تزددا نحافة هذه الفترة فهي تقريباً لا تأكل غير وجبة واحدة في اليوم، حتى باتت تشعر بالهزال وبدوار أغلب الأوقات، لا يهم فهي لا تشعر بأي رغبة للأكل. 

صنعت شطيرة خفيفة من الجبن وهمت بالخروج عندما فوجئت به يتصدر طريقها، شملها بنظرات غامضة ثم أشار لما تحمله:

ـ أهذا فقط ما سيسد جوعك. 

لوحت بيدها الممسكة بالشطيرة:

ـ أنا لا أشعر بجوع فعلاً. 

ـ أحقاً!! 

همهمت وهي ترخي أهدابها:

ـ نعم، لو سمحت هي يمكنني المرور. 

ـ بالطبع. 

وقف جانباً يراقبها تتجاوزه في مناورة ماهرة كي لا تلمسه. 

نجحت تماماً ولم تفرح بانتصارها إذ ما لبثت دموعها أن شوشت طريقها فلم ترى أمامها وزادت الخطورة عندما تكاثفت أطياف الضباب أمامها والدوار يعود لتشعر بالمكان يتأرجح بها.

 

شتم ساخطاً وهو يراقبها تتجاوزه بدون أن يظهر عليها أي شيء، كل ما كان بينهم من نظرات ولمسات، ومشاعر وليدة، كلها وأدت فجأة في مهدها، بدون أسباب...أو تبريرات، انتبه فجأة لوقوفها المفاجئ ثم ترنحها، لم يفكر ثانيتين قبل أن يهب لمساندتها قبل أن تلمس الأرض.

الفصل التالى

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-