أخر الاخبار

رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي لفصل التاسع عشر

رواية عداء الدم 

رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي


 رواية عداء الدم بقلم ميرفت البلتاجي

لفصل التاسع عشر

..... 

طنين رهيب مزعج صم أذنيها، صور تتوالى أمام عينيها، وجوه تعرفها، وأخرى لم ترها أبداً، تجاهلتهم وركضت مسرعة وكأنها تسعى للحاق بشيء، ما هو، لم تدري، شعرت برغبة محرقة في البكاء فلن تصل في الموعد، لابد أن تصل، حياتها كلها متوقفة على الوصول، شعرت بآلام رهيبة فنظرت لقدميها المدماة، فقد كانت حافية والأرض مزروعة بالأشواك، أغمضت عيناها وأكملت وقد أخذت الأشواك تمزق باطن قدميها كالسكاكين. 

وصلت أخيراً، تمسكت بالبوابة الخشبية لاهثة متعبة جريحة، تمنت لو أنها لم تأتِ أبداً، فالمقاعد البيضاء المزينة بالورود كانت متراصة في الحديقة، وفي آخرها يقف العريس ومعه عروسه متأبطة ذراعه وأمامها رجل الدين يصرح بكلمته المعهودة، من يرى سبباً كي لا يتزوج لوجان من عروسه الجميلة ليتكلم أو ليصمت للأبد، 

صرخت بكل ما فيها من أوجاع:

" أنا، أنا أعترض، لا يجب أن يتزوجها هي، بل أنا، أنا هي حبيبته وزوجته، أخبرهم لوجان، أرجوك"

ولكن يا للعجب لم يلتفت أحد منهم لصراخها لتكتشف أن صوتها لم يخرج أبداً، حاولت مرات ومرات لتكتشف أنها عاجزة تماماً عن إخراج أي صوت حتى ولو صرخة واحدة، تحاملت على نفسها وتوكأت على المقاعد المتراصة، وقد بدأت تسترعي انتباه الضيوف الذين أخذوا يرمقونها بقرف، حتى وصلت للعروسان.


  أمسكت بيد لوجان ولكنه لم ينظر إليها فقد كان مأخوذاً بعروسه تماماً كالمسحور، التفتت لتراها وتتوسلها أن تتركه، لتجد نفسها وكأنها تنظر في المرآة بنظرات شيطانية، صرخت حتى ظنت أن روحها خرجت مع صرخاتها"

ـ فيولا، فيولا، افتحي عيناكِ هذا مجرد كابوس، فيولا..

انتفضت من مكانها تحملق فيما حولها باندهاش، ثم زاد تحديقها في وجهه القلق:

ـ أين أنا؟؟

ـ في غرفتي، لقد فقدت الوعي، استدعيت جارنا الطبيب، أخبرني أنك بخير ولكن ضعيفة، ونصحني أن أكف عن معاملتك كجارية وأزودك ببعض الطعام..

ـ ولكنك لا تحرمني الــ.. .

أشاحت بوجهها عن عيناه العاتبتان:

ـ لماذا يا فيولا؟؟

حاولت النهوض فمنعها بإصرار:

ـ لن تغادري فراشي قبل أن أعرف كل شيء

همهمت بانكسار:

ـ أرجوك، دعني أذهب..

أمسك كتفيها وثبتها مكانها:

ـ ليس قبل أن أعرف. 

تجمدت عندما نظر لها بتلك النظرة كأن شهاباً نارياً اخترق معدتها، أحرق يداه ذراعيها وهما تتنقلان عليها صعوداً وهبوطاً، أرادت أن تعترض، أو تحرر نفسها منه بأي طريقة، وقبل أن تصل الفكرة لحيز التنفيذ كان يستولي على شفتيها بتملك، 

تمتم بنعومة أرسلت رعشات متتالية في ظهرها:

ـ لا تقاومي. 

ضرب قلبها في أضلاعها بدقات عنيفة ورغبتان ملحتان تتنازعانها، إحداهما الذوبان حتى الموت بين هاتين الذراعين، والابتعاد عنه لآخر مكان قبل أن يعرف سرها المشين.

 

كافحت لتسيطر على نفسها، أو لتحارب رغباته المتقدة ولكنها انتهت لتحارب نفسها كي لا تنجرف معه، ثم ضربها وعيها في مقتل عندما اكتشفت ان تنفسها بدأ يتسارع لينبت في صحراء مشاعرها القاحلة رغبة متوحشة.

 

ثارت مقامتها مرة أخرى، لا يمكن أن يحدث، ليس هكذا، وليس وهي ملكأ لرجل آخر، لن تستطيع خداعه ولا أن تخدع نفسها أنها يمكن أن تكون له بهذه الطريقة. 

فوجئ بخشونة يديها وإصرارها وهي تدفعه عنها لاهثة، نطق اسمها بنعومة وهو يحاول مجددا الاقتراب فصدته بصوت متقطع:

ـ أنا، أنا متزوجة. 

