أخر الاخبار

ترويض ادم للكاتبة بتول طه الفصل ١٣

 البارت السابق

ترويض ادم للكاتبة بتول طه

الفصل الثالث عشر 

الجزء الثالث عشر


==================================


لم يستطع آدم إلا أن ينظر إليها عاقداً حاجباه بقلق وخوف.. لم تدرك هي لماذا هو بجانبها ولماذا ينظر لها هكذا؟ شعرت بألم جسيم وصداع كاد أن يفتك برأسها، فقط أوجاعها الجسدية تسيطر عليها وكل ما تريده أن تراه بعيداً عنها.


"قولتلك ابعد عني.. أنا لا عايزة أشوف وشك ولا عايزة لساني يخاطب لسانك.. أطلع بره لو سمحت" صاحت شيرين متغلبة على آلامها لتبكي بهيستيرية ولم يستطع آدم أن ينطق بحرف واحد وتضاعف قلقه عليها ليراها هكذا ليس كالسابق فهي لا تبكي بسبب أحد غيره هو فنهض ذاهباً لينادي أي طبيب أو ممرضة ليطمئن على حالتها فهو لن يسامح نفسه إذا ساءت حالتها أو تدهورت بسبب بكائها.


"دكتور. عايز زفت دكتور" صرخ بعلو صوته غاضباً ليرتعب من حوله جميعاً من العاملين بالمشفى ويذهبوا خلفه لغرفتها.


خلل آدم شعره بغضب وتعالت أنفاسه من القلق منتظراً خارج الغرفة خوفاً من أن يكون هو السبب لإنهيارها هذا "أنا السبب في كل اللي أنا فيه ده عشان غبي ومتخلف!! بس ورحمة أبويا لا ترجعي كويسة وهترجعيلي ومش هتسبيني يا شيرين!! وحتى لو عملتي ايه ولو رسيت إني أغصبك تفضلي معايا هاعملها" فكر وقد فقد القدرة على الإنتظار وما إن قرر الدخول حتى خرج الطبيب ومعه ممرضة ليتساءل "مالها؟ هي كويسة؟"


"هي كويسة والحمد لله عدينا مرحلة الخطر، بس ده مجرد تأثير الغيبوبة أمر طبيعي متقلقش حضرتك، أعصابها هتكون مشوشة ومشدودة شوية الفترة دي، وكمان عشان كدمات دماغها بسبب الحادثة، احنا اديناها مهدئ ومسكنا ت كمان، بس لو سمحت محدش يعرضها لأي حاجة تثير أعصابها أو تضايقها لغاية ما تعدي الأربعة وعشرين ساعة دي"


"تمام" همس بصوت خافت وقد علم أنه السبب كي تثير أعصابها ولكن لم يستطع أن يبتعد عنها وفكر كثيراً قبل أن يدخل لها وحاول أن يهدأ من نفسه ويستعيد سيطرته على أعصابه وهو يجوب أمام الغرفة برواق المشفى ذهاباً ومجيئاً وبعد حوالي ربع ساعة طرق الباب بخفة ثم دخل عليها ليرى ملامحها تتغير من مجرد إلتقاء أعينهما.


"ابعـ..."


"مش هنتخانق متخفيش" قاطعها بصوت هادىء رافعاً يداه مستسلماً ليراها هدأت قليلاً ثم نظرت متفحصاه بغضب "مش هانتكلم ولا هقولك حاجة خالص.. هاقعد جنبك ساكت" استكمل ليجلس على كرسياً بالقرب من سريرها


"أنت ايه مبتفهمش؟! قولتلك مش عايزة أشوف وشك تاني، مش عايزاك جنبي ولا طايقة أسمع صوتك وحتى وجودك في أي حتة قريبة مني بتنرفزني" همست بحزم وإشمئزاز "مش كفاية اللي حصلي بسببك.. عجبك مش كده؟ ربنا يريحك مني بالمرة وتشوفني ميتــ..."


