أخر الاخبار

ترويض ادم للكاتبة بتول طه الفصل الثاني عشر

روايات قد تعجبك لذئاب وجوه اخري https://firdausnovels.blogspot.com/2021/06/No.html

قد تعجبك تاج الملك البحرى https://firdausnovels.blogspot.com/2021/06/Ocean.html

الفصل السابق


ترويض ادم للكاتبة بتول طه


 الفصل الثانى عشر 

الجزء الثاني عشر

=======================================

"غبية! غبية! غبية! ومتخلفة كمان، دي غلطتي، أنا اللي سمحتله بكده.. ليه مصدتهوش ووقفته عند حده من الأول؟ أنا اللي خليت نفسي لعبة في ايده وخليت نفسي رخيصة قدامه، يبوس وقت ما يبوس ويتعصب وقت ما يتعصب ويظهر ويختفي بمزاجه بس لأ يا آدم، أنا هامشي ومش هاتشوف وشي تاني.. طظ في العقد والشرط الجزائي وكل الهطل ده ولا يهمني ولا يفرق معايا.. هاشتغل وهاكبر مع غيره أو إن شالله حتى ملقاش شغل، لكن القذارة بتاعته دي استحالة أقبل بيها تاني أبداً، فاكر نفسه ايه الحيوان قليل الأدب ده؟ عايزني أكون واحدة من اللي بيقضي معاهم ليلة؟ فاكرني لعبة في ايده؟ أنا مش خدامة عنده ومش محتاجة شغل زي ده أبداً!!"

فكرت شيرين ودموعها تنهمرعلى وجنتاها بلا توقف في طريقها لسيارتها وفي نفس الوقت كان آدم لا يدري كيف فعل هذا!

"ايه أنا أتجننت ولا ايه؟! فيها ايه بتخليني مش عارف اتحكم في نفسي قدامها؟ هو أنا مش قولت مش هاقرب منها تاني أبداً؟ أنا كانت فين دماغي من كل اللي عملته ده؟ اشمعنى هي بالذات؟ قدامي ستات وبنات الدنيا كلها قدامي ويتمنوا بس اشاورلهم عشان يجوا يترموا تحت رجليا، ليه كل حاجة مختلفة معاها هي، ليه؟! ملعون أبو دماغي اللي جايباني ورا دي!"

فكر غاضباً وقد فقد عقله لا يدري ماذا سيفعل ليجد نفسه مغادراً غرفته خلفها يُريد أن يلحق بها ليجدها في سيارتها على وشك المغادرة. اقترب منها ليُحاول أن يوقفها فوصدت الأبواب من الداخل وأغلقت زجاج السيارة ليطرق عليه كالمجنون

"افتحي الباب!!" صرخ بغضب ومالت عينه للأسوداد

"لأ!!" ردت شيرين ولم تتوقف عن البكاء

"هنتكلم، افتحي" صرخ غاضباً مجدداً ولم تجيبه فقط أدارت محرك سيارتها لتغادر "الله يحرقك أنتي ومراد في يوم واحد!" تمتم بغضب ليخرج هاتفه ليخبر الحراس ألا يفتحوا البوابة الأمامية لها.

"لو سمحت سيبني امشي" صاحت بتوسل لأحد الحراس

"معلش يا آنسة، دي أوامر آدم بيه ومقدرش أخالـ..."

"ايه حابسني مثلاً؟" قاطعته غاضبة

"معلش مش هاينفع، أنا مقدرش أخالف أوامر آدم بيه"

"بقا كده!! إلهي يولع آدم بيه بتاعك ده أنت وهو في ساعة واحدة!" صرخت به لتعود دموعها من جديد وفي لمح البصر وجدته خلفها بسيارته لينزل منها بغضب ويتوجه نحوها والشر يتطاير من عينه وما إن رآها حاول أن يهدأ من نفسه وعقد حاجباه وزفر بحثاً عن هدوءه حتى لا يقابلها بغضبه الذي لا يطاق

