أخر الاخبار

ترويض ادم للكاتبة بتول طه الفصل العشرون

 الفصل السابق

ترويض ادم للكاتبة بتول طه


الفصل العشرون 

الجزء العشرون


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


نهض مبتعداً عنها بعد أن أمعن النظر لوجهها لثوانٍ وهو يشعر بشيء غريب قد اعتراها، توجه للحمام كي يخبأ مشاعره التي قد تضاربت بداخله فجأة لا يدري ماذا يعني الحلم الذي رآه بمنامه ولا لما تحدثت شيرين هكذا وعانقته، هل تعني ما قالته حقاً أم ستعود لتغادر مرة أخرى؟ إلي أين تريد أن تذهب بمعاملتها له بهذه الطريقة الآن؟؟ أتريد خداعه؟ أتريد أن تفقده عقله؟

"مش انا اللي هتقدري تخدعيه بسهولة، أنا عارف إنك مخبية عليا حاجة وهاكتشفها.. هنشوف يا شيرين!!" تمتم ثم شرع في فتح المياه ليدعها تنساب على جسده وهو يُفكر كيف سيتصرف معها، فبعد ما أخبرته لتوها ليس هناك سبباً كي يعاملها معاملة سيئة أو أن يظل محاصراً اياها هنا، كره ما فعله بها أمس وشعر بالندم لما قد رآه وما تعرضت له بسببه وبسبب غضبه وفقده لسيطرته..


بدأ في تخليل شعره الأسود بيداه الاثنتان مغمضاً عيناه بهدوءه المعتاد ولكن بداخلة زوبعة من التفكير والأسئلة التي لم ولن يجد لها اجابات.. حاول السيطرة على نفسه قليلاً ونفض تلك الأفكار من رأسه ولكن دون جدوى! تذكر كل شيء منذ يوم مغادرتها إلي يوم أن رآها بعملها.. تذكر كيف أهمل حياته وأعماله من أجلها ليشعر بالآلام تنغز صدره كالسكين الحاد، جرحت بداخله كبرياء الرجل الذي عمل على أن يصبحه منذ سنوات.


تذكر أنه لم يغلق باب الغرفة مساء أمس بعد مغادرة الطبيب لتتوسع عيناه من الفكرة وانفجرت بداخل رأسه تخيلات لمغادرتها وتركها اياه مرة أخرى ولم يتذكر الحراسة أو أي شيء أعده كي لا تغادر، لم يشعر بالخوف مثل ما شعر به الآن..


هرع للخارج على عجل واضعاً حول وسطه منشفة قصيرة ثم دخل الغرفة ليجدها ترتب بعض الصحون على المنضدة أمام الأريكة ليتفحصها بذعر وقد علت أنفاسه ولكن ما إن وجدها هدأ قليلاً ليعقد حاجباه فالتفت نحوه مبتسمة وقد لاحظت ما به ولكنه سرعان ما أخبأ مشاعره خلف تعبيراته الجامدة الهادئة، فلا يريدها أن تراه بمثل هذا المظهر حتى لا تتحكم به ثانية أو تفرض سيطرتها عليه


نظرت له واحمر وجهها من الخجل فقد رآته هكذا أكثر من مرة ولكن لا تدري إلي متى سيظل يجذبها ويعبث بعقلها بتصرفاته تلك، حاولت ألا تمعن النظر إلي جسده الذي تنساب عليه قطرات المياه بحُرية وبخار المياه الساخنة الذي يتصاعد حوله ويجعله فاتناً.. اشتاقت للمساته وكم تمنت أن تهرع له حتى تحتضنه وألا يفترقا وليذهب كل شيء آخر للجحيم!


لاحظ توترها المعهود وخضوعها المفآجأ ليتأكد من أن تأثيره عليها لم يتغير حتى بعد هذه المدة فما زال لديه القدرة على تملك احاسيسها بسهولة ليتملك منه الغرور ولكن سرعان ما تحول غروره إلي احتياج شديد لأن يقترب منها.