"مش أنا قولتلك متقوليش كده تاني؟!" صرخ بها مقاطعاً اياها لتنظر بعيداً عنه وكأن صراخه وغضبه لن يؤثرا بها بعد الآن


"يا سلام! على أساس إن هيفرق معاك تشوفني ميتة ولا لأ؟" سألته بتهكم ولكن لم تحصل على جواباً سوى غضب تلك الرماديتان "اخرج بره ومتجيش هنا تاني بقا!" همست بوهن بينما ساد الصمت فترة.


"مش هاخرج، ومش هتموتي، ومش هاسيبك يا شيرين" أخبرها ولكن لم تدل نبرته على الأوامر كما أعتادت منه، ولا الجمود ولا التحكم بل شعرت بضعفه واحتياجه الشديد كأنها لأول مرة تتعرف عليه "أنا آسف!!" همس معتذراً لينهال التهكم من تلك العسليتان الغاضبتان


"بقا آدم رأفت بيعتذر لحد، لا جديدة دي" نظرت له بإبتسامة ساخرة ولكنه تحاشى النظر لعينيها واعترت ملامحه الندم الشديد


"ليكي أنتي بس.." أجابها بصعوبة بعد أن زفر كمن يعاني آلماً ما


"ياه على الكدب!! ده أنا مشوفتش كده!!" ضحكت بسخرية ثم تألمت من الضحك فقد شعرت أن رأسها يكاد أن ينفجر لينظر لها هو بدهشة غير مصدقاً ما قالته للتو


"أنا مبكدبش عليكي.. والله أنـ.." صاح بها لتقاطعه


"أيوة أيوة.. احلف بقا وأكدب كمان.. قوم بص في المراية على منظرك، ومتنساش بقا تبقا تقولي هي دكتورة ولا ممرضة ولا واحدة جاية تزور حد في المستشفى، ولا يا ترى زهقت عشان كده كلمت واحدة من الأشكال اللي تعرفهم تيجي تسليك على ما اصحى؟؟" أخبرته ومازالت مبتسمة بسخرية ثم شردت بعيداً عنه لتجده يقف ليذهب لأقرب مرآة لينظر لنفسه وقد عقد حاجباه لما رآه


"ايه ده؟!" تمتم وقد سمعته جيداً "ده انتي!" اجابها لتنظر له بإستغراب وهو يزيل حمرة شفاهها من على شفتيه


"أنت بتهزر مش كده؟ فاكر إن كمان الحادثة أثرت على عقلي.. متقلقش أنا لسه فاكرة إنك إنسان قليل الأدب وسافل!!"


"لا ده أنتي صدقيني.." صاح بها متجهاً لها "ولا الحادثة نستك إنك كنتي حاطة روج أحمر؟!" سألها بحدة لتعقد هي حاجباها فقد كان صادقاً فنظرت له تتفقده في حنق


"بتقول ايه أنت؟؟ هو أنا... أنا هنا من امتى؟" سألته متلعثمة


"يومين ونص "


"وأنت ما.. يعني.. مروحـ.."


"مقدرتش ابعد عنك لحظة" قاطعها بصرامة وخوف، نظرت تتفحصه لتجد آثار دماء على قميصه فهي نفس الملابس التي كان يرتديها قبل الحادثة وكذلك بالرغم من هدوءه واستسلامه الغريب الذي لم تعهده من قبل لاحظت كم هو مرهق فزفرت في حيرة ولم تستطع التحدث وصمتت لا تدري لكم من الوقت وما قاطع صمتهم إلا صوت أنفاسهم.


بعد مدة دلفت أحدى الممرضات لتضع بعض الطعام على طاولة صغيرة وآتت لتضعها على سرير شيرين ليصيح بها آدم بنبرة آمره وجافة بنظرة تلك الرماديتان المخيفتان "سيبيه وامشي.." نظرت له الممرضة بخوف لملامحه القاسية وتعجب كذلك من طريقته اللاذعة ثم تركتهما كما آمرها ليقترب هو من شيرين وبدأ في إطعامها "يالا" همس بنبرة آمره وهو يقدم لها الملعقة بالقرب من فمها