امتقع لونه مجفلاً:

ـ ماذا؟؟؟

نكست رأسها بإعياء:

ـ أنا آسفة. 

ـ كيف، كيف، أنت أخبرتني. 

ـ اكتشف أنني متزوجة من أسبوع واحد فقط، 

هدر باتهام:

ـ عندما تأخرتِ...ولم تكلفي نفسك عناء إخباري. 

أمسكها من كتفيها يهزها بقوة:

ـ لماذا... لماذا؟؟ 

ـ بنشيج عالي صرخت بين يديه:

ـ لم أقدر، كنت مذهولة بدوري، لم أعرف كيف يمكن أن أترك الأولاد وأذهب. 

دفعها عنه باشمئزاز وقرف:

ـ كلكن عجينة واحدة، أنتِ وهي. 

صرخت بوجع:

ـ لا أرجوك، أنا لا... 

ـ الفعل مختلف والجرح أعمق، عندما خدعتني لم أكن أعرفها، رجولتي وعزة نفسي كانا أكثر المصابين، حتى عندما هربت، كان الأنين مختلف، ولكن أنتِ، !!!!

وقف مشيراً لها باحتقار:

ـ يمكنك أن تذهبي الآن، أولادي ليسوا بحاجة لمخادعة مثلك، لقد اكتفوا.

 

أخذت تهز رأسها بدون وعي يدها على فمها لا تصدق ما آلت إليه الأمور ثم شهقت:

ـ أنا، أنا لا أحبه، لا أشعر به، أرجوك صدقني لم أكن أعلم، لقد فوجئت مثلك، حتى عندما عرض علي الصور...لم أصدق عيناي.، 

سألها بعد أن تمالك نفسه قليلاً:

ـ ولماذا..؟؟

ـ لا أعرف، إحساس داخلي لم يصدق، حتى أنني توسلته أن يتركني، ولكنه.... 

ـ لماذا لا تطلبين الطلاق إذن..

ـ أي محكمة ستوافق على طلاقي وأنا لا أتذكر نفسي، سيعتبرونني غير مؤهلة لاتخاذ هذا القرار. 

أعاد شعره للخلف متنهداً بتعب:

ـ لا أعرف، ربما زوجك على حق بتمسكه بك، عودي إليه ربما تتذكرين أموراً عندما... 

صرخت:

ـ لا... لم يكن هذا شعوري وأنا في بيته.

 

ـ لا شك أنك مخطئة، لماذا يدعي أي رجل أنه زوجك إلا إذا كان فعلاً، 

ـ طلبت من زاك أن يتحرى لي عن ماضي، ولكنه منعني مع رجاله من التحدث إليه، أرجوك ساعدني، لا أشعر بأي مشاعر تجاهه على، عل عكس، 

ضاقت عيناه بتساؤل:

ـ عكس ماذا؟؟

هزت رأسها بقوة:

ـ لا، لا شيء، هل ستساعدني؟؟

ـ أنا، آسف، من الأفضل أن تستسلمي لقدرك، في الصباح أرجو أن تكوني غادرتِ بيتي للأبد.

صرخت توقفه عندما هم بمغادرة الغرفة:

ـ أنت تحبني..

توقفت يده على مقبض الباب:

ـ يبدو أنني كنت مخطئاً، مرة أخرى، وداعاً. 

أغلق الباب خلفه بهدوء على عكس ما يشعر تماماً، وكأنه أصبح معتاداً على الانكسارات فما عادت تؤثر به، أبداً، عليه أن يقف مرة أخرى من أجل أولاده.


رنين هاتف بعد منتصف الليل، كان النوم قد عصي على أجفانه ليلة أخرى...أمسك السماعة بهدوء وأجاب المتصل، بضع كلمات اخترقت أذنيه جعلته ينتفض من مكانه هاتفاً:

ـ وأين هي الآن؟؟؟ 

******

ـ وفيم وقوفك تراقبها من بعيد في مثل هذا الوقت المتأخر، بالتأكيد لن تدعو نفسها لسيارتك، .لا يهمني كيف تقنعها أخبرها أنك من طرفي، وإن ظلت على عنادها أرغمها، لا أهتم بالوسيلة، المهم أن تعود لي.  

*******

أجفل لدى سماعه صوت إغلاق الباب الذي ملأ صداه كل أركان الليل المظلم، وضع رأسه بين يديه يكاد ينفجر من الصداع. 


"يا إلهي، ماذا فعلت، لقد استنجدت بي، طلبت مساعدتي، حتى أنها تشك في ادعاءه أنه زوجها، كادت تتوسلك أن تقف بجانبها، وأنت فضلت الوقوف بجوار أشباح ماضيك، جبنت ربما ظننت أنك لا تستحق حبها، أو أنها لم تحبك أبداً.

 

كيف، كيف تخليت عنها، بعد أن تذوقت رحيقها، بعد أن ضممتها لصدرك وعزف قلبك مع دقات قلبها، هل كان قلبك يكذب هو الآخر عندما صدقها. 

دهس تردده وهو يخطو بإصرار ليلحق بها. 