"مش هاتمشي يا شيرين" أخبرها بهدوء وأظهر تلك الشخصية الباردة مجدداً محاولاً أن يكبح غضبه ولكن لم تتحدث هي فقط تبكي بدون صوت وتنظر في اتجاه آخر بعيداً عنه ليُكمل هو محاولاً أن يحل الموقف "يالا تعالي نرجع وهنتكلم"

"أنت مالكش دعوة بيا تاني.. فاهم.. أنا مش طايقة لسانك يجي على لساني" بالكاد همست وسط بكائها

"اسمعي الكلام ومتنرفزنيش وتعصبيني"

"ايه اللي اسمعي الكلام ده؟! ما تتنرفز ولا تتحرق" صاحت به ليتعالى بُكائها

"شيرين!!" صاح محذراً عاقداً قبضتيه متنفساً بهدوء "قولت مش هاتمشي يعني مش هاتمشي.. يالا اتفضلي قدامــ..."

"أنا مش هتزفت وارجع معاك في حتة، ومظنش إنك أصلاً هتشوفني تاني" قاطعته لترى غضبه قد تتضاعف ليست كأي مرة من قبل لتنظر بعينه وقد تحول لوحش مفترس لم تراه من قبل

"أنا لغاية دلوقتي هادي وماسك نفسي بالعافية!! وبحذرك مش هايعجبك اللي ممكن أعمله فيكي، خليكي ذكية ومتستفزنيش أكتر من كده عشان أنتي عارفة قلبتي كويس"

أخبرها بأنفاس تثاقلت إنفعالاً وهو على وشك أن ينفجر من الغضب لترفع هي تلك العسليتين الباكيتين ونظرت له في كبرياء امتزج بالحزن وتأثرت ملامحها لتضيق ما بين حاجبيها وهذا بعد أن ترجلت من سيارتها ووقفت لتواجهه

"أنت أصلاً متعصب ليه؟ لا كمان وبتهددني وبتحذرني وفاكر إن معاك حق في كل اللي بتعمله!! لا تكونش فاكر إننا قدام كاميرا وبنمثل فيلم من أفلامك القذرة دي.. جاي تمثل عليا ويوم عامللي فيا طيب وحنين وزعلان ويوم عامل فيها الواد المخلص اللي واكل السمكة وديلها ومبيفرقش معاك حد؟ تعالى بقا أمّا أقولك الحقيقة، أنت ممثل فاشل، ولو حتى رجل أعمال فأنت كمان مستهتر وفاشل.. واسمع الكلام اللي هقولهولك ده كويس اوي، أنا مش واحدة من فتيات الليل بتوعك عشان تبوسني ولا تيجي تلمسني بطريقتك القذرة دي، مش أنا اللي هتجري عليك بضحكة منك عشان أقف في الصف استنى آدم رأفت على ما يفضى من اللي معاه ويديني دوري.."

أخبرته بمنتهى الكبرياء وهي تتألم لكرامتها التي جُرحت وتبعثرت بما فعله بها منذ قليل ولكن لا.. لن تنتهي هنا.. هناك العديد عليها قوله بعد حتى تطرب أذانه بحقيقته الحقيرة..

"أنا لا دكتورة نفسية عشان استحمل جنان عصبيتك وبرودك ومزاجك الرايق وكل تقلباتك دي.. ولا أنا بحبك ولا خطيبتك ولا مراتك عشان أفضل جنبك واستحمل اللي بتعمله واديك فرص واستنى تكون كويس واقعد أصبر نفسي وأقول لا ده كويس بس أصله متعصب! شغل جنانك ده أنا استكفيت منه اوي، وأنا بصراحة معنديش خبرة إني أتعامل مع المجانين اللي زيك.. قرفك وقذارتك وقلة أدبك اللي في شغلك دول أنا مش عايزاهم وروح أولع بيهم بعيد عني.. وإذا فكرك إنك هتمسكني من إيدي اللي بتوجعني وهتكلمني على الشرط الجزائي اللي في العقد فأنا معنديش أي مانع إني أتحمل المسئولية كلها وهابيع كل اللي عندي عشان ادفعلك اللي أنت عايزه، وحتى لو وصلت إني أمشي أشحت في الشوارع بس ميبقالكش عندي حاجة هاعملها يا آدم عشان أخلص منك!!"