ابتلعت ببطأ وبالكاد سيطرت على نفسها وحمحمت ثم حاولت أن تقتل الصمت بالتفوه بأي شيء وألقت نظرة على المنضدة أمامها لتفكر في أي مخرج لتأثيره الذي تملك قيد كل أنملة بها


"صباح الخير" أخبرته في تُؤدة بإبتسامة لطيفة لتزيد من حيرته فأومأ لها بهدوء لتتوجه نحوه حاملة قهوته لتناوله اياها


"يالا ألبس هدومك وتعالى نفطر سوا، بسرعة عشان متاخدش برد" قالت لتتوجه للشرفة كي تغلقها بإحكام حتى لا يستمر الهواء بالدخول فانخفض الضوء بالغرفة فتوجهت لفتح الأنوار وصاحت بصوتها من بُعد ووجهها موجه للحائط ولكنها مازالت تشعر بعدم تحركه


"يواضح كده إن دايماً بنقضي الوقت مع بعض في الشتا!!" لم تدري لماذا تفوهت بهكذا ثم انقبضت تقاسيم وجهها وأغمضت عيناها لتفكر "يا غبية يا متخلفة!ايه اللي انا بقوله ده بس؟!"


"أنتياللي مشيتي وسيبتيني، ومتقلقيش الصيف الجاي هتكوني معايا يا شيرين" سمعت ما أخبرها لتوه وشعرت بأنفاسه بجانب عنقها وقد علمت أنها ستواجه تلك اللحظات الصعبة معه مجدداً، ستتعرض لنزال جديداً بين جسدها وعقلها، سيصرخ واحداً بألا تبتعد وسيوقفها الآخر بألا تتمادى!


بدأ في تحسس كتفها ببطأ من خلفها ثم تلمس شعرها الفحمي الذي يبعث به الجنون بيد ترتعش فقد تمنى ليالٍ أن يتلمسه ولو لمرة واحدة فقط وشعرت بقبضته الدافئة تداعب خصرها بنعومة أولاً ثم اشتدت حوله تعتصره بقسوة، اقترب منها لتجد أنفاسه تحرق جيدها لتفقد القدرة على التركيز وتغمض عيناها رغماً عنها، أخذ خطوة للأمام لتجد ظهرها ملتصقاً بصدره العارِ الذي يعلو ويهبط بجنون ووجدت يده الأخرى تعلو لتعبث أسفل ثدييها ثم تمسكت بيده لتعتصرها لتجده يشرع في تلثيم عنقها بعد ملاحظته لوتيرة أنفاسها التي تعالت لتغادر شفاها شهقة عالية قليلاً


"آدم.." بالكاد همست وقد جف حلقها وشعرت بعدم القدرة على أن تحملها قدماها فأجابها بزفرة مصحوبة بهمهمة غاضبة كمن يريد أن ينهاها، يريدها ألا تتحدث، أن تدع هذه اللحظة وألا تحرمه أن ينهل منها ويروي ظمأه بعد ما فعلته به فقد بعثره الإشتياق لأيام مرت عليه كالسنوات ولا تدري كيف صَعُبَ عليه أن يتعايش دونها.


توجهت لمقابلته بحركة مُفاجأه لتتوسع عيناها "الأكل!! كله.. هيبرد.. سـ.." فقدت القدرة على أن تتحدث وتلعثمت وسط خفقات قلبيهما التي تخفق كالإعصار لترى الإنزعاج بعيناه


"روح يا آدم ارجوك البس هدومك وتعالى نفطر" بالكاد استطاعت قولها ثم أغمضت عيناها منتظرة كي يبتعد عنها ولكن لم تشعر بإبتعاده. فتحت عسليتاها لتجده يتفحص وجهها وملامحها وقد صفت رماديتاه أسفل شعره الأسود المبعثر بفوضوية وقد تملكها الذعر لتُفكر


"وده لو مبعدش من قدامي هتصرف ازاي؟ أنت بتفكر تعمل ايه؟ أنت فعلاً ممكن تعمل معايا زي ما بتعمل مع البنـ.." فكرت ليُقاطعها اقترابه من وجهها لتتعالى أنفاسها


"أرجوك بلـ .." لم تُكمل جملتها لتجده يُقبل جبينها ثم ابتعد عنها وتوجه بعيداً ليدخل غرفة ملابسه لتطلق زفرة كمن لم يتنفس لزمن ووضعت يدها على صدرها لتهدأ من روعها


"وأنا هافضل بقا لغاية امتى كده اتوتر كل لما يقرب مني ومعرفش اتلم على نفسي!" تنهدت بعد أن تمتمت متوجهه للأريكة لتجلس منتظره اياه وقد هدأت ثم رفعت شعرها بفوضوية وشربت القليل من المياه لتُعلن رائحة النعناع المنعش عن وصوله لتخفض كأس الماء ويتوجه نحوها ليجلس بجانبها.