"مش عايزة حاجة.. مليش نفس" أخبرته بتآفف وهي تزم شفتاها في ضيق


"متخلنيش أأكلك بالغصب" عقد حاجباه غاضباً


"لا يا آدم مش هتقدر تغصبني ومش عايزة منك أنت بالذات حاجة" صاحت بتحدي


"بلاش تستفزيني واسمعي الكلام احسنلك" همس محذراً لتنظر له وقد عرفت تماماً نظرة الغضب تلك التي لا تقبل النقاش لتنفخ هي في انزعاج وتمنت لو أنها ليست بتلك الحالة حتى تتركه وتذهب بعيداً عن شجاراته التي لا تنتهي


"ماشي" تمتمت متنهدة "بس أنت مش هتأكلني أنامش مشلولـ..." قاطعها بنظرة محذرة وبدأ في إطعامها "وكمان أهو مش عارفة أأكل نفسي.. وكله بسببك" تمتمت في استشاطة ليزفر هو في حنق


"لو مكنتيش مشيتي مكنش حصل كل ده"


"ما هو لو كنت احترمت نفسك ومبوستنيش زي ما بتعمل مع الأشكال الزبالة اللي تعرفها مكنش زماني هنا.. ولا أنت كمان" صاحت بغضب ليطعمها رغماً عنها


"اسكتي" صاح لينهيها عما كانت تريد البدأ به فهو لم يفكر حتى ماذا سيفعل معها ولم يتبين بعد كيف سيتصرف معها


"كفاية كده، أنا شبعت" أخبرته بعد عدة دقائق


"خلصيه كله ومش عايز نقاش" آمرها ببرود مهيب لتتأفف هي وهو مازال مستمراً بإطعامها.


نظرت له شيرين غير مصدقة أنه هو من يعتني بها، كانت ملامحة ممتزجة، هو غاضب وفي نفس الوقت القلق يظهر عليه ولكن ما فآجئها حقاً كان الإنكسار والآلم اللذان يعترياه، كيف له أن يعاملها برقة واهتمام هكذا "هو ندمان فعلاً على اللي عمله معايا؟" فكرت لتشرد وتتجمد ملامحها ولم يفيقها إلا صوته


"يالا كملي" صاح بهدوء ممسكاً بالملعقة أمامها لتعقد هي حاجباها


"كفاية بقا مش عايزة تاني" صاحت بتوسل فتوقف بعد أن ألقى نظرة ليدرك أنه ليس هناك إلا القليل فأقتنع أخيراً ليبعد صينية الطعام بعيداً عنها ونهض مخللاً شعره مطلقاً زفرة ثقيلة فنظرت له بتعجب، أخرج هاتفه فوجده مغلقاً فتذكر أن بطاريته فارغة


"يادي النحس" تمتم لتضحك بخفوت فرحاً بأنه منزعج ليلتفت ناظراً لها برماديتان غاضبتان


"عاجبك اوي إني متضايق؟" سألها بحقد


"ياااه.. معندكش فكرة، ده أنا ببقا هنفجر من السعادة كل لما أشوفك متضايق!" أجابته متحدياه


"تعرفي؟!" سألها مقترباً منها ليدنو إليها ولم يعد هناك بين وجهيهما مسافة تذكر لتنظر له بدهشة وخوف من أنفاسه الساخنة التي لفحت شفتيها وتلك الرماديتان الحادتان


"لو مكنتيش مكسرة كده وفحالتك دي كنت خليتك تنفجري صح من كتر اللي كنت ممكن أعمله فيكي وكنت هوريكي يعني ايه سعادة بجد"


همس لتحلك رماديتاه وشبح ابتسامة ماكرة خبيثة تلعب على شفتاه.. ولم تدري هي ماذا يقصد بذلك هل يعني أنه سيؤذيها لما قالته أم يفكر بشيء آخر. أياً كان ذلك الذي قاله فهي تشعر بأن هناك شيئاً لا يليق خلف تلك الكلمات!


"ابعـ.. اطلع بـ.." تلعثمت لتعلو أنفاسها في وجل وأنفاسه كذلك ليمتزجا سوياً وازداد توترها وارتباكها ولم تستطع النطق فظل هكذا لبرهة حتى تمالكت نفسها "ابعد عني" همست لتبحث عن الهواء لتتنفس ولكن لم تجد سوى تلك الأنفس التي تحمل رائحة الدخان وذلك النعناع المنعش خاصته ، لتتوسع إبتسامته ليخفق قلبها بجنون وقد شعر آدم بهذا ولاحظ صدرها يعلو ويهبط بشدة فابتعد قليلاً لينظر لها ليجدها تغمض عسليتاها بعنف لتتنفس كمن يعود له الحياة بعد موت دام لسنوات.