نظرت له بإحتقار امتزج بإنفعالها اللاذع وعسليتاها آخذتا في إطلاق شرار الغضب تجاهه بينما تلجم هو ناظراً لها في هدوء ولا يدل على إنفعاله سوى صدره الذي يعلو ويهبط في عنف مبالغ به

"متنساش بقا تقول عليا إني حرامية وسرقتك، متقلقش، أنا اتقال عليا قبل كده نفس الكلام ورجعت وقفت على رجلي تاني ولا فرق معايا وبعرف أتعامل كويس مع الرجالة الزبالة اللي زيك أنت وهو.. هاقف على رجلي تاني وتالت ورابع وهاشتغل مع غيرك.. وتعرف حتى لو ملقتش شغل، الشارع أكرملي من إني أتعامل مع واحد زيك وأكرملي من إني أبص في وشك يا آدم!! أنا خلاص جبت أخري.. لا بقيت خايفة من عصبيتك ولا نفوذك، وأعمل اللي تعمله.. ولو بقا ناوي تقلب حنين وتفكر بس للحظة إن جواك مشاعر ليا فأنا متشرفش إن واحد زيك يحبني، لا عايزة منك شغل، ولا عايزة مشاعر، ولا عايزة أشوف خلقتك تاني أبداً طول حياتي!!!"

صرخت به بالنهاية ليهدأ هدوء مُريب فهو لم يواجه مثل هذا الكلام بحياته فقط نظر لها لا يدري ماذا يفعل، هل يتركها تغادر أم يجبرها أن تتحدث معه، كان مصدوماً مما سمع ليستقر كلامها كالرصاص بصدره.

"خليك بقا أنت ذكي وسيبني أمشي وياريت تخلي عندك شوية كرامة وحافظ على منظرك قدامي.. كفاية بقا قلة قيمة.. أنا خلاص استكفيت من عمايلك الزبالة دي!"

أخبرته بهدوء لتدمع عسليتاها مجدداً ثم نظرت له لتتوسل عيناها ولكن لم يعبر حديثها اللاذع عن هذا.

نظر لها آدم مطولاً ولم يتقابلا جفناه وتسمرت عيناه بعينها فقط تميل رماديتاه للسواد وكانتا خاليتان من أية تعابير ولاحظت شيرين أنه حتى لا يتنفس لتعقد حاجباها وبعد مدة كادت أن تُقارب الأبد أشار بيده للحراس صارخاً "سيبوها تمشي"

بمجرد سماعها لتلك الكلمات منه دلفت سيارتها على الفور لتتوجه بالخارج بأقصى سرعة ممكنة وما إن أدركت أنها ابتعدت بقدر كافٍ صفت سيارتها على جانب الطريق وأطفأت المحرك وبكت كما لم تبكي من قبل فكل ما يحدث حولها في الفترة الأخيرة كان كثيراً للغاية ولم تعد تستطيع التحمل

"عاوزين ايه مني بقا؟ أنا عملت ايه في دنيتي دي عشان أقع في اتنين أبشع من بعض.. الخاين الحقير الأولاني وبعدين هو!! عايز مني ايه؟ أكيد هو زي ما بيقولوا عليه، طب ولو هو شخصية قذرة وحقير كده ليه دافع عني قصاد كريم لما جالي البيت وكان هيموته؟ ليه بشوف نظرة الغيرة في عينيه كل ما راجل تاني يقربلي؟ ليه عمره ما شافني كويسة في شغلي ولا حتى قالي ولو لمرة واحدة إني شاطرة؟ هو ليه إنسان متناقض ومجنون كده؟ أنا قرفت بقا وتعبت من كل اللي بيحصل حواليا ده"

همست لنفسها بين بكائها وهي تنتحب لتُمسك هاتفها وهي تحاول أن تزيح تلك العبرات المتساقطة من عسليتاها لتتصل بمراد

"شيرين، أزيك عاملة ايه؟ من ساعة ما جه آدم لا حـ.."