شرعا في تناول الطعام بهدوء وساد الصمت الغريب بينهما لتحاول كسره "احنا هنرجع امتى؟" سألت بعفوية لتجد تقطب حاجباه ولم يُجيبها فشعرت أنها لم تحسن اختيار السؤال المناسب لتبدأ الحديث به فحمحت وتناولت قهوتها ثم تحدثت مجدداً


"أنا هاخد اجازة من الجامعة.. واظن لازم نرجع نشتغل تاني قريب" أخبرته لتبتلع ريقها وتنظر لوجهه نظرة خاطفة كي تحصل على ردة فعل منه ولكن لن تصبح المهمة سهلة فهو فقد ثقته بها وبداخله شعوراً متأججاً بتركها له مرة أخرى ومغادرتها.


"هنشوف" تمتم بخفوت وجبروت هدوءه المعهود


"وصلت لفين في تصوير المسلسل؟"


"كام مشهد كده بس بطلت" اجابها دون أن ينظر لها


"لييه؟ أنا شايفة إنه فرصة كويسـ.."


"هاكمل التصوير.. اتكلمي عن حاجة تانية دلوقتي" قاطعها منزعجاً ليبتعد ويتوجه للشرفة ليخرج ويتركها لتستغرب فعلته ولكنها تبعته لتجده شرع في التدخين


"آدم" نادته لينظر لها ببرود بمثابة اجابة لها فأكملت "أنا كنت.. ممم.. أنا معنديش حاجة البسها.. احنا هنمشي امتى علشـ.."


قاطعها بقبضته التي وجدتها ممسكة بيدها لتتفاجأ من ردة فعله ونظرت له بتوتر


"مترفعيش شعرك كده تاني" آمرها لتستغرب ما قاله للتو وقد أرجعت رأسها للخلف ثم رأته يطيح بسيجارته بعيداً ثم جذبها خلفه ليسير بعنف قليلاً ليجبرها على اتباعه وتوجهت ورآئه لغرفة أخرى مماثلة نوعاً ما لغرفته ليدخلها لغرفة ممتلئة بملابس نسائية منمقة بعناية لتنبهر مما رآته لتوها ثم توقف وترك يده ليغادر ولكنها تبعته بسرعة كي توقفه


"آدم دي مش هدومي ومظنش إنـ.." قاطعها ليتوجه لها بعصبية لتسكت رغماً عنها ثم جذبها مجدداً لغرفة الملابس ليجعلها تتوقف أمام بعض الرداءات المُعلقة وأوقفها أمامه وهي لا تدري ماذا يعني وانفجرت الأسئلة بعقلها ولكن لم يعطها الفرصة للتحدث لتشعر به يهمس في أذنها


"أنا اشتريتهم امبارح.. أنا مبشيلش هدوم ستات" أخبرها وشعرت بأنفاسه الحارقة بجانب أذنها لتبدأ أنفاسها في التعالي لتجد يده تحل شعرها لينسدل على ظهرها "متعمليهوش كده تاني" أحست بنبرته المنزعجة ثم غادرها لترتسم على شفاتها ابتسامة خجلة.


نظرت حولها للملابس، كل شيء جديد تماماً، ووجدت بطاقات الأسعار عليها لتنبهر وتتمتم "يا مجنون، بقا للدرجادي أنا مهمة اوي كده عندك عشان تعمللي كل ده، هتجنني يا آدم يا رأفت!"


توجهت لتغلق الباب ثم توجهت للحمام التي وجدت فيه كل شيئاً مُعداً بعناية وحتى وجدت المستحضرات التي تستخدمها لتندهش كيف عرف عنها وكذلك وجدت رداء استحمام يُناسبها لتشرع في خلع ملابسها وتدخل تحت المياه الساخنة