وقف بالخارج يجيل عيناه يمين الطريق ويساره لعله يلمحها، ضرب الأرض بقدمه عندما لم يعثر لها على أثر، ولكنها لا يمكن أن تبتعد كثيراً على قدميها، ولا توجد أي وسيلة مواصلات في هذا الوقت المتأخر.

 

بعزم أسرع تناول مفاتيح سيارته لينطلق باحثاً عنها في كل مكان، لم يتمكن من اليأس عندما لم يجدها فأدار السيارة في الاتجاه المعاكس...كان قد بلغ توتره مداه عندما رآها أخيراً، كانت ما تزال تسير بدون هدى وكأنها لا ترى طريقها.

 زفر بارتياح وهم باللحاق بها عندما انتبه لتلك السيارة التي تتبعها، ثم توقفت جوارها تماماً ويبدو أن أحداً ناداها لأنها أجفلت وهي تنظر للسيارة بحذر بالغ.

 

عرف أنا خائفة من حركة كتفيها وهي ترفع رأسها بعنفوان وتكمل طريقها غير عابئة بمن يتبعها، بدأ لوجان بمغادرة سيارته عندما فعل سائق السيارة الأخرى.

 

حدث كل شيء فيما بعد بسرعة بالغة، فقد حاول الرجل الغريب دفعها للدخول لسيارته عنوة دون أن يهتم بصراخها، وكاد أن ينجح عندما فاجأه لوجان بلكمة أردته أرضاً في ثوان، وقبل أن يفيق من الصدمة جذبها لوجان مذهولة ليدخلها سيارته ويسرع ليقود بعيداً.

 

راقبها ما تزال مصدومة لاهثة:

ـ هل أنتِ بخير؟؟

هزت رأسها وهي تسأله بصوت متقطع:

ـ جمانا، كيف، كيف تركتها، وحدها. 

ـ تفكرين بجمانا وقد كنت على وشك الخطف. 

صرخت به بلوعة:

ـ كيف تتركها وحيدة، ماذا لو استيقظت، ماذا لو أصابها مكروه، كيف تأمن على تركها بمفردها، كيف. 

خرجت منه تنهيدة:

ـ اهدئي...جمانا ستكون بخير، لم أفكر، كنت محقاً بقلقي عليك. 

ضربت براحتي يديها على ركبتيها:

ـ أسرع أرجوك. 

استغرب قلقها، وضع يده على يدها:

ـ ستكون بخير، أنتِ تعرفين هذا، لم يحن موعد استيقاظها بعد. 

هزت رأسها وكأنها تحاول استيعاب كلماته:

ـ ابنتي، سأفقدها، ابنتي، لوجان، أسرع، أرجوك. 

ردد بتساؤل:

ـ ابنتك؟؟؟ فيولا !!!؟؟

رفعت رأسها بذهول، ثم حدقت بالفراغ أمامها لتكتشف وقوف السيارة في الكاراج فأسرعت بمغادرة السيارة ركضاً ولم تتوقف حتى فتحت باب الغرفة لتجد جمان سابحة مع سحاباتها الوردية.

 

تراخت ساقيها لتتلقاها ذراعيه للمرة الثانية في نفس الليلة، ولكن هذه المرة وضعها في غرفة ألكسيس، ناولها كوب ماء وساعدها على ارتشافه، فتجرعته بلهفة ثم هدأت.

 

ـ من كان هذا الرجل الذي حاول إرغامك على دخول سيارته. 

ـ يقول أنه من رجال ز.. زوجي. 

ـ هل كان يراقبك؟ 

ـ لا أعلم، ولكنه أخبرني أن زوجي بانتظاري، ولكنني لم أرغب بالذهاب معه، وأنت أيضاً لا تريدني..

أطرق رأسه بتفكير عميق:

ـ فيولا. 

وضعت رأسها على الوسادة وأغمضت عيناها:

ـ أريد أن أنام. 

أطفأ المصباح وخرج بهدوء ولكنه لم يغلق الباب تماماً. 

******************

ـ ماذا تعني أنها لم تأت معك..؟؟

بارتجاف هتف الرجل الضخم:

ـ لم أعرف من أين ظهر ذلك الرجل وكأن الأرض انشقت عنه، صدقني يا سيدي كنت على وشك إدخالها السيارة كما أمرت عندما باغتني وضربني وقبل أن... 

صرخ ليو بكل غضب يغلي في عروقه:

ـ غبي، كلكم حفنة من الأغبياء، عمل بسيط كهذا عجزتم عن تنفيذه، ومن يكون هذا الرجل البطل الذي ضربك.


ـ لم أره جيداً ولكنه يشبه ذلك الرجل الذي تعمل عنده

صرخ ليو مجدداً:

ـ أتقصد سيرادور، مرة أخرى سيرادور، متى أخلص من ذلك الرجل متى؟ 

حسناً، لقد أردت هذا يا لوجان، ولكن ثق أنني لن أخرج هذه المرة من المعركة خالي الوفاض كالمرة السابقة.

الفصل التالى

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-