"أستاذ مراد لو سمحت" قاطعته بنبرة مُصرة وهي لم تعد تقوى على سماع أسمه بينما مراد أندهش لنبرتها وتركها لتُكمل حتي يستطيع أن يفهم ما حدث

"كفاية أوي عليا لغاية كده، أنا مش هاكمل شغلي معاه، أنت إنسان محترم وعاملتني بإحترام من أول ما شوفتك وأنت اللي ساعدتني إني أستحمل كل حاجة في الفترة اللي كان هو غايب فيها، أنا كنت بس بكمل شغل علشان خاطرك.. وهو أهو رجع خلاص.. أرجوك أنا لا عايزة أشوف وشه تاني ولا عايزة أشتغل معاه ولا عايزة أي حاجة تربطني بالإنسان ده.. وبعد إذن حضرتك بلغني هيحتاج مني ايه بالظبط عشان نفسخ العقد ويسبني في حالي، الشرط الجزائي ولا غيره حتى أنا موافقة أتحملهم ومعنديش مانع كمان إني اتحمل قواضي وبلاغات.. بس ياريت حضرتك تكون عارف وتبلغه إن مفيش قوة في الدنيا هتخليني أرجع أشتغل معاه"

تحدثت لمراد وهي لا تستطيع التوقف عن النحيب بل وتعالت شهقاتها بين تلك الكلمات التي تعجب هو لها ولا يدري ما الذي حدث حتى تتحدث بتلك الطريقة وأدرك أن ربما آدم قد فعل أحدى مصائبه المشينة التي لا يتوقف عن فعلها أبداً حتى يدفعها لتصل لتلك الحالة..

"اهدي طيب يا شيرين وطمنيني عليكي الأول وبعدين فهميني ايه اللي حصل لكل ده؟" سألها مراد بدهشة ونبرة قلقة

"مفيش حاجة افهمهالك.. لو سمحت بعد إذنك بلغه بقراري" اجابته بجملتها لتغلق هاتفها وأوشكت أن تدير محرك سيارتها ولكن يدها ترتعش ولا تستطيع أن تتمالك أعصابها لتعود محدثة نفسها مرة أخرى..

"ليه بعيط كده؟ هو ايه اللي بيخليني أعمل كده علشانه؟ لا أكون حبيـ..." أجهشت بالبكاء في هيستيرية تامة وقد وسعت عيناها من صدمة ما كادت أن تعترف به ولم تقوى على الرؤية أمامها "لأ لأ مش دلوقتي عشان أتوجع واتخان تاني لأ..."

=======================================

جلس آدم بقصره وهو في حالة شتات تام لا يدري لماذا تركها تذهب وكيف أستطاعت هي أن تتحدث معه هكذا؟ كيف أصابه تلك الدهشة بل وتركها تتحدث كيفما شاءت ولم ينهاها ولم يقاطعها حتى.. قتله عقله من التفكير وهو يحاول أن يجد تفسيراً لكل ما يحدث له معها

"ليه هي بالذات؟ مش لجمالها ولا لذكائها بس.. هو بجد ممكن بعد السنين دي كلها يكون عندي مشاعر واحساس بحد فعلاً؟ أنا بحبها! مفيش تفسير تاني غير ده قدامي.. أكيد أنا بحبها.. مش عارف ازاي بس البنت ديه ملكتني في ايديها.. ملكت عقلي وتفكيري وحواسي حتى قلبي!!" توجه آدم آخذاً خطوات سريعة واسعة دالفاً سيارته المتروكة أمام قصره منذ البارحة ليبحث عنا بعدما أعترف لتوه بحبه لها وأقر به لنفسه.