"أنت هتخلي الموضوع صعب اوي عليا يا آدم أكتر من ما تخيلت! بقا أنا هاقدر أسيبه زي ما أنا عايزة وابعد ولا هيأثر عليا بعمايله الغريبة اللي مبتخلصش دي؟ أوووف بقا!! كنت فاكرة إني هاقدر امشي بسهولة ولا افهمه إني هاكمل معاه بالسهل كده؟ بس أنا عارفة هيرجع تاني لأسلوبه الصعب وعصبيته وتحكمه الزايد وأنا عمري ما هاقدر أكون معاه أبداً، لا هاقدر أتعامل ولا هاقدر أغيره، أنا حاولت قبل كده ومعرفتش وأكيد مش هاعرف تاني، أنا لازم أسيبه بس مش دلوقتي، ده بقا الحل الوحيد قدامي، لازم أكسب ثقته الأول عشان ميلاحظش حاجة، وإلا ده مجنون ومش بعيد يموتني بجد المرة الجاية لو مشيت وسيبته"


فكرت وهي ترفع شعرها لتعيده للخلف وتنهدت لتجد التصميم على ما تريد فعله ينمو بداخلها وعقلها يُحثها أنه الشيء الوحيد الذي يجب أن تفعله.


"أنا كمان خايفة، خايفة أحب تاني، خايفة أفوق على جرح جديد ولا خيانة... لو آدم في يوم جرحني أنا عمري ما هاقدر أكون كويسة أبداً، أنا مش قده، أنا مش قد أتعرض تاني للي اتعرضتله!" تمتمت بداخلها في خوف وهي تشعر بالرعب ما إن جُرحت مرة ثانية.


تجاهلت أفكارها وبدأت في ممارسة طقوسها المعتادة ثم فرغت وأغلقت المياة، توجهت لغرفة الملابس لأختيار ما سترتديه، رداء قصير أحمر قاتم وكنزة طويلة فاتحة اللون لترتدي أسفلهم سروال ضيق أسود وحذاء برقبة طويلة نسبياً ثم جففت شعرها واسدلته واستعانت بمرطب الشفاه. ألقت نظرة على نفسها بالمرآة لتشعر بالرضاء على ما تراه واستمدت قدر ما تستطيع من ثقتها بنفسها لتعمل على كسب ثقته مجدداً فهي المفتاح الوحيد كي تفعل ما تريده.


انتظرها آدم بفارغ الصبر وبداخله ذاك الشعور المزعج بالتألم كلما ابتعدت عنه وحتى لو لدقائق معدودة.. يشعر أيضاً بأن هناك شيئاً ستفعله إن لم تكن أشياء وستثير غضبه مرة أخرى، هناك أمراً تفكر به وسيعلمه عاجلاً أم آجلاً، لا يستطيع الوثوق بها وخاصة الآن.. فقد استطاعت أن تتركه مرة وستفعلها ثانيةً بكل سهولة ولكنه لن يدعها تعذبه مرة أخرى.


نفث دخان سجائره وسط الصمت والهدوء الذي ينعم به كثيراً وتجرع من كأسه بغروره المعتاد لتتثبت رماديتاه الحادتان على زرقة البحر أمامه ولم تهدأ الأفكار برأسه ولكن بدلاً من هذا اختار أن يتريث لآخر مرة معها، جزء صغير منه تمنى أن تكون صادقة معه وألا تكذب عليه لأنه يعلم تماماً أن المرة القادمة التي تفعل بها شيئاً ستكون الأخيرة!


لا يثق بنفسه وبأفعاله فسيتمادى وقتها لأبعد حد.. قرر بإبقاء من يراقبها فهو يعلم أنها لا تعرف شيئاً حتى الآن وإلا كانت ذكرته وسط انفعالهم وجدالهم، فبالرغم من وجودها معه هو متأكد أن هناك أمراً ما.


"آدم.." نادته ليشرد من تفكيره ويتوجه نحوها ليتفحصها كما لم يفعل من قبل، أراد أن ينظر لها للأبد، لا يدري لماذا لم يومأ لها فقط كما يفعل دائماً


"أنت مش سقعان من الجو ده؟ يالا ندخل جوا!" همست لتجد بسمة صغيرة ارتسمت على شفتاه ثم مد يده لها لتقطب حاجباها لبرهة ثم لم تجد إلا أن تُمسك بها هي الأخرى ثم توجها كي يتمشيا وبجانبهم البحر ليسود الصمت بينهما ونظراته قد وترتها لدرجة أنها نسيت برودة الجو حولها وزاد خوفها لا تدري لماذا فقررت كسر هذا الصمت


"هو.. هو أنت لما كنت مختفي أسبوعين جيت هنا؟" بادلته النظرات متسائلة ليومأ لها مُنكراً لتفشل محاولتها في كسر الصمت ووجدت مسكته تشتد على يدها مما وترها أكثر


"طب أنت روحت فين ساعتها؟" سألته مجدداً لتحصل منه على ابتسامه أكبر ولم يجيبها فسكتت قليلاً ثم سألته مرة أخرى


"احنا هنمشي امتى؟"


"قريب" اجابها بإقتضاب ولكن ملامحه تبدو هادئة ثم ترك يدها وجلس على الأرض ولم تجد إلا أن تجلس بالقرب منه منتظرة أن يقل أي شيء ولكنه لم يتحدث ففرغ صبرها وشعرت بالإنزعاج


"مش هتتكلــ.."