"بعد كده متتكلميش زي البغبغان وأنتي مش فاهمة أنتي بتقولي ايه" أخبرها بغرور واضعاً يداه بجيباه وقد أدركت أن سيد آدم رأفت البارد المغرور قد عاد الآن. أعطاها ظهره لتسمع خطواته بالغرفة فابتلعت ريقها وقد هدأت قليلاً


"أنت عايز ايه؟ ايه آخرة كل الهبل اللي بتعمله ده؟ أنا زهقت منك ومن أسلوبك المقرف ده" سألته بوهن ولم يكترث هو بما قالته ولم ينظر لها حتى فقط توجه خارج الغرفة ليغادر فأوقفه صوتها


"رايح فين؟" سألته لتندهش من نفسها فهي لا تعلم لما سألته هذا ففكرت بندم "يادي الغباء اللي مبيسبنيش!!" أغلقت عيناها ثم فتحتهما عندما سمعت خطواته تتجه إليها


"بتسألي ليه؟ عايزاني أفضل جنبك مش كده؟" سألها بإبتسامه ماكرة ونظرة خبث مسلطاً تلك الرماديتان اللاتي تُربكها على عيناها


"ومين قالك أصلاً إني عايزاك جنبي.. هو حب استطلاع مش أكتر.. وعموماً ولا يفرق معايا رايح فين ولا جي منين وكلك على بعضك كده أنا مبقاش ليا علاقة بيك نهائي!!" هزت رأسها في إنكار وهي لم تعد قادرة عل احتمال تلك الجدالات التي لا تنتهي معه


"بجد؟!" سألها ليقترب من سريرها ولكن لم يدنو من وجهها فقط نظر لها لتتغير ملامحه ولم تفهم هي ما تلك النظرات التي تعتريه ليتحدث هو "عارفة شغل الكبرياء والعند ده وإنك تصديني كده مش هيوصلك لحاجة معايا يا شيرين، كفاية، اللي حصل حصل خلاص، وفي يوم هنتكلم في كل حاجة، ياريت بس تلمي لسانك ومتقوليش حاجة تنرفزني بدل ما المرة الجاية الاقيكي ميتة بسبب غباءك ده.." جلس بجانبها وأزاح خصلة متدلية على وجهها لتنظر له بخوف محاولة أن تبعد رأسها ولكن لا تجد مفر فجسدها بأكمله يؤلمها


"تعرفي إن شعرك ده حلو اوي" همس بغموض وقد أستغربت ما قاله للتو وهما من كانا يتجادلان منذ ثوانٍ لتجده يدنو منها بجرأة ونظر لها برماديتاه وقد صفيا تماماً، وأنفاسه الساخنة كانت تزعجها


"ابعــ.."


"أنا رايح أشوف حل لموبيلي اللي فصل" قاطعها مبتسماً ابتسامة صغيرة وقد لانت ملامحه ثم قبلها ببطىء على جبهتها مغلقاً عيناه لتغلق هي عيناها غير مدركة أهي مستسلمة له أم هي تتوتر من اقترابه لها ونظراته التي لم تستطع إيجاد تفسير لها "مش هتأخر" همس مجدداً لينهض تاركاً غرفتها لتتنهد هي كمن نجا من الموت بأعجوبة.