مر الوقت على شيرين ولم تشعر إلا بمن يطرق زجاج نافذة السيارة لتجد زوج من العيون الرمادية تحدق بها لتنظر له في رعب ولم تحاول أن تتعرف على ماذا يقول فقط أدارت محرك سيارتها وأنطلقت لتجده خلفها بسيارته محاولاً أن يقول شيئاً ولكنها لا تدري ماذا تفعل! هي فقط لا تريد رؤيته بعد كل ما حدث.

قادت بسرعة جنونية لم تقد بها من قبل وهو لا يزال يحاول أن يلحق بها لتفتح نافذتها قليلاً.. "سيبني في حالي وابعد عني بقا" صرخت لتنظر إليه وسط بكائها والخوف واضح عليها

"وقفي العربية وانزلي يا شيرين" صاح بها ورآت بتلك الرماديتان نظرة لم تراها من قبل ولكن لم تكترث لتفسر ماذا تعني هذه النظرة

"كفاية بقا وابعد عني" صرخت مجدداً لتجد عيناه قد توسعتا برعب شديد لتتعالى خفقات قلبها فقط من نظرة عيناه

"حاسبي!! خدي بالك!" صرخ بخوف وما كادت أن تنظر أمامها حتى أصطدمت بشاحنة واقفة على الطريق بتلك السرعة الجنونية التي كانت تجمح بها وفي لمح البصر فقدت وعيها وتوقفت بها السيارة بعد أن التفت عدة مرات.

"ابعدوا عنها.. ما تلمسوهاش.." صرخ بجمع قد التف حولها والغضب يكاد أن يقتله ليجد جسده يرتعش من كثرة غضبه ثم أقترب وحملها بين ذراعاه وهو يحاول أن يتماسك بصلابة عكس الذي انفجر بداخله من ندم وشعور بالذنب لأنه السبب في تلك الحادثة..

حملها وهو يمنع نفسه عن البكاء من ذعره بأن تكون تلك الدماء التي لا يعرف من أين آتت تدل على إزهاق روحها للأبد، احتضنها أثناء حمله اياها وهو يحاول أن يبحث عن الأمل بداخله ويخبر نفسه أنها لن تذهب وتتركه مثلما فعلن الآخريات.

توجه لأقرب مشفى ولم يستمع للناس من حوله فقط يتطلعها كل ثانية بنظرة قلق سيطرت عليه ليهمس وسط صمته "أنا السبب.."

"ايه ده.. أنت آد.."

"لو ملحقتيهاش هقتلك.. فين الطوارئ هنا" صرخ بعاملة الإستقبال ليُقاطعها عن تلك الأسئلة التي لا يتوقف الجميع عنها والشرار ينطلق من عينيه حاملاً شيرين لتشير له

"من هنا.. من هنا اتفضل معايا" اجابته بخوف وإرتباك

توجه آدم معها ليصل بها لغرفة الطوارىء وما إن وضعها على السرير حتى شلت جميع حواسه فقط نظر لها، كانت مغطاة بالدماء وفاقدة وعيها، لا يعلم ماذا بها "هي.. هي هتموت وتسيبني؟ لأ مش ممكن تضيع من ايدي هي كمان.. مش هسيبك تبعدي عني يا شيرين" تمزق بداخله مفكراً ليخلل شعره بيداه ليجد دمعه انهالت على وجهه ولم يفيقه من شروده إلا صوت إمرأة ليلتفت ناظراً لها وقد أدرك أنها من طاقم الممرضات

"أنا آسفة بس لازم تتنقل أوضة العمليات حالاً.. بعد إذنك محتاجينك تمضي على موافقة ونخلص شوية إجراءات.. ممكن تتفضل معايا؟"

توجه خلفها تابعاً اياها بالمشفى ليجد نفسه يوقع على أوراق لا يدري ما بها "هي.. هي هتكون كويسة مش كده؟" سأل هامساً وقد تغيرت ملامحه من الغضب الشديد إلي الخوف.