قاطعها هو مشيراً بإصبعه على فمه محذراً اياها بألا تتحدث لتخيب محاولاتها في معرفة ما يريد فعله وتسكت بإنزعاج وبدأت في الشعور بالبرودة مجدداً وأرادت أن تغادر


"تمام.. أنا هاقـ..."


"غمضي عينك" آمرها بغموض فلم تجد إلا أن تطيعه ففعلت "أنتي بتتكلمي كتير ليه؟" سألها وهمت أن تجيبه ولكن لم تغادر الحروف شفتاها وشعرت به يطوق ظهرها وكتفيها بذراعيه


"هاعمل فيكي ايه يا شيرين لو كدبتي عليا؟" سألها وقد بعث الرعب بقلبها فقد خافت من نبرته كأنه يعلم ماذا تُفكر به


"مش هاكـ.."


"اسكتي" آمرها مجدداً ليقاطعها "عارفة ايه اللي هيحصل المرة الجاية لو مشيتي؟؟" سألها ولكن لم تجيبه لخوفها وما تعجبت منه أكثر أن ذراعيه طوقتها بشدة "جاوبي.. متخافيش" آمرها ولكن نطقه لإسمها بتلك الطريقة أرعبها أكثر وكان قوله بألا تخاف كأشارة بدء لإعصار قادم


"لا..مش عارفة.." همست بصعوبة لتفتح عيناها ليسرع هو بالكلام


"هو أنا قولتلك تفتحي عينيكي؟" سألها لترتعب وتغلقهم بسرعة ليبتسم برضاء "شاطرة.." همس ليشعر بأنفاسها تتعالى ليدنو من أذنها اليسرى ويهمس بهم


"هاموتك.. هاموتك براحة عشان تتعذبي زي ما بتعذبيني.. عايزك تفتكري ده دايماً" ابتسم بمكر لتشعر بتحرك شفتاه وأنفاسه الدافئة رغم الهواء الذي يحاوطهم من كل مكان ليتملك منها الذعر


"أنا.. الساقعة.. أنا بردت.. هارو.." تلعثمت ليفاجئها بشد خصرها بقوة لتلتصق بجسده بالكامل واشتدت مسكة ذراعاه حولها كمن يقيدها


"كده احسن؟ لسه حاسة إنك سقعانة ولا بتكدبي وخلاص عشان أنتي مش قدي ومش قادرة على اللي بعمله معاكي؟" تفوه بسؤاله الذي جعلها تشعر بالخجل والخوف في آن واحد


"معرفش يا آدم، أنا حاسة إني مش مرتاحة كده" أخبرته بخفوت


"كفاية تفكير وريحي دماغك، شيلي الأفكار دي من راسك يا شيرين" آمرها لتفعل على حذر وسكتت فهي لا تدري بماذا تتحدث وماذا يعني بقوله، هل يعلم أنها تُفكر بشيء ما أم يقصد أنه لن يتواقح معها؟!..


كالعادة تمكن من خضوعها له بكل شيء، تملكها من جديد وكأن شيء لم يكن، بالأمس كانت تلك القوية الناجحة في عملها والآن هي بين يديه، تستمع لصوت أنفاسه، تشعر بخفقات قلبه الهادئة ولم تجد إلا أن تستسلم.. ولكن في عقلها ترفض استسلامها ورضوخها له، لن تفعلها أبداً ستبتعد عنه رغم أنفه وليفعل ما يشاء.