"يخربيتك يا آدم يا رأفت الزفت أنت؟ أنت ازاي بتعمل معايا كده؟ ازاي بتقدر تتحكم في مشاعري كده وبلاقيني مستسلمة ليك كل ما بتقربلي؟ ليه مسبتنيش امشي وابعد؟ وليه أنا بحس كده كل ما بشوفك؟"


فكرت في غيظ شديد تجاه نفسها والآلم الذي تشعر به لا يتوقف وشعرت بجرح في صدرها ولكن خافت أن تراه فليس لديها إلا يدها اليسرى وبها جروح أيضاً، لم تتجرأ فهي لم تفكر حتى ما بها وماذا حدث بسبب تلك الحادثة.. فكرت بكل تصرفاته وملامحه فقد بدا صادقاً لأول مرة منذ أن عرفته


"ايه ازاي كل ده يحصلي في شهر، مبقتش بفكر غير فيه، وكل ما يقرب مني الاقي قلبي بيدق بطريقة مش طبيعية أبداً، ازاي يحصلي كده معاه؟ اشمعنى ده بالذات وأنا عمري ما كنت بفكر في راجل بشخصيته دي!!"

سكت عقلها عن التفكير بمجرد تلك الكلمة لتتمتم بصوت خافت "أنا غبية!! غبية ومتخلفة.. يعني أنا كده خلاص بقيت حاسة من ناحيته بحاجة؟!" أغلقت عيناها تعتصرهما من هول ما أعترفت لنفسها وظلت هكذا حتى غرقت في النوم.


========================================


بعد مرور ثلاث ساعات آتت حبيبة مع مراد لتفزع مما سمعته منه بعد أن بلغها بالخبر واتجهت نحو آدم في غضب شديد وهي تتحفز لعراك معه


"أنت!! أنت تاني!! أكيد كل اللي حصلها بسببك! عملت فيها ايه؟" صرخت به بنبرة حادة لينظر لها ببرود هائل ولم يجيبها لتصرخ به مجدداً "ايه مسمعتنيش؟!"


لم يستطع مراد أن يتدخل بالكلام كما رفض أن يخبرها بأي تفاصيل ثم أشار له آدم بنظرة ليغادرهما ففعل فهو لا يريده أن يتدخل بينهما


"عايزة ايه أنتي؟" سألها ببرود


"عملتلها ايه عشان تعمل حادثة بالمنظر ده، أنا عارفاها كويس من وأنا صغيرة وعارفة أنها مبتسوقش بسرعة إلا لما بتعيط، أنا مش غبية عشان تفضل قاعد كده جانبها تلت أيام ومحدش كلمني ولما أنا اتصلت بمراد بعد ما أكتشفت الخبر بالصدفة جابني هنا ومرداش يفهمني اللي حصلها.."


سكتت للحظة ثم عقدت ذراعاها بتحفز كمن يريد النزال ونظرت له بشراسة "هتنطق وتتكلم ولا.."


"اسكتي" قاطعها بحدة وغضب فخافت قليلاً ثم عادت لتتجرأ مجدداً بغضب مماثلاً لغضبه فشيرين لا تملك أحد غيرها وهي لن تستطيع أن تترك صديقتها هكذا بدون علم كل شيء


"مش هاسكت وأنت هتتكلم وإلا والله.."


"أنتي فاكرة نفسك بتهدديني؟" همس لها ببرود وغرور لاذعان "أنا هاقولك بس مش عشان تهديدك التافه ده، أنا هقولك بس عشان متأكد إنها بتعتبرك قريبة منها وعشان أنتي مهمة بالنسبة لها" سكت لبرهة ثم صاح بنبرة آمره لينظر لها بحزم "ولأنك هتساعديني"


نظرت له حبيبة بإستغراب لغروره هذا وأرادت أن تقول شيئاً ولكن أسرع هو بالكلام "من ساعة ما شيرين دخلت حياتي وأنا مش عارف، زي ما يكون فيه حاجة استحوذت عليا.. ويكون في علمك أنا مفيش حاجة في الدنيا دي ممكن تستحوذ عليا!"