"الدكاترة هيكمنونا بعد ما يخلصوا، واضح أنها كانت حادثة صعبة، بعد إذنك الحق أبلغهم"

مر الوقت عليه وهو يكاد أن يُجن من ملامحها ودمائها التي كست مواضع متفرقة من جسدها وجهها وحالتها التي كلما تذكرها تهشم قلبه بداخله ليُصبح فُتات، حاول التواجد معها ولكن كان ممنوعاً أن يتواجد مع الأطباء، بعد ساعتين أدرك أن هاتفه لم يتوقف عن الاهتزاز ليجد مراد قد اتصل به أكثر من عشرون مرة ليجيبه "الحقني يا مراد.. شيرين.. شيرين هتضيع مني هي كمان وهتسيبني"

"ايه اللي حصل يا آدم؟ دي لسه مكلماني وبتقولي إنها هتسيب الشغل؟ أنت فين دلوقتي وبتعمل ايه وايه اللي حصل أصلاً؟"

"أنا.. أنا في المستشفى معاها.. عملت حادثة" ارتعشت نبرته وحاول مقاومة تلك الغصة بحلقة ولكنه لم يستطع ليتحدث لمراد ثانيةً.. "هتضيع مني.. أنا السبب في كل ده" أجابه وسط قلقه ولهفته عليها وانكساره ليصدم مراد بما سمعه وسكت قليلاً

"ابعتلي العنوان حالاً أنا جايلك"

بعد أقل من نصف ساعة آتى مراد لينظر لآدم وقد ذُهل لما رآه.. "ايه ده؟ ده بجد آدم اللي قاعد قدامي ده؟" فكر قبل أن يقول أي شيء لينظر له ليجد وجهه شاحب كالميت.. لا يرمش بجفناه حتى.. جالساً في شرود تام وملامحه خالية من الحياة، ملابسه تحمل آثار دمائها ليشعر بالهول من المنظر وازداد قلقه على ما قد يردي بها لأن تنزف مثل تلك الدماء فأقترب منه ثم وجد على شفتاه القليل من الحمرة قد تركت أثر عليها ليعقد حاجباه

"آدم قوللي ايه اللي حصل؟" سأله مراد متعجباً لحالته تلك

"حبيتها وهتضيع من ايدي.. ده اللي حصل .. زي ما بيحصل كل مرة" اجابه بصوت خفيض بدون أن ينظر له وهو يبدو كالتائه المشرد الذي لا مأوى له

"أرجوك مش وقت ألغازك! قولي جملة مفيدة وفهمني ايه اللي حصل؟" سأله مراد بنفاذ صبر ليُطلق آدم زفرة طويلة ثم أغلق عيناه وبدأ بالتحدث..

==================================

"دايماً تجيلي بعد ما المصيبة تحصل، متجيش قبلها أبداً.. يا ساتر عليك!!" تحدث مراد بعد أن سمع ما لديه وقد غضب مغلقاً عيناه واضعاً يده على وجهه وقد ساد الصمت حولهما ومرت الدقائق كالساعات التي شعر آدم أنها لن تنتهي أبداً حتى خرج الطبيب وتوجه لهما

"ها.. بقت كويسة؟" سأل آدم في قلق وملامحه المتلهفة المرتعدة لم تغادره

"بصراحة الحادثة كانت صعبه اوي وعندها جروح كتيرة وكسر في الإيد اليمين وكمان رجليها الشمال، وكمان رئتها كانت على شفا حفرة من ان يحصلها أختراق بس الحمد لله جت سليمة"

" أنت بتقول ايه أنت؟ هي كويسة ولا لأ؟" صرخ به آدم ممسكاً بتلابيبه عاقداً كلتا قبضتاه حولها ثم جذبه نحوه بغضب "لو جرالها حاجة أنا هموتك!! سامع!! هاموتك إنت وكل اللي تعرفهم"