اخفض نظره لملامحها ورأسها المتكئ على صدره ليُقطب حاجباه كالمتألم ليُفكر بمدى قربها له ورغبته المُلحة ليُهشم رأسها هذا الذي يُرهقه كثيراً ويتخذ قرارات تؤلمه ويجعلها تتفوه بأشياء تُفقده سيطرته التي ظن أنه يتحكم بها لسنوات ولكن بكلمة واحدة تجعله ينهار أمامها!! هدأت ملامحها ليتفحص برائتها وشفتاها المزمومتان وأنفاسها التي لم تهدأ بالرغم من هدوء ملامحها، رموشها الكثيفة ووجنتاها التي يعشقهما كلما ابتسمت لتتسارع خفقات قلبه وقد شعرت شيرين بها ولكن لم تدري كيف ستقول شيئاً فعليها مجارته بكل شيء حتى تحصل على ما تريد.


"أول ما نرجع النهاردة كل حاجة هترجع زي الأول، هنكمل الشغل.. ستقعدي معايا في البيت.. فيه سكرتير جديد في الشركة هيقولك على كل حاجة بالتفصيل وأنا معنديش وقت أضيعه معاه، أنتي هتقوليلي كل حاجة" أخبرها لتبتلع ريقها بصعوبة وكأن كل ما أخبرها به للتو لن يجعلها تهدأ بل شعرت بالتوتر أكثر وتعالت أنفاسه وقد شعر هو بالإنزعاج من تأثيرها عليه هكذا.


"آدم..." نادته ليهمهم لها "أرجوك تعالى ندخل جوا" توسلت له فهي لا تستطيع الإقتراب منه هكذا دون أن يعبث بعقلها.


شعرت بجذبته لخصرها ليقفا معاً لتطلق هي زفرة كمن نجا لتوه من الموت ثم تبادلا نظرات غريبة لم تدري هي ما معناها وبالكاد أستطاع آدم أن يبعد نظره عنها ثم توجها للمنزل مباشرة ليبقى الصمت سائداً لتخطف بعض النظرات له ولكن لم يبادلها أياها وقد لاحظت الإنزعاج عليه لتتعجب لماذا هو منزعج واختارت ألا تستفسر فلتدعه هكذا حتى لاتبدأ جدال جديد.


دخلا المنزل لتجده يغادرها بحنق وعصبية فاندهشت من تصرفه هكذا ولم تعرف ماذا يجب عليها فعله الآن.. قررت أن تذهب وتمكث بغرفتها بعد أن أعدت بعض القهوة ثم تطلعت من نافذة غرفتها نحو زرقة المياه.


"ايه المختلف المرة دي؟ ايه مش قادر اتجاهلها للدرجة دي؟مش قادر أفكر غير في شفايفها وعنيها وأتخيل نفسي وأنا ببوسها؟ ايه شغل المراهقة ده؟ هي بتعمل فيا ايه بالظبط؟ ناوية تروح بيا على فين؟ ووصلت بعقلي وتفكيري لفين، أنا لأمتى هافضل كده؟!"


فكر بحنق لتسود رماديتاه ولأول مرة أراد الإختفاء عن أعين الجميع حتى لا يلاحظوا ضعفه وعدم تحكمه وسيطرته على نفسه. جلس على أرض حمامه وهو شبه متأكد أن هذا الوضع لن يستمر كثيراً ولكن ماذا سيفعل؟ هي لن تقبل أفعاله التي تعتبرها وقاحة وهو لن يستطيع أن يأخذ خطوة جدية نحوها إلا عندما يتأكد منها أولاً، نعم يريدها بالقرب منه ولكن ثقته بها قد تبددت منذ أن تركته. خلل شعره بعصبية وخلع ملابسه ليترك المياه الباردة كالثلج تنساب عليه دون التفكير بأي شيء آخر غير كيف سيستطيع أن يظل بالقرب منها ولكن دون أن يتهور ويفعل شيئاً لا يُرضيها.


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::




"هاقتلها"


"أنت اتجننت؟ هتقتل مراتك، ملكة الشعب، عشان خاطر البنت دي؟ هتقتل ملكتك عشان مجرد علاقة مش حقيقية؟"


"ابعتلي الخدامة بتاعتها، أنا عندي خطة محدش هيعرف ولا هيحس بحاجة، أنا هاتصرف معاها" آمره بحدة والشر يلمع بعيناه، فقد تحول من صديقه إلي الملك المغرورالذي يُملي عليه الأوامر


نظرت شيرين له من بُعد وجاذبيته تكاد تذيب قلبها فلم ترى رجل مثله بتلك الملابس الملكية التي يرتديها وشعره الأسود الذي قد أصبح طويلاً لملائمة الدور الذي يصوره. وجدته يتوجه نحوها وبصعوبة قد فاقت من شرودها لتعلم أن التصوير قد أنتهى اليوم