أخبرها بهدوء وصوت منخفض متحاشياً أن ينظر لها وهو لا يصدق أنه يتحدث هكذا مع شخص لا يعرفه فقط من أجلها هي فزفر بحرقة ثم استكمل بصعوبة


"مش عارف فيها ايه غير باقي البنات والستات اللي في الدنيا عشان اتجنن كده كل لما أشوفها، أنا عارف إني ساعات ببقا جريء زيادة عن اللزوم وكمان ببقا عصبي اوي ومعملتهاش كويس من البداية بس.." سكت ليبتلع ريقه بصعوبة "أنا.. أنا مبقتش قادر أبعد عنها" تلعثم سانداً يداه على ركبتيه لا يدري ماذا يقول بعد الآن وقد شعر بقلبه يُعتصر بداخله لأنه أخبرها بما يريده


"وأنت يعني بعد كل ده عايز توصل لإيه؟ عايز تفضل جنبها وبعدين؟!" سألته رافعه حاجباها بإندهاش للتفحصه جيداً


"وبعدين.. وبعدين معرفش.. أنا مش عارف ابعد عنها ولا هاسمحلها تبعد عني.. قوليلها بقا بمعرفتك!" نهض ليعطيها ظهره بغرور واضعاً يداه بجيباه ثم صاح بها بحدة "وإياك تعرف إننا اتكلمنا" آمرها بكبرياء


"ده أنت فعلاً قليل الذوق" ضحكت بسخرية لتمرر يداها بشعرها "أنت مجنون بيها وبتحبها وعايزها جنبك طول الوقت ومش قادر تبعد عنها ومش عايز كمان تعترف لها بده؟"


"أنا مبحبش حد" صاح بغضب صارراً أسنانه


"تمام.. سيبها بقا وابعد عنها عشان هي متستحقش غير راجل يحبها ويموت فيها" أخبرته لتنظر لوجهه قالبة شفتاها لينظر لها بغضب وقد تثاقلت أنفاسه "اتنازل عن كبريائك ده شوية عشان تعرف تعيش زي البشر الطبيعين.. أنا مبشتغلش عندك خدامة أنا عشان تحكم وتتشرط عليا كده وملكش حق كمان تحكم عليها!.. ويكون في علمك أنا مش هساعدك في حاجة غير لما تقول إنك بتحبها"


"ده أنتي بتهدديني بقا!."


"ولو بهددك يعني هتعملي ايه؟ هتتعصب ولا هتتنرفز.. وبعدين؟!" نظرت له بتحدٍ

سكت آدم وأغمض عيناه بعنف ثم فتحها لتنظر له وأوشكت النيران أن تنطلق من عيناه ولكنه رآى عدم إكتراثها ثم تذكر أن حبيبة صديقتها وإن أذاها الآن بأي فعل قد يندم لاحقاً وأنها هي الوحيدة من تستطيع أن تتحدث معها فزفر بضيق محاولاً أن يهدأ "مش هاقول أنا الهبل ده لا ليكي ولا لغيرك!"


"تمام.. أنت حر وأنا كمان حرة.. مش هساعدك في حاجة ومش هقولها حاجة!"


"ما بلاش استفزاز معايا عشان مزعلكيش.." آمرها بنفاذ صبر وخلل شعره بيداه ثم مسح على وجهه لتحاول منع ابتسامتها فهي تعلم جيداً أنه يريدها "هتساعديني وإلا ورحمة أبويا هخلي عيشتك سودا" هددها بنظرة تكاد أن تقتلها ولكن ضحكت بصوت مرتفع ليجن هو من ردة فعلها ثم أراد أن يتحدث ولكن أسرعت هي بالكلام


" يا سلام!! هو أنت فاكر نفسك ايه؟!" نظرت له بمزيد من التحدي ليصر أسنانه في حنق ولكنه تذكر تلك الجملة التي لطالما أخبرته بها شيرين


"أنا.. أنا.. هبقى.. اتكلم معاها في الموضوع ده" لم يجد أمامه غير تلك الطريقة حتى يقنعها وأخبرها بمنتهى الصعوبة بعد صمت دام لدقيقة


"ماشي أما نشوف.. وأنا خلاص موافقة وهساعدك" أخبرته مبتسمة "أنا عارفة كويس إنك بتحبها وعارفة إن الموضوع شكله صعب اوي عليك وبردو خليك عارف إني مش هساعدك عشان خايفة منك ولا من تهديدك" عدلت وقفتها بثقة لتقترب منه لتهمس في خفوت


"بس عشان هي تستحق واحد يحبها اوي ويخاف لا تضيع من ايده زيك كده" همست له لتغمق رماديتاه ويعقد حاجباه ليجز أسنانه لأنها فضحت أمره بمنتهى السهولة