"أهدا يا آدم مش كده" صاح مراد ليحرر الطبيب من قبضتاه ليبتعد هو مخللاً يداه بشعره بإهتياج وسخط لكل ما يحدث لها وخاصةً أنه السبب بكل ما أدى بها لذلك

"أنا آسف.. معلش هو مش قادر يتقبل الصدمة كويس.. ممكن حضرتك تطمني، هتكون بخير مش كده؟ هتفوق امتى؟"

"لسه مش عارفين ممكن خلال ساعات وممكن أيام.. الجراحة اللي في الرئة كانت صعبة جداً والإرتجاج في راسها بسبب الحادثة ممكن يصعب إنها تفوق بسرعة"

سمع آدم هذا ليهرع للداخل كالطلقة المنطلقة من فوهة سلاح ناري، ولم يكترث لموافقة الأطباء من عدمها فلن يستطع أحد أن يمنعه على كل حال وكانت موافقة الطبيب مجرد كلمات تفوه بها لحفظ ماء وجهه وفقط للمحافظه على مظهره العام ليس إلا!.

وقعت عيناه عليها ليهرول ثم جثى بجانب سريرها ليبكي رغماً عنه ووجد عبراته لا تتوقف وتلك الغصة بحلقه فشل في التحكم بها بينما تمزق قلبه في حسرة وندم شديدان على كل ما تعرضت له بسببه هو

"أنا آسف.. حقك عليا.. أنا عارف إن أنا السبب في كل ده.. فوقي يا شيرين وقومي تاني وكل حاجة هتكون كويسة.. هاعملك كل اللي أنتي عايزاه وهارضى بكل اللي تقولي عليه بس اصحي ومتسبنيش أرجوكي" همس آدم وجلس بجانبها طوال الوقت ولا يشعر كم مرّ عليه دقائق أم ساعات أم أيام، لم يعد يشعر بأي شيء حوله وكل ما أكترث له هو ذلك النفس الضعيف الذي تتنفسه بمنتهى الوهن..

حاول مراد أن يخبره أن يعود لمنزله وليأتي بالصباح ولكن لم يستطع أن يذهب ويتركها.. فقط مكث بجانبها بشرود تام.. مرّ عليه مراد مجدداً ولكن لم يلحظ أنه يرتدي شيئاً آخر ليحاول إقناعه مرة ثانيةً ولكن دون جدوى!

"آدم أنت قاعد كده بقالك يومين! روح البيت حتى غير هدومك وناملك ساعتين وتعالى تاني" أخبره مراد بضيق ولكن أجابه آدم بنظرة غاضبة وقد فهم مراد منه أنه لن يستطيع أن يغير رأيه "ماشي براحتك!! أنا ماشي.. محتاج حاجة مني؟" سأله مراد ليهز رأسه له في إنكار كإجابة ليتوجه مراد مغادراً.

تفقدها برماديتاه النادمتان وهو يتذكر كل لحظة جمعتهما، منذ أن رآها بمكتبه، عندما استمع لصوتها، وقت ما دلفت منزله، كل ما تفعله من مناقشات حادة وجدالات وقرارات اتخذتها بشجاعة دون خوف وبجرأة متناهية، لا تغيب أياً من التفاصيل عن رأسه بالرغم من أنه لم يعرفها لكثير من الوقت ولكنه أدرك أن عشقها قد تسلل لقلبه وفقد السيطرة على يد تلك الفتاة التي لا يُصدق إلي الآن كيف دلفت لحياته بين يوم وليلة لتغيره بهذا الشكل!

بعد عدة ساعات من اليوم الثاني بالمشفى لاحظ أن شيرين قد رمشت عيناها لتفتحهم بصعوبة لتجد رماديتاه تتفقدها في لهفة ونظرة قلق جلية بينما تحولت ملامحها هي للذعر وبحثت عن قدرتها حتى تستطيع التحدث لتهمس بالنهاية له وقد تحولت نظرتها من الإنهاك للإنفعال

"ابعد عني!"

البارت التالى

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-