"يالا هنمشي" أخبرها بملامحه الهادئة التي قد تعودت عليها الآن لأكثر من شهرين منذ عودتها للعمل معه وغادرها كي تتبعه لغرفته


"هنخلص شغل في الشركة النهاردة امتى؟" سألها بإقتضاب


"على عشرة بليل أو قبلها بشوية" اجابته ثم انتبهت لتجده يشرع في خلع ملابسه لتخبره "مممـ.. هستناك برا على ما تخلص"


"استني" آمرها وهو نصف عارٍ لتتوتر قليلاً


"فيه حاجة؟" سألته ولكن لم يجيبها واستمر بتحديقه بكل تفاصيلها كما اعتاد مؤخراً فمنذ عودتها وهو يفعلها كثيراً ثم تجده كالمتألم لا تدري لماذا، وينتهي الأمر كل مرة بمحاولات مغادرة أحداهما ودائماً ما يكون هوغاضباً.


لا تعلم شيرين هل هو توقف عن وقاحته معها ولمساته المعهودة من وقت للآخر كي لا يخسرها مجدداً أم هناك شيئاً آخر، شردت به ولم يتوقف عقلها عن طرح الأسئلة التي لا نهاية لها هل هذا لأنه يعلم مُسبقاً بتفكيرها في مغادرته وهو الأمر الذي حيرها كثيراً فهي لم تخبر يوسف أو حبيبة أو أي احد على وجه الأرض بهذا، أم هل ما يفعله محاولة منه في أن يُصبح لائقاً كي يغير تلك الأفكار برأسها وأن يثبت لها أنه قد تغير بالكامل؟ والسؤال الذي يتردد على أفكارها باليوم مائة مرة هل يثق بها بعد كل محاولاتها في كسب ثقته أم لا؟! هذا ما أرقها كل ليلة وهي لا تعلم هل تسير نحو مرادها أم لا؟!


بادلته النظرة لتنظر بعيناه القاتمتان تماماً ووجدته قد اقترب منها ولا تتذكر متى لتشعر بقليل من الخوف والاشتياق له بنفس الوقت فقد أصبح غريباً معها على غير عادته.


استمرا هكذا لبرهه وقد توترت أجواء الغرفة حولهما لا تستطيع أن تتحدث ولا يتجرأ هو أن يفقد سيطرته الآن بعد كل ما عاناه منذ عوتها، تطلعت له شيرين لتجده يعقد قبضتا يداه كمن يكبح أعصابه كي لا يقتل أحد وقد ثقلت أنفاسه بشكل مخيف ولم يقاطعهما إلا طرقات على باب غرفته لتجده ينزعج أكثر مغادراً إياها ليفتح الباب بعصبية لتتنهد هي خلفه واضعة يداها على وجهها وقد علمت أنهما احترقا من الخجل والتوتر اللذان ما يخذلاها دائماً أمامه


"أنا جيت بس عشان أسأل عن..." صاح صوت أنثوي ليقاطعه آدم


"مواعيدك هتبلغك بيها مديرة أعمالي، ده أصلاً لو كنت هحتاك ماكيير.." صاح بها بجفاء وشرع في إغلاق الباب ولكن أوقفته


"تمام.. أنا جبتلك الـ.."


"مش عايز حاجة منك ومتجيش هنا تاني" نهرها بقسوة ثم أغلق الباب في وجهها بعنف كاد أن يكسره لتفزع شيرين وتتوجه له


"فيه ايه يا آدم؟ البنت معملتش حاجة تستاهل عصبيتك دي!" تعجبت من فعلته


"أنتي عايزة تناقشيني في قراراتي ولا ايه؟" سألها بنبرته الغاضبة التي تعلمها جيداً


"لأ مقصدش.. أنا بس.. استغربت، هي معملتش حاجة ومتستحـ..."


"شيرين!!" صاح بها محذراً وقد ارتدى ثوب بروده الآن


"خلاص أعمل اللي أنت عايزه براحتك.. هستناك في العربية" أخبرته ثم حملت أشيائها لتغادر كي تبحث عن الفتاة لتحاول التخفيف مما قد فعله


"أمل.. أنتي جوا؟" صاحت متسائلة بعد أن طرقت على أحدى الأبواب


"عايزة ايه؟" سألتها بعلو صوتها وقد أدركت شيرين أنها تبكي لتفتح الباب وتدخل لتطلع بها وقد رآت آثار البكاء الشديد عليها


"أنا بعتذرلك عن الآدم عمله، هو بس مـ.."