"أنا مش هبلة ولا غبية، وشوفتك كنت حاضنها ونايم جنبها ازاي وهتموت من الخوف عليها، وفاكرة بردو لما شوفتك غيران أوي عليها لما جبت سيرة يوسف قدامك واتجننت وضربته يوم ما شوفته عشان قرب منها وكان هيحضنها، شايفاك اهو قدامي وأنت شبه اللي تايه ومرعوب عليها وقاعد جنبها بقالك تلت ايام ومش قادر تبعد عنها ثانية، وكل ده كوم وخوفك من رد فعلي لو مساعدتكش ده كوم تاني.. وأكتر حاجة بقا هتجننك هو رد فعلها وهتقولي ايه لما احاول معاها وافهمها!!" همست له مجدداً لتتحداه وتخرجه عن شعوره لتثقل أنفاسه الغاضبة


"اولعوا كلكوا أنتي وهي ويوسف بتاعكوا ده.." صرخ بها وازداد غضبه ليذهب ويتركها أمام غرفة شيرين لتبتسم هي لردة فعله ودلفت عليها بهدوء لتجدها نائمة.

نظرت لها وهناك غصة بحلقها فهي لا تريد البكاء عندما رآتها هكذا بذلك الجص وتلك الجروح والخدوش المتفرقة على وجه صديقتها الوحيدة وجلست بجانبها لترفع خصلات شعرها برفق فاستيقظت هي


"كده بردو يا غبية أنتي مش تاخدي بالك.. أنا كنت هتجنن لما عرفت.." همست حبيبة وقد تأثرت ملامحها


"حبيبة جيتي امتى؟ ومين اللي قالك؟"


"شوفت الخبر واتصلت بمراد وجيت من شوية.. حاسة بإيه دلوقتي؟"


"عضمي كله مكسر وحاسة بجرح في صدري مبيبطلش يوجعني ومش عارفة حتى ايه اللي جرالي ولا ايه اللي حصل فيا!" أخبرتها ثم تأوهت محاولة أن تجلس


"متقلقيش.. أنا هاعرف من الدكتور وهقولك وهطمنك وإن شاء الله خير.. بس قوليلي ايه اللي حصل عشان تسوقي زي المجنونة كده؟" سألتها بقلق لتتنهد شيرين ثم بدأت في إخبارها كل شيء..


بعد مرور ساعة وبعد أن أخبرتها كل شيء سكتت حبيبة قليلاً ثم تكلمت" أراهنك بمليون جنيه إنك بتحبيه وبتموتي فيه" أخبرتها بإبتسامه


" أنا؟! أحب السافل قليل الأدب المتحرش ده؟ أنا لا بحبه ولا بحب غيره وبالذات دلوقتي وأنا لسه مخلصتش من كريم وكمـ..."


"ما كفاية بقا مكابرة وكدب! كبرياءك ده هينفخك في دماغك ولا هتطلعي منه بحاجة.. وبعدين مش على حبيبة يا بنت سمية!!" قاطعتها ونظرت لها وقد كانت على حق


"ممم.. يمكن جوايا مشاعر ليه، يمكن مجرد إعجاب لكن متوصلش لحـ.."


"جرا ايه يا بنت سمية! أنا مش ناقصة وجع كلام ورغي كتير ممنوش فايدة وبردو مش هاصدقك ولا بعد مية سنة "


"ماشي يا حبيبة!! بحبه.. ها.. اتبسطتي؟" أعترفت لها شيرين فهي تعلم جيداً أن حبيبة ستستمر حتى تصل لما تريده


" في منتهى السعادة" تبسمت لها بإنتصار


" ها بقا يا حلوة يا شاطرة هاعمل فيه ايه؟.. ده بارد.. باااااااارد!!هيشلني بكل اللي بيعمله ده، واستحالة ولو بموت حتى إني اروح وأقوله بسهولة كده إني بحبه!"


" ممممم..." ضيقت عيناها بخبث "أنا بقا هاقولك تعملي مع المجنون البارد ده ايه" أخبرتها وقد لمعت عيني حبيبة كمن لديه خطة

الفصل التالى

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-