"لا بجد جاية تعتذري!! ولا عايزة منك إعتذار ولا عايزة أشوف وشك، اتفضلي من هنا، بره!" قاطعتها باكية وقد احتدت نبرتها


"أنا عارفة إن اللي قاله ضايقك بس صدقيـ.."


"قولتلك غوري من هنا.. مش عايزة أشوف وشك.. ايه مبتفهميش؟! .. يالا من هنا وروحيله، ما أنتي خلاص بقيتي الوحيدة اللي في حياته والوحيدة اللي بيعملها حساب، واضح اللي سمعته كان صح" صرخت بها بعصبية لتقاطعها وبالكاد جففت دموعها


"أأيه؟! أنتي ايه اللي بتقوليه ده؟ وايه اللي سمعتيه؟" تعجبت لتعقد حاجباها


"مش أنتي بقا الجديدة بعد ميار؟ مش أنتي اللي بقيتي قاعدة معاه في بيته؟ عايزة ايه أنتي دلوقتي مني؟ عايزة يعني تيجي تفهميني إن آدم خلاص بقا معاكي وإني مجيش جنبه.. تمام.. اتفضلي.. اتبسطيلك يومين، زيك زي أي واحدة آدم قضى معاها يومين، وكلها شهر ولا اتنين، سنة سنتين، وفي الآخر هيسيبك وساعتها هتعرفي إنك مجرد واحدة بيتسلى بيها شوية"


صاحت بها بغيظ شديد وعقدت ذراعاها متحفزة لتندهش شيرين مما سمعته لتوها ولكن ما بعث الفزع لقلبها هي رائحة النعناع المنعش الممزوج بالدخان لتعلم أنه ورائها مباشرة وما أكد لها ذلك هي نظرة أمل أمامها فقد توسعت عيناها في خوف.


"واحدة بتسلى بيها شوية، مش كده؟!" سألها آدم بعصبية وغضب شديدان متواريان خلف هدوءه الغامض وملامحه الحادة الباردة لتلتفت له شيرين


"دي دي مقالتش حاجة.. صدقني.. يالا.. أصلاً عندك Meeting مهم مع الـ.."


لم تكمل جملتها المتلعثمة ليقاطعها بنظرة قاتلة محذرة وهي تعلم جيداً أنه قد حان موعد عراك آخر..


عقد ذراعه ليوجه نظراته لأمل تلك الفتاة التي يعلم جيداً أنها تود الحصول عليه ولكنها لن تستطيع، لم يُفكر بأي شيء غير قتلها بيديه الآن بعد أن سمعها وسمع ما قالته لها


"آه واحدة هتتسلالك بيها يومين.. زي ما كنت أنا بتتسلى بيا يومين.. ولا نسيت يا Mr آدم؟" اجابته بجبروت ولكنها قد ارتكبت خطئاً جليلاً لتوها وقد صُدمت شيرين مما قد سمعته لتشعر بالألم يغزو قلبها


"أنتي كنتي واحدة شمال وأنا فعلاً بتسلى معاها يومين، إنما هي مش رخيصة زيك.. لو معتذرتيش ليها دلوقتي حالاً هاخليكي تتمني الموت بدل اللي هاعمله فيكي" همس ببرود ولم يدرك ما خلف هذا البرود إلا شيرين ففزعت مما يُفكر به فهي متأكدة أنه ليس يسيراً


"بقا أنت عايزني أعتذر للبت دي، ما تولع بجاز وسخ، ولا هي يعني عشان اللي على الحجر دلوقتي" صرخت به


"ماشي! أنا هاخليكي تندمي على كل اللي هيحصل، ماترجعيش تعيطيلي بقا!" تبسم بمكر شديد ثم جذب يد شيرين وتوجها للسيارة دون أن ينبسا ببنت شفة وما إن شرع في القيادة وجدها تبكي بصمت فنظر لها ببرود ولكن بداخله يتآكله الغضب وظلا هكذا لمدة لتهمس هي وسط دموعها بعد صمت طويل


"آدم.. كفاية كده.. أنا لازم امشي!.."

اضغط هنا لمشاهده الفصل التالى

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-